تصْمِيمُ الرَّقصِ
تصْمِيمُ الرَّقصِ
كيفَ تصبحُ مُصَمِّمَ رقصٍ ناجحاً
حاتم جوعيه - الجليل
يُعتبرُ الرَّقصُ أحدَ الفنون المُهمَّةِ والتي تعكسُ عادات وتقاليد وفكر وطباع ومزاج وطقس وإقليم كلّ شعبٍٍ وشعب ، وذلك من خلال نوع وأسلوب الحركاتِ والإيقاعات ومدى السرعة والمستوى الفنِّي والبُعد الفكري والتعبيري الذي يُؤَدَّى ويظهرُ من خلال الرَّقص ..فنستطيعُ أن نتفهَّمَ وندركَ ونأخذ َ فكرة ًعن هذا الشَّعب أو ذاك ونوعيَّته ومستواه الخضاري والفكري ومدى إبداعه وتطوُّرهِ ورقيِّهِ . فمثلاً : الشعوب البدائيَّة ( كجنوب افريقيا والهنود الحمر.. إلخ .) يختلف كثيرا نماذج رقصها عن الشُّعوب المتحضِّرة والمتطوِّرة ، وكذلك أيضًا نرى أنِّ المناطق والأقاليم الحارَّة يختلفُ منهجُ فنونها ورقصها ، وخاصَّة ً في الإيقاعات والسُّرعة عن المناطق الباردة والمعتدلة في بعض الأحيان . كما تختلفُ أيضًا نوعيَّة ُ وأنواع الآلات الموسيقيَّة والإيقاعيَّة التي تستعملها الشُّعوب بمرافقةِ الرَّقص .
مدخل: إنَّ كلَّ لون ٍ ونوع من الرَّقص (مهما كان مستواه) يُعتبرُ كوسيلةٍ وهدفٍ لتحقيق الذات والغاية المنشودة، وهمزة الوصل للإتصال مع الغير ونقل رسالةٍ أو فكرةٍ وهدفٍٍ .. أو تعبير ٍ مباشر لما يشوبُ ويعتري الإنسانُ من أحاسيس ومشاعر ولواعج وأشجان سواء كانت مفرحة ًطربة أو حزينة ً شجيَّة . وفي الرَّقص يُستعمَلُ ويُستغلُّ الجسمُ جميعهُ أو جزءٌ منهُ ( حسب نوع الرَّقصة) .. وفي كثير من الأحيان يُرافقُ الرَّقصَ العزفُ على الآلاتِ الموسيقيَّةِ أو الإيقاعيَّةِ ( دبكة ، طبل ، دف ، صنوج ، درامز ... إلخ . ) والرَّقصُ بالإمكان أن يكونَ فرديًّا أو ثنائيًّا أو جماعيًّا ..( حسب أنواعهِ وألوانهِ ).
هنالك أنواعٌ من الرَّقص لا تحتاجُ إلى تعبٍ ومجهودٍ كبير ولياقة بدنيَّة فائقةٍ،والبعضُ الآخر من ألوان الرَّقص قد يتطلبُ ويحتاجُ إلى ليونةٍ ورشاقةٍ وكفاءاتٍ ولياقةٍ بدنيَّةٍ كبيرةٍ لتأديةِ الحركاتِ المُمَيَّزةِ والصَّعبةِ فيه بصورةٍ صحيحة وجميلةٍ وبشكل ٍمتواصل ٍ لفترةٍ طويلةٍ دونَ كلل أو تعب . ولهذا يُفضَّلُ وَيُستحسنُ وخاصَّة ً في صددِ أنواع الرَّقصاتِ الصَّعبةِ أن يتعلَّمَ الشَّخصُ ويتدرَّبَ على فنون الرًَّقص وهو صغير في السِّنِّ..أي عندما يكونُ طفلا غضًّا ليِّنَ العودِ والعضام، فإمكانيَّاتِ المفاصل وأطراف الجسم في تركيب الحركةِ والأشكال والأوضاع الصَّعبة بالنسبةِ للجيل الصَّغير ( أي الولد الغضّ ) وتطويع أعضاء جسمه لأداءِ هذه الحركات الصَّعبة تكونُ ملائمة أكثر بكثير مِمَّا عليهِ وهو كبير في السنِّ . .
هنالكَ الكثيرُ من القضايا والأمور التي يجبُ أن ندركها ونتعلَّمَها من خلال الرَّقص .
