العربي كما يراه الياباني
مقدمة القارئ العربي.. كتبت على صفحتي وأنا أتصفح الصفحات الأولى من الكتاب. أنا الآن بصدد قراءة كتاب "العرب وجهة نظر يابانية"، للأستاذ الياباني نوبوأكي نوتوهارا، منشورات الجمل، الطبعة الأولى 2003، ألمانيا، من 142 صفحة . الكاتب الياباني عاش 40 سنة في المجتمعات العربية، تعلّم اللغة العربية، وترجم عدّة كتب من العربية إلى اليابانية. أنا الآن في الصفحة 6، إستحييت أن أنقل لكم ماذكره عن واقعنا العربي، والذي ينافي الإسلام كما قال.أرجو أن أجد مايرفع الهمم، وأطلب دعواتكم.
وحين إنتهيت من قراءة الكتاب، قلت.. إنتهيت منذ قليل من قراءة كتاب "العرب وجهة نظر يابانية"، للأستاذ الياباني نوبوأكي نوتوهارا. إحتفظت بملاحظات شخصية رهيبة مفزعة حينا ومفرحة حينا آخر عن الكاتب والكتاب، سنفردا لها مقالا حين ننزل باليابسة، بإذنه تعالى. متّع الله الجميع بما هو أهل له.
وطريقتي في الفهم، أن كتاب الأستاذ الياباني "العرب، وجهة نظر يابانية"..فضيع رهيب، لاأنصح به أصحاب القلوب الرقيقة، لذلك سأحاول أن أستفيد منه فيما يخص القواعد التي أشار إليها الأستاذ الياباني في فهم المجتمعات، وكيفية التعامل معها. ولا أريد أن أضيف للقارئ آلاما يعيشها يوميا، بل أسعى للتخفيف بالوقوف على الحكم اليابانية، وهذا وجه من أوجه قراءة الكتب.
عن الكاتب والكتاب.. يلمس القارئ في صفحة 15، أن الأستاذ الياباني درس اللغة العربية إبتداء من سنة 1961، وترجم أول رواية عربية إلى اليابانية سنة 1969. مايعني أن الياباني تعلّم اللغة العربية إلى حد ترجمة روايات عربية ذات مستوى عال في ظرف 8 سنوات فقط، منها هذا الكتاب الذي بين يديك، والذي كتبه باللغة العربية مباشرة، حيث أن القارئ لايلحظ إطلاقا أنه يقرأ لأجنبي لمستواه الجيد في اللغة العربية. الياباني أبدع في وصف العرب بلغتهم العربية، ويتعلم لغة قوم فيتفوق عليهم بلسانهم العربي المبين. والكاتب الياباني حين كتب كتابه هذا، كان في 60 من عمره، كما هو مبيّن في صفحة 138، مايعني أنه كان في كامل نضجه ومسؤولياته.
الياباني يفتخر باللغة العربية.. يقول الياباني في صفحة 71، أن هناك كلمات عربية عديدة تصلح لأن تكون لمعنى واحد، بينما في اللغة اليابانية والانجليزية كلمة واحدة لمعاني متعددة. ويقول أن هذا يعبّر عن فقر اللغات وغنى اللغة العربية، ويعترف أنه أخطأ في ترجمة قصة فلسطيني بسبب فقر اللغة اليابانية واللغات الأجنبية.
مستقبل العربية في اليابان.. يرى في حوار له مع جريدة، أن اللغة العربية لها مستقبل جيد في اليابان. والشركات التجارية والمصارف والهيئات الاقتصادية تتجاذب اليابانيين الخريجين باللغة العربية للعمل لديها.
الياباني يحب العرب بطريقته.. تألمت كثيرا وأنا أقرأ للأستاذ الياباني عن العرب في صفحة 18، فهو..
يحب العرب كثيرا، فقد قضى 40 سنة بين ظهرانيهم، لكنه مجبر أن يذكر عيوبهم وجرائمهم وتخلفهم. ويتساءل هل أصمت لأعبّر عن حبي لهم؟. وباعتباري عربي أقوله لك..
