الملامح الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد

الملامح الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد

الإمام الشهيد حسن البنا

عرض: د. خالد فهمي

يقول الشاعر العربي:

كان من نفسه الكبيرة في جيش    (م) وإن خيِّل أنه الإنسان

 ويقول الشاعر العربي الآخر:

وليس على الله بمستكثَرٍ      أن يجمع العالم في واحدٍ

 هذان بيتان ربما نهضا بوصفِ حسن البنا وصفًا عابرًا مجملاً سريعًا، لكنه صادقٌ تمام الصدق موحٍ كل الإيحاء، وقد أحسن الكريم الدكتور جابر قميحة عندما افتتح بهما كتابه الجديد (الملامح الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد حسن البنا).

وهو كتاب وُلِدَ من رحم الوفاء لهذا الجيل الشامخ الذي أحيا الله به شباب هذه الأمة عندما مَنَّ عليه بأن انتدبه ليكون مجددًا لدينه على المائة الرابعة بعد الألف من الهجرة النبوية الشريفة، وقبل أن أقرأ هذا الكتاب، والمهم أحب أن أذكر شيئًا له دلالته في هذا السياق الزمني، ونحن نستقبل الذكرى الثمانين لإنشاء جماعة الإخوان المسلمين، وهو أني دُعيت إلى تحريرِ كتابٍ يكون بمثابة المدخل التأسيسي لدراسات النصِّ المركزي في قائمةِ أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، وهو نص (مجموعة الرسائل)، وبدأتُ التفكير والتخطيط، فاستقر الأمر على معالجةِ عشر رءوس موضوعات تدور حول البناء اللغوي في الرسائل، وأثر اللغة في الفكر وبلاغتها وخصائصها الأسلوبية، والمعرفة التاريخية والموقف من الثقافة الأجنبية، والموقف من المرأة، والموقف من التراث، والاجتهاد في الرسائل، والملامح الفنية للرسائل من البُعْد النقدي.

 وأسهم عددٌ من الباحثين الكرام في الكتابةِ يجمعهم الانتماء للفكرة الإسلامية، وتقديرهم لنصِّ الرسائل، واقتناعهم بالمنحى الفكري للإخوان المسلمين من دون النظرِ إلى الارتباطِ التنظيمي وُجِدَ أو لم يوجد.

 وكان من المفترض أن يشارك الكريم الدكتور جابر قميحة في هذا الكتاب المدخل بورقة تُعالج المحور المذكور أخيرًا فيما مرَّ، وإذا به يعالج المحور في الفصل الثالث من الباب الثاني، ثم عاد ورصد عددًا من الرسائل الفنية في الباب الثالث، ولا سيما فيما كتبه تحت عنوان "براعة الاستشهاد والتمثيل"، وبهذا الذي صنعه جابر قميحة يُثبت وفاءه للفكرة التي عاش منتميًا لها، مدافعًا عنها، داعيًا إليها، ويثبت كذلك معايشته لقضايا دعوته وتفكيره المستمر في خدمتها والارتقاء بها، والكشف عن مناطق التميُّز فيها.

 وإذا كان حسن البنا رجلاً قرآنيًّا ومجددًا على رأس قرنٍ من أكثر القرون التي تعرَّض فيها الإسلام تعرُّضًا سافرًا للحرب والتآمر؛ فإنَّ من الحق ومن الخير أن نكشف عن سماتِ هذه الشخصية العبقرية الملهَمة (بفتح الهاء)؛ لأن في ذلك الكشف من الفوائد ما له مردوده الكبير في خدمة الحركة الإسلامية والارتقاء بتربية أبنائها وتقويم قادتها، وتحسين بيئة المجتمع الإسلامي المنشود عن طريق استلام قدوة معاصرة في قامة حسن البنا.

 ومن ثَمَّ فإنَّ قيمةَ هذا الكتاب تتجاوز مسألة كونه كتابًا في فحص الخصائص الفنية والجمالية للإنتاج الأدبي لرجلٍ يمكن أن يُعدَّ من أدباء العصر الحديث؛ لأنه والحالة هذه كاشف عن قيمةِ قيادةٍ كبرى في تاريخ الإسلام المعاصر، وكاشف عن كيفية التكوين اللازم للعاملين للإسلام نفسيًّا ومعرفيًّا، ووجدانيًّا وعقليًّا.

 والكتاب الذي أتحفنا به الدكتور جابر قميحة الأكاديمي والشاعر والناقد المرموق، يتضمَّن ما يلي:

 - الباب الأول: في السيرة والمسيرة (11- 23).

