مشاهد من غزوة مؤتة ودور ثالث الأمراء فيها

د. حسن الربابعة

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

 والصلاة والسلام على محمد النبي الهاشمي, وعلى عترته الأطهار, وصحبه الأخيار, وبعد؛ سيدي جلالة الملك عبد الله الثاني, ابن الحسين, أبي الحسين المعظم,

سيد البلد, وحامل رايتها في جدٍ وكبد, مذ ذرت شمس القرن الحادي والعشرين, عزيمتكم  لا تعرف - بفضل الله كللا -, وشعاركم ماثل، صائلٌ جائل،

فكركم يقظ , ومشعل حماسةٍ متقد , صوت الأردن بكم علا , وفي المؤتمرات العالمية جلا , فلأنتم دليل تراث , مقراء حضارة , تميز فيها بين القوي والبغاث , بأوجز عبارة , غيورٌ على طموحات أمة , سعيك جادٌ لكشف الغمة , وبغيتكم تسنم هام القمة , ليظل الأردن أولاًوأولاً الأردن, هدفاً عزيزاً أولاً مبتغاك, فمعك نسعى به إليك, ليتحقق الأمل الواعد بإذن الله. 

إليكم صاحب الجلالة  كتابي الموسوم بـ :

" مشاهد من غزوة مؤتة , ودور ثالث الأمراء فيها "

مهدى إلى جلا لتكم

  من الدكتور حسن محمد الرَّبابعة - جامعة مؤتة-رمز السيف والقلم، وذلك يوم 8 جمادى الأولى من سنة 1428 هجرية.

تـنـادوا أيـها العلما, iiالصّحاب
عـلـى سـاحاتِها , تَصهالُ iiجرْدٍ
كـذا  شـاءَ الـحسينُ جناحَ iiحَِبر
وأعـتـق عـلـمَنا حاسوبُ iiمًلكٍ
إذا حركتَ فأرتَهُ ل "in "Search"
وأرسل  بعد ""Attachmentعلوما
وجـادلْ  خصمَك القاصي بحسنى
ولا  تَـشْـطَـحْ عـلى دين iiقويم
وإن  تـدهـمْـك مسألة  iiاقتصاد
جـزاك  الله , عـبـد الله، iiخيراً
مـلـيـكٌ نتوّرَ المؤتمراتَ  iiفِكراً
سـمـاتُ قـيـادةٍ؛ عـلمٌ iiوجسمٌ
مــظـلـيٌ،  وطـيّـارٌ, iiورامٍ
وصـاعقة ٌ، وغوَّاصٌ  " كراتيه ii"
وسابق  في السُّروجِ، وفي iiالهجان
ويـشـهـدُ حُـسْنَ تدريبٍ iiقضاهُ
تـخـيـرتُ  الـمآثرَ، وهي ُكثرٌ
سـلام أيُّـهـا الـمـلكُ iiالمفتدّى
وأهـديـكـم  كـتابي عن iiشُهودٍ
فـمـنـهـم  شاعرٌ، وحبيب iiطه
ونـخـتـمُ؛  فالصلاة ُعليهِ iiنصرٌ




















هـيّـا كـتّـاب , مؤتة iiتستطابُ
وإيـقـاعُ  الصَّليلِ, له اصطخاب
فـكـان  كـذاك, والثاني iiحرابُ
عـزائـمُـه , يـجاريها iiالشِّهابُ
أتـاكـ  الـعـلمُ َبرْقاً, iiوالجوابُ
إلـى  من شئت, قد رفع iiالحجاب
كـذا نـهجَ الهدى , وله iiاستجابوا
فـإن  الـرعـب مـولده iiرُعابُ
فـشـاور  " دالة " يصدْقْ iiحساب
مـحوت  الجهل, عن علما iiفثابوا
وَلـلـبـتـرا مـشاهدُها iiعُجاب
تـحـفـزُنا،  إذا َصفِرَتْ iiوِطابِّ
وقـبـطـانٌ , إذا زَخَـرَ iiالعبابُ
وشـدَّتْ جِـسْـمَهُ البولو iiالرِّكابُ
وفـي  الرَّالات , وهو بها iiالعُقابُ
لـه بـرٌ, وبـحـرٌ, iiوالـسَّحابُ
وصِـدْقُـ   الـشِّعْرِ باقٍٍ منهُ بابُ
فـفـي بـاحـاتِـكمْ, ُفهِمَ iiالكتابُ
لـهـم فـي الـجـنَّة العليا ِقبابُ
وطـيّـارٌ   إلـى َحـسُنَ  المآبُ
لـعـلَّ دعـاءَ مـضـطَّرٍٍ ُيجابُ

