البعد الإنساني في الرسالة الإسلامية(2)
البعد الإنساني في الرسالة الإسلامية(2)
|
عدنان سعد الدين |
الفصل الثاني
حقوق الإنسان بين الرسالة الإسلامية
والحضارة الغربية
كافحت شعوب العالم طويلاً، وخاضت حروباً دامية، وقدمت تضحيات غالية، لينتزع الإنسان حقوقه الضائعة وحريته المصادرة منذ القرون الأولى وفي ظل الدولتين الساسانية والرومانية وغيرهما وطوال القرون الوسطى. لقد مر تاريخ انتزاع الحقوق في الغرب بأطوار ومراحل لا بد من الوقوف عندها والتعرف عليها تمهيداً لمقارنتها بحقوق الإنسان التي جاءت بها الرسالة الإسلامية من حيث الشكل والمضمون والجوهر والعمق، ومن حيث البعد بين الحقوق النسبية والمطلقة في كلتا الحضارتين.
أول ميثاق في أوربا
منذ بدايـة الألفية الثانية لميلاد المسيح عليه السلام، أبصرت النور وثيقـة هامـة فـي مجال حقـوق الإنسان وهـي: المغاناكارتا ـ Magnacharta ـ التي صدرت في عام 1215م كميثاق سياسي لمجموعة من الحريات السياسية والمدنية التي أرست المبادئ الأساسية للدستور البريطاني منذ ذلك الحين، وكان البارونات الإنجليز قد قدموا المغاناكارتا إلى الملك جون، وأجبروه على قبوله، وبذلك تعتبر المغاناكارتا ـ أو الميثاق الكبير ـ أقدم وثيقة خاصة بحقوق الإنسان في إنكلترا، بل في أوربا بأسرها، ثم تلاها بعد فترة طويلة إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789م، فضلاً عن الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان، الذي جاء امتداداً طبيعياً لهذه الإنجازات الكبيرة، إلا أنه يتميز على الإعلان الفرنسي بالسبق قليلاً، وبطابع نوعي جديد ومتقدم من أوجه مختلفة([1]).
إن فكرة إعلان حقوق الإنسان التي تعتبر أصيلة، (ومن ثم فهي تسبق أي تشريع ولو كان دستورياً) قد تبلورت خلال الثورة الأمريكية على بريطانيا، وقد نص إعلان استقلال الولايات المتحدة الصادر في 6/7/1776م على: أن كل الرجال قد ولدتهم أمهاتهم سواسية، وتضمن الإعلان في صدره ـ مقدمته ـ ذكر حقوق الإنسان في المساواة والحرية والحياة والسعادة وتغيير الحكومات التي لا تراعي تلك الحقوق([2]).
ومن المفيد التذكير بأن هذا الإعلان جاء بعد مرور حوالي أحد عشر قرناً على صيحة الخليفة العادل عمر بن الخطاب التي دوّت في أرجاء مكة وعلى بطحائها: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، ويكاد النص البريطاني في الميثاق الكبير أن يكون تكراراً لإعلان الخليفة الراشد.
على أثر قيام الثورة الفرنسية صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 4/8/1789 تتصدره العبارة الذائعة: يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق، هذه الحقوق أو هذه المبادئ للإعلان الفرنسي سادت الدساتير الفرنسية، وكثيراً من دساتير دول أوربا الغربية الصادرة خلال القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين الميلاديين([3]).
كانت الثورة الفرنسية هي النداء القوي للمساواة في الاعتبار الإنساني في المجتمع الأوربي، وقد أكد الفيلسوف كونت في فلسفته الاجتماعية على النـزعة الإنسانية والاعتبار الإنساني، مما جعل الاتجاه الاجتماعي ذا طابع إنساني أكثر مما هو مادي([4]). لكن الصراع بين العلمانية والروحية، أو بين الدولة والكنيسة، أو بين العلم والدين أبعد الاتجاه الإنساني، ولم يضعف روح الطبقية في المجتمع، وبرزت في القرن التاسع عشر فلسفة راديكالية جعلت المادية وحدها تهيمن على الوجود الإنساني([5])، الأمر الذي جعل حقوق الإنسان تتضاءل وتتراجع أمام فلسفات وثورات وأيديولوجيات أفرزتها الصراعات ولا سيما الطبقية منها، لتتقدم طبقة على أخرى، أو لتسيطر عليها، أو تضيق عليها في حقوق الإنسان أو تنتزعها منها، وتأتي في مقدمة هذه الثورات أو الفلسفات: الشيوعية التي قامت باسم العمال والفلاحين، وباشرت بسحق الطبقات الأخرى، لكنها لم تمكن الفلاحين أو العمال من أن يكونوا أصحاب السلطة الحقيقية، فزعيم هذه الثورة في عام 1917 وهو لينين، رأى ـ إلى أن يتمكن العمال من مباشرة السياسة الفعلية ومباشرة السلطة في المجتمع الثوري الشيوعي ـ أن يتولى ـ نيابة عنهم في السلطة ـ الحزب الشيوعي قيادة المجتمع العمالي، وتمضي السنوات والعقود على قيام الثورة البلشفية دون أن تتهيأ في نظر الحزب صلاحية العمال في مباشرة السلطة في المجتمع، وهكذا تم سحق الإقطاع والرأسمالية والبرجوازية باسم العمال والفلاحين، وسحق العمال والفلاحين باسم الحزب وأجهزة المخابرات الرهيبة المتفرعة عنه([6])، ليصبح الحزب قمة المجتمع الثوري أو الماركسي اللينيني، وليضحي أعضاء الحزب يمثلون الأرستقراطية الجديدة التي لها امتيازات الأمراء والنبلاء أو أكثر في مجتمع ما قبل الثورة الفرنسية، فالحزب فوق الدولة وفوق رئاستها وفوق الحكومة والسلطة التشريعية، وليست هذه هي المنـزلة التي كانت للطبقة الأرستقراطية في المجتمعات السابقة، بل تكاد تكون منـزلة الألوهية.
هكذا شهدت حقوق الإنسان ضموراً وتراجعاً، إن لم يكن سحقاً وإلغاءً في ظل مجتمعات المنظومة الاشتراكية([7]).
الإعلان العالمي في الميزان
اكتفى الإعلان بإيراد نص عام مبهم، دون أن يحدد الوسائل والضمانات لمنع أي عدوان على حقوق الإنسان، ولم يحدد كذلك جزءاً للمخالفة.
عندما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية عام 1966، ألحقت بالعهد بروتوكولاً اختيارياً بشأن الشكوى التي يتقدم بها الفرد من المساس بحقوقه المقررة في العهد الدولي، وقد تضمن العهد تأليف لجنة لحقوق الإنسان تضطلع بدراسة تقارير الدول الأطراف في العهد عن إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة فيه، كما تتسلم التبليغات المقدمة من دولة ضد أخرى، فتبذل اللجنة مساعيها الحميدة لدى الدول الأطراف للتوصل إلى حل ودي، أو تقدم تقريراً للدول المعنية إذا تعذر الحل ـ تقتصر على تقديم الشكاوى والعرائض ـ!!
