حكايتي في تل أبيب
عروض الكتب
بدر محمد بدر
العنوان: حكايتي في تل أبيب
المؤلف: د. رفعت الأنصاري
الناشر: الدار المصرية اللبنانية، القاهرة
عدد الصفحات: 384
الطبعة: الأولى يناير 2015
مؤلف الكتاب هو دبلوماسي مصري سابق، عمل في السفارة المصرية في تل أبيب في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وخاض تجربة شخصية، تعرف فيها على جوانب وشرائح من المجتمع الإسرائيلي، ولم يتمكن من نشرها إلا بعد تركه لوزارة الخارجية وإحالته للتقاعد وفقا للأعراف الدبلوماسية، وخضع الكتاب –بالطبع- للمراجعات الأمنية والسياسية والدبلوماسية، قبل أن يصل إلى أيدي القراء.
الهدف من الكتاب، كما يقول المؤلف في المقدمة، هو تقديم صورة حقيقية للقارئ العربي عن واقع المجتمع الإسرائيلي من الداخل، بسياساته ومؤسساته وطوائفه وفئاته وأعراقه المختلفة، من وجهة نظره كدبلوماسي مصري، عاش ونفذ إلى أعماق هذا المجتمع، ليدرك القارئ من خلالها عدم تجانس هذا المجتمع، الذي يتكون من أكثر من خمسة وثمانين جنسية، مختلفة الطباع والأعراف والعادات والتقاليد واللغات والخلفيات التاريخية والعقائدية.
والكتاب مكون من عشرة فصول، يتناول الفصل الأول قصة التحاق المؤلف بوزارة الخارجية المصرية في منتصف السبعينيات، وعمله بالقنصلية المصرية في لندن، وتكليفه بمتابعة النشاط الصهيوني في بريطانيا، ثم مشاركته في التحضير لمؤتمر "ليدز كاسل" عام 1978م، الذي ضم الوفدين المصري والإسرائيلي، في المباحثات التي أعقبت زيارة السادات للقدس، واستكمال محادثات السلام، بحضور الوفد الأميركي.
وبعد فترة قصيرة انتقل المؤلف للعمل بإدارة التطبيع بوزارة الخارجية بالقاهرة، حيث كان يشارك في لجان التطبيع، التي تم إنشاؤها عقب "اتفاقيات السلام"، وهو الأمر الذي مهد له بعد ذلك الانتقال في أوائل الثمانينيات للعمل ضمن طاقم السفارة المصرية في تل أبيب.
الأجهزة الأمنية
وفي الفصل الثاني يتحدث المؤلف عن أجهزة المخابرات الإسرائيلية، ومنها: "الموساد" وهو منوط به مهام "التجسس وجمع المعلومات من خارج إسرائيل"، وهو يماثل الـ CIA في أميركا وMI6 في بريطانيا.
والجهاز الثاني: "أمان"، وهو جهاز المخابرات الحربية، ويتبع رئيس الأركان، ومهمته الحصول على المعلومات العسكرية المطلوبة، وفيه فرقة كوماندوز تختص بتنفيذ العمليات السرية.
والثالث: "الشين بيت"، وهو جهاز الأمن القومي، المسئول عن مكافحة التجسس وأمن الأفراد داخل إسرائيل، وهو يماثل جهاز FBI (مكتب التحقيقات الفيدرالي) بأميركا.
والرابع: "لاكام"، ومهمته الحصول على المعلومات العلمية الخاصة بالمفاعلات النووية وتصاميم الطائرات المقاتلة وقراءة صور الأقمار الصناعية، وتم حل الجهاز بعد فضيحة الجاسوس جوناثان بولارد عام 1986م.
والخامس: "مكتب اتصال المهاجرين اليهود"، وهو مسئول عن المتابعة، والحصول على المعلومات المتعلقة بالجاليات اليهودية في العالم، والعمل على هجرتهم إلى إسرائيل.