- الباب الثاني: الأدبيات: الأبعاد والمنهج (25- 74)

(الخطابة- الترجمة- الرسائل- المقال- القصة).

- الباب الثالث: من الطوابع والملامح الفنية (77- 110)

(مراعاة المقتضى- التصوير البياني- الأسلوب والأداء التعبيري- براعة التمثيل والاستشهاد- العاطفة).

 ويقرر الدكتور جابر قميحة أنه في الوقت الذي استقرَّ فيه النظر إلى حسن البنا باعتباره عبقريًّا، فإن ثمة إغفالاً لدراسة الملامح الفنية والجمالية لما خلَّفه من أدبٍ وتراثٍ، ويقول:
"
وربما يكون إغفال هذا الجانب هو الذي دفعني إلى كتابة هذا البحث المتواضع عن الملامح
الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد" (ص 6).

 حسن البنا: سيرة عبقري

افتتح الدكتور جابر قميحة كتابه المقروء هنا ببابٍ قصره على تتبع ملامح سيرة حسن البنا؛ استكمالاً لبناء الكتاب منهجيًّا، وقف فيه أمام مجموعةٍ من العلامات المهمة التي يمكن بعد تأملها إدراك ما تمتَّع به أدبه من خصائص وملامح، وبالإمكان إجمالها فيما يلي:

 * الميلاد في 1324هـ= 1906م في المحمودية بمحافظة البحيرة لأبٍ كان يعمل إمامًا ومأذونًا ويهوى العلم الشرعي.

 * تعلَّم تعليمًا دينيًّا، وظهر ميله لتكوين الجمعيات المهمومة بالأخلاق الاجتماعية منذ صغره، ثم واصل تعليمه بدار العلوم بالقاهرة، وتخرَّج فيها سنة 1927م، وكان ترتيبه الأول.

 ثم انتقل للعمل بالإسماعيلية 1928م ليبدأ تأسيس جمعيته الإخوان المسلمين ثم عاد للقاهرة سنة 1932م ليتسع نشاط عمل الإخوان وينتظم نشاطات متنوعة تسعى لإنقاذ الأمة الإسلامية من الضعف والانهيار الذي أُغرقت فيه.

 ومن تأمل نشاط حسن البنا لخدمة القضايا الإسلامية من خلال كل المعابر والمنافذ الثقافية والرياضية والدعوية والسياسية؛ يدرك صدق انتخابه مجدِّدًا للأمة على رأس القرن الرابع عشر الهجري.

 وشاء الله- سبحانه- أن يبدأ العمل للإسلام حلقةً جديدةً باستشهاده بعد اغتياله في 12 فبراير 1949م بعد مؤامرةٍ رخيصة محكَمة التدابير.

ويقف الدكتور جابر قميحة في نهاية هذه المسيرة ليستخلص صورةً نفسيةً للإمام الشهيد صحَّ لديه ولدينا أن يُرفع عليها عنوان (الرجل الأمة)، يقول الدكتور جابر قميحة: "ولكننا لا نغلو إذا قلنا إنه كان يُمثِّل في حياةِ العالم الإسلامي (الرجل الأمة)؛ فقد عاش ثقيل الميزان، عالمًا خطيبًا، قوي البيان، مؤمنًا بالله إلى أقصى حدود الإيمان، ذكيًّا خارق الذكاء" (ص 19).

 ويقول ملخِّصًا النظر إلى حسن البنا: "ليبقى حسن البنا إشراقةً متوهجةً لا تخبو ولا تذبل ولا تموت، ولقد كان حسن البنا الكلمةَ التي سبقت وقتها أو لم يأتِ وقتها بعد، كما قال روبير جاكسون".

 أدب حسن البنا: الأبعاد والمنهج

رصد الدكتور جابر قميحة في هذا الباب العطاء الفكري الذي قدَّمه للمسلمين شفاهةً أو كتابةً من خطبٍ أو محاضراتٍ أو محاورات أو رسائل عامة وخاصة أو مقالات.

 وقد وقف الدكتور الكريم أمام خطبه ليقرَّر أنها تمتَّعت بعددٍ وافرٍ من الملامح تمثَّلت في الربط بين الماضي والحاضر لتأصيل ما يدعو إليه، والإكثار من ضربِ الأمثال والاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال السلف وأعمالهم.