لاتصمت وأنت الصادق، فيكفينا أننا إمتهنا وظيفة إخفاء الحقيقة عن أنفسنا وأبناءنا وأحفادنا، طيلة قرون من الصمت والقمع. والحمد لله الذي أنطقك الذي أنطق كل شيء.
الياباني يعترف بأخطاءه.. يعترف الأستاذ الياباني في صفحة 22 وما قبلها، أن اليابان أجرمت في حق شعوب وعليها أن تعترف بهذه الجرائم وتضع لها حدا. ومن هنا جاءت عظمة الكاتب الياباني، فهو يعترف بجريمته، بل يعترف أن أخطاء المجتمع الياباني كانت من وراء إلقاء القنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي. ومجتمع يعترف بأخطاءه تجاه الغير وبأنه كان سببا في مآسيه ومصائبه، لهو مجتمع عظيم يستحق أن يتخذه المرء قدوة في الاعتراف بجرائمه تجاه نفسه أولا، وتجاه مجتمعات أخرى ثانيا.
الياباني ينقل الحضارة العربية.. إستطاع الأستاذ الياباني أن ينقل الأدب العربي إلى اللغة العربية، وينقل وصف المجتمع العربي إلى اللغة اليابانية. هل إستطعنا أن ننقل الثقافة اليابانية إلى اللغة العربية؟. لماذا نحرم أنفسنا فضل نقل محاسن الحضارة اليابانية إلى اللغة العربية. إنه في ظرف 8 سنوات من تعلم اللغة العربية، أصبح الأستاذ الياباني مبدعا في اللغة العربية، مترجما بامتياز، ويقوم بتدريسها في اليابان. هل 8 سنوات لتعلم اللغة اليابانية مدة طويلة. ولماذا لايفتح فرع اللغة اليابانية بالجامعات الجزائرية والجامعات العربية لحد الآن؟.
قمع العرب يلاحق الياباني.. كم هو مسكين الأستاذ الياباني حين لحقه القمع العربي وهو في اليابان، حيث يقول في صفحتي 35-36..
لاأسطيع أن أذكر أسماء الدول العربية حتى لاأتعرض للمنع. ولا أستطيع أن أذكر أسماء أصدقاء عرب حتى لايتعرضون للقمع. فاكتفى بقوله.. دول عربية، دولة عربية، زميل لي، صديق عربي.
قراءة الياباني المباشرة للعرب.. يرى في صفحة 124، أن اهتمام الكتاب اليابانيين بالحضارة العربية لا علاقة له بالسياسة. ويرى أن الاهتمام الياباني بالعرب كان عبر الأوربي والأمريكي ثم انتقل الياباني إلى المجتمعات العربية مباشرة.
ويعترف في صفحة 125، أن الدراسات الشرقية للمجتمعات العربية كانت تعتمد على الكذب وتشويه الحقائق، لذلك أمسى الياباني يعتمد في فهم العرب على القراءة المباشرة والاحتكاك المباشر بالعرب دون واسطة أوربية أو أمريكية
وصية ياباني للعرب.. يعيب على العرب أنهم يعرفون القليل عن اليابانيين ويتفهم ذلك، ويعاتب بشدة ويعيب عليهم عدم اهتمامهم بالحضارة العربية الاسلامية، ويوصي بالاهتمام بها مباشرة وتجاوز مرحلة الترجمة إلى المباشرة
المجتمع العربي كما يصفه الياباني.. يصف العرب، الذين عايشهم مدة 40 سنة، فيقول في صفحة 9، أن القمع بكل أشكاله مترسخ في المجتمعات العربي. وفي صفحة 11، يقول أن العرب يخبؤون الحقائق التي يعرفونها حق المعرفة. وتساءل في صفحة 13، بمرارة فقال، لماذا لايستفيد العرب من تجاربهم؟. لماذا لاينتقد العرب أخطاءهم؟. لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها؟.
