الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة 1
إهداء
إلى أحبة القلب فلذات الكبد الثلاثة : عبد السلام ومصطفى وصفاء أهدي هذا الكتاب الذي شغلني عنهم مايزيد عن ثلاث سنوات، راجية منهم الدعاء لي حين أكون على ظهر الأرض، أو حين أنتقل إلى رحمة ربي .
أمكم المحبة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثالثة
حينما تنفذ الطبعتان الأولى والثانية من كتاب أدبي تأنس نفس مؤلفه وتـرتاح، لأنها تدرك أنها قدمت لمحبي الأدب وتاريخه بعض ماكانوا يرجون ..
لقد شعرت بهذا وأنا أكتب هذه المقدمة للطبعة الثالثة للكتاب بعـد تعديلات أجريتها، وشعرت أن الباحثين والمثقفين أدركوا أخطاء الدراسات السـابقة حول هذا العصر الذي امتد زهاء ستة قرون منها ماينيف عن أربعة في العهد العثماني فحسب ، وربما شارك هذا الكتاب في هذه الصحوة لما فيه من آداب رفيعة معنى ومبنى، هي ألذ من جنى الأفنان وعبق الريحان ، وعشاق الأدب ستنجلي عن نفوسـهم بأمثال هذا الكتاب الغشاوة، وستهتز نفوسهم ثائرة على التبعية الثقافية، ولهذا أثـره في تصحيح ماران على العقول والقلوب من أخطاء بثها مغرضون، وقد آن الأوان لأن نتسامى في أبحاثنا ببذل الجهد للكشف عن الحقيقة، وسنرى بإذن الله أن فجرا أدبياً جديدا سيسطع في سماء الدراسات الجادة ليعيد الحق إلى أهله، وحينـذاك يدرك من حـرَّف الحقيقة وطوى الحسَن، وأظهر الغث أن الحق لابد أن ينجلي ، وأن من استمرأ إلصاق التهم بآدابنا وحضارتنا قد غدا حسير الطرف كليل الجهد ...
وستكون صفحاته في طي النسيان بسنا الإخلاص والجهد الجهيد ...
وأمر آخر أحب أن أنوه إليه وهو أن التعـديلات كانت قليلة، فقد أجريـت تعديلا في المقدمة لتبين تسمية العصر ومدته الزمنية،وآخر في الأدب الاجتماعيعند الحديث عن العلاقة بين المرأة والرجل، أما في الدراسة الفنيـة فقد أضفت قصائد مدروسة تبين أنواع الوحدة في القصيدة في ذلك العهد، بدءا من وحدة البيت واستقلاليته ، إلى وحدة التسلسل المنطقـي ، إلى الوحدة الموضوعيـة ، فالوحـدة العضوية التي تآزرت فيها العناصر الشعرية ووظفت لتخدم الفكرة والشعور، ولتكون عاملا هاما في نمو القصيدة.
كما عدلت في فصل الموسيقا الشعرية مبينة أن المسمطات الشعرية عرفت في أدبنا العربي القديم، وضربت أمثلة شعرية من ذلك العهد .
وكذلك عدلت فصل التصوير الفني وبينت أن الرمز عملية استدعاء ديني وأدبي وتاريخي، وأوضحت نماذج أخرى من الصور تقوم على تناسب الطرفين وتوافقهما، أو على مخالفتهما مخالفة مبنية على مفارقة الضد أو الازدواج أو التقابل، ثم أوضحت مظاهر الصورة النامية والنمطية والذهنية والتقريرية والمكثفة ، فضلا عن المشاهد والصـور الجزئية بأنواعها التي كانت في الدراسة الأولى .
وقد استدعى هذا إضافة شخصيات جديـدة ولهذا حذفت قائمة الشعراء لئلا يطول الكتاب بهذا الملحق، كما عدلت قائمة المصادر والمراجع بذكر ماأضيف إليها .
وأخيراً فإني أتوجه إلى الله المنعم المتفضل أن يتقبل هذا العمل، وأن يجعلـه في صحيـفة أعمالي ليكون لي زادا يوم العرض الأكبر، والله من وراء القصد .
المؤلفة
1435هـ /2014م
مقـدمـة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإن المكتبة العربية على كثرة معطياتها الثقافية لا تزال تفتقد إلى كتاب يبحث في الفنون الشعرية في عصر الدول المتتابعة، ويكشف عن جمالياتها وتجديدها، ويوضح صورتها الأدبية بعد أن عدا عليها الدارسون حقباً طويلة، وجاروا في اتهاماتهم حتى سموا أدبها أدب الانحطاط، وذلك لأن كتابَيْ د.عمر موسى باشا «العصر المملوكي» و «العصر العثماني»، على أهميتهما وسبقهما لا يدرسان الفنون الأدبية، وإنما يقومان على ترجمات للشعراء والكتاب، وهذه الترجمات لا تعطي صورة متكاملة عن الفنون الأدبية في ذلك العصر، أما كتابه الثالث «الأدب في بلاد الشام، عصر الزنكيين والأيوبيين والمماليك» فإنه توقف عند العصر المملوكي، فضلاً عن اهتمامه ببعض الفنون، وبمذهب التصنع الذي ساد آنذاك، وأما كتاب د.محمد زغلول سلام «الأدب في العصر المملوكي» فقد تحدث أيضاً عن الأدب المملوكي دون العثماني، وكذلك كانت الكتب التي تتحدث عن آداب الحروب الصليبية ككتاب د.عبد اللطيف حمزة، و د.أحمد أحمد بدوي، وأما كتاب مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني للدكتور بكري شيخ أمين فإنه أوجزه إيجازاً مخلاً إذ بترت فيه دراسة الفنون، وأكثر مؤلفه من إيراد شواهد قديمة لا دخل لها بالعصر، حتى غلبت في بعض الفنون على شواهد هذا العهد، بل إنه لم يأت في حديثه عن ذوات القوافي بأي بيت من عهد الدول المتتابعة وكل ما قدمه كان عباسياً أو أندلسياً، فضلاً عن تحامله على العصر العثماني، وإهماله له إهمالاً شبه تام، إذ كان لا يتعدى حديثه عنه بضعة أسطر لا تسمن ولا تغني شيئاً عن عصر امتد زهاء أربعة قرون، وكذلك اهتم بالفنون المستحدثة المصنوعة كثيراً، ولم يترجم لشعراء العصر، ودمج الشعر الديني الصوفي والمدائح النبوية مع الحشيشة والفكاهة في فصل واحد !!..
وإزاء هذا رأيت من واجبي أن أقوم بهذا الجهد الجهيد، وأن أتحدث عن الفنون الأدبية في عصر الدول المتتابعة شعرها ونثرها في كتابين مستقلين، بلا تمييز بين عهد مملوكي وآخر عثماني، لأن آداب هذين العهدين متشابهة في أساليبها، وفي كثرة معطياتها نتيجة تمازج الثقافات والجنسيات، ولأن جامعاتنا باتت تهتم بالعهد المملوكي وتهمل العصر العثماني استغناء بالأول عن الثاني، أو تدمجهما معاً باسم أدب العصور المتتابعة.
وقد اعترضتني مشكلة تسمية العصر أدبياً ذلك لأن كلمة أدب الانحطاط تسمية لا دليل عليها إذ لا يعقل أن يستشهد الدارس بأسوأ ما في العصر من آداب ثم يعمم حكمه المستند إليه على عصر امتد ما ينيف عن ستة قرون متأثراً بدراسات استشراقية نقلت كلمة الانحطاط إلى آدابنا، وكلمة الانحطاط هي تسمية أطلقها الفرنسيون على الأدب اللاتيني. ولقد دفع كثيرون هذه التهمة عن العصر، ويأتي في مقدمتهم د.طه حسين، فقد ذكر أن هذه التسمية هي السخف بعينه لأن العصر كان من أزهى مراحل التاريخ الإسلامي، فهو عصر دوائر المعارف التي سبق بها الغرب . كما ردّ د. نعيم الحمصي في كتابه نحو فهم جديد ومنصف لأدب الدول المتتابعة و د.عمر موسى باشا في كتابه العصر المملوكي و د.ليلى الصباغ في كتابها من أعلام الفكر العربي هذه التهمة ودعَوْا إلى دراسة العصر دراسة متأنية ومنهجية . ولقد اطلعت على جهود أبناء العصر فرأيت أن المسلمين حاولوا التعرف على ما وراء المحيط الأطلسي – بحر الظلمات كما كان يسمى – وكانت أولى محاولاتهم على يد ملك مالي، ثم حاول ذلك فتية ثمانية من الأندلس في ذلك العهد وأطلق عليهم اسم الفتية المغرورين. وأثبت هؤلاء وجود أراض وبشر خلف المحيط الأطلسي . كما فتحت القسطنطينية في هذا العصر على يد السلطان العثماني محمد الفاتح ، ووصل العثمانيون إلى قلب أوربا ، وصدوا البرتغال عن الجزيرة العربية . وفي هذا العصر أيضا كانت اختراعات واكتشافات كثيرة أذهلت العالم قام بها علماء عصر الدول المتتابعة المماليك منهم والعثمانيون، فقد كتب بيري الريس عن كروية الأرض قبل ماجلان الغربي، ورسم خرائط لشرقي أمريكا وسواحل إفريقيا، وخرائط للقارة السادسة أشاد بها لاروس الفرنسي،واعترف هذا بسبق العثمانيين للغرب في هذا المجال . كما عرف لبنان في هذا العصر المطبعة ، ووجدت كذلك في مدينة حلب بسوريا منذ ( 1114هـ 1698م وقيل في 1118هـ / 1702م) ، وكان ذلك قبل أن يقدم نابليون بونابرت إلى مصر بحوالي قرن . وإن عصراً يحوي أعداداً كثيرة من المدارس والمكتبات العامة والخاصة في مدنه وقراه، وفيه اختراعات شتى لا يمكن أن يسمى عصر انحطاط، بل إن المستشرقين أنفسهم كما يقول د.عمر موسى باشا قد اعترفوا أخيراً في دراساتهم أن هذا العصر ليس عصر انحطاط، وأنهم ظلموه حين أطلقوا عليه بعد الحروب الصليبية هذه التسمية ، وكأنه يشير إلى أن الأحقاد هي التي أملت عليهم ذلك، ويكفي أن نعلم أن الدولة الإسلامية في عصرها العثماني كانت تملك أراضي تفوق في مساحتها الولايات المتحدة الأمريكية بست عشرة مرة، وكانت تنفق على الحركة العلمية وقف ألفي قرية في تشيكوسلوفاكيا، وأن اختراعات كثيرة تمت في هذا العهد ، ولهذا طالب د. محمد حرب بنشر الوثائق والمخطوطات العثمانية لإلقاء الضوء عليها لتزول الغشاوة عن العيون([1]) .
ولهذا فإنا نرفض هذه التسمية من الناحية الحضارية كما سنرى رفضها من الناحية الأدبية لأن الأدب سَهُل ولان عامة ولا يعني اللين الضعف دائماً، كما لا يعني الضعف السياسي الضعف الأدبي .
وإننا نرفض أيضاً تسمية أدب العهد العثماني بأدب العصر التركي ، تلك التسمية التي أطلقها المستشرق الإنجليزي هاملتون جب ( ت 1971م) وكررها أحمد حسن الزيات ( ت 1968م) لأن هذا المصطلح متأثر بالنعرة الطورانية التي سادت بعد سقوط دولة السلطان عبد الحميد الثاني وسيطرة الاتحاديين، وهذا العهد الطوراني لم يدم إلا سبع سنوات في البلاد العربية، ثم قامت الثورة العربية الكبرى وانفصل العرب عن الترك، وسبع السنوات هذه لا تعد شيئاً إذا ما قورنت بأربعة القرون التي عاشها العرب مع العثمانيين في ظل دولة واحدة تضم جنسيات شتى، عربية وكردية وتركية وأوربية ….
وقد اخترت تسمية عصر الدول المتتابعة، وأدب العصور المتتابعة التي عرفت عند باحثين مصريين منهم حسن توفيق العدل ( ت 1862م ) وعبد الله دراز (ت 1910م) وأحمد الإسكندري ( ت 1938م) وأخذ بها د. شكري فيصل في كتابه مناهج الدراسة الأدبية ،وشاعت اليوم في الجامعات إذ يدرس العصر في كثير منها بهذا الاسم ، وهي تسمية تشير إلى دول متعددة تعاقبت في الأصقاع العربية خلال هذه المدة : أيوبية ومملوكية وعثمانية وغيرها، كما تشير إلى تعدد الحكام والأجناس والآداب، والتعدد سمة هذا العصر .
وهناك مشكلة أخرى اعترضت سبيل الدراسة هي تحديد الأمد الذي بدأ به العصر، إذ تطرف بعضهم في ذلك تطرفاً شديداً، فالدكتور شوقي ضيف في مقدمتي كتابيه " تاريخ الأدب العربي، عصر الدول والإمارات، مصر" ، و " تاريخ الأدب العربي ، عصر الدول والإمارات ، العراق وإيران " ، يرى أن تلك البداية كانت في سنة 334هـ، وهي السنة التي بدأ فيها البويهيون بالسيطرة على زمام الأمور في بغداد وصارت الخلافة بعدها اسمية، ويرى أن من الخطأ أن ننسب ذلك الضعف السياسي إلى العصر العباسي، وقد طبق مفهومه هذا في دراساته فكتب «تاريخ الأدب العربي عصر الدول والإمارات» وجعل جزءاً منه لأدب إيران والعراق، وآخر لمصر والشام والجزيرة، وثالثاً للأندلس، وهكذا نشر ثلاثة كتب باسم واحد، ومدّ أمد الدراسة منذ 334هـ إلى 1213هـ/1798م وهي السنة التي دخل فيها نابليون بونابرت إلى مصر، وبناء على هذا فإنه عدّ كثيراً من مشاهير الأدباء في العصر العباسي كالمتنبي (ت354) والمعري (ت363هـ) وأبي فراس الحمداني (ت357)، وابن العميد (ت360هـ) وبديع الزمان الهمذاني (ت 398هـ) من أبناء العصر المملوكي أو عهد الدول المتتابعة، وهذا ما لا أراه لأنه اعتمد على الضعف السياسي ولكن هذا الضعف مازجه أيضاً قوة ونشاط، وكان الحكام هم الخلفاء العباسيون .
كما يعدُّ د. عمر موسى باشا في كتابه العصر المملوكي بداية هذا العصر مع موت نجم الدين أيوب آخر الحكام الأيوبيين، إذ حكم بعدهم في مصر والشام المماليك، أما د. شكري فيصل فيبدؤه بسنة 656هـ حين هجم المغول على بغداد وقتل الخليفة العباسي المستعصم، وهو رأي وجيه، ولكني أفضل عليه أن يبدأ العصر في مطلع القرن السابع الهجري لأنه جاء مع بدء الصراعات والتفكك الداخلي بعد عهد القوة أيام صلاح الدين الأيوبي (ت589هـ) إذ كانت الدولة قبل هذا العهد قد استعادت قوتها بمحمود زنكي وصلاح الدين، وبموت الأخير عاد الاضطراب والصراعات الداخلية وتضعضع الأحوال، واستمر هذا حتى جاء المغول 656هـ وأطاحوا بالدولة، وهذا ما سِرْتُ عليه إبان دراستي لهذا الكتاب، إذ حددت بداية العصر بمطلع القرن السابع الهجري وسميته عصر الدول المتتابعة، وأدبه بأدب العصور المتتابعة، فشمل بذلك جزءاً من العهد الأيوبي كما شمل العصر المملوكي والعثماني .
أما نهاية العصر فقد أجمع كثير من الدارسين على أن احتلال نابليون بونابرت لمصر وكان سنة 1213هـ/1798م، ومجيء محمد علي باشا إلى مصر في 1805م يعد بداية لعصر النهضة الحديثة في البلاد العربية، لأن بونابرت جلب معه مطبعة عملت على نشر الثقافة والفكر، ثم جاء محمد علي باشا وتابع النهضة الثقافية، وإذا سلّمنا بهذا نكون قد اعترفنا بالتبعية الثقافية فضلاً عن أن فيه خطأ كبيراً ذلك لأن :
1- نابليون بونابرت لم يكن أول من أدخل المطبعة إلى البلدان العربية، فقد وجدت في بلاد الشام في حلب منذ سنة 1698، وقيل في سنة 1702، وهذا يعني أنها سبقت مطبعة نابليون بما يقارب القرن .
2- إن نابليون مكث في مصر سنتين فحسب، ولم يمتد سلطانه إلى الأقطار العربية الأخرى، وهذه المدة القصيرة الملأى بالأحداث الدامية، والمقتصرة على قطر واحد لا تكفي لتغيير ثقافة أمة عريقة فضلاً عن آدابها، ومن يدرس أدب العرب في الأقطار التي لم يدخلها المستعمر الفرنسي يجد بلاغة وبياناً ناصعاً، ولا سيما في مشرق الجزيرة العربية ونَجْدِها، وفي العراق، وشعرُ الحركة الوهابية، وديوان عبد الغفار الأخرس العراقي والشعر العثماني عامة خير دليل على هذا .
3- محمد علي باشا الذي أقام النهضة العلمية في مصر بعد استقلالها كان جندياً من جنود الدولة العثمانية أرسل لمحاربة الفرنسيين، فتمكن بدهائه من استلام زمام الحكم فيها، ولذلك تعد نهضته الثقافية تابعة للنشاط الثقافي في الدولة التي ينتمي إليها .
4- محمود سامي البارودي الذي أحيا التراث الأدبي التقليدي أديب غذي بثقافات الدولة العثمانية، وقد عاش ومات في عهدها، وشارك في حروبها، فضلاً عن أن أدبه لا يفوق أدب مشرق الجزيرة العربية كعُمان ونجد وسواهما، وإن ادعى غير ذلك المصريون وغالَوا في أقوالهم متأثرين بنزعتهم الفرعونية التي كانت سائدة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بل إن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم، وأحمد الكاشف وعبد المطلب كانوا من شعراء الدولة العثمانية، وإن نسبوا إلى العصر الحديث لأن تكوينهم الأدبي تم في عهدها وبين ربوعها، وتوجه كثير من مدائحهم إلى سلاطينها، وقد أظهرت آدابهم انتماءهم لها بوصفها دولة الخلافة الإسلامية .
5- ودمج القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي بالعصر الحديث يضيع على مثقفينا فرصة معرفة عصر الدول المتتابعة ومعطياته، وهذا يؤدي إلى استمرارية إهماله على مافيه من معطيات أدبية وعلمية .
ومن هنا فإني أرى أن نهاية العهد العثماني، وأعني بذلك نهاية عصر الدول المتتابعة لم يكن بمجيء نابليون بونابرت وإنما كان بانتهاء الحكم العثماني على الأراضي العربية إثر الثورة التي قام بها الشريف حسين سنة 1916م، إذ كان العثمانيون خلال مدة حكمهم يدَعُون للشعوب العربية أن تعبر عن ثقافاتها بلغة الضاد، بل كان كثير من سلاطينهم يكتبون العربية وينظمون بها أشعارهم ومن هؤلاء السلطان سليم الأول والسلطان عبد الحميد الثاني، ولم تسُدْ سياسة التتريك إلا بعد سقوط حكم السلطان عبد الحميد الثاني 1909م إذ سيطر بعد ذلك الاتحاديون الطورانيون، وبدهي أن سبع السنوات العجاف هذه لا تعد شيئاً إذا ما قيست بالقرون الأربعة التي كان العثمانيون فيها يبسطون ظلهم، ويتابعون نشاطهم الثقافي الذي كان في عهد أسلافهم، ويمكننا أن نقول إن الثقافة العربية والأدب العربي واصَلَا نشاطهما المعتاد، ولم يؤثر عليهما تتابع حكام غير عرب لأن هؤلاء كانوا يشجعون الدراسات العربية والإسلامية كجزء من اهتمامهم بلغة القرآن الكريم .
وقد اخترت للدراسة هذه الرقعة الواسعة من الأرض التي يتكلم أبناؤها الضاد وهذا الامتداد الزمني الطويل، وتطلب هذا مني جهداً جهيداً، وصبراً وتفانياً، ليكون بين يدي الدارسين كتاب ينصف العصر ويقدم صورة كاملة عنه، ولهذا انصب اهتمامي على الفنون الشعرية والدراسة الفنية ولم أتحدث عن الأوضاع العامة السياسية والاجتماعية والفكرية فيه لئلا يطول الكتاب في شيء يستطيع الدارس أن يطلع عليه في الكتب المتخصصة بالدراسات التاريخية، وقد حوى الكتاب أسماء أعلام فاقت الخمسين وأربعمئة شخصية مما اضطرني إلى إيجاز الحديث عنها إلا إن دعا إلى ذلك داع يتطلبه الموقف، كما اطلعت على ما ينيف عن ثلاثين وثلاثمئة مرجع أدبي وعقائدي وتاريخي وفني وكنت أنتقل بين مكتبات دبي والشارقة، وأحضر كتباً من بلادي سوريا، وأصور ما لا يعار منها لتكون الدراسة كاملة، ولأتمكن من تقليب الفكر، وتقديم شواهد غير مكررة إلا ما اضطررت إليه .
وقد لاقيت صعوبات كثيرة ولعل أهمها تشابه بعض الأسماء، وقلة من يترجم لها، وهذا مادعاني إلى قراءة التراجم من مصادر عديدة لأحدد الشخصية بدقة، وهناك صعوبات فكرية منها كثرة اتجاهات الشعر الصوفي، فهناك ما ينم عن تقوى وورع، وما يدل على ابتداع أو ينحرف انحرافاً جلياً عن الصراط القويم، وقد يكون للشاعر الواحد رأي مقبول وآخر مردود، ولهذا اعتمدت القول لا الرجل، وقسمت الشعر إلى شعر صوفي معتدل، وآخر بدعي، وثالث إلحادي .
كما لاقيت صعوبة في الحديث عن الظواهر الموسيقية، فالتغيرات التي حدثت دعتني إلى الإطلاع على العروض الفارسي، والتوسع في العروض العربي رغبة مني في عرض الظواهر الموسيقية في ذلك العصر عرضا واسعا نتيجة إهمال كثير من الدارسين لموسيقا الشعر العربي، وكثيراً ماكنت ألجأ إلى تقطيع الأبيات التي لا تنسجم مع الموسيقا العربية لأكشف عن التجديد في الأوزان، فضلاً عن التجديد في الهيكل الموسيقي، وكان رائدي في ذلك أن أقدم نماذج لمن شاء أن يقلد أو يجدد في موسيقا الشعر العربي شريطة الالتزام بنظام يحدده، دون أن يتفلت من كل قيد في موسيقا الأوزان والقوافي .
وقسمت الكتاب إلى مقدمة وبابين وملاحق :
1- المقدمة:
تحدثت عن حاجة المكتبة العربية إلى هذا الكتاب الفريد في موضوعه وشموليته، كما أوضحت سبب تسمية العصر وتحديد بدئه ونهايته، وتكلمت عن الصعوبات التي لاقيتها والمراجع التي اعتمدت عليها، ثم عن أقسام الكتاب وملاحقه .
