عُملاق الفنِّ والطرب
( في رثاء مطرب المطربين العملاق وديع الصافي )
حاتم جوعيه - الجليل
[email protected]أنتَ الوَديعُ سَحَرتَ الشَّرقَ والعَرَبَا
الأرزُ يبكي ، سمَا لبنان ملتهبٌ
الحُزنُ خيَّمَ والأجواءُ ناحِبة ٌ
لبنانُ هُزَّ وقد قامَت قيامتهُ
يومُ الرَّحيل ِ كيوم ِ النشرِ موقعهُ
الكلُّ يبكي أبا فادَي ويندبُهُ
الكلُّ يبكي أبا فادي ويندبُهُ
الكلُّ يبكي نجيعًا فاضَ مُنسَجمًا
يا أيُّهَا الطَّودُ يا حَمَّالَ ألويةٍ
أنتَ الكنارُ وكم قد كنتَ تطربُنا
أنتَ الذي فوقَ جفنِ الشَّمس منزلهُ
مدارسُ الفنِّ والإبداع ِكم سَجَدتْ
أنتَ الوديعُ منارُ الفنِّ في وطن ٍ
ملاعبُ الحُبِّ والآمال ِ شاحبة ٌ
غنيتَ لبنانَ جُرحًا كانَ مُلتهبًا
غنيتهُ ودموعُ العين ِ نازفة ٌ
لبنانُ قد كانَ شمسًا ، أبْجَدِيَّتهُ
" قدموسُ " يروي سطورًا من روائِعِهِ
فيهِ العمالقة ُ الأفذاذ ُ قد وُلدوا
وبعلبكُّ المُنى آثارُها شهِدَتْ
معابدُ الشَّمس ِ والأقمار ِ شاهدَة ٌ
" جبرانُ " نبعُ السَّنا فكرًا وفلسفة ً
في الشِّعرِ والرَّسم ِ والآدابِ مُؤتلِقٌ
" فيروزُ" صوتٌ مِنَ الفردَوس يُطربُنا
" صباحُ " شُحرورة ُ الوديان ِ رائِدَة ٌ
يا أيُّهَا القمرُ المَيْمُونُ طلعتهُ
صنعتَ مجدَكَ بالإبداع ِ تترعُهُ
رسالة ُ الحبِّ للأكوان ِ تعلنهَا
حَقَّقتَ آمالكَ الجَذلى على مَهَل ٍ
وَمُطربُ المُُطربينَ ..الكونُ رَدَّدَهَا
في الفنِّ أنتَ أبو الكُلثوم ِ.. قد نعَتتْ
وأنتَ أسطورة ُ الأجيال ِ ، رائِدُنا
صُنتَ التراثَ ومَا أبقى أوائلِنا
الكلُّ ينهجُ فنًّا ليِّنا ً سهلا ً
بالفنِّ نرقى إلى الأفلاكِ نسكنهَا
يا روضة ً بشذا الإبداع ِ مُترَعَة ً
السِّحرُ ضَمَّخَها والحُبُّ واكبَهَا
الماءُ فيها نميرٌ طابَ مَشربُهُ
يا صافيَ الصوتِ مَزهُوًّا بروعتِهِ
هذا الزَّمانُ الذي قد كنتَ رائِدَهُ
رثاكَ بعضٌ بقول ٍ جاءَ مُصطنعًا
شعري هُوَ الدُّرُّ والياقوتُ مُؤتلِقٌ
وإنَّني شاعرُ الأجيال ِ قاطبة ً
شعري لنصرةِ شعبي دائِمًا أبدًا
الحُبُّ عَمَّدَني والنورُ واكبني
يا نسمة ً من رُبَى لبنان دافئة ً
قلبي هناكَ وَروحي .. كلُّ أوردتي
لُبنانُ وَحيي وإلهامي وأغنيتي
لبنانُ ... لبنانُ يا خمري وقافيتي
يا قطعة ً من سَنا الفردوس فاتنة ً
فيكَ الوَديعُ منارُ الفنِّ سُؤدُدُهُ
في القلبِ تحيا أبا فادي ، فأنتَ لنا ال
أنتَ العزاءُ لِمَحزون ٍ وَمُغتربٍ
رمزُ الوداعةِ والطُّهر ِالذي شهدُوا