 بسم الله الرحمن الرحيم

تقــديــم

أ.د. يحيى عبابنة

أوشك بعد أن اطّلعت على هذه الرسالة العلمية-الأدبية على القول بأنّ الزميل الباحث الدكتور حسن الربابعة بما أوتي من حذق علمي وصفات شخصية قد أدرك أنَّ النقد العربي الآن قد جنح إلى مذاهب النقد الغربية التي طبعت كثيراً من أعماله بصعوبة اللغة التي قيَّدت النقد الحديث في هذه المرحلة بشروط اللغة الحديثة التي بدت كما لو أنَّها نتاج من لغة الترجمة في أغلب الأحيان، كما يدرك أنَّ النقد لم يعد يلتفت إلى الانطباع الذاتي وبناء النصِّ على النصِّ، فقد نظر–وهو الشاعر والفنّان- إلى ما هو فيه من بهاء المكان وحضور التاريخ، في جامعة مؤتة حيث أقيمت على الثرى الذي استشهد فيه القادة المسلمون الأطهار، فأحس بحضور المعركة ودم هؤلاء العظام، وشجاعتهم، فأبى إلى أن يقدِّم نفسه في عمل راوح فيه بين العلمية والأدبية، فجاء بهذه الرسالة التي وسمَها "مشاهد من غزوة مؤتة ودور ثالث الأمراء فيها".

إنّه عبدالله بن رواحة، القائد الثالث من قادة الجيش المسلم الذي يعدُّ بحق سرية استطلاع للفاتحين المسلمين الذين جاءوا إلى جنوب سورية لتأديب قَتَلَة الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه من الرُوْم والعرب الموالين لهم.

والباحثُ لا يهدف إلى سرد الواقعة التاريخية كما توردها كتب السِّيَر والمصادر التاريخية، بل لقد هدف إلى غايتين: الأولى منهما أن يحاكم هذه المصادر انطلاقاً من النصوص التي أبدعها الشاعر القائد عبدالله بن رواحة رضي الله تعالى عنه، والثانية: أن يُعَبِّر عن انفعال شاعر جاشت مشاعره وهو يتابع شعر عبدالله وحركة الجيش المسلم منذ أن ودّعه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلَّم في الجرف بأطراف المدينة المنوّرة، إلى أن استشهد قادته واحداً تلو الآخر على الأرض التي يعيش عليها الآن، فكأنّه يريد أن يعبِّر عن إحساس عميق بشعر عبدالله، وما اعتلج في داخله من مشاعر الاندفاع نحو الشهادة، ولاسيّما وهو يقرأ نصوص بعض المؤرِّخين الذين تمسّكوا برواية تتحدّث عن تردُّدٍ أصاب القائد الشاعر الشهيد في جهاده، وهو ينفي أن يكون هذا القائد قد أُصيب بضعف أو اعتوره خوار، فهو يستنطق شعره ومحاوراته وخطبه التي قالها في تشجيع الجند وحثِّهم على مقاتلة الرُوْم ومن والاهم من العرب ابتداء من خروج الجيش من المدينة وتوديع الرسول الكريم إياهم في الجرف، وانتهاء بدوره العظيم الذي قام به في المعركة، إلى أن استشهد رحمه الله، فهو انطلاقاً من هذه النصوص الموثوقة، ينفي عنه هذا التردد، ويثبت له صفة الإقدام على الشهادة وطلبه إياها، دون أن يحاول أن يذكر ما يعتلجُ النفسَ البشرية من نوازع حبِّ الحياة والرغبة فيها، مدفوعاً في ذلك بحبٍّ عميق يصلُ إلى درجة التصوف لقادة معركة مؤتة، وبإنجاز القائد الرابع، وهو خالد بن الوليد، رضي الله عنه.

