لك أن تصحو

ولك أن تبقى على ما أنت عليه ..

الكابتن الطيار أياد نوري هيبة الله الخليفة العزّاوي

[email protected]

الفصل الأول

عظمة القرآن

إني أرى, أن مما لا يختلف عليه اثنان أن قراءة مجلّد هو أسهل من تأليف مقالة, وإذا كان هذا من

البدهيات فيما يخص ما كتبه وسيكتبه الإنسان, فما ظنّك بالولوج إلى بعض أعماق, أعظم وأحكم وأتقن كتاب عرفته الإنسانية منذ نشأتها حتى قيام الساعة!! للنظر في آياته والتعليق عليها بعلمنا النسبي بعد استنباط الحقائق المكنونة فيه. وما الذي بقيّ أن يقال وخصوصاً بعد ما شرع العلماء المسلمون (رحمهم الله تعالى جميعاً) بتأليف آلاف مؤلفة من الكتب التي بحثت في التفسير وعلم الحديث وعلم اللغة والفقه والفلسفة الإسلامية .. الخ , ومنذ أكثر من أربعة عشر قرناً وليومنا هذا .. وقد زخرت المكتبة الإسلامية بهذا التراث, و بهذا الكم الهائل من الكتب والمجلدات والتصانيف!

ولولا علمنا بأن الإنسان يتطور من جهة, ومن أخرى إن القرآن بحد ذاته منهل لا ينضب وهو صالح لكل زمان ومكان, أي بمعنى آخر أن مفاهيمه تتطور (وأعني بالتطور هو قدرة القرآن على إعطاء مفاهيم جديدة لاستيعاب التغيير الجديد) لتشمل وتحيط بكل ما يحصل من تغيير ..

فهاتان الحقيقتان هما التي شجعتانا على أن ندرس هذا الكتاب العظيم لنرى عظمته اليوم .. ولو

باختصار من خلال التطور العلمي المذهل الذي حصل في القرن العشرين المنصرم, دراسة علمية

واقعية حديثة تتناسب مع طبيعة هذا التطور.

ذكر الله تعالى في أواخر سورة البقرة: { وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ }

وكذلك في الحديث الشريف: { أركان الإيمان ست, أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره }, وقد علمنا من خلال قراءتنا القرآن أن الصحف {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } والزبور والتوراة والإنجيل هي جميعها كتب الله تعالى, والحمد لله لقد آمنّا بهذا .. وأن كلام الله تعالى فيها معجز. والسؤال هنا على افتراض أن هذه الكتب جميعاً التي سبقت بنزولها القرآن الكريم بقيت سالمة من التحريف والتغيير, أو الزيادة أو النقصان (أو عثورنا يوماً ما مثلاً, _وأقول فقط مثلاً_, على نسخة غير محرّفة من التوراة في الحفريات مثلاً أو أي مكان آخر, أو أن الإنجيل قد وصلنا عبر نسخة واحدة متفق عليها من قبل كل من متى ولوقا وبطرس و يوحنا) ..

السؤال هو, ما فضل القرآن عليهم؟ ولم أمرنا أن نتبعه دون غيره من الكتب؟

هب أنك التقيت ذات مرة يهودياً أو نصرانياً وبدأت تدعوه للدخول إلى دين الإسلام,

فتقول (أنت المسلم) له: تعال إلى ديني .. الإسلام.

اليهودي أو النصراني: لم لا تأتي أنت إلى ديني؟

المسلم  : لأن في ديني صوم وصلاة.

         : نحن أيضاً نصوم ونصلي.

المسلم : لأن ديني يأمر بطاعة الوالدين ويحرص على الإحسان إليهما وخصوصاً عند الكبر.

        : ومن قال لك أننا لا نطيع ولا نحسن لوالدينا؟

المسلم : ديني يأمر بمساعدة الفقراء والمحتاجين.

        : وأيضاً ديني يأمر بمساعدة الفقراء والمحتاجين, لا بل قبل دينك بقرون طويلة.

المسلم : ديني يأمر بالصدق وينهى عن شهادة الزور.

        : ديني كذلك.

المسلم : ديني يأمر بأن لا نزني ولا نشرب الخمر ولا نقتل إلاّ بالحق ولا نلعب الميسر.

        : ألم تطّلع على الوصايا العشرة في ديننا!

المسلم : ديني يأمر بالتسامح وكظم الغيظ والغفران.

        : لو علمت ما في الإنجيل من تسامح لوفرت عن نفسك هذا القول. عندنا مَن يضربك 

          على خدك الأيمن فأدر له الأيسر.

المسلم : ديني يأمر بالتواضع وينبذ الكبرياء والتعالي على الآخرين ويحث على إقامة حسن

          العلاقة مع الآخرين في مكان العمل وفي مكان السكن وفي كل مكان, وأيضاً يأمرنا

          بحسن وطِيب العلاقة مع الجوار, حتى يتحقق للمجتمع في النهاية المحبة فيما بينهم

          ويسودهم السلام والتآخي والمساواة.

        : ديني كذلك, يأمر ويؤكّد على هذه الأخلاق النبيلة.

المسلم : إن ديني كثيراً ما أكّد على رعاية الأيتام وعدم مس أموالهم إلاّ بما يخدمهم ويدّر الصالح

          لهم.

       : جميل أن يكون هذا في دينكم ولكن .. لم اعتقدت أنه موجود فقط في دينكم. أنه

          موجود في ديننا أيضاً.

المسلم : ديني يمقت بشدّة الغيبة والنميمة.

        : نحن اليهود والنصارى نرفض كذلك هذه الأمور وبشدّة .. وأني لأجد صعوبة في فَهم

          طريقة تفكيرك! هل ظننّت أن الله تعالى حرم الغيبة والنميمة في القرآن فقط, وأطلق

          إباحتها في كتبه الأخرى؟ .. يا لعجبي!!

المسلم : نحن نؤذّن في الأذن اليمنى للمولود الحديث ونقيم الصلاة في الأذن اليسرى.

        : لنا القداس الخاص بنا (قُداس التعميد) في الكنيسة.

المسلم : نحن نصلّي على الميت وندعوا له.

        : نحن أيضاً نصلّي على الميت ونعمل قدّاس الصلاة عليه.

المسلم : نحن نتزوج ونخلّف ولا ندعوا إلى رهبنة.

         99.99 %  منّا يتزوج ويخلّف, وإلاّ أَلا تراني أمامك, فظنّك من أين أتينا! إلاّ القليل

         القليل مِمَّن يهبون أنفسهم لخدمة الرب والكنيسة وهذا متروك بالكليّة لإرادتهم

         واختيارهم ومن طواعية أنفسهم وليس هناك أمر قسري بذلك.

المسلم : مَن يتبع ديني يدخل الجنة ولا يدخل النار.

        : مَن يتبع ديني لا يدخل النار وإنما يدخل الجنة ..

وهكذا يمكن إطالة هذه المحاورة (التي ركزّنا فيها على الجانب التشريعي العام) لجعلها عشرة

أضعاف ما هي عليه. ولكن هذا ليس قصدنا, وإنما يتحدد قصدنا بكونها كمثل (والمثل يضرب

ولا يقاس عليه) لإبراز الحالة الذهنية المرسومة في أذهان الغالبية العظمى من عامة المسلمين في هذا الخصوص وهي:

أن في قرآننا صوماً وصلاةً وإطعاماً للمساكين, وطاعة الوالدين ورعاية الأيتام كذلك أن لا تشرب الخمر ولا تزني ولا تكذب ولا تسرق ولا تقتل .. الخ, ثم تصورنا أن هذه القيم والمبادئ والمثل العليا والوصايا موجودة في القرآن فقط وهي ليست موجودة في بقية كتب الله تعالى الأخرى.

وبها امتاز القرآن عن غيره من سائر الكتب!

أو ربما على أحسن الافتراضات أنها كانت موجودة في الكتب السابقة ثم حرّفت, فمثلاً كان في

الإنجيل أو التوراة قبل التحريف  يا أيها المؤمنون بالله ربكم وبموسى نبيكم لا تزنوا لأن في الزنا

تشيع الفاحشة وتضيع الغيرة ويفسد المجتمع فتهلكون) .. ثم جُعلت بعد التحريف (يا أيها المؤمنون أزنوا .. فبِهِ تفلحون) أو أن نتصور وجود عبارة في الإنجيل كانت تقول ما معناه (أن أحسنوا لوالديكم) قبل التحريف, ثم حرّفت بعد ذلك لتصبح (أن اضربوا والديكم واقسوا عليهم,خصوصاً عند الكبر) ..

إن هذا الكلام يصبح من السذاجة والجهل بمكان, ما يرفضه أيّ عقل سليم ولذلك سنحجب عن نقاشه. ولكن لنقول ما يمكن قوله في شرح وتفسير هذه الآية الكريمة:

{ شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى

  وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ِ..(13) } الشورى,

والذي نلخصه بما يلي:

{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ..(19) } آل عمران,

{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ..(85) } آل عمران,

وعلى غرار حديث المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) ..(القرآن يفسر بعضه بعضاً) لك أن تتأمل بقراءة الآيتين الآن (فقط من أجل استنباط المعنى الصحيح وتقريب الفهم) فتكون كما يلي:

{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ } { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ },

وهكذا أصبحتا أكثر وضوحاً (وهذا لا يعني أنهما لم تكونا واضحتين في موضعهما الأصلي في

السورتين, ولكن لِنَقُل أن المعنى المقصود أصبح أكثر وضوحاً لعامة المسلمين حتى يستيقنوا أن هنالك ديناً واحداً عند الله تعالى. دين واحد فقط وليس دينان أو ثلاثة .. دين واحد ويحمل اسم الإسلام (بلغة العرب) والذي أجمع عليه علماء اللغة العربية أن الإسلام لغةً يعني الاستسلام

والانقياد والخضوع, وأن المسلمين يعتزون ويفتخرون بهذه التسمية, ولهم الحق كل الحق بذلك.

ولكن ما ينبغي أن يعتزوا ويفتخروا به أكثر هو معرفة مقومات هذا الدين وفهمها أولاً ثم نقلها إلى حيّز الواقع بالتطبيق العملي ثانياً .. وإلاّ أعاذنا الله تعالى ممن قال فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) } الصف,

ورغم أن الشيخ محمد عبده قد سبقني بقرنٍ من السنوات عندما غادر مصراً قاصداً فرنسا, وقال حينها مقولته المخلّدة (لقد غادرت بلاداً فيها مسلمين بلا إسلام وأتيت إلى بلد فيها إسلام بلا مسلمين), ولكن هذا لا يمنعني بدوري من أن أحلم بنفسي أنا أيضاً على غرار الشيخ. أحلم أن أحظى يوماً ما في بلادنا العربية المسلمة بالألبان توزع فجراً على المنازل وتوضع أمام أبوابهم

الخارجية (كما رأيتها وعشتها بنفسي قبل عقود في بلاد الكفر!!) كل حسب طلبه ولا أحداً من قاطني هذه المنازل يستيقظ صباحاً فلا يجدها لأن أيادي (كافرة في ديار الكافرين) قد امتدت إليها وسرقتها!

ولا عجباً أن نسمع من الشيخ يوسف إسلام (المطرب الإنكليزي المشهور " كات ستيفنز" الذي

أسلم قبل أكثر من ربع قرنٍ وحسن إسلامه) مقولةً بهذا المعنى .. (لقد أخذت الإسلام من

الكتب وأسلمت, ولو أخذته من المسلمين لما أسلمت أبداً!)([1]).

نعود إلى الدين الذي هو عند الله تعالى دين واحد, ثم نرسخ هذه المعلومة في أذهاننا حتى إذا انتقلنا إلى الحلقة التالية يكون ملؤنا الثقة عند القول أن هذا الدين الذي جاء به سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) هو نفس الدين الذي انزل على سيدنا آدم وعلى سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم وسيدنا صالح وسيدنا شعيب وسيدنا ذا الكفل وسيدنا موسى وسيدنا عيسى (سلام الله تعالى عليهم جميعاً) وعلماء المسلمين متفقين على أن شرع ما قبلنا شرع لنا إذا وافق شرعنا .. إذن هو نفس الدين الذي أُنزل على كافة الرسل والأنبياء, مَن قصّهم علينا ومَن لم يقصص, على اختلاف ألسنتهم واختلاف معطيات واقعهم .. (كل رسول حسب ما كان حوله من معطيات واقعه). فالدين واحد برغم اختلاف تسميته (اختلاف التسمية من حيث الأحرف الناطقة المعرّفة به كاسم أي كعنوان وحسب لغة ذاك الرسول وليس من حيث المعنى والجوهر, أي بكلام آخر معنى وجوهر دين الإسلام واحد وثابت لا يتغير). وكذلك تباين المقّومات الجزئية لهذا الدين من رسول إلى آخر وعلى تقادم الزمان وكل أيضاً حسب ما ناسب ولاءم معطيات واقع ذاك الرسول.

ماذا قصدنا من اختلاف التسمية لهذا الدين كأحرف نطق, وما هو قصدنا من تباين المقّومات

الجزئية لهذا الدين من رسول إلى آخر؟   

فلننظر إلى ما قاله الدكتور محمود الخالدي وبالنص الحرفي([2]):

"" وأما وضع اللغات فهو أن اللغات كلها اصطلاحية فهي من وضع الناس وليس من وضع الله

تعالى, واللغة العربية كسائر اللغات وضعها العرب واصطلحوا عليها فتكون من اصطلاح العرب وليست توقيفاً من الله سبحانه وتعالى. وأما قوله: { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا } فأن المراد مسميات الأشياء لا اللغات, أي علمه حقائق الأشياء وخواصها, أي أعطاه المعلومات التي يستعملها للحكم على الأشياء التي يحسها فأن الإحساس بالواقع لا يكفي وحده للحكم عليه وأدراك حقيقته بل لا بد من معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع. وأما تعبير القرآن الكريم بكلمة الأسماء فأنه قد أطلق الاسم وأراد المسمى كما يدل على ذلك الواقع, فأن آدم عرف الأشياء ولم يعرف اللغات, فكل ما يعرف ماهيته ويكشف عن حقيقته هو محل التعليم والمعرفة, واللغة إنما هي وسيلة للتعبير ليس إلاّ,فسياق الآية يدل على أن المراد من كلمة { الأسماء كلها } المسميات أي الحقائق والخواص,وأما قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ } أي لغاتكم فلا دلالة فيه على أن اللغات من وضع الله تعالى لأن معنى الآية: ومن الأدلة على قدرة الله كونكم تختلفون في اللغات وليس معناها كون الله سبحانه قد وضع لغات مختلفة إذ لو كانت اللغات توقيفية عن الله عزّ وجّل للزم تقدم بعثة الرسل على معرفة اللغات حتى يعرّفوا الناس اللغة التي وضعها الله ثم بعد ذلك يبلغهم الرسالة, لكن البعثة متأخرة والدليل على هذا قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } وبهذا يثبت أن اللغة ليست توقيفية عن طريق الوحي أي من وضع الله عزّ وجّل بل هي من وضع الإنسان "" (انتهى).

انتهت مقالة الدكتور الخالدي وجزاه الله تعالى خيراً عن هذا التوضيح والاستدلال المنطقي السليم المعتمد على أيٍ من الذكر الحكيم, واعتقد هذا ما يسلم به كل ذي لب سليم منصف للحقيقة.

والآن هل لنا أن نسأل ما هي طبيعة اللغة التي صنعها سيدنا آدم (سلام الله تعالى عليه) والتي تتوافق مع الآية { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا } من جهة ومع استنتاج الدكتور الخالدي بأن الأسماء إنما تعني المسميات أي الحقائق والخواص من جهة أخرى؟

الله تعالى وحده يعلم كم عانى وكابد سيدنا آدم في عملية تحويل المسمى إلى اسم !

المسمى موجود في ذهن سيدنا آدم, كأن يكون مثلاً .. شيئاً موجوداً أمام سيدنا آدم وهو يعرف

عنها خواصها بأن لها قِوام شبه مستقيم .. قد يكون نوع منها له نفس طول سيدنا آدم .. وآخر

أطول منه ربما بضعفين أو ثلاثة أو أكثر .. عندما حفر تحتها وجد لها جذور مخفية داخل الأرض .. والظاهر منها ساق وأغصان وأوراق خضر وتعطي ثمراً, مختلف ألوانه وطعومه .. الخ, وحتى

كلمات (جذور _ أغصان _ ثمر _ ألوان ..) بحد ذاتها كانت في بدايتها صور ذهنية في عقل

سيدنا آدم وليست معروفة بأحرف معينة, أي بألفاظ. وهكذا يختار سيدنا آدم أحرفاً مقطّعة معينة يلفظها من خلال فمه ولسانه بعد دمج هذه الأحرف لتصبح أخيراً لفظة دالة على شيء معين هي التي تعني الشيء الفلاني تحديداً وليس شيئاً آخراً غيره, كأن يكون ( ش , ج , ر , ة ) لفظة دالة على الشجرة. وبعد استقراره على هذه اللفظة أخيراً, يقرّر تمريرها  إلى مَن حوله من

الناس والاتفاق عليها بالإجماع كاسم كلمة. وهكذا ينتقل لصنع الكلمة الثانية والثالثة .. الخ

والآن أصبح أكثر وضوحاً ما قصدناه قبل قليل عندما قلنا كم عانى سيدنا آدم وكم كابد لصنع

اللغة الأولى في تاريخ الإنسان.

والآن نستضيء بالآية الكريمة { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا } من زاوية أخرى, فنسأل أنفسنا عن

الأشياء التي كانت في واقع سيدنا آدم حينذاك؟

هل كانت حينذاك ناطحات سحاب؟ أم هل كانت غواصات نووية؟ أم هل كانت هناك سيارات وطائرات وحواسيب إلكترونية؟

من المؤكد أن شيئاً من هذا لم يكن في وقته, بل كان هناك جبل وشجر ونار وماء وحيوانات مختلفة منها ما يمشي على الأرض ومنها ما يطير في السماء وشمس وقمر ونجوم وريح وغيوم ومطر .. وهذا كله في عالم الملموس, ورب وملائكة وجن .. في عالم اللاملموس.

وهكذا إن كلمة { كلها } التي وردت في الآية الكريمة تكون قد عنت المطلق المقيّد. ف{كلها}

مطلقة أي بمعنى جميع, ومقيّدة من حيث أنها عنت ما حوله من الأشياء فقط وقطعاً ليس ما سيأتي

بعده ب 2000 سنة أو 10000 سنة. وعلى هذا يكون سيدنا آدم قد صنع كلمة معينة اختارها وقرّرها هو لتعبّر عن مسمى الإسلام بوصفه ديناً ومررها إلى الآخرين. وهذه الكلمة ليست بالضرورة أنها مكونة من الأحرف العربية الخمسة (أ , س , ل , أ , م) وبهذا التسلسل. لكن المهم أن الكلمة التي قررها تعني له دين الإسلام وكذلك عنت لغيره مِمّن حوله.

وإذا اقتنعت بما بينّاه عن سيدنا آدم فيمكنك قياس ذلك على بقية الرسل على اختلاف ألسنتهم, أي اختلاف لغاتهم, كيف صنعوا لأنفسهم كلمة معينة من لغتهم وقرروها لتعبر عن مفهوم الدين.

وهذا لا يفهم منه إطلاقاً أنه إذا أراد الله تعالى أن يختار أحرفاً معينة من لغة ذلك الرسول (المعين)

لتشكل كلمة معينة تدل على معنى الإسلام وتمرر عبر الوحي إلى ذلك الرسول وهذا ما حصل مع سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) ولكنها قطعاً لم تكن كذلك على الأقل مع سيدنا آدم (كما بينّا) وكذلك مع سيدنا إبراهيم الذي تسمية الإسلام من صنعه هو وليست من الله تعالى.

{ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ..(78) } الحج,

وخلاصة لما سبق نقول:

إن المهم عِبر هذا كله أن الإسلام هو دين واحد أُنزل عبر الرسل من أولهم إلى خاتمهم (سلام الله

تعالى عليهم أجمعين) ورغم أن الإسلام كاسم مكوّن من أحرف كان في ألفاظ مختلفة كلٌ حسب  

لغة قوم ذلك الرسول, وسواءً اختارها هو بنفسه أم اختارها الحق سبحانه وتعالى له ففي كلا

الحالتين ما هو مهم وما نحن مسؤولون عنه هو معرفة مقومات هذا الدين.

فسيدنا نوح مسلم جاء بالإسلام (نجهل ما يقابل كلمة الإسلام في لغة سيدنا نوح).

وسيدنا شعيب مسلم جاء بالإسلام (نجهل ما يقابل كلمة الإسلام في لغة سيدنا شعيب).

وسيدنا اليسع مسلم جاء بالإسلام (كذلك نجهل ما يقابل كلمة الإسلام في لغة سيدنا اليسع).

وكذا الحال مع سائر الأنبياء والرسل فجميعهم مسلمون جاءوا بالإسلام.

