أدب الأطفال في العصر الحديث 2
الباب الثاني
الفنون الأدبية للأطفال
الفنون الأدبية للأطفال وسيلة من وسائل تكوين شخصية الطفل وبنائها بناء قويماً ليكون عضواً نافعاً قادراً على مواجهة متطلبات الحياة
ولعل أبرز هذه الفنون هي المسرحية والقصة والشعر، ثم المقالة الطفولية، وعلى هذا فإني سأدرس في:
1- الفصل الأول : فن المسرحية الطفولية
2- الفصل الثاني : فن القصة للأطفال
3- الفصل الثالث : فن الشعر الطفولي
4- الفصل الرابع : فن المقالة والخاطرة للأطفال
الفصل الأول
فن المسرحية الطفولية
الفصل الأول
فن المسرحية الطفولية
المسرح الطفولي فن أدبي إنساني يتخذ من الشعر أو النثر أسلوباً له، ويقوم على الحوار بين الشخصيات في زمان ومكان محددين، ويدور حول حدث معين يهدف إلى بناء الشخصية الطفولية بناء سوياً .
ومن هنا فإن المسرح الطفولي يرتكز على دعامتين اثنتين هما النص الأدبي والأداء المسرحي أو التمثيل الذي تظهر به الحوادث في بناء فني يحقق الهدف المرجو منه.
والمسرحية ذات تأثير كبير في نفس الطفل، فهي تجذبه بقصتها وبطريقة عرضها إذ يجتمع فيها الصوت والحركة واللون والصورة ، فضلاً عن أن الطفل مولع بتقليد الشخصيات مما يجعله يتفاعل معها، ويعيش في أجوائها وكأن الماضي ماثل أمام عينيه، والواقع يشارك في أحداثه .
ونظرا لشدة تأثيرها فإنها يمكن الاستفادة منها في بث القيم والمشاعر الإيمانية، كما يبث عن طريقها العادات الحسنة، وينفر مما يلام عليه، فينشأ الطفل عضواً نافعاً لأمته ووطنه، قادراً على خوض غمرات الحياة والتعامل مع ناسها.
وعلى الرغم من أن المسرح فن أقرب إلى اللهو والتسلية يمكن استخدامه أيضاً وسيلة تعليمية، ولاسيما المسرح المدرسي إذ له خصوصية تتمثل في قدرته على عرض الموضوعات المتعلقة بالإنسان وتربيته وحضارته، مما يؤدي إلى تثقيفه وثقل شخصيته وتهذيبها وتوسيع مداركه وأخيلته، بمعارف وسلوكيات إيجابية ناجعة، فضلاً عن تعليمه اللغة ونطقها بشكل سليم، وبأسلوب جذاب، وتقويته لشخصية الطفل، وتعليمه على الجرأة في التعبير، وتخليصه من العقد النفسية كالانطواء، وتعويده على التعامل بروح جماعية إضافة إلى تنمية حسه الذوقي والأدبي.
وقد اهتم الفراعنة بالمسرح الطفولي أداة من أدوات تحقيق الأهداف المرجوة من تربية الطفل، وفي عصر الدول المتتابعة نرى الشاعر محمد بن دانيال يعرض تمثيلياته على طريقة "خيال الظل" لحيوانات جعلها تتناطح وتتعارك ليجذب بها الانتباه ولتكون أشد تأثيرا في الكبار والصغار معا([1]) .
وفي العصر العثماني فيه نرى الشاعر ابن النقيب الدمشقي([2]) يكتب بواكير مسرحيات تصلح للأطفال وقد نعتها بالتماثيل، وكان أول من استخدم لفظ المسرح بمفهومه الحالي، وفي إحدى تمثيلياته الطفولية عن (حديقة الورد) يتحدث عن شجرة صغيرة كانت تقبع في بستان، وكان عليها وردتان معتنقتان، وقد وصف لنا هذا الموقف في أربعة مشاهد، عرض في الأول ذهابه مع صحبه إلى الحديقة، ورؤيته للورود، وفي الثاني تحدث عن هذه الشجرة، التي برزت منها " وردة بين أترابها وقد حطت نقابها وبلغت ميعة شبابها ، وإلى جوارها وردة أخرى طفلة تعانق الأم بلطف ورقة " ، واسترسل الشاعر يتحدث عن الوردة الأم وعن صغيرها البرعم، وكان النسيم يغار فيحاول أن يبعده عنها، فلما غابت الشمس وبرد الجو نثر الهواء الوردة الأم، فيُتِّم صغيرها ، وتعوذ الشاعر من ظلمه، ولكنه فوجئ عندما رأى طفلها تتفتح وريقاته، وضاق به ذرعاً لأنه تناسى من أحبته([3]).
هذه التخيلات هي أشبه بالرسوم المتحركة التي تعرض اليوم في برامج الأطفال ولكن مؤلفها لم يخرجها في قالب مسرحي، وترك للأجيال تعترف بأدبه ذي التخيلات كما قال عنه المحبي([4]) في ترجمته ، ولذلك ظلت في عداد الأدب النثري الممتزج بالشعر في ذلك العصر، وكأنها كانت إرهاصاً لهذا الفن الأدبي الطفولي.
ومع نمو الدراسات المتعلقة بنفسية الطفل وأصول تربيته في العصر الحديث بدأ الاهتمام بمسرحه الطفولي، وكانت أول مسرحية طفولية عرضت في نيويورك 1903م، ثم افتتح مسرح للأطفال في 1918 وشاهد الدكتور عبد التواب يوسف في أمريكا فرقة مسرحية للأطفال دون سن السادسة من العمر([5]).
ومن البديهي أن المسرح المعروض في التلفاز يختلف عن المسرح الحي وعن مسرح العرائس، إذ يحس المشاهد للمسرح الحي أنه يعيش الواقع وليس أمام تلفاز يلتقط بعض المشهد دون بعض، فضلاً عن أنه يفتقر إلى الروح الجماعية، أما مسرح العرائس فيصلح للتدريس لقلة تكاليفه وسهولة عرضه .
ومسرح الطفل يكتب عادة للتمثيل لا للقراءة، فالطفل لايستمتع بالقراءة، وإن كانت المسرحية قد كتبت بأسلوب سهل بسيط([6])، إلا أن بعض المسرحيات تكتب لتقرأ ولاسيما إن وجهت إلى المرحلة المتأخرة .
أنواع المسرح الطفولي :
للمسرح الطفولي أنواع متعددة متعددة حسب النظرة إليه :
أولا : فالنقاد يقسمون المسرح فنيا على المسرح الأرسطي، ومسرح تشيكوف ،ومسرح بريخت ، أما مسرح العبث أو اللامعقول([7]) فلا يناسب الصغار .
ثانيا : وينقسم حسب مراحل نمو الأطفال على مسرح يناسب مرحلة الطفولة الأولى، أو الثانية ، أو الثالثة .
ثالثا : المسرح حسب موضوعاته ينقسم على : المسرح التاريخي والوطني ، والاجتماعي التربوي ، وإلى المسرح التعليمي أو المدرسي
ومن حيث التمثيل وعدمه ينقسم إلى مسرح يمثل ، وآخر مقروء .
أولاً : أنواع المسرح فنيا :
1- المسرح الأرسطي :
وهو أنسب المسارح للأطفال فنياً ونفسياً لأنه يقوم على محاكاة فعل نبيل في مسرحية لها طول معلوم، بلغة مزودة بألوان من التزيين، وتختلف وفقا لاختلاف الأجزاء، وتتم بواسطة أشخاص يفعلون لابواسطة الحكاية، وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات([8]) .
ويعرف أنه مسرح يقوم على حبكة درامية تربط الأجزاء المسرحية بعضها مع بعض ، وتشتمل الحبكة على اختيار الشخصيات والأحداث واللغة، وتقوم على بداية ووسط ونهاية ، والاتصال بين حادثة وأخرى يجب أن يقوم على المعقولية والاحتمالية([9]) .
و يدرس فيها :
أ- الحوادث :
تعتمد حوادث المسرحية على مقدمة وعرض وخاتمة، وترتبط برابط السببية، وهذا ما يجعلها يسرة الفهم منطقية العرض، وتهتم بقانون الوحدات الثلاث([10]) وحدة الزمان والمكان والموضوع مما يجعلها أقرب إلى الواقع وما يجري فيه من أحداث، وقد عدل هذا عبر الزمن تعديلات كثيرة فصارت المسرحية أحيانا تتحدث عن أزمنة وأماكن متباعدة مستخدمة حيلا مسرحية كتغيير المناظر، وأدمجت المأساة بالملهاة ولم يعد أبطالها من النبلاء فحسب([11])، ومن هنا ناسب أن تعرض به مسرحيات من التاريخ الإسلامي عن أناس تعرضوا للتعذيب ونجوا منه بعد حين كما في مسرحية تتحدث عن "بلال الحبشي" مثلاً.
ومن الجدير بالذكر أن كاتب المسرحية التاريخية للأطفال يمكنه أن يغير ما شاء من حوادث ليجعلها مناسبة للطفل شريطة أن يحافظ على الخطوط العريضة للتاريخ ، فيكون التاريخ مُلهِمه، ثم يتصرف به بعد ذلك مجرياً حوادثه لا كما وقعت تماماً، وإنما كما يمكن أن تقع شريطة ألا يخرج به عن الحقيقة إلى افتعال ما ليس حقاً([12]).
ويستطيع الفنان المسرحي أن يستمد من التراث العربي والإسلامي ما يشاء متجاوزاً السلبيات لئلا يساء إلى شخصياتنا العظام.
ويجب البعد عن العنف، وعن افتعال المواقف ولاسيما في الحبكة ، وأن يكون حل العقدة معقولاً، وأن يسير الكاتب إلى الخاتمة بتسلسل منطقي محكم، وألا تتشعب الحبكة بقضايا جانبية لا تمس الموضوع الأصلي لأن هذا يشتت الطفل، كما يشتته تعدد الحبكات إلا إن تمكن الكاتب المسرحي بمهاراته من توظيف هذه الحبكات لخدمة الأهداف .
وتحوي المسرحية أيضاً صراعاً بين قوتين متضادتين ينمو بتصادمهما الحدث الدرامي، ثم يصطدم البطل بعقبة كأداء فينازلها، وقد تكون هذه العقبة بشراً أو حيواناً أو ظاهرة اجتماعية ما([13]).
ففي مسرحية "جزيرة النور"([14]) نرى الصراع ينشأ منذ البداية حين يصدر الملك أوامره بقتل الأطفال الذين يولدون، فتضع أخته وليدها في سرير وترميه في بحر فينشأ الطفل في غابة، وترضعه غزالة، ثم تموت هذه فيعود الصراع ولكنه في هذه المرة بين الطفل والطبيعة، ويعاني الطفل من جراء هذا الصراع معاناة مادية ونفسية شديدة ، وهو في طريق تكيفه مع أجوائها الطبيعية، إلى أن قدم إلى الجزيرة رجل صالح تعلم منه الكلام والدين.
وهكذا انتهى الصراع بالإنسان نهاية سليمة، إذ شعر الرجل بالاطمئنان في جو الإيمان، بعد أن أثارت المسرحية فينا عاطفتي الشفقة على أخت الملك والخوف من مصير ابنها الذي وضعته في سرير ورمته في البحر، وهذا الخوف والشفقة يؤديان – حسب رأي كتاب المسرح الأرسطي- إلى تحرير نفس الطفل من الانفعالات والتسامي بها إلى ما لا ضرر فيه وذلك بطريقة فنية، وكأن من يغلب عليه الخوف والشفقة يعالج بمشاهدة المآسي التي تثير في نفسه هذه الانفعالات فيحس سلوة مصحوبة بلذة ([15]) .
ب- شخصيات المسرحية :
يدور المسرح الأرسطي حول شخصية واحدة محورية تتمركز حولها الحوادث، وتتعاون الشخصيات الأخرى للكشف عن ملامحها، وقد تكون هذه الشخصيات بشرية أو حيوانية، وقد تكون زهوراً أو غيرها من مظاهر الطبيعة فكل ما في الوجود يصلح لأن يكون شخصية حية في نظر الطفل، لأنه يشخص الجماد في صغر سنه، فالمياه لديه تتكلم وتقول:
" أسبح ربي
رحمه الله في المطر
يصب الماء في البحر
أسبح أنا الله ربي"([16])
والحيوان يتكلم، ففي مسرحية فوفو السنجاب الصغير نرى هذا الحيوان يتقمص شخصية إنسان ويقول :
"السنجاب فوفو: أنا فوفو، ابن أختك
الخالة : فوفو ابن أختي ؟ وحيداً؟
" ودخل فوفو فاحتضنته خالته وهي تعجب لمجيئه وحيداً وقالت له:
- أين أمك؟
- في البيت يا خالتي .
- وكيف سمحت لك أن تأتي وحدك ؟ "
فهنا نرى الكاتب يجعل هذا الحيوان وخالته من جنسه يتكلمان بما يتكلم به الإنسان، ويتصرفان تصرفاته، وذلك اعتماداً على خاصية تشخيص الحيوانات والجمادات عند الأطفال.
بل إن المعنويات تشخص أحياناً، فالفاعل في نظر الطفل يتكلم ويقول:
من أنا يا أطفال
أجيبوني في الحال
الضمة تاجي أبداً
تسبقني الأفعال
فمن أنا؟ فمن أنا
من أنا يا أطفال
أنا الفاعل أنا الفاعل
في كل الجملة فاعل"
...
أصنع الأفعال
أتبع الأفعال
فمن أنا؟ فمن أنا
درس الولد
أنا الدارس
لعب الطفل
أنا اللاعب
زرع الفلاح
أنا الزارع
فالشخصيات هنا المادية والمعنوية تفوه بما يفوه به الإنسان وهذا يحتاج إلى براعة ذلك لأن الشخصية الرمز يجب أن تتصرف بما يتصرف به المرموز إليه، فالثعلب ماكر، والحمامة نشيطة، والفاعل تسبقه الأفعال، والمطر يصب في البحر وهو رحمة من الله سبحانه، وهو يسبح خالقه.
ويجب أن تكون الشخصيات قليلة العدد، حتى يستطيع الطفل التركيز خلال المشاهدة ومن ثم استيعاب الفكرة، وأن تكون أسماؤها من بيئة الطفل وأن تكون موحية بالدور الذي تقوم به، فجحا رمز لكل مرح ذكي، وأسماء الحيوانات تؤخذ من الوسط البيئي .
وأن تعبر الشخصية بأبعادها الثلاثة الجسمية والنفسية والاجتماعية عن واقع حالها ويتحقق البعد الأول الجسمي بظهور الشخصية على خشبة المسرح، أما البعدان الاجتماعي والنفسي فيتضحان من خلال المواقف التي تقفها، ولكل شخصية مزاجها وتفكيرها ومسيرتها الفنية لتحقيق الهدف من وجودها، فالبخيل في مسرحية (البخيل وجحا([17]) ) يكشف عن نفسيته فهو جشع وقد بدا هذا من خلال رغبته في الحصول على ما حصل عليه جحا ، فإذا كان جحا قد قدم قرعة غريبة للملك وحصل على كيس من الذهب فليقدم هو بقرة أكبر ليحوز على مال أكثر ، ولكن الملك سخر منه فخسر البقرة والمال فمرض من شدة حزنه .
وأحمد في مسرحية "الفوز العظيم" للدكتور علاء حسني المزين([18]) نراه مقرباً عند والده لأنه يحب قراءة الكتب ولا يضيع وقته سدى، ولما طلب والده من أولاده أن يصطادوا في مكان لا يراهم فيه أحد عاد هو بلا صيد لأنه كان يستشعر بمراقبة الله سبحانه له في كل مكان، مما جعله يكبر في عيني والده ويستحق الجائزة([19]).
وهذه الشخصيات على اختلاف أنواعها تتصرف تصرفات واقعية .
ويجب أن تنتصر الشخصيات الخيرة على الشريرة لتسود الفضيلة في الوجود.
ج- الحوار :
تعتمد المسرحية على الحوار اعتماداً كبيراً، فهو العنصر البارز والأهم، ويجب أن تسهم كل عبارة فيه في تطوير الشخصية أوالكشف عن خفايا نفسها، أو في تطوير الحدث ، ويشترط فيه أيضاً أن يكون حيوياً وبسيطاً بحيث يجعل الطفل المشاهد يحس بالواقعية.
أما الحوار الذاتي أو المونولوج الداخلي ففيه يحاور الشخص نفسه، وكأنه يجرد منها شخصاً يحادثه في مخيلته فيكشف به عن مكنوناتها وخفاياها، ويتطور بذلك العمل المسرحي.
ويجب أن يكون الحوار قصيراً ومركزاً، لأن المشاهد لا يستطيع استعادته كما يستعيد قارئ القصة ما فاته فهمه([20]) ، وأن يحوي إيقاعا موسيقيا، لأن جرسه العذب ينفذ إلى القلوب كالسحر، إضافة إلى أن نبرة صوت الممثل يجب أن تكون معبرة .
ولنقرأ هذا الحوار في مسرحية البخيل وجحا، إنه حوار قصير يتمتع بأسلوب جذاب ، وبه نغمة موسيقية محببة للصغار، وهو يكشف عن نفسية البخيل ويبين ما آل إليه حاله بسبب طمعه، فالبخيل كان يحدث نفسه ويقول:
"يارب اشفني وأعد لي صحتي ولتذهب بقرتي وكل مالي
فقال له حجا: ليتك تتعلم من هذا الدرس يا بهلول، لقد أعاد الحاكم إليك بقرتك.
قال بهلول: إنني أدعو الله بالشفاء، وليس بالبقرة يا جحا
قال جحا مداعباً: ونِعْمَ الخُلقُ يا بهلول، سآخذ البقرة وأعيدها إلى الحاكم "([21]) "
فلما سمع البخيل ذلك انتفض صارخاً: لا، لا تعدها إلى الحاكم، كفاني ما جرى لي، هاتها واذهب أنت، وادع لي بالشفاء أنت والحاكم .
فالبخيل طمع بأن يحصل من الحاكم على مثل ما حصل عليه جحا حينما أهدى الحاكم قرعة ولكن الحاكم عرف حسده ونيته فأخذ منه البقرة وأعطاه أكياساً مملوءة حجراً لا ذهباً، فمرض من شدة حزنه فتوسط له جحا ليعيد إليه البقرة، ولما دخل عليه رآه يحدث نفسه في حوار ذاتي يدعو به مولاه أن يشفيه، فالصحة أهم ما في الحياة وبذلك كشف قيمة من قيم الحياة، ولكن جحا أراد أن يداعبه ليكشف حقيقة نيته فقال:
سآخذ البقرة وأعيدها إلى الحاكم
فانقض وقال صارخاً لا، لا تعدها إلى الحاكم …."
فكشف بذلك عن نفسية البخيل وجشعه .
وقد جاء في حوار هذه المسرحية إيقاع جميل ايضا من مثل:
"يارب اشفني، وأعد لي صحتي، ولتذهب بقرني، وكل مالي"
و: "إنني أدعو الله بالشفاء، وليس بالبقرة يا جحا"
فياء المتكلم في العبارات السابقة، وحرف الجر مع الـ التعريف في " بالشفاء، بالبقرة" أضفيا على العبارات نغمة لطيفة، وإن كانت لم تصل إلى درجة الإيقاع في المسرحيات الشعرية أو النثرية الممتزجة بالأناشيد ، كما في المسرحية الغنائية " الأوبريت " نحن وهويتنا لصالحة غابش التي أجرت فيها حوارا حول العولمة والكتاب والهوية ، تقول الأولى :
" العولمة : أنا من يجعلكم عالما واحدا
وطنا واحدا
إنسان يشبه إنسانا
أوطان تشبه أوطانا
الهوية : وفي الأخلاق .. وفي القيم
سنرى أشكالا ألوانا
مجموعة : هذا هو السؤال فأجيبي
العولمة : (في حيرة من الإجابة )
طفل : هناك سلوكيات لاتناسبنا
" ثان : هناك قيم لاتناسبنا
" ثالث : فهل نتنازل ونقبلها ؟
مجموعة : لا لا .. لا
الكتاب : أنا عربي قبل أن أكون عولمي
الهوية : أنا مسلمة قبل كل شيء
الكتاب : وماذا عن لغتي ؟ هل ستكون من حصة العولمة ؟
لغتي أنا عربية لا أستهين بلفظها
أصل لكل علومنا ولكم فخرت بفنها
عربيتي عربيتي فيها بيـان هويتي
عربيتي عربيتي فيها أصول حضارتي([22])
فالكاتبة هنا أجرت حوارا اعتمد على نغمة واحدة تتكرر في روي كل مجموعة كحرف النون الموصولة بألف والمردوفة بألف قبلها في " إنسانا ، أوطانا " ثم النون الموصولة في " لاتناسبنا " ، كما اعتمد على تكرار " عربيتي عربيتي فيها " مع روي التاء المكسورة مما أضفى على الأبيات جمالا موسيقيا أضيف إلى الجمال المعنوي .
د- لغة المسرحية :
يجب أن تكون باللغة الفصحى، حفاظاً على هويتنا وثقافاتنا وتراثنا، وأن تكون اللغة سهلة مفهومة وأن تحوي رنة موسيقية عذبة سواء أكان الحوار شعرياً أم نثرياً وذلك ليجذب السامعين بالصوت والنغمة كما يجذبهم بالمضمون الهادف، ولذلك فالعبارات القصيرة أكثر تأثيراً، ولاسيما إن راوحت بين الجمل الخبرية والإنشائية، والعبارات الانفعالية تحرك القلوب وتجعل المسرحية أكثر نفاذاً وقابلية.
2- مسرح تشيكوف :
ويمتاز هذا المسرح بتعدد أبطاله وموضوعاته وإذا كان المسرح الأرسطي يدور حول شخصية واحدة وموضوع واحد فإن هذا المسرح قد تتعدد شخصياته وموضوعاته ولكن بعضها يرتبط ببعض بالهدف أو وحدة المصير التي تسعى إليها، أو القيم والأخلاق التي تمتاز بها الشخصيات، أو الشخصية الواحدة المتعددة المواقف وهو يناسب مرحلة الطفولة المتأخرة لأن الطفل يدرك خلالها الرابط الذي يربط بين الموضوعات([23]).
ومن الموضوعات التي تصلح لهذا المسرح بطولات مجاهدين كثيرين يسعون جميعاً من أجل تحرير الوطن أو نشر العقيدة، كما في الحرب بين المسلمين والصهاينة من أجل تحرير القدس وسائر الأراضي وسقوط شهداء في سبيل هذا الهدف السامي، وكذلك الموضوعات المتعددة التي ترتبط بشخصيات الأنبياء والمصلحين، ففي مسرحية فراش الرسول([24])r نرى ثلاثة موضوعات تنتهي إلى فكرة واحدة هي سمو أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وتنفيذه شرع الله مهما كانت الظروف . أولاها الفراش الخشن الدال على تواضعه لخشونته، وثانيها معاملته الحسنة لحاضنته أم أيمن التي طلبت منه أن يسقيها وحبه لابنها أسامة بن زيد بن حارثة، أخيه من الرضاعة، وثالثها أنه على الرغم من حبه الشديد له فإنه لم يقبل شفاعته في المرأة الشريفة التي سرقت، وهذه الموضوعات الثلاثة ترتبط بخيط واحد هو كرم أخلاق الرسول r واستقامته على الشرع مهما كانت الظروف .
3– مسرح بريخت:
وهو مسرح يعنى بالفكرة ويرمي إلى دمج الطفل بالعمل المسرحي، إذ لا يكفي أن يرى الطفل الحدث ويتأثر به ويتطهر، بل لابد من مشاركته في هذا العمل، وبذلك يتيقظ وعيه ويصل إلى الغاية . يقول الناقد جلال البشري " ليس المهم في العمل الدرامي ترك المتفرج وقد طهرت روحه كما في الدراما الأرسطية، بل تركه وقد تغير كيانه أو بالأحرى تركه وفي نفسه بذور التغيير التي ستنمو خارج المسرح"([25]) وذلك بأن يشارك في القرار بعدما تعرى الواقع أمامه، وليفكر كيف يصل إلى الحلول ومن هنا فإن المتفرج لا يقف موقفاً سلبياً بل تحدث المشاركة في القاعة بين الممثل والمخرج والمؤلف، سواء أكانت المشاركة دينية أم سياسية أم تعليمية..
وهذا المسرح قد لا يناسب إلا أطفال المرحلة المتأخرة 10-15سنة لأنهم يكونون أقدر على الاستنتاج والقياس.
ويجب أن ينأى صاحبه عن العنف لأنه لا يناسب الصغار.
ويصلح هذا المسرح للموضوعات السياسية والوطنية منها خاصة، إذ يشعر الطفل المشاهد بضرورة مشاركة الممثل في تحمل الأعباء تجاه الوطن، أو المساعدة في جمع الأموال للفقراء ولاسيما في أيام النكبات، ويروح ينفذ هذا بإشراف مسؤولين عن المسرحية، ولاسيما أن المسرحية التي تجسد الحركة تكون أقرب إلى مستوى الطفل وأسرع في استيعابه، ويمكن استغلال هذا المسرح في تربية الوازع الديني، وفي غرس القيم والمبادئ الفاضلة، ولا يمنع أن يدخل في هذا المسرح عنصر الفكاهة لأن الحياة الواقعية تحوي الجد كما تحوي الهزل .
ثانيا : أقسام المسرح حسب مراحل النمو :
الأطفال لايعجبون إلا بالمسرحيات التي تناسب تفكيرهم، ولذلك فقد جهزت لهم رسوم متحركة متعددة تناسب مراحل نموهم فتساعد على تنميتهم وزيادة خبراتهم، ومن هنا قسمت هذه المسرحيات على حسب المراحل ، فهناك مسرحيات للمرحلة الأولى ، وأخرى للمرحلة الثانية ، ثم للمرحلة الثالثة .
1- مسرحيات المرحلة الأولى:
وهي مسرحيات تقدم للأطفال بين الثالثة والخامسة من العمر، وتكون فكرتها بسيطة ويغلب عليها الخيال([26]) ، كمسرحية ليلى والذئب التي تعلم طاعة الوالدين، ومسرحية الملك الشره ([27]) .
تبدأ الثانية بأنشودة عن الصلاة وعن تلاوة القرآن الكريم، وعن قدرة الله سبحانه في مخلوقاته، فالشمس تسبح ربها، وكذلك الحيوانات والنباتات، والشجرة و قطرة الماء ، وكذلك الحمامة، ثم يأتي دعاء: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، ثم نشيد:
لله أنا شاكر لله
لله أنا حامد لله
لله أركع وأصلي
الحمد لله يا كريم
إذا أتيت الطعام قلت
الحمد لله يا كريم
وإذا لبست الثياب قلت
الحمد لله يا كريم
مالي قليل وبه قانع
الحمد لله يا كريم
فالقناعةُ كنزٌ ثمين
الحمدُ لله يا كريم
وهذا الحديث عن القناعة بالطعام والشراب وحمد الله سبحانه على نعمه هو صلة الوصل بين التسبيحات و جشع الملك وشرهه، وتبدأ القصة بظهور الملك عبد الغني وأمامه طعام كثير ولكنه مَلَّ هذه الأطعمة وأراد تفاحاً، أو طعاماً ألذ منه، وكانت زوجته تضيق ذرعاً بجشعه، وقد عزمت على تركه إن استمر على بعده عن ربه، لأنها أدركت أن الله سبحانه سيهلكه لبعده عنه ، لأنه أنعم عليه فحرم الناس.
ويأتيه وزيره ناصحاً، مذكراً له بنعم مولاه، ولكنه يصر على جحوده فيقول أحد الحاضرين:
طعامُه ما أحلاه
لكنه لا يشكرُ مولاه
ويسمع ثلاث طرقات:
" ياأهل المدينة ، من يأت بأطيب طعام ، خلال خمسة أيام ، له جائزة كبرى ، ومن يفشل يبق في السجن أعوام " .
ويتمنى أحد أبناء الشعب أن يحوز على جائزة الملك، ويقول لصاحبه:
هيا نصنع له طعامْ
حتى نأخذ الذهب أكوامْ
وينصحه ابناه مذكِّرَيْن له بنعم الله سبحانه لكنه لا يقبل وهنا يصدر صوت:
الطعام الحلال
يزيل الآلام
يبارك بالأموال
وبالأيام
فيقول الملك:
يا رب أريد أكثر من هذا الطعام
أنا غير مرتاح البال
لقد ضاقت علي الدنيا
آكل لا أشبع
نصيحةَ أولادي لا أسمع
ويقدم فقير يطلب من الملك مالاً فلا يعطيه، فيلومه الفقير لأن عنده بستاناً ونعماً كثيرة، ومع ذلك فهو يبخل بها، وتعزم المرأة على ترك زوجها البعيد عن ربه، ولكن مرضاً يعتريه جعلها تشفق عليه وتداريه، وقد اغتنمت فرصة مرضه لتنصحه فتاب إلى الله سبحانه وعاد إلى ربه.
موضوع المسرحية مما نراه في حياتنا الواقعية، وهي شكر المولى تعالى على نعمه، وضرورة مساعدة المحتاجين، ولاسيما إن كان المرء ذا مال وفير.
والمسرحية واقعية في حوادثها وإن كانت مثلتها أرانب صغيرة، ذلك لأن تصرفاتها مما يمكن أن يدور في ساحة الحياة.
وحوادثها يربط بينها رابط السببية، فلها مقدمة تبين عن قدرة الله في خلق الكون وما فيه وضرورة شكر الله سبحانه على نعمه طعاماً كانت أم ثياباً، وضرورة القناعة، ثم جاءت قصة الملك الشره الجشع لتمثل لنا شريحة من الحياة لا تشبع نفوسهم من الكثير ولا يستجيبون لنصح الناصحين إلى أن يبتليهم الله بمرض فيتذكرون ربهم ويتوبون إليه.
ولا نرى في هذه المسرحية حبكة، إذ استعاض عنها المؤلف بمرض الرجل وتوبته بعد نصح زوجته.
وجاءت المسرحية على لسان شخصيات حيوانية لكنها تقمصت أدوارا بشرية، وكانت قليلة العدد فهناك الملك وزوجته وابناه والفقير وهي شخصيات يمكن للطفل أن يستوعب تصرفاتها، وقد رسم الأديب أبعادها، فهناك الملك ويعرف من تاجه، والفقير ذو الثياب الرثة، والزوجة الناصحة، ولكل شخصية مزاجها وتفكيرها وتصرفاتها التي تخدم المعنى.
وأسلوب المسرحية بسيط وقد حوى إيقاعات موسيقية في أناشيده الدينية إذ توحدت فيها القافية في كثير من عباراتها الشعرية، وإن كان بعضها جاء من شعر التفعيلة، لكن الكاتب استطاع أن يحقق به أيضا نغمة مناسبة للأطفال على نحو قول الملك:
أنا غير مرتاح البال
لقد ضاقت علي الدنيا
آكل لا أشبع
نصيحةَ أولادي لا أسمع
فالكاتب استعان بالمدود لإضفاء نغمة عذبة إضافة إلى تنغيم الروي بتكراره وتساوي الصوت زمنيا في " لاأشبع " و " لاأسمع " وهذا ما جعل النص قريبا من أذواق الأطفال في المرحلة الأولى .
الهدف : العنصر الديني بارز في هذه المسرحية من خلال أناشيدها ونصائح الزوجة والولدين للملك وحينما تاب الملك إلى ربه وأناب.
وهذه المسرحية التي شاهدتها ورأيت الحيوانات وتصرفاتها، وسمعت أحاديثها و نبرات أصواتها تناسب مرحلة الطفولة الأولى (3-6 سنوات) مضمونا وفنا .
2- مسرحيات المرحلة الثانية :
وهي مسرحيات تقدم للأطفال بين السادسة والتاسعة من العمر ، وفيها يمتزج الخيال بالواقع ، ويركز على القيم الدينية وعلى القضايا التربوية وعلى الانتماء الوطني([28]) . ومن المسرحيات المناسبة " حواريات الحاسوب[29] " وهي مسرحية بسيطة الأسلوب ويجري الحوار فيها بين فتاتين عربيتين إحداهما تدعى شذا والأخرى شهدا ، وتقطن إحداهما في بلد غربي ، وهما يستخدمان الحاسوب للتواصل فيما بينهما ، وكان الحديث عن التربية في البلدين .
تبدأ الحوارية بسلام شهد :
شهد : السلام عليكم
شذا : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شهد : عم نتكلم اليوم ؟
- عن التربية
- نتلقى تربية راقية هنا في أوربا
- تقصدين تعليما راقيا
- هل هناك فرق بينهما
- طبعا
- ماهو
- التعليم جزء من التربية
- ماهي الأجزاء الأخرى
- عرفت هناك تربية إسلامية وأخرى غربية
- التربية الغربية لإعداد المواطن الصالح
- لكنهم غير صالحين
- ما مفهوم الصلاح ؟
- وهل الصلاح إلا طاعة الرحمن ؟
وتتابع :
- التربية الإسلامية تعد المواطن الصالح
- مواطن وإنسان
- باختصار المواطنة واجبات وحقوق دنيوية
- فهمت ، وإعداد الإنسان يكون للدنيا وللآخرة
- ياسلام ، تمام
- لذلك كان الفرق بيننا وبينهم واضحا
- صحيح . والآن علي أن أدع النقاش
- وأنا كذلك
- إلى اللقاء "
فكرة هذه الحوارية تدور حول الفرق في التربية بين الأسلوب الإسلامي والطريقة الغربية ، وقد يقال إن الفكرة لمرحلة أعلى مستوى من المرحلة الثانية ، ولكن بساطة الطريقة التي عرض بها الحوار دون أن يتعمق الكاتب في الفكرة وإيجاز العرض يجعلني أجعل المسرحية بله الحوارية مناسبة للمرحلة الثانية .
وقد ركزت هذه الحوارية على الهدف التربوي من وجهة نظر إسلامية ، فالتربية الغربية بعيدة عن الدين وهي تهتم ببناء الإنسان الصالح ، بينما تربية الإسلام تتطلب مواطنا صالحا للدنيا والآخرة معا
3- مسرحيات المرحلة الثالثة :
وهي مسرحيات تقدم للأطفال من سن العاشرة حتى آخر مراحل الطفولة، وفي هذه المرحلة يبدأ إعداد الأطفال لمواجهة الحياة والدخول في معتركها على أسس سليمة ([30]) ، ومن المسرحيات المناسبة لها جزيرة النور([31]) ، وهي مسرحية في تسع حلقات اقتبست حوادثها الكبرى من التراث الإسلامي، ولاسيما من القرآن الكريم وتفاسيره التي حكت لنا عن فرعون حين عزم على أن يقتّل أبناء بني إسرائيل حينما يولدون، إلا أن الله سبحانه نجى موسى حين وضعته أمه في صندوق ورمته في البحر.
كما اقتبست حوادثها بعد ذلك من قصة حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي([32]) ، وتحكي هذه عن طفل وضعته أمه في صندوق لسبب ما، ورمته في البحر فقذف به البحر إلى شاطئ، فرأته غزالة أرضعته، فلما كبر الطفل صار يفكر بمن أوجد هذا الكون، ومن أشعل النار، ومن أنزل المطر وغير ذلك من مظاهر الطبيعة، ثم جاء إلى الجزيرة رجل من جزيرة مجاورة يدعى أبسال فعلمه المشي والكلام، وأدرك حي بن يقظان أن ما توصل إليه أبسال عن طريق الرسل كان قد عرفه عن طريق التفكير([33]).
وهذه القصة التراثية اقتبستها مسرحية جزيرة النور، وكانت "النور" رمزاً للهداية التي توصل إليها (عبد الله) والتي طابقت ما جاء به الرجل (الصالح)([34]).
تبدأ الحلقة الأولى أو المشهد الأول فيها بنشيد هو :
تجولُ في الأذهانْ
حكايةُ الإنسانْ
ونشأةُ الأكوان
في العالم الفتان
*** *** ***
تدور في الجزيرة
حكاياتٌ مثيرة
ويَجْهَد الإنسان
بحثاً عن الإيمان
ويكبُرُ السؤالْ
ويكبر السؤال
مَنْ جاء بي إلى هنا؟
مَنْ جاء بي ومن أنا؟
من جاء بي من جاء بي؟
من جاء بي إلى هنا؟
*** *** ***
ويَطْلُق التفكيرْ
لما غدا كبيرْ([35])
يبحثُ عن مولاه
حتى اهتدى أخيراً
ثم يسمع صوت راو دون أن يرى، وهو ما يسمى فنيا "بالهاتف" يقول :
لهذا الكون خالق عظيم، أوجد الأشياء، وأرسل الرسل، ليكون البشر موحدين، يرجون جنته، ولتسير حياتهم وفق هداه، كما أمر به.
ثم تظهر على الشاشة صورة جزيرة وصوت الراوي الهاتف يقول:
على هذه الجزيرة كان يعيش أناس لا هدف لهم ولا غاية، همهم الأكل والشرب، والمال يجمع بالحرام، وحاكمها ظالم، وقد رأى في نومه أن طفلاً سيأخذ ملكه، فأمر بقتل الأطفال.
وأنجبت أخت الملك ولداً فكتموا عنه النبأ ثم أخبره واحد بذلك فطلب إحضار الطفل، وعلمت أمه بذلك فوضعته في صندوق ووضعته في البحر واتجهت إلى الله سبحانه بالدعاء وهي تبكي وترجوه قائلة:
- (إلهي إني أتركه لعنايتك)
وقد رافق الحدث صوت الراوي يقول :
(قدرةُ الله سترعاه
عينُ الله سترعاه )
ثم انطلق صوت يا رب بنغمة المتلهف المستغيث
ثم عرضت صور طيور حامت حول البحر الذي وضع فيه الطفل، وكان المد والجزر قد بلغ مداه فقذف بالصندوق إلى البر. وجاء صوت الراوي بنبرة مؤثرة :
"سبحان الله …
سبحان مَنْ أَطلقَ الجناحَ للطير
سبحان اللهِ الواهبِ الرزاق "
ثم قال : "حملَتْ إرادة الله الطفل بعيداً عن ظلم البشر، وقبض على الأم وزوجها، وعذبا ليدلا على مكان الطفل، وماتا تحت التعذيب" .
وزلزل الله الأرض فهدم الجزيرة ومات حاكمها الظالم .
وفي المشهد الثاني أو الحلقة الثانية : يرى الطفل على الجزيرة يبكي بكاء شديداً، ثم يسر الله سبحانه له غزالة فقدت وليدها فأشفقت عليه وتولت إرضاعه فهدأ بكاء الطفل ونام. فحملته بأسنانها إلى مكان بعيد خوفاً عليه من أمواج البحر، وكانت كلما سمعت صوته أرضعته.
نشيد :
يا ربنا …. يا ربنا خلقتنا يا ربنا
يا ربنا إلهنـا ما أعظمك يا ربنا
وكبر الولد وصارت أمه الغزالة تطعمه الفواكه من الشجر وصار يقلدها في شربها وطعامها وحياتها.
وفي المشهد الثالث نرى الطفل قد كبر وراح يتعرف ما يحيط به، وكان يقول: (لماذا لا أملك شيئاً أدافع به عن نفسي ؟ ) وصار يغطي جسمه بأوراق الشجر؟، وصار يفكر في المخلوقات التي تختلف عنه، ويحاول أن يتعرف مخلوقا يشبهه وقد ولدت الغزالة غزالاً كأمه ولكنه لا يشبهه، وتمنى لو كان مثله وصار يفكر: من جاء بي إلى هنا ؟
الهاتف في نشيد:
حكاية الإنسان
ونشأة الأكوان
في العالم الفتان ...
من جاء بي إلى هنا
من جاء بي ومن أنا
صوت الراوي:
الله … الله…
الله … الله …
وصار يشعر بالضيق، ويتساءل عما يجمع بين الغزالة والقطيع؟ فإن كانت الغزالة أمه فلم لا يشبهها ولا يشبهه وليدها ؟ ويروح يتساءل : من جاء بي إلى هنا… ? .
وعاش الفتى يلتمس السبل التي تجعله يتشبه بالحيوانات، ووضع له ذنباً وقروناً ليشبه الغزالة، ثم أمسك القرون وعرف أنها وسيلة للدفاع عن النفس ، وبدأ يشعر بالخوف من الحيوانات، وقد لحقته عنزة فهرب منها فوقع على الأرض فلما شمته تركته فصار يبكي:
نشيد :
يارب … يارب … يارب...
الله … الله … الله … الله…
اللهُ الخالقُ ... يا الله
الله الرازقُ ... يا الله
الله الهادي … يا الله
الله … الله .. الله … الله …
وسمعت الغزالة صوته فسارعت إليه فأمسك بها بحنان وحب ومشى معها مطمئنا .
وفي المشهد الرابع نراه يمسك العصا ويضرب بها الحيوانات التي تريده بسوء وجاء التيس فضربه على رأسه فخاف وهرب، وكانت الغزالة ترقب حركته، واكتشف أن يديه تساعدانه على إضفاء قوة لديه ، ثم فكر كيف يحصل على الثمر دون أن يتسلق الشجر .
الراوي الهاتف (كان يشعر بأن الحياة لا تكتمل إلا بوجود الآخرين، كان يبحث عن شبيه له ويسأل:
من أوجدني؟
من أين جئت؟
لعله يهتدي ،لعله يعرف هداية
ويقول في غضب:
من أوجدني؟ من جاء بي إلى هنا؟
ومن أنا ؟
ثم تعرّف السمك الذي جاء إلى حفرة صغيرة مرمياً من البحر، وكان يحب ابن الغزالة الصغيرة ويفكر:
من علمه الجري ؟ أمه ؟ لا، وأنا لم أعلمه !!
فيجيء صوت الهاتف في نشيد:
سبحان الله
سبحان من أطلق الجناح للطير
سبحان الله الواهب الرزاق
وتعرض "صور عن قدرته تعالى"
ثم راح يفكر كيف تعرّف الصغير أمه ؟
وظل الولد يجرب السباحة وأدرك أن صدره إذا امتلأ بالهواء ساعده ذلك عليها فظل يجرب ويجرب حتى تعلمها.
نشيد: حكاية الإنسان
ونشأة الأكون
في العالم الفتان
من جاء بي إلى هنا ؟
وفي الحلقة الخامسة استلقى الطفل في الجزيرة ثم راح يقفز بها وكانت هذه الحركات كافية لإسعاده، ثم وجد جثة نسر لم يجد منه إلا جناحيه، فوضع الجناحين له وقال سأطير مثل الطيور… وجرب ذلك ولكنه لم يستطع ذلك فصار يسأل عن السبب ورأى الطيور تقفز قبل الطيران ثم تحرك جناحيها فحاول أن يقلدها ولكنه لم يستطع على الرغم من التجارب العديدة.
لم يكن يدرك أن الله سبحانه خلق في الطيور مايساعدها على الطيران ولكنه اقتنع أخيراً بأنه لا يستطيعه ، فبكى فسمعت الغزالة صوته فجاءته مسرعة.