كان العهد الأوربي قد سار لحماية حقوق الإنسان الذي وافق عليه المجلس الأوربي المنعقد في روما 1950م خطوات أوسع، إذ تضمن تشكيل اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، وتحال إلى اللجنة الشكاوى من اعتداء إحدى الدول المتعاقدة على الحقوق المقررة المتعلقة بأي شخص طبيعي أو منظمة غير حكومية أو جماعة من الأفراد أو من دولة، فللمحكمة أن تقرر منح ترضية عادلة للطرف الذي لحق به الأذى، وتكون الأحكام مسببة، وتكون الأحكام نهائية، وتتعهد الدول المتعاقدة بمراعاتها!! فتظل الأحكام في نطاق النصائح والمواعظ دون سند قانوني واجب التنفيذ([8])!!
فهل بقيت نصوص ميثاق الأمم المتحدة لعام 1948، والعهد الأوربي الذي وافق عليه المجلس الأوربي في روما عام 1950، والعهد الدولي الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية عام 1966م حبراً على ورق؟!! أم هي بطاقة عزاء بالتمني للمظلومين بالصبر والسلوان!
وصف أرنولد توينبي صاحب كتاب (مختصر تاريخ الحضارة) ميثاق الأمم المتحدة: بالميثاق السخيف، لأنه تضمن حق الفيتو للدول الكبرى الذي يمكن بموجبه إجهاض أي قرار لنصرة المظلوم([9]). فإذا كان الميثاق قد نص على حقوق الإنسان الأساسية، ونص كذلك على حقوق متساوية للأمم، كبيرها وصغيرها، فإنه أعطى هذه الحقوق باليمين وسحبها بالشمال، وقوضها من أساسها بوسائل خطيرة في الميثاق نفسه:
الأولى: حق الفيتو الذي يمثل قمة الدكتاتورية والاستبداد والطغيان في عصر الديمقراطية، لأنه يجعل إرادة دولة واحدة تتحكم في إرادة جميع الدول وعددها 189 دولة (هي الآن 192 دولة)([10]) فلو أن الدولة صاحبة الفيتو أرادت إفناء شعب أو أمة وتدمير أي بلد، وباشرت ذلك بالفعل خارج ما يسمى بالشرعية الدولية تستطيع ذلك حسب نصوص الميثاق من غير أن تَقْدِر الأمم كلها على إيقافها ابتداءً أو استمراراً أو انتهاءً، وسيكون مجلس الأمن عاجزاً عن اتخاذ أي قرار يوقف العدوان، لأن الدولة المعتدية سوف تستخدم حق الفيتو، فيستمر العدوان، ويستمر تقويض حقوق الإنسان.
الثانية: شرع الميثاق بإقامة محكمة العدل الدولية بطريقة تفضي إلى إفلات المعتدي من القضاء، وإبقاء الظلم على حاله، وإبقاء الظالم ظالماً والمظلوم مظلوماً، لأن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ينص على أن لا يتدخل هذا القضاء إلا إذا رضي الطرفان بالاحتكام إليه، والظالم أو المعتدي لا يرتضي الاحتكام إلى العدالة ما دام مخيراً بالقبول أو بعدمه.
الثالثة: إغفال الميثاق لمبدأ العدالة، فلم يأت عليه النص، وعلى ذلك فتحقيق العدالة ليس هدفاً منصوصاً عليه في أهداف الأمم المتحدة. وعليه فليس للمظلوم إلا الاستسلام، لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست مختصة، ولأن مجلس الأمن المختص معطل بالفيتو، ولأن محكمة العدل لا تقبل أي دعوى ما لم يتفق الطرفان المتنازعان على تقديمها([11]).
إن تعدد حقوق الإنسان وتسطيرها وتنظيرها على نحو ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الاتفاقات الدولية الأخرى، إنما هو جري وراء السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه عرف الحقيقة واستسلم لليأس والإحباط([12]).
جوهر حقوق الإنسان في الغرب
يكثر الغربيون من الحديث عن حقوق الإنسان في كل مناسبة، وأحياناً من دون مناسبة، فما هي الأسس الفكرية التي تقوم عليها هذه الحقوق؟
1- تستند حقوق الإنسان في الغرب على المواثيق التي تطورت عبر الصراع الذي عرفته إنكلترا لتحديد صلاحيات الملكية المطلقة، وهي لهذا لم تنطلق من عقيدة إيمانية أو فلسفة إنسانية، فهي لم تستند إلى مبدأ المساواة بين بني البشر بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق، ولم تُقَدّم كمشروع عالمي للناس جميعاً، وإنما كانت خاضعة لمعادلة الصراع الطبقي أو السياسي أو المذهبي داخل المجتمع الإنكليزي، ثم انتهى هذا المسار في الدفاع عن حقوق الإنسان في إنكلترا بالمساومة التي حافظت على الملكية وبعض امتيازاتها.
2- أما نشأة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة فقد اتخذت مساراً آخر، ومنحى أكثر عمقاً، عبّر عنه توماس بين في كتابه الشهير ـ حقوق الإنسان ـ وكتابه الآخر ـ عصر العقل ـ حيث يلحظ أن حقوق الإنسان لدى بعض الاتجاهات في الغرب نشأت أو ولدت في أثناء عملية الصراع ضد الكنيسة وضد الملكية المطلقة، ونال كل من الإنجيل والتوراة المعتمدين لدى الكنائس نصيباً وافراً من الهجوم وعمليات الإقصاء للدين بعد أن تأسست بعضها على مقولات شعب الله المختار في شكلها التوراتي المشوه والمحرف، وانتهاج سياسة البطش والإبادة بالنسبة للشعوب الأخرى، وتسويغ ذبح الهنود الحمر، وشن الحروب الدينية من بعض الكنائس ضد كنائس أخرى.
فالمنظومة الفكرية الدينية التي قامت عليها المدرسة الإنكلوسكسونية البروتستانتية، أُشْرِبَتْ مسيحيتها وفلسفتها بالنظرة اليهودية المحرفة لفكرة شعب الله المختار، واعتماد الاقتصاد الربوي، وتقديس الفرد للرأسمالية، واستباحة ما يملكه الآخرون من ثروات ونهبها من غير شفقة أو رحمة، ولهذا لا يمكن فهم الفلسفة التي استندت إليها حقوق الإنسان في المحيط الإنكلوسكسوني إلا عبر معادلات الصراع فيما بين الفئات الحاكمة، وعلى التحديد ضد الملكية المطلقة، وإطلاق الفردية البرجوازية المتحللة من أية قيم غير قيمة المنفعة والمصلحة والسعي لامتلاك القوة والثروة، وهذا ما جعل الديمقراطية وحقوق الإنسان تحت سيطرة الفئات العليا عملياً في كل بلد يمسكون به، مع قدر محدود بالنسبة للمواطن([13]).
