الإنجليز وعبيط القرية
أسامة غريب
نكتة كاريكاتيرية مرسومة فى إحدى الصحف العربية لفنان الكاريكاتير المبدع حامد نجيب لفتت انتباهى. رسم حامد رجلا يمثل الغرب وعلى رأسه قبعة يقف على منصة ملقيا خطبة يؤيد فيها حقوق الشعب الفلسطينى بينما الجمهور العربى يستمع إليه فى سعادة وانتشاء. خلاصة الخطبة هى ما كتبه حامد على لسان المسؤول الغربى الذى قال: نحن مع الشعب الفلسطينى المناضل حتى يحقق الإسرائيليون أحلام دولتهم!
أصاب حامد كبد الحقيقة من خلال رسمة بسيطة وأقل قدر من الكلمات. لقد دأب المسؤولون الغربيون على أن يقدموا لإسرائيل بالمجان التكنولوجيا والسلاح المتطور والمفاعلات النووية بينما يبيعون لنا بكلفة باهظة بعض التأييد اللفظى والكلام المعسول، أى أنهم يبيعون لنا الهواء الذى علموا أننا نكتفى به ليطرى على قلوبنا الحارة! وإلا فبماذا نفسر عمليات البَكَش والأونطة التى تقوم بها السلطات البريطانية التى تسبغ حمايتها على اللصوص والقتلة الهاربين من مصر والمستقرين هناك عندما تحاول أن توحى إلى البلهاء أنها أرسلت البوليس إلى كلية لندن للاقتصاد حين علمت بوجود المجرم الهارب يوسف بطرس غالى! لقد نشرت الصحف أن البوليس حضر بعد مغادرة غالى للمكان، فلم يتمكن من القبض عليه، وكأن المحروس الحرامى يعيش هناك دون علمهم! نفس الأونطة يمكن أن نلمسها فى الأخبار الكاذبة التى تنشرها وسائل الإعلام البريطانية طول الوقت حول المسؤول الإسرائيلى الفلانى الذى كادت السلطات البريطانية أن تعتقله لارتكابه جرائم حرب فى غزة، لولا أنه ألغى رحلته فى آخر لحظة بعد أن بلغته نية الإنجليز اعتقاله، أو الجنرال العلانى الذى نجا من المصير الأسود بمعجزة بعد أن تم تهريبه من لندن قبل ثوان من إلقاء القبض عليه! آخر أبطال هذا الفيلم الردىء هى تسيبى ليفنى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة التى كانت فى السلطة وقت الحملة البربرية على الفلسطينيين العزل فى غزة فى يناير 2009، عندما قام البرابرة بقصف الأطفال بالأسلحة الكيماوية. نشرت صحافة لندن أن قوة من بوليس سكوتلانديارد تحركت إلى الفندق الذى كانت تسيبى ليفنى تعتزم النزول فيه، وقامت القوة بتفتيش الفندق وقلبه رأسا على عقب قبل أن يتبينوا أن المطلوبة لم تصل لندن بعد أن تم تحذيرها من سوء العاقبة إن هى وطأت الأراضى البريطانية! طبعا هندية الفيلم ليست محل شك، لكنها لا تنال من القضاء البريطانى النزيه والمستقل الذى يقوم فعلا بإصدار قرارات بالقبض على المجرمين طبقا لقانون بريطانى، يمد ولاية قضاء جلالة الملكة ليشمل جرائم ضد الإنسانية وقعت خارج الحدود البريطانية، ولكن ما ليس نزيها ولا مستقلا هو السياسة البريطانية التى تعبث بالعدالة، محاولة تفريغها من مضمونها بدليل السعى المحموم من ساسة لندن إلى إلغاء القوانين التى تغضب إسرائيل، لكن ما لفت نظرى فى الفيلم الهندى المتعلق بفرقة البوليس التى ذهبت لاعتقال الحلوة تسيبى من الفندق هو السذاجة فى الإخراج، إذ كان بإمكان قوة البوليس قبل التحرك من سراى القسم أن تنقر نقرتين على الكمبيوتر حتى تستبين إذا كانت ليفنى قد دخلت من المطار أم لا.. بدلا من الهجمة العنترية العقيمة التى نفذوها وهم يدركون أن مجرمة الحرب التى يريدونها لم تدخل لندن من الأساس! وهو فيلم يشبه فى تعاسته فيلما آخر تم إنتاجه وإخراجه هنا فى مصر عندما صدر قرار منع المجرم ممدوح إسماعيل، صاحب عبارة الموت المصرية، من السفر بعد التأكد من أن الطائرة التى هرب فيها قد غادرت الأجواء المصرية فى طريقها لعاصمة الضباب!
ما يفعله الإنجليز هو ما عبر عنه الفنان حامد ببساطة آسرة على لسان المسؤول الغربى الذى يقدم دعما لفظيا للعرب مقابل فلوسهم الكثيرة التى يستولى عليها، فى الوقت الذى يقدم لإسرائيل الدعم الحقيقى ويمدها بكل أسباب القوة.. وهذا لا يفترق كثيرا عن أن تقدم كوز بطاطا وإصبع عسلية لعبيط القرية مقابل الاستيلاء على أرضه!