مايسترو الكروان نبيه عوّاد
مايسترو الكروان نبيه عوّاد
في حديثٍ عن (اِحكيلي) عرضها الغنائيّ المسرحيّ!
حاوره: جميل حامد
جوقة الكروان تعيدُ حكاية يافا مجدّدًا بسربالٍ غنائيّ مسرحيّ، لتحكي حالَها بحنينٍ يقطرُ شوقًا إلى أيّام زمان، وحكايا زمان وناس زمان!
مايسترو الكروان الفنّان نبيه عوّاد؛ مؤسّسُ المعهدِ الموسيقيِّ للعزف وجوقةِ الكروان للغناءِ في بلدة عبلين الجليليّة، يُشرفُ على الكثير مِن المهرجاناتِ الموسيقيّةِ المَحلّيّة، ويعمل كلّ ما بوُسعِهِ للمساهمةِ بنهوضِ الحركةِ الموسيقيّةِ والغنائيّةِ لأسمى الدّرجات في بلادِ الحنين.
جوقةُ الكروان بصددِ عرض اِحكيلي كما وردَ إعلاميًّا، فهذا العملُ الغنائيُّ المسرحيُّ فنّيٌّ وضخم، فهل هذا المشروع يدخلُ ضمنَ إطارِ التّجربةِ الفنّيّةِ أم الاحترافِ الكروانيّ؟ وماذا تتوقّعونَ لهذا المشروع في ظلِّ تنوّعِ الأعمالِ الفنّيّة؟
كلُّ عملٍ فنّيٍّ يدخلُ ضمنَ إطارِ التّجربة، إلى أن يثبتَ نفسَهُ مِن خلالِ تكرارِ العرْض، ومشروع "اِحكيلي" هو أحدُ مشاريعِ جوقةِ الكروان، والّذي يُعرَضُ للمرّةِ الأولى بعد تدريباتِ سنتيْن تقريبًا، بقيادة المايسترو نبيه عوّاد، وإخراج أحمد دخان، وتأليف زهير دعيم، وتمثيل إبراهيم قدورة ورنين الشاعر وونس أبو شحادة وبديعة سليم، وأداء جوقة الكروان غنائيًّا. نشكر الله أنّ الكروان باتَ لها باعٌ طويلٌ في الاحترافِ الغنائيّ منذ 16 عامًا، ودائمًا نتمنّى ونحلمُ ونؤمنُ بالنّجاح، لأنّ طريقَ النّجاح صعبٌ يتخلّلُهُ فشلٌ في بعض الأحيان، لكن لا يقفُ الفشلُ عائقًا أمامَ إيماننا بالنّجاح.
هل أنتم راضونَ عن الجماهيريّةِ التي تتمتّعُ بها الكروان؟ وأين تجدونَ نجاحَكُم، وأينَ تجدونَ مواقعَ ضعفِكُم، ولماذا؟
ممّا لا شكّ فيهِ أنّ الكروان تتمتّعُ بجماهيريّةٍ لا بأسَ بها في الوسطِ المحلّيّ والدّوليّ، فنجاحُ الكروان الأوّل ينبعُ مِن إيمان أعضائِهِ وهيئتِهِ الإداريّةِ بالاستمرار رغمَ قسوةِ الظّروفِ الّتي تجابهُها، فعازفو ومغنّيو الكروان يُؤدّونَ أدوارَهم وتدريباتِهم مجّانًا وتبرّعًا منهم وهذا مهمّ، والذي يجمعُهم حِسٌّ فنّيٌّ موسيقيٌّ بالدّرجةِ الأولى، وهذا سرُّ تماسكِ جوقة الكروان ونجاحِها، إضافةً إلى وعيِ أهلِنا ودعمِهم لنا وتقديرِ الفنِّ الكروانيِّ بألوانِهِ.
أمّا مواقعُ ضعفِ الكروان فيكمنُ في إطارِ التّسويق والتّرويجِ والدّعم والقبول في الخارج خاصّةً الدّول العربيّة، ونحن نحلمُ عربيًّا أن نصلَ إلى منابعِ الفنِّ الموسيقيِّ في الدّولِ العربيّةِ وعواصمِها ومهرجاناتِها.
لكُم مشاركاتُكُم الخارجيّة في أوروبا، كيف استطعتُم شقَّ طريقَكُم نحوَ العالميّة، في ظِلِّ محدوديّةِ الدّعم الماليِّ الذي تحتاجونَهُ للتّواصل؟
من خلالِ اتّصالاتِ وأخبار الكروان عبْرَ وسائلِ الإعلام الإلكترونيّة المحدودة، تمكنّا مِن شقِّ طريقنا نحو الخارج، وأوروبيًّا تصلُنا دعواتٍ بمعظمِها غير مدعومة إلاّ جزئيًّا، وبالطّبعِ من الصّعب جدّا على أعضاءِ الكروان تغطية التّكاليف، لذا ما كانَ منّا إلاّ نلبّي بعضَ الدّعواتِ جزئيًّا مِن الأعضاء، أو لا نلبّي الدّعوةَ بالمرّة.