وهكذا ما يخص أقوامهم, أقوام هؤلاء الرسل فكل رسول بُعث إلى قوم معينين وهؤلاء القوم

انقسموا إلى قسمين, قسم منهم صدّقوا هذا الرسول وسلّموا له واتبعوه وهم المسلمون والقسم

الآخر كذّبوه وهم المكذّبون الكافرون.

فالسادة الأنبياء داوود وسليمان وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى (سلام الله تعالى

عليهم) هم من بني إسرائيل.

فإذا سألك يوماً طالب في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة ..

ما هو دين سيدنا موسى (عليه السلام)؟

فهل يا ترى ستجيبه بأنه يهودي مسلم! 

أم ستقول ببساطة أنه مسلم جاء بدين الإسلام من ربه وربنا, ورب العالمين.

وإذا استرسل بسؤال آخر وقال: وماذا نُسّمي الذين صدّقوا برسالته (أي بدينه الإسلام) وأسلموا له واتّبعوه؟

فهل ستجيب بأنهم يهود مسلمون!

أم الأولَى والأصح أن تقول أنهم مسلمون.

أما إذا سألك لاحقاً: ماذا كانت قوميتهم؟ فستقول ولا شك إنهم يهود من بني إسرائيل.

وماذا نسمّي اليوم الذين لم يستسلموا للقرآن من ذرية بني إسرائيل بعد نزوله على خاتم النبيين

والمرسلين؟ نسميهم اليهود.

وربما قد يسأل عن دين سيدنا سعد بن معاذ (رضي الله عنه)مثلاً, فماذا ستكون عندها أجابتك؟

هل ستقول عربي مسلم أم مسلم (فقط)؟ أعتقد أن تقول فقط أنه مسلم. وإلاّ فإذا كان السائل

ذكياً وقد ذكرت في إجابتك عربي مسلم, قد يباغتك بالسؤال عن سيدنا سلمان وسيدنا بلال

وسيدنا صهيب ومن شاكلهم وحينها ستقع في إحراج ما بعده إحراج .., ويكفي أن سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) قال في حق سلمان: (سلمان منّا آل البيت). وإذا

كان هذا على وجه التخصيص (أي خاصة بسلمان) فلا ننسى ما قاله على وجه التعميم: (دعوها فأنها نتنة), وكذلك (لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى). وزالت بذلك التفرقة العرقية في الإسلام.

أما إذا سألك عن قومية سيدنا سلمان قبل إسلامه فلا ضير أن تقول أنه من بلاد فارس كتاريخ,

وكذلك سيدنا صهيب من بلاد الروم, وسيدنا بلال من بلاد الحبشة.

ويبدو عبر هذه القرون الطويلة أن الانقلاب على الجزء الخطأ من المتوارث والسائد المألوف لتصحيحه بين المسلمين أمر عسير, لا بل عسير جداً. بدليل ما تجده في أي كتاب يتناول السيرة النبوية أو تاريخ صدر الإسلام _وليومنا هذا_ فتراهم لا يكتفون بذكر بلال فقط, أو مثلاً مؤذّن الرسول بلال, أو الصحابي بلال .. وإنما لا يهدأ لهم بال حتى يذكروا " الحبشي "!

ونتناسى الحديث الشريف المتقدم, ونتناسى الآية الكريمة:

{ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) } الأنبياء,

ودليل أخر على نتانة بعض من المتوارث والسائد المألوف هو تسمية عملية الشذوذ الجنسي بين الرجال باللواط حيث نسبوا هذا الفعل الشائن إلى اسم نبي مكرم من رب العالمين وهو سيدنا لوط (سلام الله تعالى عليه) ويجدون صعوبة بالغة بتصحيح التسمية كأن يشار إليه ب (عمل قوم سيدنا لوط), وبين هذا وذاك كما بين الثرى والثريا.

أما إذا سألنا مثلاً مَن قام بالفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام وبعده, فلك أن تفخر وتقول إنهم المسلمون الذين كان معظمهم من العرب, فقد فتحوا بلاد الشام وبلاد فارس وأرض الكنانة والمغرب والأندلس. وتاريخ العرب المسلمين مليء بالأمجاد وهي أغنى من أن تختصر في سطر أو اثنين, وهكذا هم أجدادنا العرب المسلمون (رحمهم الله تعالى) هم الذين صنعوا تلك الأمجاد وليس الماليزيون أو الهنود أو الصينيون. وهذا أيضاً لا يعني أنك أفضل من الأندنوسي أو الهندي أو غيرهم الآن, اللّهم إلاّ إن كنت أتقى منهم. وكذلك فبالمناسبة وأنت تذكر أمجاد أجدادنا المشرّفة, فإني لأرجو أن تتذكّر دوماً أن تلك هي أمجادهم هم, أما أنا وأنت فلا أمجاد لنا, لا بل على العكس. وإذا كنا نستحي الآن من الاحتلال وتوابعه المهينة, فسنستحي أكثر ونحن في قبورنا ممّا سيقرأه أجيال أجيالنا في كتب التاريخ لاحقاً.

والآن نعود إلى موضوع مقومات الدين الواحد عن الله تعالى والذي اسمه الإسلام ..

قد نسأل أنفسنا, هل أن مقومات الدين الذي جاء به سيدنا إبراهيم هي نفس المقومات التي جاء

بها سيدنا صالح (سلام الله تعالى عليهما) على أنّنا قد قلنا أنهما دين واحد ومن رب واحد؟ وهل أن هذه المقومات هي نفسها حرفياً دون زيادة أو نقصان ؟ وهل إن مقومات الدين الذي نزل على سيدنا نوح (عليه السلام) هي نفسها حرفياً مقومات الدين الذي نزل على سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم)؟

لا شك أن الأجوبة على هكذا أسئلة تكون بنعم .. لأن مقومات الدين الذي جاء به جميع الرسل والأنبياء هي واحدة من حيث المضمون والجوهر (كما أسلفنا) أو إن شئت أن تقول أن قواسم رئيسية مشتركة جمعت بين دعوات ورسالات الأنبياء والمرسلين من حيث الأساس, إلاّ أنها تباينت من حيث الجزئيات, وهذا التباين تولاه الحق تعالى, أي بإرادة إلهية مطلقة منه عزّ وجلّ.

إن هذه الإرادة الإلهية مبنية على ثلاثة نقاط أساسية, والله تعالى أعلم, هي :

الأولى: حجم الدعوة التي تتناسب طردياً مع حجم القوم, فَمن أرسل إلى مَن يزيد عن مائة ألف

        إنسان ليس كمن أرسل إلى الناس جميعاً ..

        { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) } الصافات,

        { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (158) } الأعراف,  

        { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ (28) } سبأ,

الثانية: الفترة الزمنية لمكوث ذلك الرسول في الحياة الدنيا أولاً ومن ثَم امتداده وآثاره في قومه

          بعد وفاته ثانياً.

الثالثة: معطيات واقع ذلك الرسول.

إن سيد القواسم المشتركة في دعوة الأنبياء والمرسلين هي التوحيد, بدلالة:

قوله تعالى العام والمطلق: { أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ..(26) } هود,

سيدنا نوح:    { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ

                 (22) } المؤمنون,

سيدنا هود:    { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ(65) }

                 الأعراف,

سيدنا إبراهيم: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا

                 تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) } الأنبياء,

سيدنا لوط:   { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا

                 اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) } الشعراء,

أسيادنا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ

                 اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) } البقرة,

سيدنا صالح:  {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ(73) }

                 الأعراف,

سيدنا يوسف: { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ

                  مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ

                  ..(38) } يوسف,

سيدنا شعيب: { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (85) }

                الأعراف,

سيدنا موسى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ

                  كُنتُمْ مُوقِنِينَ (24) } الشعراء,

سيدنا إلياس:  { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ

                 بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (126) }

                 الصافات,

سيدنا عيسى:  { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) } مريم,

ولقمان:        {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ

                 (13) } لقمان,

وخاتمهم سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) ..

{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ

وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163) }

النساء,

وأمر مؤكد أن التوحيد هو سنام ما أوحى الله تعالى إلى أنبيائه ورسله .. وإذن فالتوحيد هو الغاية السامية التي من أجلها بعث الحق تعالى الأنبياء والرسل ومن ثَم طلب الرسل من أقوامهم التصديق بهم وإعلان الطاعة لهم حتى يتسنى لهم تمرير ما يوحون به من ربهم إليهم لأنهم هم حلقة الوصل بين الله سبحانه وتعالى والناس وهم الذين سيعرّفون لأقوامهم أنواع العبادات وشعائرها ومناسكها, وكافة الوصايا والإرشادات والحلال والحرام والترغيب والترهيب .. الخ لكي يتمكن العبد أخيراً من عبادة ربه بالشكل الأمثل. { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ

الدِّينَ..(11) } الزمر,

وإذا عرفت هذه المقوّمة الرئيسة بقي أن تعرف أن معظم الوصايا الأخرى ما هي إلاّ امتداد وتطور مع تقادم الزمان وتطور الحياة من الرسول الأول إلى خاتمهم. وسيأتي التوضيح تباعاً ..

والآن نحاول أن نفهم طبيعة مقومات الدين الإسلامي في بدء نزوله على سيدنا آدم, لنقوم بعد ذلك بربط ما نستنتجه من مفهوم مع ما أعلناه سابقاً من أن الدين عند الله تعالى واحد وهو الإسلام, برغم تباين مقوماته من رسول إلى آخر (في الجزئيات فقط) على تقادم الزمان وحسب معطيات واقع ذلك الرسول.

وكما أسلفنا إن ما كان حول سيدنا آدم هو محدود وجزئي, وعليه فمّما يعقل مثلاً  أن الله تعالى

يمكن أن يكون قد أوصى سيدنا آدم بالزكاة (رغم عدم وجود نص قرآني مباشر يؤكد صحة

افتراضنا هذا) إلاّ أنه افتراض ليس ببعيد عن الواقع ..أوصاه بالزكاة كعنوان وبأبسط مفهوم .. (مثلاً) كإطعام و أكساء لمن حوله من الضعفاء كلما تيسر .. لتطهير ما يحصل عليه, وكذا الحال

قائم مع  الناس الآخرين الذين حوله من لحوم صيد أو جلود أو أثمار الأشجار أو ما شابه ذلك.

فيطّهر هذا المال من جهة ويزرع ثم يؤصّر المحبّة في نفوس مجتمعه عن طريق مساعدة الأقوياء

والأغنياء للذين هم أقل منهم قوة من جهة أخرى.

ولكن مما لا يعقل أن الزكاة كانت على عهد سيدنا آدم تخص النقد (العملة المصكوكة) والتي هي أصلاً لم تكن موجودة في وقته, وهذا ما يرجحه المنطق السليم, وكذلك لم تكن الزكاة في عهده تشمل العقارات .. فمساكنهم كانت لا تتعدى الكهوف أو الأكواخ بأبسط صِوَرِها والتي تبنى عادةً عن طريق ربط جذوع وأغصان الشجر مع بعضها .. والتي ما إن بُنيت اليوم هنا فأنها تترك ويُرحل عنها غداً ليُبنى غيرها هناك.

والآن نعود لنشير إلى ما ورد في نص التنزيل على ذكر الزكاة فيما يخص سيدنا إبراهيم وسيدنا

لوط وسيدنا إسحاق وسيدنا يعقوب (سلام الله تعالى عليهم),

{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) } الأنبياء,

وما يخص سيدنا إسماعيل:

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ

 بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) } مريم,

وهذا سيدنا عيسى:

{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي

  بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) } مريم,

وما يخص سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم):

{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } البقرة,

إذن الزكاة التي أُمر بها سيدنا محمد أولاً ومن ثم كل مَن آمن وصدق برسالته ثانياً ما هي إلاّ امتداد للزكاة التي أُمر بها من قبله سيدنا إبراهيم وسيدنا إسحاق وسيدنا يعقوب .. الخ من الرسل, لماذا؟

أمر بدهي, لأنها ضمن الدين الواحد.

ولكن ما تميّزت به الزكاة في رسالة سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) هي

الشمولية, بدلالة ما يلي:

 ورد ذكر كلمة الزكاة في القرآن الكريم (32 ) مرّة.

أما مشتقات الجذر ( أ , ن , ف , ق ) في القرآن الكريم فهي كما يلي:

أنفق /2                    تنفقوا /9                   ينفقونها /2

أنفقت /1                 تنفقون /2                   نفقة /2

أنفقتم /4                  ينفق /7                     نفقاتهم /1

أنفَقوا /11                ينفقوا /1                    الإنفاق /1

أنفِقوا /9                  ينفقون /20                 المنفقين /1

وأما ما أحصيته من عدد الأحاديث النبوية الشريفة في باب الزكاة لصحيح البخاري فقط فهو أكثر من90 حديثاً فضلاً على3 أحاديث في صدقة الفطر([3]),علماً إني تجنبت إحصاء تكرار الروايات, بالإضافة إلى أقوال الصحابة الكرام مثل أسيادنا أبي بكر وأبن عباس وعكرمة وأبن مسعود وأبي موسى وعثمان بن عفان وأبي ذر وعثمان بن أبي شيبة (رضي الله تعالى عنهم) ..

وما يهمنا حالياً هو إبراز جانب الشمولية في الزكاة وليس شرح فَقه الزكاة .. فهذا العدد الكبير من الآيات القرآنية الكريمة (105 آية) وهذا الكم الهائل من أحاديث المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) في الشرح والتفصيل الدقيق, بحيث غطّى كل ما يحتاجه

المسلم من معرفة دقيقة فيما يخص الزكاة, لِمَ فُرضت, وما هي الغاية من تقريرها كركن أساس, وكيف أنها قائمة على كافة الأموال, المنقولة وغير المنقولة (النقد, الذهب, الفضة, الماشية, المزروعات, العقارات ..الخ), ولمن تُعطى, ومَن هو أولَى بها من غيره .. الخ

هذه الشمولية تعطي انطباعاً وثيقاً دون أدنى شك أنه لم يعد هناك فقرة تخص الزكاة يمكن أن

تُستحدث لاحقاً وإلى يوم القيامة ولم يكن لها ذكر في القرآن الكريم بشكل مباشر أو في حديث

المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) أو في فتاوى العلماء المجتهدين الذين يعتمدون

القرآن والسنّة كدستور ثابت يمكن الرجوع إليه والقياس عليه في كل ما هو جديد من حالات,

وخصوصاً أن الوحي قد أنقطع والنبوات قد خُتمت. وإنْ لم نعد نحظى بفرصة الذهاب إلى الرسول لنسأله عمّا أستجد, فهذا لا يعني عدم الذهاب إلى الرسول المقيم أبداً بيننا ما دامت السماوات والأرض والذي من السهل على كل مسلم اقتناءه ووضعه في بيته أو في مكتبه وفي متناول يده ليقرأه وليحاكيه كلما تيسّر وليسأله فأن الأجوبة كامنة فيه (لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به, لن تضلّوا أبداً, كتاب الله وسنتي) .. ( عليك سيدي يا رسول الله أفضل الصلاة ولك مِنّا سيدي أتم التسليم بعون الله تعالى ما حيينا وما استطعنا ).

فأحياناً تأتي الإجابة بسرعة ملحوظة وأحياناً تأتي مع قليل من الجهد والتفكير وأحياناً أخرى تأتي

بعد جهد جهيد. المهم إن الإجابة موجودة في مكان ما في هذا الكتاب ..

{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ..(38) } الأنعام,        

وإن لم تجد الإجابة ولو بعد تثوير وتفكير وتدبّر فأرجوك لا تقول أبداً إن هذه حكمة إلهية مستغلقة, أو إرادة إلهية أرفع من أن يرتقي العقل الإنساني لفهمها, أو مشيئة ربانية يجب أن لا نخوض فيها لأنّنا قد نقع في الكفر إذا ما واصلنا البحث فيها.

وما حكمة نزولها علينا إذن!! 

إطلاقاً, لا بل الصحيح كل الصحة في عدم استقبال هكذا مخدّر (مفهوم مورفيني) لتجميد العقل

وبالتالي تجميد القرآن الكريم (التجميد الأخير مجازاً وإلاّ فيتعالى كتاب الله تعالى العظيم عن هذا

علواً كبيراً). وعدم إمكانية نَهل ما هو جديد من القرآن لمواكبة التطور العلمي في واقع الحياة بحجة أن عقولنا قاصرة ومحدودة وهذا دليل ضعف الإنسان! الأجدر بنا أن نقول:

إن ما لم نتوصل إلى فهمه اليوم لا يعني أنّنا مع مواصلة البحث والتقصّي لن نتوصل إلى فهمه غداً, أو بعد شهرين أو بعد خمسة قرون.

قل إن عقولنا قاصرة اليوم, لا بأس, لأن ما حولنا من معطيات وأدوات لم يرتق بعد ولكن

بتطورها غداً فمن المؤكد وبعون الله تعالى سوف نحصل على الإجابة الشافية. فالحق سبحانه وتعالى ما أنزل علينا القرآن لنشقى! وإنما لنعلم ثم نعمل بما علمنا وإن لم نحصل على الإجابة المرجوّة الآن (لقصر أعمارنا) فعلى الأقل علينا أن لا نثّبط من عزيمة ذريتنا من بعدنا في عدم مواصلة البحث والتحقيق.

وعلى أيّة حال فقد يبدو هذا الكلام جديداً بالنسبة للعامة إلاّ أنه قطعاً ليس بجديد بالنسبة إلى

الباحثين والمحققين.

إن العوام من المسلمين (والذين يشكّلون من حيث العدد الغالبية العظمى من الأمة) ميّالون إلى

الرضا بالحد الأدنى, فيظنّون واهمين أنهم قد استمسكوا بالعروة الوثقى ويعضّون عليها بالنواجذ.

نعم نحن لا ننكر أن أعرابياً أتى نبينا الكريم محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) وسأله

ما هو دينك فقال الرسول ما خلاصته أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأني عبده ورسوله وأن تقيم

الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت فقال الأعرابي إن فعلتها ولا أزيد أأدخل الجنة, ثم مضى فقال النبي: دخل الأعرابي ألجنة إن صدق .. الحديث.

وورد عن الرسول (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم): [ نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم وأن نحدث الناس على قدر عقولهم ]. وأعتقد (والله ورسوله أعلم) أن إجابة الرسول كانت من هذا القبيل, أي حدّثه على قدر عقله.

على ضوء هذا يتبين لنا دون الولوج في موضوع مدى صدق وإخلاص كل مسلم في قلبه مع ربه, هو أن حالة هذا الأعرابي ومن آثر اقتفاء أثره من عوام المسلمين هم الحالة الدنيا للمسلمين وهي قطعاً ليست الحالة المثلى .. فأين هذا من مثلاً { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ 26) } المطفّفين!

فهي تبدو (والله أعلم) وكأنها محصورة بين (أفعلها ولا أزيد) في حدها الأدنى, و { فليتنافس المتنافسون } في حدها الأعلى, المفتوح غير المقيد بسقف.

ونعود الآن لموضوع شمولية الزكاة, ومع ربط بعض المفاهيم التي أوردناها آنفاً يكون القرآن

الكريم والسنة النبوية الشريفة وبتفاصيلها الدقيقة هما الأصل وما إن أستجد شيء جديد فيمكن

الرجوع إلى الأصل والقياس عليه وهكذا ليستقيم مصطلح أن القرآن صالح لكل زمان ومكان .. ومن جهة أخرى فمن المؤكد أن شمولية كهذه تكون قد احتوت ضمناً لكل ما جاء به الرسل

الكرام قبل سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) فيما يخص الزكاة, فكانت رسالة سيدنا محمد (أيضاً ما يخص الزكاة) امتداداً لما سبق لأنه دين واحد .. مع الزيادة التي أتى

بها سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) من خلال القرآن الكريم وحديثه الشريف في الشرح والتفصيل والشمولية لتستوعب وقت نزول القرآن ولاحقاً إلى يوم القيامة كل ما سوف يستجدّ.

فأصبحت رسالة سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) فيما يخص الزكاة ..

كالدائرة الكبيرة التامّة, المحيطة بكل الدوائر الصغيرة الموجودة بداخلها ضمنياً..

إن صح التعبير, واعتبارنا لهذه الدوائر الصغيرة (الصغيرة من حيث شموليتها ليس إلاّ) هي ما جاء به الرسل الكرام ممّن سبقوا المصطفى والدائرة الكبيرة هي رسالة سيدنا محمد (عليه أفض￿ الصلاة وله￿￿ِنّا أتم التسليم) والكلام لا يزال مخصصاً لفقرة الزكاة, فكل ما جاء في دائرة سيدنا إبراهيم, فهو بدهي موجود ضمناً ضمن الدائرة الكبيرة, وكذلك ما جاء في دائرة سيدنا عيسى فهو موجود ضمن الدائرة الكبيرة .. وهكذا مع بقية الرسل (سلام الله تعالى عليهم).

