انتهاكات حقوق الإنسان العراقي في سجن أبو غريب1و2
انتهاكات حقوق الإنسان العراقي
في
سجن أبو غريب
|
د.وصال نجيب العزاويعميد كلية العلوم السياسية / جامعة النهرين |
مقدمة
حرية أمريكا في العراق لم يطل بها الوقت لتكشف عن فضيحة أخلاقية وإنسانية ، فصور التعذيب للسجناء العراقيين وامتهان كرامتهم نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية في مطلع مايس 2004 بعد علم تقريباً من اجتياح بغداد في التاسع من نيسان 2003 وسأل الجميع عن من كشف هذه المآسي التي حدثت في بغداد بعد الاحتلال ولا تزال ورصدتها بالتفصيل لجنة تحقيق أمريكية في كانون الثاني 2004 وأبلغتها للكونغرس ولوزير الدفاع الأمريكي " رامسفيلد " .
كان الهدف الأمريكي من كشف هذه الفضائح البشعة في البداية هو تخويف العراقيين والعرب في كل العواصم العربية تبعاً لسياسة (اضرب المربوط يخاف السايب) ومع حالة الرعب والهلع سوف تقل المقاومة ضد المحتل في العراق .
إن الإدارة الأمريكية اليوم وإزاء وضاعة السلوك الأمريكي في العراق غدت نموذجاً سيئاً لتجسيد أبشع حالات ممارسة القهر والإذلال للنوع البشري وفي صور سادية ينفر منها الضمير الإنساني وتعافها النفس السوية فأي إنسانية هذه التي تقبل معاملة الأسرى وفق ما صنع الأمريكيون والبريطانيون في السجون العراقية .
أين هي حقوق الإنسان ؟ أين هي اتفاقية جنيف لحماية الأسرى ؟ أين هو القانون الدولي ؟ وأين هي مواثيق حقوق الإنسان ؟ وأين هو التباكي على حقوق المرأة وحقوق الطفل في هذا الشرق المنكوب بالجريمة الأمريكية .
هذا هو شكل الاحتلال لمن لم يتعرف عليه في فلسطين ولا في فيتنام ولا في سائر أصقاع العالم بما في ذلك أرض الهنود الحمر نفسها .
وعدت أمريكا أن تجعل من العراق نموذجاً أمام العالم وقد أنجزت ذلك فعلاً وما الصور المقززة المقرفة لضباط العدو المحتل وهم يبتسمون ويفتخرون أمام عدسات التصوير بجرائمهم إلا شكلاً فاضحاً لهذا الوحش المادي الذي يريدون تسويق قيمه الشيطانية لنا وللعالم .
قال تعالى محذراً من الاغترار بوعود الأعداء والتهاون في شأنهم :
[كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون] سورة التوبة آية " 8 " .
البحث المقدم سيقدم كشفاً لانتهاكات حقوق الإنسان في سجن أبو غريب من خلال مناقشة الجوانب القانونية ذات الصلة بالاحتلال وحالة حقوق الإنسان وحرياته في ظل الاحتلال الأمريكي وتحليل تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان وانتهاكات حقوق العراقيين ، ثم وقائع عمليات التعذيب والانتهاك في سجن أبو غريب كما تكشفها الصور التي بثتها وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية ومنظمات حقوق الإنسان مرفقة في البحث .
والله ولي التوفيق
(1)
الجوانب القانونية ذات الصلة بالاحتلال
أنشأ المجتمع الدولي نظماً واتفاقيات تكفل حماية الممتلكات والسكان الواقعين تحت الاحتلال ، وتعد قوات الاحتلال المتواجدة بالعراق سلطة احتلال عليها مسؤوليات وواجبات . هذه السلطة المنصوص عليها في القانون الدولي والإنساني .
وقد نشرت مجلة الإنساني في عددها (25) صيف 2003 بعض الإيضاحات القانونية المتعلقة بهذا الوضع وكما يلي :
· متى يبدأ الاحتلال ؟
تعد أرض ما محتلة عندما تكون تحت السيطرة والإدارة الفعلية لمحتل . ولا تتضمن اتفاقيات جنيف تعريفاً للاحتلال ، وإن كانت الاتفاقية الرابعة تشمل نصوصاً يمكن أن تنطبق على الأراضي المحتلة (المواد 27 ـ 34 من الاتفاقية الرابعة) ، وتشمل كذلك نصوصاً تنطبق تحديداً على الأراضي المحتلة (المواد من 47 ـ 48 من اتفاقية جنيف الرابعة) . وهي مكملة للائحة لاهاي 1907 التي تنص على تعريف الاحتلال . وتنص المادة 42 من لائحة لاهاي على التعريف الآتي :
(تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها).
