فلسفة الحضارة

فلسفة الحضارة

كفاحنا من اجل الحياة شغلنا عن التفكير في المثل العليا

للحضارة

ألبرت اشفيتزر

مأمون أحمد مصطفى/مخيم طول كرم

[email protected]

و قد أدى هذا الفراغ الروحي العميق إلى تعطش الناس لأي قطرة إنقاذ. فانتهز كثير من الكتاب و الفلاسفة و العلماء _ بعد أن أصبحت العلوم مجزأة كل علم قائم بذاته _هذا الفراغ، و وجدوا الفرصة سانحة لطرح كل أي جديد على البشرية، و بدأوا بإرسال مذاهبهم على هواها، وفلسفاتهم على نزواتها وعلومهم على علاتها، بلا أي وازع من ضمير، أو أي حرص على مستقبل البشرية الحضاري.

و التفت الناس، فوجدوا أنفسهم حائرين بأي المذاهب يأخذون، وتعقدت عليهم الأمور بنفس التعقيد الذي أحدثته الثورة التكنولوجية من الناحية المادية. فلم يسعهم الأخذ من المبادىء إلا ما يوافق ميولهم و أهوائهم، فانقسمت البشرية إلى كثير من الكتل المتنافرة، و بدأ التناحر و انتشر الحقد، وعمت الفوضى و استولى على مجامع القلوب حب السيطرة، فاشتعلت الحروب و أهدرت كرامة الإنسان، وأصبح كما كان سابقا في بدائيته، مفلسا من كل القيم، وخال من كل المثل. إلا قيم الدمار، و مثل السيطرة. فكان نتيجة ذلك، أن تقوضت أركان الحضارة.

فلسفة الحضارة

الفصل الأول

فلسفة الحضارة

الفصل الثاني

الفصل الثالث

فلسفة الحضارة

الفصل الرابع

إن تجديد الحضارة لا شان له بالحركات التي تحمل طابع تجارب المجموع، فهذه التجارب لسيت إلا ردود فعل تجاه الأحداث الخارجية. لكن الحضارة لا يمكن أن تتجدد إلا إذا نشأت في عدد من الأفراد نزعة عقلية جديدة مستقلة عن تلك السائدة بين الجمهور وفي تعارض وإياه، نزعة عقلية تكتسب التأثير تدريجيا على النزعة الجماعية. وفي النهاية تطبعها بطابعها، ولا سبيل إلى النجاة من الهمجية إلا بحركة أخلاقية، ولا وجود للأخلاقية إلا في الأفراد ". ص(62).

وفي هذا خطأ ليس باليسير علينا إهماله، لأن عملية تحييد الفرد عن الجماعة، والجماعة عن الفرد، لا يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى إحداث حضارة، لأن الفرد هو اصل الجماعة، والجماعة هي اصل المجتمع. والمجتمع السليم هو المجتمع الذي يستطيع أن ينهض بالإبداع الفردي على أساس سليم، وبنفس الوقت يستطيع أن ينهض بالإبداع الجماعي على أساس اخر سليم أيضا، ودمج الإبداعين الفردي والجماعي ببوتقة القوى العقيدية الدافعة بالحضارة إلى القمة والسموق.

فلسفة الحضارة

الفصل الخامس

ولا يعني هذا أن اشفيتزر لم يأت بالخير في بحثه هذا، لا، بل استطاع وبقدرة فائقة أن يصور المعاناة التي يحياها الإنسان الغربي وسط ضجيج المادة والانحلال وفقدان التوازن النفسي، والتبرؤ من القيم والمثل العليا. فنقله إلينا مخلوقا بصورة إنسان تائه في صحراء العدم والفناء. يبحث عن شيء يوصله إلى الإنسانية الحقة التي تتوافق ومظهره ليستطيع الخروج من تلك الظلمات التي تلف صحراء عدمه القابع فيها، فلا يتمكن، (لماذا )؟

إلى هنا فقط استطاع اشفيتزر أن يكون دقيقا كل الدقة في التصوير الحقيقي الناطق للإنسان الغربي، ولكنه بعد ( لماذا ) لم يستطع أن يأتي بشيء يذكر أو يستحق الاهتمام الكبير، لأنه اتجه بنظره نحو المظاهر الشكلية للحضارة، وهذه بدورها ليست أساسا من أسسها. وإنما العقيدة الإلهية والتشريع الإلهي هما الأساس الصلب لصرح الحضارة الحقة، وما الأخلاق والتفاؤل سوى نقش جميل يظهر على جسد تلك العقيدة الربانية وذلك التشريع الإلهي.

وهذا ما لم يستطع اشفيتزر تبينه بوضوح وجلاء، ليتمكن بعد ذلك من صوغ أسباب الانهيار الحضاري على أساس تخلي الحضارة عن هذه الحقيقة، وصوغ طريق عودة الحضارة بضرورة العودة إلى الحقيقة الكبرى...

حقيقة العقيدة الإلهية والتشريع الإلهي.

              

1- نشر هذا البحث في المركز الفلسطيني للإعلام بتاريخ 8- 7-2005.

2 - نشر هذا البحث في منتديات بيت المقدس بتاريخ 8- 7-2005.