2- الباب الأول :
ويضم ستة فصول، تحدث الأول منها عن الشعر الديني: الإيمانيات والزهد وقد بينت فيه المشاعر الإيمانية التي يتمتع بها شعراء العصر، ونظرتهم الشمولية إلى الإسلام ديناً ودولة، وعلماً وسياسة .
ثم انتقلت إلى المديح النبوي فذكرت أسباب كثرته في هذا العصر واتجاهاته ولاسيما في البديعيات، ودرست نموذجين لها، أحدهما يذكر فيه اسم اللون البديعي والآخر لايذكر، ثم أوضحت التطرف الذي وجد في المدائح النبوية، والتجديد الذي بدا عند شعرائها، وأخيراً عرضت سمات هذا الفن الشعري .
أما الشعر الصوفي فكان كما ذكرت ثلاثة أنواع، معتدل ينم عن روح أصحابه الإيمانية وإخلاصهم لله سبحانه من غير ما تطرف أو جنوح، وبدعي بدا فيه بعض الانحراف في الغزل الرمزي وقضية السماع والإلهام، والأقطاب ونظرة أهله إلى العلوم الشرعية. وثالث إلحادي كشفت عن ضلالاته وأنه بدا في العشق الإلهي وفي الاتحاد والحلول، والمكاشفات وفي فكرة النور المحمدي، ووحدة الوجود وإسقاط التكاليف، وقد أبديت تصدي العلماء لهذه الضلالات، وكان رائدي في ذلك الشعر الذي خلفه أدباء العصر .
أما الفصل الثاني فكان لفن المديح في هذا العهد، وقد بدا في مدائح رسمية برزت من خلال الحديث عن حروب التتر والحروب الصليبية التي امتدت حتى نهاية العهد العثماني، كما بانت في حروب الأعاجم في الجبهة الفارسية، وكذلك في ثورات داخلية سياسية ودينية واجتماعية، وهناك مجالات أخر للمدائح السياسية تكشف عن اهتمام السلاطين والمسؤولين بشعوبهم، ورعايتهم لهم .
أما المدائح غير الرسمية فقد توجه معظمها إلى العلماء، وجاء بعضها تقريظاً لكتبهم، أو في إخوانيات، أو ألغاز… كما وجدت مدائح للمدن وإشادة بها .
وقد درست سمات مدائح العصر كما قدمت نموذجاً مدروساً لواحدة كشفت من خلالها فنية القصيدة والوحدة العضوية في هذا اللون الشعري .
وفي الفصل الثالث الرثاء في هذا العصر أوضحت أنواعه وما جدّ منه وسماته، وكذلك الحال في الهجاء «الفصل الرابع» إذ بينت سماته ومظاهره والجديد فيه .
أما الفصل الخامس فكان للشعر الاجتماعي، وقد أكمل هذا برأيي الصورة التي كان عليها المجتمع العربي إذ تحدث عن أوضاع العاملين إيجابياتهم وسلبياتهم، كما تحدث عن الإخوانيات وعن شعر الغربة والحنين، ومما يجدر التنبيه إليه أن هذا الفن الشعري يعد -برأيي- جزءاً من الشعر الاجتماعي، لأنه يكشف عن أسباب الهجرة التي هي في مجملها أسباب اجتماعية، وإن جاء بعضها لغايات سياسية، كما أنه ينم عن الصلة الوطيدة بين أبناء المجتمع، وقد تحدثت عن أسبابه وأنواعه وسماته . ثم انتقلت إلى الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، والمظاهر الإيجابية والسلبية في هذه العلاقة ولاسيما في الحياة الزوجية، كما تحدثت عن ظواهر شعرية يبدو فيها الحب بين طرفين يكون أحدهما الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في الغزل الرمزي غالبا، كما يبدو في التعبير عن حب الأستاذ أو العالم، أما شعر الغزل فبدا في معظمه تقليدياً تجلى في الوقفة الطللية وفي النسيب، وقد أوضحت الصفات التي يعجب بها الرجل من فتاة أحلامه مادية كانت أم معنوية، كما كشفت عن الانحراف الذي بدا في هذا الفن الشعري، وأخيرا أوضحت دور الأم في المجتمع .
ثم انتقلت إلى الحديث عن المكيفات ما حلّ منها وما حرم، كالقهوة والدخان والمخدرات والخمر وبينت مواقف الدولة والشعراء منها، وعرضت القصيدة الأفيونية التي قالها «فتح الله ابن النحاس»، وكشف بها عن النزعة الإنسانية والذاتية التي أحس بها هذا الشاعر بوصفه إنساناً ابتلي بها ثم تاب عنها .
أما الفصل السادس فكان للفنون الشعرية الأخرى الوصف والفخر والحكمة والآراء والشعر التعليمي، وكان الوصف في مجمله تقليدياً، وقد تعددت مجالاته فهناك وصف الطبيعة الصامتة والمتحركة، ووصف المدن المنكوبة بالحروب والكوارث الطبيعية، وكان الوصف مجالاً للشوق والحنين أو للذكرى أو لسقيا الخمرة، وكان وصفاً خارجياً في مجمله وإن شخص الطبيعة وأنطقها، وهناك وصف مستحدث لمعطيات حضارية أو لمدينة ما، وآخر كان يأتي للمفاضلة بين أمرين كالسيف والقلم متشبهاً بالمقالات النثرية .
وفي الفخر أوضحت أنواعه، وما جدّ فيه من مفاخرات بين الجمادات كتلك التي وجدت في النثر، كما بينت سمات هذا اللون الشعري .
أما شعر الحكمة والآراء فقد بينت مصادره ومجالاته وهي عالم الإنسان والحياة والموت، والسياسة والعلم .
وأما الشعر التعليمي فكان نظماً لا عواطف فيه ولا أخيلة إلا ما جاء عفو الخاطر، ولهذا نأى عن جماليات الشعر، وقد ذكرت أنواعه وهي الأراجيز التعليمية، والأسئلة الثقافية، والإجازات العلمية .
3- الباب الثاني :
وهو للدراسة الفنية لشعر العصور المتتابعة، وقد جاء في أربعة فصول، أوضح الأول منها بنية القصيدة، وهي بنية تقليدية استهلت بمقدمة غزلية، وتخلص منها الشاعر إلى الموضوع في اقتضاب مفاجئ أحياناً، وأحياناً ارتبطت القصيدة كلها برابط نفسي فبدت كالجسد الواحد وإن تعددت موضوعاتها، وهذا أمر بدهي لأن الشعر ترجمان لما في نفس صاحبه،. وقد ضربت نماذج لقصائد تبين فيها وحدة البيت واستقلاليته، ووحدة التسلسل المنطقي في القصيدة، ووحدة الموضوع ، والوحدة العضوية التي تآزرت فيها اللغة مع الصورة والموسيقا لتقدم الفكرة في أجلى معانيها .
وذكرت طريقة الشعراء في إنهاء قصائدهم بخاتمة مناسبة، وكانت الصلاة على المصطفى r في خواتيم القصائد النبوية ومدائح الأشراف، وجاء معظم القصائد في حوالي ستين إلى ثمانين بيتاً، على حين طال بعضها حتى جاوز المئة، وهناك قصائد بلغت ما يزيد عن الخمسين ومئتين، بل وصل بعضها إلى خمسة آلاف بيت، كالملاحم الشعرية والشعر التعليمي، وذلك كله يتبع نفس الشاعر وموضوعه الذي يتحدث عنه .
أما الفصل الثاني فكان للظواهر الموسيقية، وأوضحت فيه أنها تسير في اتجاهين تقليدي خليلي، ومستحدث، درست في الاتجاه الأول ( التقليدي ) جمال هذه الأوزان وموسيقاها العروضية والداخلية التي تحققت بوسائل شتى ثم درست موسيقا القافية الواحدة وبينت جمالها وانسجامها مع المعنى. ثم انتقلت إلى الشعر المستحدث فعرَّفْتُ به، وبينت أنواعه وهي المزدوجات والمثلثات، ثم المسمطات الرباعيات منها بما فيها الدوبيتات ووزن السلسلة، ثم المخمسات والمسدسات حتى المعشرات، ثم انتقلت إلى الموشحات فأبديت رأيي في نشأتها فقد ظهرت في الأندلس متأثرة بالموسيقا المشرقية لا الأندلسية ولا الأوربية، وكان للشعر القديم وللقرآن الكريم أثره في بروز هذا الشعر ذي القوافي المتعددة، إذ التزمت بعض آياته لتغير النغم في بعض سور القرآن الكريم كسورة المرسلات، إضافة إلى محاولات الشعراء ولا سيما المشارقة تعديد القوافي، وانتقال هذا إلى الأندلس عن طريق المدرسة الغنائية التي أنشأها زرياب بعدما رحل إليها من بغداد .
كما عرضت بنية الموشحة وتغيراتها في الهيكل والأوزان، وتحدثت عن المعارضات والتضمينات فيها، وعن وجود موشحات مدحية ونبوية، وهذا لم يكن في العصور السابقة.
وبينت بعد ذلك أنواعاً موسيقية أخرى كالمواليا والبند الذي شابه الشعر الحديث المعاصر .
ثم ذكرت الأوزان المخترعة، وكنت قد سميت واحداً منها المتسع في كتابي الحركة الشعرية في حلب في القرن الحادي عشر الهجري، ولكني لما رأيت كثرة التغيير في هذا العصر آثرت الإعراض عن التسميات دفعاً للتكلف .
كما تحدثت عن سمات الظواهر الموسيقية في هذا العصر .
أما الفصل الثالث فكان للتشكيل اللغوي إذ بينت نظرة القدامى إلى النقد الشعري، وضرورة مراعاة هذه النظرة إبان دراسة نتاج الشعراء لئلا نظلم عصراً له آراؤه النقدية التي تأثر بها شعراؤه .
وأوضحت في هذا الفصل الأساليب التي اتكأ عليها الشعراء وهي المواءمة بين الأسلوب والموضوع والمتلقي، والاعتماد على المحسنات والمعارضات والمساجلات والتوقيعات، ثم الأسلوب القصصي الحواري والحكائي وقصص الأطفال والأسلوب التمثيلي، وقد بينت أن رائد أدب الأطفال هو الشاعر النجدي «أحمد بن علي بن مشرف» الذي عاش في منتصف القرن التاسع عشر، والذي تأثر بالتراث العربي لا بالآداب الغربية الطفولية، وكذلك الحال في الشعر التمثيلي، لأن الشاعر المملوكي «محمد بن دانيال» كتب مسرحيات اجتماعية، وشارك في تمثيل بعضها، كما وجدت مؤلفات مسرحية كثيرة في أواخر هذا العهد ومع ذلك نسب الفن المسرحي خطأ إلى العصر الحديث، مع أن أدباءه عاشوا وماتوا في العهد المدروس .
كما عرضت في هذا الفصل قضايا نقدية تتعلق بنظرة الشعراء إلى الشعر شكلاً ومضموناً، وإلى التكسب به، ثم عرضت مآخذ لغوية ونحوية ظهرت في شعر العصور المتتابعة .
وكان الفصل الرابع للتصوير الفني، مشاهد وصوراً جزئية فيها كثير من الإبداع الفني، وأوضحت فيه مظاهر التأثر والتأثير والسرقات الشعرية، وذكرت نماذج توضح هذا، وأخرى فيهااستدعاء للتاريخ في صور رمزية، وهناك صور تقوم على تناسب الطرفين وتوافقهما أو مخالفتهما، وصور نامية ونمطية وذهنية وتقريرية، وصور مكثفة، فضلا عن مدى جماليات الصور من حيث الحواس أو من حيث الطرفان . ثم أوضحت بعد هذا سمات التصوير الفني في هذا الشعر.
4- ثم كانت الخاتمة ، وقد أوجزت فيها ما توصلت إليه من آراء حول موضوعات الشعر وفنيته ، وكشفت عما جد منهما في هذا العصر .
5- الملاحق: وشملت فهرس المصادر والمراجع، ثم الفهرس العام. وحذفت فهرس الشعراء الذي كان في الطبعتين الأولى والثانية بعد أن طال الكتاب كثيرا .
واتبعت في هذه الدراسة المنهج التكاملي الذي يأخذ من كلٍ ما يوافق الدراسة، وإن غلب المنهج التاريخي في الحديث عن المدائح، والفني في الدراسة الفنية.
وكان هدفي كما ذكرت أن أخلف كتاباً يسد ثغرة في أدبنا العربي، ويكون منصفاً للعصر، موضحاً لإيجابياته وسلبياته، مبرزاً جمال أساليبه كما يبرز ما فيه من ضعف… وإن كانت الإيجابيات أكثر ولكل عصر أسلوبه وطريقته. والله من وراء القصد.
المؤلفة
الباب الأول
الفنـون الشعريـة
في عصر الدول المتتابعة
الباب الأول
الفنون الشعرية في عصر الدول المتتابعة
استمرت القصيدة العربية تسير في خطها العام على نهج القدامى مضموناً وشكلاً في كثير من أغراضها التقليدية، فالمديح هو المديح، مطية للتعبير عن الإعجاب بذوي المكانة المرموقة، والرثاء هو الرثاء آهات ودموعاً، وإن دخلهما شيء من التجديد وكذا الهجاء والفخر.
أما الشعر الديني فقد طرأ عليه تجديد أوسع سواء في مدائحه النبوية أم في شعر التصوف.
ومن هنا فإن دراسة الفنون الشعرية في هذا العصر لا تكون صورة مماثلة لما كانت عليه في الأعصر السالفة، وإنما سنتبين من خلالها جديداً قليلاً أو كثيراً في المضمون والشكل، وسأوضح هذا من خلال دراستي للأغراض الشعرية الآتية:
1- الشعر الديني: إيمانياته وزهده، ومدائحه النبوية، وشعر التصوف فيه.
2- فن المديح.
3- الرثاء .
4- الهجاء.
5- الأدب الاجتماعي: أوضاع العاملين. الإخوانيات. الغربة والحنين. العلاقة بين المرأة والرجل. المكيفات.
6- فنون شعرية أخرى: الوصف. الفخر. الحكمة .
الفصل الأول
الشعر الديني في عصر الدول المتتابعة
الفصل الأول
الشعر الديني في عصر الدول المتتابعة
مع توارد المناسبات الدينية، وكثرة الحروب والكوارث الطبيعية، يستشعر المرء الخوف من جلال الله وعظمته، ويرق قلبه، ويتضرع إلى بارئه يرجو مغفرته ورضوانه… وهذه المشاعر الإيمانية الرقيقة تحدو بصاحبها أن يتغنى حيناً بعظمة المولى تعالى وأن يحمده على آلائه ونعمه، وأن يذكر الجنة فيتمنى الخلود فيها والجحيم فيستعيذ منها… ويذكر مع ذلك صاحب الرسالة العظيم وما أفاض به على البشرية ومن خير عميم بشريعته السمحاء… وقد يبلغ به الحب أقصاه وقد يتطرف في حبه، فينأى عن الصراط السوي وهو يحسب نفسه من المهتدين المخلصين، أو من المتصوفة الطيبين الطاهرين…
وقد بدت هذه المشاعر الإيمانية والمدائح النبوية، والحب الإلهي عند أبناء هذا العصر من خلال قصائد ومقطعات يجمعها رابطة إيمانية أطلق عليها اسم الشعر الديني.
وعلى هذا فإن الشعر الديني في هذا العصر ينقسم إلى :
أولاً : شعر الإيمانيات والزهد .
ثانياً : المدائح النبوية .
ثالثاً : الشعر الصوفي .
وسأبحث في هذه الأنواع مبينة مضامينها وسماتها.
أولاً – شعر الإيمانيات والزهد :
كما ذكرت تنطلق النفس المؤمنة في لحظات الصفاء والارتقاء، وفي أيام الابتلاءات والامتحانات إلى الله بارئها فتناجيه وتعترف بقدرته، وتسبح بحمده وتعبر عن صبرها على بلواه… وتتوكل عليه ليكشف عنها الغم، وتتقرب إليه بالعمل الصالح وتغتنم المناسبات أحياناً لتعبر عن حبها لله سبحانه، وهي تشعر أنه جل وعلا قد حذرنا من الدنيا وتقلباتها، ومن الموت ومصيره ، وطالبنا بتطبيق شريعته في جميع أمور الحياة، لتستقيم أمورنا على هدى ورشاد.
