السينما.. فنّ الإبهار المُميت
كتاب جديد للناقد "حسين سرمك حسن"
من موقع الناقد العراقي
عن دار ضفاف (الشارقة / بغداد) صدر كتاب جديد للناقد الدكتور "حسين سرمك حسن" عنوانه : "السينما : فن الإبهار المميت" (237 صفحة) ، وهو كتابه الثالث والأربعون في مسيرة تأليفية وبحثية مثمرة .
وقد اعتبر الناقد – كما يقول في مقدّمة الكتاب - كتابه هذا الأول من نوعه في العراق ، في مجال النقد الشامل للفيلم السينمائي بدءاً من قصة الفيلم وحُبكتها ومعانيها وتأثيراتها الإجتماعية والنفسية والسياسية ، واختيار الممثلين وملابساته ومستوى أدائهم ، والإستقبال النقدي (السلبي والإيجابي) للفيلم ، وتقييمات المراكز المتخصصة الشهيرة له ، والجوائز التي فاز بها وخفاياها ، تأثير الفيلم في مسيرة الفن السينمائي العالمي ، واستقباله في شباك التذاكر وما يعنيه في تاريخ السينما ، مواطن قوة وضعف عناصره الفنّية الأخرى (السيناريو، الإضاءة ، الألوان ، المكان ، الموسيقى التصويرية والأغاني ، الحوار .. وغيرها) ، الرؤية الإخراجية ومميزاتها ، دليل الآباء في توجيه أبنائهم عن مشاهد العري والجنس والعنف والدموية والرعب والمخدرات وغيرها ، أخطاء الفيلم (وبعضها مثبت بالصور) التي سيندهش القاريء لكثرتها وشناعة بعضها ، ثم أقوال تشبه الحكم مقتبسة من حوارات الفيلم ، ويختم كل عرض نقدي للفيلم بسيرة ومنجزات الشخصية الرئيسية فيه (منذ الولادة حتى الآن ، أفلامه ، حياته الشخصية ، أقواله ونظرته إلى الحياة ، أجوره ، أعماله الخيرية ، مشكلاته العامة .. وغيرها) .
ويشير إلى أن الشرارة التي أشعلت اهتمامه لوضع هذا الكتاب هو حادثة حصلت في عيادته الطبية بصفته طبيبا مختصا بالطب النفسي حين دخلت عليه (امرأة يبدو عليها القلق والإرتباك الشديدان . قالت :
"دكتور : أنا لستُ المريضة ، لكنه زوجي ، وأحببتُ أن أعطيك بعض المعلومات عنه قبل دخوله عليك . لقد تحوّل فجأة إلى الشك في سلوكي وفي وفائي له بعد علاقة سنوات طويلة مفعمة بالإحترام والوفاء . هذا التحوّل حصل بصورة مفاجئة بعد الليلة التي شاهدنا فيها فيلم "وكيل الشيطان" . قد تسخر منّي لكن صدّقني هذا ما حصل " .
هذا المثال - وغيره الكثير - يثبت دور السينما – طبعاً مع عوامل كثيرة ؛ اجتماعية ونفسية وتربوية ، أخرى - في تثبيت المفاهيم وتغيير السلوكيات بالتأثير المتراكم - وهو القاعدة - أو بالتأثير الحاد المباشر - وهو الإستثناء) .
كما يشير إلى حادثة مروّعة حصلت في إنكلترا "في يوم 10 آب 2011 ، حين قام الطفل "لويس ماك غلين" البالغ من العمر 8 سنوات بشنق نفسه في غرفته بعد وقت قليل من انهاء مشاهدة فيلم "الساموراي الأخير" لتوم كروز (وهو من الأفلام التي قام الناقد بتحليلها ) . كشف التحقيق أن هذا الطفل يحتفظ بالعديد من الأفلام في غرفته تعود لأخيه الأكبر وحتى لأبويه . وكان يعيد عرض بعض المشاهد من دون أن يتدخل والداه . وقد بيّن الطبيب الجنائي في مقاطعة "هيرتفوردشاير" بإنكلترا حيث وقع الحادث ، أن لويس كان يمثل ما يشاهده . وقالت الأم أنه قبل ذلك وجد حبلا وقام بتمثيل شخصية "أنديانا جونز" بسوطه المعروف، لكنها منعته. وجد الأب طفله وقد لفّ حول عنقه حبلا واختنق ، في حين كان عرض فيلم الساموراي الأخير مستمراً في جهاز الفيديو في غرفته . علماً أن شريط فيلم الساموراي الأخير مثبّت عليه تنبيه بأنه لا تجوز مشاهدته ممن تقل أعمارهم عن 15 عاماً (وهذا الفيلم من الأفلام التي تمّ تحليلها في هذا الجزء) .
