كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة

اليوم العالمي للمرأة هل هو بدعة؟

لعبد الحليم أبو شقة

د. خالص جلبي

[email protected]

هناك عقول لا تفهم إلا بتقطير الفكرة بالعينين، وهناك من يحتاج للتخدير بنص من هنا وهناك، حتى تجرى عليه عملية التغيير الفكرية، وأبو شقة أحسن في هذا مثل جراحي التجميل في تقويم الأسنان وتعديل الآذان ورفع الكتل والتجاعيد من الوجه، وتصليح انحراف المنخر أو تقوسه،  فقد راسلتني الأخت نورة وهي تبحث عن هذا الكتاب؟ تحرير المرأة في عصر الرسالة، لمؤلفه عبد الحليم أبو شقة رحمه الله ورضي عنه، فقد مضى الى ربه بعمل يشفع له يوم يقوم الناس لرب العالمين، كما مضت بعده زوجتي ليلى سعيد الى الله، وكانت تستقبله وتحتفي به مع زوجته التقية حين كانوا يأتون إلينا في ألمانيا، كان يأتي وهو متأبط أثقالا كثيرة من كتب الصحاح والتفسير، ومن هذه الثروة منحني كتابين في التفسير اعتز بهما؛ تفسير القرطبي والقاسمي، وهما مفسران يمثلان عصرين مختلفين تماماً.

فلسفة الكتاب كما كان يشرحها لي تقوم على ثلاث أعمدة؛ العودة إلى الينابيع، وعدم فرض رأي محدد على القاريء؛ بل جعله في مواجهة النص، وأخيرا مناقشة موضوع قال عنه الغزالي على ما حدثني به إنه كتاب وبحث وجب صدوره منذ ألف عام!

كان الرجل وهو دمث الخلق صبور على متحدثه في غاية التهذيب والرقة والكرم وحب العلم وحرصه على النهضة بالعالم الإسلامي، قام بمحاولة تأسيس جمعية للأدمغة الإسلامية في علم الاجتماع، وكانت له صلات واسعة بالعديد من الشخصيات الإسلامية.

والرجل حسبما روى لي من تجربته الخاصة أنه بدأ مع حركة الإخوان المسلمين، وعمل في التنظيم الخاص، وهو الجناح العسكري في حركة الإخوان، قبل أن يغير رأيه في الإخوان والحركة، بل وكل الاتجاه الإسلامي، لذا كان من الضروري معرفة تاريخ هذا الرجل.

وكان أول لقاء لنا مراسلة بيننا فقد اطلع على مقالة لي نشرتها يوما في جريدة الشهاب اللبنانية أتحدث فيها عن إستراتيجية جديدة للحركة الإسلامية في مواجهة الاضطهاد السياسي، بعنوان (تفجير السجن من داخله) ثم تابع أفكاري وأرسل لي وأنا ابدأ رحلتي في التخصص الطبي في ألمانيا، وكنت يومها في معهد جوته لتعلم اللغة الألمانية، في مدينة صغيرة اسمها (الفليح الأزرق الصغير Blaubueren) فوصلتني رسالة منه يسألني سؤالا محددا استمر في تكراره علي حتى فتح الله علي فكرة الأكاديمية (في العلم والسلم) كما هو عنوان زاويتي في الجريدة.

سؤاله؟ ماهي الكتب التي تنير الوعي؟ واليوم أحاول ومن خلال الوطن استعراض الكتب أولاً بأول، وشكري للأستاذ الخاشقجي بغير حدود الذي أكرمني بهذا المنبر، واسأل ربي أن يعطيني من القوة والعمر ما أغطي هذه الثغرة المعرفية.

