اِحكيلي يا الكروان عن يافا
اِحكيلي يا الكروان عن يافا؛
عبق أنفاسِنا السّرمديّ
آمال عوّاد رضوان
جوقةُ الكروان الغنائيّة تألّقتْ وأدهشتِ الحضورَ في عرضِها اِحكيلي، على خشبةِ مسرح أودوتوريوم ياجور( بلد الشّيخ المهجّرة)، وذلك يوم الأحد الموافق 6-6-2010.
اِحكيلي عرضٌ غنائيٌّ مسرحيٌّ، وأحدُ إنجازاتِ جوقةِ الكروان في سلسلةِ إنجازاتِها الهادفة منذ تأسيسِها عام 1994، يتحدّثُ العرضُ عن الشّيخ أبو سمعان مِن قرية الشّيخ مْوَلّس من القرى المُهجّرةِ بقضاءِ يافا، كانَ بائعَ برتقال والتقى فتاةً اختارَها عروسًا لوحيدِهِ، بعدَ حواراتٍ دارتْ بينهما عن أيّام زمان وحكايا وأعراس زمان، ضمنَ ثلاثة فصول، معززة بأداء الكروان الغنائي والموسيقي المرافق!
اِحكيلي يشملُ أجملَ الرّوائع الرّحبانيّةِ الفيروزيّةِ ونصري شمس الدّين، غناء جوقة الكروان بقيادة المايسترو الفنّان نبيه عواد، إخراج أحمد دخان، تأليف زهير دعيم، وتمثيل إبراهيم قدورة، رنين الشاعر، ونس أبو شحادة وبديعة سليم.
وسطَ حشدٍ غفيرٍ مِن ذوّاقي الفنِّ ومِن جميعِ شرائحِ المجتمعِ، مِن مختلفِ أنحاءِ الجليلِ والبلادِ والأعمار، من رجال دين وعضو الكنيست محمد بركة، ، مِن إعلاميّينَ ومُهتمّين، مِن سياسيّينَ ورجالِ أعمالٍ ومُثقّفين، هلّ صوتٌ شادٍ آتٍ مِن جبال الكرمل، رخيمًا يهدرُ كموجُ بحرِ حيفا، معانقا ميناء يافا، لينسابَ مِن ثمّ في شاعريّةٍ رقيقةٍ، صوتُ المبدعِ الأستاذ فكتور روحانا عريفِ الحفل، مؤهِّلاً مرحِّبًا بالحضورِ الكريم:
أهلاً بأمسيةٍ جليليّةٍ مُرصّعةٍ بالثّقافةِ والفنّ والحضارة، أهلاً وسهلاً بكَ يا جليلُ، ربّما لن نعودَ بأجسامِنا، لكنّ عبقَ أنفاسِنا سرمديٌّ باقٍ كقوسِ الغمام، يَحرسُ أفقَ الرّبوعِ والتّلال، باقٍ ليُطلَّ على الصّفصافِ والصّنوبرِ والخوخ والتّين، ويملأ الحقلَ سنابلَ في مرج المجْدِ والعِزّ والدّين.. اللّيلةَ يلتمَّ الشّملُ في أمسيةٍ ثقافيّةٍ مع أهلِ البيتِ الّذينَ يتمثّلونَ بجوقةٍ غنائيّةٍ متينة، كم صالَ اسمُها وجالَ في أرجاءِ جليلِنا الأشمّ! جوقةُ الكروان؛ الّتي حاكتْ ثوبَها المتواضعَ بخيطان العنفوان والصّمود، صوتُها صدّاحٌ في الفضاءِ احتلَّ مكانةً مرموقةً في قلوبِنا، وهاهو اليومَ آتٍ ليُتحفَنا بفنٍّ أصيلٍ ولحنٍ جميل، يترنّمُ باسمِكِ يا يافا، مثلما يترنّمُ الوادي بصدى رنينِ الأجراس المتمايلةِ المُعانِقةِ المآذنَ عندَ الفجرِ والعصرِ والغروب..
