قضية الأناشيد العاطفية

قضية الأناشيد العاطفية

وألبوم ( أحبيني ) للمنشد موسى مصطفى

( 4 )

نجدت لاطة

[email protected]

حين بدأت بكتابة هذه السلسلة من المقالات التي تخص منشد الشباب موسى مصطفى أناقش قضية الأناشيد العاطفية في النشيد الإسلامي ، وكان هذا قبل سنتين حين صدر ألبوم ( أحبيني ) .. حينها قيل لي أني أهيّئ جو الانحراف لموسى مصطفى ، وأني أحثه على ذلك . وأنا بدوري طرحت هذا السؤال على موسى مصطفى : ألا تخشى من فتنة الانتقال إلى الغناء وأنت تنشد الأناشيد العاطفية ؟ ويقول الناس عنك أن مصيرك الفني سيؤدي بك إلى الغناء ومخالطة أهل الفن الهابط ؟ فقال لي : هم يتوهمون ، والأيام بيننا .

وها قد مرّت سنتان وموسى مصطفى على رأس المنشدين ، ويُدعى إلى أكبر المهرجانات الإسلامية في شتى البلاد العربية والأوروبية ، وما زال صوته يجلجل بالمعاني الإسلامية والإنسانية والعاطفية . وحركة الإخوان المسلمين في الأردن حين أقامت مهرجاناً ضخماً إحياءً لمئوية الإمام العظيم حسن البنا لم تجد أفضل من صوت موسى مصطفى ليصدح بالنشيد الإخواني الخالد الذي يمثّل شعارها :

هـذي  دعـائم  دعوة  قدسية 
هـذه  مـبادئنا التي نسعى iiلها
الله   غـايتنا  وهل من  غاية ii
وزعيم  دعوتنا الرسول وما iiلنا
دسـتـورنا القرآن وهو iiمنزّل
وسـبـيل دعوتنا الجهاد  iiوإنه
والموت  أمنية الدعاة فهل ii ترى







كُـتب  الخلود لها مدى iiالأزمان
فـي  حـالة الإسرار iiوالإعلانِ
أسمى وأغلى من رضى iiالرحمن
غـيـر  الـرسـول مـن iiثانِ
والـعـدل كل العدل في iiالقرآنِ
إن ضاع ضاعت حرمة الأوطانِ
ركـنـاً  يُـعاب  بهذه iiالأركانِ

فموسى مصطفى لم ينحرف ، ولم يتجه نحو الغناء ، وكانت خشية هؤلاء أوهاماً توحي بسذاجة عقول أصحابها .

وأنا حين أطرح الأفكار التي تطوّر وتجدد في النشيد لا أضع في ذهني أن هذه الأفكار قد تُحرِف هذا المنشد أو ذاك عن خط الالتزام ، وإنما أطرح تلك الأفكار ليخرج النشيد بصورة تليق بالدين الذي ينتمي إليه ، فإذا انحرف منشد ما جرّاء تلك الأفكار  لا سمح الله  فهذا شأنه ، وهو الذي يتحمّل عواقب ذلك . وهل يُعقل أن نبقي النشيد دون تطوير ودون تجديد كي لا ينحرف هذا المنشد أو ذلك ؟ سحقاً لأكبر منشدٍ عندنا إذا كانت ستغويه أضواء الفن الهابط على حساب الفن الإسلامي السامي ، ولو كان موسى مصطفى ابني لكتبت عنه ما كتبت ، ولشجعته على إنشاد الأناشيد العاطفية ، ولا أبالي إن كان قد ينحرف أو لا ينحرف ، فنحن هنا نخطط لدين ، وليس لأهوائنا الشخصية ، نريد بذلك أن ننتشل هذه الجماهير التائهة التي تُمسخ ليل نهار بأغاني نانسي عجرم وهيفاء وهبي ، فديننا العظيم علّمنا أن نسعى نحو الأفضل في كل شيء يمس حياتنا ، حتى ولو كان على حساب احتمالية أن ينحرف واحد منا ، ويزداد الأمر جديةً إذا كان الأمر يتعلق بالنماذج الإسلامية التي يقدمها الإسلاميون في هذا العصر كالأدب الإسلامي والنشيد الإسلامي والسينما الإسلامية والقناة الإسلامية والبنك الإسلامي وغير ذلك ..

