هل يورث الفن؟

مبدع من الزمن الجميل

توثيقي للفن السوداني

في الساحة الفنية

سليمان عبد الله حمد

ابناء الفنانين منذ سنوات يثيرون الرأي العام من مختلف الجوانب، عل ابرزها كان جانب اقتحامهم للوسط الفني، حيث اثار عدد كبير منهم الجدل في تلك الجزئية، خصوصاً ابناء بعض الفنانين الكبار اصحاب التاريخ والبصمة والذين همس بعضهم في احاديث سابقة انهم يخشون ان يتسبب ابناؤهم في طمس تاريخهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا، بينما لم يجد آخرون غضاضة في ان يقتحم ابناؤهم المجال بل ويقومون بدعمهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، في تأكيد منهم على انهم استمرارية لهم، وبين هذا وذاك يبقى السؤال الاهم وهو..هل يورث  الفن.. ؟؟؟

نماذج عديدة:

بالمقابل ظهر في الوسط الفني مؤخراً عدد كبير من ابناء الفنانين باختلاف تجاربهم ومدى نجاحها او فشلها، ومن ضمنهم منتصر سيد خليفة  وعلاء  الدين الخالدي، وعزة ابو داؤود، ومحمد خضر بشير، وبنات الموسيقار بدر الدين عجاج نانسي ونهى ، وشريف شرحبيل، وعز الدين احمد المصطفى وغيرهم، كما لحق بهم مؤخراً بعض الابناء منهم على سبيل المثال محمد الدولي ابن الفنانة حنان بلوبلو ومصعب محمود عبد العزيز وآخرون.

اراء سابقة:

عدد من الفنانين الكبار في حوارات سابقة اكدوا ان الفن لا يورث، ولكن يمكن ان تكون للابن موهبة اخرى بخلاف الغناء، مثل التلحين او كتابة الشعر، او كما قال الموسيقار الكبير الراحل محمد وردي عندما سئل عن ابنه عبد الوهاب كمغني، فقال ان عبد الوهاب يمكن ان يصبح موسيقارا وملحنا بارعا..!

بيئة وتأثر:

الناقد  الفني مصعب الصاوي بسؤاله فى هذا الخصوص  قال ان الفن لا يورث لكن المسألة تعتبر  الهية، لكن من الممكن ان ينشأ ابن الفنان فى وسط معين يسمح له بالتأثر، و اضاف الصاوي ان البيئة او الوسط الفني او الثقافي التى ينشأ بها ابن الفنان تتسبب في ان تكون لديهم امكانية للتفاعل مع هذه الاجواء ، وقال الصاوي: (مثلا شريف شرحبيل ابن الفنان شرحيبل احمد صار  مغنيا وملحنا كذلك ومحمد شرحبيل احمد اصبح عازف جيتار، ويرجع ذلك لانهم نشأوا في  بيئة  فنية فوالدتهم الاستاذه زكية  عازفة ووالدهم شرحبيل فنان وملحن).

تحدي كبير:

ويمضى الصاوي في حديثه قائلاً بان المشكلة تكمن في  ان التحدى امام ابناء  الفنانين اكبر من غيرهم وهو ان يخرجوا من جلباب  ابائهم  فمن المفترض ان تكون لديهم بصمتهم الخاصة بعيداً عن ما قدمه اباؤهم ، فهم مطالبون بالإبداع  اكثر  من آبائهم الفنانين ، عكس الفنانين الذين آباؤهم غير فنانين فهم غير مطالبين بذلك والتحدي  امامهم مفتوح  ، وأضاف  الناقد مصعب الصاوي  بان ابناء الفنانين مطالبون بالإضافة والتفرد اكثر  من غيرهم حتى لا يقعوا في  دائرة المقارنة، وزاد الصاوي  فى حديثه قائلاً ان الجانب  الثاني  فى هذه  المسألة ان بعض ابناء  الفنانين يرون ان تراث  آبائهم الغنائي  هو ملك لهم يظلون يرددونه فهذا  غير جيد  فالمفترض ان يجتهدوا  ليقدموا اعمالهم الخاصة.

ما ضروري:

وأضاف  مصعب الصاوي ان هنالك ابناء  فنانين لم يصبحوا مثل آبائهم فمثلا تومات خيري  والدهم  كان ممثلا  وكذلك  المخرج مجدي  عوض صديق  والده ممثل  وطارق  البحر  ابنته  اصبحت فنانة تشكيلية  كذلك ابنة الفنان عبد القادر سالم التى اصبحت  فنانة تشكيلية  فأحيانا بذرة الفن تكون موجودة.

