درء تعارض العقل والنقل

درء تعارض العقل والنقل

لشيخ الإسلام ابن تيمية

موسى بن سليمان السويداء / السعودية

[email protected]

هذا الكتاب " درء تعارض العقل والنقل " من أكبر كُتب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ومن أجلها وأنفعها فقد ألفه في الرد على الأشاعرة الذين يوجبون تقديم العقل على النقل – أي النصوص الشرعية المنقولة – في حالت إذا تعارضا حتى أصبح قانوناً كلياً عندهم يعملون به ويعتمدون عليه وأئمتهم في هذا الشأن الرازي والغزالي والجويني والقاضي أبو بكر بن العربي والباقلاني وغيرهم .

 موضوع تقديم العقل على النقل موضوع طويل وخطير جداً وقد فتح باباً للجُهال منذ زمن بعيد بالتلاعب بالنصوص الشرعية وإبطالها أو تأويلها بسبب أنها لا توافق عقولهم القاصرة ! واليوم وجد أناس يريدون نسف صحيح البخاري ومسلم وكتب السنن والمسانيد والمعاجم من أجل بعض النصوص التي ثقلت أذهنهم عن فهمها أو بسبب سوء معتقداتهم الخبيثة التي ينطوون عليها .

 ولذا عد ابن القيم الجوزية – رحمه الله - المتوفى سنة ( 751ه ) في كتابه " الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة " تقديم العقل على النقل من الطواغيت الأربع التي تعمل على هدم الإسلام ورد على هذا الطاغوت من أحدى وأربعين ومائتي وجه في بطلانه علماً أن أغلب أقواله استفادها من كتاب شيخه ابن تيمية .

شيخ الإسلام ابن تيمية في بحثه الطويل ودراسته لهذا الموضوع في هذا الكتاب أوضح أن العقل إذا كان صريحاً فهو موافق لصحيح المنقول لا يمكن تعارضهما في أي حال من الأحوال فقال في هذا الصدد : " النصوص الثابتة في الكتاب والسنة لا يعارضها معقول بين قط و لا يعارضها إلا ما فيه اشتباه واضطراب وما علم أنه حق لا يعارضه ما فيه اضطراب واشتباه لم يعلم أنه حق .

بل نقول قولاً عاماً كلياً : إن النصوص الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعارضها قط صريح معقول فضلاً عن أن يكون مقاماً عليها وإنما الذي يعارضها شبه وخيالات مبناها على معان متشابهة وألفاظ مجملة "(1) .

 وحول دراسة مجمل هذا الكتاب وما فيه من بحوث يتبين التالي :

1/ ناقش الشيخ صيغة الدليل أو القانون الذي وضعوه وناقش ما حوى من عبارات ومصطلحات وما ترتب على ذلك من النتائج الباطلة .

2/ ناقش مضمون القانون وبيان خطئه وتناقضه فقال مثلاً : " أنه إذا عُلم صحة السمع وأن ما أخبر به الرسول فهو حق ، فإما أن يُعلم أنه أخبر بمحل النزاع , أو يظن أنه أخبر به , أو لا يعلم ولا يظن .

- فإن عُلم أنه أخبر به أمتنع أن يكون في العقل وما ينافي المعلوم بسمع أو غيره فإن ما عُلم ثبوته أو انتفاؤه لا يجوز أن يقوم دليل يناقض ذلك .

- وإن كانا مظنوناً أمكن أن يكون في العقل علم ينفيه وحينئذ فيجب تقديم العلم على الظن لا لكونه معقولاً أو مسموعاً بل لكونه علماً كما يجب تقديم ما عُلم بالسمع على ما ظُن بالعقل وإن كان الذي عارضه من العقل ظنياً تكافآ وقف الأمر وإلاَّ قدم الراجح .

- وإن لم يكن في السمع علم ولا ظن فلا معارضة حينئذ فتبين أن الجزم بتقديم العقل مطلقاً خطأ وظلال "(2) .

3/ قابل هذا القانون الفاسد بقانون شرعي مستقيم أكثر إحكاماً وأقوى دلالة وأكثر أقناعاً بحيث كشف أن العقل إذا عارض النقل فإن هذا قدح في العقل الدال على النقل .

