أضواء على تاريخ الإخوان المسلمين المسرحي (1)
أضواء على
تاريخ الإخوان المسلمين المسرحي (1)
بدر محمد بدر
كل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أسأل الله لنا ولكم التوفيق والقبول، وقد اخترت أن أتناول موضوعا خفيفا ومفيدا في هذا الشهر، وهو الحديث عن فن المسرح عند الإخوان المسلمين، ربما يساهم نوعا ما في تبديد مخاوف البعض من تراجع مساحة الحرية والإبداع في الفترة المقبلة، فكيف ينظر الإخوان المسلمون إلى الفن؟
معروف أن الإخوان المسلمين منذ نشأتهم لم يتقيدوا بمذهب معين في مجال الفقه، بل تركوا للأفراد حرية اختيار الرأي أو المذهب الذي يرتاحون إليه، باعتبار أن الأمور الفرعية يسع الجميع فيها الخلاف، تطبيقا للمبدأ الجامع "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، واعتمدوا منهج الوسطية دائما في نظرتهم للأمور العامة، ومنها مجال الفن.
ويروي الخبير الاقتصادي الدكتور محمود عساف (رحمه الله) موقفا تاريخيا له دلالته، حدث في صيف عام 1945 بين الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان وبين الفنان المعروف أنور وجدي، عندما التقيا في مكتب مدير أحد البنوك المصرية، وبمجرد دخول الأستاذ البنا مكتب المدير صاح الأخير قائلا: حسن البنا عندنا.. يا مرحبا، مما لفت انتباه الفنان أنور وجدي، الذي استدار وسلم على الأستاذ البنا وجلس بجانبه، وقال له: أعرفك بنفسي.. أنا أنور وجدي.. المشخصاتي (الممثل) كما تقولون، أنا ممثل، وطبعا أنا في وجهة نظرك كافر، مع أني والله أقرأ القرآن وأصلي.
فقال البنا: "يا أخ أنور.. أنتم لستم كفرة أو عصاة بحكم عملكم، ونحن لا نقول هذا، فالتمثيل ليس حراما في ذاته، ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراما، وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمى للإسلام، إذا عملتم على إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعوا إلى مكارم الأخلاق، بل إنكم تكونون أكثر قدرة على نشر الدعوة الإسلامية من كثير الوعاظ وأئمة المساجد".
ويذكر التاريخ أن الفنان أنور وجدي، وقد كان فتى السينما الأول في ذلك الوقت مع الفنانة ليلى مراد، قدم للسينما المصرية بعد هذه المقابلة، فيلم "ليلى بنت الفقراء" عام 1945، يناقش فيه مشكلات المجتمع المصري، من فقر وجهل ومرض، ويدعو إلى إصلاح المجتمع ونبذ الطبقية.
ولم يقف الإمام الشهيد حسن البنا عند حدود هذه النظرة الفقهية الوسطية المجردة للفن والتمثيل، والتي تجلت في مقولته: حلاله حلال وحرامه حرام، أي ما كان حراما في الحقيقة يحرم فعله تمثيلا، وما كان حلالا في الحقيقة يباح تمثيله، فإذا كان يحرم على المرأة أن تكشف عن جسدها للأجنبي عنها في الحقيقة، فإنه يحرم عليها ذلك أيضا في مجال التمثيل، وهكذا.
ولكنه كان إيجابيا في التعامل مع الفن والفنانين، وحثهم على تقديم الفن الملتزم بالقيم والأخلاق، مثلما رأينا في حواره مع الفنان أنور وجدي، وتذكيره بأن دوره ربما يكون أكثر تأثيرا في خدمة الإسلام والدعوة إلى الله، من دور الواعظ في المسجد أو العالم في الجامعة.
ولعل هذه القصة التي سأرويها لكم تكشف إلى حد كبير، فهم الإمام حسن البنا وإدراكه لخطورة دور وتأثير الفن عموما، في إقناع الناس بما يريد أو صرفهم عما يشاء، فقد كنت أبحث في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في مدى اهتمام حركة الإخوان بالفن، وخصوصا فن المسرح، والتقيت بالشيخ عبد الرحمن البنا (الشهير بالساعاتي) شقيق حسن البنا، وكان قد قارب الثمانين من عمره، وروى لي قصة شيقة ومثيرة أستأذنكم في الحديث عنها الأسبوع المقبل بمشيئة الله تعالى.