كان الطفل سعيداً بجناحي النسر لأنه رأى نفسه يشبه حيواناً ما .
ومرضت الغزالة الأم ورقدت في الكهف فحزن لمرضها وحمل إليها الطعام، ولكنها امتنعت عنه فراح يفكر ماذا سيفعل ؟ وحاول أن يحملها لتشرب ولكنه عجز عن ذلك فكسر فاكهة وجعلها وعاء جلب به الماء وبذلك نما تفكيره من خلال التجارب.
لم تعد الغزالة تستطيع الحركة كما أنها لم تعد تأكل وتشرب فازداد حزنه عليها، ولكن الغزال الصغير لم يعد يأتي لتراه أمه فأدرك أن الحيوانات لا تعرف الحزن كالإنسان ولا تعرف الألفة مثله وهنا أدرك أنه يختلف عن الحيوانات .
نشيد :
الله … الله … الله … الله …
ثم ماتت الغزالة فاستلقى إلى جوارها حزيناً ونام، ولما استيقظ وجدها قد برد جسمها فصار يتساءل لم لا تتحرك وأعضاؤها سليمة ؟ وهكذا بدأ يتعرف معنى الموت..
وفي الحلقة السادسة لم يكن من السهل على الولد أن يدرك مفهوم الموت لم يكن يفكر يوماً أن الموت سيأتي للغزالة، شاهد موت الكثير من الحيوانات ولكنه لم يكترث، ثم رأى الغزالة لا تتحرك ففهم معنى الموت.
نشيد:
الله الخالق يا الله ...
صار يبكي كثيراً وسمع نشيد:
من جاء بي إلى هنا ؟ ...
وواصل البكاء وسأل نفسه :
هل سأسير وحدي ؟ مستحيل .. من سيساعدني ؟
وسمع صوتا ضخما حال دونه ودون سماع أي شيء فصار يفكر: إن شيئاً يأتي فيوقف عمل شيء آخر.
ثم صار يفكر ما الشيء الذي يمنع الإنسان من الحركة ؟ وأدرك بعد تجارب أن الصدر في منتصف الجسد هو الركيزة .
نشيد :
يا ربنا ...
واستمر على البحث وصار يضغط على الغزالة ووجد القلب فتفحصه فوجد أحد فتحتيه فارغة إذاً هناك شيء كان يملأ هذا القلب ثم فرغ ، أين ذهب ؟ وكيف خرج ؟ وهل خرج بمحض إرادته ؟ ما هذا الشيء؟ ثم أدرك ضعفه وقال: لا أعرف وليتني أعرف .
ولما شم رائحة الغزالة الكريهة عرف أن الذي فارق الجسد هو الكائن الحقيقي ودونه يغدو المخلوق جثة هامدة ، وجاء غراب فبحث في الأرض فأدرك أن عليه أن يفعل مثله ليدفن الغزالة، وهنا يكون الكاتب قد استفاد أيضاً من قصة قابيل وهابيل في القرآن الكريم .
ويهتف نشيد:
حكاية الإنسان… ونشأة الأكوان …
وفي الحلقة السابعة رأى الولد مياهاً حارة فسعد بحرارتها عندما انغمس فيها، ثم اكتشف النار بضرب حجرين وأعاد التجربة وأعجب بها ، ثم رأى مياهاً كريهة تخرج من الجبل وتلتصق بقدمه، فتفحص الجبل ليعرف ما هو، دخل الجبل فعرف الكهف.
تفقد جميع أنحاء الجزيرة ولكن أعماق الكهف لم يعرفه لظلمته فخرج بسرعة ولكنه فوجئ بالمطر والبرق والرعد وعرف أن البرق يشبه النار التي تخرج من الصواعق.
ثم نزلت صاعقة على الأشجار فأحرقتها فعجب من هذه النار التي تلتهم الأشجار فرأى غصناً فيه نار فأخذه فأعجب بدفئها ثم رآها تحرقه ، ونزل المطر الكثير فأوقف النار وحلّ الليل وراح يفكر في النار التي التهمت الشجر، وفي المطر الذي أوقف النار وأدرك أن الدفء يلازم الحياة فتساءل هل كانت توجد نار في جسد الغزالة ثم ذهبت؟ ولكن إلى أين؟ الدفء ذهب من الغزالة، والدفء من النار إذاً النار شيء عظيم يمنح الحياة… نعم ولكن ما النار وكيف تهب الحياة… ولهذا راح يضرب الحجارة ليستخرج النار وذات يوم وقد شيء غريب… واشتعلت النار فأخذ منها شيئاً إلى الكوخ، ألقى سمكة فيها فرأى لها رائحة طيبة ، ثم ذاقها فرأى طعمها لذيذا .
الراوي : كان همه ليس في المطعم والمشرب ولكن في الشيء الذي يبعث الحياة
ثم عرف عندما نزل المطر أن النار ليست أهم شيء لأن الماء يطفئها.. وراح يفكر وأدرك أن النار لم تكن في الغزالة ثم خرجت منها لأنه رآها تموت ولم ير النار تخرج منها؟. وفكر وفكر ويسّر هذا له طريق المعرفة.
وفي الحلقة الثامنة نرى الولد يفكر ويفكر ويسأل : هل للتفكير وجود حقيقي في جسدي
- كان يرى في نومه أنه يطير وعندما يستيقظ يرى نفسه في مكانه وأدرك معنى التفكير.
- وضع بيضة في عش البومة وأراد أن يراقبها فرأى صغيراً يخرج ويجري نحو الماء ويسبح فوقها بسهولة… قال أنا لم أستطع السباحة إلا بعد جهد. وراح يفكر مَن علم هذا الطائر؟ وأدرك أن الإنسان كائن يفكر ليجد جواباً لكل سؤال …
وتنزل الأمطار ، صوت :
ياربنا خلقتنا ما أعظمك
يا ربنا …. يا ربنا خلقتنا …. يا ربنا
يا ربنا … إلهنا ما أعظمك … يا ربنا
أجريت عيناً بالديار
أجريت عدلاً في السماء يا ربنا
تدخل ليلاً في النهار
وتشق نهراً من الأمطار ... ياربنا
يا ربنا … يا رب … يا رب …. يا رب…
ثم قال:
- لا بد أن من وهبني الحياة يحبني وأنا أيضاً أحبه، أحببت الغزالة وتشوقت إليها .
رأى النحل والعسل فتذوقه وأحب طعمه.. وقرر أن يواصل البحث، وعرف أن النار تضيء الظلام في الكهف وفكر:
إن ما في الكهف سرٌّ يجب أن أتعرفه .
وهنا قادته قدماه إلى دخول الكهف فدخله.
وفي الحلقة التاسعة والأخيرة نرى الفتى خرج من الكهف ففرح كثيراً، وأدرك أن الله سبحانه يحبه، ثم راح يبني بيتاً من خشب وشجر يقلد به الكهف.
ثم جاء إلى الجزيرة رجل غريب سمته القصة الشيخ صالح، وكان هذا يبحث في الجزيرة ليتعرف أحوالها ففرح به عبد الله لأنه يشبهه، وصار صالح يعلمه الكلام وألبسه مثل ثيابه وقال الشيخ صالح له بعد مدة: إن التفكير ألهمك معرفة الله، وصار يعلمه ما جاء به الرسول r ، ثم أراد أن يتعرف حياة البشر ليحدثهم أن الله موجود وأنه سبحانه كان معه في كل حياته، فركبا سفينة وذهبا إلى جزيرة الشيخ صالح .
الدراسـة الفنيـة
استطاع الكاتب في هذه المسرحية أن يطوع التراث حتى يكون مناسبا لأدب الأطفال :
1- ففكرة المسرحية تدور حول معرفة الله الخالق للوجود ، وأن عقل الإنسان يهديه إلى معرفة الله سبحانه .
2- الحوادث
استمدت المسرحية حوادثها من الواقع والخيال فمن الواقع ما أخذته عن :
1- تفاسير القرآن الكريم مما يدور حول قصة موسى وفرعون ورغبة الطاغية بقتل أولاد بني إسرائيل لحلم رآه.
2- التراث الإسلامي: من قصة حي بن يقظان للفيلسوف ابن طفيل ، وهذه بدورها متأثرة بكتب التفاسير والتراث ، ففيها قصة الغراب الذي قتل صاحبه ثم حفر في الأرض ودفنه فتعلم منه البطل كيف يواري جثمان الغزالة ، وقصة عباس بن فرناس الذي حاول الطيران فوضع له جناحين وطار بهما فأخفق . كما أن فيها حديثا عن العلم ومظاهر الطبيعة كحركة المد والجزر ، وطريقة إيقاد النار باحتكاك حجرين ، وطهي السمك قبل تناوله ، وفكرة الموت والحياة، ونزول المطر ،وتشابه المخلوقات لأنواعها خلافاً للإنسان ، والمياه المعدنية والبترول واشتعاله ، والمطر وأهميته .
وأما العنصر الخيالي المشترك بين حي بن يقظان وجزيرة النور فيقوم على تربية الغزالة للطفل . بل يمكننا أن نقول إن جزيرة النور هي حي بن يقظان مع تعديل في طريقة ولادة الطفل([36]) .
وجاءت الحوادث في موضوعين أساسين ، الأول منهما كان عن الملك الظالم الذي سبب وضع الطفل بالبحر ، والثاني حياة الطفل في الجزيرة مع الغزالة ثم وحيدا ثم مع الرجل الصالح ، وقد خدم الموضوع الأول فكرة النص وهي أن الله مع الإنسان حين يستغيث به كما كان مع الأم حينما تستغيث بالله وهي تضع ابنها في البحر ، وبذلك تحققت الوحدة العضوية في النص .
و سارت المسرحية بعد ذلك سيراً منطقياً لتخدم الهدف الذي أرادته، وهو أن المرء بالتفكير يصل إلى ربه.
ولا توجد حبكة في هذه المسرحية فهي تنتقل بعد رمي الطفل من حدث لآخر دون أن تتأزم الحوادث أو تتصارع .
لكن الصراع كان في المسرحية على نوعين :
1- خارجي : في مقدمة المسرحية عند الحديث عن الملك الظالم .
2- وداخلي : في خوف الأم على ابنها وهي تقذف به في البحر .
وخوف الصغير على الغزالة ، وصراع ذاتي حول الإنسان وتشابهه مع المخلوقات الأخرى ، ثم الصراع حول الوجود ومحاولة تفسيره .
3- الشخصيات :
شخصيات المسرحية محدودة،فهي الملك الظالم وأخته وزوجها والواشي والمخبر الأخت ، وقد اختفت هذه الشخصيات جميعافي المشهد الأول لأن أدوارها انتهت بالزلزال المدمر بعد مقتل الأخت وزوجها .
وهناك الطفل ثم الرجل عبد الله بطل المسرحية ، والغزالة .
وتعد الطبيعة بما فيها من حيوانات وجمادات شخصيات تسهم في أداء الفكرة عن الوجود وخالقه .
وقد عرضت الشخصيات بالطرق الآتية :
1- الطريقة التحليلية : وهي أن يتحدث الراوي بضمير الغائب ، كما في إخباره عن الناس وحياتهم المادية التي كانوا يعيشون عليها .
2- الطريقة التمثيلية الحوارية : وهي الأكثر في هذه المسرحية التلفازية كما في الحوار بين الملك والأخت من جهة ، والبطل والرجل الصالح من جهة أخرى .
3- وبطريقة تيار الوعي الباطني كما في حديث الطفل عن الموت والحياة، وسؤال نفسه عمن أوجده .
وقد رسم المؤلف أبعاد الشخصية :
1- فالبعد الجسمي ظهر به الطفل وليدا ثم طفلا ثم شابا يتأمل الكون، ثم رجلا مع العبد الصالح .
2- البعد الاجتماعي : صور لنا ظلم الحاكم ، كما رسم شخصية عبد الله يحاول أن يتعرف الموجودات ليتشبه بها ويصادقها، وأنسه بالغزالة التي أرضعته وحنت عليه.
3- البعد النفسي : عرفنا من خلاله معاناة الإنسان حينما يعيش وحيدا لايرى معه أحدا يشبهه ، كما عرفنا حبه لله سبحانه حينما أحس وجود خالق لهذا الكون يوفر له الأمان ، وأدركنا إلفته للحيوانات يعوض بها عن حنان الإنسان حينما افتقده ، مع خوفه من بعضها ...
4-الحوار :
أبرز مافي الحوار الذاتي الداخلي بين الطفل ونفسه، وقد ظهر هذا أحياناً على شكل أنشودة يتساءل فيها :
من جاء بي إلى هنا؟ من جاء بي ؟ ومن أنا؟
وقد عمل الحوار على تطوير الحوادث كما في الحوار الذي جرى بين الملك ومن وشى على أخته إذ أدى هذا إلى وضع الطفل في البحر .
كذلك عمل الحوار الذاتي على تطوير الحوادث ، فرؤية الصغير ابن الغزالة يشبهها جعله يدرك أن كل مخلوق يشبه أمه، وسؤاله عن سبب موت الغزالة أدى إلى البحث عن الموت والحياة ...وكان الحوار في جمل قصيرة مركزة لأنه حكى عن تأملات وفكر كانت تراود الصغير .
5- الأسلوب :
وأسلوب المسرحية جاء بالفصحى ، وكان سهلا وقد تخلله أناشيد شتى أضفت على الأسلوب نغمة محببة، كما أنها صارت عنصراً مشوقاً.
6- البيئة :
أدى المكان وظيفة فنية إذ حرك مخيلة الصغير حول الكون وموجده ومن ثم كان عاملا مهما في بناء شخصية الطفل وبناء المسرحية عامة، فالبحر قذفه على الشاطئ ، والغزالة ربته في هذه الأجواء الطبيعية ، والكون وما فيه جعل الطفل يفكر في الخالق ومخلوقاته ويتساءل باستمرار " من جاء بي إلى هنا ؟ ومن أنا ؟ "وأخيرا انتهى إلى أن هذه الأمكنة بما تحويها أوجدها موجد قادر أقوى من كل شيء .
أما البيئة الزمانية فكان لها دورها فالصغير الرضيع كبر في أحضان الغزالة ثم شب وقوي عوده ونما تفكيره مع مرور الزمن حتى توصل في مرحلة نضجه العقلي أو شبابه ، إلى أن لهذا الكون خالقا رحيما محبا للإنسان ، وبهذا انطوى الزمان سريعا وساعد العرض التلفازي على أداء هذه الأدوار في مدة زمنية لاتزيد على ساعتين .
7- الأهداف
حققت هذه المسرحية أهدافها:
1- العقائدية فقد وجهت المسرحية كلها لمعرفة الخالق سبحانه الذي يتوصل الإنسان إلى معرفته بالتفكير والتأمل ، ومعرفة علاقته بالله سبحانه، ثم معرفة أن الله سبحانه يحب الإنسان وينقذه من المهالك.
2- التربوية: عرفت الأطفال على أهمية الصداقة، وحب الأهل، والدفاع عنهم والتضحية في سبيلهم الشفقة على الحيوانات.
3- التعليمية والتثقيفية: مثل كيفية التفكير لمعرفة الحق من الصواب، والموت والحياة ، وأهمية النار وطرق توليدها والإفادة منها ، والكهوف في الجبال وأهميتها، وتاريخ فرعون وموسى وقابيل وهابيل ، وعباس بن فرناس . وهناك أحاديث الراوي المؤثرة باللغة الفصحى مما يجعلها تنفذ إلى قلوب الصغار وعقولهم.
4- الفنية: تحققت بعرض المسرحية عرضاً فنياً جذابا مما أدى إلى تنمية الذّوق لدى المشاهد بالمناظر الطبيعية الخلابة ، وباللغة والأناشيد الطربة لتجذب الأطفال بنغمها العذب.
ثالثا : أقسام المسرح حسب موضوعاته :
ينقسم المسرح حسب موضوعاته إلى مسرح تاريخي ووطني ، وآخر تربوي واجتماعي ، وثالث تعليمي .
1-المسرح التاريخي والسياسي :
وهو مسرح استمدت موضوعاته من التاريخ القديم والمعاصر كتلك التي تتحدث عن عصر النبوة والفاتحين أو عن قضايا فلسطين والبوسنة والهرسك .
ومن هذا النوع مسرحية "عجائب وغرائب في طريق اكتشاف المسلمين لأمريكا للمؤلفة([37]) " للمؤلفة وتتحدث عن محاولة الفتية المغرورين لاكتشاف أمريكا وما لا قوه في طريقهم من عجائب وغرائب .
طالعتنا المسرحية في مستهلها بحديث يجري بين أب وأولاده عن حضارة المسلمين ، وقد ذكر لهم أن ابن جيرانهم سافر إلى أمريكا للدراسة ثم بين لهم أن المسلمين الأوائل وصلوا إلى أمريكا وعرفوها ، وذكر لهم الفتية المغرورين الذين وطئتها أقدامهم في عهد قوة المسلمين وحضارتهم العظيمة في العصور الوسطى حين كانت أوروبا تعيش في ظلمات الجهل ، ثم سأل أحمد عن الفتية المغرورون فعرفه بهم ، فهم ثمانية أفراد من إسبانيا " الأندلس الإسلامية الضائعة " سمعوا بأن الأرض كروية ، وأن هناك أراضيَ خلف هذا البحر الواسع ، الذي يسمونه بحر الظلمات لكبره فأرادوا تعرفه، فسافروا مدة اثني عشر يوماً ، ثم اتجهوا بسفنهم في البحر اثني عشر يوماً إلى الجنوب ، وسأل أحمد :
أحمد : ألم يروا جزراً خلال هذه المدة كلها ؟
الأب : بلى يا بني رأوا مجموعة جزر في البحر تسمى "الخالدات " وكان أكبرها جزيرتان ، وقد عرفت هاتان الجزيرتان في الآثار العربية إذ ذكرت أن اسميها هو مسفها ، ولغوس .
أحمد : في الآثار العربية .
الأب : نعم يابني ، فللعرب خبرة طويلة في علم البحار .
سلطان : وما الذي رأوه يا أبت في هذه الجزر ؟
الأب : رأوا أصناماً كبيرة طول إحداها مئة ذراع ، وفوق كل صنم منها صورة من نحاس تشير بيدها إلى الخلف .
الأب : أجل يا بني لقد قلت لك إن العرب وصلوا ، وسجلوا على الصنم عبارات باللغة العربية .
أحمد : إذاَ لغتنا العربية قديمة جداً .
الأب : لغتنا يابني لغة حضارة وعلم ، وقد كتبت بها علوم البلدان وحضارات الأمم القديمة والحديثة ، ولكن المستعمر يهاجمها ويدعي أنها لاتستوعب معاني الحضارة المعاصرة.
راشد : ولم يا أبتِ يهاجمها .
الأب : لأن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولغة تراثنا العربي وإذا ما أضعناهما أضعنا شخصيتنا وقوتنا وهويتنا ، وحينذاك يستطيع العدو أن يغلبنا ويسيطر علينا .
سلطان : لن أقرأ اللغة الإنكليزية بعد اليوم .
الأب : لا يا بني احفظها لكن احفظ لغتك العربية قبلها جيداً فهي الأصل ، والإنجليزية أو غيرها الثانية ، ومن تعلم لغة قوم أمن شرهم وعرف مكرهم .
- سلطان : نصائحك قيمة دائما يا أبي الحبيب
وتابع: - وماذا فعل الفتية عندما رأوا الصنم ؟
الأب : عجب الفتية المكتشفون لما رأوا هذه الكتابات العربية ، ولما قرؤوها وجدوا أن باني هذا الصنم هو أسعد بن أبي كرب الحميري اليمني .
أحمد : وهل كانت اليمن ذات حضارة عظيمة ؟
الأب : نعم يابني .. وقبر أسعد هذا في هيكل مبني من المرمر والزجاج الملون .
سلطان : الزجاج الملون ؟
الأب : نعم يا بني ألم يذكر الله سبحانه وتعالى في قصة سليمان وبلقيس أنه بنى لها صرحاً ممرداً من قوارير " أي من زجاج "
أحمد : سبحان الله … مانراه من حضارة اليوم فعله أجدادنا في القديم .
الأب : ولذلك عليكم أن تعتزوا بأمتكم العربية والإسلامية وحضارتها المجيدة .
وتابع : وهذا الحاكم اليمني هو الذي وصل إلى طرفي الأرض ولذلك لقب بذي القرنين .
أحمد : أهو ذو القرنين الذي ورد ت قصته في سورة الكهف ؟ .
الأب : لا يا بني بل هو شخص آخر ، وكل من وصل إلى طرفي الأرض أي إلى أقصى منطقة عرفها الناس في عصره يسمى بذي القرنين ، وأسعد لقب بذلك لأنه وصل إلى أقصى منطقة برية في بحر الظلمات ، وقد بنى في كل جزيرة وصل إليها صنماً له ، ومات في هذه الجزيرة فوضع في هيكل من المرمر والزجاج الملون .
سلطان : إذاً كان في البحر ناس يعيشون .
الأب : بل قل كان في البحر جزر يعيش عليها ناس ، وقد ذكر في التراث العربي أيضاً أن هذا الملك عولج بأحجار لها علاجات طبية .
راشد : سبحان الله .. أحجار لها علاجات طبية .
الأب : "وربك يخلق ما يشاء ويختار "
سلطان : صدق الله العظيم .
الأب : وذكر أن الناس في هذه الجزيرة كانوا قلائل ، ولهذا لم نسمع لهم اتصالات بالأمم الأخرى .
راشد : ولم يا أبتِ ؟
الأب : لأن مياه الجزيرة قليلة ، وقد ذكر أسعد الحميري في آثاره هذا السبب ، وقال : إن الناس كانوا يموتون من العطش لقلة المياه ، ولعله مات فيها عطشاً .
راشد : هي جزر الخالدات والناس يموتون فيها من العطش ؟
أحمد : لعل الناس سموها خالدة لأن الذي لايموت فيها عمره طويل .
ويضحك الأولاد .
سلطان : وماذا جرى للفتية بعد ذلك ؟
الأب : رأى الفتية في الجزيرة ناساً ، وكان رئيسها يلبس تاجاً من الذهب ويرتدي حلة منسوجة من الذهب وحوله نحو مئة امرأة ، ورجال يلبسون قراطف ذهبية وأساور من الذهب والفضة في أيديهم وأرجلهم ، ويطيلون شعورهم كالنساء .
راشد : ألم يتحدثوا معهم ؟
الأب : لا يابني فلغتهم ليست عربية .
أحمد : ألم تقل يا بني أن اللغة التي كتبت على الصنم عربية .
الأب : أجل يا بني ، ولكن لعل مستعمراً دخل إلى هذه المناطق وغيّر لغة أهلها ، فالمستعمر إذا حل في بلد غيّر عاداته ولغة أهله ونشر فيه لغة قومه .
راشد : علينا أن نحارب الاستعمار .
الأب : أجل يابني هذا واجبنا دائما ولا سيما في فلسطين المحتلة .
راشد : صحيح . وماذا رأى الفتية بعد ذلك ؟
الأب : رأوا أيضاً قصراً كبيراً واسعاً ، فيه حجرات كثيرة ، ويجلس فيه الملك المهيب ، وقد وضع خارج القصر جرساً كبيراً .
سلطان : ولم هذا الجرس .
الأب : قيل إن الملك وضعه لمن أراد منه حاجة ، فإذا أراد الرجل أمراً حرك الجرس ، فيرسل الملك حاجباَ له يدخل المظلوم إليه فينال حقه .
راشد : وكيف عرف الفتية ذلك ؟ الأب : لم يعرفوا سبب وضع هذا الجرس ، فسحبه أحدهم ليرى أمره فجاء خادم الملك وأمسك بيده ، وأخذه إلى الملك .
راشد : هل سجن ؟
الأب : لا ، وإنما قدم له الطعام والشراب ، ثم مسح على رأسه ، وجعل الملك يكلمه فيبتسم له الفتى ، ثم صافحه وعاد ، ولم يفهم منه شيئاً .
سلطان : الحياة صعبة إذا لم يفهم الإنسان لغة من يلتقي بهم .
الأب : نعم ، هذا حق يا بني .
وتابع الأب : ثم سار الفتية فرأوا على بعد جزيرة يلوح فيها نار ودخان .
سلطان : وهل ساروا إليها؟ .
الأب : نعم يا بني .. اقتربوا ورأوا عجبا
أحمد : ماذا رأوا ؟
الأب : رأوا ناساً رؤوسهم كرؤوس الدواب .
راشد : كرؤوس الدواب ؟ .
الأب : تلك مخلوقات بحرية يا بني ، اسمع خبرهم ولا تستعجل .
راشد : تفضل يا أبت فأحاديثك شيقة .
الأب : هذه المخلوقات تغوص في البحر فتخرج دواب البحر لتأكل .
سلطان : ماهذه الأعاجيب يا أبت ؟
الأب : ورأوا أيضاً ناساً لهم أنياب بادية وأرجلهم كالخشب المحروق ويعيشون على دواب بحرية أيضاً يستخرجونها ويأكلونها .
راشد : هذا عجيب غريب يا أبت ، لم نسمع بمثله من قبل .
الأب : لقد قرأت ذلك في كتاب نزهة المشتاق ، وأعجب من هذا أن هناك جزيرة تسمى جزيرة الأخوين الساحرين .
سلطان : جزيرة الأخوين الساحرين؟
الأب : أجل يابني يقول المؤلف إن هذين الأخوين كانا يقطعان المراكب ويهلكان الناس ، ويأخذان أموالهم فمسخهما الله حجرين قائمين على ضفة البحر .
راشد : الله أكبر يا أبت ؟
الأب : إن الله سبحانه يعاقب الظالمين ، وقد مسخ اليهود قردة عندما عصوا الله ورسوله وأفسدوا في الأرض .
أحمد : وخسف الأرض بقارون .
الأب : بارك الله بك فأنت تعرف معلومات تاريخية جيدة .
أحمد : بجهودكم وحسن أحاديثكم يا أبت .
راشد : ثم ماذا ؟
الأب : تابعوا سيرهم فرأوا أن الماء تدور قريبا منهم وأن السمك يبتعد فعرفوا أن هناك خطرا ما .
راشد : وماذا جرى للفتية ؟
الأب : حولوا دفة السفينة إلى الجنوب ، وتوجهوا بقلوبهم إلى الله سبحانه لينجيهم من
شر البحر وأهواله .
سلطان : وهل نجوا ؟
الأب : نعم يا بني ، فقد كان معهم من الماء والزاد ما يكفيهم أشهراً عديدة ، والله خيرحافظاً وهو أرحم الراحمين .
وتابع :
وكانت مياه المحيط الأطلسي ، أو بحر الظلمات تسير بهم في موج كالجبال ، وسط فضاء قليل الضوء ، كدر الرائحة ، كثير الأسماك .
أحمد : لماذا تغيرت الدنيا عليهم يا أبت ..
الأب : اسمع تتمة الحديث يا بني ..
سلطان : تفضل يا أبت جزاك الله كل خير .
الأب : ولاحت لهم جزيرة من بعيد ، بواسطة المنظار الذي حملوه معهم .
أحمد : وهل كان العرب يعرفون المناظير .
الأب : أجل يا بني ،ألم أخبرك بأن العرب كانوا ذوي حضارة عظيمة .
سلطان : إيه ، وماذا حل بهم ؟
الأب : قال بعضهم لبعض :
- الخطر يحدق بنا .
قال آخر : لا ، بل هي جزيرة ، أو لنقل إنه جبل في الجزيرة يتراءى أمامنا من بعيد .
ثالث : نعم إنها جزيرة ، فلنتجه إليها .
رابع : اللهم رحماك . وندعوك في البأساء والضراء أن تكشف بلوانا .
الأب : وتوجه الجميع إليها ، وشعر ربان السفينة بأنها بدأت تنجذب بسرعة غير عادية ،
فطلب من الجميع أن يجدّفوا معه بالاتجاه المعاكس لعلهم ينجون ، فسأله أحدهم .
- ولم يا أخا العرب ؟.
- لعل هذا جبل مغناطيسي ، فقد سمعت أن في المحيط الهندي جبلاً من مغناطيس لا يمر به شيء من المراكب المسّمرة بالحديد إلا جذبها فلا تستطيع الخلاص منه ، ولعل في هذا المحيط جبلا مثله .
راشد : يا إلهي ماهذا ، جبل من مغناطيس
الأب : مخلوقات الله عجيبة يا بني ، وتوجد في كل مكان .
سلطان : وماذا فعلوا ؟
الأب : اتفقوا على أن يلقوا ما معهم من الحديد حتى ينجوا ، وجدّفوا بكل قواهم إلى الجهة
المعاكسة ، كما طلب منهم ربان السفينة حتى نجوا .
راشد : الحمد لله رب العالمين على نجاتهم .
الأب : نعم .. عمرهم طويل ، وهم أناس مؤمنون ، ولهذا راحوا يصلون شكراً لله الذي نجاهم ، وهذا حال المسلم عندما تأتيه نعمة ما .
سلطان : ونحن نشكر الله سبحانه عندما نأخذ علامات مرتفعة .
الأب : هل تشكره بالصلاة مثلهم .
سلطان : لا ، بل أقول الحمد لله رب العالمين فقط .
الأب : الشكر يكون باللسان ، ويكون بالفعال ، وأحب الأعمال إلى الله الصلاة ، فهي الركن
الثاني في الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله أن محمد اً رسول الله .
وتابع الأب : ولقد رأوا في هذه البلاد مخلوقات غريبة الخلقة ، فقد ذكر المسعودي أن مخلوقات كالناس لهم يد واحدة ورجل واحدة ويبصرون بعين واحدة ، و يسمون نسانيس يتعلقون بالشجر عراة، لا يفهم لهم كلام،وهم يستوحشون من البشر ويتعلقون على الشجر بأيديهم ، ولا يُدرَكون لسرعة قفزهم .
راشد : ماهذه المخلوقات .
سلطان : إني أسمعها لأول مرة في حياتي .
أحمد : أهم قردة .
الأب : لا يا بني ، وربك يخلق ما يشاء ويختار .
سلطان : سبحان الله .
أحمد : سبحان من خلقنا فسوانا وهدانا .
سلطان: ألم يروا أناساً مثلنا .
الأب : بلى يا بني ، رأوا أناسا مثلنا ولكن عاداتهم وتقاليدهم تختلف ، ولكل شعب عاداته وتقاليده " .
ثم ذكر لهم الأب كيف دخلوا أمريكا ووجدوا فيها عربيا ترجمانا فأفهم ملكها غايتهم فأعادهم إلى بلادهم ونزلوا في أراضي إفريقيا ثم عادوا إلى بلادهم الأندلس ومدينتهم إشبيلية مع القوافل التي كانت لاتتوقف بين البلاد الإسلامية آنذاك .
هذه المسرحية تصلح لأن تعرض في التلفاز على شكل رسوم متحركة ففيها حديث عن حضارة العرب في اليمن الذين وصل ملكهم إلى بحر الظلمات الذي يسمى حاليا بالمحيط الأطلسي ، وحديث عن النشاط الثقافي للمسلمين في محاولاتهم اكتشاف ماوراء البحار من أراض لينشروا فيها اسم الله عاليا ، وهذا ما يجعل العربي يعتز بحضارته وتاريخ أجداده .
وفي المسرحية أيضا حديث عن أهمية اللغة العربية وضرورة حفظها ، وقد حكيت باللغة الفصحى ، وهناك قضايا علمية وتربوية أيضا
2-المسرح التربوي والاجتماعي :
وهو مسرح يبث فيه الكاتب القيم الخلقية والعادات الطيبة كالتعاون وزيادة الثقة بالنفس وتقوية روابط الصداقة واستغلال الوقت بما يفيد ، أو ينفر مما يلام عليه المرء من مفاسد اجتماعية أو خلقية فيثري قدرة الطالب على التعامل مع المشكلات التي تعترضه في حياته، كما أنه يطور مهارته ومشاعره .
ومن هذا النوع" مسرحية غنائية " أوبريت " بعنوان أسرتي عالمي الكبير " للكاتبة الإماراتية صالحة غابش ، وهي تقدم إلى المرحلة الطفولية الثانية لبساطة فكرتها وأسلوبها ، وتتحدث عن قضية الروابط الأسرية بين الأهل والأولاد في الأسرة الصغيرة التي تسميها الكاتبة الأسرة النووية ، وبين الأسرة الممتدة التي تضم الأجداد وأولادهم أحيانا ، بل تتطرق إلى العالم كله أسرة واحدة أرضا وفضاء([38]) .
تستهل المسرحية بدخول مجموعة بشرية وحيوانية ، خروف ونعجة ودب ودبة وعصفورة وهي تغني :
أجمل شيء في الدنيا جلسة ود ومسرة
أحلى إحساس فينا استقرار في الأسرة
جلسـة ود ومسرة
بين أحضان الأسرة([39])
ثم راحت تبين أهمية الأسرة فهي ترشد الأطفال إلى الطريق السوي حتى ينشؤوا صالحين ، ثم تتحدث عن أسرة تعيش في مدينة خيالية سمتها الرحمانية وسط أجواء من الحب والسعادة ، ويقدم إليها فضائي يبحث عن أسرته التي هجم عليها مخلوقات من كوكب الأشرار وخطفوها إلا صغيرها هذا ، وكان هذا الفضائي يشيد بالرابطة الأسرية ، إلا أن طفلا يسمى سرمد كان ينفر من أمه التي توقظه كل يوم إلى صلاة الصبح والمدرسة كما يضيق ذرعا بنصائح والده، ومن إخوته الذين ينافسونه على ألعابه، وهنا تدخل بطة وتروح تجول بين أولادها البطات الصغيرات وهي تعدُّها لتتأكد من وجودها ، وكان واحد منها مفقودا فقلقت عليه أيما قلق ، ثم يظهر عصفور يطلب من أمه أن يذهب معها فتقول له لآ ، أنت تذهب إلى المدرسة وأنا لي العمل .
وتدخل مجموعة أطفال بينهم ناصر وخالد لتقاوم الفضائي التي ظنت أنه اعتدى على أراضيها ولكنها من خلال المحاورة معه أدركت أنه حزين متألم لفقد أسرته، ثم يظهر خروف وهو يبحث عن أخته، وكانت أخته قد نسيت مكانها فأشار عليها ناصر أن تكثر من القراءة لتقوي ذاكرتها ، كما نصح ناصر الفضائي أن يأكل تفاحة كل يوم ليحافظ على صحته ،ثم يدعوه إلى وليمة ... وفي جو أسرة ناصر المتحابة يدرك سرمد خطأه فيعود إلى أهله معتذرا، ويشعر بجو الأسرة السعيدة .
وتأتي رسالة من الفضاء تقول : " ابننا العزيز ، أين أنت ؟ عدنا إلى البيت ، لقد أنقذونا من أسر الأعداء ، نحن مشتاقون إليك ، عد إلينا " .فيفرح الجميع ويودعون صديقهم الفضائي ، ويرسل الأبناء إلى الأسرة الصغيرة والكبيرة رسالة حب فيها :
أمي أبي يامنبعَ الحنانْ
كونا لي السلامَ والأمانْ
أحبتي أبي ، وخذ بيدي
أمي أحبيني ، لاتغفلي
عنــي ولو لـوَهلـة
ياأسرتي ياعالمي الكبير
بها أنا هنا أنا الإنسان([40])
تتحدث هذه المسرحية عن حب الأسرة الصغيرة والكبيرة حتى تشمل الإنسان والمخلوقات كلها ، وهي فكرة تربوية بات المجتمع بحاجة إليها وسط مخاوف من ضعف الترابط الأسري في هذه الحضارة المعاصرة .
ويلاحظ أن هذه المسرحية مزجت الحقيقة بالوهم إذ كان الحديث عن الفضائي وما يتعلق به من الخيال العلمي ، فالمخلوقات الفضائية تتحدث مع الإنسان ، وفيها أخيار وأشرار معتدون ، وهم يتراسلون بينهم وبين الأرض عبر الشاشة الفضائية . وكأن الأديبة تمثلت مايقال عن الأطباق الطائرة وما ينشر عن الفضاء وعلم التراسل بشبكة المعلوماتية ثم راحت تبسط هذه الأفكار العلمية الممتزجة بالخيال للأطفال الصغار ، في مضمون تربوي تحدث عن الأسرة الصغيرة والممتدة والعالمية ، وقد بدت هذه النزعة الإنسانية في :
1- موقف الأبناء من الأهل ممثلة في تصرفات سرمد في غضبه وتوبته ، وفي موقف العصفور من أمه ورعايته لها حينما كسرت ذراعها ، وفي شوق الفضائي لأهله وشوقهم إليه .
2- موقف الأهل من الأبناء ممثلا في العلاقة الحسنة بين البطة الأم وأولادها
3- العلاقة بين أعضاء الأسرة الممتدة " الأقارب " وبدت في موقف الخروفين الأخوين
4- العلاقة بين الإنسان والمخلوقات الأخرى ويوضحها موقف ناصر وصحبه من الفضائي
5- إكرام الضيف
فضلا عن قضايا دينية وصحية متناثرة هنا وهناك كالتسمية قبل الطعام ، وأكل الفاكهة للحفاظ على الصحة
وقد جاءت هذه المسرحية بالفصحى في شعرها ونثرها ، وكان في كليهما جمال تعبيري وتصويري ، لنقرأ قولها في الأسرة :
ماأجمل أن نبقى معا
نفرح ... نسعد ... نسبح معا
هيا ياأطفال نرجع
للمنزل كي نفطر معا([41])
إن للإيقاع الداخلي والخارجي تأثيرهما في القلب والأذن ، مما يجعله محببا لدى الطفل، ومن ثم يتأثر بالفكرة وباللغة العربية ، ولا سيما حين تستخدم في النص أصوات أخرى يحبها الصغار في المرحلة الثانية فيكون لها وقع لطيف على نحو :
هـذا خروف مـاء ماء
ماذا تريـد أختي أختي
أيـن ذهبت أنـا لاأدري
مـاء مـاء إني خائـف
ماء مـاء إني صغيـر([42])
وقد أحسنت الأديبة اختيار الأسماء ، فالمدينة الرحمانية تناسب جو التعاطف والتوادد الذي يجمع بين مخلوقاتها ، والفضائي والحيوانات أبقتها على أسماء أجناسها لتبين أن ما في الكون كله إنسانه وحيوانه ومخلوقاته كائنة ما كانت يمكنها أن تتعايش في ظل المودة والمحبة .
وهكذا سخرت الأديبة الفكرة والأسلوب لتؤدي فكرة تربوية مهمة في مجتمعاتنا المعاصرة.
3- المسرح المدرسي التعليمي:
مسرحة المناهج هي عملية تحويل المقررات الدراسية إلى مسرحيات تعبر عن الأفكار والمعلومات والقيم التربوية والجمالية عن طريق الحوار بأسلوب جذاب يحقق المتعة والفائدة .
وهو مسرح يتخذ من المادة العلمية مضموناً له، وبذلك يحقق للطفل الوظيفة التعليمية، إضافة إلى توجيهه من خلال ما يعرض فيه من مواد علمية توجيهاً دينياً واجتماعياً ووطنياً وسياسياً، فتقوى صلة الطفل بمجتمعه، ويتعمق انتماءه لوطنه وتراثه ولأمته ، ويخلق علاقات سليمة بين المدرسين والطلبة من جهة ، وبين الطلبة والمجتمع من جهة أخرى ، ولذلك يعد المسرح التعليمي جزءا من العملية التربوية والتعليمية معا ، كما أنه يحقق له الاتزان النفسي لأنه يعمل على التنفيس لدى الطالب من خلال ما يعرض أمامه فيفرغ طاقاته، ويعبر عن عواطفه ورغباته المكبوتة التي يخفيها ، وهذا ما يعرف بالتطهير ([43]) ، إذ يتخلص من عقدة الانطواء ، ويعمل مع غيره فينمي الروح الجماعية عنده، كما يتخلص من النطق غير السليم حين ينطلق في التعبير بجرأة فتزداد ثقته بنفسه وتنمو شخصيته نمواً متكاملاً سلوكياً واجتماعياً، ونفسياً فضلاً عن المتعة وقضاء أوقات فراغه فيما يعود عليه بالنفع، وتنمية ذوقه الفني، وتعويده على استخدام اللغة العربية الفصحى وحفظ جمل ومفردات واكتساب مهارات في استخدامها.
وهناك عدة أمور يجب توافرها في النص المسرحي المدرسي:
1- أن يكون النص من المقرر دراسياً، وزمن عرضه قصيرا يساير المنهج المدرسي .
2- أن يكون هادفا منسجماً والعقيدة الإسلامية والهوية والحضارة العربية والإسلامية
3- أن يكون ملائماً للمجتمع المحيط وعاداته وقيمه، وأن يغلب فيه الخير على الشر.
4- أن يعرض باللغة الفصحى المناسبة لمرحلة النمو لأنها لغة تراثنا وحضارتنا ، والمسرح خير الطرق لتعليم اللغة بيسر وتلقائية([44]).
5- أن يحتوي على عنصر الخيال، وأن يكون مشوقاً، ولا بأس أن توجد به شخصيات حيوانية ومناظر جميلة وإضاءة جيدة.
ولعل أهم ما يجب مراعاته أن يكون النص والمضمون مما يناسب مرحلة النمو عند الطفل، لأن للطفل عالمه ورموزه ووسائل تعبيره، وعلى الكاتب المسرحي أن يكون طفلاً ناضجاً في تفكيره لكي يستطيع التعبير عن عالمه بكل ما فيه، وبهذا المعنى يقول (مارك توين) عن مسرح الطفل (إنه أقوى معلم للأخلاق، وخير دافع إلى السلوك الطيب لأن دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة، بل بالحركة المنظورة التي تبعث على الحماسة، إن كتب الأطفال لا يتعدى تأثيرها العقل، وقلما تصل إليه بعد رحلتها الطويلة الباهتة، ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من مسرح الطفل فإنها لا تتوقف في منتصف الطريق بل تمشي إلى غايتها).
وقد نظمت وزارة التربية والتعليم في الإمارات في العام الدراسي 1987-1988 مسابقات المسرح المدرسي وشارك فيها خمسة وعشرون نصاً ، وفازت مسرحية (اغتيال) للكاتبة عفاف عبد المحسن سعود، ومسرحية كفاح شعب لمحمد محمود الدسوقي ومسرحية واإسلاماه لفتحي محمد قنصوة، وطارق بن زياد لسعدية العدل، ومسرحية أبي في قفص الاتهام لعبد الغني عباس([45]).
