هي هكذا
كيف نفهم الأشياء من حولنا
(30 سنة إلهية في الأنفس والمجتمعات)
أيمن بن أحمد ذو الغنى
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
العنوان |
هي هكذا.. (كيف نفهم الأشياء من حولنا) |
الموضوع |
30 سنة إلهيَّة في الأنفس والمجتمعات |
المؤلف |
أ. د. عبدالكريم بكَّار |
الصفحات |
254 صفحة |
الناشر |
مؤسسة الإسلام اليوم- إدارة الإنتاج والنشر، المملكة العربية السعودية |
لله في كونه سنن ثابتة لا تتغير، ونواميس مطَّردة لا تتخلَّف، وقد أخبرنا ربنا سبحانه عن هذه السنن بقوله: {فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا}، وهذه السنن الثابتة تشمل آفاقًا رحبة في الحياة والكون.. منها سنن إلهية في الأنفس البشرية والمجتمعات الإنسانية، ولا ريب أن معرفة هذه السنن وإدراك كنهها، يعين الإنسان على الارتقاء بنفسه، والتحليق في سماء الإبداع والتأثير، وتحقيق الطموح في الوصول إلى الرضا والسكينة، ليكون عنصرًا فاعلاً ومفكرًا مصلحًا، يعرف ما يريد، ويحسن التخطيط لحياته ومستقبله، وفق رؤى واضحة، ويمضي في دروب النهضة بخطوات واثقة، وعزيمة قوية.. فيكون نجاحه عمادًا لرقيِّ المجتمع كله في ميادين الحياة كافَّة..
ولما كانت معرفة هذه السنن في هذه الدرجة من الأهمية، نهض سعادة المفكر والمربي أ. د. عبد الكريم بكار للتعريف بثلاثين سنةً إلهية في الأنفس والمجتمعات، يجلو بها كثيرًا من الحقائق، ويدفع كثيرًا من الأوهام والقناعات المغلوطة الراسخة في الأذهان، ويميط اللثام عن الجادَّة القويمة الموصلة إلى ما تنشده النفس من طمأنينة ونجاح.. ويقدم بها أفكارًا إصلاحية نيِّرة، ويلفت الأنظار إلى قضايا مهمة ينبغي العناية بها، لمن يتطلع إلى الخير والسلام في النفس والمجتمع.. وقد شكلت هذه السنن الثلاثون الجزء الأول من كتابه الجديد (هي هكذا.. كيف نفهم الأشياء من حولنا).
وحملت هذه السنن المختارة عناوين واضحة الدلالة، منها:
الإنسان حب غير محدود للمال، تعارض المبادئ والمصالح مَعقد ابتلاء، الإنسان كائن مستهلك، الإنسان صاحب رغبات متعارضة، رفاهية الروح رهن بالتطوع، نحن من جنس ما نهجس به، فهم الماضي شرط لفهم الحاضر، إرادات الناس محور الفروقات بينهم، الإنسان ابن تربيته، ليس هناك شخص أو شعب هو مجموعة سيئات، ثقافة السلعة تهزم ثقافة الروح، العواطف ميالة إلى التطرف، الوعي بالذات فرع عن الوعي بالآخر، أنت لا تستطيع أن تجمع بين كل الخيارات، المكان يصنع المشاعر.
قدم المؤلف للكتاب بتمهيد مهم، ذكر فيه أن أمة الإسلام تعيش في أيامها هذه صحوة كبرى على صعيد الوعي بأوضاعها وأحوالها، وفهم الواقع واستشراف المستقبل. ثم أورد سبع ملاحظات بين يدي السنن أشبه بنافذة رحبة يطل منها القارئ على فكرة الكتاب والأسس التي قام عليها والغايات التي قصدها:
بين في الملاحظة الأولى الفرق بين الفكر والعلم، والفرق بين الفكر والتفكير، موضِّحًا أن التفكير عمليات ذهنية وشعورية، وأن الفكر منهج وطريقة في فهم الوجود والتعامل مع مظاهره وأحداثه. إن المرء يجد كتبًا في التفكير العلمي والنقدي والموضوعي، وفي عيوب التفكير وأخطائه، وهذه الكتب بلا شك تنفع في تحسين سوية التفكير عند قارئها، ولكنها لا تصنع شخصًا مفكِّرًا؛ لأن الفكر أكبر من أن يودعَ في عدد من الكتب، أو يُتلقى في عدد من الدروس. الفكر: مفاهيم ورؤى ومنهجيات يمتلكها المفكر ويبدعها. ومن ثَم يكون العمل الجوهري للمفكر هو صناعة المفاهيم. والمفكر لا يتخصص في علم من العلوم ولكنه يقرأ في جميع التخصصات وينال حظًّا من جميع العلوم، ولا يكتفي بالتلقي ولكن يقوم بتأمل الأفكار وتطويرها وتنقيتها وإخصابها، حتى يتملك رؤية نقدية نافذة عميقة للحياة والمجتمع، وهذه الرؤية هي الحد الفاصل بين العالم والمفكر، بل هي التي ترتقي بالعالم إلى رتبة مفكر.