 لقد استطاع حسن البنا في خطبه تحقيق ما سُمِّي بالانسجامِ العاطفي والتوافق الروحي توصلاً إلى الإقناع والتأثير في الجماهير العريضة التي كانت تتجمع للاستماع إليه.

 وأحسن الدكتور قميحة بعدما حدَّد عددًا من السمات المهمة التي كانت تتجسد في حسن البنا ساعةَ ممارسته للخطابة في تسميةِ حالته بعنوان "البلاغة الإيمانية"، وفسَّر هذه التسمية بما كان يحرص عليه حسن البنا من معالجةِ رُوح الحفلِ بتوحيد المشاعر والأحاسيس في جوٍّ من الانسجام العاطفي، مستعملاً نظراتِ العيون وحركات اليدين لتحقيق هذا الجو الروحي الغامر المؤثِّر.

ثم ناقش الدكتور جابر منهج البنا في الترجمة الذاتية والغيرية، وهو واحدٌ من الفنون والأجناس الأدبية، ويتوسَّع في مفهوم هذا الجنس مخالفًا للصديق العزيز أستاذي الراحل الدكتور يحيى عبد الدايم- رحمه الله- صاحب أشهر دراسةٍ علميةٍ عن التراجم الذاتية في الأدب العربي في الدرس العربي المعاصر ليقرِّر أن كل ذكريات أو يوميات داخلٌ في نطاق الترجمة الذاتية أو الغيرية؛ في هذا السياق يقف الدكتور جابر أمام (مذكرات الدعوة والداعية) بحسبانه نموذجًا دالاًّ على هذا الجنس، وبيَّن أن أسلوب المذكرات جاء عفويًّا مرسلاً مباشرًا، وكان السر وراء ذلك هو انشغاله بتقديم الفكرة مع اتسامها في كثيرٍ من الأحيان بالتوهُّج العاطفي والجمال الفني في مثل قول البنا: "لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سموَّ وظيفتهم في الحياة، وقدَّروا فضل إنسانيتهم، فنُزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزُّوا بالإيمان بالله، فلم تأسرهم المطامع التافهة، ولم تُقيدهم الشهوات الحقيرة".

 كما رصد سمةً أخرى هي الاستطراد، وقد أرجع ذلك الدكتور قميحة إلى أنه كتب مذكراته اعتمادًا على الذاكرةِ بعد ضياع أصولها والاستيلاء عليها.

إنَّ واحدًا من التصنيفات المهمة التي تحكم النظر إلى كتاب "مذكرات الدعوة والداعية" هو أنه ترجمة ذاتية استطاع البنا فيها أن يُقدِّم لنا صورةً صادقةً لقائد وداعيةٍ حمل همَّ الإسلام والارتقاء بأوطانه.

 ثم انتقل الدكتور جابر قميحة ليقف عند رسائل الإمام الشهيد مقرِّرًا أنها تُعدُّ أهم أدبياته وأشهرها، وقد صنَّفها على ثلاثة أنواع، هي:

أ- الرسائل الدعوية.

ب- الرسائل العامة الموجَّهة.

ج- الرسائل الشخصية أو الخاصة.

 واستطاع أن يُوزِّع ما جاءنا من رسائله تحت الأنواع الثلاثة السابقة كما يلي:

أ- الرسائل الدعوية الكتابية (رسائل مقالية كرسالة بين الأمس واليوم- رسالة هل نحن قوم عمليون).

ب- رسائل خطابية (إلى الشباب- الإخوان المسلمون تحت راية القرآن- المؤتمر الخامس- إلى الطلاب- المؤتمر السادس).

ج- رسائل عامة مكتوبة (نحو النور).

د- رسائل مُعدَّة مكتوبة (دعوتنا- إلى أي شيء ندعو الناس- دعوتنا في طور جديد- مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي- مشكلاتنا الداخلية في ضوء الإسلام- نظام الحكم- النظام الاقتصادي- الجهاد- المرأة المسلمة- التعاليم- الأسر- العقائد- المأثورات).

وقد استطاع الدكتور قميحة أن يرصد عددًا مهمًّا من السمات من زاوية أنها أصل الفكر الإخواني، وهو ما يُعطي شرعيةً لما سلف وأشرنا إلى صنعه في مفتتح هذا المقال، وبالإمكان أن نرصد الحقائق التالية:

 1- تنوع محاور الرسائل وموضوعاتها لتغطي الفكر العقدي والتنظيمي، والإسلامي والدستوري.