وإن إنشاد الأناشيد العاطفية هو أحد المداخل المهمة التي ندخل منها إلى قلوب تلك الجماهير التائهة ، لأن تلك الجماهير تنام وتستيقظ على الأغاني العاطفية ، فمن غير المعقول أن يحذف المنشدون الأناشيد العاطفية من إنشادهم ، ومن غير المعقول أن يُبدلونها بأناشيد دينية بحتة ، فتلك الجماهير لا تحتمل ذلك ، لا تحتمل أن تنتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين من المرة الأولى ، لا تحتمل أن تنتقل من أغنية ( أجمل ما في الكون ، أنك تعشق بجنون ) للمطربة أليسا ، إلى أنشودة ( فرشي التراب ) للمنشد مشاري العرادة ، لا تحتمل تلك الجماهير التائهة أن تنتقل من أغنية ( أبوس الواوا ) للمطربة هيفاء وهبي إلى أنشودة ( يا طيبة ) ، فهذا هراء جداً . والمشكلة أن المنشدين يجهلون هذا تماماً ، بل ولا يعرفون مِن أين تؤكل الكتف في العمل الفني الإسلامي الموجه إلى الجماهير غير الملتزمة ، وكم أنصح هذا المنشد وذاك بضرورة إنشاد الأناشيد العاطفية ، ولكن  للأسف  العقول تخلو من أية نضج دعوي ، فمعظم المنشدين يخشى على سمعته الفنية ، ويخشى أن يخسر جمهوره الملتزم إذا أنشد الأناشيد العاطفية ، أما تلك الجماهير التائهة التي هي تشكل 95 % من الناس فلا يلقي لها بالاً ، ولا يضعها في مشروعه الدعوي .

أما موسى مصطفى فهو لا يخشى إن خسر جمهوره أم لم يخسره ، فما دام هو مقتنعاً بما يقدم فلا يبالي إن سخط عليه أحد أم لم يسخط . وموسى مصطفى يضع نصب عينيه ضرورة الوصول إلى تلك الجماهير التائهة ، ليحاول هدايتها عن طريق الفن ، وليعلمها المعاني الإنسانية في الحب والغزل ، وأنا سمعت منه ذلك مراراً وتكراراً ، وتناقشنا كثيراً حول أهمية ذلك ، وكان يقول لي : ما فائدة النشيد إذا كنا نهتم بالملتزمين فقط وهم قلة في المجتمع ، ونترك بقية الناس للمطربين والمطربات يمسخونهم كيفما شاؤوا ؟ فموسى مصطفى   بحق  منشد الشباب ، منشد الشباب الملتزم ، ومنشد الشباب التائه ، الشباب الذي يريد أن يروّح عن نفسه بشيء من تلك الأناشيد العاطفية ، لأن رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم علّمنا أن القلوب إذا كلَّت عميت ، وأنه لا بد من الترويح ساعة فساعة ، ساعة للأناشيد الدينية ، وساعة للأناشيد الإنسانية ، وساعة للأناشيد العاطفية ، أليست هذه تعاليم ديننا الحنيف أم أني أتحدث عن دين بوذا ؟

ولعل البعض سمع كلام تلك المرأة التي حضرت برنامج ( الوسطية ) الذي يقدمه الدكتور طارق سويدان في قناة الرسالة ، حين كانت الحلقة عن الفن الإسلامي ، فقد قالت تلك المرأة أمام الملايين من المشاهدين بالحرف الواحد : الأعراس الإسلامية بصراحة بايخة ، لأن المنشدين ينشدون فيها الأناشيد الدينية فقط .

وقد سألت  مرةً  شاباً غير ملتزم عن الأعراس الإسلامية ، فقال لي : بصراحة .. الشيوخ في هذا الزمن لا أدري لماذا هم ملخبطون ، لأنهم يحوّلون العرس إلى مناسبة دينية ، لذا أنا وأصحابي إذا سمعنا عن عرس لأحد المتدينين لا نذهب أبداً حتى ولو كان العريس قريبنا أو أحد معارفنا ، لأننا نعرف تماماً أن الأغاني ستكون ( طلع البدر علينا ) وغير ذلك من الأغاني الدينية التي توحي بأننا في مولد نبوي وليس في عرس .

وأنا متأكد تماماً أن كثيراً من شباب المجتمع ينظر إلى الأناشيد الإسلامية على أنها أناشيد دينية بحتة ، وأنه إذا أراد أن يلتزم فلا بد أن يسمع تلك الأناشيد فقط دون أن يُسمح له بأن يُطرِب أذنه بأنشودة عاطفية يُنشي بها نفسه ، لذا يشعر بصعوبة الانتقال إلى حالة التديّن .

فأنا هنا أشدّ على يدي منشد الشباب موسى مصطفى ، وأحثه على المزيد من الأناشيد العاطفية .. وأدعو بقية المنشدين إلى إنشادها .

              

الهامش :

اساستدراك : حين كتبت الجزء الأول من هذه السلسلة ، وكانت عن تجربة الإمام حسن البنا مع الفن ، أرسل إلي الأستاذ الجليل عصام تليمة يشكرني على كتابة هذا الجزء ، لأنني في هذا الجزء اعتمدت كثيراً على ما كتبه الأستاذ عصام تليمة في كتابه ( البنا وتجربة الفن ) ، بالإضافة إلى استفادتي من مقال ( المسرح عند الإخوان المسلمين ) للكاتب أحمد الزين .. وأنا كنت سأنوّه بما نقلت عن الكتاب في نهاية هذه السلسلة .