فالشاعر «مصطفى البابي الحلبي»([2]) يقف أمام مولاه، يناجيه مناجاة الضعيف الذليل الذي يلوذ به علّه يلطف به فيرفع عنه الضر، ويأخذ بيديه إلى طريق الهدى والصلاح، بعد أن اعترف لله سبحانه بوسيع العلم والقدرة، ذلك الذي يسبح الوجود كل الوجود بحمده ويثني على علاه ومجده، كيف لا، وهو الحي القيوم الذي تستمد الكائنات كلها وجودها منه سبحانه وتفتقر إلى رضوانه، يقول في ذلك :
هَوَتِ المشاعرُ والمداركُ عنْ معارجِ كبريائِكْ
يا حيُّ يا قيومُ قد بهرَ العقولَ سنا بهائِك
ما الكونُ إلا ظلمةٌ قَبَسَ الأشعةَ من ضيائِك
وجميعُ ما في الكونِ فانٍ مُسْتَمَدٌّ من بقائِك
ما في العوالمِ ذرةٌ في جنبِ أرضِك أو سمائِك
إلا ووِجْهَتُها إليكَ بالافتقارِ إلى غنائِك
إني سألتُك بالذي جمعَ القلوبَ على ولائِك
إلا نظرْتَ لمُستَغيثٍ عائذٍ بك من بلائِك
فالطُفْ به فيما جرى في طيِّ علمِك من قضائِك
واسلُكْ به سُنَن الهدايةِ في معارجِ أصفيائِك
ويرى الشاعر «محمد بن يوسف الفارسكوري»([3]) أن الناس يظنون به خيرا فيتعظون بإرشاداته، ويرجعون إلى بارئهم، على حين يرى نفسه قد قصر عن مرضاة الله سبحانه وضيع عمره فيما لا ينفعه، يقول في ذلك:
وما اتَّعَظَتْ نفسي وضيَّعْتُ أوقاتي
وما أسفي إلا لأني واعظٌ
ولم يعلموا حالي وقبحَ خطيئاتي
تظنُّ بي الأصحابُ خيراً ولم يَرْوا
وتجميعُ وزرٍ ثم تكثيرُ زلاّت
وما أحدٌ مثلي به الذنبُ والخَطا
ويدعو «أحمد المقري»([4]) أن يغفر الله سبحانه له فيقول:
بعفوك فاغفرْ عَمْدَ عبدِك والجهلا
ويا مالكاً للناس إني لائذ
من الجودِ والرُّحمى وإن لم نكنْ أهلا
ويارب عاملْنا بما أنت أهلُه
ويناجي «العشري»([5]) ربه في تسبيحات وتحميدات وابتهالات ويعترف له بدوام ملكه وجبروته وعظمته، ووحدانيته التي جعلت الخلائق تسبح بحمده وترجوه أن ينقذها من ناره المتقدة بعفوه الواسع، وبما ييسره لعباده من أعمال صالحات، يقول عنه تعالى:
ربٌّ قديمٌ أخيرٌ واحدٌ صمدُ
وأنّه الدائم الباقي بلا أمَدٍ
شيءٌ ولا والدٌ يُؤويه أو ولد
وأنه هو شيءٌ ليس يشبهه
منه السمواتُ والأرضون ترتعِد
كلُّ الخلائقِ تخشاهُ لسطوتِه
بحمدِه سبَّح الأفلاكُ والجدد
طوعاً وكَرْهاً لـه الأشياء ساجدةٌ
فليس تقوى عليها الشُّمَّخُ الصُّلُدُ
ياربِّ عفوك من نارٍ مُضَرَّمة
خير الأنامِ وبيتَ الله قد وفدوا
فاغفر ذنوبي متى حجّ الحجيجُ على
ويبين العشري عناصر الإيمان وهي شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، والإيمان بالرسل والآخرة وبالجنة والنار، وينبه إلى أهمية النية الصالحة في قبول العبادات، يقول في ذلك:
ولا إلهَ سواهُ للبَرِيّاتِ
إني لأشهدُ أنّ الله خالقُنا
وافى بنور له كلَّ الدلالات
وأنّ أحمدَ منه مرسلٌ ولقد
نارٌ وجنةُ عدن ذو الكرامات
والموتُ والبعثُ حقٌّ ثم بعدهما
للطائعِ المتقِي كلَّ المُريبات
فالنارُ للجاحدِ العاصي وجنَّتُه
نيّاتِ خير ونيّات خبيثات
اللهُ يعلمُ ما تخفي الضمائرُ من
أعمالِ بِرٍّ ومن كلِّ العبادات([6])
فنيّةُ الخيرِ فرضٌ وهْيَ أفضلُ مِنْ
ويحمد الله «عثمان بن علي الطائي»([7]) على أن جعله موحداً لأنه بذلك ينجو بعد الموت حين يقف أمام خالقه، يقول معبراً عن هذا:
ببابك الموتَ بضيقِ اللحدِ والظُّلَمِ
وقائلٌ ما الذي ترجوه حين ترى
وحُسْنُ ظني بربي بارئِ النَّسَمِ
فقلْتُ توحيدُ ربِّ العرشِ مُدَّخري
ويدعو الشاعر «عبد الرحمن المنهلي»([8]) إلى الصبر على قضاء الله وقدره، فإن بعد العسر يسراً، كالنار التي تتقد ثم لا تلبث أن تخمد جذوتها، يقول:
ولا تضجرْ فبعدَ العُسْرِ يسرُ
إذا حكمَ الإلهُ عليك فاصبِرْ
فتُخْمَد قبل أن ينشقَّ فجرُ
فكم نارٍ تبيتُ لها لهيبٌ
ونعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى فكم أفاض بها علينا ودفع عنا البلاء ونحن مقصرون في حمده تعالى على ما أنعم، ولهذا فإن الشاعر «خليل بن كَيْكَلْدي»([9]) يثني عليه ويشكره على عميم فضله ويقول:
لك لا أُؤَدي شكرَها
يا ربِّ كم من نعمةٍ
لَ، وذُدْت عني شرَّها
أوليتَني فيها الجميـ
كلِّ الأمورِ أمَرَّها
وكفَيْتَني ياربِّ في
إني لأرهَبُ وِزْرها
فاغفرْ ذنوبي كلّها
وقِهِ الخطوبَ ومكْرَها
والطُفْ بعبدِك دائماً
ويحمد الله «الشيخ حسن الرومي»([10]) على نعمة الهداية وصحة الجسم والعقل، وعلى رعايته له مذ كان في المهد يتيماً تحيط به النائبات، فقد هداه الله إلى الإيمان وأفاض عليه من حنانه وأنقذه من المفاسد، يقول معبراً عن هذا:
على نِعَم منها الهدايةُ للحمدِ
إلهي لك الحمدُ الذي أنت أهلُه
ولطفُك بي ما زال مذ كنتُ في المهد
صحيحاً خلقْتَ الجسمَ مني، مسلماً
فآوَيْتَ واستنْقَذْتَ من كلِّ ما يردي
وكنتُ يتيماً قد أحاط بي الردى
إلى كل خير يهتدي طالبُ الرُّشْد
وهبْتَ لي العقلَ الذي بضيائِه
فيا نعمةً قد حلَّ موقعُها عندي
ووفقْتَ للإسلامِ قلبي ومنطقي
فضَلْتَ بها لم يَجْزِ أطرافَها جهدي
ولو رمْتُ جهدي أن أجازي فضيلةً
يخلِّفُني الأهلون وحدي في لحدي
ألسْتَ الذي أرجو حنانَك عندما
وقلبي، ويُدْنيني إليك بلا بعد
فجُدْ لي بلطفٍ منك يهدي سريرتي
ويدعو الشاعر «يحيى القباني»([11]) إلى إخلاص النية لله سبحانه ودوام فعل الخير وترك المنكر لأن الأعمال بالنيات، وبحسنها يكون الثواب، يقول في ذلك:
وتخلَّصْ من دنِيْءِ شُغُلِكْ
يا مريدَ الخيرِ أخلصْ عملَكْ
إنما الأعمالُ بالنيةِ لك
وانْوِ خيراً لامرئ ما قد نوى
كفَتِ النيةُ، والأجرُ فلَك
وافعلِ الخيرَ فإن لم تستطعْ
ويدعو «محمد الحمصي»([12]) إلى ملازمة السنة النبوية ليكون قريباً من الرسول صلى الله عليه وسلم وبها يفوز المرء، وبإخلاص قلبه وتقواه، يقول:
قد فاز مَنْ جعلَ التُّقى إشعارَهُ
اجعلْ شعارَك حيثما كنْت التقى
إخلاصَ قلبِك حارساً أسرارَه
واسلُكْ طريقَ الحقِ مُصطحِباً به
يومَ القيامةِ فاتَّبِعْ آثارَه
وإذا أردْتَ القربَ من خيرِ الورى
ويدعو الشاعر «محمد الكفيري»([13]) إلى الأخلاق الحميدة كالعفو عن المذنب، وإكرام ذي الفضل، واقتفاء آثار الصالحين علّه بذلك ينال مرضاة الله ومغفرته، يقول في ذلك:
رجاءً بأن تُمْحى ذنوبي العظائِمُ
سألزمُ الصفحَ عن كلِّ مذنب
هو الماجدُ الحبرُ الذي لا يُقاصَم
فأما الذي فوقي فأعرِفُ قدرَه
وأتبع فيه الحق والحقُّ لازم
فأقفوه في أقوالِه واجتهادِه
أقابِلُه بالاِغْضا لأنيَ مسلم
وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا
ويعجب «خالد العرضي»([14]) من طالب علم لا يتقي الله سبحانه، ويتشبه بالنساء في ثرثرة لا طائل منها،ولا يسعى إلى نيل العلا، يقول في ذلك:
ولم تَرْمِ عنك حديثَ الدُّمى
إذا كنت لا تتقي الموبقاتِ
فأخذُكَ للعلمِ قلْ لي لِمَ؟([15])
ولم تُحرزِ الفضلَ والمكرُماتِ
ويبين الشاعر «إبراهيم الرُّباط البقاعي»([16]) ما يحوز به المرء ثواباً جارياً بعد وفاته، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله:
تسع كما قال الرسول المصطفى
للعبد يَجري الأجرُ بعدَ الموتِ في
ـل، نشرُ عِلْم، والتصدُّقُ في الشِّفا
إجراءُ نهر، حفرُ بئر، غَرْسُ نخـ
وتركُهُ ابناً صالحاً أو مُصحَفا([17])
وبنــــــــــــــاءُ بيـــــــــــتِ ابــــــــــنِ السبيـــــــلِ ومسجــــد
ويندد الشاعر «محمد بن سعيد»([18]) بمن يقضي أوقاته في اللهو ثم يقصر في عبادته ويؤديها وهو كسول عنها، ولذلك يدعوه إلى مصاحبة الصالحين ليتأثر بهم، يقول:
وليلُك بالكرى تلقى انسدالَه
نهارُك كلُّه لهوٌ ولغوٌ
وتقضِيْها وأنت على ملالَهْ
وتأتي للصلاةِ بغيرِ قلبٍ
وصاحبْ من لديه لها دلالة
فكن براً إلى الخيرات تسعى
ويرى «ابن عساكر»([19]) أن جوار المسجد الحرام يجعله في خيرٍ عميم وسعادة قصوى تفوق عز السلاطين ومجدهم، ولهذا فهو قد فضل مجاورته على التدريس الذي دعاه إليه الوزير ابن حنا. قال معبراً عن هذا:
إني إلى بابِ بيتِ الله أدعوكا
يا مَنْ دعاني إلى أبوابِه كرَماً
إني إلى السَّعْي والتّطْوافِ أَحْدُوْكا
ومن حَداني إلى تدريسِ مدرسة
شيء سواه وهذا القَدْرُ يكفيكا
أبيتُ للهِ جاراً لا ألوذُ بما
أرى ملوكَ الدُّنا عندي مماليكا
وأنثني طائِفاً من حولِ كعبتِه
ويختار «العشري» أيضاً مسكناً له مجاوراً لمسجد ليستمع إلى تلاوة القرآن الكريم في آناء الليل وأطراف النهار، وليؤدي فيه الصلوات الخمس في جماعة وتلك نعمة من المولى تعالى يحمده عليها دائماً، يقول:
في جنبِه الشرقيِّ نهرٌ جارِ
إني اصطفيْتُ من المساكنِ منزلاً
يا حَبَّ ذلك بيتُه من جارِ
بجوارِه لله بيتٌ عامرٌ
وتَعاقُبَ الآصالِ والأبكار
تُتلى به الآياتُ آناء الدجى
قرائِه في حِنْدسِ الأسحار
وأنا ببيتي أسمعُ التنزيلَ من
صلواتُ خَمْس مُدّة الأعصار
وبه الجماعةُ لم تزلْ محضورةً
للمُنْعم الربِّ المليكِ الباري([20])
حمداً جزيلاً دائماً متواصلاً
أما الدنيا وأحوالها فقد أكثر الشعراء من الحديث عنها «فأحمد المقري» يوجه خطابه إلى من اغترّ بها ويروح يعظه مذكراً إياه أن دوام الدنيا من المحال، وعزها إلى زوال ويضرب لذلك مثلاً من حياة البشر، فالزعماء والشجعان حتى الأكاسرة والقياصرة قد ماتوا، وسيجزى كلٌّ على عمله إن خيراً وإن شراً، يقول:
لم يجعلِ التقوى اغتنامَهْ
والجاهلُ المغترُّ مَنْ
ـةِ غيرُ مرجوِّ الإدامَةْ
فالعيشُ في الدنيا الدنِيَّـ
في سرعة تبدي فطامَه
من أرضَعَتْه ثديَها
ظلَّ السيادةِ والزعامة
أين الذين تفيَّؤوا
عُ، وذو الجَدا كعبُ بنُ مامَهْ
أم أينَ عنترةُ الشجا
صرةُ المجلَّوْن الغَمامةْ
أين الأكاسِرُ والقيا
ـدَ الموتِ أهوالُ القيامة
والموتُ حَتْمٌ ثم بعـ
أعمالِ مَيْل واستقامَة([21])
والناسُ مجزيُّون عن
ويبين «محمد بن أحمد العجلوني»([22]) أنه كان يزهد في الدنيا، ولم يجمع من حطامها شيئاً وهو يعظ الناس أن يأتسوا به في ذلك، فالتفريط في الأخذ من نعيمها يفقد الثواب:
دخلْتُ إليها قطُّ يوماً من الدهر
خرجْتُ من الدنيا كأني لم أكن
وحصَّلْت منها ما عَمَرْتُ به قبري
تبلَّغْتُ فيها باليسيرِ وقد كفى
فإن سهامَ الموتِ تأتي وما تدري
فيا عامرَ الدنيا رُوَيْدك فاقتصرْ
لمن منحَ الدنيا وراحَ بلا أجر
وإياك والتفريطَ فالغُبْنُ كلُّه
ويحذر «شهاب الدين الأذرعي»([23]) من بطش الله سبحانه في يوم العرض الأكبر يوم يأخذ كل حقه ،ويكون القوي فيه ضعيفاً حتى يعطي الضعيف حقه ولهذا فعلى المرء أن يتقي المولى ولا يعاند أو يكابر، ويقول:
ما هكذا الرأيُ الأسدّْ
كم ذا برأيِك تستبدّْ
ءِ ومن له البطشُ الأشدّْ
أ أَمِنْتَ جبارَ السما
ما مِنْ مقام العَرْض بدّْ
فاعلمْ يقيناً أنه
ـفُ ويضعفُ الخصمُ الأَلَدّْ
عرضٌ به يقوى الضعيـ
أهـــــــــــــلُ التُّقـــــــــــــــى ولـــــــــــــتـه استعـــــــدّ
ولذلك العرضِ اتقَى
والشيب خير واعظ للمرء فهو يذكر بالله سبحانه فيثوب العبد إلى خالقه، يقول «فضل الله بن مكانس»([24]) في ذلك:
دعاني لما يُرْضي الإلَه وحرَّضا
جزى اللهُ شيبي كلَّ خير فإنه
وأمسكت لمّــــــــــا لاح في الخيــــــــــــطِ أبيضـــــــــــــا
فأقلعْتُ عن ذنبي وأخلصْتُ تائباً
والجنة خير ما يرتجيه العبد، ففيها تحييه الحييات من الحور العين، ويشرب من كؤوس من معين، والعبد ينالها بشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبه لصحابته الكرام، يقول «أحمد المقري» في ذلك:
غيرُ جاهِ المصطفى الهادي الأمينْ
ما لنا من مَخْلَص نأتي به
هم بحقٍّ أمراءُ المؤمنين
والرضا من بعدُ عن أربعة
آنساتٌ قاصراتُ الطرف عِيْن
وسْطَ جنات تحيّيه بها
وأباريقَ وكأسٍ من مَعِيْن
بقواريرَ لُجَيْن شربُه
حبَّهم، والكونُ معهم أجمعين([25])
والذي شرَّفَهم يمنحُنا
ويرجو الشاعر «عبد البر الفيومي»([26]) أن يعتقه الله من النار ويناجي الله سبحانه لينقذه من ذلك ويقول:
أن تعتقَ الجسمَ في الأخرى من النار
مَنَنْتَ باللطفِ في الأولى ولا عجبٌ
والشعراء الأتقياء تبدو عليهم سيما الخلق الإسلامي الرفيع، من كظم للغيظ، وبعد عن المفاسد ،ورحمة للخلائق، فالشاعر «البدر حسن السيوفي»([27]) يصمت إن تعرض لسوء إرضاء لله سبحانه، ويقول:
ولم يخشَوْا من العقلاءِ لَوْما
إذا ما نالتِ السفهاءُ عرضي
وقُلْتُ نذرْتُ للرحمنِ صوما
كسوْتُ من السكوتِ فمي لِثاماً
و"إبراهيم بن عمر الرُّباط "يرحم الخلائق ليرحمه الله سبحانه، وليرق قلبه وهو لذلك لا ينتقم أبداً، يقول:
فما تزالُ بأدنى الغيظِ مُنْتَقِما
ما بالُ قلبِك قد زادَتْ قساوتُه
فرحمةُ اللهِ مخصوصٌ بها الرُّحما([28])
فاكْظُمْه عفواً وأحسِنْ راحماً أبداً
ويشتكي «إبراهيم بن أحمد المقدسي الباعوني» من مفاسد الناس في عصره، ومن شدة كيدهم وأحقادهم ونفاقهم، فهم يتظاهرون بالمودة ويعلم الله ما تكن صدورهم من كراهية ولؤم، يقول في ذلك شاكياً إلى المولى سبحانه من هذا الانحراف الخلقي:
ملأى بأنواعِ المخازي دورُهم
أشكو إلى الباري أناساً قد غَدتْ
تغلي على الجمرِ الكثيفِ قدورُهم
تغلي عليَّ صدورُهم غيظاً كما
واللهُ يعلمُ ما تِكنُّ صدورُهم([29])
هم يعلنون لدى التقاءِ مودتي
والمرء لا يرجو من البشر نوالاً أو عطاء، وإنما يرجو ذلك من مولاه، يقول «عبد العزيز القيسراني»([30]) في ذلك:
يطعمُه اللهُ ويُسْقِيْهِ
ومَنْ طلبَ الأرزاقَ عندَ مَنْ
وحاد عن نيلِ أمانيه
يكونُ قد ضلَّ سبيلَ الهدى
يَعْجَزُ عن إرزاقِ راجيه
لأن من يَعْجَزُ عن نفسه
ومن طريف القول ما تخيله الشاعر «ملا جرجيس بن درويش»([31]) من حديث مع إبليس إذ يكشف في حواره معه عن محاولة هذا اللعين إغواء بني الإنسان، يقول فيها:
إذ جاءَ إبليسُ فحيّاني
وليلة بتُّ على غُرَّة
قد جَمَعَتْ من كلِّ رَيْحانِ
وقال: ما رأيُك في روضة
إن صحَّ هذا كيف تلقاني
فقلْتُ : يا شيخُ أيا حبَّذا
قلْتُ بها قضَّيْتُ أزماني
قال: وفي صافية عُتِّقَتْ
قلت: إذاً تظهرُ أشجاني
قال: وفي شادٍ حـلا صوتُه
فأنت من أنصحِ أعواني
فقال لي: يا أفسقَ الناس نَمْ
فحُسْنُ ديني عنه ينهاني
فقلت: اخْسَأْ يا أشَرَّ الورى
خُزِيْتَ من أقبحِ شيطان
وكل قولي بك هُزْءٌ فقُمْ
يعجبُ من طوعي وعصياني
فردَّ منكوباً على عقبِه
ما قلتُه في سري وإعلاني
وإنني أستغفرُ اللهَ من
ويرى شعراء العصور المتتابعة أن العلم جزء من الدين وهو في رأي «علي ابن زيد الزبيدي»([32]) علم القرآن والسنة فحسب وما عداه فهذر وثرثرة وأهواء:
وما سوى ذلك لا عينٌ ولا أثرُ
ما العلمُ إلا كتابُ اللهِ والأثرُ
فلا يَغُرَّنك من أربابِها هَذَرُ
إلا هوىً وخصوماتٌ مُلَفَّقَةٌ
بما تضمَّنَتِ الأخبارُ والسُّور
فعدِّ عن هذيانِ القومِ مكتفياً
ولهذا يشيد «محمد التميمي»([33]) بعلماء الحديث الشريف الذين أنفقوا أعمارهم لحفظه ونفي الباطل عنه، وهو يدعو أن يسكنهم الله فسيح جناته على ما قدموه من علم نافع للمسلمين، يقول في ذلك:
وبوَّأهُمْ في الخلد أعلى المنازل
جزى اللهُ أصحابَ الحديث مثوبةً
ونفيِهِمُ عنه ضروبَ الأباطل
فلولا اعتناهُمْ بالحديث وحفظِه
صحيحَ حديث من سقيم وباطل
لما كان يدري مَنْ غدا متفقِّهاً
وليس يعاديْهم سوى كلِّ جاهل
فَحُبُّهُمُ فرضٌ على كلِّ مسلم
وفي نظرة شمولية للإسلام يرى الشعراء أن الدين والسياسة لا فصل بينهما، ولذلك يوجه الشاعر العشري نصائحه للحاكم ليعدل بين الرعية، ويذكره بالدار الآخرة وبضرورة استعمال أهل الأمانة، وسد السبل أمام الطامعين وتفقد الولاة والرعية، يقول في ذلك:
ونُصْحيَ يبدو لا يجافي مقالتي
إليك إمامَ المسلمين نصيحةً
ولا تَغْتَبِطْ مستبشراً بالإمارة
ألا فانظرِ الدنيا بعينِ الحقارةِ
صبوراً شكوراً زاهداً ذا إنابة
وكن خاشعاً ذا عفَّةٍ متواضعاً
لدارٍ سوى دنياك دارِ المُقامَةِ
ومستعملاً أهلَ الأمانةِ راغباً
ولا تترخَّصْ طالباً للتجارة
ألا فاغلِقَنْ بابَ المطامعِ كلِّها
يخافُك كلُّ الحَضْرِ ثم البداوة
وأنت قويٌّ ما عدَلْتَ مُسَلَّطٌ
وليس تُوَلِّي غيرَ أهلِ الولاية([34])
ألا وتفقَّدْ كلَّ وال أقمتَه
ويدعو الشاعر «أحمد بن مشرف»([35]) إلى محاربة المفسدين في الأرض لتستقيم أمور الدين والدولة، يقول ذلك في معرض حديثه عن ثورات الأعراب، مخاطباً الإمام فيصل بن تركي آل سعود:
وكم قطَّعُوا سبلَ الحجيجِ وخوَّفوا
وكم قد أغاروا في الدروبِ وكم عَثَوْا
إلى الله يتلوها سنانٌ ومُرْهَف([36])
فهل يستقيمُ الدينُ إلا بدعوة
وعلى الرغم من شيوع الدين وسيادته، فإن مخالفات شرعية بدت عند بعض الشعراء، وكان منها يتعلق بشهر رمضان العظيم، وآخر يدخل في باب الغزل، وكأن أصحاب هذه المخالفات قد غلبت عليهم شهوة الدنيا وزخرفها ومتعها، وكان في قلوبهم مرض بدا في نفثات تحزن من كان في قلبه نور وإيمان، ومن هذه المخالفات قول السيد «فتحي الدفتري»([37]) :
شهرٌ طويلٌ ثقيلُ الظِّلّ والحركةْ
شهرُ الصيامِ وإنْ عَظَّمْتَ حُرْمَتَهُ
أجدَّ في إثرِ مطلوب على رَمَكِهْ
كأنه طالبٌ ثأراً على فَرَسٍ
وقد رد عليه الشاعر عبد الغني النابلسي([38]) فقال:
حتى على الناس فيه تنزلُ البركةْ
شهرٌ شريفٌ به الخيراتُ مُشتبِكة
ذنوبَه أثقلَتْهُ فهو في اللَّبَكة
من قالَ شهرٌ ثقيلٌ عنه فهو يرى
إلى الطعامِ وحبِّ الأكلِ قد مَلكَهْ
يذمه جاهلٌ في أسرِ شهوتِه
عن الغذاءِ ولولا الخوفُ ما تركَهْ
مُصَفَّدٌ مثلُ شيطانٍ تراه به
لكنه حيوانٌ يُكْثِرُ الحركة
في جوعِه النفعُ لو كان الخبيثُ درى
وطولُ أيامِه باللُّطْف منسبِكَةْ
يشكو من الطولِ في أيامِه سفهاً
أبياتُه فيه صُدْقاً فهو في الهَلَكَةْ([39])
يخشى الردى منه بل إنْ كان ما نطقَتْ
ومن الانحراف الديني في شعر الغزل قول «سعيد السعسعاني»([40]) وكأنْ قد غشى المنكر على عينيه وختم على قلبه:
أبداً نورُه لديك مُبين
يا نبيَّ الجمالِ أُوْتِيْتَ حُسْناً
ولآياتِه لأنتَ الأمين
ظهرتْ معجزاتُ حسنِك حقاً
فيه شأنٌ ولي بذاك شؤونُ
أنا من أمةِ الغرامِ لكلٍّ
وبه اللهُ في المعادِ أدين
مذهبُ الحبِ مذهبي، وهو ديني،
فالشاعر جاء بمعان دينية هي من شعائـر الله في سياق الهوى والفساد من نحـو « نبي الجمال، نوره مبين، معجزات حسنك، لآياته أنت الأمين، أمة الغرام، مذهب الحب ديني وبه الله في المعاد أدين… » وهذا يدل على ضعف في وازعه الديني إن لم يكن قد كفر )ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب( ([41])كما يقول تعالى.
وقد شاعت بالشام فتيا على لسان بعض اليهود تتعلق بالقضاء والقدر والجبر والحرية، أوردها الصفدي في أعيان العصر، وكانت الفتيا قد وردت على شكل سؤال علمي شرعي فيه:
تحيَّرَ دُلّوه بأوضحِ حُجَّةِ
أيا علماءَ الدين ذميُّ دينِكم
ولم يرضَهُ مني فما وجهُ حيلتي
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمِكم
دخولٍ سبيلٌ؟ بيِّنوا لي قصتي
دعاني وسَدَّ البابَ عني فهل إلى الـ
فها أنا راضٍ بالذي فيه شَقْوَتي
قضى بضلالي ثم قال ارضَ بالقضا
فبالله فاشفُوا بالبراهين غُلَّتي([42])
وهل لي اختيارٌ أن أخالفَ حكمه
فالسائل يقول إذ كان الله قد قضى عليه بالكفر وهو راضٍ بقضاء الله ولا اختيار له في ذلك فلم يعذبه؟ وقد رد عليه الشيخ «علاء الدين التبريزي»([43]) بقوله:
وصلَّيْتُ تعظيماً لربِ البريةِ
حمَدْتَ إلهي قبلَ كلِّ مقالة
بُلِيْتَ بها فاسمَعْ هُدِيْتَ لرشدتي
إذا صحَّ عنك الجدُّ في كشفِ غُمَّة
أموتُ بجوعٍ إذ قضى لي بِجَوْعة
فأنت كمَنْ لا يأكلُ الدهرَ قائلاً
إلى الله والدينِ القويمِ الطريقةِ
فلو أنتمُ أقبلْتُم بضراعة
وأحسَنْتُمُ الإمعانَ في كل نَظْرَةِ
ووفَّيْتُمُ حُسْنَ التأمُّل حقَّه
وليس خروجٌ من قضاء بحالة
لكان الذي قد شاءه اللهُ من هدىً
ولكنْ تعرَّضْ كي تفوزَ بنفحة
ألا نفحاتُ الربِّ في الدهرِ جَمَّةٌ
لما هو مخلوقٌ له دون ريبة
ولا تَتَّكِلْ واعملْ فكُلٌّ مُيَسَّرٌ
فالشيخ التبريزي يحمد الله على نعمة الإسلام ويبين للسائل أن على المرء أن يسعى إلى الهداية،وأن يقبل على ربه بخشوع، وأن يتعلم شرعه، وحين يفعل هذا فإن الله سبحانه سييسر له الهدى، ولا يحل له أن يبقى على ما هو ويعترض، كمن لا يترك نفسه بلا طعام ولا شراب، بل يسعى إلى سد جوعته ، وكل ميسر له خلق له.