على المستوى الآخر تقوم حقوق الإنسان على تمييز واضح بينها في مجالها الغربي وبينها في مجالها العالمي، ما دامت فلسفة حقوق الإنسان في الغرب سارت جنباً إلى جنب مع عمليات استعمار الشعوب واحتلال أوطانها، وإبادة السكان الأصليين كالذي جرى في الأمريكتين، واسترقاق الأفارقة وشحنهم من إفريقيا إلى القارة الأمريكية.
3- أما الأسس التي قامت عليها فلسفة حقوق الإنسان في المحور الكاثوليكي الأوربي، التي تناولتها الكتابات التي مهدت للثورة، ولا سيما كتابات جان جاك روسو، فقد اتخذت مسارها في الصراع مع الكنيسة، ثم إنها قامت كذلك ـ أي حقوق الإنسان ـ على التمييز بين المجال الأوربي ومجال الشعوب الأخرى.
ينبغي الوقوف أمام مقولة شديدة الوهج والجاذبية حول حقوق الإنسان أو الديمقراطية وأنظمة الحكم وفقاً للنظرية الغربية، ألا وهي إطلاق العقل من عقاله، وإعطاؤه السيادة المطلقة في تقرير ماهية حقوق الإنسان، وما هي النظم والقيم والأخلاق والعلاقات الدولية، غير أن تحرر العقل من سلطان الكنيسة أو من الحكم المطلق وضعه في التجربة الأوربية ـ الأمريكية ضمن حدود لا تقل تقييداً عن تلك القيود السابقة، فقد صار العقل أسيراً للفردية الرأسمالية المطلقة العنان، وأضحى رهناً للمصالح القومية في البلد المعني([14])، وأسيراً لعملية استعباد الشعوب الأخرى ونهبها وحتى إبادتها، فهذا العقل الذي زعم أنه تحرر من قيوده سوَّغ ذبح الهنود الحمر وتجارة الرقيق وشنَّ الحروب على الشعوب الضعيفة.
هذا العقل في بحثه عن مرتكزات فلسفية تسوغ التمييز العنصري والاستعمار والاستعباد المدمر، وجد ضالته في نظرية دارون حول تنازع البقاء والبقاء للأصلح، والانتقاء الطبيعي. وحيناً وجدها في النظريات التي جعلت من الصراع في الحياة والتطاحن بين الطبقات والشعوب والقوميات قانوناً طبيعياً له السيادة، وبكلمة أخرى كان تحرير العقل من إسار الكنيسة والحكم المطلق عوداً بالإنسان إلى شريعة الغاب ـ قانون المنافسة الرأسمالية والاستعمار في الخارج ـ ومن ثم لم يكن تحرير العقل من الخرافات أو القيود أو التحكم الكنسي أو الملكي عملية تهدف إلى خدمة حقوق الإنسان من حيث هو إنسان، وعلى مستوى البشرية جمعاء.
4- إن المرء ليكاد يقطع أن ما حدث في النهضة الأوربية لم يكن انتقالاً من الظلمات إلى النور، أو من عالم التخلف والرجعية إلى عالم النهضة والتقدم، بل كان انتقالاً بالإنسانية إلى عصر جديد من الظلمات والتخلف والرجعية وتقييد العقل واحتقاره، ويكفي أن نلحظ ما حمله هذا الانتقال في جعبته للهنود الحمر ولإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأن نلحظ ما فعله في القيم الأخلاقية والإنسانية، أو بالنسبة للعائلة والمرأة وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان([15]).
5- جراء ذلك الفساد أو هذا الاضطراب في المرتكزات الفلسفية الغربية لحقوق الإنسان حدثت مآسي ومظالم في الغرب والشرق، وفي القديم والحديث، وما زالت تترى، نذكر بعض أسبابها قبل أن نورد أمثلة صارخة منها، فمن أسباب فساد الحضارة الغربية ومن أكبر نقائصها أنها لم تبذل عناية كافية في تهذيب النفس البشرية، ولم تستطع أن تزيد في حساسية الضمير البشري حتى يغضب للحق، ويثور على الظلم، ويغار من انتهاك الحرمات، ولم تستطع أن تقوي فيه عاطفة الإيثار والرحمة والنداء والتحرر والإخلاص، ولئن كانت حررته إلى حد كبير من سلطان الطبيعة، إنها ـ الحضارة الغربية ـ لم تستطع أن تحرره من سلطان نفسه، وكان المؤدى أن أفقدت الحضارة الغربية الإنسان اطمئنانه واستقراره ومثله الإنسانية الرفيعة حين جعلت الرفاه المادي هو المثل الأعلى الذي يستحث الخطا نحوه، فإن لم يصل إلى ضالته عاش شقياً، وإن وصل إليه عاش ملولاً لا ينتهي من ملله إلا بالانتحار([16]).
ومن الكوارث التي يذكرها التاريخ بحزن شديد، أن الصليبيين عندما وصلوا في حملتهم الثانية إلى معرة النعمان حاصروها حتى استسلم أهلها بعد أن أخذوا من قادة الحملة عهوداً مؤكدة بالمحافظة على النفوس والأموال والأعراض. فما كادوا يدخلونها حتى ارتكبوا من الفظائع ما تشيب له الولدان، وقد قدر بعض المؤرخين الإفرنج الذين رافقوا هذه الحملة عدد الذين قتلوهم بين رجال ونساء وأطفال بمائة ألف، ثم تابعوا زحفهم إلى بيت المقدس، وشددوا الحصار على أهلها، فطلب سكان القدس من قائد الحملة ـ طنكرد ـ الأمان على أنفسهم وأموالهم فأعطاهم راية يرفعونها على المسجد الأقصى، ويلجؤون إليه آمنين، ودخلوا المدينة بعد ذلك، فيا لهول المجزرة، ويا لقسوة الإجرام، لجأ سكان القدس إلى الأقصى الذي رفعوا فوقه راية الأمان، حتى إذا امتلأ بمن فيه من شيوخ ورجال وأطفال ونساء ذبحوا ذبح النعاج، فسالت الدماء في المسجد حتى ارتفعت إلى ركبة الفارس، وكان عدد من دخل المسجد سبعين ألفاً، ثم شرع القساة بذبح سكان المدينة حتى كانت شوارعها تعج بالجماجم المحطمة، والأرجل والأذرع المقطعة والأجسام المشوهة وفيهم الأئمة والعلماء والعبّاد والزهاد، وقد بلغ عدد القتلى مئات الألوف في شوارع القدس وأحيائها، علاوة على السبعين ألفاً الذين تم ذبحهم في داخل المسجد الأقصى.
