قراءة في كتاب الجهاد من أجل القيصر
محمد هيثم عياش
برلين /03/08/14/ ربما هناك قلة قليلة من خبراء علوم الاستشراق من المسلمين العرب وغيرهم على دراية بدور بعض المستشرقين الاوروبيين في تحريض المسلمين المشاركة بالحرب العالمية الاولى التي اندلعت قبل مائة عام ، أي فيما يعرف بازمة تموز/يوليو التي نجمت عن تصفية ولي عهد النمسا فرانس فرديناند / 1863- 1914 / في سراييفو ، تلك الازمة التي منيت بها الدبلوماسية الاوروبية للحيلولة دون اندلاع الحرب العظمى الاولى المعروفة لدى قدامى تركيا وبلاد الشام بـ / سفر برلك / . الدبلوماسية الاوروبية لم تكن في ذلك الوقت في صالح عدم الحرب بل ساهمت باندلاعه جراء تأييد الدبلوماسية لاطماع القوى العظمى والتي تحب إبقاء سيطرتها على اوروبا . المانيا واسرة هابسورج كانت تسعى لابقاء نفوذهما في اوروبا وروسيا وفرنسا وبريطانيا كانت تزاحم الدولتين المذكورتين على النفوذ بالعالم .
كانت العلاقات بين القيصرية الالمانية ودولة الاسلامية الخلافة العثمانية جيدة وقوية ، فهي علاقات مصالح للعداء بين دولة الخلافة والقيصرية الروسية والعداء بين القيصرية الالمانية والروسية ، اي ان القيصرية الالمانية استغلت العداء العثماني الروسي من خلال ما يُطلق عليه بالأدب والتاريخ الدبلوماسي / عدو عدوي صاحبي / . ولما شاركت الدولة العثمانية بالحرب العالمية الاولى الى جانب المانيا والنمسا ضد روسيا وبريطانيا وفرنسا طلب القيصر الالماني / فيلهلم الثاني 1859 – 1941 / من المستشرق الالماني ماكس فون اوبنهايم / 1860 – 1946/ فتح مكتب للجهاد يدعو المسلمين للجهاد ضد فرنسا وبريطانيا وروسيا وذلك في ساحة باريس التي تقع عليها بوابة براندينبورج .
ومن أجل كسب الكثير من المسلمين لدعم القيصر الالماني فيلهلم الثاني قام فون اوبنهايم ببناء مسجد بمنطقة فونسدورف التابعة لقرية تسوسين التي يصل بعدها الى الشرق من العاصمة برلين الى حوالي 42 كلم هذا المسجد الذي بني عام 1899 من خشب لا يزال شاهد حي على تاريخ تلك الحقبة .
ويعود سبب طلب القيصر الالماني فيلهلم الثاني من المستشرق فون اوبنهايم تأكيد المستشرق الذي عاش ببلاد الشام اكثر من اربعين عاما بأن روح الجهاد سارية في شرايين المسلمين وعلى استعداد للتضحية من اجل شتيفان كرويتسر الاسلام ولا سيما للحيلولة دون قيام دولة لليهود على ارض فلسطين من خلال تحذيرات أطلقها سياسيون مسلمون عرب مثل محب الدين الخطيب وشكيب ارسلان من تشجيع اوروبا الهجرة اليهودية الى فلسطين بدءا بوعد بلفور والمراسلات التي اكتشفت بين شريف مكة الحسين بن علي ومكماهون والتطورات التي نجمت عن إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني / 1842- 1918/ .