وهذا التفكير غير المنطقي جعل عبد الغني النابلسي يسخر من اليهود والنصارى ويبين إضلال الله سبحانه لليهود في التيه:
لا عقلَ فيهمْ والعقولُ شواهدُ
إن النصارى واليهود كلاهما
ثم ادَّعَوْا أن الثلاثةَ واحدُ
جعل النصارى الربَّ جلَّ ثلاثةً
بين الورى وإنِ استرابَ الجاحِدُ
والعقلُ يأبى والتناقضُ واضحٌ
فيما مضى لم يبدُ منهم راشد
وكذا اليهودُ وإنْ تكاثرَ عدُّهم
في مَهمَةٍ ما قَدْرُهُ متزايد
في أربعين من السنين تحيَّروا
وتناسلوا في تِيْهِهِمْ وتوالدوا
دارُوا وقد رجَعوا لموضِع بَدْئِهم
خابَ الرجا منهمْ وضلَّ القاصدُ
وكذا الإلهُ إذا أضلَّ جماعةً
وبه لنا التكليفُ وهو الشاهدُ([44])
والعقلُ نورُ اللهِ في ملكوتِه
وهكذا عبر الشعر الإيماني عن نفوس امتلأت بحب الله سبحانه، وإعجاب بقدرته وآلائه، وتسبيح بحمده، واعتراف بعجز الإنسان أمام جبروته، وتوحيد له ورهبة منه، ورجاء بنعمه وجنته، وسعي إلى مرضاته، بقلب منيب خاشع لجلاله، راغب بعفوه، محب لبيوته ولاسيما المسجد الحرام، زاهد في الدنيا الفانية لينجو في يوم لا ينفع فيه جاه ولا مال إلا من أتى الله بقلب منيب، وتخلق بالخلق الإسلامي الرفيع، ورجا الله سبحانه وأعرض عن إبليس وغواياته، وعاش والإسلام بنظرته الشاملة للحياة هدفه.
أما من نأى وأعرض فإنه يلقى تصدياً يرد الصواب إلى عقله، أو يكشف عن ضلالاته، ويدعو إلى تبين وجه الصواب سواء في العقيدة أم في السلوك ولو كان النائي المنحرف سلطاناً، أو ذا ملة حادت عن الإسلام الحنيف وهديه العظيم.
ثانياً – المديح النبوي:
قال أحمد المقري:
فِعْل من في الله قوّى طمعه
لأديمَنَّ مديح المصطفى
وعسى يحشرني الله معه([45])
فعسى أنعَمُ في الدنيا به
ومنذ أن أطلقها حسان بن ثابت صرخة حبّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدوية في وجه المشركين تقرع آذانهم وتخفق منها قلوبهم عجباً ووجلاً، وذلك بقوله:
ويمدحه وينصره سواء
فمن يهجو رسول الله منكم
لعرض محمد منكم وقاء
فإن أبي ووالده وعرضي
وبحري لا تكدره الدلاء([46])
لساني صارم لا عيب فيه
منذ ذلك الحين، وإلى عهد المقري وما بعد المقري كشف الشعراء عن دور الكلمة في تبيان منزلة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فهو نبي الهدى المؤيد بالله سبحانه الذي أحبه من أحبه ،ونأى عنه من نأى لهوى في نفسه أو جبروت، ولكنه قد يعترف بعظمته كمااعترف الأعشى الجاهلي بقوله:
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
نبياً يرى ما لا ترون وذكره
نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا([47])
أجِدُّك لم تسمع وصاةَ محمد
ثم عرض ما يتصف به الرسول صلى الله عليه وسلم من التقى وصلة الرحم والرحمة بالفقراء والمساكين .
وقد مرت المدحة النبوية خلال هذه الأعصر بمرحلتين أولاهما طور الدعوة لإعلاء كلمة الدين بالكلمة كما أعليت بالسيف، ومثلها حسان وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، والثانية طور التعبد بها لإظهار حب الشاعر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أقدمها مدحة الزمخشري ( ت 538 ) التي مطلعها:
أنى لها وغرار عزمي باتر([48])
قامت لتمنعني المسيرَ تماضرٌ
وكان قد قالها حين عزم على الحج ثم توالت المدائح بعد ذلك وكثر نتاج الشعر النبوي كثيراً وحوى حباً عميقاً لصاحب الرسالة المحمدية وثناء عطراً بفضائله النبيلة.
ومن المعلوم أن ذكر شمائل المتوفى تعد رثاء إلا أنه في حق الرسول r تعد مديحاً وثناءً([49])، لأن الغاية من ذلك ليست إظهار التفجع والتحسر، وإنما الإشادة بكريم خلاله وعظيم فعاله.
وقد شجع على هذه المدائح أسباب عديدة، وبرز فيها سمات متعددة، وسأتحدث عنها مبينة أسباب المدائح النبوية ،واتجاهاها، والتطرف والتجديد فيها.
1- أسباب المدائح النبوية:
كثرت المدائح النبوية في عصر الدول المتتابعة كثرة لم نعهد لها نظيراً في أدبنا العربي ولعل من أهم أسباب ذلك:
أ- المناسبات الدينية التي تتوالى في كل عام هجري كعيد رأس السنة الهجرية، وعيد المولد النبوي الشريف وزيارة الحج والعمرة أو المرور بأراضٍ فيها ذكريات دينية، وظهور آثار للرسول صلى الله عليه وسلم .
فالشاعر «محمد بن الطيب»([50]) يتمنى أن يذهب إلى الحج ليطوف بالبيت العتيق، ويسعى بين الصفا والمروة، ثم ينتقل إلى المدينة المنورة حيث يثوي الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يرجو به السعادة ويهديه أطيب السلام، يقول معبراً عن هذه المشاعر الإيمانية العميقة:
وهل أَرِدَنْ يوماً على الريِّ زَمْزَما
ألا ليت شعري هل أرى البيتَ مُعْلَماً
نلُمُّ بهاتيكَ البقاعِ فنَلْثُما
نطوف بذاك البيتِ طوراً وتارةً
لنُصْفي الفؤادَ المُسْتَهام المُتيَمَّا
وطوراً نصلي ثم نسعى إلى الصفا
بها طابتِ الأكوانُ نجداً وأَتْهَما
ويا ليت شعري هل أرى طيبةَ التي
فأصبحُ فيه مُنشِداً مُترَنِّما
وهل تُبْصِرُ القبرَ الشريفَ محاجري
وأرجو حصولَ السُّؤْلِ منه مُتَمَّما
أخاطبه جهراً وأسألُ ما أشا
إذا ما نظمْتُ القولَ فيه تَنَظُّما
ويسعدني القولُ البليغُ فأنثني
سلاماً بعرفِ الطيباتِ مُخَتَّما
وأهدي إلى خيرِ الأنامِ محمدٍ
وعندما يصل الشاعر «محمد إبراهيم العمادي»([51]) إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يقول معبراً عن حبه الذي سكن فؤاده وعن إعجابه بنهجه وهديه داعياً له أن يصلي الله سبحانه عليه ما وجد حجاج يقصدون أرضه الشريفة:
ومقامُ ذي الشرفِ الرفيعِ المُنْتقى
مثوى حبيب قد ثوى في مهجتي
وغدا الوجودُ بهديه مُتَأَلِّقاً
من جاء بالفرقانِ نوراً ساطعاً
لولاك ما عرفَ السبيلَ إلى التُّقى
يا هادياً وافى بأوضحِ منهج
نحو الحجازِ وقاصداً أرضَ النَّقا
صلى عليك اللهُ ما رَكْبٌ سرى
وظهور آثار للرسول العظيم يدعو إلى ذكر فضائله والثناء عليه، وقد ألف أحمد المقري كتاباً سماه (فتح المتعال في مدح النعال) سجل فيه مدائح نبوية لشعراء قالوها في رسمٍ لنعله بلغت حوالي ثلاثمئة من ذلك قول «مالك السبتي»([52]) بهذه المناسبة:
مفاخرُهُ مشهورةٌ ومكارمُهْ
نبيٌ لـه فضلٌ على الناس كلِّهم
وجادَتْ عليهم بالنوالِ غمائمُهْ
رؤوفٌ عطوفٌ أوسعُ الناسِ رحمةً
وكلُّ فعال صالح فهو خاتمُهْ
به ختمَ اللهُ النبيينَ كلَّهم
تقسَّمَهُ قومي كفتهم قسائمُهْ
أُحبُّ رسولَ الله حباً لو أنه
إلى الشوقِ أن الشوقَ مما أكاتمه
ومما دعاني والدواعي كثيرةٌ
فها أنا في يومي وليلي لاثمُه
مثالٌ لنعلَيْ مَنْ أحبُّ حويْتُه
نعم أنا مشتاقُ الفؤادِ وهايِمُه
صبابةُ مشتاق ولوعةُ هائمٍ
وعندما يحين عيد المولد النبوي في المغرب يغتنم الشاعر «عبد الواحد بن المواز»([53])هذه المناسبة ليهنئ سلطان المغرب حسن بن محمد بهذه المناسبة وفيها يقول:
فهل عَطْفَةٌ تشفي بها قلبَ مُكمَد
إليك رسولَ اللهِ ثارَتْ صبابتي
إلى أن ثوى قلبي غرامُ محمد
فما كنت أدري ما الغرامُ وما الهوى
وحسبي به زاداً، وخيرُ تزود([54])
لقد صار لي طبعاً هواك وشِيْمةً
ب- ومن أسباب كثرة المدائح النبوية في هذا العصر أيضاً الحروب والثورات الداخلية كالحروب الصليبية التي أدت إلى صراع عقائدي بين المسلمين وأهل الكتاب وقد بدت في مجادلات لهم([55])، ومنها قصيدة البوصيري([56]) التي يبين فيها أن التوراة والإنجيل قد بشرا بمقدمه، فالتوراة دعته أحمد، والإنجيل سماه الفارقليط والمنحمِنّا الذي سيخرج من جبال فاران لينشر النور، ويبين أن صفاته قد تحققت لهم ولكنهم ينكرون ذلك لأحقادهم يقول:
قِدْماً بأحمدَ ثم باسماعيلا
تخبِّركُمُ التوراةُ أنْ قد بُشِّرَتْ
ولسامع مِنْ فضلِه ما قيلا
طوبى لموسى حين بشَّر باسمِه
نالَتْ على الدنيا به التفضيلا
وجبالُ فارانَ الرواسي إنها
فلقد دعاه قبلَ ذلك إيلا([57])
إن يَدْعُهُ الإنجيلُ فارِقْلِيْطَه
لكم فليس مجيئُه مجهولا
والمُنحَمِنّا لا تشكّوا إنْ أتى
أبقَتْ حُقوداً عندهم وذُحولا([58])
لم يجهلُوه غيرَ أن سيوفَه
وكذلك كان للحروب والثورات الداخلية أثرها إذ يكثر فيها سفك الدماء والاضطرابات ولاسيما إن كان الشاعر قد اشترك فيها، كما حدث للشاعر أمين الجندي([59]) إذ كان مع الثائر إبراهيم باشا في حروبه ضد العثمانيين في بلاد الشام، فلما خسر سجن الشاعر فأحس بمرارة القيد، وراح يناجي الله تائباً من ذنبه، متوسلا إليه بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم علّه يفرج عنه كربه، ويطلق سراحه، يقول :
نبي لمثلي خير كاف وكافلِ
توسلت بالمختارِ أرجى الوسائلِ
غدا شكرُها فرضاً على كل عاقل([60])
هو الرحمةُ العظمى هو النِّعْمة التي
ج- الكوراث الطبيعية: التي تذكر بالمولى سبحانه ونبيه ،وتدعو إلى العودة إلى شرع الله ورسوله، ومن هذه الكوارث الزلزال الذي أصاب حلب وكان شديداً هدم كثيراً وقتل، ولذلك انطلقت ألسن الشعراء في هذه المناسبة بالمديح النبوي بمثل قول الشاعر عمر اللبقي([61]) :
وأعظمَ مبعوثٍ وأشرفَ مَنْ مشى
أيا مَفْزَعَ الجاني وأكرمَ شافعٍ
من الخطبِ والزلزالِ قد خاف واختشى
إليك أنَبْنا والتجأْنا فنجِّنا
بجاهِك عند الله في الصبحِ والعِشا
عليه وأسبلْ ذيل أمنِكَ واكفِهِ
د- أسباب ذاتية: كتوبة شاعر إلى الله وإنابته، وكان الشاعر «أيمن البزولي»([62]) ، قد تاب بعدما أسرف على نفسه فألزم نفسه بعد توبته أن يقول في كل يوم قصيدة يمدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد ترك ذلك مرة فرآه في نومه يعاتبه بقوله (كيف ترضى بفراقنا) فراح يثني عليه .
هـ- أسباب أدبية: ومنها معارضات الشعراء فالشاعر «أحمد الخفاجي»([63])عارض معلقة زهير بن أبي سلمى وجعلها في المديح النبوي، وكان مطلعها:
وبلِّغْ أخاك الشوقَ مني وسلِّم
أبدراً أضاءَ الأرضَ للعُرْفِ تَمِّم
كما عارض «صلاح الدين الكوراني»([64]) همزية البوصيري النبوية فقال في مستهل بديعيته:
واستضاءَتْ بنورك الخضراءُ
كيف لا تنجليْ بك الغبراءُ
يا سماءً ما طاولتْها سماء([65])
أيرومونَ مِنْ علاك لحاقاً
و- انتشار التصوف: وللتصوف أثره في المدائح النبوية إذا يدعو إلى رقة القلب ويشيد بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد يغالي أصحابه في الثناء عليه وسنرى أثر ذلك عند الحديث عن الشعر الصوفي([66]) .
ز- حب الله ورسوله: والتعبير عن هذا الحب وسيبين بعد قليل.
2- اتجاها المدائح:
سارت المدائح النبوية بتأثير الاتجاهات الفكرية والفنية المتعددة في خطين عريضين هما:
أ- قصائد المديح النبوي.
ب- المدائح النبوية التي بدت فيها الكلفة والتصنع، وسميت البديعيات .
وسأدرس هذين اللونين وسمات كل منهما.
أ- قصائد المديح النبوي:
وقد سارت هذه على نهج القصيدة العربية التقليدية في تعبيرها عن حب النبي صلى الله عليه وسلم بلا كلفة أو تصنع، مقلدة في ذلك ما قاله شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم الأوائل كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وسواهم في معاني قصائدهم ومبناها، وهذه القصائد تستهل غالباً بالغزل الرمزي، إذ جاء وسيلة للتعبير عن حب الشاعر له ممثلاً بفتاة تدعى ليلى أو سعاد على عادة العرب فالشاعر «أبو الوفاء العرضي»([67]) يرمز له بليلى، ويجعل زيارتها تمام الحج، يقول في ذلك:
على ليلى وتُقْريها السلاما
تمامُ الحجِ أن تقفَ المطايا
فما ….. لحجهم تماما([68])
فإن حَجّوا ولم يقفوا بليلى
وهذا الغزل يتسم بالسمو الخلقي والفكري ، إذ يبدو محتشما وقصيرا ، وتذكر فيه الأماكن الحجازية غالبا .
وبعضهم استهل بالغزل بفتاة أحلامه، ثم عبر عن تركه لهذه السيرة والتوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الأحق بالمدح([69]) .
وقد يأتي التعبير عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة دون أن تذكر امرأة وهمية فالشاعر «علي الوهبي الجفعتري»([70]) يعبر في مستهل قصيدة له عن حبه له ويذكر الأماكن التي كان يعيش في أرجائها نحو سلع ونجد وزرود وحَزْن، وهي الأماكن التي يكثر ذكرها في المدائح النبوية، ويترجم مشاعره هذه دموعاً تسيل كالعندم وهجراً للنوم، وكان الشوق يلح عليه فيلومه اللائمون، ولكنه لم يستجب لهم، كيف والنبي الحبيب هو صاحب الشمائل الرفيعة والجهاد المبارك الذي قمع به الأعداء ،وقد عمي لائموه عن إدراك مكانته ومنزلته ولذا فهو يصدّ عنهم كما يصد عن الخمرة وسقياها، يقول في ذلك:
واعتراني الجوى وزاد افتضاحي
هزني الشوقُ للرُّبا والبِطاح
وزَرُوْد وحَزْن تلك النواحي
حلّ في القلبِ حبُّ نجد وسلع
ما على مُغْرَمِ الهوى من جُناح
ليس لي إن تزايد الشوقُ ذنبٌ
ـه وأهلِ الصَّبوح والأقداح
أنا مالي وللمَلامِ وأهليـ
ـدِ المُرَجّى، وعن ضياءِ الصباح
فهم قد عَمُوا عن النور والقصـ
وصباها وفي هبوب الرياح
ما انتعاشي إلا بتَلْعاتِ نجد
عن شذا صاحبِ الجَدا والسماح
وإذا ما تهب تحملُ نشراً
قامعُ الشِّرك للضلالةِ ماحي
أحمدُ المصطفى كريمُ السجايا
وهذا الشاعر «قاسم البكرجي»([71]) يعبر أيضاً عن حبه للرسول العظيم أعظم الناس طراً وأعلاهم منزلة، وأطولهم يداً، وأبعدهم عن الدنيا وزخرفها، وأشجعهم في الملمات، وهذه الصفات الحميدة تملكت فؤاده فأحس كأنه عبده وخادمه:
أيجملُ بي أن أنشدَ الحجرَ الصَّلْدا
أُهَيْلَ الحمى تالله ما اشتقْتُ للحِمى
هم ملكوا قلبي فصرْتُ لهم عبدا
ولكن سكانَ الحمى و نزيلَه
إلى إلفِه وازداءَ أهلُ الوفا وُدا
أحنُّ إليهم كلما حَنَّ عاشقٌ
وأشرفِهم قدراً وأرفعِهم مجدا
هو المصطفى من خيرِ أولادِ آدمٍ
وأثبتِهم قلباً وأكثرِهم زهدا
وأطيبِهم نفساً وأعلاهم يداً
وقد يستهل الشاعر مدحته بالتغزل بمن يحب من النساء توطئة لذكره وذلك بأن يستدرك فيبين أن هذه السيرة لاتحمد ، وأجدر به أن يثني على الحبيب المصطفى([72]) ، أو يذكر أن خلاصه من معاناة حبه بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قول «أبي بكر الكاتب»([73]) إذ يترنم بحب ليلى التي تتراءى له ثم تختفي فتخلف في قلبه أسى وشجوناً ولا يخلصه مما هو فيه من معاناة إلا ذكره للرسول عليه الصلاة والسلام ، حبيب فؤاده، وأعظم شافع للبشرية، وأسمى وأسنى من في الوجود، يقول في ذلك:
وُجُودي وعقلي والحشا ومسامعي
تراءَتْ لعيني واختفَتْ فتملّكَتْ
لعلي أراها من وراءِ البراقع
أرجِّح طرفي يَمْنَةً ثم يَسْرَةً
وقلبي على مرِّ الليالي لا يعي
أنادي أيا ليلى، وليلي ينقضي
سوى حُبِّ خيرِ الخلقِ أكرمِ شافع
فما مخلصي من ذا الغرامِ ومَهْربي
بدا طالعاً لما اختفى كلُّ طالع
محمدٌ المحمودُ في فَلَك العُلى
وسواء أكان الغزل حقيقياً أم رمزياً فإنه لا يقصد لذاته وإنما هو تقليد متبع ينأى فيه الشاعر عن الوصف المادي إلى ذكر المحبة والأماكن ولذلك تبدو عليه سمة العفة والاحتشام([74]) ويشير إلى السمو الفكري والأخلاقي،.