بعد تسعين سنة من هذه المجزرة، دخل صلاح الدين بيت المقدس ظافراً، فماذا فعل؟ كان في القدس ما يزيد على مائة ألف من الفرنجة، بذل لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم، وسمح لهم بالخروج، وأعطاهم مهلة أربعين يوماً، فجلا منهم 84 ألفاً لحقوا بقومهم في عكا وغيرها، ثم أطلق سراح الفقراء من غير فدية، وأدى أخوه العادل الفدية عن ألفي رجل منهم، وعامل النساء معاملة لا تصدر عن أرقى ملك منتصر في العصر الحديث، ولما أراد البطريرك الإفرنجي أن يخرج سُمح له بالخروج ومعه من أموال البيع والصخرة والأقصى والقيامة مالا يعلمه إلا الله، واقترح بعض حاشية صلاح الدين أن يأخذ منه ذلك المال العظيم، فأجابه السلطان: لا أغدر به، ثم أرسل مع النازحين عن القدس من يحميهم ويوصلهم إلى أماكن الصليبيين في صور وصيدا بأمان مع أنه لا يزال في حالة حرب معهم([17]).
ولقد أوقع الإفرنج الصليبيون في المسيحيين من المذابح والإبادة كالذي فعلوه بالمسلمين، حدث هذا في استنبول عندما كانت حملات الصليبيين في طريقها إلى المشرق، كما حدث مثل هذا في أنطاكية وغيرها من بلاد الشام ومصر، يقول بطريرك أنطاكية مكاريوس في القرن السابع عشر عن الفظائع التي أوقعها الكاثوليك البولنديون ضد إخوانهم الأرثوذكس: إننا جميعاً قد ذرفنا دمعاً غزيراً على آلاف الشهداء الذين قتلوا على يد أولئك الأشقياء أعداء الدين ـ الكاثوليك ـ فربما كان عدد القتلى ثمانية عشر ألفاً، يقول البطريرك: فيا أيها الخونة، يا مردة الرجس، يا أيتها القلوب المتحجرة، ماذا صنع الراهبات والنساء؟ ما ذنب هؤلاء الفتيات والصبية والأطفال حتى تقتلوهم، لقد أظهروا أنفسهم أشد انحطاطاً وأكثر شراسة من عبّاد الأصنام المفسدين، ثم يقول: أدام الله بقاء دولة الترك خالدة إلى الأبد، فهم يأخذون ما فرضوه من الجزية، ولا شأن لهم بالأديان سواء أكان رعاياهم مسيحيين أم يهوداً.
أما في الأندلس فلم يكد يمضي على سقوط غرناطة اثنتان وثلاثون سنة حتى أصدر البابا أمره عام 1524م بتحويل جميع مساجد إسبانيا إلى كنائس، ولم تمر بعد ذلك أربع سنوات أخرى حتى لم يبق في إسبانيا كلها مسلم واحد([18]).
وفي العصر الحديث، بل في أيامنا التي نشهدها تعم المظالم البوسنة والهرسك والشيشان وليبيا والعراق وطاجاكستان وفلسطين والسودان وأندونيسيا، وفي وسط إفريقيا وغيرها مما لا يتسع لها مثل هذا البحث، ولنستمع إلى شهادة رئيس وزراء ماليزيا في خطابه الذي ألقاه أمام الدورة السادسة والأربعين للأمم المتحدة وقال فيه: لقد أخبرونا في شرق آسيا أن لا نسمي أنفسنا شرقي آسيا مثلما تسمي أوربا نفسها أوربا، وتسمي أمريكا نفسها أمريكا، قالوا لنا: سموا أنفسكم جماعة الباسفيك، وانحازوا إلى هؤلاء الذين هم أمريكيون أو أوربيون، أو أطلنطيون أكثر من كونهم باسفيك، فنحن ممنوعون من أن تكون لنا هوية معينة، أو أن نعمل معاً على أساس من تلك الهوية، فهل هذه أول ملامح النظام العالمي الجديد الذي يراد لنا أن نخضع له؟ ثم يقول السيد محاذير: هناك خمس دول لها من الحقوق أكثر من باقي المائة والستة والثمانين عضواً، هناك مجموعة مكوَّنة من سبع دول تضع من القوانين ما يتسق ومصالحها، ويضر سلباً باقتصاديات الدول الأخرى، ويمضي السيد محاذير في خطابه الذي يخاطب به العالم عبر هيئة الأمم فيقول: إن ضرب الحصار على قلعة أو مدينة حتى يأكل البشر الفئران من فرط الجوع قد يكون مناسباً للعصور الماضية، ولكن هل يظل الضمير الإنساني حياً إذا ما وُضِعَتْ أمة بكاملها تحت ذل الخضوع؟ هل يبقى ضميرنا حياً إذا كان ضحية هذا الحصار هم الشيوخ العجزة والأمهات الحوامل والأطفال الرضع والصبية الأبرياء؟!!!
هذا غيض من فيض مما أفرزته الحضارة الغربية بشقيها الغربي والشرقي، وبفرعيها الأمريكي والأوربي من ممارسات في مجال حقوق الإنسان، ومن أراد المزيد فليقرأ كتاب الدعوة إلى الإسلام لمؤلفه أرنولد توماس الذي سجل فيه عبر القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ما شهده التاريخ من سماحة المسلمين، ومن مظالم وحشية أوقعها الغرب بالمسلمين وبالمسيحيين يندى لها الجبين.
جوهر حقوق الإنسان في الإسلام
ليست حقوق الإنسان في الإسلام حقوقاً نسبية تخضع لعوامل الصراع الطبقي أو الخلاف المذهبي أو التناحر العرقي، أو الثورة على الملكية المطلقة، لتحديد صلاحياتها والحد من طغيانها، ثم تغيب وتتلاشى بعد زوال أسبابها، وتلغى أمام الأطماع والجشع الرأسمالي في الداخل، واستعمار الشعوب واستعبادها في الخارج. إنما تنطلق حقوق الإنسان في الرسالة الإسلامية من عقيدة إيمانية راسخة، لا ينال منها موقف سياسي أو اجتهاد فقهي، فهي حقوق مطلقة، لا يحد منها تغير الزمان ولا امتداد المكان، ولا تبدل الأحكام والحكام، ليبقى انتهاكها أو الخروج عليها أو التفريط بها مخالفة صريحة لدواعي العقيدة والنصوص القطعية والأحكام الشرعية التي ليست محل خلاف بين العلماء والفقهاء والاتجاهات المذهبية.
لقد كانت رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان وأكبر حركة ـ تاريخية ـ لحفظ حياته وصون كرامته وتأييد شخصيته، وإحياءً عاماً شمل جميع ميادين الحياة([19]).
في الندوة التي عقدت في روما عن حقوق الإنسان جاء في كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية التي ألقاها بالنيابة عنه السيد محمد علي محمد رئيس بعثة جامعة الدول العربية في روما: يتضح من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن التاريخ الحقيقي لحقوق الإنسان يبدأ منذ خَلْقِ الإنسان، وأن مانح هذه الحقوق للإنسان هو خالقه الله رب العالمين، وليس كما يزعم البعض أن الوثيقة الإنجليزية المسماة ـ العهد الكبير ـ هي أول وثيقة لحقوق الإنسان([20]).
