كان هنا مطار... ولكن
كان هنا مطار... ولكن
قراءة في فلم ( خمس دقائق عن بيتي) لناهد عواد
توفيق العيسى- رام الله - فلسطين
من خلف (جسد الأفعى) ومن بين حطام الذكريات، يموج صوت مضيفة الطيران في مطار القدس الدولي (سابقا) مختلطا بهدير الطائرات وناقلات الجند ومواء القطط، من بين الحطام وبقايا ذكريات، قدمت المخرجة ناهد عواد في فلمها الطويل نسبيا -52دقيقة- ( خمس دقائق عن بيتي).
عرضا بسيطا وأوليا لفكرتها، وهي، كان هنا مطار، أما هؤلاء فهم الشهود على هذا المطار وعلى ذلك الزمن.
وقبل أن نتحدث عن تفاصيل وملاحظاتنا على هذا الفلم، نشير إلى أهمية تناول هذا الموضوع، فخلال عرض الفلم عرضت لنا المخرجة نموذجا من الناس الذين لا ذاكرة لهم، فهذا شاب لم يعرف أن في قلنديا مطار الا منذ اسبوع فقط، وفتاة تعتقد ان هذا المطار كان لطائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، من هنا تأتي اهمية هذا الفلم ليعرف ويذكر بتاريخ هذه الأرض وما عليها.
دارت أحداث الفلم كما قلنا حول فكرة واحدة فقط، كان هنا مطار، وقد استخدمت المخرجة بعضا من الصور الفوتوغرافية الخاصة وصورا لمطار قلنديا عن بعد. الأمر الذي يوحي بصعوبة الوصول إلى المطار وتصويره أو تصوير ما تبقى منه.
كما عملت على استنهاض ذاكرة من واكبوه وعملوا فيه عبر لقاءات مع السيد يوسف حجار أحد العاملين في المطار والسيدة هانية ياسمينة مضيفة الطيران السابقة والكابتن سليم الطيار اللبناني السابق والسيدة نورما حويط التي تسكن بالقرب من المطار، وبعض اللقاءات الثانوية.
وما يحسب لهذا الفلم هو تناوله للفكرة عبر مضمونها الإنساني، حيث عايشت المخرجة شهودها ( السيد يوسف حجار والسيدة نورما حويط) في حياتهم اليومية وعرضت لنا ذاكرتهم عن المطار( أيام عزو)- كما تقول- وعملت على اعادة تمثيل الماضي من خلال السيد يوسف حجار رغم تقدم السن، والذي كانت تلوح على وجهه الحسرة.
اما السيدة نورما فقد كانت شاهدا وشاهد ادانة بنفس الوقت، فهي شاهدة من خلال ذكرياتها الجميلة على معايشتها لوجود المطار، وشاهد إدانة على ما يحدث اليوم، البارحة كان المطار يسهل الحركة مع العالم أجمع واليوم فهي محرومة من لقاء أختها التي تسكن مدينة رام الله في بيتها، حيث أدى بها هذا التوجه إلى المقاربة الخفيفة بين القدس البارحة واليوم.
كان هنا مطار... وماذا بعد؟؟
الذاكرة هي أهم ما يملكه الإنسان خاصة، الإنسان الواقع تحت الإحتلال، وخطر التذويب والنسيان، إلا أن التعبير عن هذه الذاكرة لا يتأتى من خلال العرض الرومانسي فقط الذي يذهب إلى حد البكائية على الأطلال دون الخوض في عمق ومضمون الفكرة ذاتها وتحليلها.
وما يؤخذ على المخرجة هو إتخاذها دورا يشبه دور الصحفي المحايد في نقل الخبر واكتفت بالتسجيل والتعليق العاطفي على الجدار واطلال المطاروتظهر هذه الحيادية -غير المطلوبة في اي عمل فني- من خلال المرور على معلومة تاريخية هامة وهي زيارة بابا الفاتكيان للقدس عبر مطاره في العام 1964، فالسيدة هانية ياسمينة ذكرت لنا أهم الشخصيات الذين زاروا المطار، من الملك الأردني الراحل حتى عمر الشريف وفريد الاطرش ونجوى فؤاد التي( لم تحبها)، وذكرت أيضا زيارة بابا الفاتيكان التي أخطأت باسمه وذكرت اسم البابا الحالي بدلا عنه، فاذا كان التوثيق للذاكرة هو هدف العمل فكان من باب أولى أن تتيح المخرجة لزيارة البابا مساحة أكبر من العرض وكان عليها هي أن تستجلب الأرشيف المناسب لعرض هذه الزيارة وتعريف الجمهور باسم ذلك البابا على الأقل، لما هذه الزيارة من أهمية تاريخية.
كان هنا مطار... فأين الدليل على ذلك؟؟
إن من المؤسف أن لا يحتوي عمل السيدة عواد على أرشيف حقيقي للمطار وزواره، ونقصد هنا الصورة المتحركة التي واكبت ذلك الزمن، فعلى لسان المتحدثين كان مثلا الملك حسين هو الزائر الدائم للمطار، فلماذا لم نشاهد صورا تسجيلية لاحدى زياراته؟؟ حتى فنان بحجم فريد الأطرش كان من الصعب أن تهبط طائرته في المطار دون إعلام يوثق هذه الزيارة ولو على سبيل الدعاية والإعلان.
إن الجهد الذي بذلته المخرجة لم يتعد عمل المونتاج وإجراء بعض المقابلات الشخصية التي لا نغفل أهميتها ، واللعب على المؤثرات الصوتية وهنا نستغرب من هذه الثلاث سنوات التي بذلتها في إخراج الفلم، فكان يمكن لها أن تستعين بأرشيف التلفزيون الأردني او المصري أو تصوير طائرات ( الداكوتا) الموجودة في مطار ماركا العسكري في المملكة الأردنية،بدلا من تصوير مشاهد عامة لقلنديا اليوم والصور الفوتوغرافية التي تكررت فقط، وحتى صعوبة الوصول إلى المطار وتصويره كان من خلال الإيحاء بذلك وليس تأكيده وتأكيد دلالته.
كان هنا مطار...وماذا يعني ذلك؟؟
ذلك يفترض وجود بنى تحتية تخدم الحركة التجارية والسياحة من وإلى القدس ومن ثم باقي فلسطين ( ذكرت معلومة شبيهة بذلك على لسان يوسف حجار)، وذلك يفترض أيضا التلاقي الحضاري والثقافي وتبعياته على مجمل الحياة في فلسطين.
مسجد المطار، في قلنديا وهو المسجد الذي بناه الطلبة الكويتيون الذين يدرسون في القدس، هو مثال لاستجلاب المطار لرؤوس أموال عربية أسهمت في تطوير البنى التحتية الفلسطينية والحياة الفلسطينية وإن كان ذلك خدمة لمصالحها الشخصية، ومع تأكيد السيدة التي تحدثت عن هذا المسجد على وجود بيوت للكويتيين في منطقة قلنديا إلا ان المخرجة أضاعت فرصة تصوير هذه البيوت والممتلكات والتي كان من الممكن ان توجه من خلالها عدة رسائل سياسية وانسانية.
إن ما قدمناه من تحليل بسيط لفكرة وجود مطار كان على المخرجة أن تقدمه لنا بأسلوب فني ممتع ونحن لانطلب منها أن تتجه بفلمها للمنحى التقريري أو الإخباري ولكن كان يمكن أن تقدم فلما أفضل بتوظيفها لمجموعة أفكار بدلا من التركيز على فكرة واحدة فقط.