عرض أطياف حكاية
إعلان للجميع الصعايدة وصلوا
د. كمال يونس
[email protected]
قدمت فرقة أبو تيج المسرحية التابعة
لهيئة قصور الثقافة بأسيوط على مسرح الجمهورية بوسط القاهرة ، العرض المسرحى أطياف
حكاية ، ضمن فعاليات المهرجان القومى الثالث للمسرح المصرى ، تأليف ياسين الضو ،
بطولة رشا محمد متولى ( ناعسة 9 ، نادية محمد صلاح (غزاوية )، نورالدين مصطفى (
أيوب ) ، حسين حسن الشريف ( عمار )،نور الدين مصطفى (همام ) ، جابر أحمد حمزة (
الغريب ) ، عماد حمدى عبد الرحيم ، فتحى على صالح ، صابر عبد الحميد ، طارق محمود
مصبح ، أشرف عبد الغنى كامل ، مصطفى جمال ، عماد فرغلى ، ، أوليفيا جوزيف ، هدى
مناع ، شادية جاد الرب ، والأطفال محمد رجب ، وحيد إبراهيم ، وفرقة الفنون الشعبية
إسلام مصطفى ، على أمين ، محمد جابر ، هانى فاروق ، حسين نصر الدين ، محمود صلاح ،
أشعار حسام الدين عبد العزيز ، ألحان عبد المنعم عباس الشريف ، إضاءة إبراهيم الفرن
، ديكور أسامة المنصورى ،مخرج منفذ أشرف محمد، إخراج أسامة عبد الرؤوف .
العرض مستمد من الحكاية الشعبية ناعسة
وأيوب ، وفيها كل مساؤى النفس البشرية من حقد وطمع وكراهيةأمام البراءة والطهر
والنقاء حين يجتمع همام كبير قطاعى الطرق باستبداده وجبروته ، أمام ثروة أيوب
متمثلة فى البئر الذى يرتوى منه الناس والأرض ، والذى طمح لامتلاكه حتى يفرض سلطانه
وهيمنته على البلدة ، كى يمعن فى إذلال الناس ، والغازية الداهية غزاوية التى أكل
الحقد قلبها غيرة وكمدا من ناعسة الشريفة العفيفة الجميلة ، التى أستأثرت بأيوب
الذى رفضها حين عرضت نفسها عليه ،وعمار ابن عم كل من ناعسة وأيوب وقد رفضته ناعسة
حين تقدم لخطبتها ، وتزوجت من أيوب ، وينتهى الأمر بأن يقتل كل من الأشرار الثلاثة
بيد الأخر.
نجح أسامة عبد الرؤوف المخرج العبقرى
القادم من جنوب مصر بعيدا عن دائرة الضوء والهالات الإعلامية أن يعلن للوسط المسرحى
أن الصعايدة وصلوا إلى الرقى الفنى بإبداعاتهم المسرحية ، ليقدموا أنموذجا يحتذى
فى تقديم العرض المسرحى بتقنيات حديثة ظهرت جلية فى خروج العرض بسينوغرافيا أى
تشكيل لصورة مسرحية رائعة ، فالديكور مبتكر وخاصة الذئاب الثلاثة فى الخلفية ، وقد
نحت على مقاس كل من الأشرار الثلاثة همام ، وغزاوية وعمار ،وأمامه مدرج من ثلاث
درجات للصعود إليه يحتل أعلى يمين المسرح ،وفيه تدور كل أحداث الشر والتدبير لها ،
وأمامه تدور أحداث فيها قهر البشر وإذلالهم ، وعلى اليسار سرير أيوب ومغزل ناعسة
أمام الصبارة التى نحت فيها على مقاس ناعسة وأيوب ، كرمز للصبر والمعاناة ، القمر
وشعاعه فى الخلفية ،ومن قيام أحد المشاركين فى العرض بشق الديكور تظهر المقبرة ،
حيث يقوم أيوب من تابوته ، ويخرج من ملاءة كبيرة بها فتحات عدة رموز الشر والأهالى
لتبدأ الأحداث ، ولقد استغل المخرج خشبة المسرح بأعلى درجة عالية من المهارة
والحرفية ،فانسابت حركة الممثلين فى تناغم وتوافق ودقة متناهية ، مكنته أن يتنقل
بين المشاهد فى سلاسة وسرعة ودون مشقة ، وأفسح أماكن لتدور فيها الأحداث
والإستعراضات ، ورافقت العرض إضاءة على درجة عالية من التقنية والحرفية فى
الاستخدام ، لتعزز المدلول الدرامى لمضمون العرض ، أما الأشعار فكانت مثرية للعمل ،
وقد رافقتها والعرض موسيقى العرض التصويرية ، وألحان معبقة بالشجن والتأثير الدرامى
،نجح المخرج أسامة عبد الرؤوف فى اختيار ممثليه وتوظيف قدراتهم الإبداعية ، فكان
لكل ممثل منهم إيقاعه الخاص المتوائم والمتلائم مع الشخصية وأبعادها الدرامية ، فى
تناسق أداء تمثيلى مع غيره من الممثلين ،وأرفض اعتبارهم هواة فطريقة أدائهم فيها
عبق الاحتراف والتمرس والخبرة والثقة ، فكانوا جميعهم نجوما للعرض ،وأمسكوا
بشخصياتهم وتفاصليها مع التبديل السريع من دور لدور ، واستطاع المخرج أن يعزف
سيمفونية من الأداء المسرحى بالمقدرة الهائلة على الحفاظ على دقائق وتفاصيل العرض
،المملوء بعبق التراث والأصالة ، الفرح ، المقهى ، الختان ، جو شعبى أصيل ، وفى
استخدامه لأهالى البلد ككورس ، يوضح معرفته بالمسرح الإغريقى ، مع رشاقة التنقل بين
الزمان والمكان والحدث بأبسط الحلول الإخراجية ،ومهارة الرواية أو السرد المسرحى ،
بيد أن هناك خللا فى النص والحوار مرده إلى التكرار لبعض الجمل بعينها ،ولكن الحوار
بشكل عام ممتاز ، وهكذا نجح المخرج أن يحقق إيقاعا عاما للعرض أفلح به أن يستولى
على عقل الجمهور واهتمامه وفيه التشويق والإثارة والترقب ،حتى نهاية العرض الذىعاد
كل شىء لما كان عليه فى المشهد الافتتاحى ليرقودوا فى القبر ، ويغلق عليهم ،
وليعتبر كل بما يشاء ، وحتى تحية ختام العرض أخرجها بطريقة مبتكرة تحسب له .
ومن أجمل مشاهد العرض مشهد السيلويت
وتلصص غزاوية على ناعسة وهى تستحم ، رقصة أيوب وخلفه الغزاوية ، مشهد الاحتفال
بختان عمار ،مشهد قص الغزاوية لشعر ناعسة .
حقيقة لقد أصابتنى الدهشة فتلك الفرقة
القادمة من أسيوط بصعيد مصر تقدم عملا إحترافيا جدير بالتقدير ولعل سينوغرافيا
العرض أو تصميم صوره ومشاهده المسرحية يعلن عن ضرورة احتضان تلك الفرقة والدفع بها
وبمخرجها إلى دائرة الضوء عن جدارة واستحقاق ، وهكذا أعلنت فرقة أبوتيج أن
الصعايدة وصلوا ليعلنوا عن أنفسهم مرددين نحن ها هنا أيها المسرحيون والجمهور.