وهو في سبيل تحقيق هذه المحبة التي توثَّقت عراها مع هذا القائد من خلال استنطاق شعره ومشاركته إياها، يريد أن يقدّم الموضوع بلغة تتلاحم مع لغة الوجد التراثية، مازجاً كلّ ذلك بمنهج علمي يعتمد توثيق المعلومة التاريخية مهما بدت صغيرة، مما جعل دراسته هذه نصّاً مبنياً على تلك النصوص، وهو أسلوب له كثير من النظائر في الدراسات العلمية التي تتنوّع تنوُّعاً كبيراً في هذه الأيام.

وأمّا من الناحية المنهجية، فقد قسم رسالته هذه إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

راوحَ فيه بين اللغة العلمية الصارمة والأسلوب الأدبي بما يمتاز به من لغةٍ شعرية، وقد عمد إلى قسمته إلى أجزاء أطلق عليه مسمّى المشاهد، فهو يريد أن يرسم المشاهد التي يحسُّ بصِلَتِه معها قوية، فقد رسم في المشهد الأول صورة الجيش المسلم وقد اجتمع في الجرف قرب المدينة المنوّرة، محيىطاً ما وسعته الإحاطة بجزئيات الموضوع، فلم يغفل ذلك الشخص الذي رسم صورة الآخر المعادي، أعني ما دار بين النعمان بن فنحص اليهودي والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من جهة، وبين النعمان هذا وسيدنا زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه من جهة أخرى.

وأما المشهد الثاني، فقد رسم فيه صورة ناطقة لتجمُّع الجيش في منطق أجأ، مبيّناً سبب هذا التجمُّع، وهو أمر كانت أغلبُ المصادر تكاد تُعرضُ عنه، متعجِّلةً وصولَ الجيش إلى معان، غير أن هذه الرسالة وقفت عند هذا الموقع، فحاولت محاورة شعر عبدالله بن رواحة لرسم مشهده بكل جمالياته، محاولاً تقديم الهدف العسكري الذي يشير إلى قدرات القادة المسلمين في رسم الخطط، فكان هذا الهدف هو التزوّد بالماء من مياه تلك المناطق.

وأمَّا المشهد الثالث، فقد رسم فيه ملامح المرحلة النهائية للجيش، ابتداءً من وصول الجيش إلى معان، فالحسا، فمؤتة فمشارف التي يعتقد أنّها المشيرفة الآن، وما حدث فيها من مشاهد جانبية تصور المعركة، كما هي في شعر القائد الصحابي عبدالله، وما يعضّدها من المصادر التاريخية.

وأمَّا القسم الثاني:

 فقد خصَّصه للحديث عن دور عبدالله بن رواحة في غزوة مؤتة، مستخلصاً هذا الدور من شعره رضي الله عنه، وقد تميّز هذا القسم بلغة علمية بعيدة عن الشعرية إلى حدٍّ كبير، فقد قدّم لعمله بمقدَّمةٍ تحدّث فيها عن الدراسات السابقة، خاصاً دراسة القصّاب التي تصدّت لديوان عبدالله، مبيّناً ما هدف إليه من إكمال هذا الجهد من خلال استنطاق الشعر نفسه لرسم ملامح المعركة بعيداً عن الاختلاف في الروايات التاريخية حول هذا الحدث التاريخي المفصلي.

ومن هنا فقد تحدّث عن أثر عبدالله في تحديد مسار المعركة ابتداء من منطقة الجرف، وتحديد شعره لحركة الجيش من المدينة إلى مؤتة، مروراً ب"أجأ" فوادي القرى فمعان فالحِساء، فمؤاب.

وأرى أن الخلفية العسكرية للدكتور حسن، قد نبّهتْهُ إلى بعض الأمور التي تشير إلى تمرُّسه في الحياة العسكرية التي عشقها بعد أن أمضى زمنا طيباً من عمره ضابطاً في قواتنا الأردنية المسلّحة، فقد جعل القسم الثالث للحديث عن أمور الإمداد مستنتجاً هذه الأمور من شعر عبدالله نفسه، ومن شعر غيره، وذلك في مثل الإمداد بالطعام والماء والصيانة، واستراحة الجند، ثم ختم ذلك بخاتمة لخّص فيها أهمَّ ما استخلصه في متابعاته الحثيثة لهذا الشعر.