·
متى تصبح قوانين الاحتلال منطبقة ؟تنطبق قواعد القانون الدولي المتعلقة بالأراضي المحتلة أينما أصبحت أرض ـ أثناء نزاع مسلح تحت سيطرة عدو السلطة التي كانت تسيطر على هذه الأراضي قبل النزاع . وتنطبق هذه القواعد أيضاً على كل حالة من حالات الاحتلال الحربي حتى عندما لا تواجه بمقاومة مسلحة ولا يكون هناك بالتالي نزاع مسلح . كما تحمي جميع المدنيين ما عدا رعايا سلطة الاحتلال من غير اللاجئين . ولا تؤدي عملية ضم الأرض المحتلة من جانب واحد هو سلطة الاحتلال ـ سواء كان شرعياً أو غير شرعي بموجب حق اللجوء إلى الحرب ـ أو أي اتفاقات تعقدها سلطة الاحتلال مع السلطات المحلية للأرض المحتلة إلى حرمان الأشخاص المحميين من الحماية المخولة لهم بموجب القانون الدولي الإنساني .
· المبادئ الأساسية التي تحكم احتلال قوة محاربة لإقليم ما ؟
تعد المادة 43 من لائحة لاهاي نصاً أساسياً في هذا الشأن وتنص على ما يلي :
(إذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية إلى يد قوة الاحتلال ، يتعين على هذه الأخيرة قد الإمكان ، تحقيق الأمن والنظام العام وضمانه ، مع احترام القوانين السارية في البلاد ، إلا في حالات الضرورة القصوى التي تحول دون ذلك).
وهناك أربعة مبادئ أساسية تحكم الاحتلال الحربي هي :
· لا تكتسب قوة الاحتلال أي سيادة على الأرض .
· الاحتلال حالة مؤقتة بحكم التعريف : وتعد حقوق قوة الاحتلال في الأرض مجرد حقوق انتقالية يصاحبها التزام يطغى على ما عداه باحترام القوانين القائمة وقواعد الإدارة .
· يتعين على قوة الاحتلال في ممارسة سلطاتها أن تضع في الاعتبار المصلحتين المتعارضتين التاليتين :
ـ الضرورة العسكرية .
ـ مصالح السكان .
· يتعين على سلطة الاحتلال ألا تمارس سلطتها لخدمة مصالحها الخاصة ، أو الوفاء بحاجة سكانها .
· لا يجوز لسلطة الاحتلال بأي حال من الأحوال استغلال سكان الأرض الواقعة تحت سيطرتها أو مواردها أو أصولها الأخرى لصالح أرضها أو سكانها هي . ويرتبط بذلك مبدأ أنه على سلطة الاحتلال ألا تجبر الأرض المحتلة ـ بسكانها ومواردها ـ على المساهمة في جهود الحرب التي يقوم بها الاحتلال ضد الحكومة المعزولة وحلفائها أو المساعدة في ذلك بأي وسيلة.
· واجبات سلطة الاحتلال تجاه سكان الأرض المحتلة ؟
تذكر واجبات سلطة الاحتلال في كل من لائحة لاهاي (وهي قانون عرفي)، وفي المواد 27 ـ 34 و 47 ـ 48 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تكمل لائحة لاهاي . وفضلاً عن ذلك تنطبق المواد من 13 ـ 26 من اتفاقية جنيف الرابعة على الأشخاص المحميين في الأراضي المحتلة ، وأيضاً على رعايا الدول الأطراف في النزاع (أي رعايا سلطة الاحتلال) . ويتعين على سلطة الاحتلال القيام بعدد من الترتيبات من بينها :
· تجميع الجرحى والمرضى والغرقى وتقديم الرعاية لهم دون تمييز وبغض النظر عن الطرف الذي ينتمون إليه (المادة 16 وما يليها من اتفاقية جنيف الرابعة) .