والآن أخي القارئ الكريم إن كنت قد وافقتنا فيما خصّ موضوع الزكاة بالتوضيح المبسط السابق (وعذراً على الإطالة) فلك أن تقيس عليه بقية مقومات دينك من صلاة وصوم وبر للوالدين والصدق وإيفاء للكيل .. الخ

وهكذا أصبح واضحاً الآن معنى ما قصده الحق تعالى (كخطوط عريضة) حين قال:

{ شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..(13) } الشورى,

هذه الشمولية هي إحدى عظمات القرآن الكريم ولو جُمع كل ما جاء وقيل في الكتب السماوية السابقة (حتى على افتراض استحضار الكتب الأصلية إن وُجدت _قبل التحريف_ ) فستجد أنها لا تخرج من أن تكون إلاّ ضمن رسالة سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) القرآن. مضافاً إليها في قرآننا وسنّتنا (أي بالإضافة إلى الشمولية) ميزة التفصيل الدقيق واحتواء الكل, ميزة أو خاصية أخرى هي الإطلاق إن صحت تسميتي لها.

الإطلاق بمعنى استمراريتها وديمومتها بنفس الحيوية والفاعلية لتستقيم صالحة ومتفاعلة مع كل ما يمكن أن يستحدثه الإنسان من مستجدات وتغيرات في واقع حياته نتيجة تطوره المستمر.

فعلى سبيل المثال استقامت { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } في عهد رسول الله  (عليه أفضل

الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) حين نزولها .. وتستقيم كذلك الآن, فرغم ثورة الاتصالات

والكومبيوترات فلا ترى الأنثى (المدركة) الآن ضيراً من دفع حصتين للذكر باعتباره القيوم على العائلة, وحتى في المجتمعات الغربية ورغم الثورة العارمة التي غزت أوربا وأمريكا في العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة والتي نادت بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ورغم أنها بالفعل أخذت كثيراً من حقوقها إلاّ أنك تجد أن المحصلة النهائية أسفرت على بقاء الرجل رجلاً والمرأة امرأةً على الأقل فيما يخص قيمومة الرجل بالعائلة وهو الذي يتحمل العبء الرئيس للقيام على أمرها, أما إذا رغبت المرأة في مساعدة زوجها طوعاً في تحمل المسؤولية العائلة فتلك مسألة أخرى.

ومثال آخر: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ

حَتَّى يَطْهُرْنَ (222) } البقرة,

 فهذه قاعدة قرآنية أخرى أُرسيت قبل أربعة عشر قرناً, فمن حيث الشمولية لو أنها لم تذكر في

القرآن أصلاً لأصبح هناك ثغرة, قد غاب ذكرها في القرآن (معاذ الله) ولأطلق الأطباء صيحاتهم

عالياً بعد الذي وجدوه من خلال الدراسة التجريبية والمختبرية العملية من أن دم الحيض مزيج من دم فاسد وسوائل تحوي على أعداد هائلة من الميكروبات والجراثيم والتي قد تكون سبباً مباشراً لإصابة الرجل والمرأة على حدٍ سواء بأمراض خطيرة مختلفة إذا ما حصل التقاء الرجل بالمرأة وهي في هذه الحالة ..

ولننظر إلى ما قاله الشيخ عبد المجيد الزنداني([4]):

"" 1_ إن تهيج أعضاء الأنثى بالجماع في هذا الوقت يحدث احتقاناً يسبب التهابات رحمية أو

        مبيضية أو حوضية تضر بصحتها ضرراً بليغاً. وربما نشأ عن هذا الالتهاب تلف في

        المبيضين أو في مجاري البويضة يؤدي إلى العقم. وأيضاً فأن تعريض الأنثى للهواء في هذا

        الوقت يضر بأعضائها الداخلية وقد يحدث فيها التهابات.

   2_ إن دخول مواد الحيض في مجرى قضيب الرجل قد يحدث فيها التهاباً صديديّاً في بعض

        الأحيان, وهذا الالتهاب يشبه السيلان وقد يمتد إلى الخصيتين وربما نشأ عن ذلك عقم

        الرجل.

ألا ما أدق التعبير القرآني: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ }""  (انتهى).

ناهيك أيضاً عن العوامل النفسية غير المشجعة لمثل هكذا التقاء في هكذا ظرف والتي أرجح أنها

تظهر أشد وطأةً بعد الالتقاء وليس قبله, فيما لو حصل.

أما من حيث الإطلاق فأن العلم الحديث في عصر الذرة وغزو الفضاء لا يتعارضان مع هذه

القاعدة (( أذىً  .. فاعتزلوا )) لا بل هو الذي يثبت صحة ما جاء في القرآن الكريم .. وهكذا.

وهناك إشارة رحمة بليغة من الرحمن الرحيم (رغم أنها ليست فيما نحن بصدده) لمن ينظر بعمق إلى

قوله تعالى: { فاعتزلوا النساء } حيث لم يقل فاعتزلوا نسائكم, أو فاعتزلوا حرثكم, أو فاعتزلوا

زوجاتكم, أو فاعتزلوا حلائلكم .. وإنما أطلق { النساء } أي ما معناه أنه شمل حتى الزناة بأن لا

يأتوا بفعلتهم في هذه الحالة! فيا أيها الزاني انظر إلى رحمة وعظمة وصبر ربك .. حتى وأنت تأتي

بالفاحشة يبقى حرصه ورحمته عليك كبيرة, فتأمل هذا بعمق, فو الله سترى العجب العجاب من

ربك في هذا الكتاب الكريم العظيم!

إذن الشمولية والإطلاق حقيقة, حقيقة دامغة يستطيع أن ينكرها عوام غير المسلمين بسهولة ولكنها عصيّةٌ بحق على علمائهم أن ينكروها إن كانوا فقط من المنصفين .. أقولها مرةً أخرى فقط إن كانوا من المنصفين .. وهذه الحقيقة ليست مبنية على التعاطف أو التعصب, أي بمعنى لأننا مسلمون فسننتصر لكتابنا واليهودي لتوراته أو تلموده والنصراني لإنجيله, وحتى في الديانات الوضعية فالحالة قائمة على حدٍ سواء فتراهم كذلك, على قاعدة كلّ يدّعي وصلاً بليلى ..

فالبوذي ينتصر لكتب بوذا والتي يرجع قسم منها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد([5]), لا بل ربما 4000 سنة ق.م([6]). والتآويون الصينيون ينتصرون لكتابهم (تآو) الذي يعني (الطريق) للفيلسوف لي آره أو لاوتسه الذي عاش في القرن السادس ق.م .. الخ

ولكن ليلى لمن ستكشف خمارها أخيراً ؟  

وإن كنا لسنا بصدد مناقشة الأديان الوضعية لعدم صلاحية مقارنتها أصلاً مع كتاب هو كلام الله سبحانه وتعالى لأنها ببساطة هي من صنع إنسان, إلاّ أننا لنا وقفة صغيرة ..

إن عبقرية هكذا ناس (كبوذا ولاوتسه) لا يمكن تجاهلها بسهولة, فهذه العقول التي هي بلا أدنى

شك عقول (جبّارة) تفتقّت وبعد جهد كبير على وضع أسس في الأخلاقيات الإنسانية وطرق

معينة للعبادات وضوابط في المعاملات الاجتماعية وبرمجة وصايا عامة لكل ما من شأنه الأخذ

بعقل الإنسان ومشاعره والتوجه به نحو الحسن والخير والسمو والابتعاد به عن كل ما هو قبيح ورذيل وشر, والدليل على عبقرية عقول هؤلاء الأشخاص هو أنهم استطاعوا وبشكل مذهل استقطاب الملايين من الناس ليكونوا أتباعهم, وهذا واقع حال لا ينكر. فهذه العقول استطاعت أن تؤثر بشكل صميمي في الآخرين, استطاعت أن تستحوذ ومن ثَم تسيطر على عقول هؤلاء الملايين ليكونوا أتباعها ومنذ بضعة آلاف من السنين, ولو قمنا بإحصائية تخمينية للذين آمنوا بفكر بوذا (إن كان بوذا هذا يمثل شخص واحد أو مجموعة أشخاص) واتبعوه من ذلك الحين وليومنا هذا لوجدنا الرقم خيالياً! .. عقول كهذه أليست جديرة بالإعجاب! (وأقصد بالإعجاب تحديداً من جهة ما أحدثوه من تأثير على الآخرين), ومع مزيد من الأسى أقول إن هذه العقول اعتمدت كلياً على ذاتيتها, أعني نظرت إلى ما حولها من معطيات (الإنسان بالدرجة الأساس ثم الحيوان والشجر والماء والريح والرعد والبرق والتراب والنهر والسماء والمطر والنجم والشمس والقمر .. الخ),

هي كل أساسيات المعلومات (Data) التي كانت موجودة في واقع (خريطة) هذه العقول, والمسلمون يقرّون أنه لم ينزل عليهم وحي ولا كتاب سماوي .. لا وحي ولا رسالة وقد أنجزوا هكذا إنجاز!

فما بال عقول المسلمين الذين آتاهم ربهم العظيم كتاباً عظيماً (إن شئت مجازاً أن تقول .. خريطة تامة وشاملة ومحكمة) وليس ريح وجبل وشجر, ألاّ يحدثوا ربع هذا التأثير! .. أين هم في بضعة القرون الماضية! .. وأين نحن الآن!

وأرجو أن لا يُفهم أن كل عبقري يمكنه صياغة كتاباً في الروحانيات والأخلاقيات بمستوى عال من الدقة في محاكاة الإنسان وفطرته ونوازعه وشهواته وانفعالاته وأحاسيسه ثم نقله إلى عالم يعتقد هو ومَن يؤمن به أنه عالم السمو والرفعة .. معناه أنه قد ارتقى إلى مصاف الكتب السماوية ..! معاذ الله تعالى. وحتى .. وأقول حتى إذا افترضنا جدلاً أنه ارتقى في جوانب معينة في الروحانيات إلى الروحانيات الموجودة في القرآن الكريم فلا يزال ردنا ببساطة قائماً على النحو الآتي:

إن الروحانيات والأخلاقيات السامية العامة منها والخاصة والتي تشكل المحور الرئيس أو العمود

الفقري لكل الأديان وخصوصاً الوضعية منها, سواءً منها المتعلق بالعبد ومعبوده أو بين العبد وبقية الناس .. وكل ما كُتب وما سيكتب لا يتعدى أن يشكل فقرة من فقرات القرآن الكريم. فالذي يمثل (الكل) عندهم .. يمثل عندنا (جزءاً) من أجزاء عديدة.

وإذا انتقلنا إلى أهل الكتاب فنقول وكما أشرنا سابقاً بعيداً عن التعصب أو التعاطف مع

المتوارث عن آبائنا وأجدادنا والسائد المألوف:

إن غياب الشمولية والإطلاق في كتبكم السماوية لا يعتبر قصوراً في كتبكم بحد ذاتها عندما نزلت على رسلكم الكرام (سلام الله تعالى عليهم أجمعين) لأنها هي أولاً وآخراً جميعاً كتبه سبحانه وتعالى ونحن المسلمين مؤمنون بها والحمد لله, وإنما الذي حصل هو أن ما أُعطيتم (بإرادة إلهية مطلقة) في كتبكم كان صالحاً لوقت كل رسول مع امتداد زمني نسبي بعد وفاته, وبما لاءم وناسب معطيات واقع ذلك الرسول, أي نسبي (محدّد) ولو أراد الحق تعالى إعطاء التوراة مثلاً صفتا الشمولية والإطلاق لختمت بسيدنا موسى (عليه السلام), ولأنقطع الوحي على آخر عهده بالتوراة ولأصبحت التوراة صالحة لكل زمان ومكان ولكل الناس حتى قيام الساعة. ولأصبح من الضرورة بمكان أن لا يبعث الله تعالى نبياً آخر بكتاب آخر, لماذا؟

لأن ما بعد التمام والكمال ليس إلاّ النقص والقصور .. 

ولكن الذي حصل _واقع الحال_ أن الله تعالى بعث برسل آخرين بعد سيدنا موسى, من بينهم

مثلاً سيدنا عيسى (عليه السلام) بالإنجيل, ورغم أني أجهل تفاصيل التوراة والإنجيل إلاّ أنني لا أجهل المحور الذي اعتمدته في استنباطي لسير أحداث نزول الكتب السماوية على الرسل الكرام والتي تبدو لي بشكلٍ جلّي كأنها حلقات يستكمل بعضها بعضاً وصولاً إلى الهيكلة التامة في الحلقة الأخيرة والتي عندها يجب أن تقف, لأنه قد حصل (التمام).

ويحضرني قول إنكليزي معروف وهو:

 best.              There is no second                                                  

وترجمته بالعربية: لا يوجد (الأفضل) ثانياً.

أو بمعنى آخر: الأفضل في القِمّة وما سواه دونه.

حيث تصريف الفعل  good   بالمفاضلة هو,

best_   better    _                                   good 

 الأفضل أو الأحسن   _  أفضل أو أحسن  _  حسن  

ولا يوجد تصريف رابع لعدم وجود مكان له (عقلاً). وما انطبق على أهل التوراة ينطبق كذلك على آهل.. ثم خُتمت أي تمّت .. (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم).

والآن يا أهل الكتاب: لا يضرّكم إذا قرأتم:

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ..(60) } الأعراف, 

لاحظ إلى قومه فقط.

 

{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ..(66) } الأعراف,

كذلك سيدنا هود يرسله الله تعالى إلى قومه فقط.

 

{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ..(73) } الأعراف,

فما أُرسل سيدنا صالح إلاّ لقوم محدّد وهو ثمود وليس كل العالمين.

 

{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ..(85) } الأعراف,

كذلك سيدنا شعيب يرسل إلى قوم معين فقط.

 

{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ(139) }الصافات,

{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) }الصافات,

وهذا سيدنا يونس أُرسل إلى عدد لا يتعدى إن يكون مجموع سكان جزيرة!

 

{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) } القمر,

{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ(31)قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً..(32) } العنكبوت,

وسيدنا لوط إلى قوم في قرية ..!

 

لا بل أحياناً أكثر من رسول لذات القرية ( القوم ),

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا

   فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) } يس,

{ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) } يس,

 

وهكذا بقية الرسل (سلام الله تعالى عليهم) إنما أًرسلوا إلى أقوام محًّددين ولم يرسلوا إلى غيرهم,

وعليه فقد كانت مسؤولية كل رسول ممن سبق سيدنا المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم

التسليم) محدّدة في دعوته لقومه فقط, لا يتعدى أكثر عن هذا القوم.

وعليه فلا نستغرب أبداً أن نتصور أن الله تعالى في الوقت الذي أرسل فيه سيدنا موسى إلى بني

إسرائيل في وادي النيل, يكون قد أرسل في الوقت عينه رسولاً آخر في وادي الرافدين .. وهكذا.

{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً(164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزا حَكِيماً   (165) } النساء,

{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ..(9) } إبراهيم,

لكن الحالة مختلفة تماماً مع رسالة المصطفى سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم).

كل الأنبياء والرسل (سلام  الله تعالى عليهم) من قبله أُمروا أن يقولوا: " يا قوم ", إلاّ سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) أُمر أن يقول: " يا أيها الناس ".

فالقرآن الكريم هذا شأنه, إقرأوه إن شئتم:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) } البقرة,

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ..(1) }النساء,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ..(170) } النساء,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) } النساء,

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ..(104) }

  يونس,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) } الحج,

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) } الحج,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ..(33) } لقمان,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) } فاطر,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) } فاطر,

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..(13) } الحجرات,

وفي هذه الآيات الكريمات إشارة واضحة لكل مَن يريد أن يلقي السمع ليشهد الحق .. ليشهد

الحقيقة, حقيقة رسالة سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) القرآن الكريم,

كيف إنها  للناس كافّة, وإليكم  مسك الختام:

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ..(28) } سبأ,

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } الأنبياء,

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (158) } الأعراف([7]),

فيا أيها الناس .. تشمل كل الناس .. عرب, ألمان, روس, هنود, أحباش, اسكيمو .. الخ

ذرية إبراهيم وذرية إسرائيل.

إذن يا أيها الناس تعني كل الناس وفي كافة أنحاء ألمعمورة على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأعراقهم وأطوالهم وأحجامهم .. السود والسمر والشقر  .. الخ

كل الناس .. تعني كل الناس, بلا استثناء البتة .. وهذا بحد ذاته يصلح أن يكون دليلاً واضحاً لكل المنصفين لأنفسهم أولاً وللحقيقة ثانياً من أهل الكتب السماوية الأخرى (ولغيرهم طبعاً), أن يستجيبوا لنداء القرآن لأنهم قطعاً هم ناس وبما أنهم ناس .. إذن هم ضمن (يا أيها الناس المطلقة) حتماً. وليردّوا علينا الإطلاق هنا, أو يقيدوا المطلق .. إن استطاعوا!

ورغم أن الصحف والزبور والتوراة والإنجيل هي كتب الله تعالى ولاشك, ولكن ما نريد أن نقوله في هذا المكان تحديداً أن هذه الكتب السماوية المقدّسة لم تنادنا في حين القرآن الكريم يناديها, أعني ينادي ذرية مَن آمن بهذه الكتب فضلاً على كل الناس الآخرين ممّن حضوا بنزول القرآن ولاحقاً. ولكن هل القرآن ينطق ثم ينادي؟

إن الذي علمناه عن رسول الله تعالى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) في هذا الخصوص

أنه حمل القرآن في صدره الشريف .. ثم بلسانه الشريف .. ثم بسيفه الشريف.

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ..(21) } الحجرات,

هكذا كان منهج المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) ثلاث مراحل ..

  عقل .. لسان ليّن .. سيف.

وعليه فنحن نحتاج العقل للفَهم .. لفَهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطّهرة ولو بخطوطها

العريضة كبداية في مرحلة سنّي الشباب ثم الولوج في الأعماق رويداً رويداً فكلما كان المسلم أوسع علماً كان أقوى وأفصح في البيان, والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. والقوة بمعناها الدقيق اليوم لا يمكن الحصول عليها إلاّ من خلال العلم والمال ( إن أُحسِنَ تسخير بعضهما لبعض ),

فالعلم يأتي بالمال والمال يأتي بالعلم.     

وما نحتاجه بعد العقل والفهم هو الأداة لنقل ما فهمنا إلى الآخرين, والنقل يكون إما عِبر اللسان

اللّين البيّن الذي بين شفتينا أو من خلال السلوكية القويمة للمسلم في مفردات حياته اليومية المختلفة وعكسها كواقع ملموس للآخرين. وهنا يسعدني الإشارة إلى أن الداعية بعد تسلحه بسلاح العلم والبيّنات والذكاء والحجج القوية في البرهنة والإثبات, عليه أن يتحلّى بالحلم والصبر وسعة الصدر والتواضع وأن يكون له قابلية على تحمل الأذى, وأيضاً قابلية على المثابرة والمواصلة وعدم اليأس وإلاّ كيف لنا أن نفهم داعية غير حليم, يتعصب ويثور خلال دقائق إذا ما سمع ما يخالف فهمه ومزاجه! أم كيف لنا أن ننصت إلى داعية متكبر حتى وإن كان حامل علماً! وهل كان طريق رسولنا الكريم سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) مفروشاً بالزهور والرياحين في مكة والطائف .. وكم من الأذى تحمّل عبر سنين طوال!

{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  ..(125) } النحل,

{ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ  ..(159) } آل عمران,

{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) } طه,

إذن إلى هنا فمَن آمن فنور على نور, ومَن لم يؤمن بعد التبليغ الكافي والبيان الشافي فيكون السيف آخر الدواء .. وآخر الدواء الكي, أما ما قبلها فيكون " مَن آذى ذميّاً فقد آذاني " الحديث.

ولكن إذا أطبقنا على عقولنا أولاً ثم أطبقنا على ألسنتنا ثانياً, فبالله عليكم خبروني كيف سينطق

القرآن؟ وكيف سينادي أهل الكتاب والمشركين؟

نعم, إن من حيث القدرة الإلهية فأنها _مطلقة_ فلا يشك أي مسلم مؤمن بقدرة الله سبحانه

وتعالى في أنها مطلقة أي قادر على كل شيء, ولو أراد الله تعالى أن يجعل (القرآن الكريم) ينطق

بحروفه وكلماته وأخلاقه وعلمه لجعله ينطق وبالصيغة التي يريدها جلّ وعلا.

ولكن هذا الكلام لا يصح لأن الله تعالى جعل لكل شيء سُنّة أي (قانوناً) ثم إن صفة هذه السنن

هي الثبات وقد قضى هو جلَّ وعلا أن لا تتغير أبدأ .. فهي قوانيناً ثابتةً,

{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) } النساء,

{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً (87) } النساء,

{ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) } فاطر,

وهكذا جعل الله تعالى سنّة نطق كتبه من خلال الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..

{ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ..(23) } الأحزاب,, الذين حملوا كتبه.