أنتَ المُعلِّمُ والإنسانُ في زمن ٍ
قيثارَة ُ الخُلدِ ، من أنغامِهِ سكرتْ
ويُسكرُ النفسَ صوتٌ رائعٌ عذبٌ
خَمائلُ الرُّوح ِ من إبداعِكَ ابتهَجَتْ
ووصوتكَ العذبُ سلوانٌ لِمَن نكبُوا
أنتَ المَحَبَّة ُ دومًا رمزُ تضحيةٍ
سفيرُ شعبكَ للأكوان ِ قاطبة ً
وَمِهرَجاناتُ أهل ِ الفنِّ في بعلبكّ
تاريخُكَ الفنُّ والإبدَاعُ .. مُأتلِقٌ
منارة ُ الفنِّ للأجيال ِ مدرسَة ٌ
البعضُ يسكبُ نزرًا.. ما بجُعبتِهِ
يا أرزة في ثرَى لبنان صامِدة ً
بعضُ الأساطين ِعن لبنانَ قد رحلوا
لم تحفل الموت والأهوالَ في وطن ٍ
وأنتَ صوتٌ سماويٌّ فيُترعُنا
وتنشرُ الحُبَّ والآمالَ ساحرة ً
محبَّة ُ الرَّبِّ فيكَ الكلُّ يشهدُها
علمتنا أنتَ أنَّ الحُبَّ مُنتصِرٌ
كلُّ الكنائس تبكي ليسَ يُوقفها
لجنَّةِ الخُلد ِ تمضي إنَّها وطنٌ
فيها الملائكة ُ الأطهارُ تطربُهُمْ
ومن مزامير ِ داودِ النبيِّ ترا
يا أيُّها الفذ ُّ والعُملاقُ في زمن ٍ
بقيتَ في قمَم ِ الإبداع ِ مُبتهجًا
طوبَى لأرض ٍ عليها كنتَ مُؤتلِقا
طوبَى لأرض ٍعليهَا سرتَ مُنتشيًا
طوبَى لأرض ٍ عليها كلُّ مُؤتمَل ٍ
طوبى لِروحِكَ أنوارٌ مُشَعشَعة ٌفي كلِّ أرض ٍ نشرتَ الفنَّ والطرَبَا
لبنانُ أضحَى بثوبِ الحزن ِ مُنتحبا
من بعدِ فقدِكَ أضحَى الكلُّ مُكتئِبَا
كأنَّ يومَ التنادي هولهُ اقترَبا
كأنَّ جُرمًا هوَى للأرض ِ مُلتهبَا
القلبُ ينزفُ ودمعُ العين كم سُكِبَا
فدولة ُ الفنِّ دالتْ فيضُها نضبَا
فدولة ُ الفنِّ زالتْ مَجدُها ذهَبَا
للفنِّ، قد كنتَ صرحًا عانقَ السُّحُبَا
وفي الدُّجَى تنثرُ الأقمارَ والشُّهُبا
فوقَ المَجَرَّةِ تبقى الدَّهرَ مُنتصِبَا
الكلُّ يشهَدُ وفيكَ الكلُّ قد خُلِبَا
غنيتَ للحبِّ والسِّلم ِ الذي سُلِبَا
فيها الشَّقاءُ غرابُ البين ِ قد نعبَا
أشجانهُ هَزَّتِ البلدانَ والعَرَبَا
غنيتَ وحدتهُ .. والخصبَ ما نُهِبَا
قبلَ الحضاراتِ والعِلم ِ الذي كُتِبَا
المَجدُ دومًا للبنان العُلا انتسَبا
لبنانُ .. لبنانُ ضمَّ الفنَّ والأدَبا
لِرَوعةِ الفنِّ .. فيها الشِّعرُ كم ندَبَا
لها القرابينُ كانت تملؤُ النّصبَا
شُعاعُهُ في ديارِ الغرب ما غَرُبَا
مِلءَ الزَّمَان ِ، رجال الفكرِ قد غلبَا
وَنجمة ُ الشَّرق ِ والسِّحرُ الذي جَذبَا
في الأوفِ ثمَّ العَتابَا تصنعُ العَجَبَا
وفي سمَا الشُّوفِ في لبنان ما وقبَا
ينسابُ صوتك نخبًا.. ليسَ مُصطخبَا
وكنتَ في سَعيِكَ المنشودِ مُقتضبَا
وأخفقَ الغيرُ سَعْيًا سارَهُ خَبَبَا