 2- غطت الرسائل شرائح مختلفةً بالنظر إلى المرسَل إليه، فتوزَّعت على رسائل موجَّهة للملوك والرؤساء والوزراء والشخصيات العامة.

 3- كما غطَّت الرسائل مساحةً زمنيةً ممتدةً من حيث البُعْد الزمني، وهو تقسيمٌ يعكس امتداد الخط العقدي والفكري للإمام البنا لييسر تتبُّع مساره، وقياس مدى الالتزام بالثوابت ورصد المتغيرات، وهو واحدٌ من المحاور التي كانت مطروحةً على أحد الزملاء الباحثين في الإعداد للكتاب المدخل لدراسات الرسائل، لكنه لم يقم به معتذرًا بكثرة الأعمال التي تأكل وقته.

 ثم وقف الدكتور جابر أمام فن المقال عند حسن البنا بأشكاله المختلفة، وقرَّر أن الإمام الشهيد عالج كل أنواع المقال؛ فكتب المقال الديني والتاريخي والتربوي والسياسي والوطني والنقدي.

 ويتوقف الدكتور جابر وقفةً متأنيةً أمام نوع المقال النقدي؛ لأنه لم يحظَ بالعناية ولم يلتفت إليه أحدٌ ممن درسوا المقال البنائي.

 ويرصد الدكتور جابر سمات المقال النقدي عند حسن البنا فيلخصها فيما يلي:

أ- القدرة الفائقة على الحكم والتقييم.

ب- أظهرت ذائقة رائعة في التعامل مع النصوص.

ج- التفاعل مع المادة التي ينقدها بموضوعية وإنصاف، ويضرب مثالاً على ذلك بنقد حسن البنا لكتاب "حياة محمد"- صلى الله عليه وسلم- للدكتور محمد حسين هيكل فيقرِّر:

1- أنه سينتقده في ضوء الشعور البريء والخالي من أي عاطفةٍ سوى عاطفة الوصول إلى الحق.

2- توجيه أسئلة يهدف من ورائها إسقاطَ عددٍ مما لا يرضى عنه ولا يوافق عليه عند هيكل منها:

أ- ما رأي الدكتور الفاضل في المعجزات: ماهيتها وثبوتها وأمثلتها؟.

ب- ما رأي الدكتور في حجية الحديث؟ وهل يرى حضرته أن كلام الفنيين من علماء الحديث الأثبات حجة في الفن يُعتمد عليها ويصار إليها؟.

ج- هل كان الدكتور متأثرًا حين الكتابة بملاحظة ضرورة إقناع المستشرقين؟ أم كان مقصده أن يسير مع البحث إلى أية نتيجة أدَّى إليها؟.

 وفي هذا النموذج النقدي سمات راقية من الهدوء والاحترام، والعلمية والمنهجية، مما يعكس إرادة الوصول إلى الحق، ويعكس نفسيةً متزنةً راجحةَ العقل، ثم يكشف عن شيء جديدٍ لم يلقَ حظُّا من الشيوع والانتشار، وهو أن حسن البنا كان قصَّاصًا بالمعنى الفني للمصطلح، يقول: "وما كتبه الإمام الشهيد يصدق عليه- مع شيء من التجوُّز- وصف الأقصوصة مثل عم سيد وفوق المصطبة وحديث الجمهور" (ص 70).

 وقد اتسمت هذه المحاولات القصصية بمجموعةٍ من الخصائص؛ هي:

أ- الإيجاز (التكثيف).

ب- الواقعية الاجتماعية.

ج- اعتماد الحوار أساسًا لبناء قصصه.

د- جاءت قصصه من قصص المغزى لتحقيق أهداف دينية وعقدية وتربوية، موجَّهةً للناشئة والشباب.

 وفي آخر أبواب الكتاب لمس الدكتور جابر قميحة ملامح خمسةً كبرى صبغت إنتاجه الأدبي، وهي:

1- تمتَّع أدبه بمراعاته لمقتضى الحال، وهي سمة فنية وموضوعية مؤثِّرة في تحقيق هذه الأدبيات لأغراضها الإمتاعية والنفعية.

 2- تمتّع أدبه بقدرٍ وافرٍ من التصوير البياني، فانتشرت التشبيهات وانتشر التجسيد والتشخيص، والهدف من وراء ذلك استحضار المعروض والنفخ فيه لينبض ويتحرك.