· معاملة الأشخاص الموجودين تحت سيطرتها معاملة إنسانية (المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة).
· عدم إرغام الأشخاص المحميين على الخدمة في قواتها المسلحة (المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة) .
· ضمان الإمدادات الغذائية والطبية للسكان (المادتان 56 ـ 57 من اتفاقية جنيف الرابعة).
· الموافقة على عمليات الإغاثة لصالح سكان الأرض المحتلة إذا كان السكان كلهم أو قسم منهم لا تصلهم المؤن الكافية (المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة) ـ ويمكن أن تقوم بهذه العمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الدول أو المنظمات غير الحكومية غير المتحيزة .
· توزيع شحنات الإغاثة على سكان الأرض المحتلة دون تحويل مسارها أو مصادرتها لصالحها (المادة 60 من اتفاقية جنيف الرابعة).
· احترام الملكية الثقافية (المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة).
· السماح للجمعية الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر بمواصلة أنشطتها بما يتفق مع مبادئ الحركة الدولية (المادة 63 من اتفاقية جنيف الرابعة).
ويحظر على سلطة الاحتلال حظراً مطلقاً ما يلي :
· النقل الجبري للأشخاص المحميين إلى أي مكان خارج الأرض المحتلة ومهما كانت الأسباب (المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة).
· القيام بأعمال الاقتصاص ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم (المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة).
· حقوق وواجبات سلطة الاحتلال بصفتها القائمة بإدارة الأرض ؟
فيما يتعلق بالقوانين والنظام القضائي للأرض المحتلة وبموجب نص المادة 43 من لائحة لاهاي يقع على سلطة الاحتلال التزام ثنائي على النحو التالي :
· استعادة الأمن والنظام العام كما يتعين عليها استعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى أقرب شكل كانت عليه قبل الاحتلال .
· الاحتفاظ بالقوانين السارية في البلد ما لم يحل دون ذلك ضرورة قصوى ، وبموجب المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة (ليس لقوة الاحتلال سلطة تشريعية لتغيير القانون). وإن كان يحق لها وضع هذه القوانين جانباً أو تعديلها إذا كانت القوانين السارية تتناقض مع المعايير القانونية الدولية . كما توجد استثناءات إضافية مثل تعليق القوانين ذات الصلة بالحياة السياسية العادية لفترة استمرار الاحتلال .
· إن سلطة الاحتلال محدودة أيضاً في إدارة العدالة حيث يتعين عليها إبقاء القانون الجنائي للأرض المحتلة سارياً (المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة) وذلك باستثناء القوانين التي تهدد المحتل .
· وفيما يتعلق بممتلكات الأرض المحتلة ومواردها ـ يحظر تدمير أي ممتلكات عامة أو خاصة (إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير) ـ (المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة) ، وهناك نظامان لمصادرة الممتلكات أو استخدامها : نظام للممتلكات الخاصة ونظام للممتلكات العامة فالقواعد تختلف .
1) الممتلكات الخاصة :
القاعدة أنه لا يجوز مصادرة الممتلكات الخاصة ولكن هناك استثناءات فإذا تمثلت الأشياء التي صودرت في أجهزة للاتصال أو مرافق للنقل ، يلزم فقط إعادتها بعد إحلال السلام وتسوية مسألة التعويض ، والاستثناء الوحيد الآخر لهذه القاعدة هو في حالة أن تكون هذه الأشياء مطلوبة للوفاء باحتياجات جيش الاحتلال وعندما تتناسب المصادرة مع موارد البلد . وفي جميع الأحوال يتعين على المالك تلقي تعويض عادل .
وبالمثل تنص المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه يجوز لسلطة الاحتلال الاستيلاء على أغذية وإمدادات طبية لقوات الاحتلال والموظفين الإداريين فقط طالما وضعت احتياجات السكان المدنيين في الاعتبار وتم سداد قيمة عادلة لما تم الاستيلاء عليه .