..عبدُ الوَهابُ لقد أعطى لكَ اللَّقبَا
كَ كوكبُ الشَّرق ِ..لا زلفى ولا كذبَا
طريقكَ الوردُ، صُرُوح الفنِّ مَن نصَبَا
بينَ الرُّكام ِ وبينَ الرَّدم ِ مَنْ نقبَا
وأنتَ تنهجُ فنًّا شائِكا ً صَعِبَا
نسدُّ كلَّ جدار ِ كانَ قد ثقِبَا
تجلو الأُوامَ عن ِ الحوباءِ والسَّغَبَا
يصبُو لها الصَّبُّ ، يلقى كلَّ ما طلبَا
سَلسَالُهَا الشَّهدُ والترياقُ.. ما نضَبَا
كالكهرباءِ سَرَى ..مع نبضنا حُسِبَا
يبكي لفقدِكَ مَذهُولا ً وَمُنتكبَا
أمَّا أنا فنثرتُ الدُّرَّ مُنتخَبَا
يبقى المنارَ، قلوبَ الغيدِ كم جَلبَا
بهرتُ في شعريَ الأفذاذ َ والخُطبَا
يُذكي الإباءَ يُزيلُ اليأسَ والكرَبَا
والموتُ قد فرَّ مَهزُومًا وَمُرتعِبَا
أذكيتِ فيَّ الرُّؤَى والشَّوقَ والعَتبَا
أهلي هُناكَ هُمُ التاريخُ .. قد وثبَا
لهُ الترانيمُ .. نزفُ القلبِ .. ما وَجَبَا
ومَنبعُ السِّحر ِ مِنهُ الفنُّ قد شربَا
شابَ الزَّمانُ ويبقى غصنهُ رطبَا
وَمطربُ الشِّرق للتقليدِ قد شَجَبَا
مُعَلِّمَ الفذ َّ... تبقى للجميع أبَا
أنتَ الشِّفاءُ لقلبٍ كانَ مُضطربَا
وتنشدُ الحُبَّ ..لا الأسيافَ والقضبَا
الفنُّ صارَ رخيصًا ، عندنا لعبَا
كلُّ الدُّنى .. وانتشَى عُشَّاقهُ طرَبَا
فاقَ الخمورَ التي تستنزفُ الحببَا
منا أسرتَ النُّهَى والقلبَ والعَصََبَا
فيهِ العزاءُ يُزيلُ الهمَّ والوصَبَا
وتفرشُ القلبَ والوجدانَ والهُدُبَا
وَتنشُرُ الفنَّ والحُبَّ الذي احتجَبَا
كنتَ رائِدَهَا ... واكبتهَا حقبَا
بأحرفِ النور ِ.. لا بالتّبرِ قد كُتِبَا
الكلُّ يرشُفُ منها الشَّهدَ والرُّطبَا
وأنتَ ... أنتَ سكبتَ التبرَ والذهبَا
لم تحفل ِ الرِّيحَ والأهوالَ والنُّدبَا
لبنانُ في القلبِ لم نشهَدكَ مُغتربَا
أنتَ الذي من سهام ِ الموتِ ما رَهبَا
بنفحةِ الخُلدِ ... مَنْ أنوارُهُ وَهَبَا
فيكَ البراءَة ُ والحسُّ الذي التهَبَا
أبصرتُ فيكَ يسوعَ الحقِّ مَنْ صُلِبَا
ويهزمُ الشَّرَّ والأهوالَ والرُّعُبَا
شهدُ العزاءِِ وَدُرُّ القول ِ ما كذبَا
رضوانُ هَيَّأهَا دارًا .. لكَ انتدَبَا
بصوتِكَ العذبِ ..بالتسبيح ِ ما طُلِبا
نيمٌ لربِّ العُلا .. تشدُو الذي رُغِبَا
قد شَوَّهُوا الفجرَ، وجهُ الفنِّ قد شَحبَا
صُنتَ القديمَ ... وللتجديدِ ما عذبَا
تغدُو وترجعُ مَزهُوًّا وَمُنتصِبَا
تختالُ فوقَ رُباها باسمًا طربَا
ضَمَّت ضريحَكَ والأنوارَ والشُّهُبا
في جنَّةِ الخُلدِ تلقى الصَّحبَ والنُّجُبَا