ولمّا كان هدفه من هذا الفصل هو البحث والتنقيب عما يهدف إليه من رسم ملامح المعركة وأثر عبدالله بن رواحة فيها، فقد تميّزت لغته بشيء من المعايير البعيدة عن اللغة الشعرية التي امتاز بها الفصل الأوّل، وقد دفعته هذه الغاية إلى شيء من التكرار، رغبة منه في تأكيد ما قاله، فهو يريد أن يعلل سبب اختيار الجرف لتجمُّع جيش المسلمين، وسبب اختيار منطقة أجأ وسلمى من ديار طيئ للتزوُّد بالماء قبل انطلاقه إلى معان ومؤاب لمواجهة قتلة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

ومن المفيد أن أذكر أن الباحث الدكتور حسن قد استوفى أغلب المصادر التي يمكن لأي باحث يحاول أن يحيط بالموضوع، سواء كان في المصادر التاريخية أو الأدبية، والمراجع الرديفة التي أسعفت الباحث في تقديم أوفى صور المتابعة التي يبتغيها البحث الدءوب.وأمَّا القسم الثالث: فهو قسم لا يتبع الدراسة، ولا يمكن إخضاعه للمعايير التي أخضعنا قسمي الدراسة لها، ذلك أنّ ما يمثِّله هو قصيدة من إبداع الدكتور حسن نفسه، وهي منظومة مطوّلة نسبياً، نظم فيها أحداث معركة مؤتة، محاولاً أن يسهم بتقديم الحدث التاريخي منظوماً، جاعلاً من متابعة شعر القائد الشهيد هدفاً، داعياً الباحثين إلى محاورة (الرجز النجيع) الذي بدا يوماً ما، في ميادينها:

تنادوا أيها الأدبا الصحاب

 

هيا كُتّابُ مؤتةُ تُستْطابُ

ففي ميدانها رجزٌ نجيع

 

يعانقهُ التراب بل السحاب

على ساحاتها تصهال جُرْدٍ

 

وإيقاع الصليل له اصطخاب

ويمضي في قصيدته إلى نهايتها ناظماً أهمَّ أحداث المعركة، وما ساورها من أحداث، دون أن يغفلَ عن أثر مؤتة الحديثة في رسم مشاهد يأمل لها أن تتكرر، مع النصر المبين، دون أن يغفل عن استصراخ سيد البلاد، وقائد الجيش العربي الأردني الملك عبدالله الثاني الذي قدّم له هذه الدراسة الكريمة.

وأختم بالثناء على جهد الزَّميل الدكتور حسن الربابعة، والدعاء بأن يكون له ما بعده من جهود اعتدنا عليها من باحث متمرّس في البحث والمتابعة وحسن الصياغة، وأزجي إليه الشكر على ما تلطف به من رغبته في تقديمي هذا العمل العلمي المفيد.والله من وراء القصد.

مؤتة في 11/6/2007م            الأستاذ الدكتور يحيى العبابنة  قسم     اللغة العربية ـ جامعة مؤتة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الكتاب

الحمدُ للهِ الذي ُيستفتحُ كلُّ كتابٍ بتحميده،ويُستصدرُ بذكرهِ كلُّ كتابٍ لتمجيده، إذْ بحمدهِ يتنعَّم أهلُ النعيم؛ في دار الثواب،وباسمه العليّ العظيمِ يُستشفى كلُّ داء، وبالمبارك العليّ اسمهُ-جلَّ وعزَّ-ينداحُ كلُّ بلاءٍ وينزاحُ، وإليه ترتفعُ الأيادي بالتضُّرعِ والدعاء، في شدَّة ورخاء،وهو السميعُ لجميع الأصوات، بأفانين الخطاب، على تباين اللغات،يجيبُ المضطرَّ  إذا دعاه، وهو العدل الحكم–سبحانه- فلهُ الحمدُ على ما أولى به على عبادهِ وخلقه من نِعَمٍ، وأسدى، وله الشكر على ما أنعمَ به وأعطى، فقد أوضحَ الحُجج إليها وهدى،سبحانه تسبيحا يليقُ بجلاله، وعظيمِ سلطانه الأبدي وكفى.

