مهرجان المرأة العربية
والعرس الثقافي!
رانية مرجية
*لم يكن مهرجان المرأة العربيّة الذي أقامه مسرح السّرايا في مدينة يافا مجرّد حدث عاديّ، إنّما كان عرسًا ثقافيًّا وفنّيًّا رائعًا، فلم يكن مهرجانًا احتفاليًّا بالمفهوم السّائد للمهرجانات، لا لتنوّع فقراته وثرائها فحسب، بل لما يحمله من دلالات وعلامات مستقبليّة، تبشّر وتؤشّر بوضوح نهوضًا ثقافيًّا، وحراكًا فنيًّا قادمًا في يافا، سيشغل حيّزًا مهمًّا من السّاحة الثّقافيّة الفلسطينيّة، وهذا ما عكسه الجهد الرّائع والخلاّق، والمضني الّذي بذلته (هيئة إدارة مسرح السّرايا في يافا ولا سيّما مديرته الفنّيّة الفنّانة روضة)، على مدى شهور طوال، لكي يكون المهرجان بهذا الجودة والرّقيّ، فعلى مدار ثلاثة أيّام استمتع الجمهور اليافاوي بفنٍّ حقيقيٍّ غير مُؤَسْرَل أو مجنّد أو مبتذل، وبندوات هامّة وأفلام وثائقيّة نسويّة جريئة، ذات أبعاد ومضامين إنسانيّة وسياسيّة بالوقت ذاته.
افتتح المهرجان يوم الخميس الماضي في خيمة السّرايا، وبرز في المهرجان كلّ من السّيّد غالب مجادلة، وزير الثّقافة والعلوم والرّياضة الّذي تمّ تكريمه من قبل "الدّكتور غانم يعقوبي" بشهادة تقديريّة، من مسرح السّرايا والوزيرة السّابقة "شلوميت ألوني"، والسّيّد "موفّق خوري" نائب مدير عام الثّقافة العربيّة، ورفيقة دربه والنّاشطة لحقوق الأسرى الأمنيّين المحامية "تغريد جهشان"، وعدد كبير من الوجهاء والجمهور المحبّ للمسرح.
هذا وقد قدّم الفنّان إبراهيم ساق الله "ستاند أب كوميدي"، عن الأمّهات والنّساء وتعاملهنّ مع أبنائهنّ.
وبعد هذا مباشرة، قدّمت الفنّانة المبدعة "أمل مرقص" باقة من أغانيها التّراثيّة التي تفاعل معها الجمهور لدرجة البكاء والغناء معها، لأن أمل بالنّسبة للجميع رمز من رموز المقاومة والتّشبّث بالأرض وبالحقوق، ولم تخطئ السّيّدة ناهدة سكس، وهي من مؤسّسي مسر ح السّرايا في يافا، حين قالت لأمل مرقص أمام صحيفة "المدينة"، أنّها فيروز الجليل، فمن ينسى تصريح السّيّدة فيروز لإحدى الصّحف الفرنسيّة التي قالت فيها، أنّ أمل مرقص خليفتها في عالم الفنّ والغناء المسرحيّ، فأمل لم تغني إلاّ لشعبها ولقضيّتها، وأمل بدأت الغناء منذ بلغت الخامسة في أفراح حارتها وباحتفالات الحزب الشّيوعي، وحتى الآن تغنّي للطّبقات الكادحة و للشّعوب المغتصبة، شاركت فنّانين عالميّين أمثال الإسرائيليّ "ألون أولارشيك"، ومع الفنانة الأرجنتينيّة "مرسيدس سوسا" والفنانة الأمريكيّة الملتزمة "جون بايز"، كلّها في حفلات ضدّ الحرب والعولمة، وهي من اختارها التّلفزيون النّمساويّ من أجمل أصوات القرن الواحد والعشرين.
وفي حديث مع "أمل مرقص" قالت، أنّها سعيدة جدًّا لأنّها اشتركت بهذا المهرجان، ولا سيّما أنها تعشق كلّ ما في يافا، وأشادت أن جمهور المهرجان كان ذوّاقًا حميمًا، ولا سيّما أنّ عددًا كبيرًا من الجمهور كان من اليسار الاسرائيليّ الّذي تأثّر جدًّا بأغانيها.
وبعدها تمّ عرض مسرحيديّة "اسمي راشيل كوري"، المسرحيّة تعيد ذكرى مناضلة إنسانيّة، والتي لقيت حتفها يوم السّادس عشر من آذار، من عام 2003، بعد محاولتها منع بلدوزر إسرائيلي من هدم بيت فلسطيني في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. المسرحية عبارة عن مونودراما- مسرحيّة الممثل الواحد، أعدّها للمسرح "ألان ريكمان وكاترين فاينر، وعرضت على مسرح 'كورت رويال' في العاصمة البريطانية لندن، منذ بداية العام الجاري، وقام مسرح الميدان العربي في حيفا بالحصول على حقوق ترجمتها وعرضها.
وكان أهل راشيل كوري جالسين بين الجمهور، ولا أبالغ أبدا إن قلت أن الفنانة "لنا زريق" قد أبدعت، لدرجة أن جعلتني أضحك وأبكي في الآن ذاته، فقد كانت طبيعيّة جميلة رقيقة طفلة وفتاة فشابّة فشهيدة، وأحيانا كاتبة متألقة فمناضلة.