أما الجهاز السادس والأخير فهو: "مستشار رئيس الوزراء للإرهاب"، وهو منصب تم استحداثه عام 1972م بعد حادث اختطاف طائرة العال من روما، وهو مختص بالحصول على المعلومات الخاصة بالمنظمات والشبكات "الإرهابية".
وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف وصوله إلى إسرائيل وإقامته في أحد الفنادق، ثم انتقاله بعد عدة أشهر إلى شقة خاصة، ليكتشف بعد ذلك أن هذه الأماكن مزروع فيها أجهزة التجسس بشكل دائم، وأنها تحت سيطرة أجهزة الأمن الإسرائيلي تماما، إضافة إلى الهواتف والسيارة الخاصة أيضًا.
ويشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي هو خليط غير متجانس من 85 جنسية، مختلفة في خلفيتها، ونشأتها، ولغتها، وأسلوب حياتها، وأن العامل المشترك الوحيد بينهم هو الديانة اليهودية، ولذلك حرصت الحكومة الإسرائيلية على تعليم اللغة العبرية، كلغة رسمية موحدة في أقرب وقت، وفور وصول المهاجرين عن طريق معاهد خاصة.
المفاعل العراقي
ويذكر الأنصاري في الفصل الرابع كيف تعرف على أحد الطيارين الإسرائيليين، الذين شاركوا في تدمير المفاعل النووي العراقي، في السابع من يونيو/ حزيران 1981م، الذي أدمن شرب الخمر، وفي أحد لقاءاته بالدبلوماسي المصري كشف له أسرار هذه العملية دون أن يدري، والتي شارك فيها 14 طيارا، عبروا أجواء الأردن إلى العراق، ودمروا المفاعل دون أي رد فعل يذكر، وهي العملية التي أثارت ضجة كبيرة وقتها، واستطاع الدبلوماسي نقل هذه المعلومات إلى القاهرة في حينها.
ويؤكد المؤلف في الفصل الخامس أنه لا وجود لما يسمى بـ "خريطة إسرائيل الكبرى"، التي يقال إنها توضح حدود إسرائيل على جدران أو أبواب الكنيست، وأنها "شائعة" لا أصل لها.
كما يذكر أن موشى دايان كان مولعا باقتناء الآثار، وأنه سأله إن كان قد حصل على آثار فرعونية من شبه جزيرة سيناء، أثناء فترة احتلالها من 67 إلى 1973م، إلا أنه نفى بشكل قاطع، لكن المؤلف اكتشف بعد ذلك أنه يكذب، لأن زوجته وابنته باعتا، بعد وفاته، مجموعة من التحف والآثار التي كان يمتلكها إلى أحد المتاحف، وكان من بينها تابوت لمومياء فرعونية!
ويتناول الفصل السادس حادث اغتيال الرئيس السادات، والتداعيات التي ترتبت عليه، وكيف تولى المؤلف مهمة مرافقة الوفد الإسرائيلي الذي حضر للعزاء في السادات، ولقاء نائب الرئيس حسني مبارك، ويشير إلى أن رئيس الوزراء (وقتها) مناحم بيجين كان حريصا على أن يستمع من نائب الرئيس إلى التزامه بما بدأه السادات، وأمام وزرائه حتى يكونوا شهودا على ما تم الحديث بشأنه، وبالفعل طمأن مبارك الجانب الإسرئيلي بأن مصر ملتزمة تماما ببنود اتفاق السلام مع إسرائيل، والتعهد بأن حرب 73 هي آخر الحروب، وساعتها تنفس بيجين الصعداء هو ووزراؤه وشعروا براحة نفسية.
