مسيحيون ومسلمون معاً
هذا عنوان كتاب صدر بمناسبة احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية، وهو من إعداد الأرشمندريت الدكتور إيليا طعمة، وقدّم له المطران بولس يازجي متروبوليت حلب للروم الأرثوذكس. ومما ورد في هذه المقدمة :
[ " بحق وبفرح " حلب عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2006. بحق لأنها مدينة مستوفية كل الشروط المعمارية والديموغرافية والفنية، وحافظت على الإرث العربي الإسلامي الذي فيها. إن التاريخ جزء من حياة الإنسان يكشف عن مدى فهمه للتاريخ ولِذَاتِه وهويته ومستقبله. وبفرح، لأنها مدينتا، ولأن الإسلام هو محيطنا، ونحن لسنا ببعيدين عنه ولا حتى غريبين. نحن في الإسلام صنّاع لتاريخ وللغة، ونحن المسيحيين في الشرق جزء مهم جداً من تاريخ الإسلام، لأسباب عديدة، لكن أبسطها أننا محاوروه الحقيقيون، ولا شيء يمكن أن يعرّف ذاته أو يعرف ذاته دون محاور له. حين نقول : إننا المسيحيون محاورون للإسلام، وهنا في محيطه وبلغته، هذا لا يعني أننا خصوم، لا سمح الله، ولا يعني كذلك أننا متهِمون له، حاشى، لكن يعني أننا مرآته التي يرى فيها وجهه الحقيقي، فيبدل فيها ما لا يريده، ويحافظ أمامها على ما يودّه في هويته. إن الجدال هو الذي يولّد المنطق، ونقصد الجدال الإيجابي، وبهذا فإن المسيحية الشرقية كانت العنصر الأول في تكوين الفلسفة الإيمانية والحياتية في الإسلام. وقياساً على هذا المبدأ فإن اختيار حلب عاصمةً للثقافة الإسلامية سيفتح المجال العلمي لدراسة مواضيع كنا نحن وسنكون من بُناتها، الإسلام ليس ديننا، ولكنه دين أخينا وحبيبنا وجارنا وصديقنا، ولا أعذب من هذه الكلمات على قلب الإنسان الشرقي، للإسلام جذور دينية وفنية واجتماعية مشتركة مع المسيحية نلاحظها في اللغة والعمارة والعادات، وهذه إرثنا المشترك، تاريخياً لم ينظر المسيحيون للإسلام؛ عقيدة وفناً ولغة؛ على أنه دين غريب، إنه مبدأ آخر للأفراد المتعددين في العائلة الواحدة. لهذا حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، هي احتفالاتنا، واحتفال للون من ثقافتنا لكي لا أقول للون منا في الثقافة الإسلامية ] .
هذا التقديم المختصر المفيد، والمعبّر عن الأفق الثقافي الواسع، وعن التجذّر العميق في تاريخ هذا الوطن وحضارته. الوطن الذي يمتد في بدء التاريخ البشري، والذي واكب الحضارات المتتالية التي انصهرت في ردائها الأخير تسامحاً ومرونة وقبولاً بالآخر، وبُعداً إنسانياً ليس له حدود .
وهذا الكتاب الذي يحمل عنوان " مسيحيون ومسلمون معاً " من الأمس إلى اليوم. جاء مواكباً لمفهوم الاحتفالية المرتكز على محورين :
1. المحور الذي يتناول مدينة حلب بأبعادها التاريخية والحضارية والعمرانية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفنية .
2. المحور الذي يتناول الثقافة الإسلامية التي اتخذت من حلب مثالاً لها في احتفالية عام 2006، لكي تقدم صورة هذه المدينة العريقة في تناغمها الديموغرافي والثقافي والإثني والديني، وكل ذلك في إطار من الفهم المشترك والعيش المشترك .
وقد تمكن هذا الكتاب الذي أعده الدكتور إيليا طعمه أن يقدم هذه الصورة بمحوريها الأول والثاني .
يقع الكتاب في 240 صفحة، وهو من منشورات مطرانية حلب للروم الأرثوذكس. وقد قسّمه المؤلف إلى ثلاثة أبواب هي :
الباب الأول : آراء في الحوار المسيحي ــ الإسلامي .
ويتألف هذا الباب من أربع مقالات كتبها كل من : المطران بولس يازجي بعنوان : دور الأديان في مستقبل الحضارات ـ أي دين وأي دور .
ــ والمطران جورج خضير بعنوان: الحوار المسيحي ــ الإسلامي .
ــ والأستاذ محمد السماك بعنوان: ثقافة الحوار في الإسلام .
ــ والدكتور طارق متري بعنوان: الحوار المسيحي ــ الإسلامي في الواقع والرؤية .
* * *
الباب الثاني: من تاريخ العلاقات المسيحية ــ الإسلامية، وفيه ثلاث دراسات هي :
- المسيحيون الشرقيون والإسلام للدكتور طارق متري .
- المسيحيون العرب: الحضور التاريخي وتجدد الدور للأستاذ حسين العودات .
- مسلمون ومسيحيون معاً في قراءة التاريخ وتنقية الذاكرة للأستاذ خالد زيادة .
وفي الباب الثالث ست دراسات هي :
- مدخل إلى النظرات المتبادلة للمطران جورج خضر .
- صورة الإسلام والمسلمين بين مسيحيي الشرق للقس الدكتور عيسى دياب
- صورة المسيحية في الخطاب الإسلامي للأستاذ محمد السماك
- نحو نظرة إسلامية جديدة للأديان للدكتور جورج بابا ذيمتريو وهو كاهن يوناني. والدراسة بالإنكليزية مع ملخص بالعربية .
- في سبيل تجديد الفكر الإسلامي تجاه المسيحية للدكتور عبد المجيد الشرفي التونسي والمقال بالفرنسية مع ملخص بالعربية .
* * *
إن هذا الكتاب يشكل جهداً استثنائياً في موضوعيته ورؤيته الفكرية العميقة بأبعادها الإنسانية، وبالحسّ الوطني الغيور الذي يفهم الأمور من منظار العيش المشترك والمظلة الثقافية الواحدة .
ومن الواجب أن نتقدم بالشكر الجزيل إلى سيادة المطران الصديق بولس يازجي مطران حلب للروم الأرثوذكس لرعايته إصدار هذا الكتاب الهام. والشكر كذلك للأب الدكتور إيليا طعمة الذي أعد هذا الكتاب .
وسوم: العدد 706