يهود دمشق الشام لشمس الدين العجلاني

الكتاب الأكثر مبيعَاََ في سورية

المتابع للحراك الثقافي السوري يدرك تماما إن كتاب يهود دمشق الشام للباحث شمس الدين العجلاني هو حديث الساعة في سورية فمنذ إن طرح في الأسواق السورية في أول شهر آب من هذا العام أقدم على اقتنائه جميع شرائح المجتمع السوري ، و تناقلت وسائل الإعلام السورية و العربية اخبار هذه الكتاب ، وذكرت إحدى الصحف الرسمية السورية بتاريخ 15-10-2008 إن هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعَاََ بدمشق .

كتاب «يهود دمشق الشام للباحث  شمس الدين العجلاني.. جاء في 432 صفحة من القطع الكبير موثقاً بالصور والوثائق و التي تبلغ 300 صورة ووثيقة نادره .. ويعتبر هذا الكتاب الأول من نوعه الذي يؤرخ ويوثق ويكشف عن أخبار وحكايا يهود دمشق الشام.. ففيه يبحث في شتى مناحي حياتهم ويؤرخ لعائلاتهم ومهنهم وقصورهم ومدارسهم وحاخاماتهم ودورهم على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي.

ويظهر الكتاب ان الباحث شمس الدين العجلاني بذل جهداً كبيراً يستحق عليه الشكر والتقدير حيث بحث في بطون الكتب والصحف والمجلات وذاكرة من عاصر يهود دمشق الشام وعاش بينهم في العصر الحديث.. كما بحث في المؤلفات والمخطوطات والوثائق الموجودة في الخزائن العامة والخاصة ومراكز البحوث والمكتبات العامة في العديد من الدول.

عندما تعرضت دمشق عام 1348 لمرض الطاعون خرج أهل دمشق بكل طوائفهم متضرعين لله تعالى أن يكف عنهم هذا البلاء، وهذه الخطوة تدل أن الدمشقيين لم يعرفوا التعصب الديني، والتمييز الطائفي بل عاشوا جميعهم تحت سقف دمشق التي احتضنتهم بمحبتها وتآزرها.
هذه البداية يوردها الباحث العجلاني في مقدمة كتابه ، في إشارة إلى التسامح الذي تعيشه سورية رغم التعدد والتنوع الفكري والديني، وإلى روابط المحبة والتواشج التي تربط بين أبنائها بعيدا عن أي حقد تجاه أي فرد من أفراد المجتمع، أو طائفة من طوائفه، بل يعيش الجميع أسرة واحدة تجمعهم أواصر الأخوة والتعايش المشترك.

السيرة التاريخية                                          
يعرض الباحث للسياق التاريخي ليهود دمشق عبر الوثيقة والصورة حيث يسرد لقصص وحكايات يهود دمشق قبل الفتح الإسلامي حيث كان اليهود يعيشون متفرقين ومضطهدين من قبل الحكم البيزنطي، وعاشوا أقلية مع الجاليات السكانية المختلفة في دمشق، بحسب ما يذكر ياقوت الحموي، وبقي اليهود حتى الفتح الإسلامي تحت سيطرة قوى حاكمة يعانون من قسوة معاملة القوى التي حكمت الشام، حتى جاء المسلمون فاتحين، فتنفس اليهود الصعداء وشعروا بالأمان على دينهم وأنفسهم وأموالهم في ظل الدولة الإسلامية، وتمتعوا بكامل حقوقهم، وهذا المتنفس الذي أوجده لهم الفتح الإسلامي دفعهم لتأييده كفرصة للتخلص من الحكم البيزنطي، وما إن استقرت الامور للعرب المسلمين بلاد الشام وغيرها حتى عادت الروح للطوائف اليهودية التي سارعت بالهجرة إلى البلدان الإسلامية للحصول على حمايتها، وكان استقرار اليهود داخل المجتمع الإسلامي قد أدى إلى ازدهار الحياة اليهودية، وقد أسهموا في الحياة الثقافية الإسلامية، وتأثروا وقلدوا مدارس الفكر الإسلامي، واستمر حالهم هذا حتى في فترة المماليك حيث تمتعوا بحرية العقيدة والعمل وتولي المناصب في الدولة، وكذلك في عهد العثمانيين والفرنسيين وما بعد الاستقلال، ولم يتعرضوا في سورية لأي اضطهاد، بل تمتعوا بحق المواطنية كاملة، ويتطرق الباحث لوضع اليهود، وعقائدهم وأصولهم، واطباؤهم ، و تجارهم ، و علاقاتهم مع عدد من أعضاء الكتلة الوطنية كفخري البارودي والرئيس شكري القوتلي ، كما افرد الباحث العجلاني فصلا خاصا عن النواب اليهود في البرلمان السوري ...