يجبُ أن نعي ونعرفُ كيفَ بإمكانِنا أن نتمكَّنَ، من خلال المحيط ، بالقيام بأداءِ أكثر من حركةٍ وكيفَ نُغيِّرُ الإتجاهات - كل إتجاه وإتجاه ونرجع إلى نفس المحيط - مثل: رفع الرجلين مع بعض أو ننزل القرفصاء ونرتفع إلى أعلى ونرجع إلى وضعنا الطبيعي . فأداءُ هذه الحركات مثل ( قفزات " نطات"ونزول قرفصاء أو تدحرج،وارتفاعات مختلفة في الجسم - وقوف إنحناء - وتغيير في أشكال وأوضاع الجسم ) فكلُّ هذه الأشياء تحتاجُ إلى لياقةٍ بدنيَّةٍ كبيرةٍ ومهارةٍ وخبرةٍ (مهنيّةٍ وعلميّةٍ ذهنيّة وفكريّة وجسديَّة ) ... ولهذا من المفضَّل والمفروض على كلِّ شخص يُريدُ أن يصبحَ راقصا محترفا ومعلِّما ومصمِّمَ رقص ٍ ضليعا في هذا المجال الواسع .. عليهِ أن يتعلَّمَ وَيُلِمَّ بجميع فنون وأصول وأنواع الرَّقص وهو صغير غضّ الإهاب ويتدرَّب على جميع الأوضاع والأشكال وَيُطوِّع جسمَهُ ويؤهِّلهُ ليصبحَ ملائمًا ومرنا ومناسبا لأداءِ جميع أنواع الحركات ... الخفيفة والسهلة والصَّعبة أثناء الرَّقص .
موضوعُ الرَّقص يحتاجُ إلى دراسةٍ واسعةٍ ، نظريَّة وعمليَّة، كما ذكرتُ سابقا ، فعلى كلِّ شخص ٍ يُريدُ خوضَ هذا المجال ويطمحُ أن يكونَ في المستقبل أستاذا ومصمِّمَ رقص ناجحا ومبدعا ، عليه أن يتعلَّّم جميع أنواع وألوان الرَّقص، فيما يخصُّ كلَّ شعبٍ وشعب، بشكل موسَّع، وعن تاريخ وحضارات هذه الشُّعوب وعاداتها وتقاليدها وطباعها وأمزجتها فيستطيعُ ان يُكوِّنَ فكرة ً ونظرة ً شاملة ً عنها ( فون الشُّعوب وخاصَّة فيما يعكسُهُ مستواها ( مستوى هذه الشُّعوب ) ، من خلال الرَّقص ( الشُّعوب البدائيَّة ، والشُّعوب المتطوِّرة ، والرَّقص القديم على مرِّ العصور والرَّقص الحديث المتطوِّر ) .
وعلى الشخص الذي يريدُ أن يصبحَ مصمِّمَ رقص يجبُ أن يتعلّمَ أيضا ويَطَّلعَ على بيولوجيا الجسم ، ويكونَ لديهِ إلمام في مجال الرِّياضةِ .. أي عليه أن يعرفَ جميع أقسام الجسم ،من ماذا يتكونُ جسم الإنسان ، ووظيفة كل عضلة ومفصل ونسيج وجزءٍ فيه - وطاقات ومقدرة الجسم وما هي الأشياء التي تنفعُهُ، والأشياء التي تضرُّهُ وتؤَثِّرُ عليهِ سلبيًّا، وكيف الوقوف الصَّحيح والتحرُّك وأداء الحركات بشكل ٍ سليم وصحيح من غير أن يكونَ لهذه الحركاتِ والقفزات تأثير سلبي على الجسم مستقبلا . فكلُّ حركةٍ وانحناءٍ أو استدارةٍ غير صحيحةٍ ومدروسة بالإمكان أن تؤَدِّي إلى خلل أو عطب في جزءٍ أو طرف من أطراف الجسم .
عليهِ أن يتعلَّمَ ماذا يمكنُ أن يُحرِّكَ - تحريك العضلات المختلفة - وأقسام عديدة في الجسم ،وتغيير الإتحاهات والمواتضع من شكل لآخر ، واستغلال أقسام مختلفة من الجسم من خلال المفاصل، وتطوير الحركة من خلال معرفة الجسم وأقسامه ونقاط قوَّتهِ وضعفهِ وكيف نستغلَّ الحركات بشرط ألاَّ يسيىء هذا الجسم وألا يكونَ هنالك مضاعفات سلبيَّة وتشوُّهات جسديَّة وعضويَّة وأوجاع في المستقبل ، وأن ندركَ ونعرفَ العلاقة بين أقسام الجسم المختلفة والهيكل العضمي، وممكن أن تكونَ الحركة ُ فيها : سمرتيا - ولا سيمرتيا ( أي متساوية وغير متساوية ) .