وتقوم شعبة المسرح المدرسي بزيارتين في الأقل لكل مدرسة ، وتصدر ست نشرات في كل عام منذ أكتوبر وحتى مارس لتعليم المسرحيات ، وتعقد دورة مسرحية سنوية وتقيم معرضا ختاميا في الأسبوع الثالث من شهر أبريل يتضمن الأعمال المنتقاة من العروض المسرحية في الدول ، كما يصدر مجلة تعرض فيها الأنشطة المسرحية([46])
ويحتاج المسرح التعليمي إلى دراسة المناهج والمقررات لجميع المراحل التعليمية وتشجيع التمثيل فنياً ومالياً لتمثل هذه المقررات الدراسية، وتدعيم المكتبة المدرسية بالكتب والنصوص المسرحية الملائمة، وتمثيل التربية المسرحية في المهرجانات الدولية والمحلية وتأليف كتب وعمل بحوث تنهض بالمسرح المدرسي .
ومن المسرح التعليمي مسرح العرائس ، وإن كان يستخدم لغير التعليم أيضا .، وهو قليل التكاليف سهل التنفيذ، ولذلك يستطيع المدرس أن يجذب به عقول الأطفال وقلوبهم فيمتعهم وهو يعلمهم في قاعة الصف.
ويمكن أن تعطى به دروس النحو فيتخلص المدرس من جفاف هذه المادة التي سببها تقديمه للمادة رموزاً تحفظ وليس عبارات لها معان دالة على مدلولاتها، فإن تلقى الطفل المادة بشكل واضح، وبطريقة تكشف عن العلل النحوية وبأسلوب ممتع تلقاها بصدر رحب وعقل واع.
وقد ألَّفْتُ كتاب النحو القصصي وكان بعض دروسه يصلح لأن يمثل في مسرح العرائس أو في المسرح المدرسي، و قامت بعض مدارس إمارات الشارقة ودبي وعجمان في دولة الإمارات العربية المتحدة بتمثيل بعض دروسه النحوية.
وهذا نموذج من دروسه التي أرى أنها تصلح لأن تمثل في مسرح العرائس وهو توضح الجار والمجرور حروفه، وعملها وتعليق الجار والمجرور بالفعل أو بخبر الجملة الاسمية، وكنت خلال تدريسي أرى صعوبة هذا الأمر على الطالبات فقدمت المادة بأسلوب يسهل الفكرة ويوضحها :
" الأستاذ: سأحكي لكم قصة الجار والمجرور
حصة: هيه.. القصة حلوة.
الأستاذ: وأنا أحب أن أسليكم أحياناً.
راشد: أسمعنا قصتك يا أستاذ.
الأستاذ: كان هناك جَمَلٌ يحمل عليه صاحبه بضاعته في كل يوم، وذات يوم حمل عليه بضاعة كثيرة مكونة من (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف) وقال له: يا جَمَلي العزيز خذ هذه البضاعة وأوصلها إلى بيت اسمُ صاحبه (الفعل).
حصة: هل هناك رجل يسمى (الفعل)؟
الأستاذ: نعم فالناس يسمون كما يشاؤون، والجمل سيجر بضاعة اسمها (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف).
راشد: هذه الحكاية مضحكة وأسماؤها غريبة.
زيدان: لقد قال الأستاذ إنه سيسلينا هذا اليوم.
الجدة: لا تستعجلوا واسمعوا، فللسماع آداب وهي عدم مقاطعة المتحدث.
الأستاذ: وقال صاحب الجَمَل للجَمَل: خذ هذه البضاعة إلى بيت الفعل، فقال له الجَمَل: أنا لا أعرف الفعل، فقال له صاحبه: هل تعرف الأسماء؟ فقال الجمل: لا، ذكّرني بها.
فقال صاحبه: الأسماء هي أسماء الإنسان وأسماء الحيوان وأسماء النبات والجماد.
وتابع صاحب الجمل:
هذه الأسماء تجرها هي وبضاعة (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف) إلى منزل الفعل.
حصة: هل سيجر الأسماء مع البضاعة؟!!
الأستاذ: نعم الأسماء ستجرّ مع البضاعة المكونة من الحروف (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف) إلى بيت الرجل الذي اسمه الفعل.
راشد: وماذا قال الجَمَل؟
الأستاذ: قال الجمل: أين يوجد بيت الفعل؟
فقال صاحبه: تذهب بالأسماء إلى ساحة الجملة الفعلية ألا تعرفها؟
فقال الجمل نعم ساحة الجملة الفعلية ساحةٌ واسعة.
فقال صاحبه: وهناك سترى في صدر الساحة منزلاً اسمه الفعل وعليك أن تأخذ الأسماء والبضاعة المكونة من الحروف (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف) إلى الفعل، أو تجرّها إليه.
فقال الجمل: وما الغاية من ذلك؟
فقال صاحبه: يا غبيُّ هل تبقى البضاعة والأسماء في الشارع أو ندخلها إلى مكان مناسب ونربطها فيه أو نعلقها فيه؟!.
فقال الجمل: نعم الآن فهمت… الحروف (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف) ستتعلق هي والأسماء التي معها بالفعل.
ذهب الجَمَل إلى ساحة الفعل وفي الطريق وقعت الأسماء فكسرت رجلها.
حصة: مسكينة ما السبب في وقوعها؟
الأستاذ: لقد جرّها الجَمل بسرعة فوقعت فكسرت رجلها.
حصة وماذا جرى لها؟
الجدة: اسمعي تتمة القصة تعرفي ماذا جرى لها.
حصة: سمعاً وطاعةً يا جدتي.
الأستاذ: يتابع: ولما كسرت أرجلها بكت الأسماء – إي – إيْ.
ولكن الجمل لم يتوقف بل أخذها مكسورة إلى ساحة الجملة الفعلية ليعلقها بالفعل.
راشد: الجمل قاسي القلب.
الأستاذ: لا يا راشد، لأنه لا يستطيع أن يتركها في الشارع بل أخذها إلى بيت الفعل ليداويها هناك.
حصة: إذاً الجمل رحيم القلب كما أعرفه.
الأستاذ: حقاً إنه رحيم ولكنه أخطأ عندما جرّ الأسماء والبضاعة بسرعة إلى بيت الفعل.
زيدان: وما جرى بعد ذلك؟
الأستاذ: علق الجمل الحروف والأسماء في بيت الفعل وراح يداويها فاستراحت الأسماء وقالت للفعل: نحن لا نريد أن نتركك سنبقى معك لأننا مرضى فقال الفعل: أهلاً وسهلاً ومرحباً بكنّ، وأنتن كأولادي في منزلي.
راشد: إذاً الفعل كريم استضاف الحروف والأسماء.
زيدان: بل قل كريم ورحيم لأنه أغاث الأسماء المكسورة.
حصة: لماذا لا تذكر لنا يا أستاذ قصصاً في جميع دروس النحو؟
الأستاذ: سأحكي لكم كثيراً منها كما تحبين.
الجدة: إذاً أكرمي الأستاذ كما أكرمك بالتسلية.
حصة: سأحضر له شراباً مثلجاً الآن.
... ... ...
الأستاذ: ما حروف الجر التي نَقَلها الجمل؟
زيدان: أتقصد البضاعة؟
الأستاذ: نعم، البضاعة هي حروف جُرَّت مع الأسماء ونسميها حروف الجر.
راشد: هي (مِن – إلى – عن ….
زيدان: على – الباء – اللام …
حصة: الكاف).
الأستاذ: وماذا حلَّ بالأسماء المجرورة؟
زيدان: جرّها الجمل إلى الفعل.
راشد: أي تعلقت بالفعل.
الأستاذ: إذاً حروف الجر (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف) جُرَّت مع الأسماء المكسورة وتعلقت بالفعل. أليس كذلك؟
الجميع: نعم.
الأستاذ هذه الحروف لو لم تتعلق بالفعل فهل يفهم معنى الجملة؟
حصة: أنا لم أفهم شيئاَ.
الأستاذ: لو قلنا الآن (إلى المدرسة)، أليس (إلى) حرف جر، و (المدرسة) اسم؟
حصة: نعم.
الأستاذ: إذاً : إلى حرف جر والمدرسة اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، أليست الأسماء كسرت؟
حصة: نعم.
الأستاذ: إذاً الحروف والأسماء مكسورة مثل (إلى المدرسة) هل تفهمين منها شيئاً بلا فعل؟
حصة: لا.
الأستاذ: إذاً حروف الجر، والأسماء المجرورة يجب أن تتعلق بالفعل لنفهم المراد فنقول مثلاً: (ذهبت إلى المدرسة) ألا يفهم من هذه العبارة معنى؟
راشد: نعم.. إذاً حروف الجر والأسماء تجر إلى الفعل ليصير للكلام معنى أي ليتضح المعنى ولا حياة للجار والمجرور بلا فعل.
زيدان: وهل كل جار ومجرور يجب أن يسبقا بفعل حتى يفهم معناهما؟
الأستاذ: نعم بفعل أو شبه فعل، ولكن شبه الفعل تأخذونه في الكبر أما الآن فيكفيكم أن تعرفوا أن الجار والمجرور يحتاجان إلى فعل يتعلقان به ولذلك نقول الجار والمجرور متعلقان بالفعل.
الجدة: استريحوا قليلاً بأكل هذا الفاكهة الجديدة.
الأستاذ : لا تتعبوا أنفسكم.
الجدة: لا تعب على واجب يا بني.
... ... ...
الأستاذ: ما حروف الجر التي أخذناها؟
زيدان: (مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف).
راشد: وتأتي الأسماء معها مجرورة بالكسرة.
حصة: والجار والمجرور يتعلقان بالفعل.
الأستاذ: لو قلت الآن: (مررت بفقير فأعطيته).
هل يوجد في هذه الجملة جار ومجرور؟
زيدان: نعم بفقير. الاسم هو فقير مجرور بالباء والباء حرف جر.
الأستاذ: إذاً ابدأ بالباء فقل: الباء حرف جر، وفقيرٍ اسم مجرور.
راشد: وعلامة جره الكسرة.
الأستاذ: تابع يا راشد.
راشد: ماذا أقول.
الأستاذ: قل وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
حصة: والجار والمجرور متعلقان بالفعل مررت.
الأستاذ: والآن ليقل كل منكم جملة فيها جار ومجرور وفعل يتعلقان به.
راشد: يصلي المسلم في المسجد.
الأستاذ: جيد المسلم الصالح يحافظ على صلواته في المسجد.
زيدان: ما رأيك يا أستاذ أن نقرأ من القرآن الكريم نصاً ونستخرج منه حروف الجر والأسماء المجرورة؟
الأستاذ: فكرة جيدة يا زيدان، فاقرأ إذاً من سورة العلق.
زيدان: (يقرأ):
)بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ اقرأ باسمِ ربِكَ الَّذي خَلَق * خَلَقَ الإنسانَ من عَلَقٍ* اقرأ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذي عَلَّمَ بالقَلمِ* عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم*( .
الأستاذ: قراءتك ممتازة يا زيدان والآن:
ما حروف الجر في هذه الآيات الكريمة؟
راشد: باسم الله: الباء حرف جر. واسم: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
زيدان: أين نعلق الجار والمجرور يا أستاذ؟
الأستاذ: عندما نقول باسم الله أي نقول " نحن نبدأ تلاوتنا قائلين باسم الله " .
زيدان: إذاً هناك فعل موجود في ذهننا.
الأستاذ: نعم وبارك الله بك، وقد نبهنا الله سبحانه في الآية التالية: )اقرأ باسمِ رَبِكَ( إلى ذلك. فأعربها يا راشد.
راشد: باسم ربك: الباء حرف جر. اسمِ: اسم مجرور والجار والمجرور متعلقان بالفعل اقرأ.
الأستاذ: جيد وبارك الله بك.
حصة: خلق الإنسان من علق: من: حرف جر. علق: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة والجار والمجرور متعلقان بالفعل خلق.
الأستاذ: ممتاز، ونكتفي بهذا، وأريد الآن جملة فيها حرف الجر الكاف.
زيدان: رأيت الكعبة الشريفة كالبيت العالي.
الأستاذ: صحيح فحرف الجر الكاف يأتي للتشبيه، والكعبة الشريفة يا بني كالبيت، ولها باب، وقد صلّى الرسول r في بيت الكعبة ولذلك نقول هي بيت الله أي بيت عبادة الله وهي ليست ملكاً لأحد إلا لله سبحانه وقد أمر ببناء هذا البيت لعباده المسلمين ليعبدوا الله مجتمعين حوله، إذاً الكعبة كالبيت فما إعراب كالبيت يا راشد؟
راشد: الكاف حرف جر. البيتِ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة.
الأستاذ: وأين يتعلق الجار والمجرور؟
زيدان: يتعلقان بالفعل رأيت.
الجدة: لقد تعب أستاذكم اليوم.
الأستاذ: ولكن لن أتركهم حتى يعدّوا لي حروف الجر.
الجميع: مِنْ – إلى – عَنْ – على – في – اللام – الباء – الكاف
حصة: وهي تجر الأسماء وتتعلق بالأفعال.
الأستاذ: جيد إذاً أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته([47]) .
الدراسـة :
فكرة هذه المسرحية التعليمية هي تقديم المادة العلمية وهي الجار والمجرور بأسلوب شيق جذاب يحبب المادة إلى الطفل ويغرسها بطريقة تنفذ إلى القلوب والعقول بما فيها من علم وتوجيه ديني وتربوي.
وحوادثها يمتزج فيها الخيال بالواقع. فالجمل يحمل بضاعة، وهذه البضاعة هي أحرف الجر، والأسماء تجر مع البضاعة إلى بيت الفعل، وساحة الجملة الفعلية ساحة واسعة. وقد جسمت الكاتبة الأحرف وساحة الجملة الفعلية، كما شخصت الأسماء والأفعال لتبني من هذا الوهم الممتزج بالحقيقة النحوية قصة يفهم الطالب في المرحلة الابتدائية بها الجار والمجرور وتعليقهما بالفعل ليكتمل معنى العبارة.
وجاءت الحوادث متسلسلة بإحكام، ولا نرى في المسرحية حبكة وصراعاً ، فالجمل جر الأسماء بسرعة فوقعت فأحزن الطفل المشاهد.
وعنصر التطهير الذي هو أحد عناصر المسرحية كان حينما أخذ الجمل هذه الأسماء إلى بيت الفعل ليداويها من كسرها وهنا تظهر الشفقة والرحمة بعد الخطأ الذي قام به حين جرها بسرعة فوقعت فكسرت رجلها .
وشخصيات المسرحية قليلة يستوعبها الطفل، فهناك الجمل، والأسماء، والفعل، والبضاعة التي هي حروف جر، وهذه الشخصيات الحيوانية والمعنوية يستطيع الطفل في نهاية المرحلة الابتدائية أن يستوعبها، فهو يدرك أن ما يراه ليس حقيقة وإنما جاء بهذا الأسلوب للتعليم بطريقة مسلية وقد ورد هذا في حوار راشد وزيدان:
(راشد: هذه الحكاية مضحكة وأسماؤها غريبة.
زيدان: لقد قال الأستاذ إنه سيسلينا هذا اليوم).
ويستطيع المدرس عن طريق مسرح العرائس أن يمثل بيده الجَمل وفوقه البضاعة وقد سجلت أسماؤها على علب صغيرة وأن ينقل الجَمل بحركات يده إلى ساحة الفعل وأن يرى الأسماء باليد الأخرى وقد وقعت وصارت مكسورة ، ثم يجعلها تستقر مع البضاعة في منزل الفعل .
وبهذا التمثيل الشيق والأسلوب البسيط السهل الذي لا نرى فيه ما يحتاج إلى شرح، تغنى لغة الطفل ، ويتعرف حروف الجر وأهميتها في الجملة، وأساليب اللغة العربية كأسلوب الاستفهام والنداء والتوكيد والنفي والنهي والأمر وغير ذلك مما ورد في ثنايا المسرحية .
وفي النص اقتباس من القرآن الكريم وبه يشعر الطفل بأن كتاب الله سبحانه خير ما يعينه على دراسة اللغة العربية، ولاسيما عندما شرح الأستاذ حذف الفعل في البسملة ومعرفة هذا الفعل المحذوف من قوله تعالى )اقرأ باسم ربك( .
ويكتسب الطفل من خلال عرض المسرحية توجيهات متعددة:
1- دينية: كتعظيم الكعبة الشريفة، بيت الله، وأهمية الصلاة فيه، والتعلق بالقرآن الكريم مصدراً للغتنا، وتعويد الطفل على حديث الوداع: أستودعكم الله ، وعلى التحية الإسلامية بـ (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
2- تربوية: كتعويد الطفل آداب السماع، والشفقة على المصاب وضرورة مداواة المريض واحترام الجدة والمدرس، والترحيب بالضيف، والكرم، والرحمة.
3- توسيع مدارك الطفل ثقافياً وعلمياً: فالمسرحية تعلم حروف الجر والأسماء المجرورة واكتمال معنى العبارة بتعليق الجار والمجرور وربطهما بالفعل، ثم تعويد الطفل على نقل هذه المعلومات الخاصة في المسرحية إلى عامة يستخدمها الطفل في مثل (ذهبت إلى المدرسة) ثم الانتقال بالطفل من هذا التعبير البسيط إلى نصوص رفيعة المستوى ليتعود الطفل على قراءتها والاكتساب من أسلوبها التعبيري.
رابعا : المسرح المقروء:
فن المسرح يعتمد على التمثيل، ولكن بعض الكتاب اتخذوا أسلوب الحوار وسيلة للتعبير تعوض عن السرد المباشر لأنه يضفي على النص واقعية وحيوية، ويجسد الفكرة فيكون أكثر تأثيراً في نفس الطفل، ومن هؤلاء (علاء حسني المزين) في مسرحية (الفوز العظيم)([48]) .
تبدأ المسرحية بوصف حجرة فيها ولدان يتحاوران حول سبب دعوة والديهما لهما؟، فهما يؤديان الصلاة ولم يخطئا في تصرفاتهما، وكان خالد أكثر قلقاً من أخيه أحمد، وكان أحمد يطلب منه أن يخفف من قلقه لأن القلق يؤثر في صحته. ويعرف من مسيرة الحوادث أن أخاً ثالثاً لهما هو عمرو كان قلبه متعلقاً بالتلفاز، وإن كان لا يقصر في أداء واجباته المدرسية فقد كان الأول على صفه، ولكنه لا يقرأ في الكتب كأخيه أحمد، بل يعد الكتب كلاماً تافهاً أو كلام حكم. ويدخل الأب، ويطلب من الخادم ويسمى (العم عبده) أن يأتيه بشراب، ويرى ابنه عَمْراً متضايقاً بسبب إغلاق التلفاز، ويتألم الأب من شدة تعلق ابنه بهذا الجهاز، ويفهمه أن قراءة الكتب ليست تضييعاً للوقت إن كانت لا تعطل عن الواجبات، ثم يخبر الأب أولاده بأنه عزم على السفر إلى الحج نيابة عن أمهم المرحومة وأنه سيمتحن أولاده في أمر، وسيأخذ معه من ينجح في هذا الامتحان، ثم يقدم لكل ولد بندقية ويطلب منهم أن يصطادوا يمامة في مكان لا يراهم فيه أحد، ويعلمهم آداب الصيد الإسلامية، ويعود عمرو بعد وقت وجيز فرحاً بيمامته التي اصطادها، ثم يأتي أخوه خالد وقد اصطاد أيضاً وطبق كأخيه آداب الصيد، لكن أحمد تأخر ثم عاد دون صيد ولما سأله أبوه عن سبب عدم اصطياده قال لأبيه (لقد اشترطت علينا يا أبي أن نصطاد في مكان لايرانا فيه أحد ونحن نصطاد اليمامة، ولكني ما ذهبت إلى مكان إلا ورأيت من يراني ، رأيت الله يراني في كل مكان، …. في كل مكان، ويحتضن الأب ابنه ويقول له أنت حقاً تستحق الجائزة ويصمت الولدان ويفكران ثم يقترب خالد من أخيه ليهنئه، ثم يأتي عمرو كذلك، ولما رأى الأب تصرف الأخوين قال (مرحى … مرحى يا أولادي، أهنئكم جميعاً، لقد فزتم كلكم في هذا الاختبار، فاز أحمد لأنه فهم الشرط الذي اشترطته عليكم… وفزتم أنتم لأنكم لم تحقدوا عليه حين فاز عليكم وصممتم على أن تقتدوا به في صفاته الطيبة) وأعلن أنه سيأخذهم جميعاً إلى الحج.
تتحدث هذه المسرحية عن فكرة مراقبة الله سبحانه وتعالى في الأعمال ولكن هذه الفكرة لا تبرز إلا قبيل الخاتمة، حينما يعود أحمد دون أن يصطاد شيئاً لأن والده طلب من أولاده أن يصطادوا في مكان لا يراهم فيه أحد وأحس هو مراقبة الله سبحانه له في كل مكان.
والحقيقة أن القصة في مجملها تتحدث عن سلوكيات الطفل المسلم فهو يؤدي الفرائض ويسير سيرة حسنة ، ويحب والديه وإخوته، ويتمتع بالمطالعة أو بالتلفاز دون إفراط مع الحفاظ على الواجبات المنزلية، وهي فكرة ذات شأن لدى الصغار الذين يحتاجون إلى مثل هذا التوجيه لئلا يفرطوا في الجلوس أمام التلفاز..
وفي هذه المسرحية نرى الحوادث ترتبط برابط السببية فكل حدث يؤدي إلى ما بعده، وتكون العقدة حين يعود الطفل النجيب أحمد دون أن يصطاد ثم يتبين أنه كان يرى الله معه في كل مكان. وهي عقدة لا تأزم فيها ولا صراع وإن كانت ذات مغزى عظيم.
والمسرحية واقعية بمعنى أنها يمكن أن يحدث مثلها في الحياة وشخصياتها بشرية تتكون من أفراد أسرة توفيت الأم وربى الأب أولاده وأدبهم بأدب الإسلام فكانوا مستقيمين في سلوكياتهم، وفي أداء عباداتهم.
وقد حوت توجيهات شتى :
1-عقائدية : ترتبط بمراقبة الله سبحانه، والإحساس بأن الله يرانا في كل مكان، وأداء الصلوات وأن لا شيء في الدنيا يستحق أن يبكي عليه المرء إلا معصية الله عز وجل، والبيت النظيف هو الذي لا يشم أفراده رائحة المعصية، وضرورة الدعاء للأم المتوفاة، لأن دعاء الولد لها هدية تقدم إليها بعد موتها.
وحب الكعبة الشريفة والرسول r وحب الصلاة في مسجده الكريم واقتناع المرء بأن الخير للإنسان فيما اختاره الله سبحانه له.
والامتحان الأكبر في الحياة ليس هو الامتحان الدراسي ولكنه طاعة الله سبحانه والاستغفار من كل ذنب يفعله المرء. والإحساس بأن تربية الأولاد أمر ليس بالهين ويحتاج إلى دعاء لمساعدة الله سبحانه للأهل على هذه التربية ، وللصيد آداب إسلامية يجب مراعاتها كالتسمية عند الرمي، والذبح السريع لئلا يتألم الحيوان بعد ذكر اسم الله سبحانه.
والدعاء للولد الناجح بأن يزيده الله إيماناً وفقهاً، وزيادة محبة الأخ لأخيه لتقواه والسفر إلى الحج خير متعة للمرء.
وتربوية : كعدم تضييع الأوقات أمام التلفاز، وعلى الإنسان أن يصبر، فكل أمر سيعتاده مع الزمن فهو لا يولد حاملاً عاداته كلها، وأمر الوالدين مطاع.
والغضب يجعل الإنسان كالمجنون لا يدري ما يقول.
والابن الذي يخطئ يعتذر أمام والديه.
والمسلم عزيز النفس رافع الرأس.
والخادم يكرم بكلام لطيف على نحو "أعدّ لنا مشروباً لذيذاً بيديك المباركتين ولك جزيل الشكر"، وهو يرتب المكان، وترتيب المكان أمر حسن، وإضفاء جو المرح على المنزل شيء جميل ويبدو ذلك من تصرفات الطفل عمرو حينما كان يظن أنه هو الفائز إذ أصدر أصواتاً وتكلم بكلمات تنم عن فرحته مثل (أنا الفائز أنا الفائز إليَّ بإكليل الغار، أين أقواس النصر اصطفوا أيها المهنئون على الجانبين صفوفاً، وانشروا الورود على رأس الفرس الهمام والبطل المقدام عمرو عبد الرحمن…
ومقابلة الإحسان بالإحسان فالأب بعدما رأى تقوى أولاده وحبهم لبعضهم بعضاً أكرمهم جميعاً بالسفر إلى بيت الله الحرام)
وهناك قضايا ثقافية : أهمية قراءة الكتب في حسن التحدث والتفكير شريطة ألا يضيع الطفل واجباته الأخرى.
وصحية : فالقلق الزائد يضر بالصحة. والنظر الطويل إلى التلفاز يضر بالعين، والبسمة تنير الوجه وتريح القلب.
وسياسية: نحو إن أعداءنا تقدموا علينا وأصبحوا أقوياء لأنهم تعلموا كيف يستفيدون من أوقاتهم وتأخرنا نحن لأننا أصبحنا نتفنن في تضييع أوقاتنا.
وهدايا الأولاد كانت بندقية تعلمهم الصيد تطبيقاً لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه علموا أولادكم السباحة والرماية وأن يثبوا على الخيل وثبا([49]).
أما لغة المسرحية ففصحى بسيطة مفهومة ولكنها ليست ركيكة بل فيها كلمات تزيد في الحصيلة اللغوية على نحو قول المؤلف (القراءة النافعة التي تجعل الفكر ناضجاً، والخيال خصباً، واللسان طليقاً)، (حقاً إن لك صبراً على القراءة عجيباً، إنني لا أتخيل نفسي مكباً على كتاب ساعة كاملة كما تفعل) و (هكذا يكون الولد البار بوالديه، يبرهما في حياتهما، وبعد موتهما) وقوله (صوبت بندقيتي وأطلقتها في لمح البصر وبكل دقة)، (سقطت اليمامة مع أول طلقة بلا حركة، ويشهد الله أني راعيت الآداب الإسلامية).
وأخيراً:
فإن المسرح وسيلة لغرس العقيدة والقيم الفاضلة والآداب الاجتماعية والمعلومات الثقافية في نفوس الأطفال بطريقة شيقة ممتعة، وهو بما يتمتع به من صوت ولون وحركة وإضاءة أقدر على جذب الأطفال وغرس المبادئ والمعلومات ولهذا قيل (أعطني مسرحاً أعطِك شعباً).
الفصــل الثــاني
فـن القصــة للأطفــال
الفصـل الثانـي
فـن القصـة للأطفـال
قصة الأطفال فن أدبي هادف يحكي حوادث مشوقة وقعت لشخصيات معينة ، وتدور حول تجربة إنسانية وترتب ترتيبا سببيا وتنتهي إلى نتيجة منطقية ، وتقدم بأسلوب سهل واضح ومؤثريناسب مرحلة نمو الطفل ، والبيئة التي يعايشها، والهدف المرجو منها،والوسيط الناقل لها .
وللقصة أهمية كبرى في تكوين شخصية الطفل ، قال تعالى " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون([50]) " فهي تؤثر فيه عقيدة وقيما وسلوكيات ولاسيما في المجتمعات المعاصرة التي شغل فيها الأهل عن تربية أولادهم بعمل المرأة أو لانشغال الأسرة بما تبثه الأجهزة السمعية والمرئية كالتلفاز وأمثاله .
وقد اتخذ هذا الفن منذ القديم وسيلة للتربية ، واصطبغت القصص الإسلامية بصبغة البيئة الإسلامية ، ولما نقل أدباؤنا عن الغرب آدابهم تأثروا بقصص الأطفال عندهم واتخذوها قدوة لهم وطالبوا بأن تسير قصصنا على منهجهم ، وهذا ما يدعو إلى النظر إذ ليس لنا أن نسلم بقواعد فنهم أو نخضع دراساتنا النقدية لقواعدهم التي تتغير بين الفينة والأخرى لكثرة ما يطالعوننا به من مدارس أدبية جديدة([51]) .
وأبناؤنا حينما ينشؤون على القصص الإسلامي تغرس في نفوسهم العقيدة الصحيحة والخلق الإسلامي القويم بما يقرؤونه من سير الأنبياء وثباتهم على الحق وكريم أخلاقهم ، كما يطلعون على حضارتنا التي امتدت ثلاثة عشر قرنا وهي أطول مدة عاشتها حضارة في العالم على وجه المعمورة وهذا ما يؤدي إلى اعتزازهم بهذه الحضارة المجيدة فيتحرك وعيهم إلى أسباب سقوطها والتآمر الاستعماري ضد بلادنا فيسعون مستقبلا إلى استعادة المجد الغابر .
كما أن القصة تعرف الأطفال بيئات بلداننا العربية والإسلامية وتجعلهم يدركون أهميتها في العالم ويعرفون تعدد ألوان شعوبها وألسنتهم وثرواتهم، فيحبون إخوتهم في العقيدة والتاريخ والمصير المشترك، فضلا عن اللغة العربية التي يتعرفها كل مسلم يعبد الله سبحانه بها ، وهذا ما يؤدي إلى انتشار الفكر الواحد وسيادته .
وللقصة المقروءة ميزات أخرى لاتتوفر في الفنون الأخرى، فالطفل حينما يقرؤها يحلق بخياله مع فكرها وينطلق يتملى حوادثها ، فتتسع مداركه وأخيلته ، وهذا ما تفتقده القصص المرئية .
وسأبين سمات قصص الأطفال الفنية ثم أنواعها .
أولا : السمات الفنية للقصة الطفولية([52]) :
ليس هناك موضوع يصلح للقصة وآخر لايصلح لأن الأديب يستطيع أن يتخذ من أي تجربة أو موقف موضوعا لقصته إن أحسن استخدام العناصر الفنية لها ، وهذه العناصر هي :
1- بناء القصة
2- نسيج القصة
1-بناء القصة :
ويشمل الفكرة والحوادث والشخصيات :
أ - فكرة القصة :
تعرف الفكرة الرئيسة من القصة عند اكتمالها ، ويجب أن تكون الفكرة هادفة ، وأن تعرض بطريقة مشوقة مثيرة لانتباه الطفل ، وأن ترتبط بخبراته وبيئته .
ففي قصة " التقليد الأعمى " نرى أن الغراب أعجب بلون البجعات الأبيض فتمنى أن يكون مثلها في لونها، فنصحته بجعة أن يعيش مثلها ويأكل من طعامها ففعل فمرض ونحل جسمه ثم مات " فلم يحزن عليه أحد من الغربان لأنه تمرد عليها وتنكر لها ، كما لم تأسف البجعات لفقده لأنه طائر غريب عنها ([53]) " .
هذه الفكرة التربوية السامية وهي أضرار التقليد الأعمى والرغبة في العيش في بيئة غير البيئة التي نشأ فيها الإنسان - لم تكتمل إلا في نهاية الحوادث .
ب- الحوادث :
وموضوعها يجب أن يناسب مرحلة النمو والبيئة التي يعيش فيها الطفل، وقد تقتبس من القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث الإسلامي ، أو من واقع الحياة الاجتماعية أو السياسية ، ويجب أن يكون الموضوع خلقيا سواء أقدم في صورة واقعية أم خيالية ، والأطفال يحبون الخيال ولا سيما في قصص البطولات والحيوانات والجن ، كما يحبون الأحاديث المتعلقة بعادات الشعوب وغرائب الحياة .
وعلينا أن نقدم للأطفال القصص التي تنمي عقيدتهم وتشعرهم بعزة أمتهم ، أو القصص العلمية التي تنمي ملكتهم العقلية وتجعلهم يستخدمون العلم في حل مشاكلهم ، كما تجعلهم ينظرون نظرة إيجابية إلى العلم والعلماء .
وتعرض الحوادث تارة مفصلة لتدرب الأطفال على الملاحظة ، وتارة أخرى بسرعة لتدع أخيلتهم تفكر وتصف ماتركته القصة
وأحسن الحوادث ماكانت قليلة وتؤديها شخصيات قليلة أيضا، وتزداد الحوادث والشخصيات مع تقدم مرحلة الطفولة لأن الطفل يكون بها أقدر على التركيز والمتابعة والتجريد الذهني،وكذلك ماعرض بطريقة منطقية لأنها تقنع الطفل فيتأثر ويتحقق الهدف . ويجب أن يكون للحوادث مقدمة وعرض وخاتمة ، و قد يكون لها حبكة تتأزم فيها الحوادث ثم تسير بسرعة إلى الحل في الخاتمة. والعقدة أو الحبكة لها لذتها إذ تجعل الطفل يندمج مع الأحداث ويعايشها ، وقد تخلو الحوادث من الحبكة ولاسيما في مراحل الطفولة الأولى .
ويحسن تقارب الزمن والأمكنة في قصص الأطفال ولا سيما ما يقدم منها لأطفال المرحلة الأولى لأن الطفل لايدرك القفز الزمني والمكاني
ويشترط في الحوادث أن تعرض بطريقة فنية بحيث لايكون فيها استطراد أو مواعظ وتعليقات مباشرة ولاسيما إن كانت كثيرة، لأن ذلك يسيء إلى فنيتها كما في قصة الشرارة الهائلة لكامل حسن المحامي إذ بدأت بالحديث عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم واستمرت في أكثر من عشر صفحات ، ثم تحدثت عن الدعوة في مرحلتيها السرية والجهرية في سرد مباشر وسريع وكانت خلال ذلك تفسر الحدث وتقحم مواعظ وتعليقات سردية ، ثم تحدثت عن تجارة قريش ، وذكرت أن ذلك كله كان مقدمة للصراع بين الفئتين([54]) ثم تحدثت عن اليهود والأسلحة التقليدية وعن سعيهم للإيقاع بين أهل المدينة بوشايات كاذبة، ثم انتقلت إلى العصر الحديث لتبين المكائد ضد الإسلام والادعاء بأنه انتشر عن طريق السيف، ثم جاءت القصة لتتحدث عن غزوة بدر الكبرى ، وكانت حوادثها أشبه بسيرة تعرض في كتاب تاريخي مؤيد بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية ومع ذلك فقد سماها مؤلفها قصة وأودعها مجموعته القصصية .
وحوادث القصة الطفولية يجب أن تعرض بطريقة تمثيلية لاسردية تحليلية لتشابه الواقع وتمتع بحوارها، وربما عرضت بطريقة الرسائل بين طرفين أو أكثر ، وهو أسلوب يجذب الطفل ويعلمه الكتابة الصحيحة والتعامل الاجتماعي بشكل صحيح .
ويفضل 90% من الأطفال النهايات السعيدة وذات الاتجاه نحو الخير والفضيلة والعدل إذ تترك أثرها في نفس الطفل بهجة وسعادة، وذلك أفضل من أن تؤذي مشاعره بالعنف والقسوة المؤلمة . وبعض القصص تبقى مفتوحة بلا نهاية لتدع الطفل يفكر فيكتسب خبرة في الحياة إضافة إلى التوجيه التربوي والترويح عن النفس .
ج- الشخصيات :
يعد هذا العنصر من أهم عناصر القصة ولذلك يجب على الكاتب أن يحسن اختيار شخصيات قصصه من عالم الإنسان أو الحيوان أو غير ذلك لأن الطفل يشخص كل شيء في مراحله الأولى، فالشمس لديه تضحك والسرير يرحب والحيوان يفكر ...
وترسم الشخصيات بطريقة تمثيلية من خلال الحوار أو من خلال رسائل متبادلة أو عن طريق النجوى الداخلية .
وقد تكون الشخصية مسطحة تلازم حالة واحدة كما في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وثباته على الحق وسير الصالحين كبلال و ، وفي سيرة أبي جهل وعناده وموته على الكفر . وقد تكون نامية تتغير أحوالها كما في سيرة عمر بن الخطاب إذ انقلب من عدو لله ورسوله إلى صحابي جليل بل خليفة للمسلمين يقود الأمة إلى الحق والخير والفلاح . وكذلك في سيرة خالد بن الوليد الذي حارب ضد المسلمين في أحد ، ثم صار سيفا من سيوف الله سله الله على المشركين وحارب المرتدين ، وقاد معركة اليرموك ونصره الله على الروم .
والشخصية التاريخية لايشترط أن يحافظ الكاتب على سيرتها التاريخية بل يجوز له أن يتصرف فيها شريطة الحفاظ على المعطيات التاريخية الكبرى والخطوط العريضة .
وسواء أكانت الشخصيات تاريخية أم اجتماعية فإن على الكاتب أن يرسم أبعادها الجسمية والنفسية والاجتماعية بوضوح ودون أن تتناقض مع نفسها ، وذلك من خلال سرد أوصافها أو أن تظهر على مسرح الأحداث من خلال الحديث عنها .
وإذا كانت الشخصية رمزية فيجب أن يتطابق سلوكها مع ماترمز إليه ، فالثعلب ماكر ، والأسد قوي والطبيب غير الجندي ، والمرأة غير الرجل ...
ويجب أن تكون أسماء الشخصيات من البيئة، وأن تكون أعدادها محدودة ليسهل متابعتها ، ولهذا فإن صعوبة أسماء قصة " بوراتينو أو المفتاح الذهبي "لألكسي تولستوي المترجمة على نحو كاراباس وباراباس وتارتيلا وبازيلو و...، وكثرة شخصياتها التي بلغت مايقرب من خمس وعشرين شخصية، فضلا عن مجيء اسم واحد لشخصيتين قد حال دون استيعاب أعمال جميع الشخصيات،ومثل هذه القصص تتطلب من الصغير أن يقرأها مرات متعددة ليفهم مضمونها .
ويجب أن ترسم الشخصية بوضوح وصدق ، وأن تعبر عن البيئة التي تحيط بالطفل ، ولهذا فإن القصص المترجمة بعيدة عن بيئاتنا ومفاهيمها فضلا عن تدميرها عقائد أبنائنا وسلوكياتهم .
وهناك من يتعاطف مع شخصياته ، ومن يقسو عليها وذلك تبعا للموقف ، فأبو لهب لن يتعاطف معه أديب ملتزم بالإسلام ، أما عمر بن الخطاب فيصوره القصص الإسلامي الخليفة العبقري الفذ العادل ، ولهذا سوف يتألم لمقتله على يد أبي لؤلؤة المجوسي .
وتسمية الشخصيات لها دلالتها ، والقصة المترجمة يجب أن تُعَرَّبَ شخصياتها ، وأن تصطبغ بصبغة البيئة التي تنتشر فيها وذلك ليتقبل الطفل العربي ما تقوله على أنه واقع يعيشه من حوله .
ويجب أن تنتصر الشخصيات الخيرة ، وأن تعاقب الشريرة عقابا رادعا لامؤذيا.
وبعض القصص لاتكون البطولة فيها لفرد واحد وإنما لمجموعة أو شريحة في المجتمع تكافح من أجل هدف ما ، كما في القصص التي تتحدث عن القضية الفلسطينية وفي هذا النوع نرى التعاون قائما بين أفراد المجموعة لتحقيق الهدف الذي تصبو إليه .
2- نسيج القصة :
ويشمل طريقة عرض الحوادث والحوار والأسلوب والبيئة :
أ- الحوار :
للحوار أهميته في القصة الطفولية وإن لم تصل إلى مستوى أهميته في المسرح ، وهو يتخلل فيها بين السرد ، يبدأ به الحدث تارة ويطوره أخرى أو ينهي الحدث أحيانا، وقد يكشف عن نفسيات الشخصيات .
وفي الحوار مشاركة وجدانية بين المؤلف والقارئ أو المستمع، وهذا ما يجعله يحس المتعة ولذلك يجب أن نكثر منه في القصص ونقلل السرد المباشر .
ففي قصة " مهد البطولات " نرى الكاتب يبدأ الحدث بالحوار ، إذ ما كاد أبو قدامة الشامي أمير الجيش في فتوحات الشام يستعد للنوم حتى سمع طرق باب ، فصاح من فوره :
" – من الطارق ؟
وفجأة سمع صوتا من وراء الباب يقول :
-افتح يا أبا قدامة .
- إنه صوت امرأة ومن عساها تكون ؟ أو ماذا تبتغي في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟
وسمع صوت قرع الباب مرة أخرى فسارع إلى فتحه ، وفي ضوء المصباح الخافت استطاع أن يرى ملامح تلك المرأة ، فإذا هي امرأة وقور دفعت إليه رقعة وحزمة مشدودة ثم انصرفت .
كان في هذه الحزمة ضفيرتا شعر صنعت منهما المرأة عنان فرس ، ووضعت فيها رقعة كتب عليها :( يا أبا قدامة سمعتك عندما دعوت الناس إلى الجهاد وحرضتهم على الثواب ، وأنا امرأة لاقدرة لي على الجهاد ، ولا مال لدي أنفقه في سبيل الله أجهز به غازيا مجاهدا ، وها أنا أقدم ضفيرتيَّ ، وقد أتيت بهما إليك لتجعلهما قيدا لفرسك لعل الله يرى ذلك فيغفر لي" ([55])
في هذه القصة نرى الكاتب يستهل بالحوار ، ويتعدد عنده بين ذاتي وخارجي وعلى شكل رسالة بين المرأة والقائد وهما المحوران الرئيسان في هذه القصة
وقد يطور الحوار الحدث وينميه ، ففي القصة نفسها نقرأ حوارا بين أبي قدامة والغلام المجاهد فنطلع من خلاله على حرص الأمة صغارها وكبارها على الجهاد في سبيل الله ، يقول قدامة للغلام وكان ابن المرأة المذكورة :
" – ماذا تفعل هنا يابني ؟
فرد الغلام بحماسة :
- مايفعله المسلمون يا أبا قدامة .
- وماذا يفعلون
- الجهاد في سبيل الله .
- وهل مثلك يابني يقوى على الجهاد ؟
وتابع غير منتظر جوابا :
- الجهاد يابني مشقة وقتال وموت في سبيل الله ومثلك لايقوى على تحمل تلك الخطوب.
وبنصيحة الوالد المشفق على ولده أردف يقول :
- ارجع ياولدي قبل أن تلتحم الصفوف وتدوسك الخيل بسنابكها .
ورفع الغلام نظره إلى الأعلى حتى أحكم نظراته بنظر أبي قدامة ، وانطلق في دهشة يقول :
- أَوَمثلك يقول هذا ياعم ؟
- نعم . وماذا قلت ؟ لقد قلت ارجع قبل أن تدوسك سنابك الخيل .
وبلهجة المقدام قال الغلام
- كيف تنصحني أن أدير ظهري لأعداء الله ، يبدو أنك تريد أن أبوء بغضب من الله ، وحاشاي أن أفعل ذلك وأكون من الخاسرين .
وقف أبو قدامة مشدوها أمام غلام يستحق أن يكون قدوة تحتذى في الاندفاع في سبيل الله ، ورأى أن يترك هذا الغلام وشأنه فلعله يكون منه خير للمسلمين .
وقدم له فرسا كانت لديه وراح يسأله :
- ماذا أعددت للجهاد يابني .
- قوسي هذه .
- وأين سهامك ؟ ما أرى إلا أن جعبتك فارغة .
- لم يكن لدي ما أشتري به السهام
- وكيف ستقاتل من غير سهام .
- أستعير .