2) الممتلكات العامة :
هناك نوعان من ممتلكات الدولة : ممتلكات عامة منقولة ، وممتلكات عامة ثابتة . وتصبح الممتلكات الحكومية المنقولة التي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية غنائم حرب (المادة 53 من لائحة لاهاي). وتصبح عند الاستيلاء عليها من ممتلكات دولة الاحتلال دون تعويض . ولكن لا يجوز الاستيلاء على الأغذية والإمدادات الأخرى التي تملكها الدولة ، وخاصة الإمدادات الطبية ، إلا إذا كان قد تم الوفاء باحتياجات سكان الأراضي المحتلة ، كما تنص عليه بوضوح المادة 55 (2) من اتفاقية جنيف الرابعة .
والقواعد الأكثر صرامة فيما يتعلق بالممتلكات الثابتة (العقارات ، الغابات ،.. إلخ) فتقول المادة 55 من لائحة لاهاي أنه : لا يجوز لسلطة الاحتلال أن تستولي على ممتلكات ثابتة تخص دولة العدو. ويجوز لسلطة الاحتلال إدارة الممتلكات العامة ولكن فقط بموجب قواعد حق الانتفاع .
ويتعين عليها حماية رأس مال هذه الممتلكات وتكون عرضة للمساءلة عن الضياع أو التدمير الذي ينتج عن هذا الانتفاع .
وفيما يتعلق باستخدام البترول في الأرض المحتلة ، يتعين اعتبار البترول في الأرض ممتلكات ثابتة ولا يجوز لسلطة الاحتلال الاستيلاء على البترول في الأرض ، إذ أن القيام بذلك يتعارض مع الطبيعة المؤقتة للاحتلال وحيث أن سلطة الاحتلال ليست سوى مسؤول إداري ومنتفع للممتلكات الثابتة التي تخص الطرف المعادي (المباني العمومية والعقارات والغابات والأراضي الزراعية) يتعين على سلطة الاحتلال صيانة رأس مال هذه الممتلكات وإدارتها أيضاً كمنتفع .
ويحظر استخدام المحتل للبترول للصالح العام لاقتصاده أو بيعه للاستخدام التجاري أو الحربي . وفضلاً عن ذلك طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 1996 و 1997 (سلطة الاحتلال بعدم استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة) . وفي كلمات قليلة يجوز للمحتل إدارة آبار البترول وحسب ، ولكن لا يخوله التفتيش أو التنقيب ويتعين عليه المحافظة على قيمتها .
(2)
مشاهدات عامة عن حالة حقوق الإنسان العراقي في ظل
الاحتلال الأمريكي البريطاني
ترتبط قضية حقوق الإنسان وحرياته بشكل مباشر بقضية وجوده ذاتاً ، ونقطة الارتكاز فيها الإنسان بحكم إنسانيته وبصرف النظر عن شكله أو لونه أو مهنته أو جنسيته ، له حقوق معينة ومحددة على جميع الناس والمجتمعات والحكومات أن ترعاها وتحافظ عليها . وأن البعد الأهم فيها ليس الاعتراف بها فقط وإنما توفير الضمانات القانونية والأخلاقية حماية وإعلاء لشأنها ، لذلك تواتر الجهد القانوني الدولي عبر الكثير من المواثيق والإعلانات والتوصيات والاتفاقات الدولية الشرعية وأصبحت ذات طبيعة عالمية ملزمة وواحدة لا تقبل التجزئة .
إن الوضع الحالي في العراق وبفعل الاحتلال الأمريكي تحكمه بصورة عامة هذه الاتفاقات والقانون الإنساني الدولي الخاص في المنازعات العسكرية وعلى النحو الآتي :
1) هناك (4) أربع اتفاقيات مع بروتوكولات إضافية اعتمدها المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب بتأريخ 12/8/1949 والنافذة المفعول بتأريخ 21/10/1950 وهي :
أ ـ اتفاقية تحسين حالة المرضى والجرحى في القوات المسلحة في الميدان .
ب ـ اتفاقية تحسين حالة الجرحى وغرقى القوات المسلحة في البحار.
ج ـ اتفاقية بشأن معاملة أسرى الحرب .
د ـ اتفاقية بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب .
