رواية أهل الجبل تدعو إلى التفكير
رواية أهل الجبل تدعو إلى التفكير
جميل السلحوت
صدرت رواية"أهل الجبل" للأديب المقدسي ابراهيم جوهر عام 2014 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان، وتقع الرواية التي صمم غلافها نضال جمهور في 164 صفحة من الحجم المتوسط.
القارئ لرواية" أهل الجبل" سيجد نفسه أمام تساؤلات كثيرة، تماما مثلما هي الرواية تطرح تساؤلات كثيرة، فما الذي يريده ابراهيم جوهر في هذه الرّواية؟ وقراءة فاحصة ومتمعنة للرواية تقودنا إلى إجابات كثيرة، بل تقودنا الى مزيد من التساؤلات، فهل جاءت الرواية انعكاسا للواقع الضطرب الذي يعيشه الفلسطيني المعذب في وطنه الذّبيح؟ وكاتبنا الذي اختار منطقة الخليل لتدور عليها الأحداث الرئيسية في روايته، حتى أنه اختار أسماء حقيقية أو الاسم الأوّل في شخوص الرواية حقيقي واسم العائلة ليس حقيقيا، لكن تصاحبه دلالات تشي بالاسم الحقيقيّ كخولة العايد مثلا. وقد تكون البطولة في الرواية للمكان، فاختار الكاتب الخليل وقضاءها للتعبير عن الأصالة، والتمسّك بالأرض ودوالي العنب ومحاجر وحجارة يطّا ودورا وقراها؛ لتكون مسرحا لشخوص روايته، وأتانا بقصّة حارس التراث اسحاق الحروب ابن قرية دير سامت كنموذج للأصالة والحفاظ على التراث، والحروب معلم المدرسة قام بجهود فردية لم تقم بها مؤسسات ووزارات، عندما جمع ووثّق واقتنى موجودات تراثية شعبية لا تقدر بثمن، وجعل بيته متحفا يزخر بهذه الكنوز الثقافية، وهذه لفتة كريمة من الكاتب الى ضرورة الحفاظ على موروثنا الشعبي، وما يتعرض له من طمس وسرقة وتشويه. ورغم ذلك فان مدينة الخليل التاريخية وقراها لم تسلم من عبث المحتلين ومستوطنيهم الذين يحتلون رؤوس الجبال ويهلكون البشر والزّرع والضرع.
ويقابل مدينة الخليل في الأصالة مدينة رام الله، وما تتعرض له المدينة من تحديث على حساب أصالتها وعراقتها، من خلال الأبنية الحديثة ذات الطوابق المتعددة التي احتلت أرض المدينة، وسلختها عن ماضيها العريق، الذي ضاع وسط معمعان الحداثة، فحتى الأسود الحجرية التي تتربع وسط دوار المنارة الشهير وسط المدينة، لم تسلم هي الأخرى، حتى أن استبدال أحد هذه الأسود بأسد جديد لم تنجح، فجاء فُخّاريا مهشّما وناشزا لا يليق بعراقة أقرانه الحجريين.
ولا تنسى الرّواية عسف الاحتلال ومظالمه فحاجز "الكونتينر" على أراضي السواحرة الشرقية، يتكرّر ذكره كعلامة فارقة تفصل شمال الضّفة الغربية عن جنوبها. ولا بدّ لعابريه من الوقوف والتفتيش، وما يتعرّضون فيه من إهانات ومسّ بكرامتهم. وتعرّج الرّواية إلى دير ياسين تلك القرية الوادعة التي تعرضت الى مذبحة بشعة في التاسع من نيسان عام 1948، وكيف أن هذه القرية التي أقام الاسرائيليون فيها مشفى للمجانين، لم يبتعد عنها اجرام المجانين العنصريين، الذين قاموا باحراق الطفل محمد أبو خضير حيّا حتى الموت في 2 تموز 2014، لتختلط رائحة اللحم البشريّ المحترق برائحة الخبز المنبعث من المخبز الاسرائيلي القريب من مكان الجريمة، ولتتواصل الجريمة بالمحرقة التي تعرّض لها قطاع غزة صيف العام 2014.
وتزداد الأمور تعقيدا من قبل الاحتلال، فقطاع غزّة الذي كان قريبا الى الخليل يستطيع المرء وصوله في عشرات الدقائق، أصبح بعيدا بعد اغلاقه ومنعه من التواصل مع شقّه الثاني-الضفة الغربية-، تماما مثلما هي رام الله أصبحت بعيدة عن الخليل بسبب الحواجز العسكريّة والمستوطنات. والاتيان بهذه المفارقة التي لم تعد عجيبة في الرواية ليس عفويّا بمقدار ما يحمل من اشارات الى ما آلت إليه الأمور بعد اتفاقات أوسلو التي وقعت في ايلول 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل، وكيف جاءت طموحات الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال واقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس معكوسة تماما. بل إنّ الأمور ازدادت تعقيدا، وازداد عذابات الشعب الفلسطيني، بل إنّ الحديث عن الفكرة، وكيف تتطوّر وتنمو جاءت بطريقة غير مباشرة، حيث أنّ الاحتلال في اتفاقيات أوسلو سعى إلى إعادة روابط القرى البائدة وإن بأسماء أخرى، فهل تنطلي الخديعة؟
والقارئ للرّواية سيجد أنّ الكاتب استعمل لغة عالية في بلاغتها ودلالاتها، لتحتمل التساؤلات والأفكار التي تحملها.
وقد خرج الكاتب عن أسلوب الرّواية السّرديّ المعهود إلى أسلوب كتابة اليوميّات، التي ترتبط بخيط شفيف، لايصال الفكرة أو الأفكار التي تحتويها.