محاضرات مجهولة لنازك الملائكة اكتشفها عبدالعزيز السريع

محاضرات مجهولة لنازك الملائكة اكتشفها عبدالعزيز السريع

 

عبدالعزيز السريع


"موسيقى الشعر" كتاب جديد, ينشر للمرة الأولى للشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة, تصدره خلال أيام مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين في الكويت, عشية الاحتفال الذي تقيمه تحت عنوان: "ملتقى الكويت الأول للشعر العربي في العراق"
ويضم الكتاب المحاضرات كانت الشاعرة ألقتها على طلابها في مادة "موسيقى الشعر" في قسم اللغة العربية, كلية الآداب, جامعة الكويت.

أما معدّ الكتاب أو بالأحرى مكتشفه فهو القاص والكاتب المسرحي عبدالعزيز السرّيع الذي كان طالباً في الكلية حينذاك. ونظراً الى أهمية هذا الكشف الذي وافقت الشاعرة - المقيمة الآن في القاهرة - على نشره بعدما اطلعت على نصوص المحاضرات التي ألقتها سابقاً, ننشر هنا المقدمة التي وضعها السرّيع. وضمّ الكتاب أيضاً تقديماً كتبه الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين.
هنا مقدمة السرّيع:

للكتب - كما للرجال - أقدارها وأعمارها, فهناك من الكتب ما ينطفئ حال الانتهاء من كتابته, وهناك ما يبقى إشعاعه عبر القرون, بل يزداد توهجاً كلما مرّ به الزمن, وهناك من الكتّاب من لم يُخلّف سوى كتاب واحد فاشتهر به, وهناك من خلف عشرات الكتب ولم يشتهر بأي منها, وإذا كان العظيم من الرجال هو الذي يسبق زمنه ويترك وراءه من الأثر النافع ما يبقيه حياً على مدى الزمن, فكذلك الكتب تكتسب الخلود من قدرتها على تجاوز عصرها ونصب صوى بارزة لمن يجيء من بعدها تجعله يعيد النظر في كثير من المسلمات وتفتح أبواباً جديدة لتدفق المعرفة وتطورها.
وقد دعا توسع المؤسسة في إقامة دورات علم العروض الى البحث عن كتاب جامع وسلس يضع بين يدي الدارس حقائق علم العروض بمنهج عصري بعيد من التعقيد والتفصيلات المملة وأخذت أبحث في ذاكرتي عن كتاب تنشره المؤسسة يكون عَلَماً في بابه, سواء أطبع سابقاً, أم لم يطبع بعد, وتذكرت فجأة المحاضرات التي ألقتها الشاعرة المبدعة الأستاذة نازك الملائكة على طلبة قسم اللغة العربية في جامعة الكويت في العام الدراسي 1976/ 1977 - وكنت من ضمنهم - وعلى الرغم أن الظروف, آنذاك, لم تتح لي سوى الاستماع الى بعض هذه المحاضرات فقد كنت مشدوداً الى طريقة الاستاذة نازك الفذة في تذليل هذا العلم الصعب والجاف, وعرضه بطريقة جذابة للطلبة. وبقيت هذه المحاضرات يتداولها الطلبة كمذكرات منسوخة على الآلة الكاتبة, من دون أن
تتاح لها الفرصة للنشر.
وعدت الى أوراقي بلهفة لعلّي أجد هذه الأوراق الفريدة, ومن يُمن الطالع أنني عثرت على هذه المحاضرات كاملة, فأحسست بسعادة غامرة وكأنني وقعت فجأة على كنز ثمين.
وعرضت هذه المحاضرات على صديق لي أثق بخبرته في العروض, وهو من الأكاديميين المشهود لهم بالكفاية علماً وخلقاً, وبعد أن قرأها أبدى اعجابه الشديد بهذه الأوراق وقال انها ثروة علمية لا تقدر.
ووصلت هذه الأوراق الى يد السيد رئيس مجلس الأمناء ونالت منه الذروة من التقدير والاستحسان, وطلب منا أن نكتب الى الأستاذة نازك نستأذنها في طبع هذه المحاضرات من قبل المؤسسة واعتمادها كمرجع أساس للطلبة في الدورات التي تقيمها المؤسسة في عدد من البلدان العربية لتدريس علم العروض.
وكانت استجابة الأستاذة نازك لرغبة المؤسسة السريعة مبعث حبور لنا إذ أتاحت للمؤسسـة نشـر هــذا الأثر النفيس وتقديمه هدية للقارئ العربي ولهواة الإلمام بقواعد موسيقى الشعر.
وإذا كانت الأستاذة نازك بقدرتها الإبداعية الفائقة قد انتقلت بالشعر المعاصر نقلة كبيرة تتجاوب مع التحول الخاطف في المشهد العربي, وفتحت أمام الجيل الجديد مسارب مبتكرة تستوعب فرادة رؤاهم وخصوصية نوازعهم فأصبحت بذلك رائدة من رواد الحداثة في الشعر العربي المعاصر, فإنها في هذه المحاضرات عن موسيقى الشعر العربي تنهج السبيل نفسه, فلم ترض الأستاذة نازك باستنساخ كتب العروض السابقة بشواهدها ومصطلحاتها ومسلماتها, وأن تبدأ وتنتهي من حيث انتهى من قبلها كما فعل معظم المؤلفين في هذا العلم, بل أعادت مساءلة هذا العلم بنظرة نقدية فاحصة, ولم تقنع بالنتائج التي توصل اليها الآخرون بل ارتدت مسوح العالم النزيه الذي يشكّك بكل ما يصادفه ولا يُثبت إلا ما أكدته التجربة, فاستندت الى الشعر قديمه وحديثه في محاكمة رواسخ هذا العلم فرفضت ما رفضت وأثبتت ما أثبتت, ولم تحصر همها في الشعر القديم حيث الأبيات المكرورة في كتب العروض, بل ركزت نظرتها على الشعر الحديث الذي لم يلق العناية العروضية الكافية, لتستخلص منه أغلب الشواهد, ولكي تبين ما أضافه هذا الشعر الى الموسيقى الشعرية.وبهذا يصبح هذا الكتاب القيم الذي تسعد مؤسستنا بنشره معلماً بارزاً لعلم العروض في المكتبة العربية.وإذ أحيي الشاعرة الكبيرة على عطائها الفريد في مجالي الشعر والنقد, وعلى تجاوبها الحميد مع رغبة المؤسسة, آمل أن يرى القرّاء في هذا الكتاب مورداً عذباً يروي تطلعهم الى استيعاب هذا العلم الذي يجعل من قيود العلم منصة لانطلاق الخيال.