ويذكر في الملاحظة الثانية أن من مظاهر رحمة الله بالبشر أنْ جعل في كونه سننًا ثابتة وقوانين مطَّردة، أعانت الإنسان على السيطرة على كثير من مظاهر الطبيعة، وعلى حسن التعامل مع عناصر الكون، ولولا هذه القوانين والسنن لكان الإنسان في شلل كامل وعجز تام عن التنبُّؤ بما يمكن أن يحدث، وعن مراكمة المعارف والخبرات والتجارب، وعن توليد أفكار موثوقة يمكن الاعتماد عليها. ثم إن هذه السنن مظهر من مظاهر عدل الله سبحانه، إذ هي ماضية على الجميع لا تفرق بين فرد وآخر ولا بين أمة وأخرى.
وفي الملاحظة الثالثة يتناول الدكتور بكار موضوع السنن والطبائع مبينًا أنها فطرية خَلقية غير مكتسبة ولا مصنوعة، فإن من طبيعة النار مثلاً الإحراق، ومن طبيعة الماء السيولة، والتجمد في درجة صفر مئوية، والغليان في درجة مئة. إن الإنسان وسائر المخلوقات لا تنفك من طبائعها المفطورة عليها، وإن طبائع الشيء وخصائصه حين تتجلى في سياقات وظروف متكررة تسمى تجلياتها سنة أو قانونًا أو ناموسًا. أما في المجال النفسي والاجتماعي والحضاري وكل ما له صلة بالإنسان فإن سنن الله تعالى فيه هي أحكام ربانية ماضية لا تتخلف، اقتضتها مشيئة الله تعالى وحكمته البالغة.
ونبه في الملاحظة الرابعة على أن اكتشاف طبائع الأشياء المادية والسنن التي تحكمها أيسر بكثير من اكتشاف الطبيعة البشرية وسنن الله تعالى في الأنفس والمجتمعات؛ وذلك لأن الناس يتفاوتون في طبائعهم وإراداتهم وتطلعاتهم، والفرد الواحد يتقلب في توجهاته ولا يبقى على حالة واحدة.. وهذا يجعل الحديث عن أي شأن من شؤون الإنسان يستند إلى مبادئ وأسس غير صلبة ولا ثابتة، وبذلك يكون ارتباط المقدمات بالنتائج في الحقل الإنساني غير واضح وغير مضمون، ومن ثَم لن تعدو السنن والطبائع المذكورة في الكتاب أن تكون ملاحظات ومقاربات واجتهادات غير يقينية ولا قاطعة.
وتعمد الكاتب أن يُعرض عن السنن المشهورة المتداولة المتفق عليها، رغبة في تقديم الجديد؛ لأن الفكرة الجديدة تستحق أن يحتفى بها، ولو أثارت شيئًا من الجدل. وليست الغاية من عرض هذه الأفكار الجديدة إثارة الجدل للجدل، ولكن إثارته لشحذ الأذهان ولفت الانتباه، والإفادة من نتائج النقاش والحوار بشأنها بين قابل موافق، ورافض معرض.
أما الملاحظة الخامسة فكشف فيها المؤلف عن الغاية من تأليف الكتاب والحديث فيه عن السنن الربانية وطبائع الأشياء، وهذه الغاية تتجلى في السعي إلى بناء عقل علمي منطقي منهجي، يحوِّل المعلومات والمعطيات والظواهر المشتتة والمبعثرة إلى أصول ونماذج بوساطة التحليل المنطقي والتأمل العميق. ولا ريب أن العقل المنهجي الذي نسعى إلى إيجاده قادر على أن يستخرج من الوقائع اليومية ما تضمره من دلالات ومعان، تساعد على إنارة السبل للتعامل الرشيد معها. وهنا تتبدى أهمية تملك رؤية منهجية؛ إذ مَثَل من يملك معلومة كمَثَل من يملك قطعة ذهبية، أما من يملك رؤية منهجية فهو كمن يملك مفتاح مخزن للذهب. إن العقول الثرية حقًّا هي التي تملك المقولات المرتبطة بالسنن وطبائع الأشياء، إضافة إلى الملاحظات الذكية على الظواهر العامة، وهي جميعًا تمثِّل مفاتيح للفهم والتبصُّر.
وأما السادسة فأبان فيها أن كل إنسان قادر على اكتشاف سنن الله تعالى في الكون؛ شرط أن يبحث عنها وفق منهج صحيح، وبأدوات سليمة قويمة. ومن هنا نلاحظ أن الأمم التي أنشأت الجامعات الممتازة ومراكز البحوث والدراسات المتقدمة هي الأمم التي تكشف اليوم عن سنن الله تعالى في الخلق، وهي التي تنتج النظريات وتطور النظم والأشياء.