- وهل يصلح للمعركة الاستعارة ؟
وبعد أن صمت أبو قدامة برهة اجتذب خلالها انتباه الغلام تابع يقول :
- ياولدي متى حمي الوطيس واشتد القتال فإنه مامن أحد يعير أو يستعير .
وببراءة طفل أجاب الغلام :
- إذن أقرضني بضعة أسهم أستعملها في المعركة
- وهل تجيد الرمي عن قوسك يابني ؟
- أجل ياعماه إن أمي علمتني الرمي .
أحب أبو قدامة أن يعرف حسن بلاء هذا الغلام فأعطاه سهما وقال له :
- ارم بهذا السهم حتى أرى صنيعك .
فوضع الغلام السهم في القوس وسدد الرمي فأصاب روميا كان يقف على الحصن([56]) "
هذا الحوار طور الحدث ونماه إذ عرفنا من خلاله أن الأم ربت ابنها ليكون في المجاهدين بعد أن دربته على الرمي ، ثم أرسلته إلى المعركة دون أن يكون عنده أسهم لشدة فقره، وقد كان حديثه مثار إعجاب القائد به مما جعله يعطيه قوسا ليختبر مهارته ، وهذا الرمي أدى به إلى الاستشهاد ومن ثم عرف قدامة أن هذا الغلام هو ابن المرأة التي تبرعت بضفيرتيها ، ومن هنا يدرك القارئ أن الأمة المجاهدة لاتغلب أبدا .
وقد يكون الحوار نجوى داخلية تنم عن نفسية الشخصية أو تكشف عن حيلة ما تدبرها ، ففي قصة " البطة القبيحة " نرى أن بيضة بطة تفقس عن صوص كبير يكون بطة قبيحة يهرب الجميع منها ، حتى أمها طردتها فذهبت بعيدا تبحث عن مأوى فجاءها الصيادون ، ولكن كلب الصياد لما رآها قبيحة المنظر هرب منهافذهبت إلى مزرعة لتعيش فيها فلما رآها الأطفال سخروا من منظرها وقذفوها بالحجارة فأخذت تبكي وهي تقول في نفسها :
"- إنني فعلا بشعة لايريد أحد أن أعيش معه([57]) "
فهنا نرى الحسرة والألم اللذين أحستهما من منظرها القبيح الذي جعل الناس والحيوانات ينفرون منها .
وهكذا يؤدي الحوار دوره في الكشف عن نفسيات الشخصيات مما يكون له أثره في بنية القصة .
ب- الأسلوب :
تأتي القصة في المقام الأول من الأدب المقدم للأطفال ، كما تأتي في المقام الأول من حيث تأثيرها في الصغار ، فإن كانت فنية بسردها الجميل وحوارها الشيق الممتع انجذب الطفل إليها فزودته بالمعلومات والأخيلة واللغة ولذلك يجب أن تكون الآداب المقدمة له بالفصحى ، وأن يتعرف غنى مفرداتها واشتقاقاتها من خلال النصوص الأدبية ولا سيما القصة لما فيها من عناصر تشويق ، وأن ترتقي بلغته كلما تقدمت مرحلة نموه فتزداد بذلك حصيلته اللغوية.
ويجب أن تكون اللغة واضحة وسهلة لاحوشية ولا مبتذلة متداولة كثيرا ، وأن تكون في تراكيب منسجمة ودالة على المعنى حتى يفهمها الطفل ويتذوق ما فيها . كما يجب أن يتجنب كاتب قصص الأطفال اللهجات العامية واللغة الأجنبية ليحافظ على الفصحى ويغرسها في عقول أبنائنا .
ويشترط في عناوين القصص أن تكون حسية مفرحة ، وقصيرة وانفعالية لتثير اهتمامه إلى القراءة
وأن تكون اللغة مناسبة للشخصية ، فالشخصية التاريخية غير الشخصية الخيالية الحيوانية مثلا ، ولغة المعلم غير لغة الفلاح .
واللغة المقروءة غير المسموعة ولذلك يجب الانتباه على نبرة الصوت وتنويعها لتناسب الفكرة والشخصية حتى تؤثر في الطفل من غير تكلف لنبرات حادة مزعجة أحيانا .
كما يجب استخدام الكلمات المحسوسة والأوصاف الكثيرة التي تساعد الطفل على دقة الملاحظة وتكسبه مفردات غنية ، وأديب الأطفال يرتقي باللغة تدريجيا حتى يستوعب الطفل الكلمات ذات المدلولات المجردة شيئا فشيئا .
وعلى كاتب أدب الأطفال أن يراوح بين الخبر والإنشاء ، وألا يباعد بين ركني الجملة ، وأن يكتب بأسلوب يناسب مرحلة النمو ، وأن يطلع على قاموس الأطفال اللغوي ، وقد أصدرت وزارة التربية في سوريا قاموسا للأطفال سمته " الرصيد اللغوي العربي لتلاميذ الصفوف الستة الأولى في مرحلة التعليم الأساس([58]) " ، ولكن الحاجة لاتزال ماسة لمعرفة القاموس اللغوي العام لمختلف الأعمار من الثالثة حتى الخامسة عشرة ، ويجب أن تتضافر جهود مؤسسات تعليمية للقيام بهذا العمل لأن معظم الذين يكتبون للأطفال يركزون على الجوانب المادية ولا يعطون الجوانب الدينية حقها .
وهذا نموذج من أسلوب قصة " الدب الأحمق " يقدم إلى مرحلة النمو الثانية :
" كان أحد الدببة يتجول في الغابة فرحا مستمتعا بجوها الجميل ، وبمرور الوقت بدأ يشعر بالجوع فراح يتنقل بحثا عن الطعام هنا وهناك ، وبينما هو يمشي رأى شجرة كبيرة كثيفة الأغصان يدخل ويخرج منها النحل ، وباقترابه شاهد خلية بين الأغصان اتخذها النحل بيتا له، ومن شدة الجوع بدأ الدب يتخيل خلايا النحل تقطر بالعسل اللذيذ، وهو يبتلع ريقه كأنه يأكل منه ويتذوق طعمه الحلو([59]) . "
كلمات هذا النص واضحة وسهلة ، و جاء الحديث سردا باللغة الفصحى دون أن يمازجها لكنة أعجمية او لهجة عامية .
وفيه مايثري لغة الطفل على نحو : " فرحا مستمتعا بجوها الجميل " , و " راح يتنقل بحثا عن الطعام هنا وهناك " ولو قال يتنقل هنا وهناك بحثا عن الطعام لكان التركيب أجود ، ونحو " خلايا النحل تقطر بالعسل اللذيذ " و " يتذوق طعمه الحلو " فهذه العبارات تزيد في ثروة الطفل اللغوية أفعالا و صفات وظروفا للمكان مما يساعده على التعبير باللغة الفصحى الجميلة.
وفي النص وصف لنفسية الشخصية من خلال التصوير الواقعي لشهوة الدب إلى الطعام .
وهذا نص آخر أعلى مستوى لأنه يقدم للمرحلة الثالثة من الطفولة ، إنه للكاتب محمد سعيد العريان ، من رحلات سندباد التي ألفها لأطفال هذه المرحلة .
" وكنا قد غفلنا عن هلهال لحظات ، فلم يكد يرى الرجل يتهيأ للنزول حتى وثب من مكان ... ثم جرى إلى الرجل يمسك به وهو يقول بالله خذني إليه !
وتدحرجت على خدَّيَّ دمعتان إشفاقا على رفيقي بهلول وإشفاقا على نفسي ، فقد ذكرت في تلك اللحظة أبي كما ذكر هلهال أباه ، وتصورتُني في مثل حاله فماذا كنت أملك أن أفعل في مثل تلك اللحظة إلا أن أمسك بذلك الخيط الذي آمل أن يوصلني إلى أبي ؟
لقد كنت في مثل هذه الحالة يوما منذ عام مضى ولكني لم أعرف أحدا يوصلني إليه أما هلهال فقد عرف .
وقلت للرجل وأنا أغالب دموعي : بالله عليك خذه معك وخذني .
ووقف رفقاؤنا في السفينة حولنا مدهوشين لايكادون يعرفون سببا لما نقول واستمع الرجل إلي وهو مثلهم في دهشة ، وصمت برهة ثم قال : لاآخذكما إلا كما يؤخذ الأسرى لاحرية لهم في عمل ولا في حركة إلا بإرادتي ، فهل تصحباني على هذا الشرط([60]) "
فهذه العبارات أقرب إلى اللين والسهولة ، وقد جاءت في تراكيب محكمة قوية تثري حصيلة الطفل اللغوية والأسلوبية ، كما يحوي النص تكرارا يؤكد المعنى ويؤدي إلى جرس موسيقي عذب على نحو " إشفاقا على رفيقي وإشفاقا على نفسي " و " خذه معك وخذني ، قال لاآخذكما إلا كما يؤخذ الأسرى " ، " ذكرت في تلك اللحظة أبي كما ذكر هلهال أباه " و " لاحرية لهم في عمل ولا في حركة " فالتكرار في العبارتين أعطى نغمة موسيقية محببة وإيقاعا لطيفا .
وفي النص تصوير خيالي من أمثال : " تدحرجت على خدي دمعتان " و " أمسك بذلك الخيط الذي آمل أن يوصلني إلى أبي " و " أغالب دموعي " فهذه الصور تطلق تفكير الطفل فتنمو ملكته الذوقية ويحس جمال العربية . وإذا أضفنا إلى ذلك عاطفة البنوة عند كل من سندباد وبهلول أدركنا أثر الأسلوب في إيصال الفكرة والمشاعر إلى الطفل القارئ ومدى تأثره بالمعاني ، ومدى تذوقه للغتنا الفصحى .
ج-البيئة :
للقصة دور في تعريف الطفل بالبيئات المتعددة ، فهناك البيئة الجغرافية الحارة مثلا والقطبية والصحراوية والبحرية ... ، وهناك عادات الشعوب القديمة والحديثة ، وتاريخ البشرية عبر الأزمنة الطويلة ، والقصة تسهم في تعريف الطفل عليها من خلال عرضها أو وصفها .
وعلى كاتب القصة أن يدرس الأوضاع الجغرافية والفكرية للبيئة التي يتحدث عنها ليقنع الطفل بواقعية الحوادث . ومن قصص البيئة " طاعة الوالدين " وهي رسوم متحركة تصور بيئة القطب الشمالي حيث تعيش طيور البطريق وتتعرض لهجمات الطيور الكاسرة ، وقد صورت القصة صغيرا منها اسمه " فرقش " كان يحب أن يكتشف ما حوله ، وكان أبواه يخافان عليه من الحيوانات والطيور المفترسة ومن تعدي صيادي الفراء ، وقد وضعاه في مدرسة فتلقى من المعلم وصفا للمخاطر ولمشقات الحياة ، ولما خرج يوما مع ابنة عمه الصغيرة ليتعرفا البيئة وقعا في مشاكل عديدة ، وأدركا خلالها معنى المعاناة في هذه الأجواء الطبيعية القاسية ، فهناك تجر الكلاب العربات وتستخدام طائرات الهليوكبتر للتنقل لأن السيارات لاتستطيع السير فوق الثلوج، ويتعرض المسافر إلى الانهيارات الثلجية . وقد أكسبتهماهذه الرحلة خبرة في الحياة جعلت البطل (فرقشا) يستحق أن يصير رئيسا لجماعته . وتعد هذه القصص من القصص العلمي لأنها تعرف الطفل البيئة الجغرافية والبشرية لسكان القطب الشمالي بأسلوب شيق جذاب .
ثانيا : أنواع القصص :
تتعدد أنواع القصص حسب النظرة إليها :
1- فهي فنيا : قصص حوادث ، أوشخصيات أوأفكار
2- وقد تناسب المرحلة الطفولية الأولى أو الثانية أو الثالثة
3- وتتنوع حسب الوسيط الناقل فهناك قصص مقروءة في كتاب أو في مجلة ، وأخرى مسموعة في الإذاعة ، أومرئية في أجهزة إلكترونية .
4- وقد يؤدي حوادثها شخصيات بشرية ، وقد تأتي على ألسن الحيوانات .
5- وهي موضوعيا : قصص واقعية ، دينية ، أو تاريخية وسياسية، أوتربوية اجتماعية . وقد تكون من القصص العلمي أومن قصص الخيال العلمي .أو تكون من قصص الرحلات ، أو من القصص الشعبي والأسطوري .
وقد تصلح القصة لأمرين أو أكثر معا ، فهي مثلا من قصص الشخصيات ، وهي في الوقت نفسه قصة تاريخية ، وتناسب المرحلة الثالثة أو غيرها ، وقد تكون أسطورية وتربوية في الوقت نفسه وتنقل عن طريق التلفاز أو في مجلة طفولية ...
وسأدرس أنواع القصص حسب التقسيم الأخير " للموضوعات " لأن التقسيمات السابقة احتوتها أحاديث في مراحل النمو أو في السمات أو في الوسائط أو في فنية القصة فلا حاجة للتكرار .
1- القصة الواقعية الدينية
كالقصص التي تتحدث عن الأنبياء والصالحين ، وتقتبس من القرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية وحكايات الأخيار ، وتتحدث عن عبادة الله الواحد واتباع أوامر الله سبحانه وترك مايكرهه وما يحرمه،والإيمان بالرسل وعن العمل الصالح إرضاء لله سبحانه .
من ذلك قصة " النبي شعيب([61]) " الذي كان يعيش في مدين جنوبي بلاد الشام قبل مايزيد على ثلاثة آلاف سنة ، وكان أهلها وثنيين يقطعون الطرق وينقصون المكيال ، وقد نصحهم نبيهم بعبادة الله وحده فقالوا له " ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ؟ " فراح ينصحهم ويبين لهم وحدانية الله تعالى وضرورة الاهتداء بشرعه وأن المال الحلال يباركه الله ، أما الحرام فيذهب هو وأهله ، ولكنهم أصروا على أن يتصرفوا بأموالهم كما يشاؤون ، فحذرهم من عذاب الله تعالى إن اصروا على كفرهم وعنادهم ، فراحوا يهددونه ويقولون له لولا عشيرتك لرجمناك ، فقال أتمتنعون عن قتلي خوفا من العشيرة والله سبحانه أعز وأعظم ، ولكنهم زادوا في طغيانهم وهددوه ومن معه بالقتل والنفي، فاستعان شعيب بالله سبحانه فزلزل بهم الأرض ، فأهلك الكافرين المفسدين غير مأسوف عليهم ، فأصبحت مَدْيَن خاوية على عروشها كأن لم تكن ، ونجى الله عز وجل شعيبا ومن معه لإيمانهم واتباعهم شرع الله تعالى.
هذه القصة تبحث في أمور العقيدة وهي ضرورة الإيمان بالله تعالى وحده وتنفيذ شرعه ، فهو الذي يحل الحلال ويحرم الحرام ، والعباد ينفذون ما يريده الله سبحانه في سلوكياتهم كلها بما فيها التصرف بالأموال لأن في ذلك خيرا لهم لئلا يفسدوا ويظلم بعضهم بعضا ، وإلا فالعقاب ، والله سبحانه قادر على أن يهلك الظالمين وأن ينجي المؤمنين .
ومن القصص الدينية أيضا قصة هالة والفراشة والنار([62]) التي وردت في باب أحباب الله في مجلة ماجد ، وتتحدث عن فراشة حامت حول النار فخافت هالة عليها وحاولت أن تمنعها دون جدوى فسألها أبوها عما تفعله فأخبرته قائلة " ألهث خلفها وأحاول إنقاذ ها من النار ولكنها تصر على إلقاء نفسها في الهلاك ، أرأيت مثل هذا ؟
ضحك أبوها وقال : نعم رأيت كثيرا ، سألت هالة في لهفة : أين ؟ أين يا أبي ؟ أين تجد هذا الفراش الكثير ؟ فأخبرها أن الفراش كالناس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه) إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ماحوله جعل الفراش هذا الدواب التي تقع في النار يقعن بها ، فجعل الرجل يزعُهن }أي يدفعهن } ويغلبنه فيقتحمن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ) . ثم ظهرت الفراشة ثانية فتمكنت هالة من اصطيادها ، ولكنها كانت تحاول الخروج من الشبكة فقالت هالة ( تظن الفراشة أنها سجينة ولا تدري أن تلك الحدود التي تحيط بها صيانة لها وحفظا لحياتها ) فابتسم الأب وقال كما يظن الناس أن حدود الله التي أمرنا ألا نتعداها قيود عليهم ، وقد جاءت لصيانتهم من ضياع الدنيا وجحيم الآخرة ، ثم قال لابنته ستكون سعادتك أكبر لو حاولت إنقاذ الناس الذين يتهافتون على الهلاك تهافت الفراش وذلك بدعوتهم لطاعة الله سبحانه )
هذه القصة تدخل في باب الوعظ الديني الذي يقدم في قصة شيقة لتنفذ الفكرة في القلوب مؤيدة بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد لايستطيع الطفل أن يدرك أهمية الرسالة النبوية في إبعاد الناس عن عقاب الله سبحانه ، ولكن القصة بهذا الخيال الشيق استطاعت أن تقدم العبرة الحسنة باسلوب لطيف ومؤثر معا ، وبهذا تتحقق التربية الدينية .
2-القصص التاريخية والسياسية :
القصص التاريخية هي قصص تستمد معظم حوادثها وشخصياتها من التاريخ وتدور في الأكثر حول بطل أو فكرة، وتأتي الحوادث من خلال عرض سيرته ، أو تصور حادثة تاريخية معينة تبرز الشخصيات أو الفكرة من خلال مواقفها .
وقد اهتم كتاب القصص الطفولية بالقصة التاريخية ليعرفوا الناشئة بتاريخهم المجيد في الماضي والحاضر ، وعلى التآمر الذي تتعرض له الأمة ليكتسب الطفل عبرا ومواعظ من خلال هذه القصص .
والقصص التاريخية متعددة فمنها مايتحدث عن التاريخ القديم وعظائم الأمة ، ومنها ما يحكي عن حروب واعتداءات على الأراضي العربية والإسلامية في العصر الحاضر.
أً- فمن التاريخ القديم قصة محمد الفاتح([63]) حين عزم على فتح القسطنطينية .
تبدأ القصة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : لتَفْتَحُنَّ القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش([64]) . ثم يأتي نشيد تسأل فيه طالبة أستاذها أن يحدثها عن أمجاد السلطان محمد الفاتح العثماني بقولها :
هل تخبـرُني يا أستاذي كم للفــاتحِ من أمجاد؟
مَنْ أهلوه ؟ وكيف اجتاز دربَ الخيرِ يدعو الهادي
فيجيبها المدرس :
يعجبني منكِ يا أختـاه حـبٌّ منكِ للأجــداد
كان الفاتحُ نجـمَ الدنيا ينشـرُ فيها كلَّ رشاد
هـذي الدنيا يا أستـاذي كانت سهلا ، كانت وادي([65])
كيف الفاتحُ يحكمُ فيهـا ينشرُ عدلا عبرَ بلادي
يجلو الظلـمَ عن مظلومٍ يمحو عنه قهرًا بادي
يعلي العلمَ ، يبني دورا كونوا مثله نورًا هادي
ثم يأتي نشيد آخر يشيد بعظمة السلطان الفاتح ، ويقال بنبرة الواثق القوي :
فاتحُ ياكُلَّ أمانينـا فاتحُ يالحـنَ أغانينا
النجمَ سلاما أعطينا احكمْ وانشرْ عدلا فينا
أقدم([66]) وانشر عدلك فينا
خلِّصْنا من ظلم الضاري حقِّق آمال الأجيال
فاتـحُ يابطلَ الأبطال أقدمْ وانشرْ عدلَك فينا
أقدمْ وانشرْ عدلَك فينا
ثم تحدث الشريط عن معاناة أهالي القسطنطينية من جور البيزنطيين وظلمهم ، وكان السلطان مراد والد السلطان الفاتح يبث العيون ليتعرف أوضاع البلاد السياسية والاجتماعية ، وليطلع على تحصينات القسطنطينية ، فعرف تدهور الأوضاع في بلاد العدو فصار يدعو الله سبحانه أن يبصر أهل المدينة بالإسلام ، لأنها مدينة ذات موقع ممتاز فهي مفتاح أوربا، وقد ربى ابنه محمدا على حب العلم والجهاد في سبيل الله ، ثم أمره أن يتسلم زمام السلطة ، ولما علم الإمبراطور البيزنطي بتسلم الصغير السلطنة فرح لأنه تصور أن يقضي على المسلمين بتوحيد جهود النصارى ، فعلم الصغير باتفاق النصارى فقال لأبيه :
"- إن كنتَ أنتَ السلطان فقُدْ جيشك للفتح ، وإن كنتُ أنا السلطان فآمرُك بذلك ."
فاضطر السلطان إلى العودة إلى الحكم، وقاد الجيوش إلى بلغاريا .
وهنا ينطلق نشيد " تقدموا يا إخوتي ... "
ولما توفي السلطان مراد تسلم ابنه محمد وخطب في الناس قائلا :
"- إن هذا البلد أمانة في أعناقنا ، وعلينا أن نعرف الواجب الملقى على عاتقنا ... يجب أن نتحرك قبل أن يتحرك عدونا ، وأن نشد الهمة لإعلاء كلمة الله بعزيمة صادقة ، وما النصر إلا من عند الله ."
وفي الطرف الآخر جاء من يخبر ألكسي قائد النصارى بموت السلطان مراد ففر ح لذلك فقال له القائد :
" – لو أخبرتني أن محمدا مات لفرحت أكثر لأن أباه صار عجوزا "
وكان الفاتح لايزال صغيرا عندما تسلم السلطنة .وقد سمح لمربيه العالم آق شمس الدين أن يدخل عليه في أي وقت شاء .
وقدم رسول الإمبراطور البيزنطي قسطنطين ، وأراد أن يسجد للسلطان العثماني فرفض ذلك ، وطلب الرسول من السلطان أن تخفف الجزية
وكانت ثلاثمئة ألف قطعة ذهبية فقال السلطان أنظر في الأمر . وكأن صغر سن الخليفة
قد أطمعهم .
وجاءت الانكشارية تريد عطاء من السلطان بمناسبة توليه الحكم وطالبوه بأسلوب فيه شغب وضجيج فلام وزيره على هذا وطلب منه وضع حد لهذه الفتن وقال :
" _ أصحاب الفتن في الداخل والخارج لايتوقفون إلا بالقوة ."
وطلب الاجتماع مع كبار المسؤولين ليوقفهم عند حدهم ، وقال سوف نعاقب المخطئين ، وأخبرهم أن تيمورلنك التتري يتعاون مع النصارى وأنه يخطط لإحراق البلاد ، ولذلك فعلى الدولة العثمانية أن تحصن البلاد ، وكان أبوه قد عزم على ذلك لولا أن عاجله الأجل .
وكان أهل القسطنطينية دائمي التحصين لمدينتهم بترميم أسوارها .
وينطلق نشيد وأذان ويستيقظ واحد وهو يدعو بأدعية الصباح، وكأنه رمز بذلك إلى يقظة المسلمين إذ تحدث بعده عن البدء ببناء الحصون ، وجاء رسول من القسطنطينية يسأل السلطان العثماني عن الهدف من بناء الحصون فأخبره السلطان محمد أن الغاية هي تحصين البلاد بعد اتفاق النصارى مع المجر ، وأن الدولة لاتعجز عن حماية أراضيها ، وطرد الرسول ، وأرسل إلى القسطنطينية عيونه للتجسس على ما فيها وعلى أحوال البلاد، وعرف الخلافات الدينية الكبرى بين طوائف النصارى من الكاثوليك والأرثوذكس
وأنجز الفاتح بناء الحصون في ثلاثة أشهر ...
وجاء بيزنطي يشتكي ظلم إمبراطوره وأخبر أنه معجب بالمسلمين لعدالتهم ، وكان معه ساعة أخبر أنها من صنع يده ، فطلب منه الفاتح أن يحضر سباكا ، فأشار عليه بسجين في بلاد الروم يتقن السباكة فعزم الفاتح على أن يخلصه من السجن ليصنع له مدفعا كبيرا يدك به أسوار القسطنطينية ، ووضع خطة لذلك .
وهنا ينطلق نشيد عن ظلم البيزنطيين
وبدأ المسلمون بتنفيذ الخطة ، دونوا معلومات الطريق وقاسوا المسافات إلى السجن ثم إلى الغرفة التي فيها السجين ، ثم حفروا خندقا وصلوا به إليه ، ولما سمع الحراس أصواتا وحركة تشير إلى أن الأمر غير طبيعي كان كل شيء قد انتهى ، وقتل الحراس وأنقذ الميكانيكي السجين وأحضر إلى السلطان العثماني محمد الفاتح فأشار عليه ببدء العمل مباشرة ... وصنع المدفع وجرب في أدرنة ... وخطب الفاتح في جيشه مبينا هدفه من فتح القسطنطينية التي تحاول القضاء على الوجود الإسلامي ولذا فعلى المسلمين أن يباشروا قبل أن يباغتوا ، وأخبرهم أن العدو شعر بضعفه فلجأ إلى أوربا ليتعاونوا جميعا ضد المسلمين . كما ذكرهم بجهود الصحابة أمثال أبي أيوب الأنصاري في محاولة فتح القسطنطينية واستشهاد هذا الصحابي هناك ثم دعا الله أن ييسر عملية الفتح وأن ينصر المسلمين وينشر دينه . .. وبدأ التحرك ... وانطلق نشيد
فاتحُ يا كلَّ أمانينا ...
وعلم النصارى بمقدم الجيش الإسلامي فأغلقوا أسوار المدينة وراقبوا السفن القادمة ليمنعوها من الوصول إلى المدينة بسلاسل ضخمة هيئت لتقف في طريقها ... ووصل المسلمون وحاصروا المدينة ... وهنا انطلق نشيد
عـدوكُم مخـادعٌ وماكـرٌ جبـانْ
حصونُه ضعيفـةٌ، وجيشُه مهزومْ
والشعبُ زاد ظلمُه، والظلمُ لايـدوم
ولما قيل للإمبراطور البيزنطي إنهم قادمون وعددهم كثير، أجاب إن المسلمين لن يصمدوا أمام أسوار المدينة ، وكانت معنويات جيش العدو ضعيفة ومعنويات الجيش الإسلامي مرتفعة ، وأمر الفاتح أن يكون الهجوم يوم الأحد وأن يصوم المسلمون في هذا اليوم تزكية لنفوسهم ، وكان الوعاظ يشجعون على الجهاد في سبيل الله . وأرسل الفاتح رسولا إلى الإمبراطور يخيره بين الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب وذلك كما طلب الشرع الحنيف ، ولكن الإمبراطور سخر من المسلمين ومن قدرتهم على اختراق أسوار المدينة، فأخبرهم الرسول بأن لدى الدولة مدفعا يجره خمسون زوجا من الثيران ، فأراه الإمبراطور التحصين الرومي وعمق المياه والسلاسل ، فبين لهم رسول الفاتح أنْ قد أُعذر مَن أنذر ولا ذنبَ لهم في أعناق المسلمين .
وبدأ القتال في يوم الثلاثاء 20 من جمادى الأولى سنة 857هـ المصادف 29/5/1453م ، وصلى الفاتح ودعا ربه وهنا سمع نشيد :
الله أكبر كبروا ...
واستمر القصف ستة أيام ، وجاءت سفن للعدو وكانت هذه خدعة ليتوجه المسلمون إليها فيخسروا لأن أسطولهم البحري ضعيف ، ولم يستطع المسلمون التصدي لها بسبب السلاسل الحديدية التي تقف دون تحقيق مرادهم فارتفعت معنويات العدو ، وغضب الفاتح غضبا شديدا وعزل القائد البحري وأخبره بأنه سيحاكمه على تقصيره ، وعين قائدا أمره بوضع خطة للقضاء على السلاسل وطلب منه الدخول إلى الخليج من جهة أخرى ، ووضع خطة لايزال التاريخ يذكرها لهذا السلطان ، وهي أن تسير السفن من الجبل فوق أخشاب تطلى بزيت دون أن تحتاج إلى المرور بالخليج ، ونجحت الخطة وتزلقت السفن ووصلت إلى الخليج من الجهة المعاكسة وتدفق المسلمون وأحرقوا سفن العدو وتساءل العدو : كيف تمكن المسلمون من اختراق السلاسل وهو لايدري الخطة المتبعة ...
وحمي وطيس المعركة ، ورمى النصارى النار الإغريقية والزيت المغلي على المسلمين وانتهت الجولة الأولى، وخطب الفاتح في الجيش ثانية وأخبرهم أن المدينة محاطة بالجبال وبالمخاطر فتحمس المسلمون وتحملوا مشقات حرب وحصار على مدى ثلاثة وخمسين يوما ثم دمروا قلعة المدينة من جهات ثلاث :
وسمع نشيد :
الله أكبر كبروا
وصعد المسلمون إلى القلعة ، وكان نصر الله المبين ...
وأمر الفاتح ألا يعتدي أحد على السكان ، وزار كنيسة أياصوفيا وصلى فيها ، وحولها إلى مسجد .. وانطلق الأذان : الله أكبر الله أكبر ... وأمر أن تسمى المدينة إسلام بول وهي حاليا " إستانبول " .
الدراسـة الفنيـة :
وتعني دراسة بناء القصة " الفكرة والحوادث والشخصيات " ونسيج القصة " طريقة عرض حوادثها ، وحوارها وأسلوبها ورسم بيئتها"
1- بنـاء القصـة
أ- الفكرة :
تقدم هذه القصة لأطفال المرحلة الثالثة لتوعيتهم بتاريخ أمتهم في عهودها الزاهرة أيام الدولة العثمانية ، ولذلك فهي تتحدث عن الفتح الإسلامي في عهد العثمانيين لمدينة القسطنطسينية ، وتبين جهود الفاتح وخططه في سبيل النصر ،إضافة إلى بث قيم متعددة خلال مسيرة القصة .
ب-الحوادث :
اقتبس الكاتب حوادث قصته من تاريخ السلطان العثماني محمد الفاتح الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " لتَفْتَحُنَّ القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش[67] " وهذا ما لفت الأنظار إلى عمله الجليل الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم ضمن أحاديثه عن الغيبيات . وقد أضاف إليه من خياله ما قرب الفكرة وغذاها وذلك على نحو حديثه عن إكرامه للعالم الجليل آق شمس الدين .
وكانت الحوادث تسير منطقية محكمة يأخذ بعضها برقاب بعض ، وتتأزم الحوادث عند محاولة سرقة الميكانيكي البيزنطي لصنع المدفع ، ثم تحل المشكلة بإتمام عملية الإنقاذ لتأتي المشكلة الكبرى وهي كيفية التمكن من اقتحام أسوار القسطنطينية الثلاثة المنيعة ولا سيما بعد إخفاق العثمانيين في الوصول إلى سفن العدو ، ولكن هذه الأزمة تنحل سريعا بالخطة الجبارة التي كانت سببا للفتح، ألا وهي جعل السفن تتزلج بالزيت من أعلى الجبل إلى جهة الخليج الأخرىحيث لايوجد هناك سلاسل تعيق التقدم . وسارت الحوادث بعدها سريعة إلى الحل وهو الانتصار على العدو .
ج- الشخصيات :
استمد الكاتب شخصياته من التراث الإسلامي فقد خلف لنا التاريخ حديثا عن الفاتح العثماني ووالده السلطان مراد ورغبتهما في الجهاد لنشر الإسلام في ربوع أوربا ،ولذلك فإن تصرفات الشخصيات كانت واقعية
وقد رسم التلفاز الأبعاد الجسمية للفاتح ، أما البعدان الاجتماعي والنفسي فقد عرفناهما من خلال التصرفات :
فمحمد الفاتح تبدو عليه أمارات القوة والعزيمة ، وربما كان هذا هو السبب في إسناد الحكم إليه صغيرا ، كما تبدو سمة الذكاء والدهاء من خلال تصرفاته ، فلقد أعاد أباه إلى السلطة وقال له " إن كنت أنت السلطان فعليك قيادة جيشك ، وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك أن تعود إلى الحكم" ، ولما حكم بدا عليه الصلابة والصرامة مع الانكشاريين في الداخل ، ومع البيزنطيين في الخارج حين حصن المدينة وجهز الجيش بأقوى أنواع الأسلحة ، واستحضر مهندسا سجينا بالقوة، وأشرف بنفسه على تنفيذ الخطط وحاسب القائد المقصر ، وكان يرسل العيون ليتعرف أحوال العدو .
ومع ذلك كان حاكما عادلا يكرم العلماء ويلتزم الشرع ، وقد خير العدو بين الإسلام والجزية أو الحرب تنفيذا لأوامر الله سبحانه .
وجعل المؤلف شخصيته مسطحة ثابتة إذ تلازم حالة واحدة من القوة والعزيمة وكان متعاطفا مع شخصية الفاتح يبرز محاسنها كما يظهر تدهور أحوال البيزنطيين مما شجع على غزوهم ، وكأنه أراد من ذلك أن يبين فضيلة الإسلام حينما يلتزمه حاكم قوي .
2- نسيج القصة:
ويعني طريقة عرض حوادثها وحوارها ، وأسلوبها ورسم بيئتها .
أ-الحوار :
عرضت الحوادث بالطريقة التمثيلية في التلفاز حتى شابهت المسرحية ، ولذلك كان الاعتماد فيها على الحوار ، فقد بدأت به الحوادث ، كما جاء ليطور الحدث وينميه ،وبه عرفنا كثيرا من الحوادث كعزم الفاتح على الحرب ، وإكرامه العالم آق شمس الدين ، ... وكان الحوار واقعيا فهو يستلهم التاريخ ويستنطقه ليؤدي به فكرته ،ولا نلمح في القصة خواطر ذاتية أو مناجاة للذات ، إنما تبدو الأفكار من خلال الطريقة التمثيلية .
ب-الأسلوب :
جاءت المسرحية بالفصحى وبعبارات تناسب المرحلة الطفولية الثالثة ، ويكثر في الأسلوب الاقتباس من القرآن الكريم في كلام الفاتح وخطبته التي خطب بها في جنده ، على نحو " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم[68] "
كما كثرت الأناشيد العذبة التي تكسب النص الجمال بعروضها وقوافيها الملتزمة حينا، والمتعددة أحيانا أخرى ،وبذلك يتعلم الطفل لغته ويتذوقها ويعجب بنغماتها الطربات كما يعجب بمضمونها الهادف، وبذلك تسهم هذه المسرحية الطفولية بتحبيب الطالب بلغته والتمسك بها .
ج- البيئة :
كان للبيئة الزمانية والمكانية أثرها ، فالفاتح تعجل الحرب في ظروف مواتية له ، وكان للرياح الجنوبية أثرها في إخفاق المسلمين في أوائل الحرب ، ولكن كثرة الغابات في البلاد ساعدت على استثمارها لأداء فكرة تزلج السفن ، وكان للبيئة أثرها في تحصين القسطنطينية فهي تقع في موقع بحري مهم مما يجعلها في مأمن من هجمات العدو .
وأخيرا فإن هذه القصة هدفت إلى :
1- إطلاع الأطفال على واقع أمتنا قديما مما يكون له الأثر في بناء الشخصية الإسلامية والشعور بالعزة .
2- تعريف الأجيال الصاعدة بأهمية الفرد وصفات الحاكم والقائد الفذ في تكوين الأمم كما فعل القائد السلطان محمد الفاتح الذي كان حاكما قويا ومحاربا شديدا .
3- احترام العلم والعلماء : وبدا جليا في احترام الفاتح لشيخه، وللمهندس الميكانيكي .
4- روح التعاون والمحبة عند المسلمين المجاهدين .
5- العبادات الإسلامية ودوافعها الإيمانية ولا سيما عند الانتصار على العدو .
6- ترسيخ الفصحى وإبراز جمالياتها ولا سيما بالأناشيد العذبة .
ب- قصص التاريخ المعاصر :
ومنه شريط " أمجاد البوسنة " السمعبصري ، وهو يتحدث عن معاناة الشعب المسلم في البوسنة والهرسك من الصرب الذين قتلوهم ليهجروهم من أراضيهم الإسلامية التي يعيش فيها أكثرية مسلمة ، وقد حاول الصرب طردهم من البلاد في 1994م بحجة أنهم ليسوا من أبناء البلاد الأصليين .
وهو من قصص الحوادث الذي يعرض حوادث مأساوية تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك .
يبدأ الشريط بنشيد على البحر الوافر ، وهو بحر كثيرا ماكان الشعر العربي ينظم عليه ما يتحدث عن الحروب ، وكان يحكي عن طفل رأى مآسي البوسنة والهرسك فأبوه قتل واحتلت داره وعاش وأمه في معاناة شديدة حيث لامعين لهم إلا الله سبحانه ، يقول :
قديما كان لي وطـنٌ وأهل وكنتُ أعيشُ في أحضانِ أمي
فهدمت الحروبُ جدارَ بيتي وهان على بني الإسلامِ دمي
...
رأيت أبي يُجَـرْجَرُ في قيود وما لـي حيلـةٌ إلا البكــاءُ
وأمي كانــت تنظر إلينـا ثم تتــوجَّه إلى السمـــاء
...
أعيش بخيمــةٍ لاشـيءَ فيها سوى الأحزانِ والذكرى الأليمة
يازهرةَ الإسلامِ يا دولةَ البوسنة ستنتهي الأيامُ وتنتهي المحنة
...
ياحقَّنا المسلوبَ نفديك بالقلوب والظلمُ لايدوم أبدا على الشعوب
ثم انتقل الشريط ليسرد معاناة الشعب من قسوة الصرب فقد قتلوا ستمئة مسلم في مكان وعشرة آلاف في آخر، وهدموا المساجد، واستبسل الشعب البوسني وصمد ، وهاجر بعضهم إلى تركيا، ثم شوهد أب يروي لابنه قصة المسلمين الأوائل حينما اعتدى عليهم الصرب فاستنجدوا بالسلطان العثماني محمد الفاتح فأنجدهم وشجعهم على بناء المساجد وعاملوا النصارى لما انتصروا أحسن معاملة .
وعرضت نماذج من هذه المعاملة الطيبة في زيارات الأهل ولعب الأولاد .
ويتابع الراوي فيقول :
واستمر الوضع على هذه الحال حتى العصر الحاضر فلما استولت النمسا على البوسنة أحرقت سراييفو ودمرت بيوتها وانتهكت حرمات أهلها وقامت بإبادات جماعية ، كما تعرض الأهالي إبان الحرب العالمية الثانية لجرائم وحشية أخرى قتل فيها مئة وعشرون ألف مسلم ، ثم جاءت الشيوعية فأبادت أربعة وعشرين ألف مسلم لتقتلع الإسلام من جذوره ، وفي السبعينات من القرن العشرين صب الصرب حممهم على المسلمين :
وينطلق نشيد :
من كان جارا للئـام فلن يعيشَ في سلام
أعداؤُنا بدؤوا القتال فلْتَحـذروامنا يا أنام
ويقول الراوي : ولازالت النيات سيئة ، والوحش الضاري يكشر عن أنيابه ...
ويظهر في الشريط ولدان يلعبان ويتحدثان ، ويفهم من حديثهما أساليب التضليل التي يستخدمها المعلمون في مدارس الصرب ضد المسلمين ، ثم ترى جارتان إحداهما مسلمة والأخرى نصرانية ، وكانتا تتعايشان بأمان ، كانت إحداهما تقول للأخرى :
" – لقد قضينا عمرا ونحن نعيش معا
- زعيم الصرب يصر على أن يأخذ البوسنة
- عاش الصرب مع المسلمين بكل أمان "
وكذلك كان حال الجيران الرجال .
وهنا ينطلق نشيد :
كتابُ اللهِ شريعتُنا والوحدةُ تقوي أيادينا
ويعمُّ الخيرُ بوادينا
وتفتح إحدى الجارتين المذياع فتسمع تهديدات زعيم الصرب ضد المسلمين ، ويقول الطفل أحمد أنا خائف من الحرب ، ويسمع نشيد :
من كان جـارا للئام فلن يعيش في سلام
فاحذر جوار القادرين فإنهـم شـر الأنام
وكان أحمد قد سمع من ابن جيرانهم أن البوسنة ليست أراضي المسلمين لأن المسلمين عثمانيون فليعودوا إلى أراضيهم ، ولكن أباه أقنعه بأنهم أصحاب البلاد ، واستنكر من الصرب أن يشيعوا أخبارا لصالحهم على حساب المسلمين .
وفي الطرف الآخر كان ابن الجيران الصربي يسأل أباه عن البوسنة فيجيبه بأنها أراضي الصرب وسيُخرجون المسلمين منها ، ثم حذر ابنه من اللعب مع جاره أحمد وغيره من أولاد المسلمين ، لكنه سمح لزوجته أن تزور جارتها المسلمة ، وكان الابن الأكبر له قد التحق مع الجيش الصربي لإخراج المسلمين .
ويسمع نشيد :
لقد فَرَطَ الشملُ بين الصحابْ وزال الأمانُ وحلَّ العذابْ
وحلَّ جميعَ الديار الخرابْ
وتزور أم أحمد جارتها الصربية وتخبرها أنها خائفة مما يحدث ، ثم تقول إن المسلمين لايؤذون أحدا ، ولكن الزوج المسلم أصر على نقل أسرته إلى منطقة أخرى بعد أن أعلن الصرب عدوانهم وتيقظ الشر في قلوبهم .
ويسأل أحمد ابن جاره :
"- هل سنبقى أصدقاء مهما ابتعدنا ؟
- نعم
- إننا سنترك القرية خوفا من الحرب "
ويحزن الصغير لأن أسرة أحمد ستنتقل من مكانها بسبب الحرب .
ويسمع نشيد :
تركتُ دياري وصرْتُ شريدا وبعد الأحبةِ صرت وحيدا
ويطلب أبو أحمد من جاره الصربي أن يهاجر أيضا فيرفض ويقول : المسلمون يعاملوننا خير معاملة ، ويقول أحمد لجاره الصغير :
وداعا وداعا صديقي الحبيبْ لعـل لقـاءً يكون قريبْ
فمالي ذنبٌ بهـذي الحروب ومالك ذنبٌ فلم الرحيلْ ؟
ويرى اجتماع رئيس الصرب مع جنوده ويخبرهم أنه سيأخذ 70 % من أراضي المسلمين ليقيم عليها دولة صربيا الكبرى ، ثم يقول :
" – سنهدم بيوت المسلمين وننتهك أعراضهم ومقدساتهم حتى يرحلوا ، سنطهر الأرض منهم ، سنهزمهم لأننا نحن الأقوى ."
ثم يرى مسلمون يصلون ، وآليات عسكرية تتقدم نحو البوسنة ثم تقصف البلاد فتتناثر الجثث وتصير أشلاء وتحترق البيوت والأشجار ، ويقتل صربي طفلا مسلما ويأخذ امرأة ويجر آخر أخرى .