 ويمثل على هاتين السمتين بأمثال كثيرة صادقة في الكشف عن هذه السمة الجمالية، من مثل:

"أيها الإخوان المسلمون، أيها الناس أجمعون.. في هذا الصخب الداوي من صدى الحوادث الكبيرة المريرة التي تلدها الليالي الحبالى في هذا الزمان،  وفي هذا التيار المتدفق الفياض من الدعوات التي تهتف بها أرجاء الكون؛ نتقدَّم بدعوتنا نحن الإخوان المسلمين".

فانظر هذا التصوير الذي يسكن جملة "تلدها الليالي وتهتف بها أرجاء الكون" بما يحمله من تشخيص مؤثِّر في إقناع الناس الساعين بقبول الدعوة الجديدة بحسبانها طريقًا وأملاً للخلاص من هذا الاضطراب والخوف والمرض.

 3- تمتّع أسلوبه بالسهولة والوضوح تحقيقًا للإفهام.

 4- براعة التمثيل والاستشهاد، وقد جاءت شواهد وأمثلةٌ متناسقةٌ مع سياقاتها، هادفةً إلى تحقيق أغراض التدليل، والإقناع وتأكيد المضامين، وهي في الوقت نفسه كاشفةٌ عن اعتزازٍ بتراث الأمة، وكاشفةٌ عن تمثُّلٍ عجيبٍ للفكرة، وقدرةٍ على البلوغ بها إلى المدى الأخير عرضًا وتدليلاً وتقويةً وإقناعًا.

 5- تمتع أدبيات حسن البنا بعاطفةٍ قويةٍ يغلب عليها الاعتزاز بالإسلام، والإيمان المطلق بقيمة مبادئه، مصبوغة بروح متفائلة واثقة من تحقيق النصر، واستعادة مجد الإسلام.

 وبهذا يكشف الدكتور جابر قميحة عن وجهٍ مشرقٍ يصح معه النظر إلى حسن البنا باعتباره امتدادًا مطوَّرًا لتاريخٍ طويلٍ من العمل للإسلام حتى ليصحَّ فيه أن نُسميَه "الداعية المجدد".

 لقد صدق الدكتور جابر قميحة عندما قال: "لا أبالغ إذا قلت إن حسن البنا لو تفرَّغ للأدب بمفهومه الإصلاحي لكان واحدًا من عمالقته، ولكن المهمة الجليلة التي انتخبه القدر لها جعلت الأدب واحدًا من مواهبه الموظَّفة لخدمة هذا الدين العظيم".

 ويتأكَّد مع مرور الوقت واستمرار الكشوف أن القول بأن حسن البنا هو أخطر رجلٍ ظهر في القرون المتأخرة بما أحياه في الشعوب المسلمة، هو قولٌ صادق إلى أبعد حدود الصدق.

 ملاحظات عامة:

هذا الكتاب عمل تأسيسي يفتتح طريقًا غير مأهولة، ويرجى له أن يؤسس لاتجاهٍ كاملٍ لاستكشاف ما لم يُدرس من تراث البنا رحمه الله.

 وقد وقع في الكتاب في سياق الحديث عن رسائل الإمام الشهيد (ص: 46) أن أول ما طبُع من الرسائل القانون الأساسي للإخوان المسلمين واللائحة الداخلية.

 وعقَّب الدكتور الكريم في حاشية "رقم 1" أنه لم يقدَّر له الاطلاع عليها، ولم يضمها مجلد رسائل الإمام الشهيد.

 وفي حدود ما وقفت عليه فإن هذا الكتيب لا يدخل ضمن رسائله؛ لأنه لم يثبت أنها من تأليفه؛ ففي النسخة التي وقفت عليها، ولم يتسنَّ للدكتور الكريم مطالعتها أنها كانت اقتراحًا من المرشد الإمام البنا شُكِّلت له لجنة منه، ومن الأساتذة طاهر الخشَّاب وصالح عشماوي وعبد الحكيم عابدين بعدما استجد من تطورات الدعوة واتساع ميادينها.

 وواضح من صياغتها أثر للثقافة القانونية والقضائية والإدارية ظهر في تقسيمها على مواد وتحت الأبواب.

 وقد جاءت رسالة قانون النظام الأساسي في ثمانية أبواب تضم 64 مادةً، وضمَّت رسالة اللائحة الداخلية ثلاثة أبواب تضم 104 مواد.

 خالص التحية للدكتور جابر قميحة الذي يُعلِّمنا كل يومٍ من قيَم الوفاء والإبداع ما هو جديرٌ به.

              

كلية الآداب- جامعة المنوفية - مصر