وقد ينأى الشاعر عنه فيستهل مدحته بمناجاة الله سبحانه كما في نبوية «فتح الله بن النحاس»([75]) التي مطلعها:
وإليه منهُ الأمرُ راجعْ
يا مَنْ لمَنْ يدعوه سامعْ
بُك في وسيعِ العفوِ ضائع
ياربِّ عفوكُ أو ترا
ءُ لباب عفوك جئْتُ قارع([76])
أنا عبدُك الشيخُ المسيْ
وقد يذكر الشاعر الشيب والدنيا وآثامها، وينفر من الغزل لأنه لا يناسب كبار السنالذين عليهم أن يغتنموا الدنيا للعمل الصالح، ويخلص الشاعر من ذلك كله إلى المديح النبوي كما فعل «مصطفى البابي الحلبي» في مستهل نبوية له، إذ قال فيها:
يجدُّ اشتعالاً رأسُه وهو يلعبُ
قضى عجباً من دهرِه المتعجِّبُ
ألا فانتهِبْها قبلَ ما أنت تُنْهَب
تقلّصَ ظلُّ العمرِ إلا صبابةً
فلا تنسَ عفوَ الله فالعفوُ أرحب
وإن ضِقْتَ ذرعاً من تعاظُمِ ما مضى
به يطمئنُّ الخائفُ المترقِّبُ([77])
ولُذْ بجنابِ الفاتحِ الخاتمِ الذي
وقد يبدأ نبويته بوصف الطبيعة التي أبدعها الخالق جل شأنه ويدعو إلى العيش في أحضانها وأن تكون السعادة في أرجائها وسيلة لإزاحة الهموم، كما يزيلها بمدح المصطفى عليه السلام، يقول الشاعر «أحمد بن صالح الوراق»([78]) معبراً عن هذا:
تفترُّ عن ثغرِ البشائرْ
زمنُ الربيعِ به الأزاهرْ
وانْفِ الهمومَ عن الضمائر
فانهضْ إلى روضِ المنى
قد غارَ منها كلُّ طائر
واسمعْ غناءَ بلابلٍ
وكنْ له يا صاحِ شاكر
فاطرَبْ بما صنعَ الإله
ــه المصطفى نورِ البصائر([79])
واجلُ الكروبَ بمدحِ طـ
وبعد أن يفيض الشاعر في التعبير عن مواجده ينتقل إلى الحديث عن الرحلة إلى ديار الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحب دعاه إلى السير إلى مثواه ليمتع القلب بمعاني الإيمان وفيض مشاعره، فالشاعر البهاء العاملي([80]) يعبر لصاحب له عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر أماكن الحجاز نجد ووادي الخزام وذا المجاز وحزوى…:
فدَعاني ولا تُطيلا ملامي
قد دعاني الهوى فلبّاهُ قلبي
وجرَتْ في مفاصلي وعظامي
خامرَتْ خمرةُ المحبةِ قلبي
جئْتَ نجداً فعُجْ بوادي الخزام
أيها السائرُ الملحُّ إذا ما
عادلاً عن يمين ذاك المقام
وتجاوز عن ذي المجازِ وعرِّجْ
فلقد ضاعَ بين تلك الخيامِ([81])
وانشدَن قلبيَ المعنّى لديهم
ويخاطب الشاعر «شاكر العمري»([82]) حادي ناقته وهو في طريقه إلى الحج مبيناً أن الناقة طربت عندما أحست أنها تتجه إلى طيبة، وقد واصلت السير بصاحبها، وكانت إذا ما ضلت الطريق اهتدت بنور المصطفى المنبعث من المدينة المنورة وكذلك بروائحه العطرة التي تعبق من مثواه، يقول في ذلك:
كي تراها تطيرُ في مَسْراها
غنِّها باسمِ مَنْ إليه سُراها
لو تبدّى لها الردى ما ثناها
ليس تُثْنى عن المنازلِ عَزْماً
حين أمَّتْ من الحجازِ هواها
وترامَتْ تَفْلِي الفيافي شوقاً
لاح برقٌ من طيبة فهداها
وإذا ضلَّتِ المفاوزَ يوماً
ورياحُ الندى يفوحُ شذاها
حيث نورُ الهدى يلوحُ سَناه
وقد يرى الشاعر البرق آتياً من تلك الأراضي، أو يرى ريح الصبا فيزداد شوقه إلى حبيبه ومولاه00([83])
وينتقل الشاعر بعد رحلته إلى موضوع المدحة فيروح يذكر فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله النبيلة، كما يتحدث عن صفاته الجسمية أحياناً، ويروي لنا معجزاته ومساعيه في دعوته، وجهاده للكفرة، فمن فضائله ما ورد في الحديث الشريف «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي…»([84]) وقد نظمها الشاعر عبد الغني النابلسي في قصيدة له فقال:
بها هو في قُرْبِ المُهَيْمِن طامعُ
وقد خصَّه اللهُ الكريمُ بخمسة
أتى بصلاةٍ جاز فيهن راكعُ
له الأرضُ صارتْ مسجداً أينما بها
إذا لم يكن ماءٌ هنالك نابعُ
وكلُّ صعيدِ الأرض فيه طهارةٌ
فيختصُّ فيها عسكرٌ وطلائع
وحُلَّتْ له كلُّ الغنائمِ في الوغى
على مَنْ يعادي حزبَه ويقاطعُ
وبالرُّعْبِ من شهر له الله ناصرٌ
شفاعتُه للناسِ والكلُّ جازعُ([85])
وبَعْثُه للخلقِ طُرّاً وفي غد
ويتحدث «أمين الجندي» عن شمائله الرفيعة فيبين أن المولى سبحانه أثنى على أخلاقه العطرة إذ كان حليماً متواضعاً على الرغم من سمو مكانته، جواداً تقياً مُمجداً عفوّاً وهو يعرض عن الجاهلين، يقول في ذلك:
فقلْ ما تشا في وصفِ تلك الشمائلِ
شمائلُه تُنْبِيْك عن حُسْن خُلْقِه
ولا سيما الإعراضُ عن كل جاهلِ
وأخلاقُه فاهَ الكتابُ بمَدْحِها
فحَلّ من العليا بأعلى المنازلِ
نبيُ هدىً سنَّ التواضُعَ عن علا
تَجَسَّم فيها المجدُ بعد التكامُل([86])
نقيٌّ تردى الجودَ والحلمَ حُلَّةً
وأما صفاته الجسمية فقد وصفها الشاعر «محمد بن علي الجمالي»([87]) فأشاد بجماله وكمال خَلْقه ونورِ بِشْرته، وكان أقنى الأنف واسع العينين، وكان بين كتفيه خاتم النبوة كبيض الحمام ليشير به إلى معجزة أيده الله سبحانه وتعالى بها يقول في ذلك :
حِليةً تُوِّجَتْ بكلّ بهاء
كمَّلَ اللهُ خلقَهُ وحباه
وجهُه بالضِّيا كبدرِ السماء
كان فخماً مفخّماً يتلالا
الأنفِ رَحْب الجبين ذي اللألاء
أزهر اللون أدعج العينِ أقنى
خاتمٌ، وهو خاتَمُ الأنبياء
بين كتفَيْه مثلُ بيضِ حمامٍ
ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة وإن لم يعتمد عليها الإسلام في إثبات النبوة، وقد أشاد الشعراء بها، ومنهم «قاسم الرامي»([88]) ، قال في أعظمها وهو القرآن الكريم ثم في الإسراء والمعراج وحنين الجذع وتسبيح الحصى وانشقاق البدر([89]) :
نزولُ كتابِ اللهِ من خيرِ مُنْزِل
له معجزاتٌ باهراتٌ أجلُّها
له ناطقاتٌ أنه خيرُ مُرْسَل
ومنها انشقاقُ البدرِ نصفين والظبا
روى الجيشَ منها أعلنوا بالتهلل
وفي كفّهِ صُمُّ الحصى سبَّحَتْ وإذ
نأتْ روحُه عنه فلم يَتَحَمَّل
وأنّ إليه الجذعُ أنّاً كهيكلٍ
تقيه هَجِيراً يا له من مُدَلَّل
وقد ظلَّلَتْه حيث سارَ غمامةٌ
إلهٌ قديمٌ واحدٌ لم يمثل([90])
دعاهُ وأدناهُ لحضرةِ قدسِه
وهذا الشاعر «عبد الواحد بن المواز» يذكر من معجزاته سعي الشجر إليه ورد عين قتادة، وشفاء عين علي بن أبي طالب وكان بها رمد في يوم خيبر كما أخبره ذراع الشاة الذي أكل منه أن لحمه مسموم، وذلك في قوله:
بِكفّهِ ماءٌ قد روى اللَّجبَ الصَّدِ
ووافَتْ له الأشجارُ تسعى كما جرى
وعافى علياً من قذًى به مُرْمِدِ
وردَّ بفضلِ اللهِ عينَ قُتادَة
ذراعٌ فلم تُسْتَقْصَ آيُ محمدِ ([91])
وأخبرَهُ عن سُمِّه عندَ أكلِه
وأما دعوته ونشرها عن طريق الفتوحات، وشجاعته وجهود صحابته حتى تمكنوا من ترسيخ عرى الدين فقد تحدث عنها الكثيرون ومنهم الشاعر «أحمد العزّازي»([92]) في مثل قوله:
وذلك السيفُ حتى الحشرِ مسلولُ
سلَّ الإلهُ به سيفاً لمِلَّتِهِ
والكفرُ واه وعرشُ الشرك مثلولُ
وشادَ ركناً أثيلاً من نبوتِه
لهم من الله تعذيبٌ وتنكيلُ
أولئك الخاسئون الخاسرون ومَنْ
لها السيوفُ نيوبٌ والقنا غيلُ
نمَتْه من هاشمٍ أُسْدٌ ضراغمةٌ
به افتخارٌ وترجيحٌ وتفضيلُ
لهم على العَرَب العَرْباء قاطبةً
ويكثر في المدائح النبوية استغاثة الشعراء بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم رجاء أن يكشف المولى سبحانه عنهم البلوى بحبهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن أدرك الشاعر أن الأمر كله بيد الله فلا حرج ولا كفر من ذلك، وقد لجأ عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن عباس وجعله وسيلة للاستسقاء وهذا الاعتقاد يختلف عمن يتوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة وهو يقول له خلصني من مصيبتي، لأن الأول التجاء إلى الله سبحانه والثاني فيه اعتقاد بأن الرسول عليه السلام يدفع البلاء وهو ميت .
يقول "أمين الجندي" في مدحة نبوية له:
فكن مُنجِدي يا مُنتهى كلِّ آمُلِ
دعوتُك يا الله مستشفِعاً به
سواك مُغيثٌ في الخطوبِ الغوائل
إلهي قد اشتدَّتْ كروبي وليس لي
إلى الله فهو الغوثُ في كل هائل([93])
فإني بطه مستغيثٌ وراغبٌ
ويطلب المدّاح النبوي من صاحب الرسالة أن يشفع له يوم العرض الأكبر كيف لا، والأنبياء تحتمي به وتطلب منه أن يتوسط لها عند بارئها، ولهذا حق للشاعر أن يلجأ إليه ويرجو منه ذلك وإن كان عبداً مذنباً قد اقترف الموبقات، يقول «محمد أمين الدمشقي»([94]) معبراً عن هذا:
يومَ القيامة صفوةُ الرحمن
هذا شفيعُ المذنبين ملاذُهم
ولدٌ ولا من والدٍ يرعاني
إن لم تكن لي يومَ لا مالٌ ولا
إلا جنابُك يا مُغِيْثَ العاني
فلبابِ مَنْ آتي وليس مُشَفَّعاً
وقد يذكر المادح الصحابة ولاسيما الخلفاء الأربعة ويشيد بفضائلهم وأخلاقهم، ويبين أنه ينال بحبهم مرضاة المولى تعالى فينجو من عذابه، وهو يهدي سلامه إلى الخلفاء الأربعة ولا سيما أبي بكر الذي رسخ الإسلام، وعمر بن الخطاب ذي الرأي السديد الذي وافق رأيه ما نزل في القرآن الكريم مراراً، وعثمان بن عفان الرجل الحيي، وعلي بن أبي طالب البطل المغوار، وهو يرجو لهم الرحمة ما دام هناك حجيج يتجهون إلى أراضيهم مشوقين إليهم، يقول الشاعر «محمد العمادي» في ذلك:
نحو الحجازِ وقاصداً أرضَ النقا
صلى عليك اللهُ ما ركبٌ سرى
ترجى النجاةُ بيومِ هولٍ أوبَقا
والآلِ والصحبِ الذين بحبِّهم
أضحى به نورُ الهدايةِ مُشْرِقا
وعلى الخصوصِ السيدِ الصديقِ مَنْ
مَنْ رأيُه نصَّ التلاوةِ وافقا
ورفيقِه الليثِ الغضنفرِ غوثِنا
حاز الحياءَ مع المهابةِ والتقى
والصهرِ عثمانَ بنِ عفانَ الذي
علمِ الذي حازَ السَناءَ الأسبقا
والشهمِ حيدرةَ الحروبِ مدينةِ الـ
نحو الحجازِ وبالعبيرِ مُخَلَّقا
فعليهم مني السلامُ محلِّقاً
يحدو بها حادي الغرامِ مُشوِّقا([95])
ما سارتِ الركبانُ نحو تهامةٍ
وخاتمة المدحة: نهاية التطواف ولذلك يصلي فيها الشاعر على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته، وقد يذكر قرابته منه كما فعل الشاعر «عبد الرحمن العيدروس»([96]) بقوله:
محبوبُ مَنْ أدنى وأقنى
جدي النبيُ المصطفى
في الفجر وُرْقُ الروضِ غنى
صلى عليه الله ما
حازوا العلا حساً ومعنى([97])
والآلِ والصحبِ الذي
ومما يلاحظ أن هذه السمات قد لا تتوفر جميعها في كل مدحة، ولكن الشيء الذي يشترك به الجميع هو حب المصطفى العظيم، وذكر خلاله وهدايته.
ب – البديعيات:
1ً- رواد البديعيات ومن سار على نهجهم:
في النصف الأول من القرن السابع الهجري، وهو القرن الذي بدأ فيه عهد الدول المتتابعة عاش الشاعر يحيى الصرصري([98]) وكان هذا قد مدح النبي صلى الله عليه وسلم في قصائد متعددة بدأ في واحدة منها، وكانت على البحر الكامل، بالغزل الرمزي ثم أخذ يتحدث عن صفاته ومعجزاته ويذكر فتوحاته ثم أنهى مدحتـه بالصلاة والسلام عليه ، وفي أخرى عارض بها لامية كعب بن زهير (بانت سعاد) وجاءت على البحر البسيط تحدث عن الرحلة إليه صلى الله عليه وسلم أيضاً، وفي ثالثة جاءت على البحر الكامل أيضاً بدأ بالغزل ثم انتقل إلى وصفه وذكر معجزاته ثم استغاث به في آخرها علّه ينال الشهادة في سبيله، ومما لفت انتباهي في الأخيرة كثرة ما فيها من محسنات حتى إن كل بيت بها حوى محسناً بديعياً على غرار البديعيات وذلك على نحو قوله:
قتّالُ كلِّ معاند ختّارِ
هو أحمدُ المختارُ أحمدُ مُرسَل
مُتَكَفلٌ بهدايةِ الأغمار
غمْر الندى جَلاّء أغمارِ الورى
أسفارِ والمنعوتُ في الأسفار
وهو المُظَلّل بالغمام من أذى الـ
أزرى وشدَّ على العفاف إزاري([99])
يا هادياً شدَّ الإلهُ بدينهِ
ففي البيت الأول نرى الجناس التام بين أحمد اسم العلم وأحمد مرسل بمعنى خير مرسل، والناقص بين المختار وختار، وفي البيت الثاني نرى الجناس بين غمر الندى، وأغمار ، وفي الثالث بين أزرى وإزاري، مع تكرار كلمة شد .
وهذا التشابه في الموضوع والتكلف الواضح في البديع جعل البوصيري، كما أتوقع، يتأثر به في ميميته التي أعلن للناس أنه مدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت وسيلته للشفاء من مرض الفالج، ثم قلد صفي الدين الحلي([100]) البوصيري في قصيدة حشاها بألوان البديع حتى حوى كل بيت لوناً من ألوانه وذكر أنه شفي بها من مرضه أيضاً كما شفي سلفه البوصيري، ثم بدأ هذا اللون الذي سمي بالبديعيات بالانتشار، وبدأ التكلف يبرز بشكل أوضح، حتى صار بعض الشعراء يذكرون اسم اللون البديعي في البيت الذي يحويه .
وعرفت البديعيات بعد على أنها قصائد طويلة في المديح النبوي تسير على نهج خاص تشبه فيه المدائح التقليدية إلى حد كبير، وتأتي غالباً على البحر البسيط وروي الميم المكسورة، ويحتوي كل بيت منها على لون بديعي، سواء أذكر اسم هذا اللون أم لم يذكر.
ولهذا فإن الصرصري برأيي كان قد فتح الباب إلى البديعيات قبل البوصيري وبذلك يكون رائد هذا اللون لا البوصيري ([101]) ولاسيما أن البديعيات كلها لم تلتزم بروي الميم المكسورة ولكنها التزمت بالمضمون وبالبديع في أبياتها، وقد قلده البوصيري ، ثم صفي الدين الحلي الذي ألف كتابا شرح به بديعيته النبوية كما قلداه في موضوعه.
وكان البوصيري أشهر من عرف بفن البديعيات، وقد وصلت بديعيته إلى ستين ومئة بيت، حوى كل بيت فيها لوناً بديعياً، وكان البوصيري قد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في قصائد كثيرة، ثم أصابه فالج فنظم البردة واستشفع بها إلى الله وكرر إنشادها وبكى ونام بعد أن توسل متلهفاً، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على وجعه بيده الشريفة،ويلقى عليه بردة، فلما استيقظ وجد نفسه معافى، وكان مطلع بردته:
مزجْتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدم
أمِنْ تذكّر جيران بذي سَلَم
وأومضَ البرقُ في الظلماءِ من إِضَم([102])
أم هبتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمةٍ
وتنقسم مدحته هذه إلى عدة أقسام حوى القسم الأول منها الغزل الرمزي، وحديثاً عن أهواء النفس وآثامها، ثم انتقل إلى الرحلة إلى ديار المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم إلى تبيان صفاته ومعجزاته ، ثم كانت الخاتمة .
ففي المطلع الغزلي لا نرى فيه محاسن مادية، وإنما هو مواجد وبكاء ولوم على التقصير في العبادة والانشغال بأهواء النفس ، وينتهي بالحديث عن رحلته إلى الحجاز ليرى الأماكن الدينية التي وطئها المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ومن قوله في هذا القسم بعد الاستهلال المذكور:
وما لقلبكَ إن قلْتَ استفقْ يَهِمِ
فما لعينيكَ إن قُلْتَ اكفُفا همَتا
إن المحبَّ عن العُذّالِ في صَمَم
مَحَضْتَني النصحَ لكنْ لسْت أسمعُه
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أهواء النفس، ويتحدث عن الصراع الذي ينتاب المرء من جراء أهواء الشيطان ونزغه، كما يذكر المشيب ويتعظ به، ويشجع على الفقر والجوع فعل متصوفة العصر ويبين أن هذا يكسر جموح النفس وحدَّتَها، يقول في ذلك:
من جهلِها بنذير الشيبِ والهرمِ
فإنَّ أمارَتي بالسوءِ ما اتعظَتْ
كما يُرَدُّ جِماحُ الخيلِ باللَّجَم
مَنْ لي بردِّ جماح عن غوايَتِها
إن الطعامَ يقوي شهوةَ النَّهِمِ
فلا تَرُمْ بالمعاصي كسرَ شهوتِها
حُبِّ الرضاعِ وإن تَفْطِمْهُ ينفطم
والنفسُ كالطفلِ إن تُهْمِلْهُ شبَّ على
إن الهوى ما تولى يُصْمِ أو يَصِم
فاصرِفْ هواها وحاذِرْ أن تولِّيَه
وإن هما محضاك النُّصْحَ فاتهمِ
وخالفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهما
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم فيذكر مولده ومعجزاته كالقرآن الكريم والإسراء والمعراج وجهاده ثم يتوسل ويتضرع، من ذلك قوله:
ـن والفَريقين من عُرْب ومن عَجَم
محمدٌ سيدُ الكونين والثقَلَيْـ
لكل هولٍ من الأهوالِ يقتحم
هو الحبيبُ الذي ترجى شفاعتُه
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
فاق النبيين في خُـلْق وفي خُـلُق
تمشي إليه على ساقٍ بلا قدم
جاءت لدعوتِه الأشجارُ ساجدةً
ثم ينتقل بعد ذلك إلى جهاده مع صحابته الكرام فيقول:
ماذا رأى منهم في كلِّ مُصْطَدَمِ
همُ الجبالُ فسلْهم عن مصادِمِهم
فصولُ حتف لهم أدهى من الوَخَم
وسلْ حُنَيْناً وسل بدراً وسَل أُحُداً
إن تلقَهُ الأُسْدُ في آجامِها تَجِمِ
ومن تكنْ برسولِ الله نُصْرتُه
ثم يتوسل إليه علّه يشفع له في يوم الحساب :
سواكَ عند حلولِ الحادثِ العَمَم
يا أكرمَ الخلقِ مالي مَنْ ألوذ به
إن الكبائر في الغفرانِ كاللّمَمِ
يا نفسُ لا تقنطي من زَلّةٍ عظُمَتْ
ويختم البردة بقوله:
على النبي بمنهلٍّ ومُنْسَجِم
وائذَنْ لسُحْبِ صلاة منك دائمةً
وأطربَ العيسَ حادي العيسِ بالنَّغَم([103])
ما رنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صبا
وكان معاصره صفي الدين الحلي قد أراد أن يؤلف كتاباً في البديع فاعترته علة طالت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه المديح ويعده بالبرء من سقمه فعدل عن تأليف الكتاب ونظم مدحة سماها «الكافية البديعية في المدائح النبوية» فشفي من مرضه كما شفي البوصيري.
وتقع مدحته في خمسة وأربعين ومئة بيت على البحر البسيط، وعلى روي الميم المكسورة، وقد قلد بها البوصيري، ولكنه جاء في كل بيت بلون بديعي لم يذكر اسمه وبلغ ألوان البديع فيها واحداً وخمسين ومئة لون، وكان مطلعها:
واقرَ السلامَ على عُرْبٍ بذي سلم([104])
إنْ جئْتَ سلعاً فسَلْ عن جيرةِ العلم
ومنها قوله في الغزل الرمزي:
عن الرقادِ فلم أُصْبِحْ ولم أنم
قد طالَ ليلي وأجفاني به قصُرَتْ
منهم إليهم عليهم فيهم بهم([105])
وَجْدي حنيني أنيني فكرتي وَلَهي
ثم انتقل إلى المديح فقال:
المرسلين ابنُ عبد الله ذي الكرم
-
محمدٌ المصطفى الهادي النبيُّ أجلُّ
([106])
ما إن يقصّر عن غايات فضلهم
وصحبُه من لهم فضلٌ إذا افتخروا
وقد شرحها وسمى شرحه (نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية) ورغب بذلك في الاستغناء عن حشو الكتب المطولة في علم البديع، ولذلك يعد الحلي ممثل البديعيات.
ثم لاقت البديعيات رواجاً كبيراً من بعده، وقلدها الكثيرون منهم ابن حجة الحموي([107]) (ت837هـ) إذ نظم بديعية في اثنين وأربعين ومئة بيت، وشرحها في كتابه خزانة الأدب وجمع في الشرح طرائف من أدب القرن الثامن الهجري، وكان اهتمامه بالبديع واضحاً وقد ذكر اسم اللون البديعي، ومطلع قصيدته:
براعةٌ تَسْتَهِلُّ الدمعَ في العلم
لي في ابتِدا مدحِكم يا عُرْبَ ذي سَلَم
وفيه ذكر براعة الاستهلال ، ومنها في المديح:
بتول، خيرُ نبيٍّ في اطرادِهم
محمدٌ ابنُ الذبيحين الأمينُ أبو الـ
يا عكسُ طَرْفٌ من الكفارِ عنه عُمي
عينُ الكمالِ، كمالُ العينِ رؤيتُه
كما نظم الإمام جلال الدين السيوطي([108]) بديعية سماها «نظم البديع في مدح خير شفيع» وقد ذكر فيها اسم اللون البديعي وهي مطبوعةوسأدرسها .
ولعمر العزازي([109])، وتبلغ بديعيته ستين ومئة بيت سماها الحرز المنيع في مدح الشفيع صلى الله عليه وسلم، التزم فيها ذكر النوع البديعي أيضاً ومطلعها:
مُسْتَفْتَحاً بمديحِ الزاكي الشيم
براعتي وبديعُ المدحِ من كَلِمي
وفيها يقول:
فالقلبُ من لَذْع عَذْل فاظَ بالألم([110])
وضلَّ من ظلّ لفظُ العَدْلِ يؤلمُه
بل هم أضلُّ من الأنعامِ والبهم
إني اقتبسْتُ من الفرقان وصفَهم
ولصلاح الدين الكوراني بديعية همزية مطلعها:
واستضاءَتْ بنورك الخضراء
كيف لا تنجلي بك الغبراءُ
يا سماءً ما طاولتْها سماء([111])
أيرُوْمون من عُلاك لحاقاً
وقد عارضها «البرهان القيراطي»([112]) بقوله:
فبكَاه بدمعةٍ حمراء
ذكَرَ الملتقى على الصفراء
ولأبي الوفاء العرضي كذلك بديعية، وتقع في خمسة وخمسين ومئة بيت، وفيها يذكر اسم اللون البديعي، وقد شرحتها([113])، ولعبد البر الفيومي بديعية([114]) ،وللبهاء العاملي([115]) ، ولكمال الدين البكري([116]) أيضاً وسماها (المنح الإلهية في مدح خير البرية) ، ولعبد الغني النابلسي بديعيتان في ديوانه (نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبي المختار) وقد شرحهما بنفسه. ولحسين الداديخي([117])
2ً-أقسام البديعيات:
وبناء على ما سبق فإننا نرى أن البديعيات تنقسم إلى قسمين:
1- قسم لا يذكر ناظمه اسم اللون البديعي .
2- قسم يذكر ناظم اسم اللون البديعي في كل بيت يحويه .
وسأدرس أنموذجاً لكل نوع منهما.