        واصلِّي واسلِّم ُعلى شادخِ الغرَّة والتحجيل، المنزَّلِ اسمهُ في التوراة والقرآن والإنجيل، الرحمةِ المسداة، والنعمةِ المهداة،  إلى الثقلين ،شفيع البرايا يوم الزِّحام، خاتمِ الأنبياء وإمامِهم، وأوَّلِ الخلق روحا وآدمُ منجدلٌ في طينتهِ، وهو النورُ الذاتي، والسِّرُّ الساري في الأسماء والصِّفات، محمد بن عبد الله، النبي الأبطحي الهاشمي القرشي، خيرِ نبيٍّ أرسلهُ ،فبلَّغَ الرسالةَ، وأداها، وانتهض برسالة التوحيد؛ فتقضَّاها وقضاها، على نحوٍ ما عليه من مزيدٍ، نصلِّي عليه صلاةً  دائمة ًسرمديةً، إلى أنْ يرضى بها الذي أمرنا أنْ نصلِّيَ عليه ونسلِّمَ تسليما كثيراً، وعلى آلِ بيتهِ الغرِّ الميامين، مصابيحِ الهدى في الحنادسِ المدلهمَّات، والأسُودِ الأشاوس في سُوْحِ الجهاد العصيبان، وعلى صحبهِ الأخيار، من مهاجرينَ وأنصار، الذين أيَّدوه في دعوتهِ، وشاركوه في نشرِها ليلَ نهارَ، واعتنقوا دينَ التوحيد-الذي لا شريكَ للهِ فيه-بعلن وإسرار، ففتحوا بعدَهُ كثيرَ أمصار، فنشروا رايةَ التوحيدِ في أصقاع الكون، ورفعوها، وما يزالُ نورُ الإسلام-بفضل الله-يشرق في قلوب الثقلين، في كلِّ ثانية وثالثة ،قديما جديدا،فتشرئب للدخول فيه صنو في البرايا مزيدا مزيداً، كما شاء تعالى في قدرِه، وكلُّ شيءٍ عندهُ بمقدار.

وبعد؛

فقد وسمت كتابي هذا بوسم "مشاهد من غزوة مؤتة ودور ثالث الأمراء فيها"وقسَّمتُه ُفصلين مختتما بقصيدة قي غزوة مؤتة وجامعتها.

أمَّا الفصل الأول: فعنوانه "مشاهد من غزوة مؤتة-قرأة َبرَّانية َجوَّانيَّة"دراسة بين الأدب والتاريخ.

أمّا الفصل الثاني فوسمته ب: "ثالث الأمراء ودوره في غزوة مؤتة ".

وأمَّا القصيدة فأدرجتْ مشاهدَ من حركةِ المسلمين من المدينةِ إلى مؤتةَ، وعودتهم سالمين إلى المدينة المنورة في اثنين وأربعين بيتاً، وفسَّرنا بعضَ المصطلحاتِ التي رأيناها غامضةً، وترجمنا لبعضِ الأعلام ؛لتسهيل درسِها واستيعابِ ما يبدو غامضا فيها.

أمَّا الفصلُ الأول: فأبرزَ حركةَ جيشَ الأمراء الثلاثةِ من المدينة المنورة إلى الجرف ثم إلى أجا وسلمى في منطقة "حائل" اليوم، مروراً بمواقعَ متعددةٍ في محورِ حركتهِم مثل ِحسْمى ووادي القُرى ومَُعان والحِساء وأُبنى"أبو بنا "شمال العيص من محافظة الطفيلة اليوم، ثمَّ إلى مآبَ ومؤتةَ  إلى مشارف" المشيرفة " وفيها لقَوا مقاومةً شديدة، فرجعوا بتنظيمِ قتال إلى سهولُِ مؤتة، واحتدم القتال بين  المسلمين من جهة والرُوْم وعرب الغساسنة من جهة أخرى لمدة سبعة أيام، أُستشهد القادةُ الثلاثةُ في اليوم السادس، وتسلَّم الرايةَ أحدثهُم إسلاماً، خالدُ بنُ الوليد؛ فأعاد تنظيمَ صفوفِ المسلمين وبدَّل الميمنةَ ميسرةً، والميمنةَ ميسرةً، وأرسلَ  من الخيل قنابلَ تثيرُ النقعَ خلفَ المسلمين، موحيا بنجداتٍ، وشنَّ فجرَ اليوم السابع هجوماً شرساً على الرُوْم، وتقطَّعتْ بيدهِ تسعةُ أسياف، فتراجعَ الرُوْم والعربُ المتنصِّرةُ للخلف، وقد تغيَّر عليهم تكتيكُ الحرب، وهولُ الضَّرْب، فانسحبَ خالدٌ في ما يمكن أن يُسمَّى اليوم "انسحاباً مدبرا" تحت مظلة نارٍ وحركة "والرُوْم ُيَحسبونَ لانسحابهَ ذاك غيرَ حساب، ثم قفل بجيشه إلى المدينة المنورة ،ومعه سبايا من العرب الغساسنة، كما يُستدلُّ من الشِّعر، وقد استحسنَ الرسول ُالكريمُ ما فعله خالد وسمَّاه في مؤتة  "سيف الله المسلول"وأسمى جيشَ مؤتة "الكرَّار لا الفُرَّار" بعد أنْ لقي الجيشُ تأنيبا من ِصبية كانوا  يقرِّعونهم ب" يا فُرَّار يا فُرَّار".

