إلى القائمين على الفن الإسلامي

إلى القائمين على الفن الإسلامي..

د. عاشق الحق

تحضرني بعض النقاط التي سمعتها وقرأتها في تعليقات بعض العاملين في مجال الفن الإسلامي , وسأنطلق بداية من عبارة قالها بعضهم وأكملَ على منوالها : وهي : " .. ما زلنا أسرى ثقافتنا وإطلاعنا المحدود .. " حيث جعلني هذا الكلام أتساءل متى كان ذلك ؟ والإعلام العربي منذ عقود طويلة يعرض علينا ثقافة الآخرين حتى حفظناها أكثر من ثقافتنا , واطلعت شخصياً - نتيجة المدح الشديد لأدب الغرب ونظمه وو و و - على الكثير والكثير من الأدب الغربي البارد الجميل الذي لا يصقل نفساً ولا يكرس مبدأ , وإنما يمتع آنيّاً متعة باردة .. فعلى ماذا ينبغي أن نطلع بعد ؟؟ على فكر الغربيين الاقتصادي الذي أغرق العالم بالظلم ؟؟ أم على فكرهم السياسي الذي نشر الفوضى ؟؟ أم التربوي الذي كان من نتيجته الشذوذ والعهر والفواحش ؟؟ أم على نظريات علم النفس – عندهم - التي أدخلت الناس في الجدار واعتنت بحلول الحالات الشاذة وأوصلت البشر إلى البحر ثم أعادتهم عطاشاً ؟؟؟؟ أم على منهجهم الفني الذي يدخلون من خلاله برحابة صدر إلى الفواحش والموبقات فيهزون الخصور ويميتون العقل والفكر لإمتاع الحواس ؟؟

على ماذا يجب أن نطلع , وكأننا مللنا عقوداً عُرض فيها على شاشاتنا ما جعلنا نشبع من حكمة الماوردي وبيان الرافعي وعمق ابن تيمية وواقعية أبي حنيفة وذكاء الشافعي وبلاغة الغزالي , و إبداع ابن خلدون ؟؟ !!!

أما آن الأوان لنقول للآخرين هذه ثقافتنا فهي الصواب , وغيرها خطأ ..خطأ .. خطأ ؟!! ..

 لقد تفاءلت بإعلام إسلامي ظهر , فإذا به ينطلق من مجتمعه الخاص : فيعرض في الإعلام طابعَ مجتمعه المتأثرَ بما بعد احتلال الإنكليز ...

نريد أن نبرز بلباسنا الإسلامي الرائع لا بلباس الآخرين الذي ملَّ الآخرون منه : سنكون بلباسهم زيادة بنكهة جديدة يسمونها محافظة , وما أكثر وصفات العلاج في هذا الزمن , ولكن أين هي الوصفة التي تعالج المرض من جذوره إذا كانت ستُقدَّم بحياء وخجل وتزويق وتنميق كتزويق وجه الحسناء بمساحيق يجعلها أقرب إلى القباحة ؟!! ...

وأنا منذهل من الأمور التي اشتد حولها الخلاف في الإعلام ؛ لأن حلها بسيط جداً كبساطة صباح الخير , ولا أريد أن أقول العبارة المملة ( دون تشدد ) أو العبارة التي لم يقلها أحد ( دون تمييع ) , وإنما ينبغي وضع كل أمر في مكانه كما وضعه الإسلام , عندها يتحقق أمر طالما حلمتُ به ؛ وهو أن تزيد القنوات الإسلامية كيفاً لا كماً : وتصبح بقوة قناة الجزيرة بإيجابياتها الإعلامية التي لا تخفى على أحد , بدل ذلك العدد من القنوات الإسلامية المهددة بالإغلاق بسبب الإفلاس ....

- ما اختلف خطاب الشرع في توجهه بين مؤمن وكافر ومستجيب ورافض .. وإنما الاختلاف كان في نوعية الأمر الذي يدور الخطاب حوله , فاختلف الخطاب في تحريم الخمر عن الخطاب في تحريم الزنا , والذي حتّم هذا الاختلاف هو نوعية الحكم والموضوع وليس الفئة المستهدفة بالخطاب فكلنا بشر إنسيون لم نجتمع من عدة كواكب ..

كثيراً ما سمعت أحدهم يقول : نحن نخاطب فئة شبابية غير ملتزمة , وبغض النظر أن فئة الملتزمين لم يصبحوا ملائكة نأمن عليهم من الإفساد بتمييع الخطاب , أقول وبغض النظر عن هذا : لا ينبغي أن نخاطب هؤلاء الذين نتحدث عنهم بما يشتهون وإنما حسبما يحتاجون , هم ليسوا بحاجة إلى خطاب يسايرهم بل إلى خطاب يغيرهم , ليسوا بحاجة إلى خطاب ينسجم مع عقولهم بل إلى ما يمتع عقولهم ويرتقي بها .. لقد جاعوا كثيراً وليسوا بحاجة إلى شوربة بل إلى شواء معتبر ..  