4/ بين أن الأمور السمعية معلومة بالاضطرار كإثبات الصفات والمعاد ونحو ذلك .

5/ بين أن هذا القانون مخالف لما هو معلوم من أن مهمة الرسل البيان والهدى وشرح من وجوه أن هذا القانون يعمل على تكذيبهم .

6/ بين النتائج الفاسدة التي تنتج عن هذا القانون الذي أتى به هؤلاء من ضعف ثقة المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم بحيث فُهمت نصوصها أنها لا تعني ظواهرها فانفتحت أبواب شر على الناس كتأويل والتفويض .

7/ بين اللوازم الفاسدة التي تلزم من قال بهذا القانون مثل اعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين الحلال والحرام ولم يبين للناس أصول دينهم – أي العقيدة - بل تركهم يتخبطون بدون هدى .

8/ بين أن حقيقة قولهم أن لا يُحتج بالقرآن والسنة النبوية الصحيحة على شيء من المسائل العلمية بل ولا يستفاد التصديق بشيء من أخبار الله ورسوله .

9/ أوضح أن المسائل التي يقولون أن العقل عارضها مسائل مشتبهة وأهل الكلام فيها مختلفون وأن كل طائفة منهم بنت أقوالها في هذه الأمور المجملة المتشابهة على ما عندهم من المعقولات .

10/ أوضح فساد العقليات التي يدعون أنها معارضة للأدلة الشرعية فبين أن هذه الأصول العقلية التي قدموها على السمع هي أصول فاسدة وأنهم أرادوا بها إثبات حدوث العالم والرد على الدهرية الفلاسفة فجاء ردهم على نقيض مقصودهم بل طعن بعضهم على أدلة البعض ثم رد عليهم وكشف بأنهم لو سلكوا الطريق الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وما قاله أئمة أهل السنة والحديث لوافقوا مدلول السمع .

11/ أوضح أيضاً أن العقليات التي يُقال أنها أصل لسمع وأنها معارضة له ليست مما يتوقف العلم بصحته السمع عليها بل هي باطلة (3) .

 الكتاب طبع قديماً ثم طبع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وبتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم – رحمه الله – في (11) مجلد مع جزء خاص بالفهارس العلمية وهو جدير بالقراءة والمطالعة من أجل معرفة المزيد عن هذه القضية الخطيرة على المجتمعات الإسلامية .

 وفي الختام هذه أبيات لابن القيم يرد فيها على من يتبنى هذا القول أحببت أن أذيل بها هذا المقال وتكون خاتمة لهذا البحث القصير ... فمنها قوله :

لا يـسـتـقل العقل دون iiهداية
كالطرف دون النور ليس بمدرك
فـإذا  الـظلام تلاطمت أمواجه
وإذا  الـنـبوة لم ينلك iiضياؤها
نور  النبوة مثل نور الشمس iiلل
طـرق  الهدى مسدودة إلا iiعلى
فـإذا  عدلت عن الطريق iiتعمداً
يـا طالباً درك الهدى بالعقل iiدو
كـم رام قـبـلك ذاك من iiمتلدد
مـا زالـت الشبهات تغزو iiقلبه









بـالـوحي  تأصيلاً ولا تفصيلا
حـتـى  تـراه بـكرة وأصيلا
وطـمعت بالأبصار كنت iiمحيلا
فـالـعـقل لا يهديك قط iiسبيلا
عـيـن الـبصيرة فأتخذه iiدليلا
مـن  أم هـذا الوحي iiوالتنزيلا
فـأعـلم بأنك ما أردت iiوصولا
ن  الـنـقل لن تلقى لذاك iiدليلا
حيران عاش مدى الزمان iiجهولا
حـتـى تشحط بينهن قتيلا ii(4)

               

1/ درء تعارض العقل والنقل , ج1ص155.

2/ نفس المصدر السابق , ج1ص137.

3/ للمزيد راجع كتاب / موقف ابن تيمية من الأشاعرة ( رسالة دكتورات ) للدكتور / عبد الرحمن المحمود .

4/ مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة , اختصار الشيخ محمد الموصلي ص122.