فيلم الميدان
أبو سنان
من خلال مهرجان الفيلم الفلسطيني في تورنتو بكندا، كان هناك فيلم وثائقي بعنوان "الميدان" إشارة إلى تظاهرات ميدان التحرير في القاهرة عندما مرت نسائم الربيع العربي من هناك...
وبسبب استغراقنا في متابعة أخبار الربيع العربي المتلاحقة لم يخطر ببالي حضوره حتى جاء من يحملُ إليّ تذاكر الدخول ويعدني بعشاء فاخر في وسط مدينة تورنتو مع منْ احب لو وافقت على الذهاب!! فوافقت رغم كرهي للنزول إلى وسط مدينة تورنتو المزدحم الصاخب في كل الاوقات...
وتذكرت قول إخوة يوسف عليه السلام: (...ونميرُ أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير، ذلك كيل يسير...).
وصلنا إلى صالة العرض التاسعة مساءً واسمها (Bloor Hot Dogs Cinema) اسم غريب لم أتوقعه، يبدو أنه على إسم سندويتشات "الهت دوجز"، وكما يقول الشيخ الشعراوي: أسامي!!! عندما يمر في دروسه على إسم غريب أو شاذ...
وبعد لأي وجدنا مكاناً محشوراً لصف السيارة لم نكن لنجده لولا صغر سيارتنا وشطارتي في صف السيارات بعد خمس أو ست مناورات على الاقل...
دخلنا الصالة ووجّهونا إلى "اللوج" أو ما يسمى "البلكون" ولا أدري إن كانت هذه أمارة تكريم أم غير ذلك؟!! ...منذ ثلاثين سنة في مدينة حلب كان سعر "اللوج" أغلى بفرنكين أو ربع ليرة عن سعر الصالة... تلك أيام قد خلت...
كانت الصالة تغص بالحضور وكثير منهم يتكلم باللهجة المصرية الجميلة، ولا غرو فالفيلم عن "الميدان" وأهل مصر أولى بميدانهم.
مدة الفيلم، 108 دقائق، المخرجة جيهان نجيم، الدولة مصر، تم إصداره عام 2013م وتصنيفه A18 وهو توزيع "نتفليكس اوريجينالس"... والفيلم باللغة العربية مع ترجمة كتابية إلى الانجليزية... وقد تم ترشيح الفيلم إلى جائزة الاوسكار لعام 2014م.
الفيلم وثائقي ومثير ومعظمه لقطاته حية من ميدان التحرير والمظاهرات المصرية وبطش الفلول والبلطجية والشرطة والمخابرات... وهو يحاول توخي الحيادية ولكن قد تشوب حياديته بعض الملاحظات أحياناً... يستعرض الفيلم مراحل الثورة من يونيو 2011م وتنحي مبارك وسيطرة العسكر بعد مبارك ثم دخول الانتحابات التي جاءت بالاخوان ومرسي ثم بتصاعد الانتقادات ضد مرسي ثم باطاحة العسكر بمرسي ثم بشعور شريحة كبيرة من شباب الثورة أنهم عادوا من جديد إلى ما قبل ثورة يناير!!!...
يستعرض الفيلم سعى الأمة إلى إنشاء مجتمع جديد دون فساد وطغيان وجشع. ويوصل رسالته من خلال وجهة نظر ستة متظاهرين مختلفين، إنها لمحات حميمة من المشهد السياسي الذي لايزال يتطور، وتوضيح للسياق الذي يقاتل من أجله الثوار، بدءاً من إسقاط دكتاتورية الثلاثين عاما لمبارك إلى القضايا الراهنة لنظام الهيكلية العسكرية "الانتقالية" ويوضح كيف لم تتوقف معركة الثوار، إنها حرب من أجل الحرية حتى بعد ما بدى وكأنه إنتصار في المعركة...
وبعد انتهاء الفيلم تم تقديم المخرجة جيهان إلى الجمهورعلى السكايب في كلمة مناسبة...
الملاحظات على الفيلم أنه تجاهل دور الفلول في تأزيم الوضع أيام مرسي واعتبر الاطاحة بمرسي ثورة بريئة ضد أخطاء مرسي "الديكتاتور" الجديد الذي ينفذ "حكم المرشد"... وهذه رواية الفلول والعسكر التي توضحت لعيان الكثيرين ولكن بعد فوات الوقت...
ضخم الفيلم حوادث محاصرة قصر الرئاسة وأظهر الضحايا وكأنهم سقطوا بيد حراس مرسي، والمعلومات كانت تقول أن أكثر الضحايا كانوا من الاخوان!!! بينما مرّ الفيلم على ضحايا رابعة مرور الكرام وكأنها ليست مظاهرات شعبية...
وأهم ملاحظة في رأي أن الفيلم تجاهل الفروق الهامة بين الاستبداد والديمقراطية، فكالهم جميعاً بمكيال واحد، وجعل المحسنين كالمجرمين وقد تكون حجته بأنه هكذا كانت نظرة الناس للامور في الشارع وهو نقل تصرفاتهم واقوالهم بحيادية فيحيلنا هذا إلى الخدعة الكبرى التي تورطت فيها شريحة كبيرة من المجتمع المصري كانت بالاصل ضد الفلول وليست مع الاخوان، ولكنها في لحظة إحباط وغضب واستدراج ثارت على ديمقراطية مرسي وخربت بيوتها بأيديها ورجعت بالثورة إلى نقطة الصفر أو أبعد قليلاً.
على كل حال يبقى الفيلم مهما على علاته، فلا شك أن قسماً كبيراً من الناس كان ينظر للامور كما تحدث أبطال الفيلم الستة، كان هناك غيبة وعي مفصلية قدم الثوار خلالها ثورتهم الطاهرة على طبق من فضة للعسكر...
كان السؤال الكبير في الفيلم أن الثوار لم يستطيعوا استثمار ثورتهم كما يريد كل فرد منهم لان الديمقراطية في النهاية هي حصادٌ للاقوياء المنظمين، وقد عبر أحد أبطال الفيلم عن ذلك بقوله بما معناه: إننا فلحنا وزرعنا وحصدنا وأرسلنا كل شيء بالبريد إلى مكان دون عنوان!!!