نلاحظ بشأن الاتفاقيتين الأولى والثانية وقع الانتهاكات التالية :
أولاً : بحسب الناطق الرسمي لقوات الاحتلال فإن عدد الأسرى العراقيين بلغ 6000 أسير حتى صيف 2004 لم يعرف مصيرهم إطلاق سراح 250 منهم ، ولا توجد معلومات أو علاقة مع عوائلهم أو أي مراسلة أو أي شيء يخص وضعهم الصحي وهناك معلومات تشير إلى معاملتهم بازدراء وبأسلوب لا أخلاقي وهذا انتهاك للفقرات (21،17، 14، 11) من المادة الثانية والفقرات (51، 39،37) من مبادئ الحماية الواردة في الاتفاق .
ثانياً : فقد الكثير من العراقيين منذ بداية العمليات العسكرية بتأريخ 21/3/2003 ولغاية 9/4/2003 من مدنيين وعسكريين لم يكونوا مقاتلين يفوق العدد المذكور في الفقرة سالفة الذكر. وهذا يعني أن الكثير منهم قتلوا أو أسروا أثناء تقدم القطعات وهذا انتهاك لمعظم مواد الاتفاقية الأولى والثالثة وهذا بحد ذاته يعد جريمة من جرائم الحرب .
ثالثاً : تنص الاتفاقية الرابعة الخاصة بحرية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب والأعيان الخاصة والثقافية والتأريخية والدينية وأعيان الخدمة العامة ، حيث لاحظنا ، ولا زالت قائمة عمليات التدمير الشامل لهذه الأعيان (المدارس ، الكليات ، الجامعات ، المساجد ، الوزارات) حيث تم قصفها وحرقها وسرقتها تحت أعين القطعات وأحياناً بتشجيع منها ، وهذا انتهاك شامل للقواعد الأساسية لهذه الاتفاقية .
رابعاً : كان من نتائج احتلال العراق وبالذات منذ أيار 2003 أن أصبح مرتعاً للجريمة المنظمة التي أشاعت الخوف وأعاقت التنمية على جميع صعدها وهددت حقوق الإنسان وحرياته والسلم والاستقرار والمن وهذا جاء بسبب الإهمال المقصود من قبل قوات الاحتلال .
خامساً : شيوع ظاهرة الإرهاب بكافة صوره وأسبابه وأدى ذلك إلى النتائج الآتية :
1 . تعطيل الخدمات العامة .
2 . الانتقام من الغير .
3 . تخويف وابتزاز السكان .
4 . الدعاية لبواعث سياسية واقتصادية .
5 . إشاعة الفوضى وتقويض الأمن .
6 . تهديد السلطات وإظهار عجزها أمام المواطنين .
2) الجانب الثاني من هذه المأساة الإنسانية أن الاحتلال جاء انتهاكاً لمعظم مواثيق حقوق الإنسان وحرياته وبالذات منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لعام 1966 والنافذين لعام 1976 علاوة على الحقوق الخاصة بالإنماء الاقتصادي والاجتماعي والتي تؤكد على السيادة وحق العمل والصحة والضمان الاجتماعي والمساواة في الأجور والأمن والحياة وبقية الحقوق الأخرى ، إن الذي وقع في العراق واستمر حتى الآن والتي تم ذكرها على سبيل الإيجاز الشديد ، يحمل القطعات الأمريكية بالذات المسؤولية الدولية لما استقر عليه العمل في السوابق القضائية لتوفر أركانها الثلاثة وهي :
1 . الفعل الجرمي .
2 . العلاقة السببية .
3 . وقوع الضرر.
والضرر الذي وقع في العراق هو الآخر يحمل صوره الثلاثة وهي :
ـ الصورة الأولى ـ أضرار جسمانية تلحق بالأفراد .
ـ الصورة الثانية ـ أضرار معنوية تلحق بالكرامة الإنسانية .
ـ الصورة الثالثة ـ أضرار مادية تلحق بالممتلكات .
بيد أن الولايات المتحدة لم تنضم إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما لعام 1998 واستخدمت نفوذها في مجلس الأمن لضمان حصانة قضائية لأفراد قواتها المسلحة امام هذه المحكمة مستندة إلى المادة 16 من النظام الأساسي لهذه المحكمة التي تقضي الفقرة الأولى منه بأنه تمنع المحكمة الجنائية الدولية لمدة اثنتي عشرة عاماً اعتباراً من 1/7/2002 عن عدم بدء أو مباشرة أي إجراءات للتحقيق أو مقاضاة عن حالة أو إثارة أي قضية تشمل موظفين حاليين أو سابقين تابعين لدولة مساهمة في قوات الأمم المتحدة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي ما لم يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك ويمكن تجديد هذه المهلة في الأول من تموز من كل عام .