يا الكروان اِحكيلي عن يافا وعكا وحيفا وعسقلان.. اِحكيلي عن القناطرِ والبيّاراتِ والبيادر.. اِحكيلي عن تناثرِ الزّعترِ في أيدي فتياتِنا السّمراوات.. اِحكيلي عن أرضِ المجدِ والمحبّةِ والطّيبة.. عن مِعولِ جدّي العتيق وعن عجقةِ العُرسِ في الحيِّ القديم.. اِحكيلي واحكي لنا ولهم، لتصلَ حكايتُنا المجروحةُ إلى كلِّ بقاع الأرض، كي يعرفَ القاصي والدّاني أنّ صدورَنا مقابرُ أحزانِنا، وأقلامَنا لن تجفَّ يومًا ولن تستسلمَ أبدًا للنّسيان..
اِحكيلي يا الكروان! لماذا اختارتِ الكروان الشّيخ أبو سمعان، وقرية الشّيخ مْوَنِّس إحدى القرى المُهجّرةِ في محافظة يافا، وياجور (بلد الشّيخ المُهجّرة)؟
هي الكروان؛ توقظُ الحنينَ الغافي على أوتارِ الإيمانِ العريقِ بالإنسانِ والزّمانِ والمكانِ، فتُترجمُ الماضيَ بالغناءِ والذّكرياتِ العتيقةِ بالأداء، وتُعيدُنا مِن خلالِ مقتطفاتٍ سرديّةٍ وومضاتٍ تصويريّة وإيماءاتٍ لمّاحةٍ إلى حكايا يافا.. حكايا أجدادِنا وبلادِنا.
هي جوقة الكروان؛ هذهِ المتمثّلةُ بفعاليّاتِ الإبداعِ الموسيقيِّ والابتكارِ الغنائيِّ بشتّى أطيافِهِ، تُجدّدُ العهدَ بالهُويّةِ التّراثيّةِ، وتحفرُ بشدْوِها الطّربيِّ وصوتِها الوطنيِّ الكلاسيكيِّ أعذبَ المواويلِ على جذوع السّنديانِ والبيّاراتِ والسّرّيس والقندول والزّيتون!
هذه الكروان ضمّتْ أكثرَ مِن أربعينَ عضوًا ما بينَ مُغنٍّ وعازفٍ، وغنّت الفرحَ والوطنَ والمستقبلَ والحاضرَ والماضيَ بألوانِهِ مِن أغانٍ تراثيّة، وطنيّة، فيروزيّة، كلثوميّة، وهّابيّة، وغيرها من الكلاسيكيّة والموشّحات الأندلسيّة، لتجوبَ البلادَ بفنِّها، وتشاركَ بالعديدِ مِنَ المهرجاناتِ الدّوليّةِ في فنلندا، أستونيا، السّويد، مالطة، فرنسا، قبرص، جرش الأردن، وفي البلادِ محلّيًّا مِن النّقبِ الجنوب إلى الجليلِ الشّمال.
نعم؛ إنّها جوقة الكروان؛ في خطاها المؤمنةِ بترسيخ قِيمِ الحوارِ الثّقافيِّ بينَ المجتمعات، تُعزّزُ مكانتَها المِحوريّةَ موسيقيّا، وتستحضرُ الموروثَ الحضاريَّ الأصيلَ الفريدَ مِن خلالِ الموسيقا والغناءِ، وتحُثُّ الجهودَ والعَزمَ في الارتقاءِ بالوعي الموسيقيِّ وتعزيزِهِ، فترعى ميادينَ الغناءِ الرّائدة، لتُمثّلَ روحَ العطاءِ والمحبّةِ والتّسامح والتّقدّم والرّقيّ، وتتوجّ الليلة احتفالها احكيلي بنجاح يزدهر ويشع حفاوةً بفريقٍ مِن أطفال حملوا الشّموعَ المضاءةَ بالإيمان والآمال، على وقع الأغنية الأخيرة، ليعجّ المسرحُ بكادر الكروان الكامل مِن ممثّلينَ وعازفينَ وكورال وأطفالِ المستقبل، وسطَ تصفيق حادٍّ وإعجابٍ بهذا العمل الضّخم اِحكيلي، والذي نتوقّع له عروضًا متتاليةً وناجحةً دون شكّ.