بلا رموز!

ليس بمناسبة "الذكرى ال60" للنكبة أو لإقامة دولة إسرائيل:

*"السينما الإسرائيلية" تفتقد اللغة*الإدراك في السينما الطفولية*

عنان بركات - الناصرة

[email protected] 

*سأمارس غريزتي الوطنية الطفولية كرد فعل على وجود "إسرائيل" كما يفعل الكثيرون من الكتاب العرب، لكن زد على ذلك أمرين:

الأمر ألأول وهو الإدراك- قراءة في مقالات كتبها يهود وإسرائيليون، مشاهدة أفلامهم، معاشرتهم. بمعنى اختراق المجتمع الإسرائيلي بفكرة وثقافته.

والآمر الثاني وهي السينما- من خلال ممارستي المهنية والفنية.

وهنا تصبح كتابتي بعنوان "الإدراك في السينما الطفولية"، وقد يعتقد بعض الكتاب السينمائيين أنها لا تزال ردة فعل أو غضب معينة على تأسيس دولة إسرائيل! حينها لن أبالي ما دام هناك إدراك عميق لما يدور حولي ككاتب وكسينمائي يفرغ من حبره في ورقته حاجة خاصة، عامة وما بعدهما..

سأسرد بعض المراحل المفصلية والهامة التي مررت بها/ ورسختها السينما الإسرائيلية، التي يتجاوز عمرها الـ 80 عاماً(قبل تأسيس الدولة) أو عمرها الفعلي 58 عاماً تقريباً.

"الأفلام الصهيونية المجندة"/ "الأفلام الإسرائيلية الدعائية".

لقد بدأت "السينما الإسرائيلية" أو من الأصح القول الأفلام الإسرائيلية بمبادرات من خارج فلسطين قبل حرب 1948، على يد رجال أعمال وفنانين تاجروا وروجوا بحرارة لوطن قومي للشعب اليهودي! وذلك منذ بدايات السينما في العالم، حتى خرجت للنور أفلام صهيونية في بداية الثلاثينات وهناك من يقولون أن انطلاقها كان في بداية العشرينات.

كانت هذه الأفلام تعرض قصص درامية أو شخصيات وثائقية لأبطال قوميين حاربوا الفلسطينيين والبريطانيين (الإنجليز)، ليدعموا دولة اشتراكية مبنية على "الحق"، "التطور"، و "الرفاه".

وببساطة نرى في هذه الأفلام التصوير البطولي وتعظيم الشخصية من خلال اختيار الخلفيات وزوايا التصوير التي تفقد الإنسان مكانته ألذاتية في الفيلم، وتظهر الرواية والحلم الصهيوني.

"أفلام البوريكس" أواخر الخمسينات حتى الثمانينات..

 سامي سلاموني من مقالة "الناظر.. والاحتفاء بسينما التخلف العقلي" للكاتب المصري محمد ألغيطاني.

هذه الجملة تلخص أي نوع من الأفلام هذه، سينما إسرائيلية بمعزل عن المقارنة الوطنية أو الصهيونية وبدون مس بالمواقف السياسية والوطنية المشرفة في الكثير من الأفلام المصرية،

 هذه السينما أو الأفلام الإسرائيلية أبرزت نوعا من الحقد نحو المجتمع الإسرائيلي على الأقليات "الغير أصلية" في الدولة الجديدة، والأفكار المسبقة التي ظهرت من خلال شخصيات شرقية ليهود قدموا إلى إسرائيل من المغرب العربي، العراق، تونس.. وغيرهم الخ... وقد حملت هذه الأفلام أيضاً الكثير من الكوميديا السطحية التي لم تتجاوز أبعاد كثيرة برسالتها وكان هدفها ترفيهي، وأصبحت فيما بعد "مخدر" للمجتمع البسيط، ولتبدأ قياداته ببناء نواة غربية ذات "ثقافة راقية" وبالطبع سينما أخرى مغايرة.

من رواد هذه الحقبة: بوعز ديفيدزون، جورج عوفاديا، زئيف ريفح، يهودا بَاركان وغيرهم

 مجموعة "الحس الجديد"(تأثراً بالموجة الفرنسية الجديدة) سنوات 60َ/ 70َ

في نفس فترة أفلام الترفية (البوريكس) كما أطلقنا عليها سالفا، ظهرت مجموعة من الشباب اليساريين الذين قرروا بدورهم أن يكسروا المسلمات، ويصنعوا سينما جادة تحمل بين ثناياها رسالة وقيم حقيقية وليس بغريب أنها حملت في طياتها التهكم والاستياء مما وعدوا به جمهور عريض من المواطنين في إسرائيل من رفاه ورقي، أي أن هذه الحقبة جاءت "كردة فعل" على الحروبات التي خاضتها وبعضها بادرت لها إسرائيل، العنصرية، تهميش الأقليات!! والأمر المثير للجدل أنة كان هناك الكثير من النقد الذاتي اللاذع والحاد حتى أن بعض الأفلام و نخبة من المخرجين وقعوا تحت مقص الرقابة فنياً وأمنياً، وقد كان تعتيم على بعض أعمالهم. ومن أهمهم وأكثرهم جرأة أوري زوهر، يهودا نئمان، دافيد برلوف، أبراهام هافنر.