فأين أنتم يا حملة القرآن؟

ونعود الآن إلى ما كنا قد توقفنا عنده مؤقتاً وهو الشمولية ..

فنحن لا نعتقد أن الإنجيل _مثلاً_ فيه قصور إنما نعتقد أنه كتاب الله تعالى ناسب ولائم قوم معين من بني إسرائيل .. ولكن ما أنزله الله في الإنجيل محدّداً وغير مطلقاً استقام مع معطيات واقع القوم الذي أنزل إليهم في ذلك الوقت, ولكنه تعالى وهذه إرادة إلهية مطلقة كما تقدم ذكره لم يجعله يستقيم مع كل ما سيحدث الإنسان من تغيرات والتي ستسفر عن معطيات جديدة وعديدة (وخصوصاً العلمية منها), أمّا في القرآن الكريم فالحالة مختلفة.

فقد جمع الله تعالى السنن السابقة في الكتب السابقة:

{ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) } الفتح,

{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ..(38) } الأحزاب,

{ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ..(38) } الأنفال,

{ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (13) } الحجر,

{ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77) } الإسراء,

{ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً(43) }

  فاطر,

{ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ..(85) } غافر,

{  قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ ..(137) } آل عمران,

{  يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ  ..(26) } النساء,

وكذلك الوصايا السابقة في الكتب السابقة:

{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ (131) } النساء,

{ شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسى

  وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..(13) } الشورى,

{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ..(132) } البقرة,

{ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ .. (31) } مريم, ( حكاية عن سيدنا عيسى )

{ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ..(8) } العنكبوت, (فالإحسان للوالدين وبرّهم قديم وليس بجديد في القرآن وإنما هو امتداد لما سبق).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ..(183) } البقرة,

وكذلك الصوم .. فتأمل (كما كتب على الذين من قبلكم).

فقد جمع الحق تعالى السنن والوصايا السابقة في كتبه مع الإضافة الحاصلة (الجديدة) والتي

تستوجبها الشمولية والإطلاق ليحصل التمام, ولأنه سينقطع الوحي بوفاة خاتم الرسل فأنزلت

بترتيبها الأخير في خاتم الكتب بأروع وأحسن وأشمل وأدق ما يكون لكي تستقيم مع كل المتغيرات والمستجدات وحتى قيام الساعة. وهكذا إذن أصبح القرآن الكريم بمثابة رسولاً مُقيماً لكل مَن يريد أن يهتدي بنوره ليفلح في الدارين حتى يرث الله تعالى الأرض ومَن عليها.

وأخيراً أعتقد أن  الشمولية والإطلاق أصبحتا أكثر وضوحاً الآن, إلاّ أن هذا لا يعني أبداً أن كل مَن سيسمع من غير المسلمين ويعلم (حتى ولو بعد دراسة مستفيضة لفقه الشريعة الإسلامية من صلاة وصوم وزكاة وتوزيع الإرث .. الخ واقتناعه وإقراره بمدى شموليتها وإطلاقيتها) أصبحتا بمثابة الحجّة القاطعة عليه وليس له الخيار إلاّ في إتّباع هذا الدين. فقد تحظى بعدد كبير من الناس وخصوصاً من أهل الكتاب ممّن شعارهم الحد الأدنى ويؤثر أن يبقى على ما هو من صلاة وصوم في دينه السماوي أو الوضعي ويكتفي بالقدر الذي ذكر في دينه .. أي حتى ولو أقتنع بعدم شمولية وإطلاقية دينه كالتي وجدها في فَقه وأحكام الشريعة الإسلامية. وسوف تراه يقول لنا أخيراً:

إن هذا القدر الموجود في ديني يكفيني .. ولكم دينكم ولي دين!

إذن ما أقررناه من شمولية وإطلاق في الدين الإسلامي والتي يؤمن بها المسلم ويعتزّ لكونها إحدى

عظمات القرآن الكريم, يتبيّن لنا في النهاية إن هذه العظمة لوحدها غير قادرة على إعجاز غير

المسلم وحمله على الإسلام ويرفع الراية البيضاء ويستسلم قسراً.

ولو أنصفنا نحن المسلمين أنفسنا (خصوصاً ذوي العقول المفكّرة المنصفة) وتصوّرنا لمدة دقيقتين,

أنّنا ولدنا في الصين (مثلاً) من أبوين بوذيين, أعمامنا ونساءهم وأولادهم بوذيون, عمّاتنا وأزواجهن وأولادهن كذلك, وكذلك أخوالنا وخالاتنا وأزواجهم وأولادهم بوذيون, جيراننا ذات اليمين وحتى تاسع جار بوذيون وكذلك جيراننا ذات الشمال حتى عاشر جار, المدرسة والكلية بأساتذتها وتلاميذها بوذيون .. في الشارع والسوق نلقى البوذيين .. في الحافلة والقطار كذلك .. ومعابد البوذية منتشرة هنا وهناك .. والتلفزيون والإذاعة والجريدة مسّخرة لنصرة دين بوذا .. الخ, وهكذا منذ ولادتنا وحتى أصبحنا اليوم في سن الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين وبوذا يجري كمجرى الدم في عروقنا.

تُرى بالله علينا (وما زلت أتوسم من القارئ الكريم أن ننصف أنفسنا بالعقلانية والموضوعية قبل

الإجابة) هل سيجلب انتباهنا ويحرك هواجسنا ويثّور عقولنا إذا جاءنا داعية مسلم إلى حيّينا

الصيني (البوذي) وقال لنا: أعرض عليكم ديني الإسلام, والذي يحمل شمولية وإطلاق في

(الصوم والصلاة والزكاة .. ) وبدأ يشرح لنا عن الصوم والصلاة, ترى كم منّا سيسمعه؟

وعلى افتراض أننا سمعناه فماذا تتصورون سيكون رد فعلنا؟ وما مدى تأثرنا بقوله؟ وكم منّا

سيترك البوذية ويسلم! .. أترك الإجابة للقارئ الكريم.

من هنا يتحتم علينا طوعاً أوكرهاً .. أن نعيد النظر لاستحضار جواب يتناسب مع هكذا سؤال

حساس, السؤال الذي سألناه سابقاً وهو: ما هي عظمة القرآن الكريم؟

ورغم أننا نحن المسلمين ننظر إلى فقه وأحكام الشريعة الإسلامية بإجلال وتقديس ونحاول جاهدين أن نطبقها (كلّ على قدر سعته) ما استطعنا لننال رضا الله تعالى, إلاّ أنها لا تعجز غيرنا بالضرورة ولا تصلح خصوصاً في زماننا هذا المليء بالمعطيات العلمية الحديثة والمذهلة أن تكون السلاح رقم واحد للدعوة الإسلامية. نعم قد يذّكرني البعض بأن الإسلام ما انتقل إلى أقصى الشرق إلاّ من خلال التجار ولكن جوابي سيكون ذلك زمان كان له معطياته, وهذا زمان له معطياته.

كذلك آن الأوان للمسلمين أن يدركوا قبل غيرهم أن عظمة القرآن لا تكمن في الصوم والصلاة فقط وإنما عظمة الصوم والصلاة ما هي إلاّ عظمة واحدة من عظمات كثيرة في القرآن الكريم. 

وبالعودة إلى عظمة القرآن لاسيما أن السؤال لا زال قائماً, فنتجه به إلى الطبقة المثقفة من المسلمين, فتأتيك الإجابة على النحو التالي (أو ما يقاربها):

لاشك أن جميع المسلمين المؤمنين يشتركون في اعتقادهم أن كتاب الله تعالى القرآن الكريم  هو

كتاب عظيم .. لا بل أعظم الكتب السماوية قاطبةً .. ثم يبدأ يستشهد بالآيات الكريمة:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) } الحجر,

{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ..(21) } الحشر,

{ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ

  بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) } الإسراء,

{ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) } يس,

{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) } ق,

{ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي

  كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) } الواقعة,

{ بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ (21) } البروج,

{ قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) } الزمر,

{ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) } الجن,

{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } النمل,

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ..(89) } الإسراء,

{ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ..(82) } الإسراء,

{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..(9) } الإسراء,

وقد يعزّز أدلته ويعطرها بشيء من السنة النبوية الشريفة ويروي ما قاله سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) في حديث يصف القرآن وصفاً رائعاً فيقول, عن علي بن أبي طالب عن المصطفى أنه قال: ( ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج يا رسول الله, قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم, هو الفصل ليس بالهزل, مَن تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, ونوره المبين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم, وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء, ولا يشبع منه العلماء, ولا يملّه الأتقياء, ولا تنقضي عجائبه, مَن علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم). وفي هذا إشارة واضحة على عظمة هذا الكتاب الذي ما إن اتبعّته (مع السنّة النبوية) فانك سوف تنجو من النار وتفوز بالجنة. وقد يستطرد مبيناً دور اللغة التي نزل بها القرآن ويستعرض لك عظمتها في كثرة مفرداتها وغزارة معانيها وما فيها من قواعد ونحو وتصريف واشتقاق وتعريب وإيجاز وإطناب وإعجاز وحقيقة وكناية وقصر وتورية وطِباق ومقابلة وجِناس وسجع .. وما إلى ذلك. ثم قد يسترسل قائلاً: إن القرآن هو المعجزة الكبرى, كان أكبر دليل لسيدنا المصطفى

(عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) على صدق نبوته وقت نزوله .. وكذلك حتى قيام الساعة, فيه تحدى الله تعالى كل المشركين والكافرين والمكذبين قائلاً:

{ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ

  بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) } الإسراء,

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ

  كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) } هود,

{ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ..(23) } البقرة,

وكذلك فهو معجز في أحكامه (الشريعة) وقصصه وآياته الكونية والخلقية .. وعن إخباره الوقائع القديمة التي خلت من قبلنا فضلاً على الأحداث المستقبلية (الغيبية).

وفي صيانته لحقوق الإنسان, ثم إصلاحه للفرد أولاً لأن بإصلاحه  ينصلح المجتمع بأسره. فهو دستور رباني متكامل متقن ومنهج قويم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أراد الله تعالى

أن نقرأه ونفهمه ثم نعمل به للارتقاء إلى أسمى ما يبتغيه الإنسان في تحقيق نوازعه وطموحاته وفكره خُلقياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً وسياسياً وما إلى ذلك في الحياة الدنيا ثم الفوز الكبير في الدار الآخرة. فهذا الكتاب نذير وبشير لكي لا ندخل النار ونفوز بالجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

طبقة ثانية من المسلمين, ربما ليسوا أقل إيماناً من الطبقة السابقة ولكن أقل اطلاعاً وفصاحةً على

الإجابة فيقول لك:

إنه كتاب عظيم ومن رب عظيم وبرسول عظيم ونزل بلغة عظيمة في شهر عظيم وليلة عظيمة .. ويكفيني أن الله تعالى قال في حق كتابه أنه عظيم, والحمد لله فأني أصوم واصلّي وأقرأ القرآن وأتّقِ الله تعالى ما استطعت .. و { لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها ..(286) }البقرة, واطمع في رحمته تعالى وأن يدخلني الجنة. ولا تحاولوا أن تعقّدوا الدين, فالإسلام دين حنيف سهل ..(إيمان العجائز).

وربما التقينا بطبقة ثالثة وهم العوام الذين يؤثرون الحد الأدنى.

والحقيقة ليس القصد من هذا .. تعيين طبقات ثلاث أو أربع أو خمس لمستوى المعرفة التي يتمتع بها المسلمون ولا غرضنا تصنيف درجات إيمانهم .. فالعبودية متروكة للعبد أمّا تقييم هذه العبودية وما أنجز كل عبد فهذا عائد للرحمن تعالى وحده فقط, إنما مبتغانا هو غربلة الكثير وصولاً للقليل الدسم .. إلى الحقيقة .. حقيقة عظمة القرآن, هذا الكتاب العظيم الذي لا تنقضي عجائبه .. الذي جعله الله سبحانه وتعالى منهلاً لا ينضب, وطاقة متجددة, وصالحاً

لمعطيات ومتغيرات ومستجدات كل جيل في أي زمان ومكان, وكلما أخذنا ونهلنا منه, وجدنا

هناك المزيد لا يزال بانتظارنا .. فقد أراد الله تعالى أن يكون كتابه القرآن كوثرأ مباركاً.

وهذه حقيقة يتفق عليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بالإجماع. (ولنا عودة لاحقاً),

والآن هل لنا أن نحاور ولو باختصار ما يخص لغة القرآن, اللغة العربية العظيمة؟

جاء في محكم التنزيل:

{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) } يوسف,

{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً..(37) } الرعد,

{ قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) } الزمر,

{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } فصلت,

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً ..(7) } الشورى,

{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) } الزخرف,

فقد جاء عن الدكتور الخالدي([8]) ما نصّه في ص 265:

تقسم اللغات في العالم إلى ثلاثة أقسام: السامية , الآرية , الطورانية.

1_ السامية

     يرتقي نسبها إلى سام بن نوح وهي أقدم عهداً من الآرية والطورانية, وأشهرها من اللغات

     الحيّة ومن ألدواثر: الآشورية والبابلية والفينيقية والحميرية والنبطية.

2_ الآرية

     وتعود إلى أصلٍ واحد: اللغة الهندية القديمة وتعرف بالسنسكريتية, ومن سلالتها الفارسية

     القديمة واليونانية واللاتينية والجرمانية وما تفرع عنها من اللغات الحديثة كالإنجليزية

     والألمانية والإفرنسية والإيطالية والإسبانية وغيرها من اللغات العصرية الحيّة.

3_ اللغات الطورانية

     وأشهرها التركية والمجرية والتترية والمغولية.

ثم تحت عنوان "طبقات اللغات" في ص 267 من نفس الكتاب, نقرأ ما نصّه:

تقسم اللغات من حيث تكوينها إلى ثلاث طبقات أحادية ومزجية ومتصرفة.

1_ أحادية: تتألف ألفاظها من مقطع واحد لا يتغير تبعاً للمعان كاللغة الصينية, فإنك تجد فيها

              عشرات الألوف من الحروف وهي من أضعف اللغات.

2_ المزجية: التي تتركب الألفاظ من كلمتين تدل أولاهما على أصل المعنى, والثانية على المعنى

               المضاف إليه كالفعل والزمان والمكان مثل اليابانية والتركية, وهي أرقى من الطبقة

               الأولى.

3_ المتصرّفة: التي يتحول فيها الأصل الواحد إلى صيغٍ شتى كل منها يدل على معنى لا يدّل

               عليه الآخر كالعربية والعبرانية والسريانية, ولكن العربية امتازت بكونها لغة

               اشتقاق وإعراب معاً, فبالاشتقاق تتحول المادة الواحدة إلى صور متعددة تبعاً

               للمعاني الجزئية, وذلك من خصائص علم الصرف. فتقول من وضع مثلاً: يضع,

               وضع, واضع, موضوع, وضيع, وضاعة .. الخ وبالإعراب تعرف كل كلمة من

               الجملة فاعلاً كانت أو مفعولاً  أو مبتدأ أو خبر ,, الخ

وأما اللغات الحديثة فأكثرها من نوع اللغات التحليلية, وهي التي يكون فيها للمعنى ولكل من توابعه لفظة خاصة بخلاف العربية وهي من فصيلة اللغات الإجمالية التي تجد فيها ما يدل على أصل المعنى, كما يدل على تابعه من فاعل ومفعول وزمان ومكان .. الخ (انتهى).

والآن إذا أخذنا الجذر الثلاثي ( ن , ز , ل ) فما الذي يمكننا أن نراه من تصريف,

نزل            نزلان          نزلوا          نزلن           نزلنا           نزلن          نزولهن

ينزل           ينزلان         ينزلون         ينزلن          ينزلاه         ينزلوهم        ينزلوهن

تنزل           تنزلان         تنزلون         تنزلن          تنزلاه         تنزلوهم        تنزلوهن

أنزل           أنزلان         أنزلوا          أنزلونا        أنزلهم         أنزلوهم        أنزلوهن

أنزلته          أنزلناه         أنزلنه          أنزلتها        أنزلناهما       نزول           نزيل

أنزلاه          أنزلناها       أنزلناهما        أنزلتموهن    تنزيل         نزولهما         نزولهم

نزوله          نزولها

وربما إذا عرضنا هذه التصاريف على عالم لغوي فقد يضيف إليها ما غاب عنّا استحضاره في

التصاريف أعلاه ..

ولكن سؤالي هنا: كم سيضيف على هذه التصاريف؟

خمسة تصاريف أخرى, أو عشرة, أم ما لا نهاية؟

إن اللغة العربية لغة غنية بمفرداتها, زاخرة بمعانيها, رائعة في تعابيرها .. وكما أسلفنا لها قواعد

أصيلة في النحو والإعراب .. فيها الاشتقاق والصرف .. فيها الإطناب والإيجاز .. فيها السجع .. فيها الأسلوب ومنها البلاغة .. فيها البيان .. وإن من البيان لسحراً ..

لا بل ترجمت معاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى .. وقد أفلح المترجمون في نقل المعنى العام

(كخطوط عريضة) إلاّ أنهم أخفقوا في إيصال روحانية المعنى _إن صح التعبير_ ولا لعلة سوى أن اللغات الأخرى المترجم إليها القرآن الكريم لا ترتقي إلى مستوى أسلوب وفصاحة وبيان اللغة العربية. على أية حال أن من المسلّم به بالإجماع أن القرآن محكم لغوياً. ولقد درس جهابذة اللغة العربية (رحمهم الله تعالى) لغة القرآن, من أمثال (الخليل بن أحمد, وأبي أسود الدؤلي, وأبي عمرو بن العلاء, وسيبويه, والجاحظ, والأخفش, والكسائي, والزمخشري .. وغيرهم كثير) وتذوقوا في اختصاصهم كلغويين أكثر من غيرهم عِظَم صياغة لغة القرآن, لا بل أعجزت كل من حاول من أعداء هذا الكتاب وعبر القرون الأربعة عشر الماضية, من إيجاد ولو ثغرة بسيطة فيه!

كما أعجزت من قبلهم (شيخهم) عدو الله تعالى الوليد بن المغيرة حين سمع القرآن فقال:" والله

ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه وقصيده مني .. والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا .. والله إن قوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمورق أعلاه, مغدق أسفله وأنه ليعلو ولا يعلى عليه).

وهكذا أعجز فطاحل اللغة وخاصة على عهد نزوله حين كانت اللغة والشعر والنثر العربي في أوج عظمتها. وعند الرجوع إلى المكتبة الإسلامية تجد هناك كماً هائلاً من الكتب التي غطّت الإعجاز اللغوي إلى حد كبير والذي اعتقده أنه ليس هناك الكثير ليضاف في هذا المضمار, وهذه حقيقة.

إن طالب اللغة اليوم عند دخوله إلى أي معهد أو كلية متخصصة لدراسة اللغة العربية في أي بلد

في العالم, فإن ما سيدرسه هو (علم الأسبقين) الذين سبقوه .. وكذا الحال للطالب المتوجه إلى كلية الهندسة أو كلية الزراعة أو كلية الطيران, فإن ما سيدرسه هو أيضاً (علم الأسبقين), ولكن الفارق يأتي لاحقاً بعد التخرج والممارسة والتدرج .. تجد أن الذي درس اللغة لا يستطيع إن يضيف أي شيء جديد للّغة وهذا لا يعني .. لقصور فيه, فلو كنت أنا أو أنت مكانه, فما الذي بإمكاننا أن نضيفه إلى قواعد اللغة العربية ..!  إنها قواعد لغة. قواعد وضعت وأنجزت وتمت قبل عشرات القرون من السنين .. هل نغير الفاعل ونجعله مفعول به! فمثلاً { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا..(41) } فاطر, في اللغة وكإعراب فالفاعل هو لفظ الجلالة (الله) سبحانه وتعالى وأي تغيير للفاعل في هذه الجملة (الآية الكريمة) لا يجوز .. لا بل مستحيل. فلغة لا يمكن اعتبار السماوات والأرض واللتان هما مفعول به, في محل فاعل. وإن هذا على مستوى اللغة يعتبر كفراً.

أما على مستوى الشرع فيعتبر كفراً محضاً صارخاً. وهكذا الحال {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ

الْعُلَمَاءُ (28) } فاطر, فليس لنا إلاّ أن ننصب لفظ الجلالة (الله) سبحانه وتعالى بالفتحة .. نعم

ننصب لفظ الجلالة لتكون (اللهَ), وإذا استبدلنا الفتحة بضمة .. فقد كفرنا!

أما الذي درس علم الهندسة والزراعة والطيران فإنه بعد التخرج يجد أمامه مدخلاً واسعاً إلى عالم

فسيح للإبداع والتطوير والاختراع وابتكار ما هو جديد (إذا ما شمّر عن ذراعيه) أي بمعنى يمكنه

تطوير ما درسه وكذلك إضافة كل ما يبتكره من جديد إلى مضمار علمه واختصاصه.