ويسمع نشيد
الصربُ قد نزعوا الحجابْ أينَ الكرامةُ ياشبابْ
أصبحنا صيدا للذئابْ
ويسمع خبر إذاعي : " شكلت لجنة فرأتْ عشرة آلاف حالة اغتصاب لتهجير أبناء البلاد "
ويرى جندي يسرق أم أحمد وهي في طريقها إلى المهجر .
لقد استمد الكاتب هذه القصة من تاريخ البوسنة والهرسك المعاصر ، وكنا في التسعينات من القرن العشرين نشهد في التلفاز ونسمع حوادث تترى مما يشيب لها الولدان قتلا وهتكا ، وقد جسد الكاتب هذا كله من خلال الرسوم المتحركة وأبرز العلاقات الطيبة قبل أن تزرع الفتن ويرغب الصرب في القضاء على الوجود الإسلامي بحجة أن أبناءه ينتمون إلى الحكم العثماني ، وقد جاءت الحوادث بأساليب شتى ، فهناك الراوي الذي ينقل بعض الأخبار ولا سيما عن التعايش السلمي منذ القديم بين المسلمين والنصارى ، وهناك التمثيل كما في رسم العلاقة بين الجيران ، وهناك الأخبار التي تنقل عن طريق المذياع كالحديث عن الجرائم الوحشية ، وعلى الرغم من هذا التنوع فإنها كلها تصب في بوتقة الإجرام الصربي وهي الفكرة التي أراد المؤلف إيضاحها .
ولا نرى تركيزا على شخصية ما لأن هذه من قصص الحوادث التي تجتمع في النهاية لتؤدي فكرة ما .
أما اللغة فقد جاءت بالفصحى وكثرت فيها الأناشيد التي تحرك العواطف بنغماتها الشجية
على أي حال فإن هذه القصة تهدف إلى تحريك الوعي تجاه الأخطار المحدقة بالأمة الإسلامية .
ج- قصص تاريخية رمزية :
الأسلوب الرمزي عامة لايناسب الأطفال الصغار لغموضه ، ولكن بعض الأدباء نجحوا في أن يجعلوه مطواعا لأدب طفولي يقدم للمرحلة الثالثة في نصوص تتوسل بالتعبير الحقيقي إلى جانب الرمز .
من هذه القصص قصة " العودة([69]) " التلفازية ، وتتحدث عن عدو ما هجر أبناء منطقة ما عن أراضيهم ، ولكن أبناء البلاد المهجرين ظلوا يحملون القضية في قلوبهم، ويبثون في نفوس أبنائهم ضرورة السعي لاسترداد الوطن حتى تمكن جيل الأبناء بتوجيه جيل الآباء والأجداد من تحقيق هذه الغاية والانتصار على العدو .
هذه القصة لم يحدد فيها زمان ولا مكان ، ولم يحدد فيها العدو والمعتدى عليه ، وكل ماورد هو " مدينة السلام ، ومدينة الشر ، ومدينة الغربة ، وهذا التعتيم يجعل القصة صالحة لأي زمان أو مكان أو مقاومة عدو ، وهي كما أرى يمكن اتخاذها وسيلة لتوجيه الصغار نحو القضية الفلسطينية في العصر الحاضر ولاسيما أن استهلال القصة بكلمة " عائدون " في نشيد يتحدث عن تحرير الأرض مما يكثر في الأدب الفلسطيني .
تبدأ القصة بصورة ثعلب ، وهو رمز للعدوان ، يسير في مدينة سماها المؤلف مدينة السلام ، ثم يتحدث الراوي عن سكان هذه المدينة الذين كانوا يعيشون فيها ويتمتعون بمناظرها الخلابة ، ثم يبين أن ملك مدينة الشر اعتدى عليهم وقتل وانتهك حرمات الأهالي ، ودمر البيوت وأحرق الخيام حتى غدت المدينة أنقاضا متراكمة ، فهرب من استطاع الهروب إلى الأرض الخضراء وأقام فيها .
وكان عجوز من مدينة السلام يدعى أبا الفضل قد أوعز إلى محمود وهو من أبناء مدينته أن يربى ابنه حساما على القوة والشجاعة ليعيد الأرض السليبة، وكان يقول " عندما يتعب جيل الآباء يأتي جيل الأبناء " وفعلا نشأ الطفل قوي الشكيمة .
وجاء أطفال غرباء فهرب الأطفال جميعا إلا حسام تحداهم فضربوه فحذره أبوه منهم فقال له العجوز يجب ألا يتعود الصغار على الخوف ، فأرسله إلى راع يدربه على الصبر والفروسية ، ودعا الأب ربه أن يجعل النصر على يديه .
وأحس العدو أن أبناء المدينة المشردين يتدربون على السلاح فأرسل رسولا ليمنعهم وهددهم بعقاب أليم ، فقال أسامة :
" – لماذا تتطاول على أبي أيها الفارس ؟
- من أنت ؟
- أنا قاتلك " .
حاول الرسول أن يقتل الولد لجوابه هذا فتصدى له حسام وأسقطه وأراد قتله لكن أباه منعه من قتل الرسول لأن ذلك يجر عليهم وبالا شديدا ، فقال له أبو الفضل :
" – حسام سيرد الكرامة لشعبنا ، إن فجرا جديدا قد ولد بولادته " .
وهنا يسمع صوت يقول :
"- سنعود من وادي الغربة إلى الوطن الحبيب "
وعندما علم ملك العدو بما كان وبخهم قائلا :
" – كيف يهينكم طفل صغير ؟ ... قائدَ الميمنة ماذا كنت تفعل ؟ قائدَ الميسرة ؟...قائدَ القلب ؟ أريد أن تقبضوا على هذا الصبي حيا أو ميتا وإلا قتلتكم جميعا " .
ويهجم العدو فيتصدى له حسام وحده ويصمم على القتال ويقول لأبيه :
" – نحن نرفض الذل ، وما دام الله معنا فلن نخاف من أحد " .
وتكون معركة فاصلة بين الطرفين ، جيش بلاد الشر المغرور ، وجيش بلاد السلام المؤمن بحقه في حياة كريمة هادئة ، ويرى العدو يتساقط وحسام يجول بين الصفوف يهرب الفرسان منه ثم ينسحب العدو وينصر الله أهل مدينة الخير .
ويفتقد الجميع حساما فيخبرهم واحد أنه لحق العدو الهارب مع ثلة من رفاقه وقد انضم إليهم فرسان المناطق المجاورة فأرسل أبوه جيشا لمساعدته ونصر الله حساما وكانت فرحة النصر كبيرة ... وراح الشباب يخططون لمستقبل زاهر وطلب العجوز منهم أن يَدَعوا الخلافات والنزاعات جانبا واختير حسام ليكون رئيسهم ، وراح يخطب في القوم محرضا لهم على العمل للعودة إلى وطن الآباء والأجداد ، وتم لهم ما أرادوا
وعرضت صورة حصان " رمز السلام بالقوة " وسمع صوت يقول :
" – عادوا بصدق عزيمتهم وإيمانهم بحقهم ، وبتوكلهم على ربهم لأن الله لايحب الظلم والظالمين .
وانطلق صوت النشيد :
عائدون عائدون عائدون عائدون
لنحرر أراضينا معا
أرواحنا تنادي لبيك يابلادي
لبيك أنت في فؤادي
عائدون عائدون للوطن السليب
عائدون عائدون
الرمز في هذه القصة كان في تعمية الأسماء وعدم تحديد زمانها ومكانها ، فهناك مدينة السلام ، ومدينة الشر ، ومدينة الغربة ، وكأن المؤلف أراد أن يرمز بها إلى كل عدو غاشم يعتدي على أراضي الآخرين ، وكأنه أراد أيضا أن يدعو المسلمين إلى العزة وضرورة أن يربوا أولادهم على القوة ، فالقوة هي التي تعيد الأرض السليبة والحق الضائع . وفيما عدا ذلك فالحوادث واقعية وتصرفات الشخصيات كذلك .
وهناك قصص رمزية أخرى جاءت على ألسن الحيوانات وتكثر في القصص التربوية ولا سيما تلك التي تقدم إلى أطفال المرحلة الأولى .
3– القصة التربوية :
وهي قصص ترمي إلى تربية سلوكيات الأطفال لتكون محافظة على القيم والعادات الاجتماعية الحسنة وتتخلى عن العادات السيئة، فتدعو مثلاً إلى إكرام العلم والعلماء، وإلى طاعة الوالدين وإلى العلم والخلق الحميد كالصدق والأمانة و...
من ذلك قصة (عبور المشاة) للكاتب ممدوح الفرماوي([70])، وهي قصة وردت على ألسن الحيوانات لتعلم الصغار في المرحلة الأولى إشارات المرور .
تتحدث هذه القصة عن ثعلوب طالب في المدرسة ، ودب هو عسكري مرور وكان ثعلوب قد خرج من بيته قاصداً المدرسة وكل همه أن يصل إليها في وقت قصير، ولم يكن ينتبه على إشارات المرور وعلى السيارات في الطريق، وفي طريق عودته إلى البيت ، وكان مسرعا، ظهر أمامه فجأة حافلة قادمة بسرعة وكادت أن تصدمه لولا أن نبهته صفارة الدب العسكري على الخطر فنجا منه، وأرشد الدب ثعلوب إلى ضرورة المحافظة على إشارات المرور.
وهذه القصة التربوية الرمزية تعلم الطفل ضرورة الحيطة والحذر في الشارع ومراعاة إشارات المرور، وقد جاءت برسوم متحركة ملونة وبعبارات بسيطة من قاموس الطفل ليسهل عليه فهم مضمونها .
وقصة ( سلام وفرسان البحر ) التي قدمت في شريط سمعبصري يناسب الطفل في المرحلة الثانية تعلم الأطفال كيف يختارون الأصدقاء الذين يساعدون على الخير وضرورة ترك الأشرار الخداعين.
تبدأ بتلاوة سلام للقرآن الكريم، ثم يرى وهو يخرج من بيته متجها إلى السوق فيصادف عنترة وهو يهرب بعد أن سرق كيس نقود من رجل وقد جرى خلفه أهل المنطقة ، ولما اصطدم عنترة بالفيل لبيب أمسكه رجل ولكنه افترى عليه وفلت من العقاب ، بل استدر عطفه بحيلته فحصل منه على دينار ، وعندما التقى بسلول معلمه السرقة غضب عليه لأنه لم يأته إلا بالقليل من المال وسجنه وأمثاله من المتقاعسين عن العمل بزعمه في غرفته، وكان سلام يجول في المدينة فرآه عنترة من النافذة فأراد أن يزعجه فمدّ عصاه من النافذة إلى حصان يجر طفلة فجمح الحصان وخافت الطفلة ، فأنقذها سلام ولما عاد سلول دبر مع عنترة خطة ليوقع بها بسلام ، وهنا نرى سلولاً يتظاهر أمام سلام بأنه رجل غني وأن ثلاثة سرقوا ماله فأعانه سلام لإعادة المال إليه، ولكن الثلاثة اشتكوا إلى القاضي لأن المال كان لبيت مال المسلمين وعرف سلام القصة فذهب مع الشرطة إلى بيت سلول وكان سلول قد طرد عنترة ورفاقه لأنهم لم يأتوه بالمال، وهنا تدخل الشرطة لتقبض عليه وتعاقبه ويدرك سلام خطر عنترة والعصابة فينصحهم فيتوبون إلى الله ويطلقون على أنفسهم اسم فرسان البحر ويعيدون المال الذي سرقوه لأصحابه.
هذه القصة رمت إلى أهداف تربوية متعددة منها :
1- الشرير لابد من أن يقع في الفخ ويعاقب.
2- نصح الناس فقد يتوبون إلى الله ويتركون العمل السيئ .
3- الحصول على المال لايكون بطرق غير شرعية.
4- ضرورة الابتعاد عن رفقاء السوء.
5- عدم الانخداع بالمظاهر الخارجية كما حصل عندما خدع الرجل بمظهر سلول.
6- مساعدة المحتاجين ومن يستنجدون للخلاص من المفسدين .
7- هيئة الطفل الجميلة باللباس النظيف والساتر والوجه البشوش.
8- اللغة السليمة والجميلة قد تأتي في عبارات وتوجيهات ومنها من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة كما في (ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)([71]) و (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)([72]) .
وهذه قصة النوافذ الذهبية وهي تتحدث عن أهمية العمل في الحصول على المال والغنى.
تبدأ بوصف مريم، فهي فتاة في السابعة من عمرها، تعيش في منزل ريفي منعزل عن المدينة وأهلها فلاحون، وكانت تلهو مع الخراف والبط والدجاج، وكان في القرية منزل بعيد تحفه الأشجار وتتلخلله ممرات مرصوفة بالحجارة البيضاء، وكان يلفت نظرها نوافذه الصفراء الذهبية،وتظن أن أهل المنزل سعداء لأن نوافذهم كذلك وتتمنى أن تكون نوافذ بيتها ذهبية أيضا، ودفعها الفضول إلى الذهاب إلى ذلك المنزل وتبعها كلبها الصغير وكان بعيداً فقضت معظم نهارها قبل أن تصل إليه ، ولما مالت الشمس للمغيب خافت مريم أن تضيع وسط الحقول والتفتت لترى المسافة البعيدة التي سارتها وأدهشت لما رأت (في تلك اللحظة الرائعة من النهار أن نوافذ منزلها صارت ذهبية أيضاً فأسرعت بالعودة متخيلة أن الله تعالى حقق لها أمنيتها ومضت عبر الحقول آيبة بسرعة ويلحقها كلبها سعيداً).
كان والدها يبحث عنها وهو قلق ، ولما وصلت رأت زجاج النافذة قد عاد شفافاً وكأنه بذلك يهزأ بها فركضت إلى أبيها وأخبرته بقصتها مع النوافذ الذهبية فضحك وقال:
(هذه مجرد انعكاسات لضوء الشمس على الزجاج يا حبيبتي.
فصرخت مريم:
وماذا يعني انعكاس يا أبي؟
فقال الأب مشفقاً:
غداً عندما تذهبين إلى المدرسة ستتعلمين ما تعنيه كلمة انعكاس يا مريم، أما الآن إن كنت مصرة في الحصول على الذهب فأسرعي إلى الحمام، واغسلي يديك ووجهك لتتناولي طعام العشاء معنا، وفي الغد سأريك كيف نستخرج الذهب من الأرض).
وفي اليوم الثاني كانت تتوقع أن يقف والدها في طريق قرب مغارة وأن يصرخ افتح يا سمسم لترى الذهب أكواماً ولكن الأب اتجه نحو الحقل وأعطى ابنته معولاً وقال لها :
(انظري إلى هذه الأرض يا بنتي إنها لن تعطينا الذهب ما لم نحفر سطحها بشكل منتظم، ونغرس هذه الحبيبات الصفراء من الذرة، والأمر برمته يحتاج فقط إلى بضعة شهور، فهيا نبدأ بالحفر سوية...
وأخذت مريم تضرب الأرض بالمعول، وتغرس حبات الذرة بنشاط حالمة بأكواز ذرة ذهبية تملأ المساحة الخالية تماماً)([73]).
هذه القصة تبين أن على المرء أن يحقق أمنياته بالعمل لا بالتمني والتقاعس ، إضافة إلى قضايا تربوية أخرى كالنظافة ، وهي تحتاج إلى توجيه الأب لابنته ألا تخرج بعيدا عن الدار وحدها لئلا تتعرض للخطر .
4- القصة العلمية وقصص الخيال العلمي :
وهي قصص تتخذ من الخيال وسيلة لعرض حقيقة علمية قدمتها العلوم القديمة أو المعاصرة، وذلك بطريقة جذابة تقربها من الأذهان.
ويجب ربط هذه القصص بالعقيدة وبالقيم والتراث لينشأ الطفل على حب الخالق ومخلوقاته وأن يعتقد أن حضارته قدمت للبشرية الكثير من العلوم فيعتز بها ويغرس في قلبه حبها.
ويمكن الاستفادة من بعض الحوادث والحقائق الدينية والتاريخية لعرضها بطريقة جذابة، كقصة الإسراء والمعراج وقصة حي بن يقظان لابن طفيل التي استفيد منها في مسرحية جزيرة النور إذ تحوي كثيرا من القضايا العلمية .
ومن القصص العلمية أيضاً قصة العرب لا خريستوف كولمبس لمحمد سعيد العريان([74])، وقصة عباس بن فرناس، وقصة اكتشاف آق شمس الدين للجراثيم وقد سمي طبيب الأرواح([75])، وقصة الريس بيري وهو قائد بحري عثماني خلف خريطتين الأولى لإسبانيا وغربي إفريقيا والمحيط الأطلسي والسواحل الشرقية للأمريكتين وقد قدمها إلى السلطان العثماني سليم الأول في (1517م/9هـ) وهي موجودة في متحف طوبقبو وعليها توقيعه، والأخرى لسواحل الأطلسي من جرونلاند إلى فلوريدا وهي موجودة في متحف طوبقبو بإستانبول أيضاً وكانت خريطته التي رسمها لأمريكا أقدم خريطة لها([76]). وعدها الجغرافيون الأمريكيون في 1956 اكتشافاً خارقاً للعادة.
وأما الرحالة العثماني أوليا جلبي وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري فقد كتب رحلته لأوربا وإفريقيا وتحدث عن البلدان التي زارها خلال أربع وأربعين سنة، وقد اخترع أخوه أوليا جلبي جهازاً أشبه بالطائرة جربه أمام السلطان العثماني وطار فيه باتجاه الريح ثماني مرات، ثم صعد فوق برج غالاطة في إستانبول، ثم نزل إلى ميدان دوغا نجيلر، وكان السلطان العثماني مراد الرابع يتفرج عليه، ثم كافأه بكيس مملوء ذهباً([77]).
أما حسن جلبي فقد ركب جهازاً يمكننا أن نصفه بأنه إرهاصات الصاروخ، وقد أشعل الوقود فيه فشق الجهاز طريقه إلى الجو وكان فيه حسن جلبي وعندما نفذ البارود نزل بأذرع الجهاز الملحقة به بعد أن ارتدى ما يشبه جناحي نسر وقفز إلى البحر حيث كان السلطان مراد المذكور ينتظره ليقدم إليه مكافأته أيضا([78]).
وفي كتب الرحالة العرب والمسلمين وكتب السيرة والقصص الشعبية أحاديث علمية وخيالية كثيرة يمكن أن تستغل في أدب الأطفال لتكوين شخصيتهم العربية والإسلامية وجعلهم يعتزون بها كما في ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وسيرة الظاهر بيبرس وما كان يلاقيه وطرق إنقاذه منهم ، من ذلك ما ورد فيها عن جمال الدين شيحة الذي كان يستخدم مهارته وإمكاناته كلها من أجل الانتصار على الصليبين والكشف عن افتراءات قسيسهم جوان كادعائه أن المسيح أرسله وأنه ينفخ في آلة شرراً ويصير طائراً وكان شيحة قد لبس بدلة رصدت بالسحر ليرتفع بها كالطائر كما كان عنده بوق نحاس يصدر شرراً وبذلك تغلب على النصارى([79]).
وحديثه عن كلب النصارى الذي هددوا به المسلمين وكان كبير الحجم فأرسل بيبرس إلى أبي السباع فدلهم على أسد جموح فكلم بيبرس الأسد في أذنه فانصاع له وقبل القفص، وذهب معه فقتل كلب النصارى فاحتال القسيس جوان لحرق الأسد بخشب يحاط به فشارك الأسد في إنقاذ صاحبه وقتل كثيرين من الأعداء وأقيم موكب حافل لهما بعد النصر([80]).
ومن مزايا القصص العلمي:
1- نشر الحقائق والقوانين العلمية بأسلوب فني ممتع .
2- تنمية مدارك الطفل وتعويده على التأمل والبحث العلمي والعمل على اكتشاف المجهول والغامض من الحياة، وعلى الإبداع العلمي.
3- مساعدة الأطفال على التفكير العلمي في حل مشاكلهم، والقضاء على الخرافة والخزعبلات والجهل والتفكير العشوائي.
4- تقديم نماذج من علمائنا الذين كان لهم دور في بناء الحضارة، ولهذا أثره في تربية الجيل على الاعتزاز بأمته وعدم الشعور بالنقص أمام الحضارات الأخرى.
5- جلب المتعة إلى الطفل والإحساس بالجمال شريطة ألا تغرق القصة في الأخيلة.
6- ويجب ألا تستخدم هذه القصص وسيلة لذرع الخوف في قلوب الصغار كأن تصور لهم كائنات في كواكب أخرى تحاول تهديد أمن البشرية.
ويجب أن نفرق بين القصة العلمية وقصص الخيال العلمي، لأن الأولى تعتمد على الاختراعات والاكتشافات، أما الثانية فتعتمد على خيال قد يتحقق في يوم ما أو لا يتحقق.
كما أنه يجب أن نفرق بين القصة الخيالية والقصة الخيالية العلمية ، فالأولى تشخص الجمادات والمعنويات لتقدم الفكرة عن طريق أحاديث تجري بين شخصيات حيوانية أو نباتية أو جمادات، وتعتمد على خيال لا معقول ويطلق فيها الكاتب قلمه ليتصور كما يشاء، أما القصص العلمية فتعتمد على العلم ونظرياته وتقدمه للصغار في شكل قصص لتساعدهم على التفكير العلمي في مناقشة قضاياهم وحل مشاكلهم، ويجب أن يكون كاتبها مثقفاً ومطلعاً على الاكتشافات العلمية حتى يستطيع تقديمها بشكل فني هادف وممتع معاً([81]).
وغالباً ما تقدم القصة العلمية على شكل حوار وأسئلة علمية .
ومن هذه القصص التي تناسب المرحلة الأولى قصة العنكبوت([82]) فالكاتب يصف لنا بشكل فني أعضاء جسم العنكبوت وطرق صيدها.
وتبدأ بالحديث عن سيرهذا الحيوان على ثماني أرجل طويلة، وكانت العنكبوت تدير لامِسَيْها اللذين يحيطان بفمها في كل اتجاه، وقد رأت خنفساء يحملها نمل كبير أسود فقلبت هذه الخنفساء فوجدتها ميتة، وكانت العنكبوت جائعة ولم تجد طعاماً يصلح لها فبنت لنفسها بيتاً تستريح فيه وشبكت خيوطها وجعلتها متقاطعة في كل اتجاه بمسافات قصيرة حتى صنعت لنفسها فراشاً من الحرير وأفرز مغزلها صمغاً يكون مصيدة لها، وكانت على شكل كرة محكمة ومزجت التراب مع هذه الخيوط، ولما مر بالقرب منها زنبار حاولت أن تصطاده وأطلقت مصيدتها فصار كالأسير في شبكتها لكنه ظل يقاوم حتى أفلت منها ، فخرجت للبحث عن طعام آخر لها فرأت خنفساء صغيرة فتعاركتا وأصيبت بخدوش متعبة وكانت حاملاً فوضعت بيضها في بيتها وكان كثير العدد يجاوز المئتين وقد وفرت لبيوضها مكاناً تفقس فيه، ولما نمت العناكب الصغيرة وانطلقت في جو ربيعي هادئ كانت الأم ترقبها بعيون ذابلة فقد أتعبها مجهود الشهور الأخيرة والجوع الذي عانته، إلا أنها اطمأنت قبل رقدتها الأخيرة إلى أنها رأت الصغار وقد انتشرت في أرجاء الأرض الفسيحة لتتولى أمورها بنفسها.
هذه القصة تعلم الأطفال قدرة الله سبحانه في أن لكل مخلوق وسائل يستعين بها في حياته حتى أضعف مخلوقات الله، العنكبوت إذ خلق الله سبحانه لها لامسين صغيرين وأرجلا كثيرة تتحرك بها بسرعة ،وقد هداها الله إلى بناء بيتها بخيوط مشبكة متقاطعة وجعل لها جهازاً يفرز صمغاً هو بمثابة المصيدة لها، وجعل طعام بعض الحيونات، وقد تصاب بأذى وهي تلد بيوضها ، ومن عجيب خلق الله أن هذه الحشرة الصغيرة تلد مئتي بيضة قد لا تراها العين المجردة لصغرها، وأنها تموت بعد ولادتها وفقس صغارها، وكأن دورها في الحياة قد انتهى.
وهذه قصة علمية أخرى بعنوان مغامرة سمكة([83]) تقدم إلى المرحلة الأولى أيضا ، وقد امتزجت بها قضايا تربوية :
" يحكى أن سمكة كبيرة وابنتها، كانتا تلعبان في بحر أزرق هادئ، فشاهدتا ثلاث سفن تبحر في البعيد.
قالت السمكة الكبيرة: إنهم بنو البشر.
صاحت السمكة الصغيرة بانفعال: ليتني أعرف إلى أين هم ذاهبون!
- في رحلة مخاطرة للاستكشاف .
- كم أتمنى أن أقوم بمثل هذه الرحلة ! أريد أن أتعرف خلجانا وبحارا أخرى .
- ربما في يوم ما، وليس الآن يا عزيزتي. فأنتِ ما زلت صغيرة على مخاطر الاستشكاف.
- أنا لست صغيرة كما تظنين يا أمي.
- أقصد عندما تكبرين أكثر يابنتي، سيكون العالم كله تحت تصرفك. وكذلك تكتشفين فيه ما تشائين.
- قالت متذمرة: كيف يكون ذلك، وأنا لم أجد حتى الآن أحداً يساعدني في الأقل، لأحصل على فرصتي من اللعب واللهو!
سمع السرطان نتفاً من حديث السمكة الصغيرة، فسألها: ما الشيء الذي أسمعك متذمرة منه؟ ألأنك لا تأخذين ما يكفي من متعة اللهو؟ في رأيك، غلطة مَن هذه؟
- لا أعرف. فأنا أرغب في القيام برحلة استشكافية، وأمي تقول إنني ما زلت صغيرة، وعليّ الانتظار حتى أكبر.
شارك طائر النورس في الحديث، وقال: أمك على حق.
- أراك أنت أيضاً تقف أمام رغبتي، ولا تساعدني.
خوفاً عليك، فقد تضلين طريقك وتضيعين، ونحن لا نريد لك ذلك.
رددت السمكة الصغيرة محتجة: لن أضل طريقي ولن أضيع.
لماذا لا تسطيعون أن تروا أني كبيرة بما يكفي، لأقوم بالمغامرة التي أريد؟
ومن غير أن يشعر بها أحد، انسلت خارج الخليج باتجاه المجهول، فلمحت واحدة من تلك السفن المبحرة، التي رأتها هي وأمها من قبل.
سبحت بسرعة بقدر ما تستطيع لتصل إليها، إنما قدرتها على ذلك كانت أقل كثيراً مما تظن.
انتظريني أيتها السفينة! صرخت بكل قوتها.
لم يسمع أحد من البحارة النداء، وفي لحظات غابت السفينة وراء الأفق.
أحست السمكة الصغيرة التعب والخيبة، فقررت العودة إلى موطنها.
لكنها كانت ضائعة، ولا تدري كيف تصل إلى الخليج الذي يحتضن أسرتها وأصدقاءها، فكل ما حولها كان غريباً وغير مألوف.
وبينما هي تسبح حائرة قلقة، صادفت أخطبوطاً، فسألته: هل تعرف أين الطريق إلى بيتي؟
نفض الأخطبوط جسده، وبسط أرجله في جميع الاتجاهات، وتجاهل السؤال.
فأسرعت نحو بعض المحار النائم، وسألتهم: لقد أضعت الطريق إلى بيتي، هل يمكن أن تساعدوني لأجده؟ وتدلوني إلى طريق يوصلني إلى بيتي؟
وأيضاً لم تلق السمكة الصغيرة جواباً، ولم تجد من يساعدها للوصول إلى موطنها، فكلهم لاهون عنها، غير مكترثين بمحنتها. فقالت لنفسها :
ماذا أفعل الآن، وما هو مصيري، كانت أمي وأصدقائي على صواب. عندما قالوا إنني صغيرة على القيام بمغامرة وحدي.
وفجأة لاحظت أن الأسماك التي حولها تسبح بسرعة هائلة.
وقبل أن تسأل عما يجري هنا، سقط عليها ظل كبير، فشعرت بسكون المياه وبرودتها، وعرفت أن القادم هو سمك القرش، وأنّ الأسماك هربت خوفاً منه.
حاول سمك القرش، أن يمسك بالسمكة الصغيرة، ويبتلعها. لكنها تمكنت من أن تحشر نفسها بين صخور دقيقة، يصعب على صاحب الحجم الكبير الدخول إليها.
وحينما أحست زوال الخطر خرجت من مكمنها، ومن غير أن تلتفت وراءها سبحت بكل قوتها بعيداً، فوجدت نفسها في موطنها.
في الحقيقة. هي لا تعرف كيف وصلت، إنما تعرف أنها لن تعود للمغامرة من جديد وهي في هذه السن الصغيرة.
هكذا قالت لأمها ولأصدقائها، الذين رحبوا بها وفرحوا كثيراً بعودتها سالمة إلى أحضان الخليج الآمن.
تتضمن هذه القصة قضايا علمية متعددة فهي تكشف عن أسرار البحر ومخلوقاته فتعلم الطفل أن السمك يعيش في البحر وأن البحر يحوي حيوانات كثيرة كالأخطبوط ذي الأرجل المتعددة والمحارات وأنه ينتقل من مكان لآخر والسمك الكبير (القرش) يتغذى على الأصغر.
وهناك أهداف تربوية فمن لم يسمع نصيحة والديه يقع في خطر محدق.
ووطنية تتمثل في أن البعد عن الوطن يعرض صاحبه للخطر.
ومن القصص العلمية المناسبة للمرحلة الثانية قصة (حسن التصرف):
وتحكي عن طيور اللقالق التي تهاجر من مكان لآخر في أسراب، وقد توقفت عند إحدى الغابات، وكان واحد منها يطير ويلعب وقد تخلف عن جماعته، وأحس هذا اللقلق العطش فبحث عن الماء طويلاً فلم يجده، وأخيراً وجد جرة كبيرة فوق صخرة عالية نسيها أحد الصيادين فحاول أن يشرب منها ولكن رقبتها الطويلة حالت دون تمكنه من ذلك حتى كاد ييأس ثم راح يفكر في طريقة للوصول إلى الماء (هل يدفع الجرة فينسكب الماء منها، لكنها قد تنكسر ويضيع الماء على الأرض ولا يستفيد منه، وقف اللقلق مفكراً أمام الجرة وهو ينظر إليها بلهفة، وفجأة جاءته فكرة ذكية .. فأخذ يقذف صغار الحصى في الجرة ليرتفع الماء فيها ، وبذلك تمكن من شرب الماء بسهولة حتى ارتوى وذهب عنه الظمأ ، ثم استأنف رحلته ليلحق بجماعته) ([84]).
هذه القصة وإن مثلتها شخصيات حيوانية إلا أنها تحكي واقعاً من الحياة فالطيور تهاجر من مكان لآخر في أسراب، والمرء إن وضع الحصى في قعر إناء ارتفع الماء، وقد تصرف هذا الطائر بذكاء ليحصل على الماء. وهذا ما يجري أمثاله في الحياة كثيراً. إذ يحصل المرء على متطلباته بإعمال عقله، وهذه الأفكار العلمية والمعنوية قدمها الكاتب للصغار بطريقة محسوسة جذابة .
أما قصص الخيال العلمي فتستثير في الطفل ملكة الخيال فيحلق في أجواء رحبة وفضاءات واسعة ويتجاوز الواقع ويخترق الحدود، فتُنسب إلى الشخصيات أعمال خارقة ولكنها لا تعتمد على السحر وإنما على التفكير للإنتاج العلمي، وتهدف إلى تقديم المعلومات العلمية في سياق خيالي ليتعود الطفل على الإبداع والابتكار، وإذا كانت هذه القصص قد اشتطت في الأخيلة العلمية فإنها تفقد مصداقيتها وبذلك يجب ألا توغل القصة في الخيال وهي تتحدث عن الكائنات والحيوانات المجهولة وذلك لتكون أقرب إلى الإقناع.
ومعظم هذه القصص تتحدث عن الأجواء الفضائية مثل (حرب الكواكب، قراصة الفضاء، اختطاف فوق القمر، وكوكب الأشباح)، والأخيرة لفتحي أمين وتتحدث عن مجموعة من الشباب اختطفتهم سفينة فضائية جاءت من كوكب الأشباح وأخذوا إلى غرفة مليئة بأجهزة عجيبة ومخلوقات غريبة، وبدأ الكاتب يعرض من خلال الحديث عنها معلوماته العلمية ويفسر الظواهر الطبيعية تفسيراً علمياً، وقد رغب هؤلاء باحتلال كوكب الحب إلا أن أهله تعاونوا مع بعضهم في صد هجماتهم ودافعوا عنه دفاعاً مستميتاً، إضافة إلى استخدامهم الذكاء في حل مشاكلهم.
وتهدف هذه القصة إلى بيان أهمية العلم ومعطياته مع عدم الخضوع للآلة ونسيان المبادئ الروحية، كما تدعو إلى ضرورة تحقيق التوازن بين المادة والروح، وقد جعل أبطاله بشراً ليقدم صوراً حية للإنسان ليكون نموذجاً يحتذى أمام الطفل.
5- قصص الرحلات :
وهي قصص تعرف الطفل البيئات المتعددة، وما يلقاه الرحالة من متاعب شتى.
وقد تكون هذه القصص من قصص المغامرات لما يتعرض له الرحالة من حوادث ومخاطر، ويبالغ فيها كثيراً كما في قصص السوبرمان وطرزان ورامبو.
وهذه القصص تستهوي الطفل في المرحلة الثالثة (9-12 و15) سنة.
وقد يكون الهدف منها نبيلاً، وقد تشجع أيضاً على اللصوصية، وهي على أي حال توحي للطفل بالقدرة الخارقة للمنتج الأجنبي لهذه الرسوم الذي يعتمد على سلاحه المتطور أو على ذكائه الخارق دون احترام للقوانين أو للذوق واللياقة أحياناً.
إلا أن قصص الرحلات تختلف عن قصص المغامرات إذ إن الأولى ترينا أوضاع المجتمعات، وقد يبدو فيها البطل شخصية قوية تتصرف بذكاء وحنكة.
وهناك قصص رحلات تناسب أطفال المرحلة الثانية، وأخرى للمرحلة المتأخرة، فمن الأولى قصة الفقمة([85]) التي تتحدث عن الطفل شادي الذي أيقظته أمه ليتعود الاستيقاظ المبكر، فخرج مع فقمة له ولكنهما فوجئا بصيادي فقمات جاؤوا إلى المنطقة القطبية بطائرة مروحية وكانوا يهبطون بها على الثلوج لاصطيادها، وكان لهؤلاء الصيادين بيوت خشبية يضعون بها فراء الفقمات المصطادة وقد تمكن الصيادون من اصطياد الفقمة، ولكن شادي أنقذها بأن عطل الطائرة فوقعت في منطقة جليدية ثم أشعل بها النار وهرب مع الفقمة إلى منطقة أخرى كان بها فتاة آسيوية، فصنعا جهازاً لاسلكياً بعد أن قرأت البنت في الكتب عن كيفية صنعه، والتقطا به أحاديث الصيادين، فعرفا المنطقة التي سيذهبون إليها لاصطياد الفقمات، ومع ذلك وقعا والفقمة في قبضة الصيادين وأشار بعضهم بسجنهما ، وقال بعضهم إنهما طفلان بريئان يلعبان، ولكن الطفلين تمكنا من الهرب مع فقمة كانت سجينة عندهم، فلحقوهما فارتديا ثياب عاملين فيه فظن الصيادون أنهم من أهل البيت ، ثم عرفهما بعضهم فقبضوا عليهما، ولكن الفقمة تمكنت من الهرب وذهبت لتخبر والديهما لينقذاهما، وتعرضت في الطريق لخطر الدب الوحشي الذي هجم عليها ليأكلها فنزلت في حفرة ثلجية عميقة فلم يستطع أن ينزلها وبذلك نجت ، ثم أخبرت والدي الطفلين بما حدث لهما فأنقذاهما.
وهذه القصة تعرف الطفل في المرحلة الثانية الأجواء الطبيعية في المناطق القطبية وطرق الحياة فيها حيث ينتقل الناس بالطائرات المروحية، كما تعرفه حيوانات المنطقة، ومهارة سكان آسيا الشرقية في الإلكترونيات إذ إنهم يبحثون ويخترعون أجهزة لاسلكية يلتقطون بها المكالمات، وهذا ما ينمي معرفة الطفل وخبراته.
ومن قصص الرحلات التي تناسب المرحلة الثالثة، وهي الممتدة بين (9-12أو 15سنة) (رحلات سندباد)([86])، وهي قصة فتى من بغداد كان يجوب البحار عبر سفينته مع القبطان عزيز، وكان يتعرض للمخاطر، وفي إحدى سفراته يرى مع خادمه في سفينة وقد أبصر الركاب جزيرة فنزلوا بها ثم اكتشفوا أن هذه الجزيرة ما هي إلا حوت كبير فخافوا وهربوا، ورأى سندباد وخادمه قطعة خشبية من قارب محطم فصعدا عليها حتى وصلا إلى جزيرة، فرآهما رجلان فأخذاهما إلى الحاكم. وكان هذا الحاكم قد وعد بأن يزوج ابنته لمن يفوز في مسابقة أعدها في حفل كبير، وقد تمكن سندباد بذكائه من الفوز ولكنه لم يكن يرغب في الزواج منها، بل كان يريد الخلاص من شر الحاكم، ولذلك دبر خطة هرب بها مع خادمه إذ اختبأا في صندوق ورحلا مع سفينة قادمة ولكن الحرس تمكنوا من القبض عليهما، وعاقبهما الحاكم بأن رماهما في جزيرة حتى يموتا بها لكثرة حيواناتها المتوحشة، وهناك رأيا بيضة طائر الرخ ، وكان من عادة هذا الطائر أن يأتي إلى هذه الجزيرة مرة كل عام، وعندما حط على الأرض ربط سندباد نفسه وخادمه برجليه ليخلصا من هذه الجزيرة القاتلة، فلما نزل في جزيرة ألماس فكَّا قيدهما وراحا يلتقطان ألماسا كثيرا، وهناك شعر الرخ بهما وهجم ليأكلهما فصوب سندباد سهمه إلى رجله فأصابهما فصرخ صوتاً مزعجاً وهرب، ثم هاجمهما ثعبان ولكن الله سبحانه نجاهما إذ التقطه طائر الرخ، ثم جاء صيادو ألماس فألقوا حبالهم فتعلقا بها وكان هؤلاء الرجال من بغداد فصحباهم ، ولكن قراصنة في الطريق هاجموا السفينة وقبضوا على سندباد ، ولما عرف أمير القراصنة أن الذي قبض عليه هو سندباد أكرمه لشهرته في البطولة وتركه وخادمه في قارب صغير في عرض البحر فوصلا إلى جزيرة خالية، وكانت مليئة بالذهب، وهناك ظهر لهما فجأة عملاق ضخم بعين واحدة فحبسهم في قفص مع من قبض عليهم، وكان كل يوم يخرج واحداً ليأكله ، ولما عرف السجناء أن سندباد الشهير معهم استنجدوا به ليخرجهم فخطط طريقة رمى فيها قماشاً على عين الغول عندما فتح الباب ليلتقط واحداً منهم ، فلم يعد يرى مَن أمامه فهربوا ولكنه لحق بهم حتى اصطدم بصخرة فغابوا عن أنظاره، ونجوا جميعاً، وقدم الرجال نصف ما معهم إلى سندباد جزاء إنقاذه لهم، ولكن الغول تبعهم في البحر، وكان سندباد يقود السفينة فوجهها نحوه وضربه بها، ونجا الجميع وعادوا إلى بغداد، ووزع سندباد أمواله على الفقراء، وترك قصته للأجيال ترويها.
دراسة القصة:
هذه القصة تلائم الطفل في المرحلة الثالثة (9-12 أو 15سنة) وهي المرحلة التي يهتم بها الطفل بالمغامرات والبطولات والصداقات وقد عرضت رحلة من رحلات سندباد، وسندباد شخصية معروفة في ألف ليلة وليلة ، وقد اقتبس المؤلف من رحلاتها كثيراً من أخباره وما تعرض له في البحر والبر، وما صادفه من أمم لهم عادات مختلفة .
ويمكننا أن نعد هذه القصة أيضاً من قصص الحوادث والمغامرات حيث أن البطل سندباد تعرض لكثير من أخطار البحار والطبيعة والبشر، وكان لا يكاد ينجو من حدث مهلك حتى يقع في آخر ويبدو سندباد في القصة رجلاً بطلاً مقداماً قد طبقت شهرته الآفاق حتى صار عدوه يخجل أن يأسره، وهو رجل متدين يشكر الله سبحانه على النعم التي تأتيه، ويعتز بخليفة المسلمين، ويحب وطنه بغداد.
ويستخدم سندباد ذكاءه فقد فاز بالمسابقة التي أجراها الملك وخطط للخلاص من المآزق كخطر الرخ والغول ... وهو ذو خلق حميد، يحسن معاملة خادمه ويمازحه، ويسميه باسم (حبيب) ويرفض أن يأخذ الذهب ثمناً لإنقاذ السجناء .
أما خادمه فكان مطيعا له ولكنه كان يخاف من البحر، ويبحث عن الطعام الوفير والأطباق الشهية، ويأكل وينام، وسلوكه ينبع من الأهواء لا من العقل .
وقد هدفت القصة إلى الحديث عن أهمية الرحلة في حياة المرء، وضرورة التحلي بالأخلاق الحميدة مع الناس جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم وهناك أهداف وردت من خلال الأحداث كالأهداف الدينية التي بدت في شكر الله سبحانه ، والسياسية وظهرت في حب بغداد والخليفة فضلا عن تعليم الشجاعة والثقة بالنفس وأهمية الصداقة.
وفي القصة أيضاً لمحات علمية كوجود الطيور قرب البحر دليل على القرب من اليابسة وكثرة المصطلحات الجغرافية مثل التيار البحري، جزيرة شاطئ، واستخدام الخشب في البحر للنجاة ...
6- القصص الشعبية والأسطورية :
وهي قصص مستمدة من التراث الشعبي أو من قصص الأساطير والجان مما يتداوله الناس دون أن ينسب إلى قائل ما، وتحكي عن حادثة ما لها مغزى بحيث تحمل الطفل على الاعتقاد بأن ما تصوره واقع معاش، ولذلك فهي تركز على الحادثة أكثر من تركيزها على الشخصيات إلا ما كانت تدور حول شخصية ذات جذور شعبية مثل عنترة .
وهذه القصص ترسخ القيم التي يعلي المجتمع من شأنها، وتنمي الخيال، وتعرف الشخصيات التي يعجب بها المجتمع، وتبعث على المرح وترقق العواطف والوجدان.