1- النوع الأول: واخترت له بديعية عبد الغني النابلسي المسماة (البديعية المَزريّة بالعقود الجوهرية) أنموذجا لبديعيات العصر، وقد جاءت كأخواتها على البحر البسيط وروي الميم المكسورة، واستهلها ناظمها بالغزل الرمزي، ثم ذكر أماكن الحجاز ووصف الحب والعذّال، ثم أحسن التخلص إلى مدح الرسول الكريم، يقول في مستهلها:
من سفح كاظمة حُيِّيْتَ بالدِّيمَ
يا منزلَ الركبِ بين البانِ والعلَم
في مُهْجتي قَدْرَ ما شئتم من النِّقَم
هجرانكم قد رمى لما ابتُلِيت به
أقصِرْ عَدَمْتُك إني عنك في صمم
عن الهوى قد لحاني لائمي سفَهاً
سوى بهم، بل بمدحي أشرف الأمم([118])
وليس لي اليوم شغلٌ عندما رحلوا
ثم يذكر نسب الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه ودعوته، ومعجزاته، كتسليم الحجر عليه ونبع الماء من أصبعيه والإسراء والمعراج وانشقاق البدر و.. ، فيقول :
مونُ البوائق خيرُ الخلق كلهم
هاديْ الخلائقِ محمودُ الطرائق مأ
ماءٍ لموسى بضربِ الصخر منسجمِ
عليه سلَّمَتِ الأحجارُ أبلغ من
حتى الجيوشُ ارتوَتْ من سائغ شبمِ
وفاض من أصبعيه الماءُ معجزةً
ذا ليس عذباً وذا عذبٌ لكل ظمي
إن قِيْسَ بالبحر جوداً فالقياسُ خطا
ورامَ ما لا يرى فينا ولم يرم
لفوق سبعِ سمواتٍ رقى فرأى
عصاتُه أصبعٌ لو كان عن أمم [119]))
والبدرُ قد شُقَّ من بحرِ السماء له
ثم يتحدث عن دعوته وجهاده في بدر وأحد وحنين وغيرها، حتى انقادت له البشرية، ورسَّخَ أركان الشريعة بالسيف والقلم فيقول :
حِمى شريعتِه بالسيفِ والقلم
محا الضلالَ بإثباتِ الهدى وحمى
في العلمِ والحلمِ والإقدامِ والهمم
وما له مُشْبِهٌ بين الورى أبداً
كالليثِ في هيبة، كالغيث في كرم
كالطَّوْد في عِظَم ، كالبدرِ في شرف
إلا الذي صَمَّ عن آياتِه وعُمي
والخَلْقُ طُرّاً قد انقادتْ لبعثته
تُنبيك عن كلِّ مقتولٍ ومنهزم
وسلْ حُنَيْناً وسلْ بدراً وسلْ أُحُداً
ثم يثني على صحابته الكرام الهداة ولاسيما أبو بكر الصديق وهو يعلو مقاماً بحبه لهم، كيف لا وهم الشجعان الميامين ، ذوو الوجوه المنورة والعيش الرغيد:
وصحبُه أنجمٌ للاهتدا بهم
كأنه البدرُ في أوجِ الكمال بدا
على هدى كلهم أسمو بحبهم
صحبٌ كرام غدا الصديقُ أفضلُهم
حمرُ الصوارمِ خضرُ العيش والنعم
بيضُ الوجوه غدَتْ سوداً وقائعهم
ثم يروح الشاعر يستغيث بالرسول صلى الله عليه وسلم ويدعوه عله يستجيب له فينقذه من معاناته في هذا الزمان، إذ لم يجد أحداً يلجأ إليه إلاه([120]) يقول في ذلك:
نورَ الوجودِ استجبْ يا سيدَ الأمم
يا أشرفَ الرُّسْل يا غوثَ الخلائقِ يا
ضَعْفي وقاسيْتُ من باسِ منتقم
إني دعوتُك لما الدهرُ جارَ على
بلى، وجدتُك يا سُؤْلي ومُعْتَصَمي([121])
ولم أجدْ مسعِفاً أشكو الزمان له
وأخيراً يهدي الشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته عليه، لأن من صلى عليه غنم وسعد، ونال بكل صلاة عشر حسنات، وهو يرجو أن تقبل هذه الصلاة في حسناته، ثم يختم بتأريخ شعري للسنة التي نظم فيها قصيدته، وذلك بقوله:
عشرٌ بواحدة يا صاحِ واغْتنمِ
صلِّ عليه فمن صلى عليه له
عسى الليالي به تحنو على سقمي
عسى الزمانُ بقرب منه يسمح لي
قبولَها مُسْتَمِداً جوهرَ الحكم
وقد نظمْتُ عقودَ المدح مُرتجِياً
يا ربعُ قد تمَّ مدحي سيدَ الأمم([122])
وقلْتُ للفكر لما الفكرُ أرّخها
والملاحظ أن هذه البديعية سارت على النهج التقليدي للقصيدة النبوية، كما أنهاها الشاعر بالتأريخ الشعري على عادة أهل العصر في التأريخ للحوادث الجلى، ولم يذكر اسم اللون البديعي وإن كان قد بين ذلك من خلال شرحه للقصيدة بيتاً بيتاً.
2- النوع الثاني: وسأدرس له بديعية السيوطي المسماة: نظم البديع في مدح خير شفيع: أنموذجا للبديعيات التي يذكر فيها اللون البديعي في البيت الذي يحتويه:
تقع هذه البديعية في اثنين وثلاثين ومئة بيت، وجاءت على البحر البسيط وروي الميم المكسورة كعادة البديعيات، وقد التزم ناظمها ذكر اسم اللون البديعي في كل بيت، واستهلها بذكر أماكن الحجاز موطن الحبيب الذي أضنى هواه جسده، ثم انتقل إلى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، فكأن هذه الأماكن تقابل أطلال الشعراء الغزلين التي ينطلقون منها إلى التعبير عن مواجدهم، يقول في ذلك:
براعةُ العين في استهلالها بدم([123])
من العقيقِ ومن تذكار ذي سَلَمٍ
تناقصُ الجسم من ضُرٍّ ومن ضَرَمِ([124])
ومن أُهَيْلِ النقى تمَّ النقا وبدا
وما غلَوْا قيمةً من سلب ذوقهم([125])
والعاذلونَ بإيجابِ الملام غلَوْا
يَسْتَثْنِ إلا دموعاً مزجُها بدمي([126])
أضنى الهوى جسدي يا غائبين ولم
ثم ينتقل إلى مديحه فيذكر نسبه وفضله في اقتضاب أشار إليه الشاعر بقوله:
والمدحُ أعلى وأولى بازدواجهم([127])
إن اقتضابَ مديح المصطفى أربي
ثم يثني عليه فيبين أنه الكريم على الله سبحانه الذي رقى السموات العلا، وكان وجهه كالبدر، وشعره كالليل، أما حديثه فحِكَم إضافة إلى كريم خلاله ولاسيما حلمه، يقول في ذلك:
ذكر الكريمُ له الترديدُ في الكلم([128])
هو الكريمُ على الله الكريمِ، وفي الـ
كقاب قوسين أو أدنى لمُسْتَنِم([129])
علا طباق السمواتِ العُلى ودنا
وجهٌ وشَعْرٌ كمثلِ البدرِ في الظُّلَم([130])
شيئان قد أشبها شيئين فيه علا
مرقَّعٌ بعظيم الخَلْق والحُلُم([131])
مرصعٌ بنظيم النُّطْقِ في الحِكَم
ثم ينتقل إلى الحديث عن محاربته للأعداء الكفرة بالسيف والرمح، وحمايته لمن يلجأ إليه ،ويختم بالصلاة عليه وعلى صحبه الكرام ذوي الشرف، ويدعو الله سبحانه أن يلحق بهم، وأن يحسن عمله حتى يختم له بالخير عند وفاته، يقول:
قتلاً وسبياً وتشريداً لمُنهزِم([132])
يُقسِّم الجَزا في الكفار بعد وغىً
والروحُ للنار، والأجسادُ للرخم([133])
فالسبيُ للمُلْك، والتقسيمُ ما جمعوا
فلا اعتراضَ بما يخشاه من نِقَم([134])
ومن يلُذْ بحماه، وهو ملجؤُنا،
تفصيلُ مُجْمَلِها يربو على الدِّيم([135])
عليه منا صلاةٌ ما لها عددٌ
فضلاً وأدمجْ مُحِباً في لوائهم([136])
يا ربِّ سهّلْ سريعاً باللُّحوقِ بهم
حتى أرى عند موتي حُسْنَ مُخْتَتَمي([137])
واكتُبْ من العمر في الدنيا لنا حسناً
وهذه البديعية كما نرى لا جمال في أسلوبها ولا رواء، حتى عاطفتها خمدت بسبب التكلف الذي حوته، وكأن غاية الأديب كانت منصبة على إبراز مقدرته الكلامية والبلاغية من خلال التعبير عن أحاسيسه ومشاعره تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم خير البشرية قاطبة، لكن البديعيات أفادت هي وشروحها في حفظ اللغة وقواعد البلاغة وإن غالى أصحابها في الإكثار من ألوان البديع حتى عدوا الاستثناء منه،كما أفادت عقائدياً وتاريخياً لما حوته من إشارات إلى سيرة الرسول عليه افضل الصلاة والسلام .
3 - التطرف في المدائح النبوية:
كان لانتشار الفكر الصوفي في عصر الدول المتتابعة أثره في المدائح النبوية، إذ تطرف بعض مداح المصطفى في بعض أقوالهم جهلاً منهم، على حين كان بعضهم الآخر يؤمن بفكر غير مستقيم، وقد بدا هذا التطرف في:
أ- الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم: من ذلك قول فتح الله بن النحاس :
وتارة يا خيرَ شافع
طوراً أنادي ربِّ ربِّ
بُ الله ليس عليه دافع([138])
أنا في حماكَ وأنت با
فهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة وباب للوصول إلى الله سبحانه، وهو يناديه بوصفه حياً في قبره يستمع إليه وهو يناجيه ويستغيث به.
وأشد منه قول عبد الصمد الأرمنازي([139]) إذ يتوسل إليه في هذه الدنيا ليزيل عنه كربها وذلك في مثل قوله:
إن مدحَ النبي فيه الشفاء
أيها المادحون طيبوا نفوساً
أو دهَتْني الخطوبُ والضراء
ما رماني الزمانُ منه بسهمٍ
داركَتْني الألطافُ والسراء
وتوسلْتُ بالمشفَّع إلا
فهو يعتقد أن توسله به وهو ميت في قبره ينقذه من مشقات حياته الدنيوية، وكأنه يعتقد أنه يسمع كما يسمع الصلاة عليه إن صلى عليه العبد فإن كان الأمر كذلك فليس كفراً، لأنه يستند إلى ما ثبت من أنه يرد على المسلم الصلاة عليه إذ تبلغه الملائكة ذلك، ولعل الملائكة تبلغه الاستنجاد فيطلب من ربه رحمته كما قال أمين الجندي:
فكن مُنْجِدي يا منتهى كلِّ آمل([140])
دعوتُك يا الله مستشفعاً به
والأفضل ترك هذا لأن الله سبحانه هو المعين والمنقذ ، وبعض الفقهاء لا يجيز ذلك.([141])
ولكن هناك تطرف بلغ حداً لا يقبل من ذلك اعتقاد بعض المتصوفة بفكرة النور المحمدي وتعني هذه الفكرة أن الله سبحانه كوّن الرسول صلى الله عليه وسلم من نوره هو قبل أن يخلق الكون كله ، يقول «حسين البقاعي»([142]) مصرحاً بذلك :
كونُ بباهي نورِه الباهرِ
محمدٌ البدرُ الذي أشرقَ الـ
من قبلِ كونِ الفَلكِ الدائرِ
كوَّنَهُ الرحمنُ من نورِه
ويرى بعضهم أنه لولاه لما كان أرض ولا سماء، ولا بشر ولا زمان ولا دار الآخرة ، فكأن الله سبحانه لم يخلق الوجود إلا من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك غلو شديد([143])، وقد عبر «العشري» عن هذا بقوله:
وَضُحَ الصراطُ ليهتديه مَنْ اهتدى
لولاه لا دنيا ولا أخرى ولا
كلا ولا شمسٌ ولا قمرٌ بدا
لولاه ما الأفلاكُ دارَتْ لم تزل
غَدَقاً ولا برقٌ ورعدٌ أرعدا([144])
لولاه ما جاد السحابُ بمائه
بل إن البوصيري يعتقد أن نوره أضفى على الأنبياء نورهم، وجعلهم يقومون بالمعجزات وكأنه متأثر بفكرة النور المحمدي ، يقول في بردته السابقة:
فإنما اتَّصَلَتْ من نورِه بهم
وكل آي أتى الرُّسْلُ الكرامُ بها
يُظْهِرْنَ أنوارَها للناس في الظُّلَمِ([145])
فإنه شمسُ فضلٍ هم كواكبُها
ويعتقد آخرون ومنهم عبد الغني النابلسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حيٌّ في قبره ، وقد مد يده من القبر ليسلم على أحمد الرفاعي([146]) ذلك لأن الله سبحانه أوجد نور الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلق الكائنات فليس في الوجود ذرة إلا به تكوينها، وأنه قد نجى آدم من خطيئته به، وقد تجلى به المولى سبحانه في كل مظهر ، وهذا الرأي الأخير من أقوال أصحاب فكرة وحدة الوجود([147])، يقول عبد الغني النابلسي في ذلك:
هو اليَدُ مُدَّتْ والجميعُ أصابعُ
نبيٌّ كريمٌ زادُه الله رفعةً
به فعليه توبُه تتسارع
وآدمُ من تلك الخطيئةِ قد نجا
علينا فمتبوعٌ كما أنتَ تابع
تجلى بك الرحمنُ في كل مظهرٍ
ظهرْتَ لنا، والكلُّ منك بدايع([148])
لأنك نورٌ كنت من نورِ ربنا
ويقول أحمد شاكر الحكواتي في مغالاة لا تحتمل:
سي واللوحِ من سنا أنوارك([149])
ووجودُ الأكوانِ والعرشِ والكر
ويقول «محمد الصُّلْغري الدوركي»([150]) في ذلك أيضاً:
لولاك لم يكنِ الوجودُ المُطْلَق
يا قطبَ دائرةِ الوجودِ بأسرِه
في الخافقينِ لواءُ مجدِك يخفق
مذ كنتَ أوَّلَهُ وكنْتَ أخيرَه
ما كان يعلَمُ أيَّ خَلْق يخلق
كنتَ النبيَ وآدمٌ في طينِهِ
فهو يعتقد أنه مدار الأمر كله، وهو أول من خلق في الوجود وآخره إذ أوجده الله سبحانه قبل أن يخلق آدم .
ويزعم البوصيري أن علم اللوح والقلم من علمه ،يقول في ذلك:
ومن علومِك علمُ اللوحِ والقلم([151])
فإن من جودك الدنيا وضَرَتَها
ويعتقد بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى الله جل جلاله حين المعراج يقول الشاعر أمين الجندي :
حتى رأى اللهَ العظيمَ وكلَّما([152])
لا زال يتخذُ المعارجَ سُلَّماً
وهذه المبالغات كلها ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن في بعضها كفرا كما في قول الوراق والحكواتي والبوصيري، ويرد الله سبحانه على أمثال هؤلاء المغالين في منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم: )قل سبحان ربي، هل كنت إلا بشراً رسولاً( ([153]) أي قدرته كقدرة البشر إلا ما ثبت في الشرع من معجزات له .
4- التجديـد في المدائـح النبـوية:
إن عصراً يمتد أكثر من سبعة قرون ليحوي – من غير ما شك – تجديداً كثيراً في الأدب عامة، ومنه المديح النبوي، وذلك نتيجة التأثر والتأثير الدائمين بين الأجناس والأمم التي تشملهم الدولة الإسلامية آنذاك، وقد تبدى هذا التجديد في المضمون ،وفي بنية القصيدة، وموسيقاها ، وفي التشكيل اللغوي فيها .
أ- في المضمـون:
كثر التجديد في هذا العصر في معظم الفنون الأدبية، وقد نال المدائح النبوية حظاً واسعاً من ذلك، ولعل في مقدمة التجديد في المضمون ما ذكر من تطرف في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي فكرة النور المحمدي السالفتين، إضافة إلى :
1ً- نظم مطولات في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تجاوزت ثلاثمئة بيت، فالشاعر أحمد المقري نظم مطولة في السيرة وكانت غايته منها ،كما ذكر، التعبير عن لاعجات المحبة والشوق إليه وإلى أهل بيته الكرام، وقد تحدث فيها عن فضائله وكراماته وباهر آياته ومعجزاته، وأضاف إلى ذلك مدح حلائله الطاهرات، وأصحابه الأعلام، وكان عدد أبيات مطولته ثلاثمئة بيت جعلها ذخراً له يوم القيامة ورجا المولى سبحانه أن يتقبلها عملاً صالحاً ينجو به غداً([154]) ، يقول في مطلع هذه المطولة:
من الحبيبِ يهيِّجْ أشواقَه النَّظَرُ([155])
يا ويحَ للصبِّ إن يبدو له أثرٌ
من نارِ وجدٍ له في القلب تستعرُ
يهفو الفؤادُ نزاعاً أو يذوبُ جوًى
ويقول في مدح خير البشرية:
وخيرُ ما ولَدَتْ عدنانُ أو مضر
محمدٌ خيرُ الورى يمشي على قدم
من جنة روضةٌ يجري بها نهر
فبين روضتِه حقاً ومِنْبِره
ثم يتحدث عن معجزاته ودعوته وشفاعته، ثم عن صحابته الكرام ولاسيما الخلفاء الراشدون وطلحة والزبير، وأبو عبيدة أمين الأمة، وحمزة والعباس وابنه، ويقول في زوجاته:
خيرِ النساءِ فهن الصُّوَّن الطُّهُرُ
واضمُمْ لسِلكِهِمُ أمداحَ نِسوتِه
لهن أسنى الحُلى والشانُ والخطرُ
وأمهاتُ جميعِ المؤمنين ومَنْ
مكانةٌ عنده ما نالها الأُخَر
خديجةٌ عِرْسُه الأولى العلى لها
جبريلَ في أفق فاغتمَّهُ الحذر([156])
والبرّةُ المرتضاةُ الأنسُ حين رأى
إذ لا وزيرَ له فيه ولا وَزَرُ
وزيرةُ الصدقِ في الإسلام ملجؤُه
مصدقٌ فهي الصديقةُ الوَزَر
هي التي صدَّقَتْه حين لا أحدٌ
ماريَّةٌ، فكذا أدى لنا الأثر
وأم أبنائه غير الذي وَلَدَتْ
صَحَّتْ به بعد تسليمٍ لها البشر
وهي التي بشَّرَ الروحُ الأمين بها
وأخيراً اعترف بأنه عاجز عن أن يوفي الرسول الكريم حقه، وختم برجائه للمولى سبحانه أن ينفعه بهذا المديح، وأن يعمر قلبه بالتقوى ويعفو عن زلاته ويهيئ له زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن المطولات النبوية ماكان للحديث عن سيرته في تأريخ شعري طويل يتبعه الشاعر بتأريخ للخلفاء الراشدين، ولبني أمية،كما فعل أحمد بن مشرف ، فكأن نظمه شعر تعليمي يحكي التاريخ وحوادث الدهر فيها، ومما قاله في سيرته .
على الأصحِ بعامِ الفيل مَنْ عرفا
قد كان مولدُ خيرِ الخلق أرَّخَهُ
إليه بالوحي روحُ الله واختلفا
وحين كمَّلَ سنَّ الأربعين أتى
في حاديَ العَشْر للجناتِ قد زُلِفا
ومات في طيبة في شهر مولِده
بفَقْده حين وارَوْه ويا أسفا([157])
فوا مصيبةَ أهلِ الأرضِ أجمعِهم
2ً- الحديث عن الآثار المتبقية من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد ألف أحمد المقري كتابه «فتح المتعال» في مديح مثال نعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنه ينتقل إلى مديحه، كما نظم عبد البر الفيومي مقطوعة فيه أيضا ، وفيها يقول:
وفوائدٌ زادَتْ على العد
لمثال نعلِ المصطفى شرفٌ
يهدي الأنامَ ولو على البعد
فكأنما هو دارتا قمرٍ
فوق الجبينِ علامةَ السعد([158])
قبَّلْتها وجعلْتُ صورتها
3ً- ومن الجديد أيضاً مدائح الأنبياء الآخرين كسيدنا زكريا ويحيى وإبراهيم عليهم السلام، ولعل زيارة الحج والقدس الشريفة ورؤيا هذه المشاعر الدينية في الطريق إلى المساجد الثلاثة أثراً في هذا، فالشاعر عبد الغني النابلسي حينما كان في رحلة له إلى القدس رأى الأماكن التي عاشت فيها السيدة مريم ومهد عيسى فراح يقول:
والأصدقا من كل أديان
معاهدٌ تأوي إليها العِدا
طراً لأنا أهلُ إيمان
لكن بها نحن أحقُّ الورى
لا يختفي في غيمِ أوثان
توحيدُها مشرقةٌ شمسُه
في الدهرِ من أرض وبنيان([159])
قدسٌ شريفٌ طاهرٌ كله
والشاعر نفسه يمدح سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام فيذكر ضيافته يوم جاءته الملائكة فجاءها بعجل حنيذ([160])، ويبين أنه أبو الأنبياء، وأنه الذي سمى الموحدين مسلمين، ثم يتحدث عن قصته مع نمرود والنار التي كانت برداً وسلاماً، وعن ابنه الذبيح إسماعيل، وعن أخلاقه العطرة، ويختم قصيدته بالصلاة عليه وعلى آله وصحبه يقول :
وعمَّتْ رحمةُ الربِّ الجليل
بدَتْ للعينِ أنوارُ الخليل
خليلُ اللهِ ذو المجدِ الأثيل
أبو الضيفانِ إبراهيمُ قصدي
ويفخرُ فيه جيلٌ بعد جيل
جميعُ الأنبياءِ إليه تُنْمى
لنا بالمسلمينَ أجلَّ قِيل
وسمانا كما قد قال ربي
تلظى ما إليها من سبيل
له قد أوقد النمرودُ ناراً
ولم تُحْرِقْه باللهبِ المهيل
فألقاه فعادَتْ منه نوراً
بِذَبْحِ ابن له شهم نبيل
وجاء الوحيُ في الرؤيا إليه
فَداه اللهُ بالكبشِ الجليل
ولم تقطع به السكينُ حتى
عسى يحنُو العزيزُ على الذليل([161])
دخلنا بالتذلُّلِ في حماه
4ً- ومنهم من خص الصحابة الكرام أيضاً بقصائد مستقلة، ومن هؤلاء مدحة «لأمين الجندي المعري»([162]) يقرظ فيها الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه فيقول:
وأولاهم من بعده صاحِ بالأمرِ
خلاصة أصحابِ النبيِّ بلا مرا
وبعد النبيين الكرام بلا نكر
وأفضلُ أهلِ الأرضِ بعد محمد
ثم يتحدث عن تصديقه للرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج، وعن بيعة الخلافة، وحروبه للروم، إذ أتم إرسال أسامة بن زيد إليهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان قد بدأ بالعمل، كما حارب المرتدين، وذكر خلافته الراشدة الحكيمة التي سعد الناس في ظلها، يقول في ذلك:
فكانت بحمدِ الله فاتحةَ النصر
وأمضى غزاةً باشرَ المصطفى بها
تعدَّوْا إلى نقضِ الشريعةِ بالكبر
وجاهدَ أهلَ البغي بالسيف عندما
وأحكامُه أحلى من الشهدِ والقطر
خلافتُهُ كانت على الناس رحمةً
5ً - ومن التجديد في المضمون ما حوته المدائح من مبالغات وتطرف نجما عن انتشار الفكر ، كالاستغاثة، وفكرة النور المحمدي وقد أوضحتهما .