وجاء في كلمة د. عبد العزيز التويجري مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ سيسكو ـ عن حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية: بالرجوع إلى منشأ فكرة حقوق الإنسان في صيغتها الراهنة، ومن خلال المراجعة المستأنية للأسس التي قامت عليها الدعوة إلى حقوق الإنسان عبر جميع المراحل التي قطعتها منذ القرن السابع عشر وحتى اليوم، يثبت لنا أن جميع المواثيق والإعلانات والفصول الخاصة بحقوق الإنسان، وهي تكاد تصل إلى مائة إعلان واتفاق وعهد دولي، أخذت مبادئها الكلية ومنطلقاتها الأساسية عن الأصول الإسلامية([21]).
تعريف المسلم والمؤمن والمهاجر والمجاهد
خليق بنا أن نتساءل عن شخصية الإنسان الذي آمن بالإسلام، والتزم بأحكامه لنرى موقفه الواضح من حقوق الإنسان، أياً كان هذا الإنسان، لنرى ونسمع الإجابة الشافية في تحديد مواصفات المسلم والمؤمن والمهاجر والمجاهد كما وردت على لسان المصطفى صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم والتي تتضمن تعريفاً بيناً للمسلم، وللرسالة التي يحملها في حياته ومجتمعه وأمام البشرية جمعاء. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: سأخبركم من المسلم، من سلم الناس (مؤمنين وغير مؤمنين) من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله تعالى. ويؤكد صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه وسلم على الطبيعة والأخلاق التي تتجلى في سلوك المؤمنين، وعلى الأخوة التي تسود حياتهم ومجتمعهم، وعلى المساواة التي لا تفرق بينهم ولا تميز أحداً على غيره بالمال أو الجاه أو النسب أو اللون، فيقول: أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، ليس لعربي فضل على عجمي، ولا لعجمي فضل على عربي، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد. أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، فلا يحل لامرئ مسلم مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد([22]).
عندما نتعمق في معاني الرسالة الخاتمة وأحكامها والقيم التي بثتها في نفوس المؤمنين، نرى ونلمس أن الإسلام يهدف إلى إسعاد الإنسان في دنياه، وفوزه في أخراه، وأنه يوجهه إلى فعل الخيرات والمبرات، وينهاه عن الشرور والمضرات، يحرم عليه الخبائث، ويحل له الطيبات، يلزمه بالفضائل ويبعده عن الرذائل، يرتقي به إلى أعلى الدرجات بطاعة الله، وبالإحسان إلى الناس بإسعافهم وتفريج همومهم، وتنفيس كربهم ومداواة مرضاهم وكفالة أيتامهم وأي محتاج فيهم، سواء أكان مسلماً أو غير مسلم، لأن الناس كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، كما أن أسوأ ما يقترفه المؤمن من آثام بعد الشرك به، إنما هو الإضرار بالناس. {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}([23]). {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون}([24]). {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}([25]).
هذه هي نظرة الإسلام إلى الإنسان، أو هذا هو البعد الإنساني في رسالة الإسلام، فما هي المصادر والمراجع أو الوثائق التي نصت على حقوق الإنسان، أو على المكانة التي تبوأها الإنسان في ظلال الإسلام([26])؟
أولاً: الوثيقة الأولى، القرآن الكريم
يعد القرآن الكريم أول وثيقة إسلامية تشرع حقوق الإنسان عبر آيات كريمات اتصفت بالعمومية والإطلاق، فقد ورد لفظ الإنسان في القرآن الكريم بالمعنى العام المطلق سبعين مرة، والسورة السادسة والسبعون تسمى بسورة الإنسان (الدهر).
1- في موضوع حقوق الإنسان في الإسلام المتمثلة في الاستخلاف والتكريم والإيمان والعمل، والتي تفضي إلى الحرية والمساواة والعدل والشورى نجد في القرآن الكريم مائة وخمسين آية عن الخَلْق والمساواة بين العباد مثل: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجلعناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}([27]).
2- تحدث القرآن عن العدل، وما يدل عليه كالقسط والميزان في أربع وخمسين آية مثل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون}([28]).
3- النهي عن الظلم والمنكر والفحشاء، وعن مصير الظالمين في 320 آية كريمة مثل: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}([29]).
4- وردت عشرون آية في موضوع الكرامة وتكريم الإنسان والألفاظ المشتقة من جذر الكلمة مثل: {لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}([30]).
5- نص القرآن على الشورى في آيتين، {وأمرهم شورى بينهم}([31]) {وشاورهم في الأمر}([32]).
6- في موضوع حرية التفكير والاعتقاد، أحصى الشيخ الغزالي أكثر من مائة آية تتضمن حرية التدين، وإقامة صروح الإيمان على الاقتناع الذاتي، وأكثر من عشر آيات في النهي عن الجبر والإكراه مثل قوله سبحانه: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}([33]). {لا إكراه في الدين}([34]).
ثانياً: الوثيقة الثانية، الصحيفة النبوية
من بين وثائق عدة، خطبة الوداع، وعهد النبي صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران، وصلح الحديبية. إن الصحيفة التي أصدرها الرسول الأكرم بعد هجرته تتميز بمعالجة إنسانية متطورة ـ راقية ـ للعلاقة بين التكوينات الاجتماعية والسياسية للمجتمع الأهلي ـ المدني ـ الحديث العهد بالإسلام، وتعد الخطوة الأولى لبرمجة الحقوق المدنية والاجتماعية في الإسلام، والتي تضمنت المبادئ والأسس الخاصة بالتعايش السلمي بين المسلمين وبين النصارى واليهود والقبائل الوثنية.
ويلاحظ أن الصحيفة كتبت بلغة العقود المدنية بين الأطراف الموقعة عليها، والمحتوية على بنود التعايش والتعاون ووحدة المصير والهدف، ليعلن الرسول صلى الله عليه وسلم ميلاد الأمة في نواتها الأولى.
ثالثاً: الوثيقة الثالثة، وصية أبي بكر
أصدر الخليفة الأول أبو بكر الصديق وثيقة خاصة تنظم كيفية معاملة المقاتلين المسلمين لسكان المدن الجديدة في أثناء الحرب وما بعدها، وما يمكن أن نسميه اليوم: اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين (مع ملاحظة الفرق بين الكلام النظري كحبر على ورق وبين السلوك العملي): لقد أورد ابن الأثير في الكامل ما أوصى به الخليفةُ الأول قائدَ جيشه المتوجه إلى الشام ما نصه: إنك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم لله، فدعهم وما حبسوا أنفسهم له ـ الرهبان ـ ثم قال له: أوصيك بعشر: لا تغدر، ولا تمثل، ولا تَقتل هرماً ولا امرأة ولا وليداً، ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا ما أكلتم، ولا تحرقن نخلاً، ولا تخربن عامراً، ولا تغل، ولا تبخس.
الوثيقة الرابعة: رسالة عمر بن الخطاب
بعث الخليفة الثاني عمر بن الخطاب برسالة إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، جاء فيها: آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا ييأس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، فراجعت فيه عقلك، وهُديت فيه لرشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. المسلمون عدول ـ موثوقون ـ بعضهم على بعض، إلا مجرباً عليه شهادة زور([35]).
