البَوْح
عرض: يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
المؤلف: وليد قصاب
مجموعة قصصية ضمت خمس عشرة قصة، عالجت عدداً من القضايا الاجتماعية، وكشفت للقارئ عواقب هذه المشكلات دون أن يتدخل المؤلف في توجيه الحدث أو وضع نهاية له بحسب وجهة نظره؟! فهي تقتحم عالم الفقراء والمعوزين، وتتحدث عن معاناتهم التي تتضخم يوماً بعد يوم لسبب من الأسباب!!
ففي قصة (البوح) كره نفسه لشدة تملقه لرؤوسائه وانقسمت ذاته إلى شخصيتين تتصارعان، إحداهما توبخه على هذا المسلك، والأخرى تبرر له هذا العمل، وقد انسحب هذا السلوك على حياته الاجتماعية فهو يعتقد شيئاً، ويظهر شيئاً آخر حتى في بيته، وحين عجز في الواقع عن الانتصار على المسلك الأول، قام الحلم بالتعويض عن هذا العجز؟! وفي قصة (الزميلان) عاش ممزقاً بين زوجته التي ملت حياته موظفاً بائساً وبين الواقع الجديد الذي تجاوز أمثاله، فتصور أن يجد الحل عند أحد زملائه القدامى من حديثي النعمة، فخاب آمله؟!
وفي (الكابوس) أرغم على اعترفات يريدها المحقق، وحين طلب منه أن يوقع وجدوا أن اسمه (عبد المسيح) والمطلوب هو (عبد الرحمن) ومع ذلك فقد أصر المحقق الألمعي أن يوقع باسم عبد الرحمن؟!
وفي (بديعة الدوماني) سافر وتركها سنوات طويلة، ثم عاد ليبحث عنها ويحقق حلمه بالزواج منها، ففوجئ بأنها تعمل راقصة، فأراد استنقاذها فاندفع رجلان غليظان يقتادانه بعنف خارج الملهى ليوسعاه ضرباً وشتماً. وفي (حادثة من أيام الطفولة) تكتشف ابتسام سر موت صديقتها قمر بعد سنوات من رسالة استودعتها مع أخيها الصغير لحين عودتها، فعلمت أنها اختارت الموت على العار بعد زواجها من ذئب في صورة زوج؟! وفي (امرأة أخرى) نغصت عليه جميلات الفضائيات حياته، فلم يعد قانعاً بزوجته الطيبة الطائعة، فأرادها أن تكون كإحداهن تبرجاً ودلعاً عن طريق معهد عصري، فغدت كما يريد جمالاً وخفة، ولكنه خسرها زوجة شريفة؟! وفي (الانتظار) تصوير للنفاق الاجتماعي الذي ابتليت به الدوائر والمؤسسات وحتى المستشفيات، فكل شيء يتغير ويتبدل ويتحول لأن زوجة سيادته آتية لإجراء فحوصات طبية!!
وفي (حافظة النقود) سوء الظن بالناس واتخاذ موقف منهم لهاجس من الهواجس يوقع في حالات يكتشف سيء الظن أو غيره، بعد مدة، مدى الخطأ الذي جرته إليه ظنونه؟!
وفي (يوم امرأة عاملة) شَغَلَتها زينتها ووظيفتها عن منزلها حتى كادت تفقد زوجها ابنتها المنجذبين إلى الخادمة التي أخذت مكانها في البيت فقررت العودة إلى المنزل لأنه جنتها كما قال لها زوجها ذات يوم؟! وفي (الشاعر والمسابقة) عندما يصبح الفن وأهله في بؤرة اهتمام الإعلام، وتصبح المعرفة بهم مجالاً للربح في المسابقات، ينزوي الأدب ويُجهل قدرُ الأدباء، ليجتمع عليهم تعاسة العيش، وقلة الاعتبار؟! أما قصة (الميتتان) فصورة من أدب الحرب، تنقل حدثاً من واقع المعارك التي كانت مستمرة مع يهود، من خلال مقاتل سبقه رفاقه إلى الميتة التي أرادوا، فلم يقعوا في الأسر ليموتوا أذلاء، فانطلق يغذ السير خلفهم ليلحق بهم!
وفي (العيد) رصد لواقع يعاني منه كثير من البسطاء، وانعكاس ذلك على أسرهم. وهم يرزحون تحت وطأة الحاجة، فتتوحد المعاناة وتتحول إلى عاطفة صادقة يحس بها الجميع حين سقط الأب من شدة الحزن؟! وفي (الوصية) صورة من صور الانتفاضة من خلال فتاة تنفذ إحدى العمليات الجهادية وتوصي أمها ألا يعلم بها أحد، لأنها خرجت في سبيل الله؟! وأما في (طبق البرغل) ترك المدرسة وانضم ليعمل مع والده، الذي لم يلبث أن توفي، فوجد نفسه مسؤولاً عن أمه وإخوته، حتى إذا كبروا وحملوا أعباءهم بأنفسهم، تزوج فاستبدل هماً بهم، وأعباء بأعباء، وبقيت عجلة الركض وراء اللقمة تدور، وأيقن أنها لن تتوقف بعد ذلك؟! وأما قصة (مرشدة) فتتحدث عن الإنسان المتردد، وكيف يضيع الفرص فقد رغب بها لجمالها ولدينها، وردت كثيراً من الخاطبين حتى لم يبق لها عذر تزوجت، فأحس بتفاهته وخيبة أمانيه حيث لم يحزم بسرعة أمراً ذا شأن ؟!
تترك هذه المجموعة في نفوسنا انطباعاً حزيناً على شخصياتها، لأننا نعرف كثيراً من معاناتها، ولكن الكاتب قدمها لنا من خلال انتقائية فنية بعد أن وفر لها الصدق والحيوية، وقد استقاها من المحيط العام وهي ممن غلبت هموم المعيشة القاسية على حياتها، فعاشت صراعاً مع النفس (البوح) أو مع الزوجة والمجتمع (طبق البرغل – العيد – الشاعر والمسابقة)، وقد نال المرأة كثير من القهر والحرمان المادي والعاطفي، بسبب التغيرات الاجتماعية المفاجئة والمتواصلة فاحتجت أو انحرفت أو سكتت على مضض، وهي تناسب ذوي الثقافة المتوسطة.
الناشر: دار الفكر بدمشق /ط1/ 1423هـ/ 2002م.
الحجم: 120 صفحة – مقاس 20X14