6ً- ومن التجديد في المضمون أيضا ما حوته قصائد مدائح الأشراف وآل البيت من إشادة بجدهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، من ذلك قول الشاعر «مصطفى الترزي»([163]) في مدحة لشريف مكة يحيى بن الشريف بركات :
أئمةِ حق هم بأصدق أخبار
بني حسن أهلِ العلى منبعِ الهدى
دمشقُ ونلنا فيه أرفعَ مقدار
وأشرفهم يحيى الذي شرفت به
ومَنْ أُنْزِل القرآنُ في مدحِه الباري
فيابنَ رسولِ اللهِ وابنِ وصيِّه
بقلبي وسمعي والفؤاد وأبصاري(
لقد مزجَ الرحمنُ ربي ودادَكم
ب- في البنيـة أو المنهـج :
1ً- وكان هناك تجديد أيضا في منهج النبوية، إذ استهل بعضهم مدحته بمناجاة الله سبحانه، وقد ذكر د.عمر موسى باشا أن الشاعر فتح الله ابن النحاس قد جدد في هذا الاستهلال، قال عنه: «إن الجديد الملاحظ في هذه النبوية([164]) أن الشاعر لم يقصرها على مدح الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف في النبويات، وإنما رأيناه يتجاوز أسلوب الشعراء فيخاطب الله مباشرة 000وهذاالاستخدام فيما أعتقد أسلوب جديد، وتطور ملحوظ في المدائح النبوية يطالعنا به الشاعر لأول مرة في تأريخ النبويات» ويعلل ذلك بأنه ناجم عن التأثر بالفكر الصوفي([165]) .
والحقيقة هي أن الشاعر ابن مليك الحموي([166]) قد سبقه إلى ذلك، وهو أيضاً من أدباء هذا العصر.
كما بدأ بعضهم نبويته بذكر الشيب، واستهلها بوصف الطبيعة[167] على غرار القصائد التقليدية، وكأنهم بذلك يقلدون حسان في وصف الأطلال، والطلل جزء من الطبيعة إلا أن مجاله الغزل، لا التأمل في ملكوت الله سبحانه والتعبير عن السعادة في أجوائها .
2ً- ومن الجديد أيضاً أن تتأثر القصائد غير النبوية بالمدائح النبوية فتختم بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم،من ذلك قول محمد الوراق([168]) في موشحة غزلية:
أيها الظبيُ النَّفُوْرْ
إن تواصلْ أو تزرْني
فيك يا وجهَ السرورْ…
ليت شعري مَنْ يلُمني
لو تزورْ
ويختم هذه الغزلية بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:
وتفضلِ بالسلام
صلِّ يا مولى البرايا
صفوةَ المولى الغفورْ…
ثم عمِّمْ بالتَّحايا
الشكورْ
3ً -ومن الجديد أيضاً ما مر من مطولات تاريخية تعليمية حوت سيرة الرسول عليه السلام، وسيرة الخلفاء الراشدين وبني أمية .
4ً- ووجد في هذا العصر مقطعات نبوية، لم تعهد من قبل، وذلك كقول محمد بن عمر العرضي([169]) في مقطوعة له وكان قد تاب وتزهد :
وأرسيْتُ في تيارِ بحرِ الرجا فلكي
إليك رسولَ الله وجهْتُ وجهتي
بسَتْري في الدارين من فاضحِ الهَتْك([170])
فكن شافعي يا مَنْ يُشَفَّع في غدٍ
ويقول «محمد بن محمد الأنصاري الزنوري»([171]) في مقطوعة أخرى وقد جاء إلى المدينة المنورة:
وما خاب عبدٌ أمّكم مُتوسِلا
ببابكم حط الفقيرُ رحاله
وللعفوِ والإحسانِ أمَّ مُؤمِلا
لقد جاء يبغي من نَداكم قراءَهُ
ج- في الموسيقا الشعرية :
المدائح النبوية من أكثر القصائد التصاقا بالنفس البشرية لأنها تخاطب الروح ، وتجعل صاحبها يعيش _ ولو بالقلم _ مع فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم وفعاله ، فيشعر بالطمأنينة والسكينة ، فيتخلص بذلك من لأواء الحياة ، ومن هنا فقد اتسمت المدائح النبوية بالأنغام الشجية مما جعلها صالحة لأن يترنم بها المترنمون .
وقد حصل تجديد في موسيقا المدائح النبوية في عصر الدول المتتابعة :
1ً – جاء بعضها على أوزان قصيرة كقول أحمد المقري على البحر المجتث :
فاقَ النبييـن جاهاً وسطـوةً وجــــــــــلالا
فما لأحمـدَ ندري في المُرسلينَ مثالا
هذا وإنْ كان منهم والكلُّ حازوا الكمالا
ففي السما نيــِّـــراتٌ وكلُّهــــــــــــا تتـَــــــــــــــــــــلالا
وليس منها مُضاهٍ للشمسِ في النورِ، لا، لا([172])
2ً- وجاء بعضها في مزدوجات كقول إبراهيم الخياري([173]) :
لمنهج الحقِّ وبالرسالة
نبيُّنا المبعوثُ بالدلالة
وبين المعقول والمنقول
فمهد الفروع والأصولا
3ً- وهناك رباعيات ومخمسات نبوية، وكان كثير من الشعراء يعمد إلى مدائح نبوية لآخرين ويخمسها كما فعل أمين الجندي حين خمس نبوية الشاعر «عبد الله حجازي»([174]) وفيها يقول:
آياتُه فتبيَّنَتْ سبل الهدى
هذا الذي نَسَخَتْ أباطيلَ العدا
«فالظبيُ وافى مُوْثقاً يشكو الردى»
إن أنكروا من معجزاتِك ما بدا
«والعُوْد أبدى أنَّةَ المجهودْ»([175])
4ً - ووجد أيضاً موشحات نبوية، وقد تحول هذا الفن الهزلي بالمديح النبوي إلى فن جاد ، إذ غدا تسبيحا وذكرا للصفات العلى التي يتمتع بها الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان لانتشار التصوف والتغني بالأناشيد الدينية أثر في ذلك([176]) .
من ذلك قول الشاعر أبي الوفا الرفاعي([177])
يامُجيباً دعاءَ ذي النونْ فـي قـرارِ البحارْ
استجبْ دعوةَ المحزونْ قد دعـا باضطرارْ
ربِّ بدِّلْ عُسري بتيسيـــــر وأَنِلْنـــــــــي القَبـــــــولْ
بجزيل من حسن ميسور مــاإليــه وصــــــــــــول
وافتـح أبواب تدبيـــــــري واقـضِ لي بالدُّخـول
وعلى ما أرومُ كن عوني واكسُنــي بالــــــــــــوقــار
بمُناي أقــــــــرَّ لي عيــــــني أنت بالعبـــدِ بــــــــــــــارّْ
ومن ذلك أيضا قول الشاعر «مصطفى جلبي البتروني»([178]) في موشحة نبوية له عارض فيها موشحة ابن زهر الأندلسي :
مستطيراً في دياجي الغلس
هاجَ أشجانَ الجوى برقُ الحمى
حين أورى زندَه كالقَبَس
شبَّ في قلبي وأذكى ضَرَما
مُظْهِرُ الأسرارِ فرَّاجُ الكربْ
نورُ مشكاةِ مصابيحِ الهدى
إن دَجا الشكُّ وعَم المُحْتَجَبْ
مَنْ بأنوارِ هُداهُ يُقتدى
وأمدَّ الخلقَ في الفضل سببْ
أطولُ العالمِ في العلمِ يدا
راهقَ التمييزَ روح القُدُسِ
نفثَتْ في الرَّوْعِ منه عندما
ساطعَ الأنوارِ للمقتبس
وغدا عندَ التناهي عَلَما
5ً- ومن الجديد في موسيقا القصائد النبوية ما نظم « محمد بن فرج السبتي» من قصائد على عدد حروف المعجم، وكان كل بيت فيها يبدأ وينتهي بحرف واحد([179])، وقلده في ذلك «فتح الله البيلوني»([180]) فقال في ذلك وقد التزم الهمزة:
برايا حذى فيه الشفاءُ لأدوائي
ألا إن تمثالاً على نعلِ أشرف الـ
سحائب فضل لا تقاسُ بأَنْواء
أرى أن ربي فيه أودعَ للنُّهى
على القلبِ من حكمٍ لسلطانِ أهواءِ([181])
أنِلْني المنى في المنزلين ولا تدعْ
ويطول بنا الحديث لو تحدثنا عن التجديد الموسيقي، وسيمر بعض ذلك في دراسة الظواهر الموسيقية .
د- في التشكيـل اللغـوي:
1ً- تقليد أساليب القدامى بالمعارضات الشعرية كما فعل «موسى بن عمر السباعي»([182]) حين عارض قصيدة كعب بن زهير التي مطلعها :
مُتَيَّمٌ إثرها لم يفد مكبول
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
ومطلع قصيدة السباعي:
وليس لي في سواها قطُّ مأمول([183])
صدّت سعادُ وما للحالِ تَحويل
وفيها يقول:
وجاءهَ من لدى مولاه تنزيل
طه الحبيبُ الذي نارَ الوجودُ به
كفَيْه سيفٌ لقمعِ الشِّرك مسلول
نبيُّ صِدق بدينِ الحقِّ قام وفي
ومنهم من أخذ قصيدة شهيرة وعارضها بعد أن جعل موضوعها في المديح النبوي، من ذلك معارضة الشاعر ابن مشرف لحائية النحاس التي مطلعها :
والدجى إن يمضِ جُنْحٌ يأتِ جنح([184])
بات ساجي الطرفِ والشوقُ يلحّ
وهي في مديح «محمد بن فروخ» أمير الركب الشامي إلى الحج، وقد جعل الشاعر ابن مشرف قصيدته التي عارضَتْها في المديح النبوي ومطلعها:
ولبحرِ الدمعِ من عينيهِ سفح
بات ساهي الطرفِ والشوقُ يلحّ
وفيها يقول:
وبه تمَّ لهم نصرٌ وفَتْح([185])
برسولِ الله قد نالوا العُلى
2ً- ومن ذلك أيضاً تضمين أبياتٍ لمدّاحٍ قدامى كما فعل الشاعر «السيد شعيب الكيالي»([186]) حين ضمن بيتي حسان بن ثابت وأشار إلى ذلك، قال الكيالي:
وأين المدحُ مني والوفاء
رسولَ الله ما مدحي بوافٍ
بشطر منه جاءَ الأنبياء
وكيف وقد ملكْتَ زمامَ حُسْن
وأجملُ منك لم تلدِ النساء»
«فأَحْسَنُ منك لم تر قطُّ عيني
كأنك قد وُلِدْتَ كما تشاء»([187])
«وُلِدْتَ مُبَرَّأً من كلِّ عيبٍ
3ً وبعض الشعراء شطروا قصائد غيرهم كما فعل الشاعر «عبد الرزاق الجندي»([188]) حين شطر بردة كعب بن زهير (بانت سعاد) وأشارإلى ذلك فقال:
وكيف لا، وفؤادُ الصَّبِّ مشغولُ
«بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ»
«مُتَيَّمٌ إثرَها لم يُفْدَ مكبول»
وإنني من غرام قد وُلِعْتُ به
إلا مهاةٌ لماها فيه تَعْسيل
«وما سعاد غداةَ البينِ إذ رحلوا»
«إلا أغنُّ غضيضُ الطرفِ مكحول»
ولن يماثلَ أعطافاً لها ظهرت
4- ومن التجديد أيضاً وجود مساجلات شعرية بين اثنين أو أكثر يبدأ واحد فيتم آخر، من ذلك أن الشاعر عبد الرزاق الجندي كان في مجلس مع الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي([189])، والشيخ عثمان البصيري الحمصي([190]) فقال السويدي مساجلاً:
روَّى الصدا بحرُ الندى غيثُ رفده
رسولُ الهدى، مُردِي العِدا، كاشفُ الردى
فقال الجندي:
سواه يُرَجّى للمَهول بخمده
إليه يشيرُ العالمون بيومِ لا
فقال البصير:
على ما سواها إذ حبَاها بلَحْده([191])
نبيُّ به قد شَرَّفَ الله طيبة
وقد بلغ أبيات هذه المساجلة خمسة وأربعين بيتاً في المديح النبوي.
ً5- ومن التجديد أيضاً اقتباس أسماء سور القرآن الكريم في أبيات المدحة كما فعل الشاعر «إبراهيم بن علي الكفعمي»([192]):
وخواتمُ البقرةْ عليه تَنَزَّلُ
يا من لـه السبعُ المثاني تَنْزِلُ
أنفالُ والحِكَم التي لا تُجْهل
مولى لـه الأنعامُ والأَعْراف والـ
وبقوله ألهاكُم ما تجهل([193])
بالعادياتِ أزال قارعةَ العدا
5- سمات المدائـح النبـوية:
وأخيرا فإن المدائح النبوية في هذه العصرتمتاز بسمات عديدة ولعل أهمها:
1- كثرتها وقد دعا إلى ذلك ظروف سياسية واجتماعية ودينية كما عرفنا .
2- استهلت بالغزل، وكان بعضه رمزياً،أو بدأت بمناجاة الله سبحانه ، أو بذكر الشيب أو بوصف الطبيعة ، ثم انتقلت إلى الرحلة فالمدح، وفيه يذكر مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه وسماته ومعجزاته، وجهاده من أجل الدعوة، وقد يذكر صحابته. وتنتهي المدحة غالباً بالصلاة عليه .
3- كان بعض المدائح قد حوى علم البديع وسمي هذا البديعيات، وكان رائدها فيما أرى يحيى الصرصري ت656هـ لا البوصيري وإن كان لهذا فضل تطويلها وتجاوزها مئة البيت . وقد ذكر بعض الشعراء اسم اللون البديعي الذي يحويه البيت في تكلف لا جمال فيه ولا رواء، وأعرض بعضهم عن ذلك واكتفى بأن يحوي كل بيت لوناً بديعياً، وبصورة عامة لا تحوي هذه البديعيات شعراً وجدانياً، وإنما تحوي نظماً فيه كثير من التكلف، وإن أفادت شروحها اللغة وعلماء البلاغة والعقيدة والمجتمع والتاريخ فيما تضمنته من معرفة معتقدات أصحابها وأوضاع عصرهم وثقافاتهم.
4- لم يتطرق أدبنا العربي قبل هذا العصر إلى مدائح الأنبياء الآخرين كزكريا وإبراهيم عليهما السلام في قصائد مستقلة كالتي نراها في هذا العصر.
5- كان في بعض المدائح مغالاة غير حميدة ولاسيما عندما عدوا النبي صلى الله عليه وسلم نوراً من نور الله ، خلق قبل أن يخلق آدم، ولولاه لما كان هناك وجود،وهذا لا يستند إلى دليل شرعي.
6- تأثرت المدائح النبوية بالموسيقا المستحدثة إذ وجدت مزدوجات ورباعيات ومخمسات وموشحات نبوية.
7- وكثرت المعارضات للقصائد النبوية ولغيرها، وكذلك المساجلات الشعرية النبوية، والتشطير لقصائد نبوية.
8- أسلوب المدائح النبوية مال إلى البساطة، وإلى النغمات الوادعة الرخيمة.
9- وجدت مدائح نبوية مطولة تشابه الملاحم إذ تحدثت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه من بعده.
وأخيراً ..
تعد هذه المدائح النبوية من أعظم تراثنا الشعري في أدب الدول المتتابعة وقد أثرت في الشعراء كثيراً ومنهم أحمد شوقي الذي نظم نهج البردة والهمزية النبوية، وأحمد محرم إذ نظم مطولة نبوية في ديوان مستقل سماه «ملحمة الإسلام»، بل إن بعض السلاطين الأعاجم قلدوا الشعراء العرب ونظموا في المدائح النبوية كالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني فقد وجد له قصيدة سماها"قصيدة الحجرة النبوية الشريفة"([194]) .
([1]) ينظر لذلك كتب التاريخ والحضارة في ذلك العصر مثل عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي 1/ 238 و 241-245 و 267 و 460 . وموسوعة التاريخ الإسلامي : د. أحمد شلبي 5/665 ، والعثمانيون في التاريخ والحضارة: د.محمد حرب ص 375 و 409 و 422 ، وصحوة الرجل المريض ص 77 والمجتمع العربي السوري د. ليلى الصباغ وغيرها .
([2]) مصطفى بن عثمان البابي الحلبي قاض من حلب ثقف على يدي علمائها وتوفي في مكة المكرمة حاجاً عام 1091هـ ينظر لترجمته في إعلام النبلاء 6/340، خلاصة الأثر 4/344، هدية العارفين 2/441، معجم المؤلفين 6/186 ومستدركه 449 . والشعر في إعلام النبلاء 6/348 .
([3]) محمد بن يوسف الفارسكوري يعرف بابن الفقيه يوسف، ولد قبل القرن التاسع وتوفي حوالي بضع وسبعين وثمانمئة، ينظر لترجمته في الضوء اللامع 10/95 ، والشعر في الصفحة نفسها .
([4]) الشاعر أحمد المقري : هو أبو العباس المقري التلمساني مؤرخ وأديب له كتاب نفح الطيب توفي في مصر سنة 1041هـ ينظر سلافة العصر /74 والأعلام للزركلي 1/237 . والشعر في نفح الطيب10/195
([5]) الشاعر سعيد الخروصي الملقب بالعشري من شعراء القرن الثاني عشر الهجري ، ينظر مقدمة ديوانه المسمى ديوان العشري . والشعر في 116-118
([6]) ديوان العشري /71 .
([7]) عثمان بن علي الطائي فقيه حلبي، وعالم بالقراءات توفي في القاهرة سنة 738 هـ له مصنفات منها شرح البديع، وله نظم في الفرائض، ينظر له في أعيان العصر 3/221 ، والشعر في 225 .
([8]) عبد الرحمن بن سليمان المنهلي (ولد 829هـ) حافظ وفقيه ينظر:الضوء اللامع 4/80، والشعر في /82
([9]) صلاح الدين خليل بن كَيْكلدي العلائي (694-760هـ) مفسر وفقيه ونحوي. ينظر له في أعيان العصر 2/328 ، والشعر في 332 .
([10]) الشيخ حسن الرومي (ت684هـ) شيخ الأتابكية في القاهرة ومدرس وله تصانيف كثيرة. ينظر في البداية والنهاية 13/392 ، والشعر في الصفحة نفسها .
([11]) يحيى بن محمد القباني (788-851هـ) له مؤلفات جمع بها المدائح النبوية: الضوء اللامع 10/246. والشعر في 248
([12]) أبو اللطف محمد بن علي المقدسي ويعرف في بلاده بابن الحمصي ولد (819هـ) في حصن كيفا من بلاد بكر، كان عالماً بالعربية والمنطق، وله مؤلفات في ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم، ينظر له في الضوء 8/220. والشعر في 222
([13]) محمد بن زين الدين عمر الكفيري ، شاعر من دمشق (1043-1150هـ) يلقب بأسطا العالم، وفقيه له مؤلفات منها شرحه على البخاري في ست مجلدات، وله حاشية على الأشباه والنظائر في الفقه، ينظر له في سلك الدرر 4/41 . والشعر / 47
([14]) خالد بن محمد بن عمر العرضي (ت بعد 1115هـ) شاعر حلبي من أسرة علم وأدب : سلك الدرر 2/78 .
([15]) إعلام النبلاء 6/427.
([16]) أبو الحسن إبراهيم بن عمر الرُّباط البقاعي (809-885هـ) شاعر من البقاع تعلم في القدس ومصر وتوفي في دمشق، ينظر له في حوادث الزمان /159 والضوء اللامع 1/110 ، والموسوعة الصوفية /61 .
([17]) حوادث الزمان /161 .
([18]) محمد بن سعيد شاعر من نجد من قبيلة سُبَيْع. كان قاضياً في الأحساء ،له مدائح نبوية ومواعظ تحرك القلوب، ينظر له في :علماء نجد خلال ثمانية قرون ج5/541 . والشعر في 543
([19]) هو عبد الصمد بن عبد الوهاب المعروف بابن عساكر (ت686هـ) كان مدرساً في بلاد الشام: مرآة الجنان 4/202 . والشعر في الصفحة نفسها .
([20]) ديوان العشري /141 .
([21]) نفح الطيب 1/23-27، وينظر لمثلها في الضوء اللامع 1/137 للمقدسي .
([22]) محمد بن أحمد العجلوني (ت 757هـ) فقيه من دمشق ينظر له في الضوء اللامع 7/111 ، والشعر 112.
([23]) شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي (707-783هـ) شاعر من أذرعات وعاش في حلب، وكان مفتياً: إعلام النبلاء 5/87 والشعر / 88 . ومثله في 6/ 375 ، وفي الخلاصة 1/400 .
([24]) فضل الله بن عبد الرحمن المعروف بابن مكانس ولد 769 هـ نظم الشعر صغيراً وخدم في ديوان الإنشاء، وشعره من الذروة الأولى: الضوء اللامع 6/172 . والشعر في الصفحة نفسها
([25]) نفح الطيب 1/112 .
([26]) عبد البر الفيومي شاعر مصري له تآليف كثيرة منها حسن الصنيع في علم البديع: خلاصة الأثر 2/292 . والشعر في الخلاصة 297 ونفحة الريحانة 4/560
([27]) البدر حسن بن علي السيوفي (850-925هـ) شاعر من حصن كيفا وعالم له مؤلفات منها حاشية على شرح المنهاج للمحلي. ينظر له في إعلام النبلاء 5/379 . والشعر في 384
([28]) الضوء اللامع 1/111 .
([29]) الضوء اللامع 1/29 .
([30]) عبد العزيز القيسراني كاتب إنشاء ومدرس في القاهرة، وشاعر زاهد (ت907هـ) ينظر في أعيان العصر 3/103 . والشعر 104
([31]) ملا جرجيس بن درويش (ت1140هـ) شاعر عراقي نظم تاريخ الهجرة له ديوان شعر وتاريخ، ينظر لترجمته في الروض النضر 2/178 . والشعر في 236 – 237 .
([32]) علي بن زيد بن علوان الزبيدي القحطاني شاعر يمني ولد 741 وتوفي في القرن التاسع ، الضوء اللامع 5/221 . والشعر في 222
([33]) محمد بن محمد التميمي (766-821هـ) فقيه وأصولي : الضوء 9/75 . والشعر في الصفحة نفسها
([34]) ديوان العشري /75 .