من هذا المنطلق, أجد أن الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم قد استكملت حلقاته إلى حد كبير,

فليس هناك ما يضاف إليه من جديد (إلاّ اللهم الشيء القليل) والذي يمكن قد غاب عن فكر

المستقدمين والمستأخرين من العلماء, ولو أن هذا الاحتمال هو احتمال نادر إلاّ أني ارتأيت أن

اذكره من حيث أن الكمال لله تعالى فقط.

أضف على هذا, أن الإعجاز اللغوي لا يقوى أن يكون كسلاح للدعوة الإسلامية .. خصوصاً

في مراحل الدعوة الابتدائية فهو حلقة متأخرة .. ناهيك إن كنت تدعوا الأعاجم, والذين هم

أصلاً لا يجيدون اللغة العربية.

وكذا الحال لدارس (الأحكام الشريعة الإسلامية).

فما الذي يمكن أن يضيفه المتخرج في المواضيع المتعلقة بالآيات الكريمات التالية (مثلاً):

{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } البقرة,

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ..(183) } البقرة,

{.. حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (97) } آل عمران,

هذه نصوص قرآنية .. هي أصلاً (أحكام) من الله تعالى لا تقبل الاجتهاد أو الزيادة أو النقصان

أو التطوير .. وإلاّ أعتبر كفراً محضاً.

وأتوسم من القارئ الكريم,

أن لا يكون قد فهم عني أني قد ضيّقت جانب الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم .. أبداً, إلاّ أني تحديداً أردت القول بأنه: لا إضافة كبيرة ترتجى أن تقال في هذا المجال لأنه والله تعالى أعلم أن 95% مما ينبغي أن يقال لإظهار جوانب الإعجاز اللغوي قد قيل.

وكذا الحال ما يخص الشريعة.

فمثلاً أنا مسلم أمرت أن أطيع الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) .. { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ..(92) } المائدة,

وفي حديث المصطفى: " أريتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما نقول ذلك يبقي من درنه شيئاً, قالوا لا يبقى من درنه شيئاً قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به

الخطايا)([9]), فأنى لي أو لأي إنسان أراد أن يطيع ويتبع, أن ينقص من هذه الصلوات الخمس!

فيجعلها أربع أو يزيد عليها فيجعلها ست! والكلام بالتحديد على الصلوات الفرض, أما النوافل فالزيادة فيها خير إلاّ أن ذلك موضوعاً آخراً.

وبهذا القدر نكتفي, وعسى أن نكون قد وُفقّنا في تبيان جانب الإعجاز اللغوي في كونه عظمة من عظمات القرآن الكريم , ولكنه كسابقته (الشريعة) العظيمة, ليستا من جنس العظمات التي لا تنقضي .. والتي نوهنا عنها سابقاً من أن القرآن الكريم منهلاً لا ينضب ولا تنقضي عجائبه لأنه كوثر مبارك.

والآن نعود لنرى ما اتفق عليه المسلمون من أن القرآن الكريم (لا تنقضي عجائبه) كيف نراها في الواقع.

كيف أن هذه العظمة وإن كانت للوهلة الأولى لا خلاف عليها إطلاقاً, فجميع المسلمون متفقون عليها ويستسيغونها لا بل يفتخرون بها لكن سرعان ما ينقلب الأمر رأساً على عقب بمجرد الإتيان بتفسير جديد لآية معينة.

تسوّد الدنيا وتحترق روما وتفيض بغداد!

فلقد وقعنا في كفر ما بعده كفر!

   أ _ لماذا يا أخي تظن أننا كفرنا؟

 ب_ لأن هذا التفسير الجديد هو من جنس الإحداث وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل

       ضلالة في النار.

  أ_ يا أخي ألم نتفق قبل قليل إن إحدى عظمات القرآن (إن لم تكن أعظمها قاطبةً) في أنه

      يعطيك ولا ينفد.

 ب_ نعم, ولكن في هذا التفسير إحداث, وكل مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.

  أ_ يا أخي الكريم, نحن لم نفسر هذه الآية بتفسيرها الجديد هذا إلاّ بعد توافقها مع المعطيات

      الجديدة لواقعنا اليوم, والتي لم يكن شيئاً من هذه المعطيات موجوداً أو مكتشفاً من قبل,

      وإن نفس هذه الآية عندما فسرت من قبل أسلافنا الكرام (رحمهم الله تعالى) إنما فسرت

      على ضوء محيط واقعهم حينذاك وكانت ملائمة لهم وأعطوا تفاسيرهم لغاية ما توصلوا إليه

      من علمٍ يوم ذاك.

 ب_ إن تفسيرك الجديد هذا لم يقل به ابن عباس أو مجاهد أو عكرمة (رضي الله تعالى عن

       الصحابة أجمعين) أو لم يقل به القرطبي ولا الطبري ولا ابن كثير (رحمهم الله تعالى) ولا أي

       من العلماء.

       والآن أنت الذي يسمعني من فسر القرآن برأيه فليتبؤ مقعده من النار. وهل تريد مني أن

       تقنعني أن هذا العلم قد غاب عنهم ولم يلتفتوا إليه, يا أخي العزيز تذّكر ..

       ما ترك الأوائل كلمة لقائل, وهذا فراق بيني وبينك .. واذهب أنت من طريق وأنا

       من طريق ‍‍‍!

على كل حال تحمد الله تعالى لأن المحاورة انتهت بهذا القدر ولم تتطور مثلاً إلى ما هو أبعد من ذلك إذا تملكته الحميّة (والتي غالباً ما لا تنطلي على ذوي الأبصار من أنها حميّة متكلفة وغير طبيعية) والتي يظن واهماً أنها تقربه من الله تعالى فهو فيما عنده يحافظ على حرمة وقدسية القرآن من التغيير .. فتحمد الله تعالى أنها لم تتطور إلى مشادة كلامية وجدال عقيم.

وقد تحظى بمن يسمعك صاغياً (فليس ما أشرنا إليه في المحاورة أعلاه قياساً لكل المسلمين) وبعد أن تكمل حديثك يقول لك نذهب إلى الشيخ الفلاني أو السيد الفلاني فإن أقرَّ ما قلت, صدقتك.

 أ_ ولكن يا أخي وليس استصغاراً (معاذ الله) أن الشيخ أو السيد الذي ذكرته ليس هو

     الشخص المناسب لاتخاذه حكماً لتقرير صحة هذا التفسير الجديد.

ب_ أتتهم  سماحة شيخنا (قُدس سرّه) وتشكك في علمه وتقواه ومنزلته!

 أ_ والله كلا.

ب_ أين نذهب إذن وإلى مَن .. إن لم نذهب إلى هكذا مشايخ وسادة!

 أ_  يا أخي نذهب إن شئت إلى الأستاذ الجامعي فلان بن فلان, لأن تفسيرنا الجديد هذا اعتمد

     على أوليّات .. معلومات ومعادلات وقوانين خاصة في الفيزياء (مثلاً) وهي من اختصاص

     الأستاذ الفلاني, فهو وزملاؤه جديرون بالتحقق من سلامة قولنا أو فساده.

ب_ وهل أستاذك هذا يفهم في أمور توزيع الميراث أو إخراج زكاة الزروع .. وهل يعرف حتى

     بالضبط ما هي أركان الصلاة وما هي السنن المؤكدة وغير المؤكدة حتى نرجع إليه ونحكّمَه؟

     أنا أيضاً مثلك لا أستصغر علم هؤلاء الأساتذة, ولكن هؤلاء هم علماء الدنيا, وهم مهما

     ارتقوا في أبحاثهم وعلومهم التجريبية فلن يرتقوا ويسموا إلى علوم الآخرة والتي لا يضاهيها

     أي علم دنيوي([10]).

أ_   يا أخي أذكرك أن تفسيرنا الجديد يعتمد على قوانين فيزياوية بحتة تتعلق بالضغط والسرعة

      ودرجة الحرارة وهذا الأستاذ هو أصلح ما موجود من حولنا للرجوع إليه،

ب_ فلنحول وِجهتنا إذن صوب هذا الأستاذ ونلغي دور شيوخنا الأفاضل الكرام ولنبتدع ما

      يحلوا لنا من تفاسير وليعجب كل ذي رأيٍ برأيه!

 أ_  مَن قال هذا يا أخي!

ب_ أنت الذي تسوقني ومن طرف خفي إلى الانغماس في علوم المادة التي انزلق إليها الكثير,  

     ونسوا الآخرة شيئاً فشيئاً حتى باعوا آخرتهم بدنياهم وأصبحوا عبيداً للذرة والكومبيوترات

     والطائرات, ونسوا الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء القادر العظيم بديع السماوات

     والأرض.

السؤال هنا: ما هي العلوم الآخروية وما هي العلوم الدنيوية؟

في الحقيقة إن هذا المفهوم هو من المفاهيم السائدة والشائعة لدى عوام المسلمين والذين يشكلون

السواد الأعظم من الأمة. فهم يفهمون أن العلوم الآخروية هي ما يختص بالعبادات التي إن فعلتها تؤجر عليها من قِبَل الحق تعالى ويكتب لك بها حسنات تأخذها غداً معك يوم الحساب حتى تكون لك هذه الحسنات رصيداً لك عند الله تعالى تُعينك على نيل رضاه ودخولك الجنة, كالصلاة والصوم والزكاة وتفقد الأرامل والأيتام وإماطة الأذى عن الطريق .. على حين العلوم الدنيوية هي التي تحصل من خلالها على منفعة دنيوية لقضاء حاجاتك ومصالحك الدنيوية الصرّفة فقط, وعليه فأنك لا تؤجر عليها .. ولا تصطحبك إلى القبر ولا إلى النفخة ولا إلى النشور ولا إلى يوم الحساب. وكم من العباد المكرمين من أسلافنا ممن سيدخلون الجنة وهم لا يجيدون السياقة, لا بل هم حتى لم يروا السيارة ذاتها أصلاً في حياتهم قط.

وهذا ما لا نُسّلم به أبداً. لماذا؟

إن الذي يرضى بهكذا مفاهيم فلا بد أن يكون ضيق الفهم وذو آفاق محدودة وتفكير متواضع إن لم نقل وضيعاً أصلاً, لأن هذه المفاهيم دخيلة على الإسلام وببساطة (غير قرآنية), كيف؟

لأنها تخالف آيات كثيرة وعديدة في القرآن الكريم (كما سنرى) لا بل لا أبالغ إن قلت:

إن هكذا مفاهيم ما هي إلاّ سموم قد دست من قِبَل أعداء القرآن في سابق الزمان وقبل عدة قرون.. ليجمّدونا .. ويكون السبق لهم أخيراً.

ولنتأمل هذه الآية الكريمة:

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ..(82) } المائدة,

واعتمادي على هذه الآية هو الذي جعلني أرجح بأن الذي دسّ هذه السموم (وغيرها) هم اليهود بالدرجة الأساس.

{ ..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) } النساء,

وإن كل الذي سأقوله الآن ولاحقاً أساسه مبني على هذه الكلمة { لَتَجِدَّنً } مع استقراء بسيط للواقع الحالي للأمة, والذي ما هو إلاّ ثمرة أو امتداد للواقع الماضي ولواقع أعداءنا, وخصوصاً اليهود.

فقلت: إن كلمة { لَتَجِدَّنً } تفيد الحاضر والمستقبل .. فعند نزول الوحي جبريل على سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) كانت تفيد الحاضر والمستقبل .. حاضر سيدنا المصطفى .. وما بعده (المستقبل), ثم تابعت وقلت وبالله تعالى توفيقي:

كيف فهمت هذه الآية الكريمة عندما قرأت في عام 50 للهجرة؟

فقلت: من المؤكد أن { لَتَجِدَّنً } عنت لهم حاضرهم آنذاك, أي حاضر عام 50 للهجرة وما بعده.

ثم تابعت: وكيف يا ترى فهمت في عام 93 للهجرة؟

فقلت مرةً أخرى: من المؤكد أن { لَتَجِدَّنً } ناسبت وقتهم آنذاك عام 93 للهجرة وما بعده.

فخلصت إلى القول:

إن اليهود كانوا أشد الناس عداوة لرسوله (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) وصحابته

الكرام. ثم كان اليهود (كذلك) أشد الناس عداوة للذين آمنوا في عام 50 للهجرة. وكذلك أيضاً كان اليهود مرةً أخرى أشد الناس عداوة للذين آمنوا في عام 93 للهجرة, (وقلت مع نفسي: أحسنت يا هذا!) .. ثم استرسلت وقلت: كيف يا ترى فهمت نفس هذه الآية عندما قرأت من قبل المسلمين (رحمهم الله تعالى) في عام 726 للهجرة؟ فقلت: لا بد أن كلمة

{ لَتَجِدَّنً } عنت حاضرهم آنذاك, أي عام 726 للهجرة وما بعده.

فهذه الآية الكريمة تكون قد أعلمت كل مسلم قرأها في عام 726 للهجرة, وقالت له (مجازاً):

أيها المسلم .. يا مَن تقرأني, إني آية عظيمة (لأني قول الله تعالى) في كتابه العظيم (القرآن),

يقول لك (ربك الله العليم) من خلالي: وفّر عليك جهد البحث والتفتيش عن عدوك الأول ..

إنهم اليهود .. اليهود أولاً, ثم الذين أشركوا ثانياً, (فأثنيت على نفسي مرةً أخرى!).

وقبل أن أستحضر عاماً أخر لأرى كيف فهمت هذه الآية في عام كذا أو كذا تذكرت أني وقبل

أكثر من ثلاثين عاماً قد درست الخطوط المستقيمة في الدراسة المتوسطة ..

فقلت أخيراً لماذا لا أختصر! .. فخلصت إلى ما يلي:

-- -------------------------------------------------------------------------->

امتداد حتى قيام الساعة              1422 للهجرة             نزول القرآن

 

إن أي نقطة على الخط المستقيم هي بمثابة زمن معين , وإن { لَتَجِدَّنً } حتماً موجودة في كل

نقطة.

وهكذا تبين لي أخيراً: إن عداوة اليهود للذين آمنوا علاقة خطية من عهد نزولها على المصطفى

سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) وإلى قيام الساعة.

فضلاً عن آيات كثيرة أخرى, فضحت سلوكية اليهود المنحرفة في كثرة مجادلاتهم الفارغة وعنادهم الأحمق ومماطلاتهم وقتلهم للأنبياء بغير حق .. فضلاً عن التاريخ .. التاريخ العربي والأجنبي .. الذي يحكي لنا عن التراث العفن لليهود, ويروي عن بخلهم وحبهم المفرط للمال وشوقهم اللا محدود لجمعه ولو على حساب أي شيء! وعن جبنهم وأنانيتهم وتفضيلهم لذاتهم .. وعن مكرهم وخداعهم .. ولكن بخلهم من جهة ومكرهم من أخرى هما الصفتان المميزتان .. فلا يكاد يذكر كلمة اليهودي إلاّ ويستحضر العقل مباشرةً الصورة الذهنية لشخصيته وهي (الماكر البخيل).

ونعود الآن إلى عهد الرسالة لنرى ما يمكن استحضاره, إن من الأمور البدهية  أن اليهود كانوا يستمعون للقرآن وقت نزوله من هذا الصحابي الجليل أو من ذاك, فضلاً عن لسان المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) مباشرة عندما كان يدعوهم بنفسه, وبعد السماع, فليس غريباً أنهم كانوا يناقشونه ويدرسونه فيما بينهم.

ومن المؤكد _أنهم أدركوا_ وبعد مضي السنوات إن الإسلام بدأ ينتشر ويجد له أنصاراً يوماً بعد

آخر, وبدأ ينمو ويعظم ويقوى ولا بد أن يكونوا قد علموها أولاً ثم استيقنوها أخيراً, إن قاصمة

ظهرهم ستكون على يد هذا الدين .. ما لم يستسعفوا أنفسهم.

ثم أدركوا عن دراية لاحقاً إن مجابهة هذا الدين وجهاً لوجه أصبحت مستحيلة, وخصوصاً بعد

إخفاقهم ودحضهم في غزوات بني قينقاع والنظير وبني المصطلق .. وإن الهوّة بين المسلمين واليهود أصبحت كبيرة, فالإسلام من هنا يقوى ويتعاظم وهم ينكمشون ويضعفون .. لذلك يكونون قد لجئوا إلى المكر والخديعة .. ولا عجب فهذا شأنهم على أية حال. والذي يريد قتلك لا يدعوك إلى طعام ثم يضع السم فيه أمامك .. وإنما يدسه خلسة ودون علمك.

ولا بد أن نكون قد سمعنا يوماً بقصة الأب الذي جمع أولاده وأعطى كل واحد منهم عصا, وأمرهم أن يكسر كل واحد عصاه فكسروها, ثم جمع العصّي وجعلها حزمة واحدة وناولها للأول فعجز عن كسرها وهكذا حصل مع بقية أولاده.

وأعتقد أن الذي يكون قد ساعدهم في هذا كثيراً هو وجود آيات الأحكام (آيات التشريع, صوم وصلاة وطاعة الوالدين ..الخ) في القرآن الكريم والتي تقارب الصوم والصلاة .. كعناوين موجودة في توراتهم (لأنها مقومات الدين الواحد التي أسلفنا توضيحها) والتي أصلاً إن لم يكن عوام اليهود على علم بتفاصيلها, فعلى الأقل كانت كهنتهم وحاخاماتهم لهم الدراية والإلمام الدقيق في العبادات ولذلك الذي أراه أنه لم يثيرهم كثيراً هذا النمط من الآيات بحكم الخبرة المكتسبة في تقدمهم الزمني وبمئات السنين قبل نزول القرآن.

إنما الذي أخافَهم حقاً هو النمط التالي من الآيات:

{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..(21) } الحشر,

{ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) } الإسراء,

{ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ ..(20) } العنكبوت,

{ أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) } فاطر,

{ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ..(25) } الحديد,

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } المؤمنون,

{ وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) } يس,

{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْكَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) } فصلت,

{ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } الواقعة,

{ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)  } الغاشية, 

{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } التكوير,

{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ .. (41) } فاطر, 

{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ (33) } الرحمن,

{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ (35) } الرحمن,

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ(5) }  يونس,

{ فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) } الرحمن,

{ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً  مَحْجُوراً (53) } الفرقان,

{ أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً(45)ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46)} الفرقان,

{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ..(53) } فصلت,

إذن من المؤكد (منطقياً) أن اليهود يكونوا قد درسوا القرآن في مرحلة مبكرة, لأنهم أعداؤنا, لا بل أشد أعدائنا .. ولو نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قال:

{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ..(48) } النساء,

ومع ذلك قدّم اليهود في الآية التي أُسّميها آية العداء للذين آمنوا.. وما هذا إلاّ إشارة واضحة على أن الحق تعالى مع أنه أشّد ما كَرِهَ هو الشرك والمشركين .. إلاّ أنه في ميزان العداء للذين آمنوا غلبت كفة اليهود عليهم في شدّة العداء لنا .. ولذلك قدّم ذكرهم على ذكر الذين أشركوا .. فقد درسوا القرآن ووجدوا أنفسهم أمام المعطيات التالية:

إن القرآن الكريم يحتوي على6236 آية, منها ما يقارب 500 آية _آيات أحكام وتشريع_,([11]) .. والباقي وهو ما يقارب 5736 آية (قصص وأمثال وعبر وعقيدة, ومنها ألف آية علوم كونية, أي ما يعادل 1/6 القرآن الكريم تقريباً).

والقصص والأمثال ما ذكرت إلاّ لخدمة العقيدة, وعليه وعلى وجه العموم لا الخصوص, يمكنك

اختزال قصص وأمثال وعبر وعقيدة وعلم إلى كلمة واحدة هي .. عقيدة.

وإذا أردنا أن نحوّل الأرقام أعلاه إلى نسبة وتناسب تظهر لنا هذه النسبة (التقريبية):

  آيات الأحكام والتشريع   1/12                                 آيات العقيدة 11 /12

صلاة وصوم وحج وتصدّق وطاعة الوالدين, وجهاد              علم, وعلم يعني عقيدة, وعقيدة 

وتسابيح وتواضع وتسامح .. لا تقتل إلاّ بالحق                      يعني قوة, وقوة يعني سيادة,

ولا تشرب الخمر ولا تزني ولا تأكل الربا ولا تلعب               وسيادة يعني الخلافة , والخلافة

 الميسر ولا تكذب ولا تشهد الزور ولا تأتي السحر ..               لتقيم دستور الله تعالى.                                                          

 

وقبل الاسترسال في الحديث عن الذي فعله اليهود بنا وبعد هذه الدراسة البسيطة, أتوقف قليلاً

لأخاطب أخي المسلم ولو في سطور, ثم نعود ..

أخي المسلم, الموجود في مشرق الأرض أو مغربها:

متى سنصحو؟!