وفي هذا الفصلِ فصَّلنا القولَ في المشاهد التي وَسِعَ قولُ الشهودِ فيها، من فنِّ قول ومحاورة،  في ما شهد به صحابةٌ أجلاءُ من شِعْر ونثر، وفي هذا الفصلِ تستوقفُك مشاهدُ متحرِّكةٌ وثابتةٌ، فيها خشوعٌ وتبتُّلٌ، ودموعُ فراق، وتوسُّلٌ؛ففراقُ الرسول الكريم- وإن كان في جهاد- ليس يسيرا على صحابتهِ، وقد افتدوا رسالتهُ، و هم الحِراص على نشرِ الإسلام بالغالي قبل الرخيص، وما تعيينهُ ثلاثةَ قادةٍ  تباعاً؛ فانْ أصيب الأولُ حمل الراية الذي يليه تباعاً، وهم يقرؤون ما وراءَ السُّطور، وعليهم أُنزل القرآن وفهموه-وهم أهلُ الحجة والبيان، والفصاحةِ والبرهان- يعلمون أنَّهم ذاهبون إلى بلاد الشام ،التي تبعد عن المدينة  ألف كيلو متر ومائة؛ لها شقاؤها ومشقَّاتُها، ولكنها عذبةٌ طيبةٌ لإرضاء الله تعالى، ونصرةِ دين نبيِّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ يعلمون أيضا أنَّ تعيينَ الثلاثة هي إشارةٌ نبويةٌ  لاستشهادهم في أرض الشام، وقد تمنَّوها من قبلُ، وهم بذلك راضون وبالفردوس يطمعون.

أمَّا الفصل الثاني: فتحدَّث عن دور عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في غزوة مؤتة، مذ ودَّع رسولَ اللهِ وداعَهُ الأخيرَ في المدينة، ورافق الحملةَ العسكريةَ من بداية حركتِها إلى مؤتة ،وأبرزَ مراحلَ حركتِهم بشعره، فكان القائدَ المجلِّي إدارةَ الحرب ؛ من حشيش لخيلهم  وإبلهم،تزودوا به، من أرض حائل، من جهة، وإحذاء الخيل، وإنعال مناسم  الإبل بجلود البقر، لكي لا تحفى في مسيرها ،من جهة ثانية، وذكرَ اللحم طعاما لهم من ثالثة.

وتبرزُ مواقفُ عبدِ الله بن رواحة من خلالِ شعرهِ، حسنَ الرأي في متابعة المسير لا التوقف في مَُعان؛ طلبا للنجدة النبوية، لما بلغهم كثرةُ عددِ الرُوْم والعربِ الغساسنة نحو مائتي ألف مناصفةً، وإنْ كانت بعضُ الدراساتِ المعتدلةِ تقدُِّرُ عددَهم بواحد وعشرين ألفا، والدارسُ إلى هذا الرقم أميلُ، وهو رقم كبير، إذا علمنا أنَّ  عدد المهاجمين ينبغي  أن يكون ثلاثة أضعاف المدافعين،فلكَ أن تتخيَّل هجومَ ثلاثةِ آلاف على واحدٍ وعشرين ألفا على اقلِّ تقدير، بنسبة واحد  إلى سبعة (7:1)، ولعلَّهُ يسمَّى اليومَ عند جنرالات الحرب "هجوما انتحاريا"0

وتوقَّلَ المسلمون في صحراءَ لاهبةٍ، في جمادى الأولى سنة ثمان للهجرة الموافق للأسبوع الأول لشهر أيلول سنة ستمائة وتسع وعشرين ميلادية، إنفاذاً  لأمر الله ورسوله ؛ صلّى الله عليه وسلّم.