([35]) أحمد بن مشرف (1215هـ-1273هـ) شاعر نجدي من أنصار الوهابيين: الدر المنتثر /96 .
([36]) الشعر في الجزيرة /122 .
([37]) السيد فتحي بن السيد محمد الدفتري شاعر من أعيان دمشق شهر بالجرأة والإقدام وهابته الصناديد: سلك الدرر 3/279 . والشعر في 283
([38] )عبد الغني النابلسي (1050-1143هـ) شاعر متصوف من دمشق : سلك الدرر 3/30، الموسوعة الصوفية /389 ، علماء دمشق وأعيانها 2/77.
([39])سلك الدرر 3/283 .
([40])سعيد بن محمد أمين السعسعاني (ولد بعد 1070هـ وتوفي 1144هـ) كان أبوه من أعيان دمشق ولكنه كان فارغ الإناء، ونشأ ابنه على عدم التقوى: سلك الدرر 2/128 . والشعر 129
([41]) سورة الحج /32 .
([42]) أعيان العصر 3/292 .
([43]) علي بن إسماعيل التبريزي (668-729هـ) كان مدرساً في دمشق ثم في القاهرة، وكان يعرف بالتركي وبالعجمي، وكان يرد على أهل الإلحاد، وأسلوبه مرسل غير مسجع: أعيان العصر 3/285 والشعر 294 .
([44]) الحقيقة والمجاز 301-302 .
([45]) نفح الطيب 1/55، ومعجم أعلام شعراء المدح النبوي /32 .
([46]) ديوان حسان بن ثابت /72
([47]) ديوان الأعشى الكبير/17 وسيرة ابن هشام 2/26 .
([48]) المرشد إلى فهم أشعار العرب ج4 قسم 2/31 .
([49]) مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني /261
([50]) هو محمد بن محمد الشرفي الفاسي المعروف بابن الطيب (1110هـ-1170هـ) شاعر مغربي استوطن المدينة المنورة، له نحو خمسين كتاباً: سلك الدرر 4/91 . والشعر / 92-93 .
([51]) محمد بن إبراهيم العمادي قاض وشاعر من دمشق (ت 1135هـ): سلك الدرر 4/17 . والشعر / 19 .
([52]) أبو الحكم مالك بن المرجل السبتي قاض وكاتب، أصله من فاس: فتح المتعال /420 . والشعر /421
([53]) عبد الواحد بن المواز (ت1307هـ) عاصر السلطان حسن بن السلطان محمد الحسني سلطان المغرب. ينظر له في إتحاف أعلام الناس 2/198 .
[54])) السلطان حسن بن السلطان محمد الحسني سلطان المغرب (ت1307 هـ): ينظر له وللشعر في إتحاف أعلام الناس 2/198
([55]) المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي /17 .
([56]) محمد بن سعيد البوصيري (608-697هـ) شاعر مصري متصوف عرف بمدحته النبوية التي شهرت بالبردة ويقال إنه قرأها ونام فرأى الرسول r في حلمه يمسح على رجله ويكسوه بردة فاستيقظ وهو معافى من مرض الفالج الذي ألم به، وقد قلدت هذه البردة وعورضت وخمّست كثيراً. ينظر مقدمة ديوان البوصيري /5 والبديعيات /15 .
([57]) ينظر للتبشير بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم في كتاب سبل الهدى والرشاد «السيرة الشامية.
([58]) ديوان البوصيري / 153، والمدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي /29-30 والمنحمنا بالسريانية. محمد وهو بالرومية البرقليطس: سيرة ابن هشام 1/215 .
([59]) أمين بن محمد بن خالد الجندي الحمصي (1180-1257هـ) شاعر من أعيان حمص كان قد انحاز إلى إبراهيم باشا في حروبه للعثمانيين . له ديوان شعر وموشحات وقدود كثيرة ينظر له في الأعلام 2/16 .
([60]) ديوان الشيخ أمين الجندي /2 .
([61]) عمر بن حسين اللبقي (1116-1189هـ) أديب من حلب: سلك الدرر 3/173 والشعر في الصفحة نفسها.
([62]) أبو البركات أيمن البزولي شاعر من تونس : أعيان العصر 1/669 والشعر في الصفحة نفسها .
([63]) أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي (977هـ-1069هـ) شاعر وقاض مصري يلقب بالشهاب الخفاجي له كتاب ريحانة الألبا ، والشعر منه ص 225 ، وينظر لترجمته في : خلاصة الأثر 1/133 .
([64]) صلاح الدين الكوراني شاعر حلبي كان رئيس الكتاب في محكمة قاضي القضاة في حلب (ت1049هـ) ينظر له في تراجم الأعيان 2/243 ، وإعلام النبلاء 6/237 وأحياء حلب /119 وموسوعة الأسدي 6/447
([65]) إعلام النبلاء 6/244.
([66]) ينظر لذلك مثلاً حديث المتصوفة عن النور المحمدي في هذا الكتاب.
([67]) أبو الوفاء العرضي شاعر من حلب (993-1071هـ) أكثر شعره في التصوف والإخوانيات. له كتاب معادن الذهب في الأعيان المشرفة بهم حلب وقد حققه د.محمد ألتونجي وترجم للشاعر في مقدمته، ينظر لذلك ص27 وفي الخلاصة 1/148، وتاريخ الأدب العربي لبر وكلمان 2/376 وإيضاح المكنون 2/85 .
([68]) مخطوط طريق الهدى /230، والمنقط من الشطر الثاني لم يتضح لي بسبب تآكل الورقة بالأرضة.
[69] ) ينظر ذلك في علماء دمشق في القرن الثاني عشر 3 / 143 للشاعر خليل البكري .
([70]) علي الوهبي الشهير بالجفعتري (ت1202هـ) عالم وأديب صوفي وخطيب: الروض النضر 2/388 والشعر 389.
([71]) قاسم بن محمد البكرجي (ت1169هـ) شاعر من حلب كان عالماً بالحديث والفقه والفرائض والعربية، شرح همزية البوصيري ينظر له في: سلك الدرر 4/10 . والشعر في / 11
([72] ) ينظر مثلا لذلك في علماء دمشق في القرن الثاني عشر 3/ 143 للشاعر خليل البكري
([73]) أبو بكر الكاتب شاعر عراقي (ت1164هـ) له مدائح نبوية : الروض النضر 2/371، والشعر في 372 .
([74]) مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ع 57 سنة 1999م بعنوان المقدمة الغزلية للمدحة النبوية د.فيروز الموسى ص84 .
([75]) فتح الله بن النحاس (ت1052هـ) شاعر حلبي ذو أسلوب مطبوع ينظر له في ذيل النفحة /325. ريحانة الألبا 2/223 ، سلافة العصر /276 ، الأعلام 5/135.
([76]) ديوان فتح الله بن النحاس/94 -العقود الدرية /5 .
([77]) نفحة 2/436- العقود /2-3 .
([78]) أحمد بن صالح الوراق (1123-1189هـ) شاعر من حلب وبلاغي : إعلام النبلاء 7/83 وسلك 1/113 .
([79]) إعلام 7/83-84 .
([80]) بهاء الدين محمد بن حسين الحارثي المعروف بالبهاء العاملي (953-1031هـ) شاعر من لبنان هاجر إلى بلاد العجم (إيران حالياً)، ثم عاد إلى البلاد العربية مدة ثلاثين سنة ثم عاد إلى بلاد العجم له مؤلفات كثيرة : خلاصةالأثر 3/440 ،الموجز في مراجع التراجم /38، تكملة شذرات الذهب /539 أعيان الشيعة 9/224 .
([81]) خلاصة الأثر 3/450 بهاء الدين العاملي /117 .
([82]) شاكر بن مصطفى العمري المعروف بابن عبد الهادي (ت1194هـ) سلك 2/183 .والشعر 184.
([83] )سلك الدرر 2/151
([84]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري كتاب التيمم رقم الحديث 335 ج2 /ص122 .
([85]) الحضرة الأنسية /433-434 .
([86]) ديوان الشيخ أمين الجندي /2، وينظر لمثلها في نظم العقيان /62 .
([87]) محمد بن علي الجمالي (1108هـ-1173هـ) شاعر من حلب، كان فقيهاً وناظماً، وكان دمث الأخلاق: إعلام النبلاء 7/9 .والشعر نفسه، ومثله محمد العرضي في نفحة الريحانة 2/503، وخلاصة 4/97 .
([88]) قاسم الرامي شاعر عراقي نظم التواريخ وكان يميل إلى المتصوفة (ت1086هـ) :الروض النضر 2/246.
([89]) ينظر لبعض هذه المعجزات في السيرة النبوية 1/172و216 و2/32 و3/198 و4/123 و4/126-127 .
([90]) الروض النضر 2/250 وينظر مثلها للشهاب المنصوري في نظم العقيان ص79، وحلية البشر 3/1234 .
([91]) الأبيات في إتحاف أعلام الناس2/199-200 وردت هذه المعجزات في سيرة ابن هشام .
([92]) شهاب الدين أحمد بن عبد الملك العزّازي (ت710) ، شاعر مصري ، له موشحات متقنة: أعيان العصر 1/269. والشعر في 271
([93]) ديوان الشيخ أمين الجندي /3 .
([94]) محمد أمين بن عمر الدمشقي الشهير بابن عابدين الحسيني عالم ومفسر من القرن الثالث عشر له تآليف كثيرة: حلية البشر 3/1230 . والشعر 3/1233 وينظر مثله في سلك الدرر 2/26 .
([95]) سلك 4/19-20، وينظر لمثلها في حلية البشر 3/1233 .
([96]) عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس (1135-1192هـ) وهو شاعر من اليمن صوفي النزعة، له ديوان شعر يسمى ترويح البال وتهيج البِلبال ينظر سلك الدرر 4/328 .
([97]) ديوان العيدروس ترويح البال /15-16 .
([98]) الإمام يحيى بن يوسف الصرصري ( ت 656هـ) شاعر عراقي من شعراء المديح النبوي وقد مدحه في عشرين مجلدا، قتله التتر وهو يحاربهم عندما هجموا على بغداد في 656هـ :ينظر المرشد إلى فهم أشعار العرب ج4 قسم 2/11 . والبداية والنهاية 13/ 180 .
([99])ينظر للأولى في المرشد نفسه / 99- 107 ، وللثانية في / 11-15 .وللثالثة في /96-97 .
([100]) هو عبد العزيز بن سرايا المعروف بصفي الدين الحلي (677-750هـ) شاعر من الحلة من العراق: أعيان العصر 3/68 .
([101]) لعل اقتران بردة البوصيري بالرؤيا، وبشفائه من مرضه أدى إلى ذيوع صيتها حتى ظن الدارسون أنها أولى القصائد في هذا المجال.
([102]) البردة كلها في ديوان البوصيري / 190-201 .
([103]) يذكر د.محمد الطيب في كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب أن دانتي (662هـ-720هـ/1265-1321م) تأثر بالمديح النبوي عند البوصيري وكانا متعاصرين وكانت البردة تغنى في أعياد المسلمين وجمعهم وزوايا المتصوفة منهم وبذلك يعد البوصيري رائد الشعر الديني عند الإفرنج أيضاً: ينظر ج4 قسم 2 /139-141.
([104]) ديوان صفي الدين الحلي /685 .
([105]) في البيت لف ونشر ويسمى أيضاً بالطي والنشر وهو ذكر متعدد ثم ذكر ما لكل واحد من غير تعيين، ثقة بأن السامع يرده إليه لعلمه بالقرائن. وفي هذا الرد فعالية ذهنية ناجمة عن كشف العلاقة بين ما نشر وما طوي، وفي ذلك لذة ومتعة من روائع البديع /146 و 148 .
([107]) ابن حجة الحموي (767-837هـ) شاعر من حماة عرف ببديعيته، ينظر له ولبديعيته في معجم أعلام شعراء المدح النبوي /48 . والشعر في المصدر نفسه
([108]) هو الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي (849-911هـ) كان من بيت علم، وهو فقيه وقاض وعلامة، له مصنفات كثيرة، ينظر له في مقدمة كتابه: نظم البديع /29-38 .
([109]) عمر العزازي شاعر من إدلب (غربي حلب) من شعراء القرن الثاني عشر الهجري: إعلام النبلاء 7/28 .والشعر في الصفحة نفسها
([110]) فاظ: أي فاض وهي لهجة عربية لا نزال نرى آثارها في العراق والجزيرة العربية .
([111]) إعلامالنبلاء 6/259 .
([112]) البرهان القيراطي : شاعر من حلب ينظر له وللشعر في :إعلام النبلاء 6/258 .
([113]) تنظر دراستها في كتابي الحركة الشعرية /92، وهي في كتاب البديعيات /117-119
([114]) خلاصة 2/292 .
([115]) له به بديعيتان ينظر لذلك نفحة الريحانة 3/206 والكشكول /117، وبهاء الدين العاملي /21 .
([116]) كمال الدين محمد البكري شاعر من غزة (1143- 1196هـ) : سلك الدرر 4/14 ، والشعر /15.
([117]) حسين الداديخي شاعر حلبي من القرن الثاني عشر (ت1175هـ) : إعلام 7/23-24 .
([118]) ديوان نفحات الأزهار القصيدة من ص4-336 مع شرحها وقد استخلصت الأبيات من خلال الشرح .
([119]) في البيت تلميح وهو الإشارة إلى قصة أو نكتة مشهورة أو مثل سائر : من شرح الشاعر في ديوان نفحات الأزهار /184 .
([120]) أخطأ الشاعر لأن الله سبحانه هو الملاذ، وإليه الدعاء والرجاء .
([121]) في البيت سلب وإيجاب: من شرح الناظم في كتابه نفحات الأزهار /305 .
([122]) عدّ النابلسي التأريخ الشعري من أنواع البديع كما يفهم من شرحه.
([123]) في البيت براعة الاستهلال، وقد أشار الناظم إليها، والقصيدة في نظم البديع 39-44 .
([124]) النقا الأولى المقصورة: كثبان الرمل، والثانية الممدودة: النظافة: كما شرح الناظم نفسه وفيهما جناس ناقص، وفي البيت جناس ناقص آخر بين ضر وضرم. نظم البديع ص48 .
([125]) الإيجاب بعد السلب هو أن يثبت الشيء من جهة وينفى من جهة أخرى: نظم البديع /59 .
([126]) فيه استثناء وقد عده من ألوان البديع: نظم البديع /91 .
([127]) الاقتضاب هو الانتقال من الغزل إلى المديح دون ملاءمة /96، وفي البيت ازدواج أيضاً وجناس الازدواج هو أن يتوالى المتجانسان وهما هنا أعلى وأولى: نظم البديع/96 .
([128]) الترديد هو تكرار كلمة مطلقة في الثاني بمعنى غير الأول، وبهذا يفارق التكرير: نظم البديع/105 .
([129]) في البيت طباق بين العُلا ودنا.
([130]) في البيت تشبيه كما أشار الناظم.
([131]) في البيت ترصيع كما أشار الناظم.
([132])في البيت حسن تقسيم كما أشار الناظم.
([133])في البيت جمع وتقسيم كما أشار الناظم.
([134])في البيت جملة اعتراضية كما أشار الناظم.
([135]) التفصيل هو تضمين الشاعر قصيدته مصراعاً من قصيدة له سابقة: نظم البديع /170 .
([136]) السهولة : خلو اللفظ من التعقيد والتكلف : نظم البديع /197 .
([137]) في البيت حسن ختام كما أشار الناظم.
([138]) العقود /5-7 .
([139]) عبد الصمد الأرمنازي (1130- ت بعد 1205هـ) شاعر من أرمناز منطقة غربي حلب كان خطيباً وفقيهاً جواداً : إعلام النبلاء 7/135 . والشعر في الصفحة نفسها .
([140]) حلية البشر 1/331 .
([141]) ينظر محرمات استهان بها الناس /17-18 .
([142]) حسين بن جاندار البقاعي الملقب بالحكيم العاملي (1012هـ-1076هـ) شاعر من البقاع في لبنان ينظر له في أعيان الشيعة 6/36، ونفحة الريحانة 2/381، ومعادن الذهب 334 .والشعر في الأول / 37
([143]) ينظر لهذا الغلو في كتاب التصوف بين الحق والخلق إذ يرد على من قال إن الوجود كله قد خلق من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم / 79-80 .
([144])ديوان العشري /130 .
([145]) ديوان البوصيري / 194
([146]) ينظر له ولوحدة الوجود إبان الحديث عن الشعر الصوفي .
([147] ) ينظر لهذه الفكرة الإلحادية في الكتاب عند الحديث عنها في شعر التصوف .
([148]) الحضرة الأنسية /433-434 ، وينظر لمثلها في سلك الدرر 2/136 .
([149]) أحمد بن عمر المعروف بالشاكر الحموي نزيل دمشق ولد 1121هـ ينظر له وللشعرفي سلك الدرر 1/155
([150]) هو فخر الدين محمد بن مصطفى الصُّلغري (631-713هـ) فقيه وشاعر عالم باللسانين التركي والفارسي، ينظر له في أعيان العصر 5/265 . والشعر في 266
([151]) ديوانه / 194
([152]) ديوان الشيخ أمين الجندي /200 .
([153]) الإسراء /93 .
([154]) فتح المتعال من مقدمة القصيدة، ثم تأتي القصيدة: 535-537 .
([155]) يشير بالأثر إلى رسم هو مثال لنعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابه فتح المتعال يتحدث عما قيل في هذا المثال من شعر استرسل نظامه فيه إلى المديح النبوي .
([156]) أشار إلى مجيء الوحي وتصديق السيدة خديجة رضي الله عنها له.
([157])ديوان الإمام أحمد بن علي بن مشرف /84 .
([158]) خلاصة الأثر 2/296 .
([159]) الحضرة الأنسية /485-486، وينظر مثلها للشاعر في الصخرة المشرفة في القدس في المرجع نفسه/501.
([160]) إشارة إلى قوله تعالى )فجاء بعجل حنيذ فقربه إليهم ( هود /69 .
([161])الحضرة الأنسية 597-599، وينظر لمثلها في مديح سيدنا زكريا عليه السلام في الروض النضر 2/17 .
([162]) هو أمين بن محمد بن عبد الوهاب الجندي المعري مفتي الشام وهو غير أمين بن خالد الجندي الحمصي : حلية البشر 1/353 ، والشعر في 355
([163]) مصطفى بن أحمد باشا بالترزي (ت 1160هـ) ، كان والده أمير الأمراء ، نشأ على العلم والتصوف : ينظر له وللشعر في سلك الدرر 4/166، ومثله في حلية البشر 1/63 للشاعر عبد الغفار الأخرس.
([164]) نبويته التي مطلعها
يا من لمن يدعوه سامع وإليه منه الأمر راجع ( ديوان فتح الله بن النحاس /94 ) .
([165]) العصر العثماني /102-103 .
([166]) ابن مليك الحموي شاعر مملوكي ت917هـ ، وينظر لذلك: العصر المملوكي ص399-400 .
[167] )ينظر ذلك في إعلام النبلاء 6 / 481
([168]) محمد الوراق شاعر موسيقى (1247هـ-1317هـ) كان من المتصوفة وهو رئيس المنشدين في حلقات الذكر: إعلام النبلاء 7/448 .وللشعر / 457
([169]) محمد بن عمر العرضي شاعر من حلب (ت1071هـ) ينظر له في: ريحانة الألبا 1/274، الخلاصة4/89.
([170]) خلاصة 4/102- وإعلام 6/334 .
([171]) محمد بن محمد الأنصاري الزنوري شاعر مغربي نزيل المدينة المنورة (ت بعد 840هـ) الضوء اللامع 10/42 . والشعر في الصفحة نفسها
([172] ) فتح المتعال / 453
([173] ) إبراهيم بن عبد الرحمن الخياري (1083هـ) شاعر من المدينة المنورة:تحفة الأدباء /97 والشعر ص 156
([174]) الشاعر عبد الله حجازي شاعر حلبي كان نقيب الأشراف، وهو من أسرة قضيب البان [المعروفة إلى الآن] له مؤلفات عديدة ت 1096هـ: خلاصة الأثر 3/71، معجم المؤلفين 6/115 .
([175]) ديوان الشيخ أمين الجندي /201 والشطران الرابع والخامس من نبوية لعبد الله حجازي :الإعلام 4/129 . ، وينظر لمثلها في إعلام النبلاء 7/238 وحلية البشر 3/1289 وقد خمس أحمد شاكر الحموي نبوية ابن النحاس: سلك الدرر 1/157 وخمس يحيى بن زكريا بردة البوصيري خلاصة 4/471، ونفحة 3/66 .وينظر للرباعيات النبوية في إعلام النبلاء ج7/171 .
([176] ) الموشحات في بلاد الشام / 185
([177] ) الشاعر أبو الوفا الرفاعي ( ت 1264هـ) شاعر متصوف من حلب : إعلام النبلاء 7/264 والشعر في 270 ، وكان للشاعر موشحات وقدود يتغنى بها ، والقدود هي أغان قديمة صيغ على قدها أناشيد دينية : ينظر أحياء حلب / 411
([178]) مصطفى بن محمد البتروني (ت1148) شاعر حلبي: إعلام 6/456 .والشعر في 465، ومثله في 7/248
([179] ) ينظر فتح المتعال / 226 ، وسترد في فصل الموسيقا الشعرية .
([180]) فتح الله البيلوني (977-1042هـ) شاعر من حلب: إعلام النبلاء 5/3، معجم المؤلفين 8/53 .
([181]) فتح المتعال /223، وينظر مثلها في ريحانة الألبا /186 .
([182]) موسى بن عمر السباعي شاعر من حمص وعالم من القرن الثالث عشر الهجري: حلية البشر 3/1567 .
([183]) حلية البشر 3/1567، وينظر مثلها إعلام النبلاء 6/259 ، وقصيدة كعب بن زهير في ديوانه /48 ومختارات من الأدب العربي/53.
([184]) ديوان فتح الله بن النحاس /111 .
([185]) ديوان الإمام أحمد بن علي بن مشرف ص 19 .
([186]) السيد شعيب الكيالي عالم وفاضل (ولد 1116هـ) له رسالة في التصوف: إعلام النبلاء 6/510 .
([187]) إعلام النبلاء 6/512-513، والبيتان الأخيران لحسان بن ثابت ينظر ديوانه / 63، وفيه :
(خلقْتَ: كأنك قد خلقت)
([188]) عبد الرزاق بن محمد الجندي أديب من حلب (ولد 1150) : سلك الدرر 3/11 .والشعر في / 14
([189]) سلك الدرر 3/17-21 .
([190])المرجع السابق نفسه.
([191]) سلك الدرر 3/17-21 .
([192]) إبراهيم بن علي الكفعمي (840-905هـ) : شاعر ينتسب إلى كفر عيما قرية في جنوبي لبنان، وهو محدث وفقيه، له عدة كتب وديوان في النبويات: معجم أعلام شعراء المدح النبوي /41 .
([193]) معجم أعلام شعراء المدح /41-42 .
([194]) العصر العثماني /38 .
وسوم: العدد 667