الوثيقة الخامسة: عهد الإمام علي لواليه في مصر
كتب الإمام علي لواليه على مصر مالك الأشتر النخعي عهداً تضمن 94 بنداً عدد فيه السلطات التي ينبغي أن يضطلع بها الحاكم تضمنت: مالية الدولة والشؤون العسكرية وجهاز الدولة وعمران البلاد (جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها)، وفي صلح الحسن مع معاوية عام 41هـ نصت مادته الخامسة من المعاهدة: على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يُؤَمَّن الأسود والأحمر، وأن يتحمل معاوية ما يكون من هفواتهم.
الوثيقة السادسة: كتاب علي بن الحسين
كتب علي بن الحسين زين العابدين رسالة خاصة، سميت رسالة الحقوق، تضمنت خمسين حقاً، تعتبر أول مدونة حقوقية، قننت وفصلت مفاهيم حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، بما فيها من حقوق الأقليات غير المسلمة.
الوثيقة السابعة: للماوردي
خاصة بالأحكام السلطانية التي تتميز بالوضوح والدقة في الشرح والتنظير للنهج السياسي للخلافة الإسلامية، وبالتعليمات التي تلزم صاحب السلطة القيام بها لتحقيق مصالح العباد.
ثم توالت الكتابات والدراسات، منها كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي، والإسلام وأوضاعنا السياسية لعبد القادر عودة، وكتابات نفيسة للدكتور محمد عبد الله دراز، جاء فيها: إن الإنسان كرّمه الله بأربع كرامات: الكرامة الإنسانية، {ولقد كرمنا بني آدم}([36])، وكرامة الاستخلاف: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}([37])، وكرامة الإيمان، {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}([38]) وكرامة العمل {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}([39]).
من هذه الوثائق التي وردت على سبيل المثال لا الحصر، وعبر الدراسات المتنوعة والشاملة للقرآن الكريم بآياته التي تبلغ 6236 آية كريمة، وللأحاديث النبوية التي تزيد فيها الصحيحة على عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف حديث شريف، ولسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مذ بعث إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، ومن حياة الخلفاء الراشدين المهديين، يتأكد لكل باحث منصف مسلماً كان أم غير مسلم أن الرسالة الإسلامية بكل مصادرها وجميع نصوصها وأحكامها ترمي إلى تكريم الإنسان، وإخراجه من الظلمات إلى النور، وإنقاذه من الضلال والشقاء إلى الهدى والسعادة، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، لتأتي الضرورات الخمس التي تهدف الشريعة الغراء إلى حفظها وهي: (الدين والعقل والنفس والمال والنسل والعرض) موضع إجماع لدى العلماء والفقهاء والمجتهدين.
آفاق حقوق الإنسان في الإسلام
تتسع دائرة حقوق الإنسان في الإسلام لتشمل الحقوق الشخصية والفكرية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والحريات العامة المتنوعة والمساواة. كما تشمل حقوق غير المسلمين في داخل المجتمع الإسلامي وخارجه، لأن البر في الإسلام إنساني عالمي: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون}([40])، {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}([41]).
إن حقوق الإنسان الشاملة في الإسلام هي ضمان للفرد والجماعة والدولة على السواء، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب هؤلاء جميعاً، فهو واجب الفرد كما هو واجب الجماعة، {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}([42])، {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}([43])، {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}([44])، تشمل هذه الحقوق الناس جميعاً([45]).
ومع أن بر الوالدين هو أسمى ما يعامل الأبناء به آباءهم التماساً لمرضاتهم، فإن القرآن قد حض المسلمين وشجعهم أن يبروا غير المسلمين، إذا لم يكونوا في حالة حرب مع المسلمين ولم يقاتلوهم في الدين ولم يعملوا على طردهم من أوطانهم. فالبر من أخلاق المسلمين مع الآخرين، يشمل إنفاق المال على الفقراء والأيتام والأرحام والسائلين وتحرير الأرقاء، ويشمل الدأب على بر الناس من غير المسلمين، وعلى إحقاق الحق لهم، وتطبيق العدل فيما بينهم، لأن الله يحب لعباده المؤمنين أن يكونوا مع الناس جميعاً عادلين.
وتأكيداً على هذه الحقوق وترسيخاً لها، اقتضت الحكمة الإلهية والعدالة الربانية أن ترفع مرتبة حقوق الإنسان فتجعلها جزءاً من العقيدة ومستمدة منها، فيكون الإيمان حارساً لها ودافعاً إلى الحفاظ عليها، فميزان الله تعالى لا يحيد ولا يحيف، فلا يظلم عرقاً ولا فئة ولا طبقة ولا حزباً. إن رب الناس ملك الناس إله الناس رؤوف بعباده، رحيم بخلقه، يقدر الحقوق بحكمته الفائقة وعدالته المطلقة للناس أجمعين، فلا تتحكم طبقة بأخرى في صراع طبقي، ولا شعب بشعب في احتراب قومي، ولا طائفة بغيرها في نزاع طائفي، وفي هذا السياق فإن الرضوخ للطواغيت والظالمين، ليس مذلة وخنوعاً فحسب، وإنما هو لون من ألوان الشرك، فالمؤمن خاشع لله، عزيز به، والتفريط في عزته المستمدة من عزة ربه جل في علاه تفريط في عقيدته وإيمانه([46]).
تكريم الإسلام للإنسان
الكرامة الإنسانية حق مطلق في الإسلام، لا يمارى فيه ولا ينازع: {ولقد كرمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}([47])، وليس عجباً أن تراعى الكرامة الإنسانية في حال السلم من الوجهة الإسلامية، لكن الغريب والمدهش حقاً أن تصان الكرامة الإنسانية في أثناء الحرب والسيوف متشابكة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة وعن تشويه أجسام القتلى، ويوجب دفنهم كيلا يتركوا نهباً لوحوش الأرض وجوارح الطير، لقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن توضع جثث القتلى من أهل بدر في القليب، وهو بئر جافة، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتجه المقاتل إلى ضرب الوجه وتشويهه إلا إذا لم يكن من ذلك بد، كما نهى عليه السلام عن تعذيب الجرحى أو الإِجهاز عليهم، بل يبقى الأسير ويداوى حتى يُشفى أو يُفدى أو يُمنّ عليه، وذلك لاحترام إنسانيته.
لم يعرف التاريخ محارباً كان رفيقاً بالأسرى غير الإسلام، فالقرآن الكريم اعتبر الإحسان إلى الأسرى من أبر القربات التي يحرص المؤمن عليها، ومن أبرز أوصاف المؤمنين أنهم يطعمون الطعام للمسكين واليتيم والأسير: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}([48])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالأسرى خيراً)([49]).