ايقاع الموهبة:

أما الموسيقار الماحي سليمان فيقول ان الموهبة لا تورث اطلاقاً لكن البيئة تلعب دوراً كبيراً فى لفت انتباه الموهبة وأشار  الى انه ربما لا يكون الشخص (ما عارف  هل  هو موهوب  ام لا )... لكن الالات الموسيقية والغناء  بالمنزل  سواء اكان والده ام اخيه  فنانا فهذا يجعل الشخص يكتشف موهبته، ويضيف  الماحي  ان اي  شخص فنان لكن تصبح مسألة الموهبة  فهى تكون ربانية وتحتاج الى اكتشاف  وان تنمو، وقال ان (ناس الرياضة) بيقولوا ان هذا الشخص احساسه بالإيقاع قوي، وأشار ان الموسيقي تستهدف الايقاع والنغم، مؤكداً الى ان الاحساس بالإيقاع والنغم يجعل من ذي الموهبة فناناً.

في فترة ما..قال الفنان عز الدين أحمد المصطفى أنه يرفض تماماً اداء اي فنان لأغنيات والده وذلك لأنها (ورثة) خاصة به، وأضاف انه سيقوم بالتغني لوالده مستنداً على ذلك المبدأ..وبالرغم من الانتقادات العنيفة التى وجدها عز الدين في ذلك الوقت إلا انه مازال متمسكاً جداً بتلك الجزئية ورافضاً تماماً لأية محاولات لإثنائه عن هذا الامر..ولعل ذلك فتح الباب على مصراعيه للكثير من الاحاديث ابرزها طرح حديث مهم وهو ما يختص بأبناء الفنانين في كل المجالات، وانبعاث ســـــــــؤال اهم وهو هل يمكن ان يورث الفن ..؟

إعادة توزيع:

وقبل ايام حفلت الصحف الفنية والمقالات بهجوم مدبب على ابن الفنان الراحل محمد وردي (عبد الوهاب) والذى قال انه يقوم بإعادة توزيع اغنيات والده، ذلك الحديث الذى رفضه الكثيرون جملة وتفصيلاً، وهاجم بعضهم عبد الوهاب باعتبار ان اغنيات والده ليست ملكاً له حتى يتصرف بها كيفما شاء، لكن عبد الوهاب لم يلتفت لكل تلك الاحاديث وواصل عمله القاضي بإعادة توزيع الاغنيات.

جينات ابداع:

وبالمقابل نجد أن هنالك نماذج كثيرة في الساحة الفنية لمبدعين صعد ابناؤهم لقمة النجومية ومن ضمنهم الفنان شريف شرحبيل عضو فرقة عقد الجلاد والذى قال ان والده كان ملهماً له في طريقه ألفني وكثير من النماذج الاخرى.
جلباب الاب:

الفنان الصاعد غسان ابن الملحن الشهير الماحي سليمان قال أنه دائماً يهرب من الاحتكاك بوالده في الوسط الفني، وأضاف ان ذلك يعود لفهم الوسط الفني لأبناء الفنانين بأنهم مجرد (متغولين) وأنهم يستمدون البريق من اسم آبائهم، لذلك فهو حريص على السير في دربه وحيداً، مع احترامه التام لمسيرة والده والتى قال عنها انها تاريخية بمعنى الكلمة.

الفن لا يورث:

ويؤكد عدد كبير من المهتمين بالمجال الفني ان الفن لا يورث على الاطلاق، بل هي موهبة من الخالق عز وجل، وضرب اولئك كثيرا من النماذج التي لازمها الفشل برغم صلة القرابة التي تجمعهم بمبدعين، وأضافوا أن تأثير الوالد أو الوالدة على الابن يمكن ان يكون محفزاً على الابداع، لكنه لن يكون على الاطلاق جوهراً اساسياً له.

هناك بلا شك كثير من ورثة هؤلاء العمالقة من جيل رواد الفن السوداني في ذاك الزمن الجميل قد شقوا طريقهم بتضحيات جمه في سبيل ترسيخ سيرتهم العطرة في مسار الأغنية السودانية وهذا تاريخ يمتد بظلاله لسنوات مضت وريما لسنوات قادمات ... !!! عجباً لهؤلاء ...!!!

و كما يقول الكثيرون من نقاد الساحة الفنية السودانية (الفن لا يورث ) فهذه حقيقة يجب على الأبناء الورثة الأخذ بها وشق طريقهم في مجال آخر من مجالات الإبداع الفني ...!!!  فهل انت معي ... لنا لقاء في ذاك الزمن الجميل من التوثيق للأغنية السودانية التي لا تزال تغيب عن اسماع كثير من يتذوق الفن الأصيل ... فهذه بعض القصاصات الفنية ... التي تضيف إلى صفحات الفن المنسية و الشاردة في ظلال النسيان ... أحبتي ....