لكن مشكلات مجتمعنا أفضع وأبشع "فقد حصلت في المدن العراقية العديد من حوادث انتحار الأطفال بطرق مماثلة لتلك التي شاهدها شاهدها المنتحرون في المسلسل التركي الشهير "وادي الذئاب" . وقد اصابني الفزع حين قرأت خبرا نشرته الصحف المحلية العراقية قبل مدّة عن طفلين عراقيين قاما بشنق صديق لهما ، لا يزيد عمره على عشر سنوات ، بعد ربط يديه وإيقافه على صندوق ودفعه. حصلت هذه الحادثة المروّعة في مدينة الكوت. والخيط الذي يربطها بحوادث الإنتحار هو أنها تمت وفق طريقة شاهدها الطفلان في مسلسل وادي الذئاب كما اعترفا بذلك .... وتتوالى حوادث إنتحار الأطفال شنقا : طفلان في ذي قار .. ثلاثة في ديالى .. طفل في البصرة .. أربع حالات في مدينة النهروان ببغداد فقط . لكن هناك ما لايقل خطورة وهو السلوك العدواني العنيف لدى الأطفال المتأثر بالمسلسل) .
ثم يشير الكاتب إلى دافع آخر جعله يضع هذا الكتاب بقوله :
(وهذه الحوادث وغيرها تحيلنا إلى واحدة من الظواهر التي يؤسف لها في مجتمعاتنا ، وهي أن الأبناء والبنات يشاهدون أي فيلم بغض النظر عن أعمارهم ، وأي مشهد قد لا يناسب ثقافة مجتمعهم من ناحية العنف والجنس والكلام البذيء . يذهب الطفل والمراهق إلى السوق ، ويشتري أي شريط لأي فيلم ، ويشاهده مع رفاقه في البيت . وفي أحيان كثيرة يبقى الأبناء ساهرين لإكمال فيلم في التلفاز ليلا بعد أن ينام الأبوان . وأحياناً يسمح الآباء لأولادهم بمشاهدة الفيلم معهم لأول مرّة ثم يُفاجأون بمشاهد جنسية أو عنفيّة أو بذيئة تحرجهم أمام أولادهم ، أو مرعبة قد تسبّب الأرق والكوابيس لأطفالهم . ولهذا وضعنا في عرض كل فيلم زاوية خاصة عنوانها : "دليل الآباء" ، وهي شائعة في البلدان المتقدّمة ، ولها مواقع ألكترونية خاصة بها ، كما أن الكثير من نقّاد الفيلم الغربيين ينبّهون الآباء في نهاية مقالاتهم إلى ذلك . هذه الزاوية تنبّه الأبوين على ما موجود في الفيلم من مشاهد في حقول : العنف والدمويّة ، الجنس والعري ، الكحول والتدخين والمخدّرات ، الألفاظ البذيئة ، والمشاهد المرعبة ، التي لا يجوز أن يشاهدها الطفل أو أن يشاهد بعضها بصحبة ولي أمره) .
ثم ينهي الكاتب مقدّمته بالإشارة إلى أنه "أعدّ" هذا الكتاب عن مواقع إلكترونية كثيرة :
ومن أجل هذه الأهداف ، وتلافيا للنواقص الصارخة في ذائقتنا السينمائية ، ومساهمة في تقديم كتاب سينمائي نقدي نموذجي – كما أظن - قمتُ بإعداد هذا الكتاب عن مواقع إلكترونية كثيرة جدا متخصّصة بفن السينمائي ، وقد حمّلته رؤاي وأفكاري الخاصة مما تراكم من ثقافتي السينمائية ، ومن تجربتي وثقافتي كطبيب نفسي .
ويسرّني أن ترعى هذا الكتاب ، دار ضفاف ، ممثلة بشخص مديرها الصديق المحبّ للسينما وللثقافة والتحضّر الدكتور "باسم الياسري" ، بإصدار جزئه الأول . و"باسم" – كما قلتُ له مراراً – من ناشري الكتب العرب القلائل جدا المحبين للثقافة والمثقفين . وأترك للسيّد القارىء فهم مقاصدي ، وباسم نفسه مازال حتى الآن – ولبراءته وطيبة قلبه – يندهش من وصفي هذا) .
تضمّن الكتاب النقد والتحليل الشامل لستة أفلام عالمية في ستة فصول على الشكل التالي :
فيلم المبارز : سادس أعظم فيلم في تاريخ السينما
فيلم أرق : آل باشينو .. الإداء المُعجز
فيلم هيرو : جميل إلى حدّ يُفقدك الصواب
فيلم الساموراي الأخير : حين يحقق الساموراي معنى الحياة بالموت
فيلم غريزة : سقطة السير "أنتوني هوبكنز"
فيلم القاريء : علاج لضمير ضحايا المحرقة
وقد كان تصميم الكتاب جميلا بغلاف مُبهر وضم العديد من الصور الملوّنة للممثلين ومشاهد من الأفلام مع صور ملوّنة للأخطاء .
أهدى الكاتب كتابه هذا إلى المخرج العراقي الكبير "محمد شكري جميل" :
(الإهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداء :
إلى المخرج المُبدع "محمّد شكري جميل"
تقديراُ لدوره الكبير في مسيرة السينما العراقية) ..
ومن الجدير بالذكر – وحسب قول الناقد سرمك – فإن كتابه هذا هو الجزء الأول من سلسلة كتب عن السينما قام بوضعها وترعاها دار ضفاف للطباعة والنشر بتوجيه من مديرها د. باسم الياسري.