وبعض هذه القصص الشعبية كانت تحكي عن أمور خرافية تحققت في زماننا هذا وصارت واقعاً ملموساً، فالأبواب المغلقة التي كانت تفتح بكلمة سر هي مثلا (افتح ياسمسم) صارت اليوم أبواباً متحركة بالكهرباء، وبعض خزائن المال لا تفتح إلا بكلمات سرية تنطق، وبطاقات الصرف الآلي تفتح بكلمات أو أرقام سرية مسجلة.
وقد ضعفت أهمية هذه القصص الشعبية اليوم بسبب انتشار الرسوم المتحركة، ويرى بعض المهتمين بآداب الطفل أن نبعد الأطفال عنها لما فيها من رعب ولكن الرعب المتفشي في الرسوم المتحركة أشد خطراً لدرجة أن المستشفيات باتت تشتكي من أمراض نفسية أصيب بها الأطفال من جراء هذه الرسوم .
ومن هذه القصص الشعبية قصة (حلوم والخابية) للكاتب حسن المرزوقي([87])، وتهدف إلى غرس الأمانة إذ يشعر الطفل بأن الله سبحانه يعاقب السارق، وأن جزاءه من جنس عمله .
تحكي هذه القصة عن امرأة عجوز عانت في حياتها بعدما توفي عنها زوجها الغواص في رحلة لصيد اللؤلؤ ،إذ صارت تستخدم في طحن الغلال في الرحى فتهالك جسدها ولكنها ظلت تكافح فالحياة كما يقول المؤلف (كفاح متواصل ونضال مستمر من أجل البقاء).
وكان منزلها مقفراً إلا من سرير ومقعد صغير وخابية متآكلة تضع فيها البيض الذي تجمعه من دجاجات ربتها لتبيعه إلى الجيران.
وجاء الكندري([88]) يوماً ليصب الماء فوجد الخابية المكسورة فنظر فرأى بها بيضات فسولت له نفسه أن يسرقها ، وما إن لامستها يده حتى صاح من الألم واجتمع الناس فرأوه شاحب اللون فنظروا إلى الخابية المكسورة فوجدوا بها حية فعرفوا أنها لدغته وأنه مات بسبب محاولته للسرقة. وكان هذا جزاءه.
أما القصص الأسطورية فهي قصص تتحدث عن عالم السحر والمردة والمخلوقات العجيبة، فتمتع بما فيها من خيال وعناصر تشويق، ولكن مفهومي الزمان والمكان اختفيا إذ اتجهت إلى منحىً تجريدي وفقدت بعض الشخصيات فرديتها وتحولت إلى أشكال تتصرف بعيداً عن الواقع والحقيقة .
وبعض هذه القصص ينجسم والحقائق الإيمانية كقصة موسى والسحرة، وهاروت وماروت، والغلام والساحر، إلا أن بعضها يعتمد على فكر وثني وهذه يجب ألا تحكى للصغار لما فيها من إلحاد يغرس في نفس الطفل الصغير، ولاسيما بعض القصص المترجمة التي تحكي عن إله للصواعق، وإله للبحر، وآخر للبراكين، ولأنها تدع الطفل يفكر تفكيراً غير علمي ولا منطقي، ويصير متواكلاً معتمداً على الخوارق والمعجزات.
ومن القصص الأسطورية المتداولة قصة (سندريلا) التي تحكي عن طفلة صغيرة عاملتها زوجة أبيها معاملة سيئة ، وقد سمعت يوماً أن الملك ينظم حفلة راقصة لإيجاد خطيبة لابنه الأمير فأحبت أن تذهب ولكن ليس عندها ثياب مناسبة ، وفجأة ظهرت أمامها الساحرة ذات العصا السحرية فأحضرت لها عربة جميلة وثوباً فاخراً وشرطت عليها أن تعود قبل منتصف الليل فأعجب بها الأمير ورقص معها، وكررت هذا في اليوم الثاني، ولكنها نسيت حذاءها وهي في عجلة من أمرها لتعود قبل الموعد المحدد فرآه ابن الأمير وكان قد أحبها وأراد معرفة حقيقتها، فعزم على أن تجرب هذا الحذاء جميع فتيات القرية حتى يعثر على سندريلا، وكان قد توقع أن يكون لها، و قد أصاب فتحقق حلمه وتزوجها.
وعلى الرغم من أن هذه القصة تحكي عن زواج الصغيرة المظلومة من رجل عظيم إلا أنها تعتمد على السحر لا على عون الله للمرء، فضلاً عما فيها من مخالفات شرعية كالرقص في حفلة يختار فيها الرجل زوجته، وهذا في ذاته لا يناسب قيم مجتمعاتنا.
ومن القصص الأسطورية أيضاً قصة (الزجاجة المسحورة) لمجدي صابر وتتحدث عن طفل في قرية كان كسولاً وكان لا يحب العمل، ويتمنى لو كان حمامة تطير أو سمكة تسبح أو ثعلباً يغلب الناس ... فلما مرض والده أرسلته أمه ليعمل في الحقل فأخفق لكسله، وذهب إلى البحر ليتفرج فرأى زجاجة بها شبه دخان، وسمع صوت مستجير يخبر أنه القزم بهلول فلم ير أحداً فقال (ولكني لا أراك أين أنت؟ فقال بهلول: أنا بداخل الزجاجة التي ركلتها بقدمك، فقال نادر بدهشة أنت داخل الزجاجة، ولكن الزجاجة كانت فارغة وليس بها سوى دخان عجيب فقال القِزم بهلول: افتحها وستراني... أرجوك إنني هنا منذ ألف عام وقد تعبت من هذه الزجاجة الضيقة وأريد أن أتحرر) ثم قال له (إنني مستعد لأن أحقق لك عشر أمنيات كاملة) ففرح نادر وفتح له فعلمه أن ينطق باسمه ثلاث مرات مسرعات إن أراده لأمر ما، فراح يطلب منه أن يصير حمامة فصار وحلق في الفضاء وأحب هذه الحياة ، ولكن نسراً جاءه فأرعبه فنادى باسم القِزم الجني ليجعله نسراً أقوى منه فكان، ولكنه عندما أراد أن يصطاد أرنباً ليأكله علقت يده في شبكة الصياد ،فنادى الجني ليجعله إنساناً فكان، ثم رأى ثعلباً فظن أنه لا يتعب في حياته فتمنى أن يكون مثله فجعله الجني كذلك ولكن أسداً أرعبه فطلب من الجني أن يصير أسداً أكبر ...وهكذا حتى كانت المرة التاسعة فأدرك أن كل شيء في الحياة يتعب: الحيوانات والطيور والأسماك فرجع إلى أمه فرأى أباه قد اشتد عليه المرض فنادى باسم بهلول، فقال هذا لا أستطيعه اطلب من ربك أن يشفي والدك فتضرغ إليه فشفاه الله وأحس أن على الإنسان أن يعمل وأن يحقق لنفسه رغباته وحينذاك يشعر بالسعادة الحقيقية.
هذه القصة موجهة إلى المرحلة الثانية ( 6-9 سنوات )، وهي تتحدث عن عالم السحر، ولكن السحر فيها موجه للفكرة الأخيرة وهي أن الإنسان عليه أن يعمل لأن كل من في الوجود يعمل، وأن يستعين بالله ليحصل على الأمور التي يعجز عنها، وأن السعادة تكمن بالسعي لابالكسل، وتحقيق الأماني يكون بيد الشخص نفسه لا بالاستعانة بالسحر وغيره.
وهناك قصص أسطورية أجنبية كقصة بورانتينو أو المفتاح الذهبي لألكسي تولستوي([89]).
وهي قصة علمية تتألف من اثنتين وثلاثين صفحة مصورة وسجلت عباراتها تحت الصور بخطوط واضحة تناسب المرحلة الابتدائية العليا.
وهذه القصة لم يحدد زمانها ولا مكانها وقد ترجمت وبقيت أسماؤها غريبة عن الجو العربي، فالعجوز يدعى كارلو، وهو يلبس قبعة تشير إلى أن القصة غربية لا شرقية وكان هذا العجوز موسيقياً وقد أعطاه صديقه خشبة ليجعلها دمية تغني وترقص وهذا ما يذكرنا بعالم السحر أو بمعطيات العصر إذ نرى كثيراً من الدمى تغني وترقص.
وقد طلب العجوز من الصغير أن يذهب إلى المدرسة ليتعلم ولكنه باع كتاباً ليدخل المسرح ثم أراد أن يضع الكتاب في المطبخ ليوقد به، وأثناء عودة بوراتينو إلى البيت رأى شحاذين هما الثعلب أليسا والقط بازلو فطلبا من بوراتينو الخشبة أن يذهب معهما إلى بلد المجانين وبمجرد أن يقول (ككسي – فيكسى – بيكسى) ستظهر شجرة يتدلى منها نقود ويجب عليه أن يقطفها ويذهب بها إلى كارلو العجوز.
وفجأة نرى الثعلب والقط ينقلبان وحشين عظيمين فهرب بوراتينو الخشبة وتعلق بإوزة ثم نزلت به في بحيرة قرب منزل الدمية وكان للمنزل كلب يحرسه هو أرتيمون. وقررت بوراتينو الخشبة أن يتعلم ولكنه لوث الورقة فعوقب، فهرب ورأى الثعلب والقط فقالا له هذه أرض العجائب: ضع نقودك في الحفرة وغداً ستصير شجرة تثمر نقوداً تأخذها إلى كارلو العجوز ففعل بعد أن نادى (ككسى فيكسى بيكسى) .
ويبدأ القسم الثاني من القصة وهو اعتقال الشرطة لبوراتينو وسرقة القط والثعلب النقود ثم اختلافهما في قسمتها فنشوب صراع بينهما، وسقوط بوراتينو في الماء وإعطاء السلحلفاة له مفتاحاً ذهبياً كان قد وقع من جيب كاراباس باراباس، وبه يفتح باب سري وطلب دوريمار من السلحفاة أن تعطيه المفتاح وإلا قتلها فهربت.
وتعود القصة إلى بوراتينو بعد حوادث متعددة لا تناسب بانقطاعها الصغار وإنما تعرقل الفهم ، ثم نرى بوراتينو يذهب مع بيرو والكلب فيخرج عليهم في الطريق كاراباس مع كلبين من كلاب الشرطة، فتهيأ كل كلب للعراك وتختفي مالوينا وكانت قد صارت مع بوراتينو لأنها خافت من كاراباس ، وجاء كاراباس ودوريمار إلى الغابة فاختبأ بواتينو السارق في قدر المطعم وبينما كان كاراباس يهدد قال بوراتينو اكشف السر أيها البائس اكشف السر أيها الشرير سر المفتاح ومكان الباب فخاف كاراباس من الصوت ونزل إلى تحت الطاولة وقال كاراباس من خوفه: (الباب موجود عند العجوز كارلو في غرفته خلف الخيش المرسوم عليه صورة موقد هل يكفيك هذا أيتها القوة السحرية) ([90]).
وظن كاراباس أن الجن يتحدثون. فذهب بوراتينو إلى الخيش وفتح الباب السري وطلب بوراتينو أن يتبعه الحاضرون وصار أرتيمون يلعب بالجرف، ثم شاهدوا مغارة من المرمر وفيها قصر مسرح العرائس وساعة فأداروا الساعة بالمفتاح فرأوا شاشة المسرح وارتفعت هذه فظهرت مدينة حقيقية للدمى وفيها باصات وسيارات وشرطة سير وطائرات معاصرة فقال بوراتينو سوف نكتب مسرحية عن مغامراتنا ونمثلها. وأما كاراباس فعاد إلى بيته حزيناً وكانت الدمى جائعة فلم يشتر أحد من المشاهدين بطاقة دخول لمسرحه بسبب الفقر والجوع اللذين حالا دون المسرح.
وسمع كاراباس صوت موسيقى وكان في المسرح بوراتينو، وجاءت دمى كاراباس إلى مسرح بوراتينو وعم الفرح الجميع وهم باراباس وأرتيمون ثم هجم أرتيمون على باراباس ووضع يده على رقبته وأما مالوينا وبوراتينو وكارلو وبيرو فقد اجتمعوا في المسرح الجديد فرحين وكتب على غلاف الصورة تعالوا إلى مسرحنا.
هذه القصة فكرتها غير جيدة فهي تعتمد على السحر وخزعبلاته وعلى غير المعقول وأعمالها فيها جرائم وعنف وبعضها من غير مسوغ كاللعب بالجرذ، وتعتمد على تفضيل الخاصة وتضرب القيم عرض الحائط فالشرير يُساعد ولاعدلَ ولاقانون، وفيها خداع وقسوة وسرقات وفتح أبواب سرية، واستهانة بالكتب فالكتاب يباع ليدخل بثمنه إلى المسرح ويوقد بورقه الموقد.
والشخصيات كثيرة العدد فعددها خمس وعشرون وأسماؤها صعبة المنطق مثل (كاراباس باراباس) و (بازيلو: الثعلب، ودوريمار الثعلب وتارتيلا...
أما لغة القصة فذات تراكيب أجنبية فالمترجم قدم المقول على الفعل قام في مثل (هذا أنا بوراتينو قالت الدمية: وقفزت على الأرض) ولا تحافظ على تركيب الجملة العربية.
هذه القصص الأسطورية والمترجمة منها خاصة وإن قدمت خيالاً واسعاً إلا أنها تربي أجيالاً على التواكل والاعتماد على السحر، وهي توجه الصغار إلى فكر وعقيدة وخلق غير أفكارنا وعقائدنا وأخلاقنا، إذ تعودهم على الكذب وعلى افتعال المواقف دونما مسوغات لها. ويقول د. عبد التواب يوسف (إن خيال الطفل دنيا واسعة بلا حدود، تعيش فيها صور شخصيات وأحداث ومرئيات، وإذا نحن لم نخلق له هذه الدنيا فإنه يبتكرها ويوجدها، إنها دنيا يستبقيها الطفل مما يسمعه من قصص أو حكايات، ويعيد فيها تنظيم العالم حسب رؤيته، وكما يحلو له أن يصوره. وأطفال اليوم قد ضاقوا بسذاجة بساط الريح وسندريلا وغيرها، رفضها كثيرون لأنها بالغة السذاجة ولا تجدي خيالهم، الأطفال يحبون سماع الحكايات التي يعتقدون أنها ممكنة الحوادث) ([91]).
ويحذر الكاتب في دراسة قدمت للدورة التدريبية لبرامج الأطفال بقطر، في 1984م من إغراق الطفل في الخيال لأنه يبدد طاقته الواقعية ويجعله يحيا في أحلام اليقظة، ويهرب من مواجهة الواقع.
الفصل الثالث
فــن الشـعر للأطفال
الفصـل الثـالث
فن الشعـر للأطفــال
الشعر فكرة وصورة ونغم ولغة، وإذا أضيف إليه إلقاء حسن أوعرض مبهج زاده جمالاً إلى جمال.
وشعر الأطفال هو تلك الكلمات العذاب التي يرددها الطفل فيطرب لسماعها ، وهو يلبي جانبا من حاجاته الجسمية والعاطفية ويسهم في نموه العقلي والنفسي والاجتماعي .
وهو لون من ألوان الأدب يتضمن الأنواع الأدبية كلها من مسرح شعري وعروض تمثيلية، وقصة شعرية، وقد يلقى أو ينشد أو يغنى، وهو في جميع الأحوال يعتمد على النغمة المحببة، والكلمة الصادقة، التي تطرب الطفل عند سماعها .
وإذا علمنا أن عقل الطفل يكتمل حتى الثامنة من عمره، وأن المرحلة الأولى من عمره وهي بين السنة والخامسة لها أهمية كبرى في حياته أدركنا أثر الشعر في تنشئة الطفل إذ يصبح أقدر على التعبير عن نفسه لأن يقدم له تجارب وخبرات بأسلوب ممتع جذاب فتنفذ العبارة كما ينفذ معناها إلى عقله وفؤاده.
أولاً: أهمية الشعر:
تكمن أهمية الشعر في :
1- غرس العقيدة والقيم والمفاهيم الصحيحة، إذ يفوق الأجناس الأدبية الأخرى في ذلك لسهولته، وإثارته للعاطفة والخيال دون تعقيدات المسرح والعروض الغنائية.
2-تثقيف الطفل بما يفيده في حياته من خلال الشعر بأنواعه كلها.
3-ربط الطفل ببيئته المحيطة به، وهذا مايساعد في نموه الاجتماعي والوجداني والوطني، وحث الطفل على اتباع سلوكيات اجتماعية وصحية سليمة.
4-تنمية ذوقه الجمالي بنصوصه ذات الكلمات العذبة والجرس الطرب وصقل مواهبه، وتنمية قدرته على نقد النصوص، وتمييز جيدها من رديئها، وإبراز مواطن الجمال فيها.
5-تعويد الطفل على القراءة وحسن الفهم.
6-إثراء الطفل بمفردات وتراكيب لغوية تساعده على التفوق الدراسي وتقوي حبه للغة.
7-مساعدة الطفل على الجرأة في التعبير، فيتخلص من الخجل والانطواء ومن عيوب النطق.
8- يسلي الطفل ويمتعه ويدخل البهجة إلى نفسه بما فيه من إيقاعات طربة .
9- ويملأ أوقات فراغه بما هو مفيد.
وفي دواوين القدامى والمعاصرين كثير من الشعر مما يصلح لتأديب الصغار به ، فقد نظم إبان اللاحقي([92]) كليلة ودمنة شعرا ، ونظم ابن الهبارية ت504 هـ ديوان الصادح والباغم على غرار قصص كليلة ودمنة، وهو أرجوزة مزدوجة في ألفي بيت اصطبغت بصبغة السهولة مما جعلها مناسبة للصغار ، وفي ديوان أحمد بن علي بن المشرف كثير من الشعر الطفولي، وقد عاصره الشاعر المصري رفاعة الطهطاوي وكان هذا قد اهتم بشعر الأطفال وأدخل النشيد في المناهج التعليمية إدراكاً منه لأهميته، كما نظم محمد عثمان جلال شعراً للأطفال يتميز بسهولة معانيه وألفاظه، وكان ديوان( العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ) ترجمة شعرية للحكايات الخرافية التي نظمها لافونتين الفرنسي ، وكان هذا قد تأثر بدوره بكتاب كليلة ودمنة واستخدم الرمز على لسان الحيوانات والطيور([93]).
ومما كتبه محمد عثمان جلال قوله في (صاحب الدجاجة):
كـان البخـيلُ عنده دجـاجهْ تكفيه طولَ الدهرِ شرَّ الحـاجهْ
في كل يوم مرَّ تعطيه العجبْ وهي تبيض بيضةً من الـذهب
فظـن يومـاً أن فيـها كنزاً وأنـه يــزداد منـه عـزاً
فقـبض الدجـاجةَ المسكيـنة وكان فـي يمـينه سكيـنة
وشقـها نصفـين من عقلـته إذا هي كالدجـاجِ في حضرته
ولم يـجد كنـزاً و لا لقيَـهْ بل رمةً في حجـرة مَرْمِيَّـهْ
فقـال لا شـكَّ بـأن الطمـعا ضيَّع للإنسـانِ ما قد جمَّعـا([94])
ثم نظم الشاعر محمد الهِرَّاوي للأطفال، وتحدث عن معطيات الحضارة المعاصرة كحديثه عن الطائرة والقطار ولكنه تعرض للنقد ، إذ كان أدب الأطفال لا يرقى ناظمه إلى مستوى لائق في المجتمع آنذاك .
ولما عاد أحمد شوقي من فرنسا أرسى دعائم هذا اللون الأدبي، وصرح بتأثره بلافونتين الفرنسي في حكاياته الطفولية التي سماها أساطير، يقول في ذلك: " وجربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهيرة ... وكنت إذا فرغت من وضع أسطورتين أو ثلاث أجتمع بأحداث المصريين وأقرأ عليهم شيئاً فيفهمونه لأول وهلة، ويأنسون إليه ويضحكون من أكثره، وأنا ... أتمنى لو وفقني الله لأجعل لأطفال المصريين مثلما جعل الشعراء للأطفال في البلاد المستحدثة " .
وهذه العبارات تدل دلالة واضحة على تأثره بالأديب لافونتين ، ولكن لافونتين تأثر بكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع ، إلا أن أحمد شوقي لم يخطر على باله أن يكتب للأطفال إلا بعد أن رأى ما نظمه لافونتين لهم ، ولذلك يرى د. إبراهيم السعافين أن حكايات أحمد شوقي الشعرية لم يبتدعها كما لم يبتدعها محمد عثمان جلال وغيره. فقد عرف أدبنا العربي هذه الحكايات شعراً ونثراً، وصرح بذلك محمد عثمان جلال بقوله:
وإن أكنْ أكثرتُ في كتابي من قصـصِ النعاجِ والذئاب
إيـاك أن تبخسَ قط ثـمنَه فقبلَــه كليــلةٌ ودمــنة
وقبـله فـاكـهةٌ للخلَفـا والصادحُ الباغمُ حسبي وكفى
فهو يشير الى من سبقه في مثل هذه الحكايات ككتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، وفاكهة الخلفاء وديوان الصادح و الباغم لابن الهبارية.
ثم يقول د.إبراهيم السعافين "فإذا زعم شوقي بأن تأثر في طرقه لهذا الغرض (لافونتين) فإن ذلك لا يعني جدة الغرض ، ذلك لأن عثمان جلال قد عمد إلى ترجمة أساطير لافونتين ترجمة حرفية ونقلها الى العربية بعنوان (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ) ثم صرح بأنه قد انتهج في هذه الحكايات نهج الأقدمين، وما دام سلف شوقي قد تأثر القدماء فإن محاولة أحمد شوقي هذه لا تخرج عن كونها انتهاجاً لمحاولات القدماء التي ذكرها عثمان جلال .
ثم يقول "و أما ما يتعلق بديوان الأطفال فإن اعترف بالهدف التعليمي منها بقوله (مجموعة الشعر السهل نظمها لتكون أدباً للأطفال وثقافة) فإن الشعر التعليمي للأطفال قديم في الشعر العربي وقد نظم الشعراء منظومات تعليمية([95]).
كما تأثر شوقي بقصص القرآن الكريم في السفينة والحيوانات، وسليمان والهدهد، وسليمان والطاووس وسليمان عليه السلام والحمامة، وعد أحمد شوقي لاهتمامه البالغ بأدب الأطفال رائد هذا الفن، يقول د. نجيب الكيلاني "يعد أمير الشعراء أحمد شوقي رائداً في مجال شعر الأطفال لما كتبه لهم من قصص شعري على لسان الحيوان إذ امتزجت فيه الحكمة بالفكاهة والعبرة بالتوجيه وأبرز بعض القيم السلوكية ذات العلاقة بالدين والوطن، وعمم بعضها على طلبة المدارس فكان فتحاً جديداً لهذا الباب وذلك لمحافظتها على الأسلوب الشعري الأصيل، والأفكار المبسطة، والصياغة الفنية الجيدة" .
ولم يشر أحمد شوقي إلى جهود من سبقه من العرب، بل دعا الشاعر أحمد مطران إلى أن ينظم شعراً للأطفال وقال له: " ولا يسعني إلا الثناء على صديقي خليل مطران صاحب المنن على الأدب ، والمؤلف بين أسلوب الإفرنج في نظم الشعر وبين نهج العرب، والمأمول أن نتعاون على إيجاد شعر للأطفال والنساء، وأن يساعدنا الأدباء والشعراء على إدراك هذه الأمنية([96]) ".
كتب أحمد شوقي للأطفال نوعين من القصائد الشعرية هما حكايات على ألسنة الحيوانات والطيور، وأناشيد وأغان للأطفال جمعها محمد سعيد العريان في آخر الجزء الرابع من ديوان الشوقيات . وبلغت الأولى سبعمئة وتسعة أبيات في خمس وسبعين قطعة، وبلغت الثانية عشرة أناشيد تحوي مئة وثلاثة وعشرين بيتاً كما صرح محمد سعيد العريان في مقدمته للديوان([97])، وكانت حكاياته الطفولية ترمز بشخصياتها الحيوانية إلى شخصيات إنسانية أراد منها أن تقوم سلوكياتها على أسس الحق والخير والفضيلة، وأن تقف في وجه العدوان وتدافع عن الأوطان، كما أراد لها أن تجتنب الرذيلة والصفات الذميمة ، إذ كان يؤمن أن هذا الشعر يعرف الطفل على الحياة ، فهو وسيلة تربية كما أنه وسيلة تثقيف وتعليم وتسلية وإحساس بالمتعة بنصوصه الجميلة ([98]) .
ثم تكاثر شعراء الأطفال في النصف الثاني من القرن العشرين في جميع البلدان العربية وذلك لأهمية هذا الشعر في إصلاح الأجيال بنماذج شعرية ناجحة، وكان منهم الشاعر عمر بهاء الدين الأميري ويحيى الحاج يحيى وسليمان العيسى ويوسف العظم ، و د. عارف الشيخ وصالحة غابش وغيرهم .
ثانياً: أنواع الشعر الطفولي :
1. مانظمه الكبار عن الصغار في مناسبة من المناسبات كعيد ميلاد طفل ما.
2. مانظم من شعر ووجه للأطفال مباشرة سواء أكان حكايات أم أناشيد .
1-ما نظم الشعراء عن الصغار:
وممن كتب عن الأولاد لتوجيههم أو للتعبير عن حبه لهم الشاعر عمر بهاء الدين الأميري في ديوانه رياحين الجنة فقد قال متحدثاً عن ابنه (البراء) قائلا :
لصـفـاء عينيك العِذابْ يحلو الـعَذاب، ولا عـَـذابْ
يـابسمـة بفـم الزمـا ن ودُرَّةً مـن غيــر عـاب
الأهـل أنـت أنيسُــهم لك في قلــوبهـم رِحــاب
إن تبتسـمْ شــاع السرو رُ، وإن بكـيْتَ البِشْـرُ غـاب
يا مـن أراه خـلال طيـ فِ الغيب يرفُلُ في الشبــاب
وأراه خـاض إلـى العلا والمـجدِ أغـوارَ العُبـــاب
يتقـدم الصـفَّ الأبــيَّ ولا يـحـيـدُ ولا يـَهــاب
فاصبرْ إذا شـدَّ الزمــا نُ عليـك في ظِفْـرٍ ونــاب
فعسى تميزُ الصدقَ فـي سُبُلِ الحـيـاةِ عن الســراب
أدعو لك الرحمـنَ مـن قلـبٍ يكـنُّ لـك الحُبــاب([99])
فالشاعر هنا يبين لابنه أن ما يعانيه في سبيل تربيته حلو، كيف لا ؟ وابنه بسمة حياته وهو رمز الطهر والنقاء، وهو بهجة الأسرة ، ووالده يترقب جهوده لتحرير الأمة، ولذلك فهو يطلب منه أن يصبر، وأن يميز الحق من الباطل ، وهو يدعو له دائماً من قلب مليء بالمحبة ليوفقه في حياته وهو يخوض غمرات الصعاب في سبيل تحقيق الرفعة والسؤدد والمجد.
أما الشاعر مصطفى صادق الرافعي فيقول لابنه عبد الرحمن:
يا بـْني ويا بْن مصـر كن دائمـاً لمِصْـرِكْ
أبنيـك حيــن أبنـي تفـي لهـا بوعـدي
أبنيـك من ضمــيري فلْتُعْطِها ضمــيرَك
ولْتَـحْيَ يا صغيــري حتى ترى صغيـرك
جمـالَ أهلِ عصـرِك([100])
ونلاحظ هنا أن هؤلاء الشعراء وجهوا أبناءهم لما فيه خير للأمة والوطن .
2- ما نظم للصغار مباشرة:
كالقصص الشعرية والأناشيد التي وجهت للأطفال ليترنوا بها فتتأثر عقولهم بمعانيها الصافية النقية وتبتهج قلوبهم بموسيقاها الرنانة، ومن هذا النوع ما نظمه أحمد شوقي، ومحمد عثمان جلال ومحمد الهِرَّاوي ، ود.عمر فروخ([101]) و د.عارف الشيخ وإبراهيم العرب، ويحيى الحاج يحيى ، وحسن علي شمس الدين([102]) ، ويوسف العظم وغيرهم كثير.
ومعظم هؤلاء يفضلون القصص الشعرية لأنها تناسب الأطفال بما فيها من عنصر الحكاية الجذاب، ولملاءمتها الأطفال جميعاً، فالطفل من النوع الترابطي يحب الذكريات والأوصاف الجميلة، ومن النوع الفسيولوجي يعجب بما يثيير الانفعالات، كما يحب الشعر القصصي والفكاهي، أما النوع الاندماجي فصاحبه يؤثر الشعر القصصي لأنه يحس بالاندماج مع البطل فكأنه يتقمص شخصيته([103]) .
ومن هنا كان الشعر القصصي أحب الألوان الشعرية إلى هؤلاء الأطفال.
ولكن الطفل أيضاً يحب أن يترنم بالأناشيد الطربة التي فيها حب لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يستشعر عظمة الخالق في الطبيعة، كما يحب الأشعار التي تتحدث عن حياته الخاصة وأنشطته وأنشطة بيئية مما يقدم بإيقاع جميل كالعروض الغنائية "أوبريت" لأنها تجذب الطفل بنغماتها المطربات .ويسهل حفظ المادة التعليمية عليه إن قدمت شعرا مطربا .
ومن هنا نستطيع أن نقسم هذا الشعر الطفولي على أنواع:
أ- الأناشيد الشعرية للأطفال([104])
ب- قصص الأطفال الشعرية
ج- العروض الغنائية- المسرحية للأطفال ( الأوبريت )
أ-الأناشيد الطفولية
وقد تعددت أنواعها فهناك الأناشيد الدينية، والوطنية، والاجتماعية، والتربوية، والتعليمية.
1ً-الأناشيد الدينية:
وتتحدث هذه عن عظمة المولى تعالى،وعن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده، وعن نظرة المسلم إلى الحياة وسلوكياته . من ذلك قول الشاعر محمد الهراوي في نفحة إيمانية عظيمة:
الله جــلَّ شــأنُه له الصفـات الباقيـهْ
ربُّ السمـاءِ والأرا ضي والمياهِ الجـاريه
وربـُّك الذي حبـا ك نعمـــةً وعافيه
يسمــع ماتقـولُه فـي السر والعـلانيه
ويبصر النملةَ فـي جُنْحِ الليالي الداجيـه
مُقْـتدِرٌ ذو رحمـة وآخـذٌ بالنـاصيـه
فخفْ من الله الـذي يعلـمُ كلَّ خافـِيـه([105])
فالشاعر أراد أن يثبِّت عقيدة الطفل وذلك بتذكيره بقدرته تعالى في خلق السماوات والأرض وما فيهما، المعطي النعم المسبغ بها على عباده، السميع البصير القادر الرحيم الذي يعلم ما في ضمير الإنسان وما يخفيه في صدره .
وكتب يوسف العظم لأطفال مدارس الأقصى قصيدة عنوانها (براعم الأقصى) يعبر فيها عن حبه للطفل وشوقه إليه كماحثه على حب القرآن الكريم وحب بلاده، ومما جاء فيها:
عشقْتُ لثغةَ طفــل فيها وهِمْـتُ بثان
والكـل عنـدي أثيرٌ يحتلُّ أغلـى مكان
في القلب مني اشتياقٌ وذكرُها في لساني
براعـمُ الجيـل غنِّي ورَدِّدي ألحــاني
لوساءلوا عن فؤادي لقـلْتُ في عَمَّـان
مع البـراعـمِ تتلـو ترتيلـةَ القـرآن([106])
وفي نظرة شمولية للحياة ينظر الشاعر يوسف العظم إلى الفتى المسلم فإذا هو في عقيدته محب لله ولرسوله، وفي سلوكه نظيف ومرتب ومهذب ، وحياته تقوم على النظام دائماً، يقول في ذلك:
أنا أحببتُ خالقـي ونبيي ومُصحـفي
حين آمنتُ بالهدى وبدينٍ مُشَـِّرِف
أنا يا قومِ مسـلمُ
أنا طفلٌ مـرتَّبٌ وسلوكـي مُحَبَّبٌ
وثيابــي نظيفةٌ وكلامـي مهذبٌ
أنا يا قـومِ مسلمُ
أنا إن قمتُ للطعامْ أو توجـهت للمنامْ
عيشـتي كلُّها نظام وشعاري على الدوام
أنا يـا قـومِ مسلـم([107])
وينظر الشاعر المسلم إلى الفتاة المسلمة فيرى ضرورة أن تنشأ على الصلاح والتقوى لتكون أسوة لغيرها .
كتب الشاعر عثمان مكانسي([108]) إلى الطفلة " تقى " (حفيدة المؤلفة ) وكانت قد بلغت العاشرة من عمرها:
شبَّ الغراسُ وأينعـا وبدا جميلا ممتعـا
فإذا ( تُقى ) بدرُ الدجى في أُفقِه قد سطعـا
أنتِ الجمالُ إذا نما الـ إيمانُ فيك وأينعـا
وحملتِ نورَ سنائه علْما يرفرف مشرعا
لابـد من تَنشِئة الـ طفلِ نشوءا مقنعـا
حتى يكون مع الهدى مَمْشاه منذ أن وعى
والطهرُ يغدو مَسلكا والحب يبني مَربعـا
والقلـبُ في أفيائـه للخيرِ يغدو مرتعـا
حتى يكـون أسوةً للحق إن يوما دعا([109])
وقد عقدت أندية فتيات الشارقة عدة ملتقيات لأطفال العرب بدأت في 1996 ، وكتب الشاعر سعيد سيف الجروان([110])، يتحدث عن الإسلام وأمجاده وجهاد الأمة في فلسطين والعراق، والتمسك بكتاب الله، ولم ينس الشخصيات الإسلامية العظمى كعمر وصلاح الدين . يقول :
طلعَ النـورُ علـينا واعتـلى وجهَ الصباحْ
وورود الياسمــينا عطرُها المعروفُ فاح
غنت الأطيارُ فـينا نحـن أبنـاءُ الكفـاح
مجدُنا قـاد السنيـنا من عُمَرْ حتى صلاح
نفتـدي الإسلامَ دينا دربُنـا دربُ الكفـاح
بالكتـابِ المستبيـنِ سوف نمضي والسلاح
من فلسطينَ السجينة والعـراقِ المُسْتَـباح([111])
2ً- الأناشيد التربوية:
وهي أناشيد تحمل مضامين تربوية هادفة تحكي عن المعاملة الحسنة بدءاً من الأهل وانتهاء بالحيوان، كما تدعو الى الحفاظ على سلوكيات حسنة كإكرام الكبير والمعلم، والحفاظ على آداب الطريق .
فمن حديث الشاعر عن الوالدين وضرورة الاعتراف بفضلهما وطاعتهما، والحديث عن حنانهما ورعايتها، قول الشاعر في قصيدة (أمي) :
أَحَبُّ الناسِ لي أمـي ومَن بالروحِ تفديني
فكم من ليـلةٍ قـامتْ على مَهْدي تُداريني
تخافُ عليَّ مـن بردٍ بجنبيهــا تغطينـي
ومهما شِئْتُ من أمي فأطلُبُـه وتعطينـي
أنا بـالروحِ أفديهـا كما بالروحِ تَفدينـي
أنا أسعـى لأرضيَها كما تسعى لتُرضيني([112])
ومن الأناشيد التربوية ما يتعلق بالمعلم وأهميته في حياة الطفل ، يقول الشاعر محمد وليد فيه:
معلمي الغالي بنيـتَ آمالـي
علمتني لغتـي ومجدَهـا العالي
...
علمتَني الصدقـا والحبَّ والعشقـا
العشقُ للوطـن يحلــوله حقـا
...
نورتَ لي قلبي رسمْتَ لي دربي
معلمـي الغـالي هديتــي حبـي([113])
فالأبيات بهذه النغمة المحببة إذ جاءت على (مفاعلن فعلن) ، وهو وزن يناسب الطرب والبهجة تؤدي إلى ترنم الطفل بها ومن ثَمَّ إلى تأثره بمعانيها .
ومن الأناشيد التربوية ما يتعلق بالعلم وأهميته، وقد نظم د.عمر فروخ نشيدا يتحدث عن فصل الخريف ويربطه بعودة الطفل إلى المدرسة ، يقول فيه:
أقبـل الغيــمُ وهــذا من علاماتِ الخريفْ
ومضـى الحــرُّ وولَّـى وأتى الجوُّ اللطيـفْ
إذ أتـى فصـلُ الخـريفْ
أنـا فـرحـان كثيــراً برجوعي لـلدروس
سوف أقضي بعضَ يومي منشِداً غيرَ عبـوس
قد أتـى فصـل الخـريف([114])
ومن الشعر التربوي ما يتحدث عن آداب الطريق([115]) وعن الأخلاق الحميدة كالصدق والأمانة ، وينفر من القبائح كالكذب والغش . هذا شاعر يقول في الصدق للأطفال :
بالسوء يوصفُ مَنْ كذبْ والصدقُ من حُسْنِ الأدب
فاصـدقْ بقـولك يافتى لاتخشَ لومــا أو عَتَبْ
والصدقُ أنجـى إن يكن للخـوف معنى أو سبب([116])
وقد يكون الشعر التربوي في الرفق بالحيوان ثم يتخذ الحديث مطية لنصح الإنسان ، فأحمد شوقي يدعو في قصيدته الرفق بالحيوان إلى رعاية هذا المخلوق الضعيف، ويصف لنا الهرة ونظافتها ثم ينتقل منها إلى نظافة الإنسان ليجعل الثوب عنوان مظهره:
هرتـي جـِدُّ أليفـهْ وهي للبيـت حَلِيفـهْ
شغلُـها الفأرُ تنقـى الرفَّ منه والسقيفـه
ومن الأثواب لم تمـ ـلك سوى فروٍ قطيفه
صيرت ريقَتَها الصا بون و الشارب ليفَـه
ثم يخاطب الطفل ناصحا :
وتعـود أن تـلاقـى حسنَ الثـوب نظيفَـه
إنما الثوبُ على الإنـ سانِ عنوانُ الصحيفه ([117])
3ً-الأناشيد الوطنية:
ولا ينسى شعراء الأطفال أن يبثوا في نفوس بناة الوطن حبه ليشعروا بالانتماء إليه والاعتزار به، فيسعون لرفعة شأنه ، ويشاركون في بنائه، وهذه قصيدة الكشافة لمصطفى محمود يتحدث فيها عن أجيال المستقبل وأهدافهم في حياتهم يقول فيها :
يـا أشبــالَ بــلادي هيـا هيـا يــا أشبــالْ
فـي وثبتِنــا نمضـي قُدُمـاً نحيـا كـالأبطـال
...
في وثبتِنـا ما أحــلانا صـوتُ الـواجبِ قد نادانا
نسعى ونضحِّي لسـوانا أبـداً لاتعمـرُ دنيـانـا
إلا بـــالأعمـــالْ هيــا يـــا أشبــالْ
هيـا هيـا هيـا هيـا هيــا هيـا يـا أشبـالْ
...
طابت رحلتُنا الكشفيـَّهْ نقطِفُ أزهــارَ الـبرِّيهْ
نمرحُ في جـوِّ الحـريه وعلـى كل فـم أغنــيه
هيــا يـا أشبـــال هيــــا يــا أشبـال
هيـا هيـا هيـا هيـا هــــيا يـا أشبــال
ويقول الشاعر الفلسطيني يوسف حمدان متحدثاً عن فلسطين والمسجد الأقصى تحت عنوان (أطفال القدس):
اُنظرْ انظـر للأطفـالْ أطفـالِ القـدسِ الأبطـالْ
انظر انظر لسـواعدِهم تتحدَّى بطـشَ الأنــذال
بصدورٍ عزلاءَ تصدَّوْا لرصاصِ الـغَدْرِ المُنْهال
لم يخشَوْا من موتٍ أبداً هبُّوا للأقصـى في الحال
هجرُوا ألعابِ الأطفـال ومضـَوْا لجهادٍ ونضـال
مـن أجـل الأرضِ العـربيَّهْ([118])
فهولاء الصغار تركوا اللعب ونشطوا للدفاع عن الأقصى بالحجارة التي ترميها سواعدهم الفتية متحدين بطش الطغاة الصهاينة من أجل تحرير القدس الحبيبة، وقد جاءت هذه المعاني الجليلة بأسلوب سهل بسيط ونغم قوي في عبارات جزلة تناسب المقام .
ومن ذلك أيضاً ًقول فدوى طوقان في حديثها عن حب بلادها وربط هذا الحب بطبيعتها الخلابة:
جنــةُ الدنـيا بـلادي حبُّهــا مـلءُ فـؤادي
ريحُهـا فـي كـل وادٍ حسنُهــا للعيـن بـاد
في الضـواحي والغياضْ في السـواقي والحيـاض
في أنيقـاتِ الريــاضْ حسنُهـا للعيــن بـادْ
جنـة الدنيـا بــلادي([119])
وبعض الشعر الوطني يأتي بشكل غير مباشر إذ يحمل صبغة ترفيهية مزجت بها الفكرة الوطنية كما في قصيدة (الرسام الصغير) لسليمان العيسى فهي في مجملها تعبير عن إعجاب الطفل بالطبيعة ، ومحاولته تقليدها، والتعبير عن سعادته في أجوائها بالشعر كما عبر عنها بالألوان، وقد أدخل الشاعر إليها فكرة حب الوطن، فهذه الطبيعة الساحرة هي أرض بلاده التي يرفرف عليها علمها، والتي أحبها الفنان الصغير فأراد أن يخلدها في لوحته، كما أحب والديه فرسم لهما صورة ، يقول سليمان العيسى :
أرسِــم بـابـا أرســم ماما
بـالألـوانْ
أرسـِـم علمـي فـوقَ القِمَـِم
أنـا فنـانْ
أنا صيادُ اللـونِ الساحرْ أرضُ بلادي كنزُ مناظرْ
دعني أرسِم ضوءَ النجمِ أحيـا حـراً أنـا فنـانْ ([120])
4ً- الشعر التعليمي للأطفال :
وهو كثير في شعرنا العربي، وقد نظم أصحابه علم النحو والصرف والتجويد في أراجيز ليسهل حفظها على الصغار والكبار، وكان سليمان الجمزوري([121]) قد نظم (متن تحفة الأطفال) وهي في التجويد للأطفال الصغار، ومن قوله فيها بعد حمد الله سبحانه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم مبينا أنواع المدود الأصلية والفرعية :
يقـولُ راجي رحمةَ الغفورِ دومًا سليمانُ هو الجمـزوري
الحمـدُ لله مصلِّيــاً على محمدٍ وآلـه ومـَن تـــلا
.................... ...................