حقوق الأجانب في المجتمع الإسلامي
من الحقوق الثابتة التي قررها الفقهاء استناداً إلى النصوص، أن الأجنبي إذا دخل بلاد المسلمين على غير نية الإقامة الدائمة، بقصد التجارة أو الزيارة أو السياحة أو غير ذلك يكون مستأمَناً، فإذا قرر الإقامة الدائمة يكون ذمياً ومن رعايا الدولة الإسلامية، والمستأمنون، ولو كانوا منتمين إلى دولة داخلة في حرب مع الدولة التي دخلها المستأمنون، فإن أموالهم مصونة، وأرواحهم لا يعتدى عليها، قال السرخسي الفقيه الحنفي الشهير في كتابه المبسوط: أموالهم صارت مضمونة بحكم الأمان، فلا يمكن أخذها بحكم الإباحة، وإن ماله الذي اكتسبه في دار الإسلام يبقى على ملكه، لا تزول عنه ملكيته، ولو عاد إلى دار الحرب، بل لا تزول، ولو حمل السلاح فعلاً مقاتلاً المسلمين، وعلى ذلك اتفقت كلمة الجمهور([50]).
ومن الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للأجانب ولو كان المسلمون في حالة حرب معهم، أن يقرروا مصيرهم عندما يخالف المسلمون المقاتلون شرطاً من شروط الحرب أو يتجاوزون حكماً فقهياً مقرراً، كما حدث فيما وراء النهر أو في إقليم سمرقند، عندما دخل المسلمون بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي أرضهم واحتل عاصمة الإقليم دون أن ينبذ إليهم أو أن يخيرهم بين الإسلام أو العهد أو القتال، فشكا أهل هذا الإقليم إلى الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز أن قتيبة قاتلهم قبل أن يخيرهم ليقرروا مصيرهم، وأسكنها المسلمين غدراً، فكتب الخليفة إلى واليه ليعين لهم قاضياً ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين خرجوا، فنصب لهم الوالي ـ جميع بن حاضر الباجي ـ قاضياً ينظر في شكواهم، فتبين للقاضي صدق الشكوى، فأصدر أمره إلى جند المسلمين بأن يخرجوا من البلد الذي فتحوه ويعودوا إلى ثكناتهم، ثم ينذرهم الجيش بعد ذلك وينابذهم وفقاً لمبادئ الحرب الإسلامية حتى يكون أهل سمرقند على استعداد للقتال فلا يؤخذوا بغتة، فيخيرهم بين الحرب والعهد والقتال، فاختاروا العهد، ومنهم من اختار الإسلام، بعد أن رأوا مالا مثيل له في تاريخ الأمم والحروب من عدالة تنفذها الدولة الإسلامية على جيشها وقائدها، وقالوا هذه أمة لا تحارب، وإنما حكمها رحمة ونعمة([51]). وفي حروب التتار في بلاد الشام وقع بأيدي التتار كثير من أسرى المسلمين واليهود والنصارى، فتدخل شيخ الإسلام ابن تيمية مع أمير التتار في أمر الأسرى وفك إسارهم، فأجابه الأمير إلى فك أسرى المسلمين دون النصارى واليهود، فأبى ابن تيمية ذلك وقال له: لا بد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم في ذمتنا، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة([52]).
في الندوات العلمية حول الشريعة وحقوق الإنسان التي نشرت بنودها وأفكارها والحقائق التي انتهت إليها دار الكتاب اللبناني عام 1973، لخص المؤتمرون الذين شاركوا في تلكم الندوات نتائج باهرة عن الحقوق التي اكتسبها الإنسان في الإسلام، ذكراً كان أم أنثى، مسلماً أم غير مسلم، فرداً كان أم جماعة ـ مجتمعاً ـ، في أشواقه الروحية وقيمه الأخلاقية، أم في حاجاته المادية والمعاشية، فجاء هذا التلخيص في بضعة عشر بنداً تبرز صورة مشرقة عن المكانة التي بلغها الإنسان في ظل الرسالة الخاتمة، ألا وهي:
1- حرية الإنسان في عقيدته، فقد شدد القرآن العظيم والنبي الكريم على هذا الحق، وحظر أي ضغط يمارس ضد الإنسان كي يعتنق عقيدة من غير أن يكون مقتنعاً بها، فالآيات الكريمة تترى في التأكيد على هذا الأمر، {لا إكراه في الدين}([53])، {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}([54])، {لست عليهم بمسيطر}([55])، {لكم دينكم ولي دين}([56]).
كما جاءت الأحاديث الشريفة متوعدة ومنذرة من يؤذي أحداً من أهل الكتاب في معتقده أو ماله أو نفسه..
2- حرمة الإنسان، وتحريم العدوان على نفسه وماله وعرضه، وكما قال عليه السلام في حجة الوداع: حرام عليكم أموالكم ودماؤكم، وقال: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه.
3- حفظ كرامة الإنسان، أياً كان عرقه أو جنسه أو معتقده، أو نسبه، وعدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية بين إنسان وآخر.
4- وحدة الأسرة الإنسانية، فالإنسان أخو الإنسان أحبَّ أم كره، والخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله([57]).
5- التعاون على الخير، وتقديم البر والإحسان دون النظر إلى جنسيته وعقيدته طالما أنه غير معتد على الأمة في عقيدتها أو في وطنها: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين}([58]).
6- حصانة الإنسان في منـزله ومسكنه، أي حرمة البيوت وعدم اقتحامها أو التجسس عليها واستراق السمع من أهلها أو سكانها: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم}([59]).
7- كفالة المجتمع متمثلاً بالدولة لجميع أفراده دون تمييز، أياً كان جنسهم أو عرقهم أو معتقدهم، وتأمين كل ما يحتاجه الإنسان من مأكل وملبس ومسكن وعلاج وغيره، وتحذير المجتمع من التفريط بهذه الحقوق، وإنذار كل مواطن مقتدر ومستغنٍ يترك الآخرين تحت وطأة الحاجة دون أن يسعفهم أو يمد لهم يد العون، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: والله ما آمن ـ ثلاث مرات ـ من بات شبعان، وجاره جوعان إلى جانبه([60]).
8- إيجاب العلم وفرضيته على كل مسلم (ذكراً وأنثى)، أي إلزامية التعليم، وحق الجميع فيه، فطلب العلم فريضة على كل مسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنذر عليه السلام من يحجب العلم عن الآخرين، فقال من حديث طويل: ليعلِّمنَّ قومٌ جيرانَهم أو لأعاجلنَّهم العقوبة([61])، كما نّصت الأحاديث الشريفة على نشر التعليم وإشاعته بين الجميع، للحرّ والعبد، وللذكر والأنثى، وللصغير والكبير، وللعربي والعجمـي، وللمقيم والظاعن، كالماء والهواء سواء بسواء، فتحقق فـي هذه السياسة التعليمية النبوية ما يسمى اليـوم بديمقراطية التعليم ـ حسب مصطلح اليونيسكو ـ كما نص العلماء على استمرارية التعليم من المهد إلى اللحد استناداً لآي القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
9- حفظ الإنسان في صحته وعافيته، ليبقى جسمه سليماً ومن ثم يكون عقله سليماً، وحمايته من الأمراض المعدية أو المتفشية في المجتمع بحَجْرٍ صحي صارم، جاء في الحديث الشريف: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه)([62])، وقد قضى أبو عبيدة عامر بن الجراح نحبه تطبيقاً لهذه السياسة الصحية الصارمة، فمات رضي الله عنه في طاعون عمواس في الأغوار رضي الله عنه.