بعد هذه المراحل الثلاث التي كتبنا عنها باختصار شديد (وفي بداية الثمانينات تقريباً) بدأت الحالة السينمائية ألإسرائيلية تتدهور بسبب الأوضاع السياسية من الخارج، والشرخ الداخلي في قلب المجتمع الإسرائيلي ما بين يسار، يمين، مركز وتسميات حزبية وسياسية كثيرة أخرى باتت تركز بمعظمها داخل الأفلام وبدأت محطات البث، المهرجانات وحتى الدولة نفسها تروج لأفلام وتدعم مادياً الأعمال السينمائية لتحسين سمعتها بطرق مباشرة متسترة بجماليات السينما وبالموقف السياسي لدى مخرج الفيلم، كاتبة أو منتجوه ومن أراد أن يكون مغايراً ويتجاهل أوضاع الرعب والحرب التي عاشتها إسرائيل في تلك السنوات وما قبلها، فقد اتجه إلى الأفلام الاجتماعية الهادفة التي وضعت ثقلها على محاولة عرض شرائح اجتماعية ومواضيع إنسانية أخرى. وهنا ظهرت صناديق سينما كثيرة مدعومة من قبل المؤسسة بتياراتها المختلفة وبدأت صناعة الأفلام تزداد مرة أخرى.

لا شك أن "السينما الإسرائيلية" بتأريخها فقط تستند على أشخاص أنتجوا، مثلوا أو أخرجوا أفلاما كثيرة، لكن لم تهتم السينما الإسرائيلية بشكل جاد بتطوير نفسها من ناحية أكاديمية أو من ناحية سينمائية كما حاول أن يفعل بعضهم في الستينات من خلال بناء مجموعات أو موجات صغيرة تعمل تحت رؤية سينمائية وفنية يحتاج إليها كل مجتمع ثقافي في بداياته. وما زاد الأمر سوءاً ظهور قنوات البث وانتشارها داخل البلاد، وظهور مدارس كثيرة تدرس السينما في مرحلة ما بعد حداثية وليبرالية مبالغ بهما، مرحلة كانت حتمية لحاجة الدولة في توجيه غرائز وعنف مواطنيها إما إلى الخارج أو إلى الداخل بسبب الاضطراب النفسي في حالة طوارئ.

فالسؤال: أين المجموعات التي حملت أو حاولت أن تحمل هذة الرؤية والمبادئ السياسية والسينمائية، والتي دعت الى النقد الذاتي.. السينما النظيفة.. أفلام الأنسمبل، والكتابات السينمائية المتميزة.. ليستطيعون من بعدها تدريس سينماهم ليس كتأريخ فقط بل كفن مركزي في مجتمع جديد.. أين هم ؟!

نهاية أرى أنة من الحتمي العودة إلى عنوان المقالة التي لا تبشر خيراً بخصوص السينما الإسرائيلية لأنها في عملية تدمير ذاتي "رغماً عنها" أو لقلة المبادئ والقيم الأخلاقية والفنية السينمائية، فالمخرج الذي يصنع فيلماً سينمائياً فهو نفسه على سبيل المثال يصنع مسلسلاً ركيكاً وسطحياً أو يقبل "بحذف" مشاهد من السيناريو أو الفيلم بحسب المواصفات المطلوبة في صناديق السينما الممولة التي تخدم مصالح الدولة(الديمقراطية) كما يحدث للكثيرين من سينمائيين غير يهود، فلذلك بدأت السينما الإسرائيلية تفتقد التطور في اللغة.. الرموز.. الاستعارات.. الصمت السينمائي.. القصة.. الجماليات من قلب مجتمعها.. الحد الأدنى.. الحوار العميق.. النقد الذاتي.. المبدأ.. الواقع والتجريد.. السينما الفعالة والثورية..

سينما باعتقادي حاول سينمائيين اثنين من تطويرها هم العبقري أوري زوهر الذي أصبح رجل دين متزمت وترك الفن، والسينمائي الفذ دافيد برلوف الذي مات قبل سنين.. لم يكن لهم استمرارية في السينما الإسرائيلية التي باتت بلا رموز، أو كما قال ميلان كونديرا "وعي الاستمرارية"، هذا الوعي شيء حتمي لتطور مجال ما وبالطبع مجال ثقافي جديد جداً مثل السينما التي لم يتجاوز عمرها سوى 115 عام فكل سينما بحاجة الى وعي لإستمراريتها وتطورها فناً ولغةً.

               

تنويه: هذه المقالة كتبت من قلب المجتمع الإسرائيلي ومن خلال معرفة شخصية لبعض منهم كتاباً و "سينمائيون"، وليس من منظور يحمل الأفكار المسبقة كما يفعل للأسف الكثير من الكتاب في العالم العربي لذلك كتب بدايةً "إدراك" perception.

بعض المراجع:

-        ويكيبيديا

-        إيلاه شوحاط، "البوريكس والفئات الشرقية"، 1991.

-        مقالة "السينما الإسرائيلية تحت المجهر"، نشرت في مدونة سحر السينما بإشراف الناقد صلاح سرميني.

-        جورج خليفي، نوريت جيرتس"الذاكرة والمكان في السينما الفلسطينية".

-        مئير شنيتسر، "السينما الإسرائيلية"، كنيرت 1994.