والمدُّ أصلـيٌّ وفرعـــيٌّ له وسْمٌ أو لا طبيعيـاً وهـــو
ما لا يــوقف لـه سـبــب ولا بدونه الحـروف تُجْتـذَب
بل أيُّ حرفٍ غيرُ هََمْزٍ أو سكونْ جاءَ بعد مدٍّ فالطبيعيْ يكـون
والآخر الفرعيُّ موقـوفٌ على سبب كهمـزةٍ أو سكون مسجلاً([122])
ومن الشعر التعليمي أيضاً ما كان يتحدث عن المادة العلمية على لسان شخصيات غير بشرية لتشخيص المعنويات، وهذا الشعر يقرب المادة من نفس الطفل لارتباطها بالنغمة المحببة فيقبل عليها ، من ذلك مانظمه الشاعر عامر الديك[123] في الفعل والفاعل وهو شعر - وإن لم يحمل تصويراً وعواطف إنسانية لأن دوره ليس تحريك العواطف ولكن غرس مفاهيم تعليمية- إلا أنه قرب النحو إلى ذهن الطفل ليحبه بعد أن كان ينظر إليه نظرته إلى شيء بعيد عن نفسه ، وهذا القرب يجعله يتعلق بلغته الفصحى فيحافظ عليها في كبره، يقول في الأفعال وقد شخصها وجعلها إنسانا ينطق :
نحــــــنُ الأفعـــــــالْ
نحــــــن الأفعـــــــال
ولنــا في الجملـةِ أعمـــــالْ
نعملُ فـي المــاضي حينــــاً
وفي المضـارعِ أحيـانــــــا
ولنا الأمـرُ علـى الفــاعـــلْ
الأول فيـنـــا مــــــاضٍ
والثـــاني فينـــا حاضــر
والثـــالــثُ دومــاً آمـــر
نحــــــن الأفعـــــــالْ
نحــــــن الأفعـــــــال
ولنـا في الجــملة أعمـــــال([124])
ويقول الفاعل وعلى لسانه:
ومن أنا يا أطفــالْ..؟
أجيبوني في الحال
الضمة تاجي أبدأ
تسبقني الأفعــال
فمن أنا..؟ فمن أنا..؟
من أنـا يا أطفـال؟
أنا الفاعل أنا الفاعل
في كل الجملة فاعل
(درس الولدُ)أنا الدارس
(لعب الطفلُ)أنا اللاعب
أنا العامــــــل
أعملُ أبدا لا أكسـل
أنا الجندي أنا الجندي
عن أرضِ بلادي أدافع
وبذلك قرب الشاعر النحو العويص على الطلاب بهذا الأسلوب الجذاب الممتع .
ويرى الشاعر " يحيى الحاج يحيى " أن الشعر التعليمي لا جمال فيه لأن المزوجات لا تناسب الصغار، فالطفل يحب التلويح بالمعلومة لا التفصيل فيها، ويحب الشعر السهل الذي يردده في رقة وإشراق وبتناول سهل، ويقول لا يمكن أن نطالب الشاعر بنظم سيرة ابن هشام مثلاً ولكن عليها أن ننتقي جوانب موحية بمواقف خالدة، ونقدمها للطفل بشكل مبسط ومحبب.
ولكني لا أرى رأيه بشكل مطلق ، فبعض الشعر التعليمي يجذب الطفل بأسلوبه المشرق ، وقد قام محمد موفق سليمة بمحاولة تقريب أسلوب القرآن الكريم والحديث الشريف إلى الأطفال ليفهموا كتاب الله وذلك في سلسلة من ثماني حلقات باسم " أنا أقرأ وأفهم كتاب الله " ، وكان يأتي بالآية أو السورة القصيرة فيشرحها شرحا بسيطا ثم ينظم ابياتا مقتبسة منها على نحو قوله في الفاتحة :
فاتحـةُ القـرآن جميلةُ المعـاني
نبـدؤها بالحمـد لخالـق الأكوان
للراحـم الرحمـن والمالكِ الديَّان
إياك ربـي نعبـد أنت المعينُ السند
اهدِ الغلامَ المؤمنا صراطَ رشد وسنا
صراط مَن قد أُنْعِما عليه لامن حُرِما([125])
كما صدر له في الحديث الشريف " سبعة يظلهم الله في ظله ، وحق المسلم على المسلم وثلاثيات نبوية وغيرها .
وقد جاءت هذه المجموعة في بحور قصيرة متبعا بها أسلوب المزدوجات وهذا ما جعلها محببة إلى الأطفال فضلا عن مناسبة لغتها لهم .
كما استطاع الشاعر عبد الرزاق حسين أن يعرض عليها السيرة النبوية بأسلوب سهل وعبارات مشرقة على نحو قوله في الرسول صلى الله عليه وسلم عندماأخذته حليمة السعدية وأعرضت عنه المرضعات الأخريات لأنهن يرغبن بالأغنياء :
وبُدِّلَـْت شـِرَعٌ وراجـتِ الــبدعُ
وسادتِ الخرافةْ و الجهلُ والعَرافـة
تقول كلُّ واحدةْ أقسمت لست عائدةْ
إلا بكل يـاسـرٍ من سـادةٍ أكــابر
وقال في أخلاقه صلى الله عليه وسلم:
وكان في الأخلاق أشهى من التريـاق
وفي زواجه:
من ثَمَّ قد كان الزواجْ بزوجةٍ مثلِ السراجْ
وفي الجهر بالدعوة:
حتى دعاه في الزُّمَرْ اصدعْ رسولي وائْتَمِرْ
مضى سريعاً للصفا يدعو الجميع للصفـا
وفي إسلام عمر وحمزة:
وجاء إسلامُ عمرْ للمشركين بالضـررْ
وحمزةُ ذاك الأسدْ لدينــِه خيـرُ سنَدْ ([126])
فهذه السيرة النبوية من الشعر التعليمي، وقد جاءت في مزدوجة وكأن كل بيت نغمة جديدة تنفذ إلى القلب، وشاركت الموسيقى الخارجية في (مستفعلن فاعلن) في مجزوء البسيط أو (مستفعلن مستفعلن) في مجزوء الرجز، وهما متشابها الجرس الموسيقى، وكذلك التكرار في تصريع المزدوجة في إضفاء نغمة عذبة تمتع الأطفال وتلذهم فيتأثرون بالمضمون .
ب- القصة الشعرية للأطفال :
وهي أقاصيص ذات مغزى، وتروى على ألسن الحيوانات غالبا، وفي هذه الحكايات يقوم الإنسان والنبات والجماد بمؤازرة الحيوان ومشاركته أدوار البطولة وهذه القصص أكثر جذباً للطفل، وترسيخاً للفكرة، وإحساساً بالواقعية .
وممن نظم قصصا شعرية للأطفال محمد عثمان جلال والهواري وابن مشرف وأحمد شوقي، وكان هذا أغزرهم عطاء في هذا المجال ، إذ نظم سبعمئة وتسعة أبيات في خمس وسبعين قصة شعرية، رمز بحيواناتها إلى شخصيات بشرية، وكان قد قرأ كليلة ودمنة لابن المقفع كما قرأ خرافات لافونتين فتشكلت لديه دعائم هذا الفن، وأراد أن يبث من خلالها مضامين خلقية وتربوية واجتماعية وسياسية ، فطوعها لتناسب البيئة العربية الإسلامية والمجتمع المصري ، وحكى عن قضايا سياسية واجتماعية كحب الوطن واستغلال القوي للضعيف ، وعن التكبر والغرور والنظافة وحب العمل و ...
وكانت قصصه بسيطة وذات فكرة واحدة غالبا ، ولكل قصة بدء وعرض للموضوع وخاتمة فيها حكمة غالبا ، وعنواناتها موجزة فهي تتألف من كلمتين أو ثلاث ، وإذا حوى العنوان أسماء شخصيات فإنها تعرض في القصة حسب تسلسلها في العنوان مثل الأسد والثعلب والعجل ، وقد يحدد مكان القصة كالسفينة ، وقد يوحي لنا بقدم الحدث بقوله " كان فيما مضى " أو يبدأ مباشرة مثل " الليث ملك القفار ... " وهو يأتي في القصة بعناصر تشويق ، ويصف الأبعاد الجسمية والنفسية والاجتماعية ، ولا تطول بنية قصصه فمعظمها جاء في مقطعات ، أو في قصائد قصار لاتزيد على أصابع اليدين إلا قليلا .
وبعض قصصه يناسب الكبار لاالصغار لرموزها السياسية ومواقفها الانتقادية التي يصعب على الأطفال إدراك كنهها وفهم مدلولاتها([127]) .
ومن قصصه قصة (الأسد ووزيره الحمار) التي يقول فيها:
الليـثُ ملْك القفـارِ وما تضمُّ الصحـاري
سعت إليه الرعايـا يومـاً بكل انكســار
قالت:تعيشُ و تبقى يادامـيَ الأظفـــارِ
مات الوزير فمن ذا يسوسُ أمر الضواري؟
قال:الحمارُ وزيري قضى بهذا اختيـاري
فاستضحكتْ ثم قالتْ "ماذا رأى في الحمار؟"
وخلفتْهُ وطـارت بمُضْحِـِك الأخبـار
حتى إذا الشهرُ ولى كلَيْلَــةٍ أو نهـار
لم يشعر الليـثُ إلا وملكُـه في دمـار
القردُ عند اليميـن والكلبُ عند اليسار
والقطُّ بين يديــه يلهو بعظمـةِ فـار
فقال:مَن في جدودي مثلي عديـمُ الوقار
أين اقتداري وبطشي وهيبتي واعتباري؟
فجاءه القردُ سـراً وقال بعد اعـتذار
ياعالي الجاه فينـا كن عالي الأنظـار
رأي الرعيـة فيكم من رأيكم في الحمار([128])
فقصة أحمد شوقي جاءت على ألسنة الحيوانات الأسد، والقرد و الهر .... وقد رمزت للسلطة بالأسد دامي الأظفار وملك القفار والصحارى، ولكن هذه القوة والسطوة وحدها لا تكفي للدولة وحفظها إنما تحتاج إلى رأي سديد من حاشية متمرسة بالسياسة، فإن أحسن الملك اختيارها دام عز الدولة ومجدها، وإلا تعرضت للهلاك والدمار، وهذا ما حل بدولة الأسد حين جعل وزيرها حماراً فأدى ذلك إلى خرابها في مدة وجيزة، ذلك لأن الحمار لغبائه جعل اللاهين مساعدين كالقرد والكلب والقط، وفجأة أحس الملك الخطر يحدق به وأن مكانته لم تعد كما كانت، فأوضح له القرد أن اختياره للوزير الغبي كان سبب ما حل بالدولة ، ونصحه أن يكون ذا بصيرة رشيدة في اختيار المسؤولين .
كانت فكرة النص مما يناسب أواخر المرحلة الثالثة ذلك لأن الفكرة لا يستطيع أن يستوعبها طفل دون ذلك من العمر، وقد جاءت الحوادث في ستة عشر بيتاً ذات بداية ووسط ونهاية، فالوزير مات واحتاجت الدولة إلى وزير ينوب منابه ليساعد الملك على سياسة الرعية، ولم نر في هذه القصة حبكة فقد أسرعت بالحل والحديث عن الدمار، لكن المؤلف أطال في عرض سببه وهو اعتماد الأسد على اللاهين في الحياة ممثلاً في القرد والقط والكلب ، ثم سخر بالحاكم وانتهى إلى حكمة مستخلصة من الحياة وهي أن على المسؤول أن يحسن اختيار من سيسند إليهم مهام خطيرة .
أما الشخصيات فقد وصف أبعادها السياسية والاجتماعية والنفسية فالأسد ملك يحكم القفار والصحارى ، والرعية تذل أمامه ، ولكنه لايتمتع ببعد نظر يجعله يحسن اختيار المسؤولين في دولته ، وهذا ما أوقعه في البلاء وفي المعاناة النفسية حينما رأى الرعية لاتهابه .
وكان أسلوب القصة سهلا بكلماته وعباراته ولا نرى من صعوبة إلا قوله " كن عالي الأنظار " فالعبارة تحتاج إلى فهم لهذا المجاز ، وقد مر شوقي على الصفات مروراً سريعاً .
وأحمد شوقي يستمد معظم مادته القصصية من عوالم الحيوان و الطيور، وما تشهده من تنافس وصراع وخداع، ويتخذ من ذلك رموزاً لما يحدث في عالم البشر، فكأن ما يحدث في عالم الحيوان يشابه بقيمه وصراعاته ما يحدث للإنسان ، ومن خلال عرضه لحكاياته يستلخص العظات والعبر والحكم يختم بها قصيدته .
وفي قصته (الصياد والعصفورة) تحدث عن غلام نصب شركاً للإيقاع بعصفورة، فانحدرت هذه من الشجرة فاستدرجها الغلام بكلامه حتى جاءت لتلقط الحب فوقعت في الشرك، وختمت القصة بنصيحة تحذر من المخادعين . ومما جاء فيها قوله :
قالتْ أرى فوقَ التراب حباً مما اشتهى الطيـرُ، وما أحبَّا
قال: تشبهـتُ بأهل الخيـر وقلت أقري بائسـاتِ الطـير
قالت: فجد لي يا أخا التنسُّكِ قال: الْقُطِيْـْـه، بارك اللهُ لكِ
فصَلِيَتْ في الفخِّ نارَ القاري ومصرعُ العصفورِ في المنقار
وهتفـتْ تقـول للأغـرار مقالــةَ العـارفِ بالأسـرار
إيـاك أن تغتـرَّ بالزهـاد كم تحت ثوبِ الزُّهدِ من صياد([129])
كانت هذه القصة برموزها سبيلاً إلى تربية الطفل وتعليمه ضرورة اليقظة في الحياة وعدم الانخداع بالمظاهر ، وكان رمزها مكشوفا لايحتاج إلى تمعن مما جعل القصة تناسب المرحلة الثانية من عمر الأطفال .
ج- العروض الغنائية المسرحية الشعرية "الأوبريت":
وهي نوع من أنواع المسرح الغنائي، يؤدي فيه الأطفال حركات إيقاعية وهم ينشدون الأناشيد العذاب مصحوبة غالباً بلحن موسيقي([130]) وتتخذ هذه وسيلة للتربية الأخلاقية والسياسية ، وتنمية الذوق الفني لدى الطفل لما فيها من حركات وأصوات متناغمات وألوان جذابة .
وقد كتب الشاعر الإماراتي د. عارف الشيخ نشيداً تمثيلياً يتحدث فيه عن الانتفاضة الثانية في فلسطين سنة 2000م، وذكر فيه الطفل محمد الدرة الذي كان أول طفل فلسطيني سقط فيها برصاص العدو ظلماً وجوراً، وقد مثلت قصيدته في عرض غنائي مسرحي (أوبريت ) في الملتقى السادس للأطفال العرب في أندية فتيات الشارقة الذي كان تحت شعار (فلسطين في قلب الطفولة العالمية) ، وعرض في قناة الشارقة الفضائية،وذكر الشاعر في لقاء تلفازي سمعته من قناة الشارقة أنه أحس عندما طلب منه أن يكتب لهذا الملتقى أنه جزء من هذه الأمة وذكر الضحايا والثكالى، ووجد في هذا الملتقى فرصة للتعبير عما يجول في خاطره وقد أخرج د. يوسف الشريف قصيدته الشعرية على شكل عرض مسرحي (أوبريت)، وقسمها إلى مراحل وجعلها في أربع عشرة لوحة، وكانت كل لوحة تتكلم عن فكرة معينة، ونفذت هذا العرض مدارس الشارقة ، واختارت المشرفات لها الحركات المناسبة، ومما جاء فيها:
ألقِني ألقني في أعمق الأعمـاق يومـاً
ثم أخـرجنــي تجــدني حيـــاً
أنـــا لا أعـــرف مـــوتـاً
غيــرَ مـــوتٍ في رُبــاهــا
ليتنـــي كنـــتُ فــداهـــا
...
وطنـــي قلـــبُ العـــروبـة
آه منهم قتلوا فـيَّ ابتسـامــــاتي
سوف نمضي في فِناءِ المسجدِ الأقصى
ونحـن سـاجدون ، وأجـدادي أبـاة
آه ..... لكنا افترقنا بـعد أن فرَّقَنـا
جــــــورُ القَــــــرارْ
فتمزَّقْنــا على أيدي يهودٍ عابثين
لايــــد يــنون بديــــن
...
أيها الأقصى سأُفديك بأرواح الشبيبة
وبحولِ اللهِ يعلو دائماً صوتُ المآذن
قائـلاً اللهُ أكـــبرُ لا نُهـــادنْ
لا لمــن يسفِكُ أويفتـكُ بالأطفـال
لــن يمــــوتَ الكَـرْمَـــلُ
حتــى يستردَّ فلسطـينَ الحبيبـة
...
لا بــد أن نخـرجَ كانطلاقة الأسودْ
وفـي دمائنــا صـــلاحُ الديـن
يا أيها الغاصبُ مني موطنَ الجـدودْ
وفـــــي يدي حجـارة صمـاء
أصــــــرخ واقــدســـاه
إني حجـــرْ ... إني حجــــر
حيِّ على الجهادْ، بل حي على الفلاحْ
فاليــــومَ إنـــي ثــــائرٌ
...
يــــا دُرَّةً بيـــن الــدرارِ([131])
محمـــدٌ يـا صـرخةً رقَــدتْ،
صـــرخــت، في كـــل وادٍ
القــدسُ يا قادتَنا تنزفُ في أمتِنا
فهــل لقــدس من عمـــر؟
فـالقــدسِ أولـى القبـلتيــن
فــالقـدس للعرب والإســلام([132])
لقد اجتمع في هذا النشيد جمال المعنى والمبنى فالكلمة صادقة معبرة وقادرة على إثارة المشاعر ، إنها صرخة شعرية مع صرخة أطفال الحجارة شارك فيها أطفال عاشوا الظروف ورأوا بأمات أعينهم كيف يقتل الصغار ، وتسيل دماؤهم برصاص المعتدين الصهاينة فكانت صرخة الشاعر وتعبير الصغار رسما لواقع الأمة التي تحتاج كما يقول الشاعر إلى صلاح الدين أو عمر . يقول د. عارف الشيخ في اللقاء معه إنه كان متأكدا من أن الأطفال سيبدعون فيه لأنهم يعيشون هذه الأوقات والأحوال .
وقد جاء هذا العرض الغنائي في تراكيب قوية على موسيقى البحر الكامل، وفيه كلمات تزيد حصيلة الطفل اللغوية مثل " نخرج كانطلاقة الأسود " و " في دمائنا صلاح الدين " أي روح الثورة على المعتدين ، و" في يدي حجارة صماء " .
و من العروض التمثيلية التي تتحدث عن قضايا اجتماعية قصيدة كتبتها الكاتبة الإماراتية صالحة غابش بعنوان " افتح يا([133]) " ومثلتها مراكز الطفولة ، وهي تتحدث عن ضرورة قضاء أوقات الفراغ بالقراءة .
يبدأ العرض بالمشهد التمهيدي وفيه يشير إلى أمر هو أحلى من طموح علاء الدين ومن كنوز علي بابا ، ومن حكايات الأجداد والآباء لأنه يثري الإنسان، ولذلك فعلينا أن نفتح له الباب لنرقى ونحقق في المدى سبقا .
ثم يدخل جني يبحث عن صديقه علاء الدين ، وكان هذا الجني يعيش في مصباح يملكه علاء الدين ، ويسمع الجني صوت سندباد ملك البحار الشهير الذي يخبره بأنه يعرف مكان علاء الدين ، ويأتي بخريطة يرى فيها بيت علاء الدين الذي لايفتح إلا بكلمة سر هي اقرأ ثلاث مرات ...
وتفتح بوابة البيت في المشهد الثاني ويرى داخلها مجموعة من الجرار خلفها صغار وقد فرحوا لفتح الباب ،وكانوا بملابس مدرسية فمزقوا مامعهم من أوراق وكتب وهم يرددون :
انتهى الامتحانْ مزِّقــوا كل كتاب
انتهى الامتحان لاسؤالَ ولا جواب([134])
فتعارضهم مجموعة أخرى فيها معلمة وسندباد والجني وبعض الطلبة ويقولون :
لاتمزقْ .. لاتقطِّعْ إنه خيـرُ الصحـابْ
ليس في فعلك خيرٌ ليس فيه من صوابْ
كيف تنهلُ منه نورا ثم تسقيـه يبــاب
لاتمزق ... لاتقطِّع كنْ رفيقـا بالكتـاب
ويظهر علاء الدين ليندد بمن يمزق الكتب ويقول : " إن هؤلاء الذين يمزقون العلم يسرقون جهود العلماء والمعلمين ويضيعون حضارة ، كما تظهر شخصية علي بابا ليشجع على ترك العلم بحجة ضرورة الراحة بعد عناء عام دراسي طويل ، ويطرد سندباد فيقول هذا سأخرج من مكان الكسلانين والمهملين والجاهلين ، ويقول :
مَن يعرضُ عن علمٍ نافعْ
من يلقي كتابا في الشارع
من لايقرأ نورا ساطع
ماذا نسميه ؟
نداء تظاهري : مهمل ... كسلان ... وجاهل .
ويطرد علاء الدين الكسالى، وتجمع أوراق الكتب المتناثرة فيغلق علي بابا دونهم الباب وفي المشهد الثالث يدخل علي بابا أطفالا في جرار فيتساءلون عن هذا الظلام الذي حلوا فيه فيقول في نفسه : هو مظلم مثل جهلكم ، ثم يوجه إليهم قوله : يا أحبائي ستحصلون على النور .. الذهب .. الذهب ، ويسأله أحدهم : كيف سيحصلون عليه ؟ فيقول علي بابا في نفسه : إنهم بدؤوا يفكرون ، ثم يقول لهم : ستحصلون عليه فجأة كالنور الذي يفاجئ الظلام .
وفي المشهد الرابع يدخل الجني على علاء الدين وهو يقرأ ، كان الجني فرحا لأنه انطلق حرا ، فعلي بابا الذي سرق المصباح ظن أنه من أثمن أنواع الذهب فأخرج الجني منه، فغضب علاء الدين لأن علي بابا أخذ المصباح وعزم على استرداده حتى يضيء الظلام من حوله ، ويطلب علاء الدين من المجموعة أن تعطيه أوراق الكتب مقابل أن يصحبها إلى معرض الكتاب ويقول علاء الدين عن المصباح إنه ينقلنا من عتمة جهل ، يأخذنا لجنان الكتب
وفي المشهد الخامس يعبر الصغار عن حبهم للمطالعة :
أنا هنا في معرِضِ الكتاب أجول في زيارةِ الصحاب
كأننـي فراشةٌ جميلــةْ تحطُّ فوق أزهار الرحاب
وتقتطف منه علوما شتى عند الذهاب أو عند الإياب
رائعـةٌ أوقاتي حين أقرأ ورائــعٌ يامعرِضَ الكتاب
ويشتري علاء الدين كتبا ، وتحاول مجموعة الجرار رميها فيطردهم علاء الدين وجماعته ويقول : الحمد لله ، انتصرنا عليهم ، انتصرنا على الجهل ، ثم يقول عن الجهلة : عليهم أن يبحثوا عن المصباح الحقيقي ، العلم ، ومن دون القراءة لايتحقق العلم ، ولا يكون هناك مصباح يضيء الحياة ، وينادي الجني " اقرأ " ثلاث مرات فتفتح البوابة ويرمز إلى أن الكنز هو " اقرأ " وينشد الجميع عن القراءة :
" هي أحلى من طموح علاء الدين
هي أغلى من كنوز علي بابا
معا نقرأ .. معا نرقى
نحقق في المدى سبقا "([135])
وتعرض لوحة ختامية ويُنشَد :
ابحـرْ ابحر في علم ابحر في نور الآيةْ
ابحر في صفحةِ فكرٍ أو في شعرٍ ورواية
اقرأ تعرف تاريخك اقرأ فالحرف وقاية
للعلم دعانا الخالق لقراءتنا هو غايـة
معــا نقـرأ معـا نرقى
نحقق في الـ مدى سبقـا([136])
وتظهر لوحة فيها الآية الكريمة " اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم([137]) "
تبين هذه المسرحية الغنائية أن العلم هو المصباح الحقيقي الذي يضيء الطريق وينور العقل والقلب ، وينقل المرء من عتمة الجهل إلى ضياء الحياة ويحقق السبق فيها .
وقد انتصر العلم على الجهل في نهاية المطاف ورأى المشاهد أهمية القراءة والمطالعة ، فهي تعرف مافعله الأجداد ، وهي عبادة دعا إليها المولى تعالى، وهذه المعاني المجردة عن أهمية العلم قدمتها الكاتبة بأسلوب شيق جذاب فيه حركات إيقاعية ونغمات طربات وأشكال وألوان ، وقد تمكنت الأديبة ببراعة من ربط الماضي بحضارته وأساطيره وأخيلته بالحاضر لعرض فكرة عن الواقع المعاش وهي إعراض الأطفال عن القراءة .
وجاء النص بالعربية الفصحى بعبارات جميلة ، إذ كان كل مشهد أو لوحة كما سمته المؤلفة لوحة فنية بديعة فيها نقرأ مثل : العلم أحلى من طموح علاء الدين ، وأغلى من كنوز علي بابا ، ومن حكايات الأجداد، والكتاب ينهل منه النور ، ويسقي الحقيقة ، وهي تعجب من الإنسان يسقي الكتاب الهلاك ويجعله في السراب ، وكانت هذه الصور المجازية ترسخ الفكرة وتثري لغة الطفل وقاموسه اللغوي وبذلك يدرك الطفل المشاهد أن القراءة هي المصباح الذي ينير دروب الحياة .
ثالثاً: سمات الشعر الطفولي
الطفل يقبل على الأناشيد ويترنم بها مندفعاً إليها بفطرته الصافية مردداً نغماتها وإن لم يفهم معانيها، ولكن ما إن يشب حتى يتعلق بالفنون الأدبية الأخرى من قصة ومسرح تلفازي غالباً، ولعل السبب في ذلك أن البيئة المحيطة به تنظر إلى الشعر على أنه وسيلة لهو للصغار بعيد عن أثره في تقويم شخصية الطفل بمضمونه، ولغته، وجمالياته.
إن الشعر تعبير فني هادف عن تجربة شعورية يحسها الأديب تجاه أمر ما، ويريد أن ينقل هذه المشاعر والأحاسيس إلى الأطفال في مضمون وعبر ووسيط يناسب مراحل نموهم، وفي لغة جذابة مشرقة تحوي جرساً عذباً وإيقاعاً حلواً.
ومما لا شك فيه أن هناك فرقاً شاسعاً بين شعر الكبار وشعر الصغار في مضمونه وشكله.
1. من حيث المضمون : شعر الصغار له مزايا في مضمونه لا تخرج عن سمات أدب الأطفال عامة في المضمون، من حيث الحفاظ على الأهداف الدينية والوطنية والتربوية والتعليمية ومن حيث الإفادة من البيئة المحيطة بالطفل ليتعلق بها ويستوعب قيمتها ويعتاد عليها.
2. ومن حيث الشكل الفني : يجب أن يكون النص قصيراً، ويتدرج بالطول حسب مراحل العمرن وأن تتوفر فيه العناصر الفنية من تصوير ولغة وموسيقى مما يتناسب مع الطفل :
أ) فالصورة الشعرية أساس في شعر الأطفال لأنها تنمي مداركهم وقدراتهم على التفكير والتصور كما تنمي ذوقهم الأدبي.
ويجب أن تكون الصورة محركة للمشاعر، قريبة من حواس الطفل وبيئته، مرتبطة بخبراته، وأن تكون حيوية ليستطيع الطفل التحليق بها بخياله متجاوزاً الزمان و المكان.
لنقرأ هذا التصوير الجميل للأب ، إنه في نظر الطفل أطيب عطر في الوجود لأنه يغدق عليه حنانه ويسعده ، وهو إنسان نبيل فاضل محسن للناس محب للعلم:
يانسمـةً تمرُّ بـي خذي فؤادي واذهبي
أقدمك عطــراً هديـةً إلـى أبــي
...
أبي الحبيب الطيبُ من كل عطرٍ أطـيب
حضـورُه سعـادةٌ وقلبـُـه محبـــب
...
أعيـش أرجو ودَّه وبالهنا أدعـو لــه
أبي ويكفي أنــه أبـي لكـي أحبــه
...
يضمُّني لـصدره والبسمـة في ثغــره
حنانه أحسـُّــه في نهيِـه وأمــره
...
يحيا كريماً مؤمناً بالخير يسعى محسنـاً
إن كنتِ لم تصدقي فلتسألي جيراننـــا ([138])
فالشاعر هنا يصور الأب في صور خيالية مرة وواقعية أخرى ، فهو يشخص النسمة لتحمله على أجنحتها إلى أبيه الحبيب ليشتم روائحه العطرة بأخلاقه الفاضلة، إنه يضمه لصدره ويبتسم له، ويحسن إلى الناس ويسعى إلى مستقبله.
وهذا التصوير الواقعي والخيالي يجتمعان ليقدما صورة محببة للأب فينشأ الطفل على حبه والإعجاب به.
وهذا نشيد آخر وطني، ولكنه مليء بالتصوير الجميل الذي يحرك مشاعر الطفل إذ تدغدغ مشاعره في الحلم صورة البطل خالد بن الوليد بوجهه المنير كالنجم :
أنا طفل أسمَوْني شادي ولـدٌ من بـــاقي الأولاد
أدرس دومـاً في الكتبِ عن مجدِ الأجـدادِ العُرُبِ
وأفاخر دومـاً ببـلادي أنا طفلٌ أسمـوني شادي
...
يأتيني خالدٌ في الحـلم وضاحَ الطلـعةِ كـالنجم
وأفاخر يا وطني بـهمُ مَن سـادوا الدنيـا بالعلم
هم يوماً كانوا أجدادي أنا طفـلٌ أسمَوْني شادي([139])
ولنقرأ هذا التصوير البديع للنحلة ، إنها تنتقل من زهرة إلى زهرة لتمتص الرحيق ثم تقدمه عسلا حلوا للصغار :
حطت نحلةٌ فوق الزهرةْ شربَتْ من مبسمِها قطـرةْ
شكرتْها ومضتْ في فرح تبحث عن صاحبةٍأخـرى
زارت كلَّ حقـولِ الزهر شربتْ من ألـوانِ العطر
قالت في فـرح و دلالٍ أهدي أحبابـي الأطفــال
أهديهم في كل صبـاحٍ عسـلاً حلـواً كـالأفراح([140])
وهذه الحركة والحيوية وتشخيص الحيوان والزهر مما يناسب الطفل في المرحلة الأولى ويحبب إليه الأناشيد ومعانيها .
ب- اللغة الشعرية:
وهي الوعاء الذي تصب فيه الصياغة ، الألفاظ والجمل والتراكيب ، ويجب أن تكون:
1-فصحى وذلك لنحافظ على هويتنا وحضارتنا وتراثنا.
2-وأن نبعد ألسن أطفالنا عن الأخطاء التي تقال للضرورات، لأن الطفل لا يميز فيما يقرؤه من أخطاء بين ما جاء للضرورة الشعرية أو لغير ضرورة ، فمثلاً حينما نقرأ في مجلة أسامة السورية للأطفال :
أكتب إسمي فوق السطر
هيا ركضـي كالمـهرة
أو نقرأ :
منها الفحم ومنها الحطبا
منها الزينة منها اللعبـا
أو نقرأ :
يأتـي زمـن أفضــل
الطفـل يزقزق والبلبـل([141])
نحس ضعف الأبيات لأن الشاعر في المقطومة الأولى قطع همزة الوصل في (اسمي) للضرورة الشعرية وحذف همزة الوصل من فعل الأمر (اركضي) وكان عليه أن يكتبها وهي لا تقرأ في درج الكلام. وفي الثانية نصب (الحطبا) وحقها الرفع وكذلك (اللعب)
ولا شك أن بعض هذه الأخطاء كان من أجل الضرورة الشعرية ولكن الطفل الذي يسمع أو يقرأ لا يعرف الصحيح من الخطأ فيتعود لسانه على غير القياس العربي.
3-أن تكون سهلة بسيطة يفهمها الطفل، لتكون أكثر تأثيراً ، ثم تتدرج وتزداد الحصيلة اللغوية شيئاً فشيئاً مع سماع الشعر وتذوقه.
4-أن تكون العبارات قصيرة ويسهل نطق حروفها وأن ينطقها بشكل سليم.
5-أن يكرر بعض عباراتها وألفاظها ليزيد في قوة تأثيرها وتوضيح معانيها، وترسيخها في القلوب والعقول على نحو قول الشاعر محمود مفلح في حديثه على لسان الفتاة المسلمة:
أنا فتـاةٌ مســلمةْ ذكيــةٌ محتشِمـــةْ
عرفْتُ دربَ عزتي دربَ الهدى والمَكْرُمَـةْ
أنــا فتــاةٌ مسلمـــة
دستوريَ الـقرآنُ ونهجــيَ الإيمــانُ
ودينيَ الإســلامُ وذاك ديـنُ القيـِّـمَة
أنـا فتــاةٌ مسلمـــة
أسيرُ في حجابي عزيــزةَ الجنــاب
أسير فيه حـرةٌ كريمــةُ الإحسـاب
أنــا فتــاةٌ مسلمـــة ([142])
فالشاعر كرر عبارة أنا فتاة مسلمة والتزمها في الشطر الخامس من مقطوعاته الخماسية الأشطر، كما كرر (درب والدين وأسير) وذلك كله ليرسخ فكرة المسلمة التي تسير في حياتها في طريق مستقيمة .
6-أن تكون الألفاظ حسية، ونتدرج مع الطفل في مراحل عمره حتى يفهم الكلمات المجردة والرمزية، فمن المحسوسات قول الشاعر أحمد شوقي في الرفق بالحيوان:
الحيــوانُ خَلْــقٌ له عليـكَ حـقٌ
سـخـره اللهُ لــنا وللعبـادِ قبلنـا
حَمــولةُ الأثقــال ومُرضعُ الأطفال
ومُطعـمُ الجمــاعة وخادم الزراعـة
من حقِّهِ أن يُرفَقــا به وألا يـُرهَقـا
إن كلَّ دعْـه يسترحْ وداوِه إذا جـرح
ولايجـُـعْ في داركا أو يَظْمَ في جواركا
بهيمـةٌ مسكيــنُ يشكو فلا يبيـن
لسانــُه مقطـوعٌ ومـاله دمـوعٌ([143])
7-أن تحتوي اللغة عبارات من القرآن الكريم والحديث الشريف لما فيها من متانة الأسلوب وجمال التعبير والتصوير ، وهي عوامل جذب للطفل وذات أثر في تنمية العقيدة والوجدان لديه ، ففي قصة الثعلب والديك لأحمد شوقي نرى الثعلب يقول:
بـرز الثعلـبُ يومــاً في شعارِ الواعظينا
فمشى في الأرض يَهذي ويسبُّ الماكرينـا
ويــقول الحــمدُ لله إلـهِ العـالمينـا
يا عبـادَ الله توبــوا فهْو كهف التائبينا([144])
فالشاعر أفاد في هذه المعاني والألفاظ الدينية من القرآن الكريم والحديث الشريف على نحو: الماكرين، الحمد لله، إله العالمين، يا عباد الله، توبوا، التائبين.
8-أن يتنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء ، وبين الأسلوب الهادئ والانفعالي على نحو قول صالحة غابش في مسرحيتها " نحن وهويتنا " على لسان الهاتف النقال :
وأغانٍ أرهقَتْني
ومشاهدُ قتلتني
أثقلتني من طريق ضُيِّعَت فيها القيم
من جنونٍ وفراغ فيهما راحت قيم
وتقول على لسان الكتاب في استفهام إنكاري امتزج مع الجمل الخبرية :
لو يسمع الغربي ما نحكي عن الحرف الغريبْ
سيقــول عنا إننا عربٌ كلامــهم عجيـب
أوَتَمـزج اللغة التي قـد جئـت من أوطانها
بكــلام أوطانٍ أخر لاتنتمـــي للسانها([145])
فتنوع الأسلوب أضفى على النص شعورا بالإنكار ، وهذا مايؤدي إلى تحريك الوعي نحو اللغة العربية فيسعى الطفل إلى التمسك بها .
ج- الموسيقا الشعرية:
الأطفال ميالون إلى الإيقاع، فإن ربتت الأم على صدر صغيرها برقة أنس إلى الإيقاع، وإن غنت لهم سر وارتاح . وشعر الأطفال يؤدي بأبحر مجزوءة أو قصيرة النغمة أو أبحر راقصة، ليتذوق الطفل بإيقاعه هذا الشعر، وليدخل على قلب البهجة والفرح، ومن الأبحر التي تصلح للطفل المتقارب والمتدارك والهزج فضلاً عن الأبحر المجزوءة في وزن البسيط والكامل و الرجز والخفيف و الرمل، وكان العرب في الجاهلية يعدون الرجز للغناء لا للشعر الرسمي كما يعدون الرمل بحر التصفية الشعرية ومجزوءات الأبحر ذات إيقاع قصير ونغمة محببة، لنستمع إلى قول الشاعر إبراهيم أبو عبادة وهو يترنم بإسلامه:
أنا مسـلمٌ أنا مسـلمٌ أنا مسـلمٌ رغمَ العِـدا
أنا مسـلمٌ أنا مسـلم روحي لإسـلامي فـِدا
أنا مسـلم يا إخوتـي سأقولُها طـولَ المـدى
أنا مسـلم بعقيدتـي أحمي البلادَ من الـردى
أنا مسلم أجد السعادةَ فـي طريقـي والهـدى
أنا مسـلم هذا نشيدي سـوف أبقـى منشـدا
أنا مسـلم أنا مسـلم أنا مسـلم رغـمَ العـدا([146])
أرأيتم أحلى من هذا الإيقاع على مجزوء الكامل، وقد ساعد التنوين والتكرار في (أنا مسلم) على زيادة الإيقاع وجاء حرف الروي (الدال ) ليشير إلى امتداد القوة والعزة في نفسية هذا الطفل المسلم.
وهذا نشيد آخر في موشحة([147]) غنائية على بحر مجزوء الرمل وقد التزم شاعره تكرار القفل (لازمة) بعد كل ثلاثة أشطر:
يا بلادي أنتِ عنـدي أجملُ البـلدانْ
فـيك أشجـارٌ بهيَّـة
فـيك أزهـار زكيـة
فـيك أثمـار شهيـة
يا بلادي أنت عنـدي أجمل البـلدان
لـك فـي كـل فؤادِ
كلُّ حـــبٍّ وودادِ
فأنـا اليـوم أنـادي
يا بلادي أنت عنـدي أجمل البلدان([148])
ونلاحظ أن تكرار اللازمة في قفل هذه الموشحة الطفولية أضفى على النغمة جرساً عذباً، وكان لنغمة (فاعلاتن فاع) في آخر الشطر الثاني من اللازمة إضافة إلى روي النون المردوفة فيه أثر موسيقي محبب لدى الصغير والكبير، ثم كان التزام الروي في البيت وهو الياء المشددة الموصلة بالهاء في البيت الأول من الموشحة، والتزام الدال المردوفة في البيت الثاني مما يعطي الموشح نغماً عذباً.
وهذا نشيد للأطفال على البحر المتقارب للشاعر أحمد محمد الصديق يقول فيه:
أحـب الـرسـولَ النبـيَّ الأمينْ
أحـب الصحـابـةَ والتـابعيـنْ
وأهل البطـولاتِ والفاتحيــنْ
ومَن أصلحوا الناسَ دنيا وديـن
وبالحقِّ سـادوا على العالميـن
...
أولئك هم فـي الأنـامِ الـهُداة
يقـودون للمجـدِ ركبَ الحياة
أولئـك في الأرض جندُ الإلـه
شموسُ الهدى والأسودُ الحُماة
وتشمخ بالـحق منا الجبـاهْ([149])
إنه بحر طرب يدخل البهجة والفرح إلى نفوس الصغار، وهم يترنمون بحبهم للرسول صلى الله عليه وسلم وحب صحابته الكرام الذين بنوا الأمجاد وهدوا البشرية وكان لنا بجهودهم عز عظيم.
وجمل هذا النشيد قصيرة بعيدة عن المجازات الإ ما هو مشهور كالهداة والأسود الحماة، وكان لروي النون المردوفة بالياء في المقطع الأول والهاء المردوفة بالألف في المقطع الثاني جمالهما ورنينهما إذ يشعر الطفل بهما بالطرب والبهجة والمرح وبذلك ينمو تذوقه الأدبي، ويتعلق بلغته العربية المحببة إليه.
وأحب أن أبين أن الطفل يعجب بالشعر الموزون المقفى ذي الأنغام القصيرة أو بمتعدد القوافي في نظام كالمزدوجات والمثلثات والرباعيات والمخمسات، ولكن هناك نماذج شعرية جاء فيها شعر الأطفال غير مقفى ، وتكثر في العروض الغنائية ، وكان كثير منها موفقاً ، و لعل سبب جماله هو اعتماده على عناصر موسيقية متعددة ، منها إيقاع الحروف الداخلي، ومنها الموسيقى المرافقة كما في العروض المسرحية الغنائية للأطفال ،ومن الشعر الحديث الموفق قول الأديبة صالحة غابش في ( افتح يا ) :
" معقول ما أرى ؟
ماذا جرى ؟
كتب تمزق هكذا !!
كتب تبعثر في الطريق
وهي الصديق !! "
فالكاتبة لم تعتمد على نظام الشطرين وإنما على نظام الشعر الحديث أو الحر ، وجاءت بعناصر موسيقية أخرى كتكرار الروي " ى " ، وحرف القاف المردوف بالياء ، وتكرار " كتب تـ " وهذه العناصر أدت إلى وقع موسيقي عذب
وأخيرا .
1-يجب أن نقدم للأطفال أنواعا متعددة من الشعر النشيد والأغنية والفنون الشعرية الأخرى كالقصة والمسرحية والعروض الغنائية مراعاة لنوعيات الأطفال .
2-يجب تنمية تذوق الطفل للشعر عن طريق المدرسة والبيت بأن يُسمَع الطفلُ الشعر ويشرح له ليتذوقه ، وأن تبين له مواطن الجمال ، وكلما ازدادت ألفته للشعر أحبه وأحب لغته .
3- وأن يشجع الطفل بجوائز تشجيعية إن أحسن إلقاءَه وفهمه، أو حاول أن يكتبه بنجاح، وذلك ليقضى على نفور الطفل من هذا اللون الأدبي المهم([150]).
الفصـل الرابـع
فنـون أدبيـة أخـرى لـلأطفـال
فن المقالة والخاطرة والمواعظ والأدعية
الفصـل الرابـع
فنـون أدبيـة أخـرى لـلأطفال
فن المقـالة والخـاطرة والمواعـظ والأدعية
أأ
أولا : المقالة :
المقالة فن أدبي ينطلق فيه كاتبه وهو يعرض رأيه أو آراء الآخرين في قضية ما بطريقة مبسطة وموجزة، على أن يلتزم الكاتب حدود الموضوع الذي يعالجه . وتقوم المقالة الصحفية بهذه المهمة من خلال شرح وتفسير الأحداث الجارية والتعليق عليها بما يكشف عن أبعادها ودلالاتها المختلفة،وبما ينسجم ومرحلة النمو التي تقدم إليها المقالة،وهو غالبا المرحلة الثالثة .