وسؤالي استفهامي أكثر مما هو تهكمي, فأنت أخي, وأنا أخوك { إنما المؤمنون أخوة }, أنت تشّد

من بعضي وأنا أشد من بعضك (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) .. نركع

ونسجد لرب واحد ..كتابنا واحد .. رسولنا واحد .. قبلتنا واحدة .. نحج إلى بيت واحد يجمعني ويجمعك .. نجاهد من أجل غاية واحدة ..

أنت الآن عني بعيد .. وأنا عنك بعيد,

ولكن _وبعون الله تعالى_ إن دخلنا الجنة, فربما كنت جاري, وكنت جارك,,

أحبك لأنك عبدٌ لله, وأنت تحبني للسبب ذاته.

أخي متى نصحو؟

الذي تجرى له عملية جراحية يعطوه مخدراً لساعة أو اثنتين أو عدّة ساعات .. ثم يصحو.

الذي مرّ على القرية الخاوية عروشها مات مائة عام .. ثم صحا.

أهل الكهف لبثوا ثلاث مائة سنة وازدادوا تسعة .. وأخيراً صحوا.

نحن متى نصحو؟!

 

والآن .. ماذا يمكن لليهود (الماكرين) بعد دراستهم للقرآن يكونوا قد فعلوا وهم أمام معطيين

اثنين لا ثالث لهما :

شريعة + عقيدة (منها 1000 آية علمية)

إن الذي يبدو لي وكأن لسان حاخاماتهم في يومها كان يقول:

إن اشتغل المسلمون (بالعلم) أصبحوا أقوياء ..

وإن أصبحوا أقوياء .. أجبرونا على الإسلام, أو سحقونا.

إذن يجب أن نصرفهم عن آيات العلم, ويجب تعني يجب .. وإلاّ هلكنا.

يجب أن لا نجعلهم يلتفتوا إلى آيات القوة أبداً .. وبأي ثمن!

ولما كانت هذه هي غايتنا .. إذن يتحتم أن نعصر عقولنا وبأقصى ما أوتينا من مكر لإيجاد ما يلهيهم عن آيات القوة.

ها وقد يئسنا من حملهم على هجر القرآن دفعة واحدة, فقد أصبح حال المسلم والقرآن, حالة

واحدة, كلمة واحدة, صورة واحدة .. فلا تكاد تذكر كلمة (مسلم) إلاّ وقد حملت ضمنياً في

طياتها القرآن .. وبات مستحيلاً علينا (كما هو على غيرنا) جعل المسلمين يتركون القرآن جملة

واحدة.

ولما كان من المستحيل علينا فصل المسلمين عن القرآن, إذن يجب أن ينصب مكرنا تحديداً في

معاداة _مسلم يحمل قرآن_ أي محاربته وهو على هذه الحالة أو الصورة, مسلم يحمل قرآن.

إذن يجب أخيراً أن نجد له في القرآن والذي أبى أن يتركه أو أن يتنازل عنه .. يجب أن نجد له في

القرآن (ذاته) ما يصرفه عن آيات القوة. ولندعه يلتفت إلى آيات الشريعة والروحانيات ونجعله

يركّز عليها, ويصرف جُلّ جهده ووقته صوبها وما أن تبحّر فيها حتى يظهر تبايناً (ولو بسيطاً)

في الآراء والاجتهاد ومع قليل من دهائنا ومكرنا .. نبث فيهم الفرقة شيئاً فشيئاً .. ولتتأصل فيهم شيئاً فشيئاً .. وهكذا .. ولكي نجعلهم بعد عدد من السنين, كلٌّ بذي رأيه معجب!

وهكذا, إن أمكننا زرع هكذا مفاهيم بينهم (ومع إدامة تغذيته من قِبلنا) فأن امتداده سيكون

عميقاً وطويلاً جداً .. لا لعقود وإنما لقرون .. لقرون عديدة .. وسترون ويرى أجيال أجيالنا!

وهكذا يمكننا أن نضرب عصفورين بحجر واحد,

أولاً: نجعلهم يجتهدون في هذه الآيات وخصوصاً في الآيات التي تحتمل النظر إليها من الزوايا

الضميرية للإنسان أو ما تسمى (بالروحانيات) والتي هذه الروحانيات بحد ذاتها (أرض خصبة جداً لنشوب وجهات نظر مختلفة كثيرة) والتي ما إن بدأت صغيرة, حتى تستفحل وتغدوا كبيرة مع تقادم السنين,وستتأصل في أذهان معتقديها ومعتنقيها (لا بل سيورّثوها لخَلَفهم) ولتشكل (نقاط الاختلاف هذه, البسيطة اليوم) مبادئ أصيلةً غداً,لنصرة مذهبهم أو ملّتهم أو أفكارهم (وخصوصاً للمتطرفين والمتزمتين منهم .. الذين يرون أنفسهم دائماً وأبداً, أنهم وحدهم فقط على الصراط المستقيم وما سواهم خائض في الظلمات) ومعاداة كل مَن خالفهم الفهم والرأي .. من المسلمين ذاتهم, وسيكون لنشوب مثل هذه الاختلافات شأناً كبيراً لخدمتنا نحن اليهود وسترون ثمارها .. فسوف تدّعي كل ملّة أو فرقة أو طائفة, أنها هي الناجية وبقية المسلمين في النار وسيكون لسان حال كل واحدة منهم قائلاً:

الحق كل الحق, والصواب كل الصواب, والصلاح كل الصلاح, والفوز كل الفوز في إتباع ملّتنا تحديداً, فنحن مَن سيدخل الجنّة .. والضلال والخسران كل الضلال والخسران في إتباع غيرنا!!

وثانياً: بانشغالهم بفرقتهم (وبجنّتهم) يكونون أوتوماتيكياً قد انشغلوا عن الاشتغال بآيات العلم

(آيات القوة).

وهكذا نحقق غايتنا مع بقاء المسلم على حالته حاملاً للقرآن, فلن يضرنا بعدها شيئاً .. فليصوم

الدهر كله .. وليصلِّ في جوف الليل بدل العشر ركعات عشرين, فهذا أيضاً لا يشكل خطراً علينا, وليحج خمس مرات أو عشراً في عمره .. فلا في حجته ولا في عددها ما يشير إلى دق ناقوس الخطر عندنا .. وليبك طويلاً من خشية ربه ليلاً .. فلا نرى بأساً إن يبكي ليلاً ونهاراً إن شاء .. لأن هذا لا يضرنا شيئاً .. .. هذا كله ليس بالمهم عندنا,

المهم عندنا أن لا يخرج من دائرة ( 1/12 ).

وهنيئاً للمسلمين بهذا الجزء من الإثني عشر جزءً .. فالخير والسلامة لنا ببقائهم في هذا الجزء ..

وهنيئاً لنا نحن اليهود بباقي القرآن وخصوصاً الآيات العلمية (آيات القوة).

فابشروا أيها اليهود .. سيأتي يوم تكونوا فيه الأسياد فاسرحوا وامرحوا كما يحلوا لكم ..

وناموا رغداً فسيكون المسلمون في قبضتنا يوماً, وسيكون لنا من القوة ما يؤهلنا لضرب أي مسلم وفي أي وقت .. وفي عقر دارهم.

ولكن الويل لنا .. الويل لنا .. الويل والثبور لنا إن خرجوا من دائرة أل ( 1/12 ), واشتغلوا بدائرة  أل ( 1/6 ), وأدركوا يقيناً يوماً أننا نحن مَن دبّر وسعى وغذّى فرقتهم.

(انتهى قول الحاخامات).

 

أما وقد قلت كلمتي .. اللهمّ فأشهد.

والآن, فأن من المؤكد أن قسماً من المسلمين قد شاطرني ما قلت, وأن قسماً آخر قد أنكر عليّ

لا بل ربما تحامل عليّ في جوانب معينة .. عموماً سأحاول (بعون الله تعالى) الرد على القسمين

ما استطعت .. فللذي أيّدني أقول:

الحمد لله .. فله جلّ في علاه يُرّد الفضل كله ثم  إلى رسوله الكريم سيدنا محمد بن عبد الله (عليه

أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم), ورغم أن صحوتنا جاءت متأخرة, وأن الهوّة باتت كبيرة سلباً بيننا وبين أعدائنا من جهة, وتخلّفنا الكبير عن تحقيق معاني الخلافة من جهة أخرى .. نتيجة اشتغالنا وانشغالنا بالعبودية على ضوء المفهوم الضيق القائل أن زبدة القرآن كامنة في هذا الجزء من الإثني عشر (1/12) وما سواها من الآيات في الأجزاء الباقية وهي ( 11/12) فإنما تأتي  درجتها أو أهميتها بالمنزلة الثالثة أو الرابعة أو ..

واعتقد أنك تشاركني الرأي, أن مَن يحاول أن يهدم سد ماء كونكريتي بضرب رأسه فهذا الجنون بعينه, معتمداً بذلك كلياً على قوة العظام الموجودة في جمجمته, أما إذا استخدم الجوهرة العظيمة الموجودة في مكان ما داخل جمجمته, وبالشكل الأمثل, فيوماً ما سيهدم السد لا محالة.

وكذلك علينا التحلّي بالصبر, فذوي الألباب لا ينظرون إلى ما مُرّر وتأصّل عبر قرون طويلة يمكن استئصاله في يوم وليلة.

واعتقد أن ما نحتاجه كبداية هو .. إعادة  برمجة أو ترسيم فرض العين وفرض الكفاية وخصوصاً فرض العين على ضوء عصرنا هذا .. بعد استقراء دقيق لواقعنا الحالي فضلاً عن استقراء دقيق لواقع جميع الدول في العالم وتحديداً أعدائنا من اليهود.

وإن هذا عمل جماعي كبير نحتاج فيه إلى جهد صفوة من الأساتذة المسلمين ومن مختلف أصناف

العلوم فضلاً عن المفكرين والباحثين وكذلك حضور لمندوبين أو ثلاثة من علماء الشريعة.

إن إعادة ترسيم فرض العين وفرض الكفاية للمسلمين أمر حساس وغاية في الأهمية, وعليه فمن

الضروري أن يكون عملاً جماعياً مشتركاً لجميع الدول المسلمة وخصوصاً العربية منها.

ويلاحظ, إن المساهمين والمتطوعين لهذا العمل, يجب عليهم أن يكونوا أولاً وأخيراً قد حصلوا

على قناعة تامة لا لبس فيها في أن (( الأعراض التي انتهكت, والنساء اللواتي رملّن, والأيتام

الذين شرّدوا, والنفوس العديدة التي بغير ذنب قتلت, والأموال والأراضي التي سلبت, وهيبة

الإسلام والمسلمين التي شوّهت .. هي قطعاً وجزماً ليست قدر الله تعالى علينا (معاذ الله, أن يكون هذا), وإنما هي قدر اليهود (اللوبي الصهيوني) والآخرين من أعدائنا علينا من جهة .. زائداً سوء فهمنا وعدم تقديسنا لآيات القوة وإهمالها (وليس البارحة أو ليلة أمس وإنما منذ قرون خلت) أو غض النظر عنها أو إعطاءها منازل متأخرة من حيث أهميتها للإسلام والمسلمين .. من جهة أخرى, فضلاً عن سرطان التواكل على الله تعالى )).

وبخلافه فلا فائدة ترتجى من هذا اللقاء ومن هذا العمل, وانسوا الأمر من أصله.

إن سرطان التواكل .. وما أدراك ما سرطان التواكل! لهو السرطان الذي قصم ظهرنا ونهش لحمنا وكسر شوكتنا وأذهب بريحنا وطال هيبتنا .. منذ إحدى وخمسين سنة والملايين من المسلمين يدعون الله سبحانه وتعالى أن يرجع إلينا فلسطين([12]) وتاجها القدس .. إحدى وخمسون سنة!

أليس إحدى وخمسون سنة رقماً زمنياً كبيراً بالنسبة للإنسان؟ ألم تكن هذه الإحدى وخمسون سنة كافية لتجعلنا نعيد النظر في مفاهيمنا التي نسميها قرآنية (وما هي بذلك) علّنا نجد أين الخلل ..!

وإذا كانت إحدى وخمسون سنة غير كافية, فما الذي نحتاجه إذن .. هل نحتاج إلى إحدى وخمسون ألف سنة لنعلم أين الخلل!

{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) } إبراهيم,

صغيرنا وكبيرنا .. عامّتنا وعلماؤنا .. يعرفون هذه الآية, فأين العلّة إذن؟

عندما تقف أمام هذه الآية, تجد نفسك أمام ثلاثة معطيات لا رابع لهم .. وهم:

جبار السماوات والأرض الخالق العظيم الله سبحانه وتعالى .. الإيمان والمؤمنون .. والتوكل.

ويتعالى الحق ويتقدس تنزيهاً وعلّواً كبيراً, نستغفره ونتوب إليه .. وهي كذلك ليست في (الإيمان) فمن المسلّم به وجود ملايين من المسلمين من الذين عرفوا الإيمان (كإيمان بوجه العام) وتمسكوا به.

إذن لا تخرج العلّة إلاّ أن تكون في المؤمنين والتوكل. وبمعنى أدق حصراً هو الفهم الخاطئ للتوكل.

وإلاّ فما قيمة قولنا بالتوكل, وعملنا بالتواكل!!

إحدى وخمسون سنة!

إحدى وخمسون سنة .. ونحن نعتمد مفهوم:

 الله -----------------  السيف

ولم نحقق سوى خيبة الأمل .. لأن هذا هو التواكل بعينه, وهنا لا بد لي من وقفة أخاطب بها السادة علماء الشريعة على وجه الخصوص فأقول :

ما ألذُّ ألهيل إن كان بالكيل..وما أبلغ أن توضع النقطة على الحرف المعني وليس على الحرف الذي قبله ولا الحرف الذي بعده ..

فمن المؤكد أن دمعة المسلم من خشية الله , لها عند الله سبحانه وتعالى قدسية ولكنها لا ترجع إلينا القدس , عليكم أن تخبروا المسلمين بهذا , ومن على منابركم ومن محافلكم المسموعة منها والمقرية والمرئية وبنفسٍ زكية ولكن بصوت جهوري . وعليكم أن تخبروهم أيضاً أن صوم رمضان فرض على كل مسلم بالغ عاقل متعاف مقيم , وتذكروا لهم ما جاء في نص التنزيل الحكيم ثم شيئاً من عطر النبوة ..إن رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار ..وإن كل عمل بن آدم له إلاّ الصيام فأنه لله تعالى وهو يجزي به .. وأن في الجنة باب اسمه الريّان لا يدخله إلاّ الصائمون ..

ثم أعلموهم أن فلسطين لا ترجع بالصوم. وأن تخبروهم أيضاً أن الصلاة عماد الدين فمن أقامها

أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين وأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, وأن ما بين الصلاة والصلاة وما بين الجمعة والجمعة وما بين رمضان ورمضان كفّارة للذنوب ما اجتنبت الكبائر .. وأن صلاة أحدكم في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة, وأن الصلاة في المسجد النبوي الشريف تعدل بألف صلاة, وأن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل بخمسمائة صلاة, وأن

صلاة أحدكم ركعتين قي جوف الليل أفضل من هذا كله . ثم أعلموهم أن صلاتكم هذه لن

تحفظ أعراض الفلسطينيات من أل .., وعليكم أن تخبروهم أيضاً إن من سمات المسلم التواضع

فلا يصّعر خدّه للناس فهم أبناء جنسه وأن لا يمشي في الأرض مرحاً لأنه مهما بلغ فلن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً, وسيكون محطة كره ومقت الآخرين له, علاوة على مقت الله تعالى له وهو أكبر..وأن التواضع هو من أخلاق الأنبياء والمرسلين, ثم أعلموهم أن التواضع لا يرجع لنا شبراً من فلسطين. وعليكم أن تخبروهم أيضاً أن الإشراك بالله تعالى وعقوق الوالدين والربا وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل وأكل السحت والسحر والزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وخيانة العهد والمواثيق وبخس الناس أشياءهم والسرقة والكذب .. هي من الكبائر, ثم أعلموهم أن باجتنابكم لهذه الكبائر تحصلون على عدد كبير من الحسنات تكتب لكم عند الله تعالى .. لا تستغنون عن واحدة منها يوم الحساب, ثم أعلموهم بحق أن هذا الاجتناب لا يرجع لنا أولى القبلتين وثالث الحرمين .. مسرى رسولنا الكريم سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم). وعليكم أن تخبروهم أيضاً أن الصدق والإخلاص والوفاء وكظم الغيظ والتسامح والتحابب والتآخي والصبر والحلم والعفّة وصون الأمانة وإيصالها إلى أهلها والاستقامة والإنفاق ونحر الذبائح وإطعام الفقراء والمحتاجين والمساكين وإكساءهم وتفقد الأرامل والأيتام والوقوف على احتياجاتهم وصلة الرحم وإيفاء الكيل والنظافة والطهارة وإسباغ الوضوء على المكاره والصلاة في جماعة وكثرة الخطى إلى المساجد والمشي في العتمتين والتراويح والضحى والوتر والصلاة على الميت وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة السفر وصلاة الاستسقاء وصلاة السنن المؤكدة الإثنتي عشرة ركعة والسنن غير المؤكدة وإكرام الضيف والإيثار والشجاعة .. والورع والزهد ومحاسبة النفس والاستغفار وتقوى الله تعالى وخشيته بأن لا يراك في ما نهى وأن لا يفتقدك في ما أمر .. الخ, هي جميعاً من الشمائل الحميدة ..

ولكن أياً من هذه الخصال والشمائل المحمودة عند الله تعالى أولاً وعند رسوله الأكرم (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) ثانيةً وعند كافة المسلمين والأبرار والأتقياء والصالحين ثالثةً  .. لم تكن لتصدّ طلقة الغدر الجبانة عن محمد الدرّة.

 أيها العلماء .. سادتي الأعزاء, عفا الله تعالى عمّا سلف ..

آن الأوان لتقولوا بحديث المصطفى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم),

[ أعقل وتوكل ],

 السيف     ------------->    الله

فالله تعالى لا يقودنا أو يسوقنا إلى السيوف إنما يأمرنا بصنعها أولاً ثم سلّها (عندما لا يبقى خيار

غيرها),

{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) } الأنفال,

و (أعدّوا) بمنظار اليوم تعني:

السلاح الأبيض, الخوذة, قناع الوقاية, الطلقة, الرمانة, البندقية, الهاونات, القذائف, سيارات

وعجلات مختلفة لحمل الجنود والذخيرة والمؤن, الألغام, المدافع الثقيلة, الراجمات, الدبابات,

صواريخ أرض _ أرض, وصواريخ أرض _ جو, الطائرات, الرادارات وأجهزة الرصد وأقمار

اصطناعية, والبوارج والسفن الحربية والغواصات وحاملات الطائرات, الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية ..

ف ( أعدّوا ) إذن تحتاج قسراً بمنظار اليوم إلى :

فيزياء , كيمياء , رياضيات , هندسة , طب, زراعة, اقتصاد, علوم الإحياء, علم طبقات الأرض, علم الفلك ,علوم الطيران والملاحة, علم الأنواء الجوية ,علوم الاتصالات الحديثة ,علم الحاسوب, واللغات والتاريخ والجغرافية ..

فإذا كان الكل قد انصرفوا إلى زبدة القرآن ..

الأول : في خلوة في بيته, لا يغادره حتى لا يرى المنكر, فما زال في بيته فهو في مأمن من هذا ..

         مشغول في أذكاره وتسابيحه وورده, ويجمع حسنات .. الحسنات تِلوَ  الحسنات.

الثاني  : قد اعتكف في المسجد, صائماً قائماً يرجو رحمة ربه وهو أيضاً في شغل شاغل لجمع

         الحسنات.

الثالث: قد هجر الدنيا وما فيها عن بكرة أبيها, هائم سائح في الكهوف والبراري!

فمن الذي سيعدّ العدّة إذن!

وإذا كنا أصلاً قد أهملناها .. أو أعطيناها أهمية متأخرة, فكيف سنهزم أعداء الله تعالى وأعداءنا؟

فسيقولون بإذن الله تعالى.

أَوَليس الله قد أَذِنَ لكم البحث في الفيزياء والكيمياء والفلك والبحار والجبال ..!!

وإلاّ لما أنزلت عليكم هذه الألف آية كونية!

بالله عليكم ماذا سيكون رد فعلكم إذا جاءكم مَن يقول لكم: أريد أن أرفع حرفاً واحداً من

القرآن الكريم .. حرفاً واحداً فقط لا غير! وماذا ستفعلون إذا أراد رفع سورة واحدة حتى ولو من قصار السور!

والآن على نفس المعيار و المقياس, وذات الشجاعة والحميّة, ودون خلق الأعذار وإيجاد المبررات

التي لا يوازينا فيها أحد .. ماذا أنتم فاعلون بمن عطّل أو شبه عطّل ما يقارب  1000 آية, أو

نحو من خمسة أجزاء من أجزاءه الثلاثين أو ما يعادل نحو  1/6 القرآن الكريم!!