10- تطبيق العدل على الناس جميعاً، وإحقاق الحق حتى مع الخصوم، ومع من نكره لأي سبب كان من العداء والنـزاع وغير ذلك: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنَّكم شنآنُ قوم على أنْ لا تعدلوا، عدلوا هو أقرب للتقوى}([63]).
11- تحرير المرأة من أوضار الجاهلية وتقاليد الأمم السابقة واللاحقة البالية، ومساواتها بالرجل في جميع الأمور الأساسية، وعدم التفريق بينها وبين الرجل إلا بما تقتضيه وظيفة كل منهما: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم}([64])، و(النساء شقائق الرجال) كما قال صلى الله عليه وسلم([65]) كل هذه الحقوق كانت مرعية في عصر الراشدين، وفي فترات أخرى يوم كان التطبيق جاداً للنصوص والأحكام، ولتعاليم الرسالة الإسلامية الخاتمة([66]).
ومن المفيد والواجب أن نتساءل عن مصير هذه الحقوق في بلاد العرب والمسلمين، وفي ديار الغرب، لنسارع بالإجابة حتى لا يحدث لَبْسٌ أو سوء فهم، فنقول: إن حقوق الإنسان مرعية ظاهراً ومهدورة واقعاً في الغرب والشرق، ولكنها في بلاد المسلمين أكثر ضياعاً، بعد تعطيل نصوص الشريعة الغراء، فالإنسان العربي والمسلم يتعرض لألوان من التنكيل لا شبيه لها في العالم، إلا ما يحدث في فلسطين والشيشان والبوسنة وكشمير وأفغانستان، فالمسلم مهدور الحقوق، مستباح في كثير من الأقطار الإسلامية، حريته مصادرة، وحقوقه مضيعة، ومحروم حتى من التذمر والشكوى في ظل الأحكام العرفية التي ينوء المسلمون في عدد من أوطانهم بوطأتها منذ عدة عقود، ولهذا يهاجر الملايين إلى أوربا وأمريكا وأستراليا وغيرها من بلاد العالم التي ترعى حقوق الإنسان ولو بنسبة قليلة، وتنتهكها في بعض شؤون الحياة، ولكنها أخف وطأة بدرجات كثيرة ممّا يحدث من ظلم في بلاد العرب والمسلمين.
الهوامش:
([1]) جريدة الرأي الأردنية في 16/1/2000، للباحث مهدي الحافظ.
([2]) من أصول الفكر السياسـي الإسلامـي ص94.
([3]) المرجع السابق.
([4]) طبقية المجتمع الأوربي للدكتور محمد البهي ص26،25.
([5]) المرجع السابق ص27.
([6]) طبقية المجتمع الأوربي ص31،30 للدكتور محمد البهي.
([7]) المرجع السابق ص32،31.
([8]) من أصول الفكر الإسلامي السياسي للدكتور فتحي عثمان ص330،329،328.
([9]) كتاب الأمة للدكتور منير حميد البياتي: 58.
([10]) المرجع السابق ص62.
([11]) نفس المصدر ص66،63.
([12]) المرجع السابق ص67.
([13]) من مقال للأستاذ منير شفيق بعنوان: حول الأسس الفكرية لمفهوم حقوق الإنسان في الغرب.
([14]) المصدر السابق.
([15]) المرجع السابق.
([16]) الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية للأستاذ محمد المبارك ص32.
([17]) من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي ص104،103.
([18]) من روائع حضارتنا، ص107.
([19]) الإسلام وحقوق الإنسان لمحمد عبد المنعم خفاجي ص23 الطبعة الأولى.
([20]) ندوة روما عن حقوق الإنسان في الإسلام، جريدة الشرق الأوسط 26/2/2000.
([21]) ندوة روما عن حقوق الإنسان في الإسلام، جريدة الشرق الأوسط 27/2/2000.
([22]) الوصية النبوية للأمة الإسلامية للدكتور فاروق حمادة ص41،39 طباعة دار الثقافة في الدار البيضاء ـ الطبعة الأولى.
([23]) سورة الأعراف الآية (157).
([24]) سورة النحل الآية (90).
([25]) سورة الأنبياء الآية (107).
([26]) للأستاذ عادل غانم، جريدة الحياة في 25/3/2000.
([27]) سورة الحجرات الآية 13.
([28]) سورة النحل الآية 90.
([29]) سورة هود الآية 113.
([30]) سورة الإسراء الآية 70.
([31]) سورة الشورى الآية 38.
([32]) سورة آل عمران الآية 159.
([33]) سورة يونس آية: 99.
([34]) سورة البقرة من الآية 259.
([35]) عمر بن الخطاب للدكتور الصَّلاَّبي ص207.
([36]) سورة الإسراء من الآية 70.
([37]) البقرة من الآية 30.
([38]) سورة المنافقون من الآية 8.
([39]) سورة التوبة من الآية 105.
([40]) سورة البقرة الآية 177.
([41]) سورة الممتحنة الآية 8.
([42]) سورة آل عمران الآية 110.
([43]) سورة لقمان الآية 17.
([44]) سورة النساء من الآية 114.
([45]) من أصول الفكر السياسي الإسلامي للدكتور محمد فتحي عثمان الصفحات 317،316،315.
([46]) من أصول الفكر السياسي الإسلامي للدكتور محمد فتحي عثمان ص148، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة.
([47]) سورة الإسراء الآية 70.
([48]) سورة الإنسان الآية 8.
([49]) العلاقات الدولية في الإسلام للشيخ محمد أبو زهرة ص115،114،106.
([50]) العلاقات الدولية في الإسلام للشيخ محمد أبو زهرة ص8.
([51]) العلاقات الدولية في الإسلام لأبو زهرة ص32.
([52]) من روائع حضارتنا للشيخ السباعي ص103.
([53]) سورة البقرة من الآية 256.
([54]) سورة يونس من الآية 99.
([55]) سورة الغاشية الآية 22.
([56]) سورة الكافرون الآية 6.
([57]) أخرجه البزار.
([58]) سورة الممتحنة الآية 8.
([59]) سورة النور الآية 27 والآية 28.
([60]) قال الهيثمي في >مجمع الزوائد< 8/167: رواه الطبراني والبزار ـ من حديث أنس بن مالك ـ وإسناد البزار حسن.
([61]) الترغيب والترهيب للمنذري.
([62]) أخرجه البخاري (5738)، ومسلم (2218).
([63]) سورة النساء من الآية 135.
([64]) سورة التوبة الآية 71.
([65]) رواه أحمد في >المسند< 6/256، وأبو داود (236)، والترمذي (113)، وهو حديث حسن.
([66]) اقتبست هذه البنود من الندوات العلمية بتصرف.