هل أقول للملتزم : الخمر حرام , ولغير الملتزم : بعض الخمر حرام ؟؟

هل أدخل إلى أُذن المستمع العادي بالقصيدة العامية التي حطمت ثقافة الجيل , وللملتزم بالقصيدة الفصيحة لأنه يعتز بها ولا يقبل بغيرها ؟؟ لا وألف لا : ينبغي أن يعتز بها الاثنان ويقبل بها الاثنان , فإن جاريت ذلك الجاهل : فما الذي أكون قد فعلته ؟؟ والمضحك أن بعض هؤلاء يبررون ما يقدمونه بأنهم يريدون النزول إلى مستوى العامة !! ، والحقيقة أن هذا هو مستوى من يسلك هذا المنهج متستراً خلف تلك الحجة , فإن كان مستواه سطحيّاً فإن جمهور الفن الإسلامي مثقفون ، أو يريدون الرقي والعلم والثقافة , وغيرهم لن يأتي إليه ولو عزف لهم بر الوالدين على نغمة : بلدي طنطة وحب عيش أونطة .

يا إخوتي : لم ينجذب الشباب إلى النشيد الإسلامي سابقاً بسبب عدم ظهوره على الشاشات أصلاً , وليس لقصوره , فأستحلفكم بالله أن تسعوا لإظهاره الآن كما أمر الله تماماً دون تقليد أو تمييع , وهل قلد سليم عبد القادر نزار قباني ؟؟ وهل قلد أبو الجود عبد الحليم حافظ ؟؟ أبو الجود الذي لو سُمح لأناشيده بالظهور كأغاني عبد الحليم لأنشأت جيلاً آخر كلنا نتمنى وجوده ...  

- سؤال : من المقصود بشريحة الملتزمين والقائلين بسد الذرائع ؟؟ لأسأل بدوري عن شريحة المميعين الذين يريدون تغيير الواقع بتطويع الشرع له بينما ينبغي أن يغيروا الواقع كما أراد الشارع ..

إذا كان هناك مفتون يحرمون كل شيء بدعوى سد الذرائع ... فهناك مفتون يفتون بحل كل شيء بدعوى عدم سد منافذ الخير !!!.. فإذا كان الأول برأيكم لم يغير فهل سيغير الثاني ؟ وأي تغيير سيكون ؟؟ إنه سيغير ذلك التغيير الذي يزيد الأمر سوءاً , فبدل من أن يظن الإنسان نفسه عاصياً ويحلم بالتوبة : سيجعله يعتقد أنه مطيع بحاله تلك ، وأما سبب تعاسته – بسبب المعاصي التي ظنها طاعاتٍ - فسيلقيها على أهل الحارة وعمه وبيت الجيران ..

إخوتي الكرام : لا سد الذرائع ولا المشقة تجلب التيسير , بل أحكام الدين : كما هي .. كما هي .. فسد الذرائع له مكانه ، والمشقة تجلب التيسير لها مكانها ، والمدار يبقى على الحكم الأصلي ، وهو موجود فلنتبعه ولا نخالفه ..

- أكثر ما أثار ضيقي أنني سمعت البعض يعلق تراجع الفن الإسلامي على تضييق الملتزمين وتحبيطهم – على حد قوله – ... ياااه : فاته أن يلاحظ السطحية في العرض وقلة العلم وضعف الأداء , ودخول هذا العالم من ليس أهلاً له , وقلة الاعتماد على المختصين في الموضوعات التي تُعرض : من النواحي العلمية , بينما كل الاهتمام متوجه نحو المتخصصين في التوزيع واللحن والطبل والزمر والذين يعرفون حساسية الأذن ومدى تقبلها للفرق بين ميع وفيع ... وكأن الناس كانوا ينتظرون معزوفة موسيقية جديدة تذكرهم ببهدلة الفن الآخر وتفاهته ..

لقد كان جمهوركم يرفض الموسيقا مع صوت أم كلثوم الرائع – بشهادتكم - فهل يقبلونها مع سطحية هذه الأعمال والأصوات المتسترة وراء الصفق والطرق والزيق والميق ؟!! , ومن كانت أعماله راقية وتصلح أن تضاف إلى النشيد الأصيل الحقيقي الذي يعد من مفاخر الأمة : فإن صاحبها لن يرضى بتلويثها وتغطيتها وتذبذبها بين الحق والباطل ..

المشكلة الكبرى التي نتخبط فيها : هي أننا نعمل على أنصاف الحلول : فننتج أنصاف مهتديين وأنصاف متعلمين وأنصاف عاملين وأنصاف مبدعين ...  والله تعالى أراد لنا الإصلاح الحقيقي حينما قال : { خذوا ما آتيناكم بقوة ..} ، فالإسلام دين جادٌّ , وهو حين أباح المتع : أباح المفيد منها , فالطعام ممتع ومفيد والرياضة ممتعة ومفيدة فأُبيحا , والموسيقا ممتعة وغير مفيدة : لذلك حُرمت , لنقول هذا للناس : حتى يحترموا الإسلام , ولا يظنونه يوافق حالهم المتردي ! .. 

 

فأعوذ بالله من أن يحل بنا كما حل بالفن الآخر الذي عندما لم يجد تلك الكفاءات : لجأ إلى العري والتهتك ليغطي عيوبه , فنلجأ نحن إلى العزف والتميع والتذبذب , ونعوذ بالله من المفَن الجاهل ... فكيف إذا كان صاحب هوى ؟! ..

- ختاماً : أسأل الله أن يثيبني على ما كتبت من صواب ويعفو عما فيه من خطأ , ولا يفوتني أن أشكر القائمين على الفن الإسلامي لما يقدمونه من حسنات , كرهت لهم من أجلها سيئاتٍ أدعو الله تعالى أن يقيهم منها ..