والمقالة تفيد الطفل في تعليمه الانطلاقة في التعبير والدقة فيه .
وتتنوع المقالة بين أدبية وعلمية وسياسية ومقالة الرحلة.
ويقوم منهج المقالة على مقدمة وعرض وخاتمة :
1-المقدمة :
وهي تمهد للفكرة، ويجب أن تكون موجزة، وأن يكون عنوانها قصيراُ ومشوقاً ومهيئاً للقارئ لتلقي الفكرة وفي المقالة الموضوعية يجب أن يكون دالاً على مضمونها .
2- العرض :
يفصل فيه الكاتب الفكرة ويبسط فيه الموضوع بشكل دقيق علميا , ويفضل أن يكون الموضوع من الثقافة العامة أو من البيئة التي تقدم لها المقالة ، ويأتي في العرض بأدلة مقنعة للأطفال، وقد يأتي بآيات قرآنية وأحاديث شريفة ونصوص شعرية أو نثرية يبرهن بها على رأيه.
3- الخاتمة :
يقرر فيها المعنى الذي عالجه الكاتب في عرضه له ويوجز الفكرة التي توصل إليها. ويجب أن ندرب الصغار على كتابة المقالة والاستشهاد لها من المصادر الأخرى.
وأسلوبها يجب أن يكون بسيطاً ينسجم المرحلة التي تقدم لها المقالة، ويجب أن يزيد في ثروة الطفل اللغوية .
ويكثر استخدام المقالة الطفولية في المجلات التي يشارك فيها الصغار بما يسطرون، ويجب على المربين أن يشجعوا الطفل على الكتابة فيها ليتفتح وعيه وليستقيم فكره ، ويصبح أدق ملاحظة وأعمق تأملاً في الحياة وتكيفاً فيها وتعودا على النظام لأن الكتابة في المجلات تحتاج إلى الالتزام بالمواعيد ولا سيما إن كانت الكتابة تتعلق بمناسبة ما ، كما تطوع الكتابة لغة الطفل ويهذب أسلوبه من الشوائب بكثرة المران .
وفي مجلة ماجد صفحة للمشاركين في هذه المجلة، وهم ينشرون أسماء من كتب لهم ومقالاتهم التي يخطونها خبرا كانت أم معلومة جديدة .
وقد تعرض المقالة في عمود الافتتاحية وغالبا مايحمل العمود اسما مستعارا مثل لبنى وسمير، وتمتاز المقالة الافتتاحية بالسرعة في التعبير والتفكير ، وهي تتحدث عن قضية مهمة تشغل الرأي العام كحرب ما أو وفاة عظيم أو أديب ، وهي تحتاج إلى مقدرة لغوية وإلى حاسة تاريخية واجتماعية تجعل الكاتب يستطيع الاندماج في الظرف وتقديمه بشكل مناسب للطفل .
وهناك وسطاء للمجلات ينقلون إليها الأخبارالتي تهم الأطفال ، ويجرون تحقيقات صحفية كما تفعل مجلة ماجد وسمير ، وقد أجرت الثانية تحقيقا حول الإمارات العربية المتحدةعرفت فيه بهذه الدولة جغرافيا وحضاريا .
ومن المقالات الثقافية المناسبة لأطفال المرحلة الثالثة ماورد في مجلة تسالي حول الحديث عن أسواق العرب ، وقد جاء فيها :
" تطورت الأسواق التجارية عند العرب القدماء فلم تكن تقتصر على البيع والشراء بل تعدت ذلك إلى أن أصبحت مكانا مناسبا للمناسبات الاجتماعية والسياسية والأدبية ، فقد كان العرب يحلون بها الخصومات ويعقدون الاتفاقيات والأحلاف ، ويفدون الأسرى ، وفيها تقام الأعراس وإليها يأتي الشعراء والأدباء فيعرضون نتاجهم من الشعر والخطب وفيها كانت تتم الدعوة الدينية كما كان قس بن ساعدة الإيادي يصنع وكما فعل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما زار سوق عكاظ ودعا الناس إلى دين الإسلام وكلمة التوحيد .
تقع سوق عكاظ في الحجاز خلف جبال عرفة إلى الجنوب الشرقي من مكة في الطريق إلى مدينة الطائف في واحة مستوية فيها مياه ونخيل وخضرة .
وكانت قبيلة هوازن تحمي السوق في القديم لأنها تقع في أراضيها ، وكانت القبائل الأخرى ترتادها كل سنة ومن هذه القبائل قريش وغطفان وخزاعة وخزيمة وغيرها .
كانت سوق عكاظ كبيرة تقام في كل سنة من أول شهر ذي القعدة إلى منتصفه وربما تتأخر إلى بداية شهر ذي الحجة ، وكان زوارها يقيمون في منازل خاصة تقام لهم على مسافة من السوق وترفع عليها راياتهم ، وكان لكل قبيلة رئيسها ووجهاؤها الذين يقضون في الخصومات بين أفراد القبيلة وأفراد القبائل الأخرى .
ومن أشهر القضاة والحكماء في الجاهلية الذين كانوا يقصدون سوق عكاظ أكثم بن صيفي " الذي كان مضرب المثل في النزاهة والعدل والحكمة وحب الخير للناس ...
كانت سوق عكاظ منبرا لتبليغ الناس الأمور المهمة ، وكان هؤلاء يحملون الأخبار التي يسمعونها إلى ديارهم ، وكانت السوق مجالا لإطلاق الألقاب على القبائل والأفراد وكانت مصدرا معرفيا مهما ومركزا رياضيا لإقامة المباريات في الفروسية وسباق الخيل والمصارعة وغيرها ، وفي سوق عكاظ كان الناس يعرضون أشعارهم على قبيلة قريش فما قبلته قريش كان مقبولا ، وما رفضته كان مرفوضا ...
استمرت سوق عكاظ نشيطة تستقبل التجار والوجهاء والشعراء والأدباء أكثر من مئتي سنة فقد بدأت قبل الإسلام بسبعين سنة وبقيت بعده حتى سنة 149هـ "([151]) .
هذه المقالة لها مقدمة وعرض وخاتمة :
فالمقدمة تحدثت عن الأسواق التجارية قبل الإسلام ، ومهدت للحديث عن أشهر هذه الأسواق وهو سوق عكاظ
وفي العرض بين الكاتب موقعه الجغرافي وزمن انعقاده وأشهر مايجري فيه , ومن يقضي فيه ومن يعرض أشعاره وبين أهميته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأدبية ،ورعاية قبيلة هوازن للقادمين إليه والرايات العلامات التي ترمز إلى كل قبيلة على نحو مانراه في المعارض الدولية اليوم .
وفي الخاتمة تحدث عن نهاية زمنه بعد الإسلام بنحو قرن ونصف .
وكان العرض مؤيدا بشواهد عن الحكماء وطريقة قضائهم كما في الحديث عن النابغة الذي أثنى على الخنساء .
وقد خلا المقال من المحسنات والزخرف القولي لأنه مقال موضوعي يتحدث عن قضية علمية يريد أن يعرف الطفل القارئ العربي عليها ،ولذلك وجدت مصطلحات علمية على نحو أسماء الأشهر مثل " ذي القعدة وذي الحجة " وأسماء الشعراء والحكماء مثل أكثم بن صيفي والخنساء والنابغة ، وتحديد البيئة المكانية والمدة الزمنية لسوق عكاظ ... ، وكانت عباراته فصيحة وجمله محكمة تناسب الأطفال في المرحلة المتأخرة من الطفولة .
ثانيا : الخاطرة:
وهي تشبه المقالة إلا أنها قصيرة وسريعة كلمح البصر وتؤدى بأسلوب عاطفي ثائر غالباً، وقد تجنح إلى الهدوء أحياناً
وبلغ بعضها لقصره أسطراً لا تتجاوز أصابع اليد، وهي أفكار مفككة متناثرة هنا وهناك، وإن جمع بعضها إلى بعض موضوع معين .
وليس في الخاطرة مجال للأخذ والرد، ولاهي تحتاج إلى أسانيد وحجج قوية لإثبات صدقها بل هي أقرب إلى الطابع الغنائي، هي لمحة ذهنية بمناسبة حادث عرضي تحمل مشاعر الطفل تجاه قضية ما وتلفت الانتباه إلى ما حدث في الحياة من أمر له دلالة كبيرة([152])
ولا يعني قصر الخاطرة اقتصارها على موضوع ما، فهي تتحدث عن الدين والثقافة والأمور الاجتماعية والسياسية من وجهة نظر الأطفال الذين هم في الغالب من أواخر أطفال المرحله الثالثة.
وقد تحمل الخاطرة خبرا أو معلومة جديدة أو جوابا عن سؤال ما ، وقد تكون للتسلية والترويح عن النفس .ويختلف الخبر الصحفي للأطفال عن الكبار في طريقة الصياغة والقالب والمضمون ، وهو ينشر لإشباع حب الاستطلاع عند الأطفال ، والخواطر عامة من أمتع الفنون الأدبية التي تستهوي الأطفال .
ومن الخواطر ماكتب باسم نورا تحت عنوان مفكرتي الحبيبة:
" بدأتُ منذُ ثلاثةِ أشهرٍ بكتابة المذكّرات على مفكّرتي الحبيبة ، لقد شجَّعتني أوراقها الورديّة على الكتابةِ بخطٍ أجمل والانتباه إلى أخطاء اللغة والإملاء ، وحثتني على البحث عن الكلماتِ والجمل والأفكار الأحسن ، كما علّمتني صديقتي الحميمة كيف أكون صريحةً مع نفسي وصادقة في تسجيل الأحداث كما حدثت لاكما أتخيلها ، وعوَّدتني أن أناقش أفكاري ومشاعري وأحلامي لأصلَ إلى نتائج صحيحة تساعدني على حل مشاكلي من دون تدخُّل الآخرين .
مفكرتي هي الأقدر على كتم أسراري لذلك حرصتُ على إخفائها ... إلى أن وجدتها أمي ... لقد قرأت بعض صفحاتها وجاءت لتناقشني ببعض أفكاري التي لم تعجبها ، أمي لطيفة جدًا ومُتفهِّمة
... لقد أحسستُ بأنها ترى ما يدور في رأسي من أفكار ، وأنها كشفتْ مشاعري واقتحمتْ أحلامي التي لاأحب أن أبوح بها لأحد .
فسألتها أمي لماذا فعلتِ ذلك وأنت التي علمتني أن لاأَفتح الرسائل الموجهة لغيري ، وأنَّبتني أكثر من مرة عندما تدخلتُ في شؤونٍ لاتعنيني ؟!
ردت علي بكل هدوء : لكن شؤونكِ تعنيني ياصغيرتي وأنا المسؤولةُ عنكِ .
فكرت قليلا فيما قالت ، نعم معها حق إنها أمي وهي أحقُّ من المفكرة باسراري لأنها تنصحني وتوجهني نحو الأفضل ، أمي تعرف مالا أعرفه وتميز الحلال من الحرام والخير من الشر وما يجوز وما لايجوز، وهي الوحيدة التي يحقُّ لها مراقبتي .
مفكرتي العزيزة لقد خَلقتِ لي مشكلة لأنني ابتعدتُ عن أسرتي لأملأ أوراقكِ المعطّرةِ ، لن أهجر الكتابة لكنني سأستشير أمي دائما لأنها مرشدتي في الحياة([153]) " .
هذه خاطرة سطرتها طفلة لتعبر عن عواطف شتى ، فهناك الرغبة في الحفاظ على خصوصيات الفتاة ، والحزن والخجل عندما اطلعت الأم على مفكرة ابنتها ، والإعجاب بالأم الناصحة التي تعرف الحلال والحرام ،وتميز بين الخير والشر .
وقد كتبت بأسلوب سهل بسيط إذ لم نر مايحتاج إلى شرح ، وحوت جماليات تعبيرية وتصويرية من غيرما تكلف ، فهناك التوازن الموسيقي بين " تميز الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، وما يجوز وما لايجوز " ،وقد أضفى هذا التوازن نغمة محببة ، وفي هذه العبارات أيضا طباق أوضح القضية ، وبالضد يظهر حسنه الضد , وهناك التصوير المحمل بعواطف شجية في " ترى مايدور في رأسها من أفكار" و " كشفت عن مشاعرها ، واقتحمت أحلامها "، الذي جاء في استعارات تجسيمية وتشخيصية زاد النص جمالا .
وإذا أضفنا إلى هذا أن النص مضبوط الحروف أدركنا أهمية هذا النص في تعليم اللغة وجمالياتها بشكلها الصحيح فضلا عن المضمون الهادف الذي قدمته الخاطرة .وكان أديب الأطفال محمد سعيد العريان قد دعا إلى ضبط جميع النصوص المقدمة للأطفال ليستقيم لسانهم على النطق السليم فإن كبر الصغير حافظ على لغته بشكلها السليم
ثالثا: أدب المواعظ والأدعية :
ويسميه بعض الدارسين أدب الحكمة استنادا إلى قوله تعالى : (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة)([154]) ، وأرى تسميته للصغار بأدب المواعظ والأدعية ليكون أقرب إلى عقولهم من كلمة الحكمة التي تشمل معاني أوسع جاء بها الإسلام للحياة وللبشر عامة مما لايدركه الصغار .
وكان د عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي قد دعا إلى ضرورة الاهتمام بهذا الأدب الذي تتوفر فيه الشروط الفنية فضلاً عن أنه سبيل من سبل التربية القويمة ، ولقد ربيت أجيالنا الماضية على القرآن الكريم والحديث الشريف فاستقامت بهما الألسن وهذبت بهما النفوس وخرجت أجيال كانت خير أمة أخرجت للناس فلماذا نتجاهله، ونندد بكل أدب مباشر ولو كان فني التعبير([155]) .
إن أدب المواعظ والأدعية يمتازان بالسمو الفكري والعاطفة الصادقة ، وقد يحويان من التصوير مايزيد الفكرة وضوحا والعاطفة تأثيرا ، ومن هذه الآداب ماورد في القرآن الكريم في سورة الإسراء مثلا كقوله تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا([156]) "
فالطفل ينشأ بهذه الآيات الوعظيات على عبادة الله سبحانه وعلى إكرام الوالدين واحترامهما فتقوى الروابط الأسرية على أسس سليمة ، ثم يحس بأن عمله يطلع عليه خالقه وهو الذي يغفر للصالحين الأوابين التائبين ولذلك يسعى إلى الصلاح وهذه أسمى غاية للتربية وأسمى هدف لأدب الأطفال .
ومن الأحاديث القدسية الوعظية قوله تعالى في الحديث القدسي : يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي ، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة([157]) .
فالطفل عندما يفهم معنى هذا الحديث سيحب الله لامحالة لأنه كريم عفو غفور للعبد مهما أخطأ ، وهذا الحب سيحمله معه في قلبه ومشاعره وبذلك ينشأ على الإيمان الصادق .
ومن الأحاديث الشريفة الأدعية التي يحافظ المسلم على قراءتها صباح مساء كقول الرسول صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات[158] ". فقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات القليلات خيري الدنيا والآخرة وطلب قرة العين ، لأن الهموم والأحزان والدَّين وقهر الرجال تحول دون السعادة ودون الإنتاج في الحياة، ومن ثم تتأثر نفسية المسلم وهذا ما لا يرضاه الله سبحانه لعباده، ولذلك طلب منا أن نردد هذا الحديث وأن نعلمه لأولادنا ليكونوا راضي النفوس سعداء في الدنيا والآخرة.
ومن ذلك أيضاً حديث الرسول صلى لله عليه وسلم لابن عباس حينما كان رديفه على دابة إذ قال له " ياغلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف([159]) ".
فهنا نرى وعظ الرسول صلى لله عليه وسلم للطفل بأسلوب رقيق، ناداه مع أنه إلى جواره لينبهه، فلعل الطفل شرد بتفكيره، ثم علمه كلمات قليلات لئلا تنسى لكن معانيها كانت واسعة جداً وذلك ليحس دائما أن الله يراقبه وهو معه، وأن عليه أن يتذكر نعمه في أوقات الرخاء، ثم إن عجز عن أمر فعليه أن يسأل الله سبحانه ويستعين به فهو القائل (ادعوني أستجب لكم ) وهو يعلم ما هو خير له وقد سجل للإنسان ما سيفعله إن خيراً وإن شراً ، ولذلك عليه أن يكون عزيز النفس فلا يذل أمام إنسان لأن الخير لا يأتي من عنده بل من عند لله سبحانه وقد سجل ذلك كله في اللوح المحفوظ ورفعت الأقلام وجفت الصحف.
ومن الأحاديث التي يفهمها الصغار أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب موجز بسيط : " من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه "([160]) وهي ملاحظة على قصرها تربي الطفل على ألا يتدخل في أحاديث الكبار لئلا يضايقهم .
هذه نبذة من مواعظ القرآن الكريم والرسول صلى لله عليه وسلم ودعوته للمسلمين مما ينفعهم في حياتهم الخاصة والعامة مما يحفظ عليهم عقيدتهم وعزتهم، وهذه كلها مما يفهمها الطفل ولا سيما منذ أواخر المرحلة الثانية . أما المرحلة السابقة فلها أحاديث تناسب أعمارهم كقول الرسول صلى لله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة ( ياغلام سمّ الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك)([161]) . عبارات تأديبية مع الله ومع المجتمع.
وهناك أدعية ومواعظ للصالحين من العباد كالخلفاء الراشدين وغيرهم ومنها قول الشاعر عبد الله السويدي([162]) في أثناء حجه :
" إلهي هذا البيت بيتك ، والحرم حرمك ، والأمن أمنك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، إلهي لاتضرك معصيتي ولا تنقصك إساءتي فأسألك العفو عما لايضرك ولا ينفعك ، إلهي أدنى عبد إذا استجير به أجار فها أنا عبدك الآبق أستجير بك من النار وأنت الأكرم وأنت الأرحم .."([163]) .
هذا غيض من فيض من آداب المواعظ والأدعية وكلها تمتاز بالفكرة السامية والعاطفة القوية والتصوير المؤثر في عبارات منسجمة ، ولعمري إن هذا لهو الأدب الحق .
الخاتمـة
أحمد الله العلي المعين أن ساعدني على تأليف هذا الكتاب، وأصلي وأسلم على الهادي الرحيم الذي علمنا الرفق بالأطفال، وكانت سيرته معهم خير مرشد ودليل إلى ضرورة الاهتمام بهذه الغرسات النضرات التي إن عني بها شبت شجرة سامقة ثابتة الأسس، كثيرة المعطيات، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ثمرات طيبات في مجتمع صالح يرعاها وتخدمه.
وقد توصلت في هذا الكتاب إلى :
1- عرفت أدب الأطفال تعريفا موجزا بعد أن تكاثرت التعريفات وطالت، وهذا شأن كل فن جديد لم تستقر مصطلحاته بعد وإن تداولها الكثيرون.
2- لم أشأ أن أطيل في الحديث عن تاريخ أدب الأطفال لأن اهتمامي انصب على الدراسة الفنية التطبيقية، وعلى الأثر الذي تخلفه الآداب المعاصرة التي نعايشها ويتأثر بها أبناؤنا، سمعية ومرئية كانت أم مقروءة، وإن كنت قد ذكرت وجود هذا اللون الأدبي في أدبنا العربي القديم .
3- حددت مراحل نمو الأطفال من الثالثة وحتى سن الخامسة عشرة على أبعد تقدير، وذلك لأن الأدب لايفهم قبل الثالثة من العمر، وتنتهي الطفولة بالمفهوم الإسلامي بالبلوغ ، وهو في الفقه الإسلامي حتى الخامسة عشرة ، ولهذا قسمت هذه المراحل على:
أ- المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية 3-5 سنوات .
ب- المرحلة الثانية : ما بين 6-9 سنوات .
ج- المرحلة الثالثة : ما بين 10-12 أو إلى 15 سنة .
وخالفت بذلك بعض التقسيمات المتعددة وإن كنت قاربتها.
أما مرحلة المراهقة بعد الخامسة عشرة فلم أعدها من مراحل الطفولة.
4- وبينت سمات كل مرحلة نظريا لأنها المرتكز الذي ستعتمد عليه سمات أدب الأطفال في المضمون والشكل . وقد أفضت في الحديث عن تطبيقات هذه السمات الإيجابية والسلبية في المضمون والشكل الفني ، وكان معظم الشواهد والأمثلة مقتبسا من القنوات الفضائية، الوسيط الذي سيطر على ألباب الأطفال ومشاعرهم، وذلك ليتنبه الدارسون على ما فيها من إيجابيات تنسجم وعقيدتنا وهويتنا، وسلبيات تودي بأخلاق الأطفال وتحطم نفسياتهم لما فيها من رعب وفساد ، كما أوضحت في دراسة الأسلوب أثر هذه الآداب في لغة الأطفال تراكيب ومفردات بصورة إيجابية أو سلبية .
5- تحدثت عن الوسيط الناقل لأدب الأطفال بدءاً من التلفاز وما شابهه من الأجهزة السمعية والبصرية وبينت إيجابيات هذه الوسائط وسلبياتها، وضربت نماذج لذلك مما يعرض في القنوات كقناة الشارقة واقرأ والمجد وشباب المستقبل وغيرها، وأوضحت ذلك من خلال دراسة المضمون والأسلوب.
6- كما تحدثت عن المسرح وسيطاً ناقلاً لافناً أدبياً وذكرت أهميته ولاسيما المسرح المدرسي وضربت لذلك نماذج بينت فيها أن ما يقدم لطفل المرحلة الأولى غير ما يقدم لأطفال المرحلة الثالثة.
وذكرت نماذج للمسارح الموجودة في البلدان العربية.
كما أشرت إلى المسرح الغنائي " الأوبريت " وإلى مسرح العرائس وإلى الشريط السينمائي الطفولي وإلى شبكة المعلوماتية وبينت أثرها في أدب الأطفال، ولم أطل لئلا أكرر ما تحدثت به عن التلفاز لتشابهها معه.
ثم انتقلت إلى الوسائط المسموعة وهي الإذاعة والإذاعة المدرسية.
7- أفضت في الحديث عن المجلات الطفولية لأنها لا تقل أهمية وانتشاراً عن الوسائط السمعية والبصرية، وبينت ظهورها في البلدان العربية وأنواعها وموضوعاتها وشروطها. وضربت لذلك نماذج مما يعرض من قصصها وموادها وناقشت قضية اللغة الفصحى فيها .
8- في الدراسة الفنية للفنون الأدبية للأطفال قدمت المسرحية لأنها في عصرنا هذا ، عصر انتشار الإلكترونيات ، أكثر أهمية عند الأطفال من القصة والشعر والمقالة لما فيها من عناصر جذب تعتمد على الصورة والصوت والحركة واللون .
9- بينت وجود جذور المسرح الطفولي في الأدب العربي في العهد العثماني عند الشاعر ابن النقيب الدمشقي ، لكن الرسوم المتحركة لم تكن معروفة آنذاك ولذلك بقيت النصوص شعرا من الشعر العربي في ذلك العصر .
10- أكثرت من النماذج الفنية المسرحية للمسرح التاريخي والتربوي والتعليمي والمقروء ، وبينت مضامين المسرحيات وفنيتها ، وكذلك الحال في القصة إذ ضربت نماذج قصصية للقصة الدينية والتاريخية القديمة والمعاصرة والرمزية والتربوية والعلمية ومن قصص الرحلات والقصص الشعبي والأسطوري ، ودرست الشعر الطفولي بنوعيه مانظم عن الصغار ، وما يوجه إليهم ، ثم بينت نماذج للشعر الطفولي الديني والتربوي والوطني والتعليمي ، ثم الشعر القصصي فالمسرحي الغنائي " الأوبريت " ، وكانت الدراسة للفنون الثلاثة تطبيقية لانظرية فحسب لأن الدراسة التطبيقية هي الأهم في الدراسات الأدبية .
11- ذكرت أن أحمد بن علي بن مشرف قد سبق أحمد شوقي في شعر الأطفال .
12- تبين لي أن بعض الشعر التعليمي لايخلو من جمال فني وذلك يتبع مقدرة الأديب ولذلك يجب الإفادة منه في أدب الأطفال .
13- ذكرت فن المقالة والخاطرة وأدب المواعظ للأطفال لأهمية هذه الألوان الأدبية المغمورة مع أنها ذات أساليب قويمة وقد ربيت عليها أجيالنا الماضية فكانت خير أمة أخرجت للناس .
14- لكل أمة أهدافها التي تنشئ أبناءها عليها ، ومنها تصدر آدابها ، ولذلك علينا أن نعرض عن الآداب الأجنبية لأنها وجدت لبيئة ومجتمع مغاير لمجتمعنا العربي والإسلامي، ولا سيما أن كثيرا منها لاتتوفر فيها العناصر الفنية، بل تحوي فكرا إلحاديا لايناسبنا وحديثا كثيرا عن السحر وخزعبلاته ، وعنفا شرسا كما تبين من خلال الدراسة . وحبذا لو أنتجت رسوم متحركة في بلادنا العربية لنتخلص من أضرار الرسوم المستوردة ، وقد ضربت نماذج لرسوم متحركة عربية وإسلامية كمسرحية جزيرة النور وقصة محمد الفاتح وهما من خير الرسوم المتحركة .
([1] ) الأدب المقارن / 172
([2]) ابن النقيب الدمشقي عبد الرحمن بن محمد بن كمال الدين الحسيني المعروف بابن النقيب (ت1053هـ) شاعر من دمشق عرف بشعره ذي الأخيلة : خلاصة الأثر 2/290 و علماء دمشق وأعيانها في القرن الحادي عشر الهجري ج 1 /542 .
([3]) خلاصة الأثر 2/290 ، والعصر العثماني /276-279 .
([4]) محمد أمين بن فضل الله المحبي شاعر من دمشق ومؤرخ ، له كتاب خلاصة الأثر : سلك الدرر 4/86
([5]) مجلة الأدب الإسلامي م 10 ع 40 / (1425هـ/2004م) عبد التواب يوسف بعنوان شعر الطفل المسلم ص12.
([6]) أدب الأطفال في ضوء الإسلام /104.
([7]) النص الأدبي للأطفال 83-89.
([8] ) فن الشعر لأرسطاطاليس / 18
([9] ) معجم المصطلحات الدرامية / 120
([10] ) كان أرسطو قد تحدث عن وحدة الزمان عادة اتخذها المسرحيون في عهده ولعله أقرهم عليها، ثم أضاف إليها الناقد كستلفتر وحدة المكان ، ثم فرض الفرنسيون قانون الوحدات الثلاث وطبقوها ، ثم ضربها الناقد مانتسوني : فن الشعر / 17 هـ 4
([11]) فن الكاتب المسرحي 244/247 ، ودرايدن والشعر المسرحي 58-61
([12]) فن كتابة المسرحية /49 وبعضهم سمح بالتغيير والتبديل ولو على حساب الحقائق التاريخية وفريق ثالث رأى أن ينقل الحوادث ثم يفسرها كما شاء: الأدب المسرحي المعاصر /55-57 .
([13]) فن كتابة المسرحية /28 .
([14]) مسرحية تلفازية .
([15]) فن الشعر لأرسطوطاليس /49-50
([16]) من شريط سمعي - بصري أصدرته بيادر السلام الكويتية .
([17]) نوادر جحا : البخيل وجحا /20
([18] ) علاء حسني المزين أديب مصري معاصر نشر مسرحيته في مجلة الأدب الإسلامي م10 ع40 س 1425 هـ / 2004م ص 90
([19]) المسرحية في مجلة الأدب الإسلامي م 10 ع 40/(1425هـ/2004م) ص90 ، الدكتور علاء حسني المزيد: مسرحية الفوز العظيم.
([20]) معجم المصطلحات الدرامية /127 ..
([21]) البخيل وجحا /20 .
([22] ) نحن وهويتنا / 26
([23]) النص الأدبي للأطفال /83-84 .
([24] ) النص الأدبي للأطفال
([25]) الأدب المسرحي المعاصر /74 .
([26] ) تنظر سمات هذه المرحلة في هذا الكتاب
([27]) وهي مسرحية تلفازية صدرت في شريط سمعبصري عن دار البيادر في الكويت.
([28] ) تنظر سمات هذه المرحلة في هذا الكتاب
[29] ) من مجلة الفاتح الإلكترونية وموقعها : al-fateh.netتاريخ 5/12/2007م
([30] ) تنظر سمات هذه المرحلة في هذا الكتاب
([31]) مسرحية تلفازية من شريط سمعبصري صادر عن مؤسسة دار الإيمان في جدة – السعودية.
([32] ) محمد بن عبد الملك القيسي المعروف بابن طفيل الأندلسي ( ت 581هـ ) فيلسوف من غرناطة له كتاب حي بن يقظان ، وأرجوزة في الطب في أكثر من 7700 بيت : الأعلام 6/ 249
([33]) حي بن يقظان لابن طفيل / 41- 145 .
([34]) ذكرت القصة اسم " عبد الله " ولم تذكر اسمه في القصة التراثية وهو " حي بن يقظان " ، كما ذكرت " الرجل الصالح " ولم تسمّه " أبسال" كما في قصة حي بن يقظان ، وتسميتها أقرب للغة الطفل وإدراكه.
([35] ) لما غدا كبيرْ : الصحيح كبيرًا وسكنت القافية للضرورة الشعرية
([36] ) تذكر حي بن يقظان أن الطفل جاء إلى الحياة من أحد طريقين : إما من تخمر طينة في جزيرة من جزر الهند المعتدلة المناخ ، أو بطريق غير شرعي : حي بن يقظان ص 9 . وهاتان الفكرتان لاتناسبان العقيدة والخلق ، ولذا كان كاتب جزيرة النور أقرب إلى الواقع والفكر الديني، لأن الطفل يعرف قصة فرعون وولادة موسى .
([37] ) مخطوط يتحدث عن محاولات ثمانية رجال من الأندلس سموا بالفتية المغرورين لأنهم ركبوا بحر الظلمات في محاولة لكشف ماوراء هذا البحر المحيط ، وقد ورد خبرهم في كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق في ج2 ص 548
([38] ) أسرتي عالمي الكبير / 26
([39] ) نفسه / 6
([40] ) أسرتي عالمي الكبير / 28
([41] ) أسرتي عالمي الكبير / 10
([42] ) نفسه /14
([43] ) أضواء على المسرح المدرسي ودراما الطفل / 53 . والتطهير هو أن يقدم المسرحي الحدث بحيث يضمن فيه تعاطف المشاهد مع بطل المأساة لوجود خصال مشتركة بينهما ، ولأنه يدرك أن البطل وقع ضحية عوامل لاتقع تحت سيطرته ، فكأن ماحدث للبطل قد يحدث له فيحس بالخوف من تلك القوى التي عاشت في مخيلتهن وهاتان العاطفتان : الشفقة والخوف تؤديان إلى إحساس المشاهد بالراحة في نهاية المسرحية وهذا ما يسمى التطهير : النقد الأدبي التحليلي / 127
([44] ) أضواء المسرح المدرسي / 112
([45]) تاريخ الحركة المسرحية في دولة الإمارات العربية المتحدة
([46] ) المسرح المدرسي في دول الخليج العربي / 19
([47] ) النحو القصصي / 82
([48] ) علاء حسني المزين ، الفوز العظيم ، مجلة الأدب الإسلامي ، م10 ع40 عدد خاص عن أدب الأطفال، س1425هـ 2000م ص 90
([49] ) تربية الأولاد في الحديث الشريف / 52
([50] ) سورة الأعراف / 76
([51] ) أدب الأطفال أهدافه وسماته / 212
([52] ) سأدرس هنا القصة النثرية أما الشعرية فستدرس مع فن الشعر في الفصل الثالث /
([53] ) من سلسلة قصص ومواقف من الحياة ص 11
([54] ) قصص من القرآن ، مجموعة قصصية ، الشرارة الهائلة ، كامل حسن المحامي / 33
([55] ) من مجموعة قصص مختارة في كتاب وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات ط3 1411هـ م 1991م ص 10بعنوان مهد البطولات
([56] ) نفسه / 13- 15
([57] ) سلسلة القصص التعليمية الذهبية رقم 6 ص15
([58] ) صدر عن المنظمة العربية للثقافة والعلوم في تونس 1989م
([59] ) قصة الدب الأحمق من سلسلة قصص ومواقف من الحياة رقم 3
([60] ) رحلات سندباد ، الرحلة الثانية / 86-87 ، و أدب الأطفال عند محمد سعيد العريان / 55
([61] ) مجموعة قصص مختارة ، وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 63
([62] ) مجلة ماجد ، أبو ظبي ، دولة الإمارات العربية المتحدة
([63] ) من شريط محمد الفاتح المرئي – السمعي ويقع في جزأين
([64] ) مستدرك الحاكم ، كتاب الفتن والملاحم ، رقم الحديث 8300
([65] ) كانت وادي ، الصحيح واديا لأنها خبر الفعل الناقص ، وسكنت للضرورة الشعرية ، كما سكنت القافية أيضا في قهرا بادي ، ونورا هادي ، والصحيح نصبهما فتكونان : باديا ، هاديا .
([66] ) كلمة أقدم تكرر في الأنشودة ثلاث مرات
[67] ورد توثيق الحديث في ص 160
([68] ) سورة محمد / 7
([69] ) وهو شريط سمعبصري
([70] ) قصة عبور المشاة، ممدوح الفرماوي، من مجموعة ليالي الأطفال.
([71] ) البقرة / 190
([72] ) مستدرك الحاكم ، كتاب البر والصلة ، رقم الحديث 7319
([73] ) قصة النوافذ الذهبية /
([74] ) العرب لاخريستوفر كولمبس نشر دار المعارف بمصرفي 1961 ، وينظر لها في : أدب الأطفال عند محمد سعيد العريان /73 .
([75] ) العثمانيون في التاريخ والحضارة /375 .
([76] ) نفسه /381.
([77] ) نفسه /391 .
([78] ) نفسه.
([79] ) سير الظاهر بيبرس / 207
([80] ) سيرة الظاهر بيبرس / 1817-1828 ، ومن ذلك أيضاً ما جرى للوزير شاهين وللبحار البطرني في إيطاليا 1662، وقد درست السيرة في كتابي النثر العربي في عصر الدول المتتابعة ص191-247 .
([81] ) النص الأدبي للأطفال /142-144 .
([82] ) مجموعة قصص مختارة وزارة الربية والتعليم 1410هـ/1990م ، ص95 .
([83] ) المؤلفة جمانة طه، من موقع www.awu-dam.org/book/02/child02
([84] ) قصص ومواقف من الحياة (حسن التصرف)/8-11 .
([85] ) شريط سمعبصري بهذا العنوان
([86] ) شريط مرئي-سمعي، وهناك قصة رحلات سندباد لمحمد سعيد العريان في أربعة أجزاء، وتختلف عن هذه وإن كان بينهما تشابه، وهما متأثرتان بقصة ألف ليلة وليلة في حديثها عن رحلات السندباد السبع ، كما في الحديث عن الجزيرة المتحركة في الرحلة الأولى ، وطائر الرخ في الرحلة الثانية ، والغول في الرحلة الثالثة ... تنظر ألف ليلة وليلة م2 ج3 ص 322 و 330 – 333 و 337- 338 و...
([87] ) حسن المرزوقي – كاتب معاصر من الإمارات العربية المتحدة ، والقصة نشرت في مجلة .
([88] ) الكندري: السقاء.
([89] ) مغامرات بوراتينو أو المفتاح الذهبي
([90] ) القصة ص 28.
([91] ) رائد أدب الأطفال: عبد التواب يوسف ص49 .
([92] ) أبان بن عبد الحميد اللاحقي ( ت 200هـ ) شاعر من البصرة اتصل بالبرامكة ونظم لهم كليلة ودمنة شعرا ، و كان من شعراء الرشيد : الأعلام 1/ 27
[93]) الطفولة في الشعر العربي و العالمي ص 17، وأدب الأطفال دراسة نظرية و تطبيقية ص 102
([94] )http:www.arabicpems.com/children/mem/galal/I.html محمد عثمان جلال
([95] ) مدرسة الإحياء و التراث ، د.إبراهيم السعافين ص 197 - 199
[96])أدب الطفولة واقع وتطلعات /156
([97] )ديوان الشوقيات المقدمة ج 3/6 ، وينظر لذلك أيضاً في الطفولة في الشعر العربي والعالمي / 17 ، وأدب الأطفال بين أحمد شوقي و عثمان جلال / 102.
([98] ) أدب الأطفال في الوطن العربي قضايا وآراء/24
[99] رياحين الجنة / 11
[100] مجلة الأدب الإسلامي ع 34 و 44 عام 1425 هـ عام 2004 م عدد خاص عن مصطفى صادق الرافعي.
([101] ) د. عمر فروخ ( 1322-1408هـ / 1904-1987م ) شاعر وناقد كبير له مؤلفات كثيرة : معجم الأدباء الإسلاميين 2 / 932 .
[102]) ) حسن علي شمس الدين شاعر من الإمارات ولد في العين عام 1961 له تثميلية وقصص شعرية ومسرحية
([103] ) ينظر لهذه الأنواع في ص من هذا الكتاب
([104]) النشيد ما يلقيه الطفل من قصائد فيها جرس عذب من ألفاظها دون أن تصحبه موسيقى ، أما الأغنية فهي قصائد لحنت ويصاحبها عرضها موسيقى ما .
([105] )مجلة الأدب الإسلامي م 10 ع 40 عام 2004 مقال شعر الطفل المسلم ن عبد التواب يوسف ص 13
[106]) ديوان في رحاب الأقصى 237-238
[107] www.arabicpoems.com/children/yeh/elazm/I.html يوسف العظم
([108] ) عثمان قدري مكانسي ولد ( 1947م ) شاعر من سوريا له دواوين وقصص ومؤلفات : معجم الأدباء الإسلاميين 2 / 838
([109] ) أرسلت منه برسالة في 7/6/2007م
([110]) سعيد سيف الجروان شاعر من الشارقة نشر القصيدة في نشرة لملتقى أندية الشارقة : النشرة التوثيقية ، تصدرها اللجنة الإعلامية في أندية فتيات الشارقة ، ع2 س2000م ص34
[111]) نفسه
([112] أشعار و أناشيد ص 41
([113] موقع محمد وليد المصري الإلكتروني وهو http://www.arabicpoems.com/children/mem/elmarry/1.html
([114] ) من كتاب أشعار و أناشيد ص 55
([115] ) من كتاب أشعار و أناشيد ص 55
([116] ) www_awu_dam.org/book/indx_child
[117] من كتاب الشوقيات 4/ 188 ومثلها في الرفق بالحيوان ص 191
[118] www.arabicpoems.com/children/yeh/hemdan/I.html http:// يوسف حمدان
[119]) موقع فدوى طوقان الإلكتروني http://www.arabicpoems.com/children/feh/tokan/i.html
([120] المرجع موقع سليمان العيسى الإلكتروني http://www.arabivpoems.com/children/sen/eleisy/1-html
([121] ) الجمزوري شاعر من القرن الثاني عشر الهجري ، له كتاب متن تحفة الأطفال والأبيات منه / 5
[122]) متن تحفة الطفال / 7
([123] ) شاعر من حلب بسوريا لايزال على قيد الحياة : www. menalmuheet lel kaleej.com
[124] انظر كتاب الضاد تغني / 4
([125] ) الموقع الإلكتروني لمحمد موفق سليمة : wwwarabic poems.com children/salima
[126] مجلة الأدب الإسلامي ع 40 عام 2004م نظرات في ديوان أعطر السير للأطفال للدكتور عبد الرازق حسين و المحاور بتعلم يحيى حاج يحيى ص 32
[127] ) ينظر بحث : أحمد شوقي وفن الحكايا على ألسنة البهائم والطيور ، د. طارق عبد القادر المجالي ، المجلة الأردنية في اللغة العربية وآدابها م 1 ع 1 س 2005م ص 67
[128] ديوان الشوقيات 4/ 147.
[129] ديوان الشوقيات 4 /125
[130] أدب الطفولة واقع وتطلعات/60
[131]) النداء لمحمد الدرة الطفل الشهيد
[132]) من قناة الشارقة ، من حديث قدمته الإعلامية هيفاء الكيلاني مع د. عارف الشيخ في 10/3/2001م عن ملتقى أطفال العرب السادس الذي نظمته أندية فتيات الشارقة بدءاً من 1/3/2001م وعلى مدى أسبوع.
([133] ) " افتح يا " شريط صادر عن المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة في 2006م ، ومخطوط مقدم للمهرجان القرائي الأول
([134] ) مخطوط للمؤلفة بعنوان افتح يا / 3
([135] ) مخطوط افتح يا / 6
([136] ) افتح يا / 7
([137] ) سورة العلق / 1-5
[138] شريط أناشيط الأطفال نبع الحب
[139] موقع وليد مشوح http://www.arabicpoems.com/children/waw/meshawah/1.html
[140] شريط أناشيد الأطفال: الطفل والبحر
( [141] ) مجلة المعرفة س42 ع 481 س 2003م : الشعر في مجلة أسامة ن بيان الصفدي / 115
[142] موقع محمود مفلح الإلكتروني: www.arabicpoems.com/children/mem/mefleh
[143] ديوان الشوقيات 4/191
[144] أدب الطفل العربي دراسات وبحوث /211
([145] ) نحن وهويتنا / 20
([146]) موقع إبراهيم أبو عبادة الإلكتروني www.arabicpoem.com/test/children/alef.html
([147] )الموشح يتألف من أدوار ويحوي كل دور بيتاً ثم قفلاً عدا قفل المطلع والأبيات أقلها ثلاثة أشطر ، وأقل الأقفال شطران : فن التقطيع الشعري/310
[148] أشعار وأناشيد مختارة/33
[149] موقع أحمد محمد الصديق الإلكتروني www.arabicpoems.com/children/alef/sedeek/1.html
[150] مجلة الأدب الإسلامي ع 40 عام 2004 م مقال شعر الطفل المسلم عبد التواب يوسف مصر ص 12.
([151] ) مجلة تسالي ص 50-51
[152] محمد سعيد العريان حياته وآثاره و آثاره في المقالة و السيرة عنده ص 161
[153] ) مجلة تسالي ص 22
([154] ) الإسراء / 39
([155] ) سمعت ذلك من د. عبد القدوس أبو صالح في محاضرة ألقاها عن الأدب الإسلامي في المركز الثقافي في الشارقة .
([156] ) الإسراء / 22-25
([157] ) حديث حسن رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ينظر رياض الصالحين / 635
([158] ) رياض الصالحين / 499
([159] ) رياض الصالحين / 50
([160] ) جامع العلوم والحكم ص 137
[161] رياض الصالحين 309
([162] ) عبد الله السويدي ( 1104-1174هـ ) عالم من العراق له رحلة تصف حجه باسم النفحة المسكية في الرحلة المكية : الأعلام 5/ 26
([163] ) النفحة المسكية في الرحلة المكية / 321
وسوم: العدد 665