فعلا ماهي الكتب التي تنير الوعي؟

إن كتابه عن المرأة من كتب التنوير هذه لاشك فيها ولا ريب، وتمنيت أن تكون موجودة في معرض كتاب الرياض؟

وكتابه هذا يخضع لنفس القاعدة فيما جرى لكتابي في النقد الذاتي الذي حرم وطورد وأبعد مدة عشرين سنة، وهو اليوم يعلن عنه ويباع علنا في معرض الرياض لعام 2010م وهي نسخة مضروبة احذر الشاري من اقتنائها، وقد اقترحت عليهم أن يسحبوا النسخة من السوق، حتى نتمكن من إصدار نسخة جديدة معدلة وصحيحة، ولكن مشكلتنا مع دور النشر تخضع لقانون ابن خلدون في الفرق بين أخلاق التجار وأخلاق العلماء.

استمر عبد الحليم أبو شقة في وضع كتابه على مدى تجاوز عشرين عاما، حتى ولدت موسوعة كاملة بست مجلدات (معالم شخصية المرأة المسلمة ـ مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية ـ حوارات مع المعارضين ـ لباس المرأة وزينتها ـ الثقافة الجنسية للزوجين).

ومنهجه في تبين وضع المرأة في عصر الرسالة دفعه لاعتماد هذا العنوان، الذي قد يترك ظلالا سلبية لاقترانه بكتاب تحرير المرأة القديم ودعوته للسفور!

كان الرجل يقول لي؛ لن أفرض على القاريء شيئا من عندي، أو قول فقيه من هنا وهناك، بل سأتركه في مواجهة النصوص يتدبرها بنفسه، وهي العودة للينابيع.

وبالطبع فإن هذا المنهج له مشاكله، لاختلاط النص بالتأويل، وأربعون حديثا يوردها عبد الحليم أبو شقة عن الأصل في وجه المرأة أن يكون مكشوفا في عصر الرسالة، يجعل شيخا قصيميا يورد نفس الأدلة الأربعين في حرمة كشف الوجه، وهذا يعني أن الجدل في النصوص لانهاية له ولا يقترب من الحل إلا بعدا عنه، وليس من فراغ أن القرآن قال ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. وأعجب منها من سورة الرعد ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى؟

ونحن نعرف من قصة أليعازر أن عيسى بن مريم رده إليه الروح بأمر الله (وإذ تخرج الموتى بإذني) فكانت النتيجة مؤامرة الصلب، وما صلبوه وما قتلوه بل رفعه الله إليه.

لقد لعب الشحرور بأنغام الشحرور على هذا الوتر؛ وتر الكلمة، فلعب بها أشد من لاعبي الكرة في الملعب البلدي، إلى درجة أن المرء أحيانا يتعجب أين كانت الكلمة وأين أصبحت؟ مثل كلمة ولا يضربن بأرجلهن (من سورة النور) حين تتحول بسحر ساحر إلى معنى الستربتيز (  Stripteaseالتعري بالتدريج للمرأة في حضور الرجال علنا).

مع فقد استفدنا من الرجل ـ أبو شقة ـ كثيرا في العديد من القضايا في لباس المرأة والمحرم والمصافحة والصورة واللباس والزينة وحضور المرأة في كل مكان بالتفريق بين الخلوة والاختلاط، فأبدع الرجل وأراح، أدعو الله له براحة البال في قبره كما قال الرحمن فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم.

وهناك من التطبيقات والأحاديث ما يتعجب منه المرء حين قراءتها؛ من خدمة العروس للضيوف يوم العرس، وحضور أم سلمة المسجد تحفظ سورة قاف، ونوم النبي في بيت أم حرام ومنامه عندها أنها ستركب ثبج البحر الأخضر تجاهد في سبيل الله، وإرضاع المراهق، والاحتفال بالموسيقى ورقص الأحباش، وطلب النبي من أم الدرداء أن تضع الميك أب لزوجها .. واستقبال النبي ص في المدينة بفرقة موسيقية تغني طلع البدر علينا فكان صلى الله عليه وسلم رجل الحرية والتحرر الفعليين. وهلك المتنطعون، وخسر المتشددون، واختفى من صفحة التاريخ الفريسيون!

وعلينا مع هذا الكتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة أن نحتفل بيوم المرأة العالمي ..