ولكون مجلس الأمن هو في جوهره هيئة سياسية أكثر منه قانونية فكان الذراع القانوني لتخلص أمريكا من المسؤولية الدولية في هذا النظام من جرائم جنودها في أفغانستان والعراق والبقية تأتي مع الدول الأخرى وفق استراتيجيتها الجديدة وتدخلاتها بالحجج الإنسانية والديمقراطية ولكن الأمر الوطني الرسمي والشعبي ينبغي ألا يفقد حقه في رفض ما وقع عبر وسائل عديدة منها فضح ذلك إعلامياً وإشعار المنظمات الدولية والعربية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان لتكون أداة ضغط تجاه هذه الجرائم وتشكيل لجنة رسمية وشعبية للتباحث مع القيادة الأمريكية في العراق لهذه الغاية .
3) حماية بناء المعتقل : لقد ملفت جميع المواثيق والاتفاقات الدولية على حماية مقرات الأسرى والمعتقلين من المخاطر التي قد يتعرض لها هؤلاء ، سواء كان مصدره هذه المخاطر داخلياً من سلطة الاحتلال أو المشرفين على المعتقل ، أو خارجياً من التهديدات التي يتعرض لها المعتقل كالتخريب والقصف ..إلخ ، وعليه يجب إلزام سلطة الاحتلال بحماية بناء المعتقل من المخاطر وفقاً للتدابير الآتية :
1 . لا يجوز أن تفتش المرأة إلا بواسطة امرأة وهذا نصت عليه المادة 97 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 .
2 . أن يعهد إلى إدارة مقر المعتقلات من تشكيلات الشرطة العراقية النسائية حصراً .
3 . أن يعهد لذوي الأخلاق والقيم والمبادئ الاجتماعية العالية من الشرطة العراقية لحماية بناء المعتقلات من الخارج حصراً .
4 . في حالة تعذر تنفيذ الفقرة (ب) يعهد لتنفيذ هذه المهمة إلى المجندات من سلطة الاحتلال للقيام بذلك حصراً (أي العناصر النسائية فقط) .
5 . في حالة تعذر تنفيذ الفقرة (ب) يعهد لسلطة الاحتلال والشرطة العراقية تنفيذ المهمة لحماية المقر من الخارج حصراً وبدون الدخول إلى المقر.
والواقع الفعلي أن دولتي أمريكا وبريطانيا قد صاغتا ثم صادقتا على اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949 وأصبحت هذه الاتفاقيات نافذة التطبيق بعد ستة أشهر من تاريخ التصديق عليها ، ويترتب على تصديق الدولة على اتفاقيات جنيف مجموعة من النتائج أهمها :
1 ـ تتعهد أمريكا وبريطانيا محتلّي العراق بمقتضى نص المادة الأولى المشتركة بين اتفاقات جنيف الأربع بأن تحترم وتضمن احترام أحكام هذه الاتفاقات في جميع الأحوال .
2 ـ لا يجوز لهما طبقاً لنص المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات أن تتمسك أية دولة منهما بأحكام قانونها الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه الاتفاقات .
3 ـ تلتزم أمريكا وبريطانيا تطبيقاً لنص المادة 127 من الاتفاقية الثالثة الخاصة بأسرى الحرب والمادة 144 من الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين بنشر نص الاتفاقية على نطاق واسع في وقت السلم وفي وقت الحرب ويتعين على السلطات العسكرية التي تقوم في وقت الحرب بمسئوليتها إزاء الأسرى .
كما تتعهد أمريكا وبريطانيا بمقتضى المادة 126 من اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب ونص المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين .. بأن تتحدى أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية .. كما تلتزم بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها وبتقديمهم إلى المحاكمة أو تسليمهم إلى طرف آخر لمحاكمتهم مادامت تتوافر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص .. والسؤال الذي يطرح نفسه هل التزمت قوات الاحتلال بهذه الاتفاقيات ؟
يتبع إن شاء الله...