وأتوسم من القارئ أن لا يأخذ المعنى على أني متحامل على أجدادنا (رحمهم الله تعالى) ..

لا, ليس هذا, ولكن كان يسعدنا لو أنهم تناولوا هذا الفهم وحثّوا ورغبوا إليه واستمروا عليه .. لا أعلم تحديداً, لماذا في الوقت الذي كانوا يرغّبوا فيه عامة المسلمين على التزام العبادة بمعنى الصلاة والصوم وأفنوا عمرهم في شرح علوم الفقه وعلى رأسها العبادات .. لماذا لم يرغّبوا على الجانب الآخر المسلمين على الخوض بها بتركيز ملحوظ,حتى ولو بربع الاهتمام ..! هل كان صعباً أو عصيّاً على الإمام الفقيه أن يرغّب المسلمين بشكل واضح وصريح بالأجر الكبير من الله تعالى لكل من وجد في نفسه إمكانية السعي في الطب والفلك والزراعة, أو أخذ معول والحفر في باطن الأرض أو الغوص في البحر وتسجيل ملاحظاتهم عن كل جديد يكتشفونه, لفائدتهم عند الرجوع إليها من جهة وإرث لمواصلة المسيرة لأجيالهم من أخرى ..الخ

ويلاحظ أن الحديث مازال محصوراً حول نقطة محددة جداً, هي قطعاً ليست أننا نتناسى ابن سينا

والكندي وابن النفيس وجابر بن حيان الكوفي والفاراهيدي وغيرهم من العلماء وهم كثرٌ أو نقلل من شأن ما ابتكروه وريادتهم في تلك الاكتشافات التي كانت بمثابة اللبنة الأولى أو حجر الأساس, إنما الحديث تحديداً وحصراً هو, حول عدم توضيح العلماء والفقهاء لعامة المسلمين الذي ينبغي توضيحه وحثهم عليه وخصوصاً إنهم كانوا مسموعي الكلمة فيدفعوا الأمّة (لا الأفراد) بدافع الوازع الديني والتكليف الرباني المباشر إلى عالم كشف الحقائق والسنن الكونية .. إلى عالم القوة والسمو والارتقاء .. إلى عالم خلافة الإنسان (المصطفى من بين الخلق والمعدّ لهذه المهمة) لله سبحانه وتعالى.

تخيّل شأن الأمة اليوم لو فعلوا ذلك ونشروا هذه المفاهيم (القرآنية) في الأمّة الإسلامية وركّزوا

عليها كتركيزهم (أو ربع تركيزهم عل الأقل) على آيات الصلاة والصوم وتوزيع  الإرث ..

ومنذ ذلك الوقت, أي قبل قرون عديدة  ..!!

قسم منكم قد يوافقنا فيما قلناه (في الفقرة أعلاه) وآخر قد يختلف معنا .. ولما لا؟ فقط للذين

يختلفوا أقول: ادخلوا إلى المكتبة الإسلامية مرة أخرى وابحثوا عن ما تعسّر عليّ إيجاده ..كتاب واحد لعالِم أو فقيه واحد أشار بالوضوح الذي بيّنته على التزام هذه أل 1000 آية!

على أية حال سيكون لنا مزيداً من الحديث حول هذا في فصل لاحق.

فيا أيها السادة علماء الشريعة .. الإسلام دين الله تعالى .. ودين الله تعالى عزيز .. والإسلام

بحاجة إلى طاقاتكم وفَهمكم وعقولكم .. أنتم مسموعو الكلمة .. فالمسلمون ينظرون إليكم

خصوصاً ويأخذون عنكم .. ولا يأخذون من عالم الفيزياء وعالم الكيمياء ..

فما نستطيع نحن أن نمرره ونؤصله وننجزه في عشر سنين .. تستطيعون أنتم أن توصلوه إلى الأمّة

في شهر أو أقل .. نحن (الأمّة) بحاجة إلى فتاواكم من الأزهر الشريف ومن كل المرجعيات الدينية ومن كل المنابر والمحافل الإسلامية المسموعة الكلمة .. إلى فتوى واضحة وصريحة تقولون فيها:

(( إن البحث في الحاسوب وبرمجياته أو البحث في الفيزياء النووية أو البحث في الكيمياء أو الطب أو الزراعة .. الخ لا يقلّ أجره عن أجر الصلاة والصوم والزكاة وطاعة الوالدين, لا بل ربما أجره مضاعف بنسب كبيرة وخصوصاً إذا كان عمله موجهاً بنيّة معقودة لله تعالى )).

 

كما نرجو ترسيخ هذه الفتوى, أي بمعنى أن لا تكتب في جريدة أو تنشر في مجلة أو تقال عبر

قنوات الفضائيات التلفزيونية .. ثم تنسى بعد أسبوع أو اثنين  .. وإنما المطلوب تناولها بزخم كبير لفترة غير قصيرة حتى يسمعها ويعيها ويؤمن بها القاصي والداني .. وحتى تتأصل فينا.

فقط على أن لا يفهم من هذه الفتوى أن الذي يشتغل على الحاسوب إذا سمع النداء حيّ على

الصلاة, حيّ على الفلاح .. لا يلبي النداء لأنه يقوم بعمل ذا أجر كبير! أو إذا جاء رمضان فإن

الفيزيائيين يستثنون من الصيام! أو يحق للمهندسين سب آبائهم!!

يا ربنا لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلاّ بك.

والآن أنتقل إلى الأخوة الذين ربما لا يزالون ينكرون عليّ ما قلت, أو بعض ما قلت .. فأقول وبالله تعالى توفيقي :

كنت قد بدأت حديثي عن الآية الكريمة:

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا..(82) } المائدة,

فعبّرت عنها اختصاراً (للقارئ الكريم) ب (استقراء بسيط) لواقع المسلمين واليهود ثم ربطهم

مع مفهوم الآية الكريمة, إلاّ إني أود أن أفصّل لك هنا قليلاً .. إن هذا الاستقراء البسيط أخذ مني كل مأخذ, ولم يكن حقيقة ببسيط, بل كان صعباً شغلني وأرّقني لسنوات .. وأنا أعيشها بمرارة في داخلي .. فمن يكون هؤلاء اليهود المغتصبين (والآخرين من أعداء الله تعالى وأعداءنا) ليهتكوا عرض أخت لنا في فلسطين أو في أفغانستان أو كوزوفو أو الشيشان أوفي أي بقعة كانت .. ( لك اليوم أن تضيف العراق ..وغداً .. أنت تتولى تسمية الإضافات اللاحقة كما أفترض أننا اتفقنا عليه, عندما تقرأ هذا الكتاب إذا استمر حالنا على ما هو عليه).

فمن يكون هؤلاء؟!

ولماذا أصبحنا نحن المسلمين بهذا الضعف!

فيحصل عندي اضطراب نفسي داخلي شديد يؤلمني .. حقيقة يؤلمني, وأغلي في بقعتي, وأحياناً

أبكي نتيجة شعوري بالعجز .. وأخيراً أبكاني (( محمد الدُرّة )) كما أبكى الملايين معي. لقد أبكاني كثيراً وبحرقة .. وقلت لإخوان لي كنت قد إلتقيتهم في اليوم التالي لاستشهاد هذا البطل الصغير .. والضحية البريئة ما يلي:

لقد قال عمر المختار كلمة ستخلده طويلاً (( إن عمري أطول من عمر جلاّدي )),,

وقلت في هذا الخصوص: ما محمد الدُرّة  إلاّ "عمر مختار ثانٍ"  أو "حفيد عمر المختار".

فيا أخي ربما ستقول أني قد تجاوزت الخطوط الحمراء عند حديثي عن آيات الصلاة والصوم,

وستقول إن الصلاة والصوم ما هي إلاّ أركان الدين الإسلامي, ثم تسترسل بذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ذات العلاقة .. وكيف أنه مَن أنكر واحدة من هذه الأركان _إنكار ضرورة_ فقد خرج من الملّة .. وكيف إن كل خطوة إلى المسجد يحطّ بها خطيئة ويكتب له بها حسنة ويرفع بها درجة .. وكيف أن الأحاديث (وهي كثيرة) حثت على حضور المساجد وصلاة الجماعة وأجرها المضاعف .. وهكذا تسترسل في الزكاة والحج .. الخ, حتى إذا حان دوري قلت:

لم أكن لأتجرأ أن أمسّ أياً من هذه الأركان بسوء ولو بحرف (معاذ الله تعالى),

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا..(187) } البقرة,

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا..(229) } البقرة,

{ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ..(1) } الطلاق,

{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ(14) } النساء,  

ثم مَن أكون أنا, لأتعدّى وأتخطى قول الله سبحانه وتعالى وقول رسوله الكريم (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم)!! الحمد لله تعالى, أنا مثلك أقرّ وأؤمن أن هذه أركان وركائز الإسلام, وحرفياً كما جاء ذكرها في القرآن والسنة .. ومَن أنكرها أو خرج عنها فلن يلوم إلاّ نفسه, وإنا إلى ربنا عن قريب سائرون .. وسنسأل عن كل صغيرة وكبيرة ..

{ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً(49)}

  الكهف, 

فأنا (الفقير) لم أقترب من هذه الحدود أصلاً ..

إنما أردت أن يعيد المسلم النظر بجدّية وواقعية في .. أن آيات الأحكام والتشريع والفقه هي

ليست كل رسالة سيدنا المصطفى محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) وإنما هي جزء من رسالته.

ولما هجرنا العلم الذي ما يعادل نحو 1/6 القرآن الكريم !!

وقلنا إن هذه العلوم تخص الدنيا ولا نؤجر عليها لأننا نتقاضى أجورنا أمام ما نقدمه من خدمة في الطب والطيران والهندسة .. ولا نأخذ عليها أجراً من الله تعالى لأنها أصلاً هي وسيلة للعيش وليس عملاً خالصاً لله تعالى.

وهذا الذي (شلّ) عقولنا, علاوة على دسائس اليهود لغض النظر عن آيات القوة.

هل يضرني, أو هل يخرجني من الملّة إذا صليت وصمت .. واحتفظت بعقلي؟

ومتى كانت أركان الإسلام عائقاً للعقل!

لِمَ لم يخطر ببالنا يوماً أن نسأل أنفسنا أسئلة كهذه:

هل الشهادتان والصلاة والصوم (هذه الأركان الثلاثة) تنفع المسلم وغيره, أم تنفعه هو فقط؟

ما الذي يستطيع أن يقدمه الصائم نهاراً والقائم ليلاً (من خلال صلاته وصومه تحديداً, باستثناء

الدعاء) للأرامل والأيتام؟

ما الذي يستطيع أن يقدمه الصائم نهاراً والقائم ليلاً لتعمير مسجد أو إنشاء مستشفى أو بناء دار خيرية للعجزة؟

ما الذي يستطيع أن يقدمه الصائم نهاراً والقائم ليلاً لتجهيز آلة الحرب؟

ما الذي يستطيع أن يقدمه الصائم نهاراً والقائم ليلاً لإخواننا في فلسطين؟

وعليه وللاختصار, فإن هذه الأركان الثلاثة تخص العبد وربه, نعم يحصل فيها العبد على الحسنات إلاّ أنها لا تقدم خدمة أو منفعة للأمّة.

صانع الخبز يقدم خدمة للأمّة الإسلامية, لأنه يعمل.

الطبيب يقدم خدمة للأمّة, لأنه يعمل.

النجار يقدم خدمة للأمّة, لأنه يعمل.

وكذلك الطيار والمعلم وعالم الشريعة والفلاح والسباك يقدمون خدمة للأمة, لأنهم يعملون ..

الصائم نهاراً والقائم ليلاً إذا لم يعمل بعمل دنيوي, ماذا يقدم للأمّة الإسلامية!!

(( مأساة  .. مأساة,

لا بل عندما تقرأ في بعض الكتب التي تنسب إلى تصنيفها في خانة الكتب الإسلامية _والإسلام

منها براء_ أو أن تنظر إلى الواقع وإلى ما حولك من مأساة, في بعض طرائقهم واتجاهاتهم ما

يتعارض مع القرآن الكريم بشكل صارخ وما إن تناقش معتنقي هذه الاتجاهات وتأتي بالأدلّة

القرآنية يأتيك هو بأدلّة غريبة, أدناها "من ذاق عرف ولم يذق لم يعرف" يعني من ذاق لذّة الوصول إلى الله تعالى عرف الحقيقة ..!

بعض الاتجاهات الأخرى يعبدون قبور العباد رغم إنهم لا ينكرون الله تعالى ولا ينكرون رسوله ..! ويقدمون النذور والذبائح لنيل رضاهم .. ولكن هم لا يشركون ..!!

ويسمون أولادهم بعبد (هذا العبد المعبود) وإذا حصل أن تسألهم عن الفرق بين تسميتهم وتسمية المشركين على عهد رسول الله تعالى (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) بعبد اللات وعبد العزّى! يغضب ويمتعض وكأنك قد أسأت إلى صميم الإسلام, وقد جرحت معتقده  .. الخ !

لا بل أنت مَن تشرك _في نظرهم_ .. إن لم تؤمن بشركهم هذا ..!! )).

أما الزكاة والإنفاق .. فهي تخدم العبد من حيث حصوله على الحسنات, وكذلك تخدم الأمة من

حيث أن فقراءها ومحتاجيها وأيتامها سيُطعمون ويُكسون.

والمسلم في هذه الحالة يكون قد حقق أربعة من أركان الإسلام الخمس. وبدهياً مَن يحقق أربعة أركان أفضل من أن يحقق ثلاثة .. أي أفضل من الصائم نهاراً والقائم ليلاً  لأن هذا يحقق ثلاثة أركان فقط أي الصلاة والصوم والشهادة.

والحج كذلك فهو يخدم العبد ويخدم الأمّة. ومؤكد أن الذي يطبق خمسة أركان .. هو أفضل ..

(دون الولوج في الجزئيات التي هي اختصاص الله تعالى من صدق وإخلاص العبد وغيرها).

فستقول مَن ليس له مال أنّى له أن يزكي أو يحج؟

وهنا تجد الضرورة الملحّة للمال الذي عادة لا يأتي إلاّ من خلال العمل (العمل الدنيوي).

فاسعوا واعملوا وثابروا فسيرزقكم الله تعالى .. واليد العليا خير من اليد السفلى .. قل إن شئت في كل شيء. اعملوا في عمركم حتى تكونوا من الذين ينجزون الأركان الخمسة كاملة .. ولا تتواكلوا على الله .. فالله تعالى يمقت ويكره ويبغض التواكل.

اعملوا على أن تخدموا أنفسكم وعوائلكم وأن يكون لكم زيادة في المال لأداء الحج وإيتاء الزكاة, ونحر الأضاحي والمبادرة بالكرم والتصدق .. ولا تكونوا كالذين فقدوا أموالهم (أو لا يريدون العمل بحجة الزهد) وتركوا ركنين من أركان الإسلام فضلاً عن كثير من السنن والتي يقتضي قيامها بالمال بحجة الزهد والتفرغ للعبادة,

وكذلك لابد للمسلم القائم بالشهادتين والمصلي والمزكي والصائم والحاج .. أن لا يتوقف عند هذا الحد.

اعملوا على أن تبحثوا في آيات القوة (بعقلك أو بمالك أو بكتفك ..)نريد بدل أن نستورد

الدبابة والطائرة أو البطاطا والبصل من غيرنا, أن نصنعها ونزرعها نحن ..فليس غيرنا أفضل منّا.

إنما هو التقاعس والتواكل الذي أوهمنا التشخيص فقلنا هذا قدرنا .. هذا قدر الله تعالى علينا, فهي مكتوبة ومقدرة علينا منذ الأزل .. وليس لنا إلاّ الصبر والتسليم لقدره!!  _استغفر الله تعالى_.

وخانتنا الشجاعة لنقول هذا قدر وتخطيط أعداءنا علينا علاوة على سوء فهمنا ..

أما يؤلمك أن تتغنى بماضي الأمجاد والأجداد .. وأنت لا أمجاد لك!

الأوربيون واليابانيون والأميركيون .. عندهم عقل فقط,

بينما نحن المسلمين عندنا عقل وقرآن.

ولولا إهمالنا لآيات العلم (آيات القوة) لكانت حتماً أمريكا اليوم تحت إبطنا الأيمن وأوربا واليابان تحت إبطنا الأيسر,

وأعقل عني, فليس العبرة في كثرة الكلام فقد سئمنا _الحشوية_.

ويقول سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله تعالى عنه):

(مَن أراد العلم فليّثور القرآن, فإن فيه علم الأولين والآخرين),

ويبدو _إن لم يكن حتماً_ أنه ما قصد آيات الأحكام والتشريع .. لأن القرآن الكريم والسنّة

النبوية كانا كفيلين بالشرح والتفصيل وإنما قصد العلوم الأخرى.

فكما نريد للمسلم أن يحافظ على صلاته وصومه وأذكاره .. نريد أيضاً أن يكون كالجمرة المتّقدة في العلوم. وأن نستأصل مفهوم (أصوم وأصلي والباقي على الله تعالى) لأنه مفهوم انتكاسي, لنحلّ محله مفهوم (أصوم وأصلّي وأبحث وأعلم وأعمل والباقي _أي التوفيق_ على الله تعالى).

فإذا أصبحنا أقوياء في الاقتصاد, أقوياء في صناعة الآلة الحربية على اختلافها وتنوعها, أقوياء في

الفيزياء, أقوياء في الطب, أقوياء في الهندسة, أقوياء في الكيمياء,كذلك أقوياء في الشريعة ..

ولو جمعنا هذه القوى لكان الناتج:

قوة + قوة + قوة + قوة +قوة ..  =  أقوياء

وما إن أصبحنا أقوياء ..

أصبحنا في مقام الخلافة ..

واستطعنا أن نحمي عرض أختنا الفلسطينية وغيرها من أل ..

هذا إن لم نقل لو كنا أقوياء في المقام الأول, لما مسّهم السوء أصلاً.

ولكسرنا أنوف الذين اعتدوا على محمد الدرّة ..

ولتوقفنا عن تقديم ضحايا بريئة أو (( دُرَر )) أخرى.

وعن عبد الله بن المبارك (رحمه الله تعالى) عندما كان في الفتوحات وتذكر صاحباً له بقي ليتعبد في المسجد الحرام ولم يخرج لنشر دعوة الإسلام, فأرسل له قصيدة مطلعها,

   يا عابد الحرمين , لَو أبصرتنا          لعلمت أنك بالعبادة تلعب

   من كان يخضب خده بدموعه           فنحورنا بدمائنا تتخضب

فأنظر أخي القارئ الكريم _وليس قصدنا التكرار والحشوية وإنما التركيز والترسيخ_ عندما قلنا

آنفاً, أما يؤلمك أن تتغنى بماضي الأمجاد والأجداد .. وأنت لا أمجاد لك, فماذا تتصور؟ كيف فتحت بلاد الشام وبلاد فارس وأرض الكنانة ثم المغرب العربي وصولاً إلى الأندلس بعد أن عبروا البحر المتوسط .. كل ذلك ما كان ليتم لولا وجود أمرين أساسيين هما: العقيدة والسيف. فأجدادنا (رحمهم الله تعالى) حملوا هذين الأمرين وسطّروا لنا تاريخاً مشرقاً غنياً حافلاً بالبطولات (لأنهم كانوا حاملي دعوة بصدق), تشعر بالعزّ والفخر والسمو عند قراءته. أما اليوم فنحن نملك أمراً واحداً فقط .. نملك العقيدة , أو بالأحرى وبتشخيص أدق أننا ومنذ قرون طويلة خلت نملك العقيدة فقط ولا سيف معها.

ولنكن قريباً من الواقع, فأنا لا أتكلم عن "ذات" العقيدة التي حملوها لأنها هي ذات العقيدة التي

حملها رسولهم العظيم سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) وهي ذات العقيدة التي نحملها اليوم نحن الأحفاد ..وإنما كلامي مخصص إلى جوانب معينة ومحددة فقط, في العقيدة.

لقد سرى مفهوم الالتزام بدائرة أل 1/12وكما فصلنا سابقاً ومنذ قرون وهذا الذي جعلنا واهمين أن عزّنا وشموخنا كامن فيها في الحياة الدنيا, وهي سبيل النجاة الوحيد من النار ودخول الجنة في الآخرة, فأهملنا آيات السيف (مجازاً) وعبر السنين والقرون فقدنا القوة المادية (السيف) نتيجة تركيزنا على آيات الشريعة فقط والتي شيئاً فشيئاً يكون قد فُهم عنها .. أنها هي تحديداً التي من خلالها فقط يتم نيل وكسب وجمع الحسنات .. ولا يضرنا مَن ضل إذا اهتدينا, بالإشارة إلى الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ..(105) }

المائدة, فانصب مفهومنا على أن الإسلام هو صلاة وصوم فقط .. وليس هو صلاة وصوم ورسالة قوامها 6236 آية وليس 500 آية فقط, وكل مسلم يفكر بنفسه فقط, وهمّه الوحيد وشغله الشاغل هو كيف ينجو بنفسه فقط, ونسي أن هذا هو الحد الأدنى .. النجاة بالنفس. ونحن لا ننكر أن هذا موجود في القرآن والسنّة .. ونسي أو تناسى أن الحد الأعلى هو النجاة بالنفس مع انتشال شخصاً آخر معه من غير المسلمين بعد أن يكون قد دعاه ودلّه على الإسلام, فأسلم .. ولاحظ أن هذا أيضاً موجود في القرآن والسنّة { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ..(125) }

النحل, أو ما جاء في الحديث [ لئن يهدي الله على يدي رجلاً خيراً لي من حمر النعم ].. ناهيك أن البوذي وماشاكله قد وقع قسم من ذنبه عليّ وعليك لأننا قد قصّرنا في إيصال الإسلام إليه كما ينبغي ..