اليهود والبرلمان السوري

لقد عاش اليهود في سورية كجزء من نسيجها الاجتماعي يمارسون حياتهم وعقيدتهم وطقوسهم دون أن يتعرض أحد لهم بسوء، وكانت لهم مشاركاتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان لهم مقاعد في البرلمان السوري، إذ تعتبر التجربة البرلمانية في بلاد الشام من أولى التجارب في المنطقة العربية، وتم انتخاب أول مجلس برلماني في بلاد الشام عام 1919 تحت اسم المؤتمر السوري، ويعد هذا المؤتمر أول صيغة برلمانية في المنطقة العربية، وأعضاء هذا المؤتمر كانوا يمثلون جميع مناطق بلاد الشام، وفي الجلسة الافتتاحية التي عقدها هذا البرلمان انتخب اليهودي لينادو نائبا عن دمشق فكان أول برلماني يهودي سوري في البرلمان،و استمر لينادو في عضوية مجلس النواب السوري الى عام 1943 حيث انتقل تمثيل الطائفة الموسوية للبرلمان السوري من دمشق إلى حلب بفوز اليهودي الحلبي عزره أزرق، وكان هذا النائب عضوا في اللجنتين النيابيتين القضائية ولجنة القوانين المالية، وبعد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية، وبدء زمن السيادة الوطنية، عادت الحياة النيابية لتلازم نضال الشعب في بناء المؤسسات الوطنية فجرت انتخابات عامة في سورية عام 1947 لتشكيل مجلس النواب، كان الأول بعد الاستقلال ، وأصدر الرئيس شكري القوتلي مرسوما حدد بموجبه عدد نواب الدوائر الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها فكان نصيب دمشق مقعدا واحدا لليهود وفاز في هذا المقعد اليهودي وحيد مزراحي، وسمي نائبا عن دمشق وضواحيها وقد أثبتت تقارير اللجان النيابية التي كان النواب اليهود أعضاء فيها، وساهموا في نشاطاتها، وكانوا مواظبين على حضور كل اجتماعاتها.