وتستوقفُكَ مشاهدُ لعبدِ الله بن رواحة دامعة، بعد أنْ صلَّى ركعاتٍ على ثرى مآب، و كانت قد قلَّتْ الصلاةُ فيها كما استوصاها من رسول الله، تبتَّلَ إلى الله تعالى أن ينال الشهادة، واخبرها رديفَهُ، فبكى زيد بن الأرقم يتيمه ورديفه، فبكى، فخفقه عبدُ الله بعصا معه ملاطفا "ما عليك يا لُكَعُ، أمضي شهيدا في أرض الشام وتعود منفردا بين شعبتي الرَّحل!".

حتى إذا مرُّوا على جدثي

 

يا أرشدَ اللهُ من غازٍ وقد رشدا

وفي مؤتةَ يشهدُ عبدُ الله رفيقيه،وقد عانقهما مجدُ الله الأبدي بالشهادة في عالمِ الخلود، فتتوقُ نفسُه ُللحاق يهما، وقد استحضرَ الشهادةَ ماثلة كرفيقيه،وقد أدركها عيانا، فيرمي ِعرْقا من لحم كان قد نهس منه نهسة، لجوعٍ لحقه،من يوم أو يومين؛ لما سمعَ هيعةً في الصُّفوفِ فقال لنفسه:" وأنتَِ في الدُّنيا! "واستنَّ ريحَ الجنَّة مستحضرا جعفر مخاطبا إياه، وقد حذف حرف النداء قريبَه وبعيدَه قائلاً:

جعفرُ ما أطيبََ ريحَ الجنة!"

ثمَّ انقضَّ على الرُوْم فقاتلَ أيَّما قتال؛ حتى ارتفع شهيدا في عالم الخلود، مع رفيقيه، ليتلقَّى فيوضات الله السابغات عليه في دنيا النعيم.

هذا ولا يسعُني في ختامِ التقديم هذا، إلا أن أتقدَّم بشكرٍ موصول إلى مقدِّم هذا الكتاب، الذي أجهدتُهُ في تقديمهِ في وقت ضيق؛ في نهاية فصل دراسي،فزدتهُ مشغلةً على مشاغله، فاتَّسعَ صدرُهُ،واشرأبَّتْ نفسُه؛ لما للعنوان من ِقيَم خالدات، يشارُ إلى أمثالها من أنموذجات بالبنان من جهة، ولانَّ الكتابَ من جهة أخرى، مهدى للمليك الشاب ذي العزائم التي لا تعرفُ بإذن الله كللا، لجلالة عبد الله الثاني بن الحسين،الذي ما فتئ ينهضُ بالحركة الفكرية، ويقرِّبُ البعيدَ وعلومَهُ، بحواسيب وتقنيات أخرى معاصرة ، كالانترنت التي به تُختصرُ المسافات ،وتُستحضرُ المعلومات، أو تُرْسَلُ بومضة برق، بأسرعِ حالٍ، واقلِّ تكاليف مال، سعياً دءوباً من جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ لمواكبة التقنيات  العلمية ،والسعي لإدراكها ،واللحاق بها أو تجاوزِ بعض مجالاتها إن أمكن.

واختمُ بالدعاءِ الخالصِ للهِ أنْ يجزيَ المليك الشاب، عن صحابةِ رسول اللهِ، ممن عنونتُ الكتابَ بذكرِهم، وعن مقدِّمِ الكتاب ، وعنِّي وعمّن يبتغي العلم الخالص لله، ومصلحة هذه الأمة، خيرَ جزاء؛ عزَّها ونصَرها ومجدََّها، إنهُ سميعٌ مجيبٌ ،وبالإجابة  جديرٌ  قدير.

 

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

8جمادى الاولى1428هـ مؤتة

يتبع ...