ويرى صاحب كتاب / الجهاد من أجل القيصر / للمؤرخ النمساوي شتيفان كرويتسر ان / الدعوة الى الجهاد / تعتبر الرصاصة الاخيرة التي يستطيع كل حاكم مسلم اطلاقها ضد المستبد وضد اي عدو يريد استباحة دولة اسلامية والقيصرية الالمانية التي كانت على علاقة قوية مع العثمانيين استغلت المسلمين بدعوتها هذه فقد وصل عدد الذين تهافتوا على قرية فونسدورف حوالي اثنا عشر الف مسلم قام جيش القيصرية الالمانية بتدريبهم على استعمال سلاح ذلك الزمن ، وان أي حاكم مسلم موثوق به يدعو المسلمين الى الجهاد من اجل تحرير فلسطين لن يتخلف عن دعوته اثنان . لقد استغلت الولايات المتحدة الامريكية والغرب الشباب المسلم بدعوتهم للجهاد من اجل تحرير افغانستان من الشيوعيين ولكنها لما استطاعت تحقيق بغيتها بازاحة السوفييت غدرت بالمجاهدين العرب وغيرهم من المسلمين كما غدر الغرب بالمسلمين الذين قاموا بالدفاع عن البوسنة اثناء حرب البلقان ولولا جهاد الشباب المسلم ودفاعهم المستميت على سراييفو لسقطت بايدي الصرب والكروات واصبح المسلمون بتلك المدينة وعموم أثرا بعد عين .
ويتطرق كرويتسر في كتابه الى دور شريف مكة الحسين بن علي بقيام دويلة للصهاينة على ارض فلسطين فيؤكد ان الشريف المذكور كان قد وافق ضمنيا على اعطاء فلسطين للصهاينة ورفضه لوعد وعود بلفور اليهود الاوروبيين برغبة الملكة فيتكوريا قيام دويلة وطنية لليهود في فلسطين انما كانت سطحية وموافقته السرية كانت شريطة مساعدة الاوروبيين له للحيلولة دون توسعة الامام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سلطانه بعد استرادد الرياض من ىل الرشيد عام 1901 .
والكتابة عن تاريخ حقبة المائة عام الماضية فيها إحراج كبير فاولا واحفاد الاسرة الهاشمية يعيشون بيننا فالناقل للتاريخ احد الشاتمين والمتشمتين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم / لا يشتم ميت بحي / .
أما سبب اختيار فون اوبنهايم منطقة فونسدورف لمشاركة المجاهدين المسلمين بالحرب لموقع القرية بين واد صغير يصعب وصول طائرات الحلفاء اليه وخوفا من قيام الحلفاء بضرب مسجد برلين الذي ينته الدولة العثمانية عام 1789 وهذا المسجد يعتبر تحفة من الفن الاسلامي المعماري العثماني فتضيع بذلك بهجة المدينة .
وماكس فون اوبنهايم صاحب دعوة المسلمين الى الجهاد يعتبر احد كبار المستشرقين الالمان والاوروييين على الاطلاق فهو ابن عائلة كاثوليكية من مدينة كولونيا تملك مصارف لها اقارب يهود من بينهم أصحاب مصارف روتشيلد وغيرهم ، كان واسع الثقافة ملم بالعربية الفصحى اضافة الى اللهجات دبلوماسي كان سفيرا للخارجية الالمانية ببلاد الشام ولدى الدولة العثمانية وتشير بعض وثائق الخارجية الالمانية بانه صحب الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود باسترجاعه الرياض من آل الرشيد وهو صاحب الصحافي النمساوي محمد أسد / ليوبولد فايس 1900 - 1992 / الذي كان أحد اصدقاء الملك عبد العزيز وصاحب كتاب الطريق الى مكة ، اضافة الى انه عالم ومكتشف للآثار وله اليد الطويلة والفضل باكتشاف مملكة تل حلف الواقغة في شمال شرق سوريا التي يعود نشأتها الى الالف الثاني قبل الميلاد بل ويقول المؤرخون انها تأسست قيل حوالي آلاف عام . وقد جعلت عائلته صاحبة المصرف المعروف قسما منها يذهب ريعه لدعم آثار سوريا وبلاد الرافدين. ويقع الكتاب من حوالي 205 صفحات من الحجم الوسط ومن منشورات دار نشر آريس بمدينة جراتس النمساوية.