وهنالك سؤالٌ هام يجبُ أن نطرَحَهُ في صدد موضوع الرقص وهو : مدى قوَّة التوازن ونقل مركزالثقل وكيف علينا أن نتحرَّكَ بالشكل الصحيح والسَّليم ونحافظ على توازننا، أي يجب إستغلال مركز الثقل بألاَّ نخرج عن القاعدة ونفقد التوازن ( وهذا هام جدًّا أيضا في حركات السيرك ) . وعلينا أن نتعلّمَ ونصبحَ خبراء في بذل القوَّة - خفيف قوي مثل : ( ردع ، ضغط ، شدّ ، جذب أثناء الرَّقص ) هذا يتمحورُ في تغيير حركات الرَّجلين وانتقالها بشكل يعطي التوازن للجسم ...وهنالك أوضاع صعبة جدا تحتاج إلى لياقةٍ عالية ومرونة وتوازن كبير مثل: الوقوف على اليدين والجسم إلى أعلى وقضيَّة القفز وأشكالها العديدة والتدحرج أيضا حيث ينتقلُ التوازن عبى جميع انحاءِ الجسم وأعضائِهِ .
كما أن الوقوف والإستمراريَّة مهمٌّ جدا، وكيقيَّة التحرُّك بشكل أفضل وأنجع ، وكيفَ ننقلُ الوزن من قاعدةٍ إلى قاعدة أخرى، واستغلال السرعة حسب المتطلبات في مجال الحركة،والحركة بشكل موزون الإلتزام بالفترةِ الزمنيّةِ والتحكّم في مدى إستمراريَّة الحركة ) ، ومن ثمَّ مناسبة وملاءمة الحركة للإيقاع والنغمة ( اللحن ) من ناحية المعنى والجوّ والروح والموضوع أثناء تأدية الرَّقص - الرَّقص الذي يرافقهُ العزف والغناء - وعلى الشَّخص أن يعرفَ ما هو المسار لأنهُ شيىء مفروض والإتجاه يتمُّ من خلالهِ .
كيفَ يصبحُ الشَّخصُ مصمِّمًا ناجحًا للرَّقص:
نستطيعُ ان نلخِّصُ هذا الموضوعَ والمتطلبات التي يحتاجُها الإنسان حتى يصبحَ مُصَمِّمًا ناجحا في الرَّقص في ثلاثة عناصر هامَّة وهي :
( الموهبة الفطرية ، الدِّراسة ، الممارسة والتجربة ) .
إذا درسَ الإنسانُ ذو الحسِّ الفنِّي المُرهف الذي وُلِدَ من طبيعتِهِ عنده الموهبة والكفاءات والإستعداد الفطري للرقص والفن وكان جسمُهُ ووجدانهُ مهيَّئا وملائما لذلك ، وتعلَّم كلَّ الأشياء والمتطلبات اللازمة منذ طفولته ونعومةِ أظفارهِ، أي إذا درسَ تاريخَ وحضارات الشُّعوب وفنونهَا ، من رسم وموسيقى ، والرَّقص بأنواعِهِ وألوانهِ لكلِّ شعب وشعب منذ القدم إلى الآن ( العصر الحاضر)، ومراحل تطورهِ ودرسَ عن جسم الإنسان وأقسامِهِ وأجزائهِ ووظيفة كلّ جزءٍ فيهِ وكيفيَّة تطويع وملاءمةِ أعضاء الجسم لأداءِ أشكال فنون والوان الرَّقص ، لكلِّ حركةٍ وحركةٍ ، خاصَّة الأشياء والظروب المتطوِّرة التي تحتاجُ إلى لياقةٍ عالية وخبرةٍ فنيَّة ممتازة ،لأجل تعقيدات بسبب الحركات وكثرة التغييرات في الأوضاع والأشكال بين اللحظة والاخرى . فإذا تعلَّمَ الشّخصُ هذه الأشياء كدراسةٍ علميَّة مُوَسَّعةٍ والتزمَ بجميع ِ قوانينها وأسسها ومارسَهَا بشكل مستمرٍّ فمن المؤَكّد سينجحُ في هذا المضمار وسيصبحُ معلِّمًا كفئا في مجال تصميم الرَّقص . ولكن عليه ألا يكتفي بما عرفهُ وتعلَّمهُ من الغير ، بل عليهِ أن يستغلَّ جميعَ ما تعلَّمهُ واكتسبهُ من علم وخبرةٍ ( نظريَّة وعمليَّة ) ويعمل على تطوير أدواتِهِ الفنيَّة ويحاول أن يبدع ويبتكر ويضيف أشياءً أخرى، وأعمالا وحركات وتقنيات لم تكن معروفة ومألوفة في موضوع الرَّقص، وأن يبتكرَ ويبتدعَ رقصات جديدة ، خاصَّة ً في الرَّقص التعبيري الذي سيبقى بشكل مستمرٍّ في مرحلةِ تطوّر وتجديد لأنَّ الإنسانَ بطبيعتِهِ أيضا دائما في تطوُّر ٍ مستمرٍّ نحوَ الأفضل والأرقى والأسمى، وبما يتلاءَمُ ويتناغمُ مع مستواه الفكري والحضاري وعقليَّته وعاداته المستحدثة ومستواه التيكنيلوجي والعلمي.