عقول هادئة.. وقلوب دافئة

د. بشير شكيب الجابري

من أبجديات الحب والسعادة الزوجية

د. بشير شكيب الجابري

(5)

إشراقة

"المرأة الوفية تحكم زوجها وهي تطيعه"

                                  بوبليليوس سيروس

برعمتنا طفلة تدرج، تناغي، وقلوب جدتها وجدها وبابا وماما لها موطئ، تحفها وتكاد تحملها على الراحتين على أجنحة الهنا.

برعمتنا يافعة بين كتبها وصديقاتها، ومدرستها وعالمها الصغير، هذا صحيح وهذا خطأ، هذا خير وهذا شر، هذه الدنيا بحقائقها الصغيرة وتجاربها البسيطة..

فتاتنا شابة ملء الدنيا قد نهلت العلم نهلاً، واستقامت على طريق الجد والعمل، ديدنها أن يصح الصحيح ويتنصر الحق، وللباطل جولات وجولات كلما أغلق عليه باب فتح سرداب.

فتاتنا في ليلة عرسها ضياء وبهاء، وأمل وطموح، ورجاء وإصرار، عزيمة وتسليم.

وشابنا قدرها، كانا جرمين في أرض واسعة، فأصبحا نجمين على مدار واحد، وأداة من أدوات الله في تحقيق غايته: أن يعمر الأرض ببشر فيهم الشقي والسعيد، يباهي الملائكة بالخيرين والصادقين ولا يبالي بالعصاة المذنبين.

سنته أن تتوارث الأجيال بعضها عن بعض، العلم والخير وما ينفع الناس، وأن يذهب الزبد جفاء.

بنتنا ونصفها الآخر من جيل التغييرات السريعة التي تجعل من يتابعها يحسب وكأنه يسقط من شاهق، فلا الأسرة هي الأسرة، ولا الأخلاق هي الأخلاق، ولا المعارف مستقرة، ولا الأمن مأمون، ولا التخطيط مضمون، الأيام قصار، والتنافس نار، والقلوب حجار.

إنهما من هذا الجيل إلا أنهما يعتصمان بحبل الله، ومن اعتصم بحبل الله فإنه لا يضيعه.

في هذه الليلة الطيبة المباركة لا يسعني إلا أن أهديهما هذه الكلمات العاصمة تحيط الأسرة الناشئة بعوامل الحياة وبعناصر النماء وبأمصال المناعة..

عوامل حياة الأسرة:

أولها: - الهدف الواحد الذي يؤمن به العروسان اليانعان النضران:

]قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(.

ثانيهما: الأفكار الإيجابية عن الزواج ودور كل من العروسين فيه فإن أي أفكار يحملها أحد الطرفين، الرجل أو المرأة، فيها انتقاص من الآخر أو إغضاض له لا تعين على الحياة الزوجية بل تفسدها:

]وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ[.

وثالث عوامل الحياة: التكافؤ بين الرجل والمرأة ليس فقط في النسب والحالة الاجتماعية وإنما في مستوى الثقافة الذي يقرب من فهمهما للأمور.

ورابعها: معرفة كل من الزوج والزوجة لطبائع الآخر، وقبولها:

]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[.

أما عناصر النماء: فالمقصود بها نمو العلاقات الأسرية بشكل مطرد ومتكامل: فإذا فهم الزوج أن القوامة إيثار وإكرام وتشجيع، ثم تقويم وتوجيه وتعليم، إضافة إلى تحمل أعباء الأسرة المالية، وإذا فهمت الزوجة أن دورها حنان ونصح وإيثار، وحرص على مال زوجها بدأت العلاقة متوازنة متجانسة مع سنن الخلق...

]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ[ النساء.

فإذا تعهد الزوج زوجته بكل ما تحتاجه لتنمو، فشجعها على التعلم والتعليم في كل ما يخص مسؤوليتها، وأمن لها مواضع النمو الروحي.

وساعدت المرأة زوجها على تأمين جو هانئ في المنزل تحترم فيه أوقات راحته وحاجته إلى الطمأنينة فكانت تعرف كيف تملأ أوقاتها بالخير بدل أن تكون متطلبة لمن هو أصلاً مستنفد في عمله:

]وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(.

وإذا أكرم كل منهما أهل الآخر ووضعهما في عيونه وعاملهما بما يعامل به أهله.

وأوجب الضيفان وتعهد كل من أمر الشرع بتعهده، فقد بنيا معاًَ سلم النماء.

فإذا اقتنعا بالشورى مبدأ من مبادئ حياتهما المشتركة فتقاسما المسؤوليات وحملاها ثم لم يقض أحدهما أمراً فيه مصلحة للطرفين إلا بالتشاور، فقد أمنا أقوى وسيلة لنمو العلاقة بينهما وازدهارها ولنمو شخصيتها الزوجية وارتص صفهما حتى لا يهزه إعصار ولا تهده عوادي الزمان.

]فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(.

فإذا أكرم الله الأمة بهذه الأسرة الناشئة فكيف نحصنها بأمصال المناعة؟

 إن أقوى هذه الأمصال إبقاء جذوة الإيمان متقدة بتعهدها الدائم وعدم الاعتماد على ما كان من حماس الشباب، فإنه يزول كلما ازداد العقل نضجاً.

والمصل الآخر: الحب بين الزوجين وتكون رعايته بالمودة والرحمة من جهة وبتذكر فضائل كل منهما وذكرها وبعمل مناسبات لتجديدها بعيداً عن هموم الحياة.

والمصل الثالث: منع المؤثرات الخارجية من تفتيت العلاقة، والابتعاد عن كل نفاث في العقد ونفاثة ومساعدة الأسر الأخرى على الثبات فيبارك الله في أسرتهما ويحميها.

والمصل الرابع: الدعاء الدائم بالحفظ:

]وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[.

فإذا قدم الوليد وقد حصلت الأسرة على تسعة أشهر على الأقل للتجانس والتوازن وجد الرضيع محضناً هنيئاً، وأول ما يطلب منهما هو أن يعرفا أن هذا الطفل له شخصيته التي قد لا تشبه أحدهما ويحتاج إلى أسلوب في التربية خاص به، فليتعرفا عليه وليوائما بين أسلوب كل منهما وحاجته.

وليتولَّ كل منهما جزءاً من تربيته ليتشاورا في ذلك حتى يتكامل عملهما وليستعملا أساليب تقويم النتائج، وأخذ القرار السليم، وحل المشكلات والصراعات، بحيث يطورا أساليبهما حسب الحاجة.

إن من سموم الحياة الزوجية اقتناع كل من الزوجين أنه وحده على حق، وأنه هكذا خلق فهو لا يستطيع أن يطور أساليبه، ولا أن يحسن من أخلاقه، فإذا كان الأمر كذلك فما الحاجة إلى الدين إذن..؟

]إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[.

وتذكر: "سر السعادة ليس في أن يفعل المرء ما يحب أن يفعله وإنما في أن يحب ما يجب عمله."

                                                                                          تيودور روبين

يتبع إن شاء الله