ثمانون عاماً بحثاً عن مخرج ، تأليف : الشهيد صلاح حسن
ثمانون عاماً بحثاً عن مخرج
للشهيد صلاح حسن
عرض : عبد الله الطنطاوي
هذه رواية بديعة، صاغتها يراعة أديب متمكن من فنّ الرواية والقصص، بأسلوب عربي مبين، عصريّ وأصيل، يجذب إليه القارئ، ويستولي على أقطار نفسه، بما أوتي من عنصر التشويق والجذب إلى الأحداث التي ابتدعها خيال محلّق.
تجري حوادث القصة عبر رحلة خيالية رامزة، قام بها الأصدقاء الفتيان الثلاثة: الأمين، وهشام، وعامر، وسبب هذه الرحلة، ما حكاه رجل عجوز ضاع أوتاه في بيت عجيب المداخل والمخارج، أمضى فيه عمره، ثم هداه الله إلى المخرج من رحلة الضياع بعد ثمانين عاماً، عاد بعدها إلى قريته ليرى كلَّ شيء قد تغيّر.. الناس، والقرية.. عاد ليقصّ على أهل قريته ما جرى معه في رحلة الضياع، واستمرّ في حكاياته مئة يوم.
سمع الأمين قصة الرجل العجوز من جدّته، ثم اتفق مع صاحبيه على القيام برحلة إلى ذلك البيت العجيب، القائم فوق الجبل المطلّ على قريتهم من بعيد.
بدؤوا الرحلة، وكان الجبل على علْم بما عزم عليه الأصدقاء الثلاثة، فصار يسير نحوهم، ليقطعوا المسافة إليه بسرعة، وبلا تعب.أو هكذا خُيِّل إليهم، لشدّة الشوق إلى اكتشاف المجهول.
وصلوا إلى سفح الجبل، وتسلّقوه، ثم لم يلبثوا أن وجدوا أنفسهم أمام البيت المهجور الذي تاه فيه العجوز.. ثم تبدأ الأحداث المثيرة عبر وصف جميل لحال الفتية، والبيت، والطبيعة، والحوادث التي لم تتمّ، لأن المؤلف آثر الشهادة في سبيل الله.. في سبيل القضية التي كانت توجّه حياته الوجهة التي أرادها لنفسه، ولإخوانه، ومن أجلها كتب روايته الرمزية هذه.
الروائي الشهيد صلاح حسن معلّمٌ ومربّ، وداعية، حاول في هذه الرواية أن يغرس قيم الإسلام ومبادئه وأخلاقه في نفوس الأجيال الجديدة المتوالدة في بيئات عربية مسلمة اجتاحتها شياطين الغزاة بمبادئهم الدخيلة، لتطمس على قلوبهم، فينحرفوا ذات اليمين وذات الشمال، فاقدي الهويّة، تائهين ضائعين، لا يكادون يهتدون سبيلاً أقيمت على جوانبه المعالم والصُّوى.
إنه كاتب ملتزم، يتفاعل مع الإسلام وقضايا المسلمين، ويتحرّق لنصرة فلسطين، وتربية الجيل التربية التي تحفزه لنصرتها وتحريرها من الغزاة المحتلين الذين طردوا أهلها منها، واستوطنوها، بتواطؤ دولي، وخيانات إقليمية.
إن قضيّة فلسطين هي قضيّة المؤلف وروايته، عرضها بأسلوب فنيّ بعيد عن المباشرة، قد لا يعيها القارئ العاديّ غير المسيَّس، أما القارئ الواعي لما يجري على هذه الأرض المباركة، المبارك ما حول مسجدها الأقصى الأسير، فإنه يستطيع أن يرجع الأسماء إلى مسمَّياتها، ويعرف ما جرى وما سيجري.. خلال ثمانين عاماً وما بعدها، عندما يعي المعنيّون بهذه القضيّة، المخلصون لها، طريق الخلاص، طريق الجهاد الذي لا طريق سواه، وهو الطريق الذي سلكه المؤلف، وآثر الشهادة عليه، على سائر الشهادات الأخرى، ومنها شهادة الإبداع في فنّ الرواية.. آثر الشهادة من أجل فلسطين، على الشهادة والجوائز والحوافز الدنيوية الزائلة.. ترك القلم، ولبس لأْمَتَه، ونوى الشهادة في سبيل الله تعالى، ثم أقدم، دون أن يتمّ ما بدأ به.. وليت روائياً مبدعاً ذا خيال خصب، يتمّ هذا العمل، وليت كتّاب سيناريوهات الأطفال، يقدّمون لأطفالنا هذه الرواية، على شكل سيناريو كرتون.. مسلسلاً أو فيلماً كرتونياً بديعاً يشدّ إليه الكبار والصغار معاً، لما فيها من حوادث متخيَّلة، حافلة بالأهوال والعجائب.
قرأت الرواية في شبابي فأعجبت بها، وقرأتها في كهولتي وشيخوختي، وطلبت من أولادي وحفدتي أن يقرؤوها، فقرؤوها، وجذبتهم حوادثها المشوّقة، وأثارت في كل من قرأها تهيُّؤات ورؤى، هذا وهي رواية مقروءة، فكيف إذا ظهرت فيلماً لكاتب سيناريو مبدع، ولمخرج مبدع؟ وكيف إذا ظهرت مسلسلاً كرتونياً؟.
تُرى.. لماذا ثمانون عاماً؟
لماذا هذه التحديد؟
هل هو رؤيا مستقبلية لما ينتظر هذه المنطقة المرشَّحة لحدوث أهوال فيها، لتحقيق رؤى صليبية وأحلام صهيونية وأطماع بثروات هائلة تكتنزها هذه المنطقة، ويسيل لها لعاب الأفاعي وإخوة القردة والخنازير وعملائهم.
لا بدّ من إعمال العقل لفكّ رموز هذه الرواية، وما يعنيه كل إنسان وكل حيوان وكل حادثة فيها.. ماذا يعني العجوز، والجبل، والبيت المهجور، والفيلة الكبرى، والزوجات الكثيرات، والطيور.. أمّا القرد والقرود، فمعناها والمرموز بها إليه أو إليهم.. مبتوت أمرهم، معروفون بسيماهم من أثر الغدر والعهر والفجور..
إنها رواية حافلة بالرؤى والأهوال..
وإنه كاتب متميّز آثر الفردوس الأعلى على الحُطَام..
رحمه الله رحمة واسعة.