ويجيب في الملاحظة الأخيرة عن سؤال مهم وملح، هو: كيف يتأتى لنا معرفة طبائع الأشياء والسنن التي تحكمها، وما وسائل ذلك؟ ويرى أن ذلك يتأتى بعدة أمور، أولها القراءة الجادة والاطلاع الواعي على المؤلفات المصنفة في الموضوع الذي نود معرفة طبيعته والسنن التي تحكمه. وثانيها إنعام النظر في كتاب الله الكريم، الذي يتناول في كثير من آياته قضايا الإنسان وميوله وغرائزه وتطلعاته، ومثل هذا نجده أيضًا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأتي بعد ذلك التأمل الشخصي في كل ما يحيط بنا ومحاولة استخلاص المفاهيم الدالة على النظم والقوانين التي تحكم حياتنا، ويحسن بالمرء أن يعرض على أهل المعرفة والخبرة نتائج تأملاته ليتحقق من صحة ما وصل إليه. ولا بد أخيرًا من تدريب النفس على التقاط الإشارات الذكية والإلماحات الدقيقة التي تصدر عن بعض المفكرين والعلماء، وإعمال العقل والفكر فيها، والبحث عن تطبيقات عملية لها.
وختم الدكتور بكار كتابه بثبت بالأفكار والمقولات العامة الواردة فيه، صيغت صوغًا دقيقًا معبرًا، يجمع بين الإيجاز وعمق الفكرة، وهي أشبه بقواعد وحكم جديرة بالحفظ والتأمل.
وسأتخير طائفة من هذه العبارات لتكون دالة على ما وراءها:
- المقولات المنهجية تمدنا بمفاهيم لا تقدَّر بثمن.
- الملاحظات الذكية على الظواهر العامة مفاتيح للفهم والتبصر.
- المعروض من المال أقل من المطلوب، ولذلك سيبقى التسابق إلى الاستحواذ على أكبر قدر منه مصدرًا للنزاع والاختلاف.
- كلما انخفض المستوى العلمي للشخص ازداد إقباله على الاستهلاك.
- استهلاك الإنسان للأفكار لا يدل دائمًا على أنها فقدت صلاحيتها، لكنه يدل على تشبعه بها، كما يتشبع الإسفنج بالماء.
- السائد من الأفكار يدفعنا إلى الأمام مسافة محدودة، وعلينا أن نبحث عن أفكار جديدة إذا رغبنا في انطلاقات أخرى.
- ليس الطفل أشبه بالعجين الذي يستجيب لأي تشكيل؛ لأن له فطرته وطبيعته الخاصة.
- كلما ارتقت البشرية في سلم الحضارة زادت المدة المطلوبة لتهيئة الأبناء لخوض غمار الحياة.
- البنية النفسية للإنسان هشة، إذ تستخفه كلمة ثناء، وتفتنه نظرة، وتقض مضجعه كلمة.
- لا يمكن للمرء أن يؤذي مشاعر الآخرين دون أن يؤذي نفسه.
- لا يتأتى للكاتب أن يكتب لكل الناس؛ فإذا ربح الصفوة خسر العامة، وإذا ربح العامة خسر الصفوة.
- تتمثل أناقة الروح في تلك المشاعر الدافئة التي تغمرنا حين نتجاوز في أعمالنا مرحلة الواجب إلى مرحلة التطوع والتبرع.
- لا يمكن للمرء في أخلاقه وسلوكه أن يكون شيئًا غير ما يهجس به في خلواته.
- على مدار التاريخ كان الإنسان مرتبكًا في إدارة القوة التي بين يديه، وحالات إخفاقه في هذا المجال أكثر من حالات نجاحه.
- الحياة الاجتماعية الجيدة تحتاج إلى نوع من الهندسة تجعل الكفاح من أجل الحياة الكريمة مطلبًا مستمرًّا.
- التقدم الخلقي والاجتماعي ثمرة التوازن الدقيق والخفي بين ما نأخذه من الحياة وما نقدمه لها.
- لا ينظر العقل إلى الأشياء بعيون مجردة، ولكن عبر غشاء من الثقافة التي غذِّي بها.
- المشاعر صمَّاء عمياء، فهي تتولد داخل النفس بعيدًا عن المعطيات الصحيحة والموازين الدقيقة.
- لسان حال الشيوخ يقول: كنا نشتهي الشيء ولا نجده، فلما وجدناه فقدنا الشهية.
-كثيرًا ما نخلط بين التمني والإرادة، والدليل على وجود الإرادة الأخذ بالأسباب والعمل الحثيث للمستقبل.
- في مواقف كثيرة يستحي الناس من قول: لا نريد، فيقولون: لا نستطيع!
- ضعف الثقة بالنفس سبب رئيس من أسباب ضعف الإرادة لأنه يدفع بصاحبه في اتجاه العاجزين والباحثين عن مكان في المؤخرة.
- الضمير الكائن في قلوبنا له قدرة محدودة على التحفيز والحض وعلى الردع والزجر، وينبغي ألا نرجو منه أكثر مما يستطيع.