تداعيات سومريّة
كتب .. كتب .. كتب :
تسع وأربعون – د. محمود عجمي :
د. حسين سرمك حسن
عن دار تموز للطباعة والنشر بدمشق صدر كتاب "تداعيات سومرية – بصمات على الورق .. بصمات على الغرين" للأستاذ الدكتور محمود عجمي .
وهذا الكتاب (187 صفحة من القطع الكبير) ، هو في الحقيقة احتفاء لعدد كبير من النقاد بتجربة المبدع الفنان التشكيلي الأستاذ محمود عجمي بشكل عام ، وبمعرضه التشكيلي الثاني "تداعيات سومرية" بشكل خاص .
جاء إهداء الكتاب من قبل الفنان إلى (الفنان الأول على أرض الرافدين الذي غرس فيّ عشق الطين ، وسار بي إلى حيث وضع الزمن بصماته على مساحاته .. فجعلني أتواصل مع إرثي ، بدفء وحنين) (ص 4) .
وقد افتتح الأستاذ محمود عجمي الكتاب بكلمة أوضح فيها جانبا من "شفرات" إبداعه وهي المتعلقة بهيمنة رمزي "الثور" و "المرأة" في منجزه النحتي حيث قال :
(لقد ركزت في أعمالي الفنية – الفخارية النحتية على الخصوص – على ثيمة (الثور والمرأة) / (الثور والإنسان) كمجال خصب أو موضوعة ثرية في الطرح ، لما لهذه الثيمة من أهمية استدعتها الأسطورة في العالم القديم ، ومنه ما عرفته الحضارة الرافدينية من فكر خاض بهذا المجال كثيرا وانعكس على أعمال الفن فيها – وأسطورة جلجامش منها بالخصوص (...)
الثور شكل القاسم المشترك في جميع أعمالي الفنية ، عائد من كونه رمزا ثقافيا / دينيا عرفته الحضارة الرافدينية .. وكذلك بظهوره في حضارات الشرق القديم ، ولدلالاته العديدة والمتنوعة في مراحله الثقافية وما كان عليه من تجسيد فني ، فقد أثار فيّ شغفا وولعا لأن أتناوله في أعمالي الفنية ، علاوة على ملازمته في مجتمع القرية التي أسكن – الطهمازية ، وهي من قرى بابل العتيقة ...
أما (المرأة) المصاحبة لـ (الثور) في أعمالي الفنية ، فهي وإياه يشكلان وحدة لا تنفصل في مضمونها الدال على الخصب / الحياة ، وبرمزية ألمحت فيها إلى التعويض بأحدهما عن الآخر كرمز يشير إليه ، وبصياغة في التشكيل مالت فيها – وكذلك الثور – إلى الإختزال لتسمو الفكرة فيها إلى معان عديدة دون الخوض في التفاصيل الجسدية ، بحساب الفكرة عل الشكل ، وبظهورها – المرأة – مغيبة الراس للابتعاد عن التمثيل الكلي لها ) (ص 7 و8) .
وقد ألمحتْ بعض المقالات التي ضمها الكتاب إلى تأثر الفنان محمود عجمي بأعمال الفنان الراحل محمد غني حكمت – مقالة محمد أبو خضير مثلا – أو الفنان خالد الرحال أو الفنان اسماعيل فتاح الترك . ولكن محمود عجمي يرد في مقدمته بنفي تأثره بهؤلاء الفنانين نفيا قاطعا :
(وما يمكن أن يُقال عن تأثر لي ببعض النحاتين العراقيين ، وإلى أية مدرسة تتجه أغلب أعمالي ، فإن أعمالي تقع بالنفي من ذلك ، إذ هو ليس تأثر بقدر ما هو تماه مع أعمال لا تحمل قصدية النزوع إلى تجربة هذا الفنان أو ذاك ، ثم أن هذا الأمر يمكن أن يتصدى له الآخرون في أعمالي الفنية ، فقد رأى فيها البعض تأثرا باسماعيل فتاح الترك ، وآخرون قالوا بخالد الرحال ، بحسب وجهة نظرهم ، مع نفي قاطع بأن تكون أعمالي متخذة أساليبهم ، إذ لي منهجي الخاص وهويتي المعرفة بي في الطرح ) (ص 8) .
ويطمئننا الفنان بأنه لن يقع في مصيدة النمطية والتكرار كما يعتقد بعض النقاد (ص 9) .. مثلما يعلن وباعتزاز – وهذا ما أراه أنا شخصيا أيضا – بأن بصماته الخاصة والقريدة إذا ما قدر لها أن ترى النور خارج محيطها المحلي فسيكون محمود عجمي فنانا رافدينيا منتميا بعصبية قبلية مبهجة إلى تراثه الرافديني ، لكن دون تقليد لما أنجز ، وحيث الإنتماء إلى المدرسة الرافدينية في صدق التعبير عن الهوية . ثم يختم مقدمته المهمة بالقول :
(على هذه الأرض المعطاء
أرض سومر النشأة والبقاء
و"المدرسة" التي إليها أصبو
نحو تأصيل تجربتي الفنية
وصدق الإنتماء) (ص 9) .
بعدها تتوالى مقالات إثنى عشر ناقدا تحلل وتضيء وتحتفي بأعمال الفنان محمود عجمي منهم : محمد أبو خضير (الذي صعب علي فهم مقالته) ، صلاح عباس ، أمين عباس ، ناجح المعموري ، جاسم عاصي ، مزاحم الجزائري (مقالتان) ، شوقي الموسوي ... وغيرهم .
وما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن الكتاب ضم أكثر من خمسين صورة لمنحوتات الفنان ، وأكثر من عشرين تخطيطا (سكيتجات) أنجزها في مراحل مختلفة من عمره الفني المديد .
والفنان محمود عجمي من مواليد العراق – بابل – عام 1959 . حصل على العديد من الجوائز المحلية عن أعماله المتميزة . وقد تخرج الفنان من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد عام 1983 ، وحصل على شهادة الماجستير في النحت عام 1988 ثم الدكتوراه في فلسفة الفنون التشكيلية من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1997 . كما مُنح درجة الأستاذية (أستاذ فن) في عام 2008.