فهذه أمانة قد قصّرنا فيها .. ومازلنا.

 وحتى هذه الآية { لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } يبدو أنه قد أسيء فهمها عند قسم من

المسلمين, على حين انظر كيف وضحها لنا سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم)

بالعمل والسعي أولاً .. ومن ثم إذا لم تتكلل هذه الجهود بالفلاح فتأتي الحلقة الأخيرة وهي عليكم بخاصة أنفسكم .. ومن جهة أخرى فأن سيدنا المصطفى لم يحدد العمل بأنه صلاة وصوم فقط بل إضافةً عليها, الحركة النشطة في المجتمع من خلال الدعوة والتذكير, فلننظر إلى الحديث [ وقال أبو أمية الشعباني: سألت أبا ثعلبة عن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ }الآية.

فقال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً, سألت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: بل أتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحّاً مطاعاً وهوىً متّبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فأن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر, للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم, قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم ))([13]).

فهذه المفاهيم وكما ذكرنا أفقدتنا الاهتمام بتصنيع السيف شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح (سيفنا) ضعيفاً من حيث مدى تأثيره إزاء سيف أعداءنا الذين اهتموا كثيراً بتطويره ليصبح أكثر فاعلية وأبلغ تأثيراً.

وهكذا فقدنا القوة ليمتلكها أعداؤنا إلى أن طمعوا فينا ونالوا ما نالوا. وما ذلك لأننا فقدنا الإسلام ولكن لأننا لا نملك السيف المؤثر لمواجهتهم. فعقيدة الإسلام كما هي, والجهاد هو هو, وهناك الملايين من المسلمين اليوم _وكل يوم_ من الذين يحملون مفهوم الجهاد وكما جاء ذكره في القرآن والسنّة. فالخلل إذن ليس لأننا لا نملك رجالاً صادقين, ولكن الخلل أننا لا نملك السلاح.

فماذا كانت عقيدة هولاكو وتيمورلنك, وماذا كانت عقيدة التتر والمغول والبرابرة, وماذا كانت عقيدة الصليبيين, وماذا كانت عقيدة نابليون وهتلر وستالين وتشرشل وكل المستعمرين قاطبة, وماذا كانت عقيدة _صهيون_؟

هل كانت عقيدتهم قرآنية _ إسلامية؟!

الجواب: لا .

ولكن لماذا تمكنوا من الدخول إلى الأراضي الإسلامية واستعمارها؟

أليس ذلك, ما كان ليكون إلاّ بفضل القوة أولاً وأساساً ثم الإخلاص للمبدأ الذي يعتنقون؟

فالعقيدة اللا قرآنية قد واجهت العقيدة القرآنية ولمرات عديدة _وهذا تاريخ لا ينكر_ وتمكنت

منها, لماذا؟

هل الخلل في العقيدة القرآنية, ذاتها! قلنا: لا و مليون لا .. (فمعاذ الله سبحانه وتعالى ونستغفره كثيراً على أن يقال مثل هذا الكلام).

وبعد هذا الإسهاب الملحوظ أعتقد أننا من حقنا الآن أن نقول بوضوح أن مفهوم .. الذي يصلّي ويصوم يأخذ أجره من الله تعالى, وأن الذي يعمل في الفيزياء والكيمياء لا أجر له هو,

مفهوم انتكاسي.

انظر كيف أن معظم الابتكارات والعلوم الحديثة هي من صنع العقول غير الإسلامية, وهذا أيضاً لا ينكر, والمسلمون قد انكبّوا فقط على التصريح .. فما إن سمعنا بابتكار جديد في الطب (علم الأجنة مثلاً) في البلد الفلاني, حتى صرح المسلمون بأنه موجود عندنا ومذكور في القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف, في آية كذا وكذا أو في حديث كذا وكذا. وما إن اكتشف علماء الفضاء حقيقة كونية ما, حتى شمّر المسلمون عن سواعدهم ليصرحوا أنه ينطوي تحت آية كذا وفي سورة كذا من القرآن الكريم ..! (والجائزة طبعاً للذي يصرح أولاً ..).

وإذا سمعوا بسبق علمي آخر, فكذلك يفعلون, وكأننا قد وُكلّنا فقط لهذه المهمة!

فغير المسلمين يعملون بعلوم القرآن الكريم ويكتشفون الحقائق الكونية (سنن الله سبحانه وتعالى)

, من الذرة وحتى الفضاء الخارجي, ويوماً بعد آخر, ونحن المسلمين لنا التصنيف فقط. هم يكتشفون بعقولهم وبجهودهم ونحن نصنف لهم اكتشافاتهم في أي آية أو حديث ذكرت!!

لِمَ لا نعمل نحن بعلوم القرآن؟ وبإعمال عقولنا فيما ليس في القرآن؟

مَن الأولَى أن يعمل بعلوم القرآن .. هم أم نحن!

لِمَ لا يكون السبق العلمي على أيدينا؟  ..

وبقي لنا أن نقول في إشارة صغيرة وأخيرة,

ينبغي للمسلم أن يسأل نفسه يومياً قبل النوم:

1_ ماذا قدمت لنفسي؟

2_ ماذا قدمت لأمّتي؟

وللمهتمين لما قلت, أقول:

يمكن إجراء إحصائية في نهاية كل شهر, أو كل ستة أشهر لتعلم ما قد قدمت .. فإذا كنت قد

قدمت لنفسك فقط, فأعلم أنك قد آثرت نفسك فقط .. والحليم تكفيه الإشارة. 

 

(( خلاصة الفصل الأول ))

إن الدين  الإسلامي هو امتداد لدين واحد أنزله الله سبحانه وتعالى على رسلٍ عدّة, من أولهم إلى خاتمهم, وفي أوقات مختلفة ومتعاقبة من خلال صحف وكتب سماوية. كانت تعطى على قدر معطيات واقع كل رسول, لتتهيكل أخيراً في الحلقة الأخيرة التامة (القرآن الكريم) والذي حصل فيه منتهى التمام والكمال, وخصوصاً في الشمولية والإطلاق ليكون بذلك كتاباً صالحاً لكل زمان ومكان .. من نزوله وحتى قيام الساعة .. وبهذا الكتاب ختمت الرسالات.

وبختم النبوات والرسالات, فقد الناس فرصة الذهاب إلى رسلهم لإستحصال الأجوبة مباشرة منهم عن أسئلتهم واستفساراتهم. إلاّ أن الحق سبحانه وتعالى عوّض عن هذا بالذهاب إلى كتابه وسنّة نبيّه (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) والتي فيهما الحق والحقيقة والهدى للدارين, والأجوبة عن كل ما سيستجد من حالات وأمور. فأصبحتا بمثابة رسول خالد مقيم حتى يرث الله تعالى الأرض ومَن عليها.

وإن آيات الأحكام والشريعة لها نحو 1/12 (جزء من أثني عشر جزءً) من هذا الكتاب, وهي

آيات محكمات ذكرها القرآن أولاً ثم عزّز تفسيرها وتوضيحها سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة

وله مِنّا أتم التسليم) في سنّته الشريفة. ولذلك يمكن القول أن الشريعة قد استكملت حلقاتها ولم

يعد هناك أمراً مخفياً ينتظر اكتشافه.

وكذا الحال مع الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم, فرغم أنه عظمة (وروعة من الروعات) من

عظمات القرآن إلاّ أنه قد استكمل حلقاته (إلى حدٍ كبير جداً) أيضاً, ولم يعد هناك الكثير مما

ينتظر اكتشافه من جديد.

وبقيت الإجابة المباشرة عن السؤال الذي أثير في مطلع الفصل وهو .. ما عظمة وفضل القرآن

الكريم عن سائر كتب الله تعالى رغم أن جميعاً هي كتبه, شبه معلّقة, رغم أن القارئ المتمكن يكون قد وقع على الإجابة وهي منتثرة هنا وهناك ضمن فقرات الفصل, ليفهم عنها وبعد جمعها أن أعظم ما في هذا الكتاب في أنه يعطيك ولا ينفد. فأحرفه ثابتة من حيث اللغة إلاّ أن معانيه متجددة العطاء مع تطور العلم {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ  .. } وحتى قيام الساعة. إلاّ أن أجدادنا المسلمون (رحمهم الله تعالى) وخصوصاً العلماء _ومع الأسف_ قد انكبوا بكل طاقاتهم على التبحّر في آيات الشريعة وأهملوا, أوحدّوا كثيراً من النظر إلى الآيات العلمية والكونية والبحث فيها (ورغم أن عصرهم لم يكن عصر ذرة وأقمار اصطناعية وحاسوب إلكتروني) إلاّ

أنهم لم يرغّبوا أو يشجّعوا الأمّة على اكتشاف مكنوناتها كل في مجال عمله واختصاصه, ومع تقادم الزمان آلت وكنتيجة حتمية إلى ضعفنا ليتكالب علينا أعداءنا (الذين ما فتئوا يبحثون ليل نهار في آيات العلم في قرآننا نحن) من كل حدب وصوب.

وعليه فأننا نرى أن إعادة برمجة فرض العين هو أحد الحلول الجذرية والشمولية لصحوة الأمّة الإسلامية من جهة واستنهاضها من أخرى.

فإذا التزمت الأمّة الإسلامية وخصوصاً في الدول العربية بهذا, صار الصبي المسلم وتحت تأثير

الوازع الديني (والذي لا يوازيه أي وازع أخر بتأثيره) ملزماً ومنذ تفتح عينيه أن يعلم أن دينه

يفرض عليه (فرض عين) أن يتعلم الصلاة والصوم وطاعة الوالدين, كما ويفرض عليه (فرض

عين) أن يتعلم الفيزياء والكيمياء والفلك والعمل على الحاسوب الإلكتروني ..

فإذا كانت نسبة مَن فهم مقصود وغاية هذا الحل هم 90% من الأمّة وعملوا به, فأنه يمكن لهذا الحل أن ينتج ثماره بعد عقود من الزمن إذا بوشر به اليوم, ونترك النسبة الباقية وهم أل 10% من الذين تعذروا بشكل أو بآخر عن مواكبة هذه العلوم في تأنيب (لا تقريع) ملحوظ من قِبَلنا اتجاههم نتيجة تخلف طاقاتهم للمساهمة الفاعلة ومن خلال العلم في بناء و نهضة الأمّة. أما إذا كانت النسب معكوسة فسنبقى على حالنا هذا ويبقى عدونا على حاله, لا بل سيزداد عدونا (وغيرهم من غير المسلمين غير الأعداء) قوة وسيادة, وتكبر الهوّة بيننا وبينهم أكثر فأكثر ويوماً بعد آخر.

وعلماء الشريعة اليوم هم أول وأولَى مَن يتحمل مسؤولية تعميم فرض العين الجديد على المسلمين وحثهم الجاد والمستمر عليه, وكل من موقعه وحسب طاقته لأن الجميع يعلم أن 99% من الأمّة ينظرون إلى عالم الشريعة ليأخذوا عنه ولا ينظرون إلى عالم الفيزياء أو الفلك حتى وإن نطق بالحق والحقيقة .. لا بل حتى إن نطق بذات العبارة التي نطق بها عالم الشريعة فأنها لا تحدث 1% من التأثير على مسامع الأمّة قياساً على ما يقوله عالم الشريعة ..

فما أحوجنا اليوم إلى حلّ جذري وشمولي.

حلّ جذري وشمولي يتجلى من خلال الالتزام بما جاء في القرآن الكريم, في أول كلمة .. أول كلمة من أول سورة نزلت .. وعليه لا غرابة أن نجد مَن سمى الأمة الإسلامية ب (أمة اقرأ).

وأمة اقرأ لا يجيد60% منها القراءة والكتابة, إن صحّت هذه الإحصائيات التي نقرأها بين الحين والآخر هنا وهناك .. وعموماً على وجه الواقع لا تفاجئنا ولا تبدو أنها مبالغ فيها.

فيا أمة الإسلام .. يا أمة القرآن .. يا أمة اقرأ .., علينا بالقراءة. القراءة ثم القراءة ثم القراءة.

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ

  بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) } العلق,

ولذلك فكل من أراد أن يقتحم الواقع للتشخيص أولاً ثم المساهمة في وضع الحلول المناسبة ثانية,

 عليه الاعتراف, وإن كان هذا الاعتراف مرّاً. عليه الاعتراف بأن الجهل والتخلف كانا ومنذ

قرون خلت صديقا الفرد العربي المسلم, وهنا أقصد العامة لا الخاصة. والخاصة على كل حال

كانت ولم تزل, لا تشكل إلاّ رقماً ضئيلاً بين الأمة والتي غالباً ما تهاجر خارج دولها حيث تجد لها الأرض الخصبة لتحقيق ذاتها من جهة .. ولتعيش حياتها من جهة أخرى. والتي تعارف على تسميتها بهجرة العقول العربية المسلمة. وإني مع الذين يعتقدون بشدة إن فكرة انتقادهم ولومهم على هجر دولهم وبالتالي ذهاب عطاء عقولهم إلى دول أجنبية .. هي انتقادات وضيعة بائسة. فنحن نريد منه كل شيء .. وعلى رأسها المثالية .. ولكن على الجانب الآخر, يا ترى هو على ماذا حصل!!

وإنما بدل هذا ينبغي دراسة وتحليل الأسباب التي تحملهم على ذلك ثم إيجاد الحلول المناسبة لها.

فالحكام ينبغي عليهم ومن مواقعهم الرفيعة تكثيف الجهود من خلال التربيون وكل المعنيون لحث

الرعية على القراءة. وهذا لا يتم من خلال دعوة,ما تلبث أن تفتر أو تتلاشى بعد شهر أو اثنين. إنما يجب أن يكون هناك منهجاً مدروساً يمتد لسنوات وبخطى ثابتة. وهذا المنهج لا بد أن يتضمن

التشجيع والتحفيز الجاد (المادي والمعنوي) لإنزال الدارسون والمثقفون والمبدعون منازلهم, بدءً

في توفير ما يناسبهم من عمل بعد الانتهاء من تحصيلهم الدراسي واحتضانهم حتى يتسنى الاستفادة من الحد الأقصى لطاقتهم وانتهاءً بتوفير ما يلاءم عطائهم من ماديات العيش. فيا عجبي كيف نرى في معظم الدول العربية أن كثيراً ممن امتهنوا مِهناً وضيعة وفي مقتبل عمرهم ودون أي تحصيل دراسي, يكسبون خمسة أو عشرة أضعاف ما يتقاضه المعلم أو المهندس أو الموظف .. الخ ممن أمضوا 20 سنة أو 30 سنة خدمة! على أن هذا الأمر نادراً ما نراه في الدول الأجنبية.

فالحكام معنيون, والتربويون معنيون, والإعلام معني, والسادة علماء الشريعة معنيون, والأب

في بيته معني, والمعلم في مدرسته معني, والناس فيما بينهم وفي كل مجلس معنيون .. وهكذا

{ .. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً(114) } طه,

يتبع ...

              

[1]  ولا يغرنّك أبداً كثرة المساجد في هذا البلد الإسلامي أو ذاك..وكذلك لا يغرنّك عدد المصلين في هذا المسجد أو ذاك .. إنما أينما حللت فأذهب إلى محكمة الأحوال الشخصية أولاً فإن وجدت الأعداد من الناس التي بداخلها ضمن ألمعقول فأعلم يقيناً أن الحقوق مصانة وقائمة في هذا البلد, أي هناك حياة ووجود للدين والأخلاق في هذا البلد. ولا تتوقع بعدها _على وجه العموم_ أن إذا ذهبت إلى أسواقها أن هناك مَن سيغشك, أو مَن سيكذب عليك, أو مَن سيخلفك موعداَ أو عهداً .. لا بل لا تكترث كثيراً إذا نسيت قفل الباب قبل النوم. أما والعياذ بالله تعالى إن وجدت أن لا وجود ولا محطّ لقدميك من كثرة الناس فأعلم يقيناً أيضاً, أن الإسلام قابع وموجود ولكن بحدود سياج المساجد ويأبى الخروج إلى الخارج .. أي إلى حيث الحياة .. إلى حيث التطبيق العملي والتنفيذ الفعلي لما آمنوا به فعلاً! وكانت تجارب الحياة الفعلية هي المدرسة التي استقيت منها هذه المعلومة وهذه القناعة التي ما كان لأحد الآن إطلاقاً أن يقنعني بغيرها.(المؤلف).         

[2]  الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية, د. محمود الخالدي ج1 ص269- 270 دار الفكر للنشر والتوزيع _ عمان.        

[3]  صحيح البخاري, الطبعة بغداد 1986 / الجزء الأول ص 242 _ 264.

[4]  توحيد الخالق, عبد المجيد الزنداني ج3 ص358.

[5]  هذا التاريخ مأخوذ عن كتاب تاريخ الفكر العربي إلى أيام أبن خلدون لمؤلفه عمر فرّوخ دار العلم للملايين ص45.

[6]  في إحدى محاوراتي مع أحد الطيارين الهنود البوذيين عام 1988م قال لي إن دين بوذا عمره  6000 سنة , أي 4000 ق.م.

[7] لقد ورد في القرآن الكريم آية واحدة بسياق { يا أيها الناس } على لسان سيدنا سليمان (عليه السلام) .. {  وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) } النمل, والمرجح عندنا أن {يا أيها الناس } في هذا الموضع ليس فيها ما يشير إلى الدعوة بشكل مباشر وإنّما هي لعمومية الأخبار والأعلام لمن حوله من الناس فقط .. ف(الناس) هنا مطلقة مقيّدة ..على غرار ما تعرضّنا له سابقاً عند الحديث عن المطلق المقيّد في موضوع { الأسماء كلها }, كذلك عدم وجود آيات أخرى في القرآن الكريم تشير إلى أن بعثة سيدنا سليمان كانت للناس كافة كما في الأمثلة المشار إليها في مسك الختام. 

[8] الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية, د. محمود الخالدي  ج2 ص265 _267 دار الفكر للنشر والتوزيع / عمان.

[9] رواه البخاري.

[10] وبالمناسبة فهذا المفهوم يحمله سواد الأمة _وقسم لا يستهان به من علمائها_, ومَن يريد أن يختلف معنا فيما نقوله هنا فهو .......(1) إما يريد أن يشّوه الحقيقة عن عمد, وإما أنه بعيد عن أرض الواقع أصلاً نتيجة قلة الاحتكاك والتي تسفر عن خبرة محدودة أخيراً. (المؤلف).

[11] عن كتاب الموضوعات الطبية في القرآن الكريم (منهاج لتفسير الإشارات العلمية في الآيات القرآنية) تأليف الطبيب الاختصاص محمد جميل بن عبد الستار الحبال والطبيب الاختصاص وميض بن رمزي العمري. مكتبة الأرقم للنشر والتوزيع, سلسلة العلوم في القرآن (1), وفي ص 28 ما نصه:

  " وقد بلغت الآيات الكونية في القرآن الكريم أكثر من ألف آية من مجموع آيات القرآن والبالغة ( 6236 ) آية بينما عدد آيات الأحكام والتشريع تبلغ ( 500 ) آية (أي نصف عدد الآيات العلمية) كما قرر ذلك الإمام أبو أحمد الغزالي (رحمه الله) وغيره من الفقهاء والعلماء الذين استنبطوا  الأحكام والتشريعات من الآيات ".

[12] يلاحظ القارئ الكريم أن هذه التواريخ تتناسب مع ما ذكرته في (كلمة المؤلف) من حيث أن المؤلَف قد فرغ منه في أواسط  2001م. ثم أضيف للكلمة إشارة عن موضوع احتلال بلدي العراق في نهاية 2003م حيث كنت أهمّ على نشره الذي ما حصل في حينها .. واليوم في أواسط2006م حيث أقدمه للنشر, وددّت الإشارة إلى ربما الأولَى أن أضيف أفغانستان والعراق إلى فلسطين ..وأترك للقارئ تسمية الدولة الإسلامية (أو الدول) التالية لمثل هذا الحال حين يصل هذا المؤلَف يديه!

[13] رواه الترمذي وأبو داود.