قصورهم  وحياتهم

كما سبق وأشرنا كان اليهود لايسكنون إلا في العواصم والمدن الكبرى، وفي أحياء خاصة بهم، لذا تركز وجودهم في دمشق وحلب والقامشلي، وعاشوا وحدهم منعزلين عن باقي الطوائف، وقد أقاموا بيوتهم وقصورهم في الحي اليهودي بدمشق القديمة داخل السور، ومن أشهر هذه البيوت قصر لزبونا وبيت لينادو وقصري فارحي الأول والثاني، وقصر شمعايا، مع أن هذه البيوت لم تختلف عن بيوت المسيحيين والمسلمين في دمشق القديمة، ووفق المعايير العمرانية للمناطق السكنية في دمشق القديمة داخل السور لابد من التمييز بين البيوت السكنية في حارة اليهود، وباقي البيوت في أنحاء دمشق القديمة، فالانتماء الديني لأصحاب البيوت الفخمة لايظهر إلا قليلا من خلال الزخارف المعمارية، ولكنه يظهر جليا عبر مساقط البيوت التي يراعى فيها الاحتياجات الخاصة للقاطنين فيها.
وبما أن سورية تتمتع بالتسامح الديني على مر العصور، فقد عاش اليهود في المجتمع الدمشقي ومارسوا عاداته، وتسموا بأسماء أهل دمشق ولقبوا بألقابهم، مع محافظتهم على تقاليدهم وعقائدهم التي كانوا يمارسونها بشكل خاص يوم السبت، وكانوا قد شغلوا مواقع مهمة في المجتمع، فكان منهم أصحاب البنوك والأطباء المرموقون والنواب في المجلس النيابي والبلدي، لكن الظروف السياسية وتقسيم فلسطين أثرت على واقع اليهود  في سورية بفعل الدعاية الصهيونية، فبدأت الهجرة اليهودية تزداد بعد حرب حزيران 1967، وتضاءل عدد اليهود إلى ستة آلاف يهودي دمشقي، وبسبب الضغوط الصهيونية هاجروا إلى بلدان مختلفة وانطلقوا منها إلى فلسطين المحتلة.                                   
تشير المصادر اليهودية أن مراسم الصلاة حسب أصول العبادة التقليدية لدى اليهود تقضي بوجود عشرة رجال بالغين في الصلاة، وعلى اليهودي أن يؤدي الصلاة ثلاث مرات يوميا، يجلس الرجال والنساء على انفراد في الكنيس، وعلى الجميع أن يحرصوا على تغطية رؤوسهم، ويمكن أن يقود الصلاة حاخام أو مرتل الصلوات أو أحد المصلين.

يهود دمشق خارج سورية

يشير الباحث العجلاني إن هجرة اليهود السوريين بدأت في عام 1803 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يوجد فيها جالية يهودية سورية ضخمة، يقطن اغلبها في بروكلن ، ومن يلتقي أي واحد منهم يجد أنهم سوريون بأثاث بيوتهم وطعامهم ويعرفون عن أنفسهم بأصولهم الشامية والحلبية، ويدردشون باللغة العربية، ويعتزون بجذورهم السورية، كما يتواجد اليهود الدمشقيون في فلسطين في منطقة حولون اكبر تجمع ليهود سورية في ارضنا المحتلة و يذكر الكتاب بالتفصيل مع الصور لعدد من العائلات اليهودية الدمشقية المتواجد في حولون .

دمشق واحة للحب والوفاء

و يقول العجلاني ، منذ الأزل ودمشق تفتح قلبها لكل من يطلب الإقامة فيها، وتحتضنه بكل محبة وحنان، وتوفر له كل سبل العيش الكريم شرط الوفاء لهذه المعاملة الجيدة بمثلها، وسورية عبر تاريخها الطويل والعريق وبكل أطيافها لا تفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وتعتبر يهود سورية المهاجرين أبناءها في المغترب، طالما أن نياتهم سليمة تجاه وطنهم ويبادلونه المحبة والوفاء.
إن ما تضمنه كتاب "يهود دمشق الشام" من معلومات حول تاريخ اليهود، وما تضمنه من أحداث موثقة بالوثيقة والصورة، يؤكد على دور التوثيق في تشكيل ذاكرة الشعوب، وهو السلاح الفكري الذي يجب أن نعرف كيف نوظفه لخدمة دراساتنا، فالكلمة الموثقة الصادقة والدقيقة هي الصورة التي تكشف الحقائق، والكلمة المكتوبة هي التاريخ والوثيقة ورابط الإنسان بوطنه وتاريخه، وهذا ما يجعلنا نهتم بالتوثيق كسلاح نشهره في سبيل الدفاع عن هويتنا وحضارتنا.

ويأتي هذا الكتاب ليؤكد ان لدمشق الشام قصصاً وحكايا وأسراراً.. وانها المدينة العريقة القديمة التي مر عليها آلاف مؤلفة من الأمم والحضارات والولاة والسلاطين.. وهي مهد الانسان ومنها انطلقت الديانات والمذاهب.. وممن جاء إليها من مشارب الدنيا اليهود الذين احتضنتهم وآوتهم تحت سمائها وعلى أرضها كأم حنون عاملتهم بالحسنى كطائفة من طوائف بلاد الشام. ‏

الكتاب يوضح من هم هؤلاء اليهود الذين عاشوا في دمشق كجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الدمشقي. ‏