الاستعارة

الاستعارة

د.محمد الولي

1

صدر مؤخراً عن دار الأمان الرباط  2005 كتاب الاستعارة في محطات يونانية وعربية وغربية للباحث المغربي الدكتور محمد الولي. والباحث يستأنف بهذا الكتاب مشروعه في تجديد البلاغة العربية الذي دشنه بكتابه الأول الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، منشورات المركز الثقافي العربي، بيروت، 1990. كما أن الباحث معروف بمساهماته في ترجمة أمهات الشعرية المعاصرة: بنية اللغة الشعرية لجان كوهن  وقضايا الشعرية لياكبسون والشكلانية الروسية لبيكتور إيرليخ والبلاغة أو المدخل لدرساة الصور البيانية  لفرانسوا مورو الخ الخ. وهذه الترجمات تدعم التأليف وتسير بالتوازي مع اتجاه الدراستين السابقتين التجديديتين للبلاغة العربية.

وهذا التجديد للبلاغة العربية يتم عبر التاريخ التأويلي لهذا العلم أو المعرفة. وهذا يتمثل في فحص رصين للتراث البلاغي العربي والغربي، وبالخصوص البلاغة الأرسطية والبلاغة التي ثوَّرتْ التراث الأرسطي كما نجد ذلك عند شايم بيرلمان. إن قراءة من هذا النوع قليلة في العالم العربي بل نادرة.

الباحث حريص على ما يطلق عليه حسن الاستماع إلى النصوص لأجل صياغة حكم منصف وعادل. هذا النزوع يبتعد بالمؤلف عن أسلوب تعيين قطائع في مسار تاريخ البلاغة العربية والغربية. وهو يقيم علاقات ألفة وتجاذب بين الماضي والحاضر. البلاغيون القدماء يعيشون مع محمد الولي في جو من المودة المتبادلة والاحترام غير المصنوع. وفي هذا المناخ يعيش المعاصرون في نفس أحياء القدماء فلا تهجم ولا انتهاك لحقوق أي أحد. هناك شكل من الندية بين كل البلاغيين خلافاً لما نلاحظه في مجال العلوم التقنية حيث القدماء يخرجون دوماً من الميدان مهزومين ومثخني الجراح.

        الباحث يستأنف بهذا أعمال باحثين شرقيين أمثال أمين الخولي وجابر عصفور ومصطفى ناصف وكمال أبو ديب. إلا أن الباحث المغربي معروف بقراءته وتأويله المتميز للبلاغة العربية وبالخصوص بلاغة عبد القاهر الجرجاني وحازم والسكاكي. إلا أن قراءته للتراث اليوناني الأرسطي في الشعرية والخطابة ينغرد بالابتعاد عن الشعارية والابتسار وتعنيف النصوص. وهذا المنهج الذي يهتدي به الباحث يدفع إلى التواضع الجم حيث الاستماع قد تطول جلساته ونصوصه. إلا أن الباحث وهو قليل الكلام كثير الاستماع يكشف عن جوانب في البلاغة العربية بل والأرسطية قلما توقف عنده الباحثون وقلما أشبعوا النصوص والإشكاليات تحليلاً وتدقيقاً.

إننا إذن شهود على محطة جديدة في تاريخ البلاغة، بل تاريخ البلاغة المقارنة، من خلال التشديد على أعظم مقوماتها التي هي الاستعارة.