وفي حديث مع الممثلة رنا زريق قالت، أنه ليس أول عرض أعرضه أمام الجمهور، ولن يكون الأخير، كما أنّ وجود والدَيْ راشيل كوري، سندي وكريج، اللّذيْن معي يعطيني دفعة كبيرة لأستمرّ وأبدع.
وحول سؤال وجّهناه لها إن كانت هذه المسرحيّة قد أضافت لها شيئًا قالت:
بالتاكيد لقد أضافت لي الكثير الكثير، وقالت أنّها سعيدة جدًّا من ردّ فعل الجمهور، ولا سيّما أنّ الجمهور قدّر العمل جدًّا ولم يشعر بالوقت، ولا سيّما أنّ مدّة المسرحيّة تستغرق ساعة ونصف السّاعة.
وفي حديث مع والدَيْ راشيل كوري قالا، بأنّ راشيل باتت منذ مقتلها رمزًا إيجابيًّا، ودفعت قصّتها آخرين لعمل شيء من أجل القضيّة الفلسطينيّة، موضّحين أنه ما زال هناك الكثير مما ينبغي فعله من أجل إقامة الدّولة الفلسطينيّة بصورة قابلة للاستمرار.
هذا وقد تمّ بعد ذلك عرض مسرحيّدية "الرّصاصة السادسة"، للفنّانة "غابي الدور".
أمّا يوم الجمعة فقد تمّ عرض فيلم "طالق بالثلاثة" للفنانة والمخرجة "إبتسام مراعنة)، وهو الفيلم الذي حاز على الجائزة الأولى في المهرجان الدّولي، ويتحدّث الفيلم عن معاناة امرأة من قطاع غزة تزوّجت في منطقة النقب، ويطرح الفيلم قصّتها الواقعيّة وما تعرّضت له بعدما طلّقها زوجها، والمشاكل التي واجهتها في احتضان أطفالها.
وفي حديث مع المخرجة ابتسام مراعنة قالت: للأسف الشديد لم أتواجد في عرض فيلمي في مسرح السّرايا، لأنّه في نفس اليوم هذا كان لي نفس العرض للفليم في مدينة عكّا بجمعيّة نساء عكّيّات، وأنهيت متأخرة ولم أتمكن من الحضور، وأضافت أنها سعيدة لأنّ فيلمها اختير من ضمن أفضل الأفلام الوثائقيّة.
وتلا ذلك ندوة بعنوان "حقّ المواطنة في اسرائيل"، اشترك فيها كلّ من المحامية سوسن زهر- "منظمة عدالة"، المحامي عوديد فيلر- "المنظمة لحقوق المواطن"، المحامية رعوت ميخائيلي- "مركز دعم االقادمين الجدد"، يوسيفة ابن شوشان، روائية ومنتجة مسرحية "نساء غريبات"، ومارينا بلافتسوف في مقطع من مسرحيّة "نساء غريبات، وأدارت النّدوة المحامية عبير بكر.
واختتم اليوم بعرض مسرحية بعنوان "مجون الغرب"، تأليف "عالما غنيهر" وإخراج "سيناي بيتر".
أما أخر يوم للمهرجان فقد كان حافلا بالبرامج، وتمّ فيه تكريم نساء فعّالات في مجالات مختلفة، إذ تمّ تكريم (5) سيدات، (3) منهن عربيات وهنّ:
1. المربّية "ماتيلدا عبّود"، وهي مدرّسة للعلوم وللرّياضيّات في مدرسة تيراسنطا يافا، وقفت مع كثير من الطلبة والطالبات من الأُسَر المحتاجة والفقيرة، مشجّعة إيّاهم على التفوّق، ولم تبخل عليهم بأيّ معونة أبدًا، من مرافقة ودروس مجانيّة، لتلقّب بأمّ الطلبة المحتاجين للرّعاية وبجدارة.
2. الحاجة "رقية بيادسة" مؤسّسة صندوق المنح للطلاّب الجامعيّين من بافة الغربية.
3. والسيّدة "عيوش كحيل" مديرة دار المسنّين في يافا.
كما وتمّ عرض فلم "مقدسة" لـ "عنات تسور"، وتلاه ندوة بعنوان "المرأة والمؤسّسة الدّينية"، شارك فيها كل من: سماحة قاضي محكمة القدس الشرعية القاضي محمد زبدة، رونيت ليف أري رئيسة قسم "فتيات في ضائقة"، سائدة محسن بيادسة مديرة "جمعية نساء وآفاق"، المحامية سونيا بولس من لجنة "العمل للمساواة في الاحوال الشخصية".
وتلا ذلك عرض موفق لمسرحية "انشودة الموت" لتوفيق الحكيم، بطولة سناء لهب، روضة سليمان، أشرف فرح وإبراهيم ساق الله، وتناولت المسرحيّة موضوع الأخذ بالثأر، وكيف تسلب الروح عند الأحياء انتظارًا لأخذ الثأر.
وتم اختتام المهرجان بأمسية فنّيّة متنوّعة مع فرقة المسرح الموسيقيّة، وعروض كوميديّة ساخرة لعدّة فنّانين: نورمان عيسى، علاء أبو عمارة، أمين صايغ، توفيق رهوان، ماهريتا باروخ، وآخرون.