محاولة اغتيال عرفات
وتحت عنوان "محاولة فاشلة لاغتيال عرفات " يتحدث المؤلف في الفصل السابع عن زيارته لغرفة عمليات قيادة الجبهة الشمالية لإسرائيل، واستماعه إلى أحد قادتها وهو يتحدث عن عملية استهداف ياسر عرفات بالاغتيال، وكيف أنهم جمعوا المعلومات والصور اللازمة، وعرفوا أن عرفات يتواجد في مكتبه في التاسعة صباحا يوميا في مبنى خاص بالمنظمة، وتم الخطيط لقصف طابقين في المبني بطائرة مروحية بعد التاسعة بدقائق، حتى يضمنوا تواجد عرفات في المبنى، ومعه أكبر عدد من القيادات الفلسطينية العاملة في "فتح".
وبالفعل تم تنفيذ العملية، ولقي عدد كبير من كوادر المنظمة العاملين بالمبنى حتفهم، إلا أن ياسر عرفات نجا بأعجوبة، حيث لم يتواجد في موعده المعتاد، بسبب تلقيه مكالمة هاتفية من أحد الرؤساء العرب، الأمر الذي جعله يتأخر في الذهاب إلى مكتبه في هذا اليوم.
وذكر المؤلف أن محاضرا آخر تحدث عن عملية تصفية لثلاث قيادات فلسطينية، وأن أسلوب إسرائيل في أي عملية اغتيال يمر بعدة خطوات، بعد اتخاذ القرار السياسي تقوم خمس مجموعات بالعملية:
1) مجموعة المراقبة والرصد
2) مجموعة الاتصالات
3) المجموعة اللوجيستية
4) مجموعة التغطية
5) ثم مجموعة الاغتيال
وربما لا يحدث ذلك من دولة واحدة، بل من عدة دول، وبجوازات سفر غير إسرائيلية، والتي يخرجون بها غير تلك التي يدخلون بها.
وفي الفصل الثامن يتحدث المؤلف عن تخطيط إسرائيل لغزو لبنان في أوائل عام 82، وأن الخطة كانت تقتضي توغل الجيش الإسرائيلي لمسافة 45 كم داخل الحدود اللبنانية، بهدف تدمير البنية العسكرية والجهاز السياسي الفلسطيني في الجنوب، وكان الموعد المحدد لهذا الاجتياح هو 14 فبراير/شباط.
وعندما تأكدت المعلومات لدى السفارة المصرية بتل أبيب، بدأت القاهرة تتحرك لوقف هذا العدوان، وأرسلت رسالة شديدة اللهجة إلى إسرائيل، كما تم إبلاغ الإدارة الأميركية بالمعلومات، وهو ما أدى بالفعل إلى تأجيل هذا الغزو، إلى ما بعد الانسحاب النهائي من سيناء، في 25 أبريل/ نيسان 1982م.
تهديد بالاغتيال
وفي الفصل التاسع يتحدث المؤلف عن الضغوط التي تعرض لها من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي بدأت تشك في كونه المصدر الذي وصلت معلومات خطة غزو لبنان عن طريقه إلى القاهرة، وكيف نظم الإعلام الإسرئيلي ضده حملة شديدة، متهما إياه بأنه يعمل لدى جهاز المخابرات المصرية، ووصلت إليه رسائل تهديد باغتياله.
وفي الفصل العاشر والأخير يتحدث المؤلف عن نجاحه في مغادرة إسرائيل سرا، بعد التهديدات التي تعرض لها، ونجا بالفعل من إحداها، ثم تعرض لمحاولة ثانية وثالثة، حتى تم الاتفاق النهائي على أن يغادر إسرائيل فورا.
لكن أهم ملاحظة يمكن الإشارة إليها أن المؤلف ذكر، بلا أدنى حرج، تفاصيل علاقاته وغرامياته النسائية المتعددة شبه اليومية، وكذلك معاقرته الدائمة للخمر ومشاركته في مجالسها، وهو ما يخجل منه أي عربي مسلم يتحدث للناس في كتاب مقروء، ناهيك عن دبلوماسي يمثل دولة كبرى تدافع عن قضية فلسطين المصيرية!