وادي الذئاب
وادي الذئاب
علي أبو عون
لم أكن يوماً ما أحدَ متابعي المسلسل التركي وادي الذئاب ولا غيره من المسلسلات، وهذا الرفض ليس مردُّه الاعتبار الديني بقدر ما هو عدم ميولي لمتابعة التلفاز أصلاً، غيرَ أن أحدَ الإخوة أصرَّ عليّ متابعةَ بعضِ حلقات الجزء الأخير من الوادي بنسخته الثامنة، وإزالةِ الستارِ الأسودِ الذي يحجبنا بحكمِ موروثِنا التقليديِ القديمِ عن النظر فيما عند الآخرين، وأن بعضَ القضايا من المسلمات التي لا يجوز النقاش فيها أصلاً.
دفعني للنظر في طريقةِ عرضِ المسلسل والذي يخدم أجندةَ الحكومةِ التركية بشكل مباشر.
مسلسلُ وادي الذئاب مسلسلٌ دراميٌ سياسيٌ تركي، يُعْرَضُ مرةً في الأسبوع، ويُعالج تطورَ الأحداث السياسية المعاصرة ، ويخدم بشكل مباشرة أجندةَ الحكومة التركية، وسياستَها في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، ويوضح أبعاد المؤامرة التي تحاك بالجمهورية التركية.
وقد أضحى المسلسلُ اليوم أحدَ مصادر القلق والإزعاج لإسرائيل، نظراً لتركيزه على ارتباط جماعات الإرهاب والمافيات بدولة الكيان، والتركيز على أن مصدر الإرهاب والتخريب في العالم ومنع الدول من التقدم والازدهار هي اسرائيل، وارتباطها بتهريب الأسلحة ودعم التمرد وغسيل الأموال داخل تركيا، وهذا معلن بشكل واضح وصريح، وقد تقدمت إسرائيل بشكوى ضد المسلسل للأمم المتحدة، كما تقدمت بطلب إلى الإمارات لمنع قناة أبو ظبي من دبلجة وبث الجزء الثامن، نظراً لما يسببه هذا الأمر من تشكيل رأيٍ عام شعبي ضد كيانهم المسخ، ومن أراد التثبت عليه بمشاهدة فيلم (وادي الذئاب فلسطين) ليعي مدى انزعاج إسرائيل من المسلسل.
يمتاز المسلسل بمعالجةٍ درامية لأحداث الواقع، شاهدت في حلقته الأخيرة تمجيدَهم لإطلاق القمر الصناعي السادس، وأنه جاء لتعزيز منظومة الاتصالات الأمنية، وحماية المواطنين الأتراك، وقد أُطْلِقَ القمرُ بعد بثِ الحلقةِ بيومين، كما عالَجَتْ الحلقةُ قبل الأخيرة زيارةَ رئيسِ الوزراء أردوغان إلى إيران بعد قطيعة دامت عامين بسبب الأزمة السورية، وتم توجيه الشعب إلى ضرورة إعادة العلاقات بما يعود بالفائدة على الاقتصاد التركي، والذي سيعود حتما بالفائدة على المواطنين الأتراك.
كل هذه المشاهد والتي تُعَالَجُ بشكلٍ دراميٍ وتتمتعُ بمستوى عال من الكفاءة والتي تضاهي الأفلام العالمية تهدف الحكومة التركية من ورائها إلى تعزيز مكانتها بين أبناء الشعب التركي، ونشر سياستها داخلياً وخارجياً، وفضح أطراف الصراع المتآمرة على تركيا.
حدثني أحد الإخوة -ممن يُكْمِلَون دراستَهم هناك- أن شوارعَ تركيا تكون شبه خالياً يوم الخميس ساعةَ بث المسلسل، المقاهي والنوادي والشوارع العامة كلها ساحات لبث المسلسل، فقد حقق المسلسل نجاحاً فائقاً، وعدد متابعيه عشرات الملايين، وتتسابق كبرى الشركات التجارية لبث إعلاناتها في حلقات البرامج لما حققه من نجاح كبير.
فما الذي ينقصنا أن نطور من تفكيرنا ، وأن نوسع مداركنا، وأن نفكر وفق الزمان والمكان الذي نحياه، ما الذي يدفعنا لأن نبقى أسرى لتلك الوسائل التي اتخذها سلفنا في قديم الزمان، أو تلك الأفكار التي طرحها البنا في زمانه، وما هذا النجاح الكبير الذي حققه البنا إلا لأنه واكب عصره، وانطلق بأفكار تناسب زمانه.
حتى عندما فكرنا بالعمل الدرامي، بدأنا من حيث التصوير والإخراج البدائي، ولم يرقَ إلى مستوى الدراما الموجودة على الساحة العالمية والتي تجذب أنظار المشاهدين، لذا لم يحظَ بالقبول اللازم.
لماذا نبدأ دائماً من حيث بدأ الناس، ويا ليتنا نصل إلى حيث وصل الناس، تُكَبِّلُنا الوسائلُ التقليدية، ونبذل جهودَنا فيما لا يناسب الزمان والمكان.