في صفحة 32، يرى الأستاذ الياباني، أن بيوت العرب نظيفة من داخلها، لكن الأوساخ والقاذورات، تجدها بمجرد أو خطوة تخطوها خارج البيت، معلّلا ذلك بقوله إن عدم المسؤولية من وراء ذلك ومن وراء التخلف الذي يعيشه العرب.
يرى في صفحة 29، أن الياباني كذلك يخاف، لكنه يبحث دوما عن أسباب الخوف وطرق مواجهته، بينما في الدول العربية، هناك أشخاص يهددون الناس ويخيفونهم ليحققوا منافع شخصية.
ويرى في صفحة 36، أن هناك محرمات في المجتمعات العربية لايمكن بحال الاقتراب منها، وهي السياسة والجنس والدين. وفي صفحة 37، يقول أن في الدول العربية، السلطة والشخص شيء واحد، لايمكن الفصل بينهما.
يرى الأستاذ الياباني في صفحات 49-51، أن فكرة الخلود التي يعتمد عليها العربي، دفعته إلى أن يجعل من الحاكم العربي، الحاكم الخالد لايجوز نقده أو التعرض إليه، ومن الأحزاب السياسية أحزابا خالدة تسعى لتثبيت الحاكم الخالد.
يرى في صفحة 40، أن القمع العربي يبدأ في البيت والمدرسة. وفي صفحة 43، يقول أن المجتمع العربي على العموم ليس عنده إستعداد ليربي المواهب ويقويها، 45 بل يرى في صفحة 45، أن الجسد مقموع في الدول العربية.
الحلول كما يراها الياباني.. كان الأستاذ الياباني صادقا مخلصا محبا للمجتمعات العربية، وهو يحاول أن يفهم المجتمعات العربية من خلال الدين والثقافة وعادات وتاريخ وجغرافيا العربية، لذلك تقرّب منهم عن طريق فهم اللغة العربية وقراءة القرآن والأحاديث النبوية، ولم يكتفي بمعرفة عرب المدن، بل دخل لعمق البادية باعتبار العربي بدوي بطبعه، والبداوة تمثل بحق حقيقة المجتمع العربي.
يعترف الأستاذ الياباني أن اليابان عاشت أيضا التخلف الذي تعيشه المجتمعات العربية، بسبب الديكتاتورية العسكرية وقمع الحريات، لكنه يستدرك قائلا، أن اليابان إستطاعت أن تتحررمن الديكتاتورية العسكرية وقمع الحريات، لذلك تراه يتعجب، كيف للمجتمعات العربية مازالت ترضى لنفسها أبدية الحكم وتسلط الأحذية وتسعى إليه وتدعو له. وطالب المجتمعات العربية أن تثق بنفسها، ولا تثق في السلع والأفكار الغربية التي تستوردها، حيث قال في صفحة 64، أن الثقة لاتستورد. ويوصي بقيام حركة إجتماعية، يقوم عليها العرب والتخلي عن العمل الفردي، كما ذكر ذلك في صفحة 103.
ويرى في صفحة 139، أن مستقبل العرب مرهون بحل مشكلة القمع وتثبيت الحرية. وهذا هو محور كتابه، وقد تطرق إليه ثم عاد اليه في خاتمة الكتاب، مايدل على أهمية الموضوع بالنسبة لليابان والنصيحة الغالية التي يقدمها للعرب. ويقول أتمنى أن أرى وجوها عربية باسمة غير متوترة، وأن يتعلموا مواجهة مشاكلهم بأنفسهم ومباشرة
يعترف الأستاذ الياباني، أن اليابان مرت بمراحل تخلف وتقهقر كالتي يعيشها المجتمع العربي الآن وربما أكثر، لكن إستدرك اليابان هول تخلفه واستطاع أن يواجهه ويتغلب عليه بالحرية والمسؤولية. لذلك تراه يتأسف بشدة للوضع المزري الذي آلت إليه المجتمعات العربية، فيوصيها بقوله في صفحة 18، أن الحرية هي باب الانتاج وباب التواصل والحياة النبيلة والقمع داء عضال.
وسوم: العدد 630