كيفَ أتتْ بداياتُكُم الفنّيّة؟
بعدَ أن أنهيتُ دراستي في الكلّيّةِ الأكاديميّةِ العربيّةِ للتربية- حيفا - فرع الموسيقا، وطوّرت هوايتي واحترافي لآلةِ الكمان والعودِ بالتعلّم الأكاديميّ، عملتُ كمُدرّسٍ للموسيقا في الجليل بينَ السّنواتِ 1985- 2003، في النّاصرةِ وشفاعمرو وعبلّين وكوكب، وقد لمستُ وجودَ مواهبَ فنّيّةٍ كثيرة، تستحقُّ الاهتمامَ والرّعايةَ والتّبنّي والصّقل، لكن كيف؟ وتحتَ أيّ إطار؟
في عام 1993 أسّستُ المعهدَ الموسيقيَّ في عبلين بدعمٍ مِنَ المجلسِ المَحلّيّ، لتعليمِ العزفِ الغربيِّ والشّرقيِّ على الآلاتِ الموسيقيّةِ، ليكونَ الدّفيئةَ الحاضنةَ موسيقيًّا لعبلين ومنطقةِ الجليل القريبةِ، ولرعايةِ وترعرعِ المواهبِ موسيقيًّا مِن جيلٍ صغيرٍ جدًّا، وكنتُ آنذاكَ مِن أوائلِ المبادرينَ في هذا المجال الّذي لاقى استحسانًا وتجاوبًا والتفافًا، مِن المجلس المحلّيّ وأبناءِ البلدِ الدّاعمينَ للموسيقا والفنّ، ومِن شبابٍ وشابّاتٍ أحبّوا الموسيقا والغناءَ بالفطرة، ومن ثمّ بدأ المشوارُ بإقامةِ لقاءاتٍ وتدريباتٍ أسبوعيّةٍ، فغنّوا معًا وأطلقوا على أنفسِهم فيما بعد "جوقة الكروان"، ليتحقّقَ حلمي الكبيرَ في تأسيسِ جوقةِ الكروان عام 1994، وقد ضمّتِ الكروانُ حينذاك ما يقارب 40 عضوًا بينَ مُغنٍّ وعازف، يُؤدّونَ فنًّا ملتزمًا مِن أندلسيّاتٍ وفولكلور وغناءٍ وطنيٍّ وكلاسيكيٍّ أصيل، كالوهابيّات والكلثوميّات والفيروزيّات والخ، كما أدّتْ مسرحيّةً غنائيّةً بعنوان "وتعود الأحلام"، وسكتشًا غنائيًّا بعنوان "صراع الأجيال"، والآن تتحضّرُ لإنتاجِها الغنائيِّ المسرحيِّ الجديد "اِحكيلي".
عادةً ما ترتبطُ الانطلاقةُ بظروفٍ ومؤثّراتٍ، صِفْ لنا الظّروفَ الّتي انطلقتُم مِن خلالِها؟
حُبّي وانتمائي لبلدي وللموسيقا الأصيلةِ، وبسببِ النّقصِ الفنّيِّ والفراغِ الموسيقيِّ الّذي يحتلُّ جزءًا كبيرًا في بلادِنا، وببلدي عبلين بشكلٍ خاصّ، وبسببِ طموحي وتعطّشي اللاّ محدودِ في المساهمةِ في رفْعِ شأنِ بلادِنا فنّيًّا وثقافيًّا، كلُّ الظروف هذه كانتْ دوافعَ ومُحفّزاتٍ تحتاجُ بلورتُها إلى مبادرةٍ وعزْمٍ وتصميمٍ ومثابرةٍ، لتطويرِ ورعايةِ الفنِّ الموسيقيِّ كإرثٍ مُهمٍّ يعكسُ ثقافتَنا المحلّيّة، والحمد لله، تمّ لي أن أتخطّى كلَّ الصّعوباتِ والمشقّاتِ بوعيِ وتطلّعاتِ الأهالي المثقّفين، فكانَ حصادُ النّجاحِ متزامنًا في المعهدِ الموسيقيّ وجوقةِ الكروان، بشكلٍ لا نظيرَ لهُ وما زال.
أنتم على رأس جوقةِ الكروان منذُ تأسيسِها 1994، هل استطعتُم حجْزَ مكانةٍ في الوسطِ الفنّيِّ المَحلّيِّ؟ وأين مكانتُكم فلسطينيًّا وعربيًّا ودوليًّا؟
هناكَ جوقاتٌ في بلادِنا قامتْ ولم تستمرّ، وبكلِّ الوجع أقول: هذا بالطّبع خسارةٌ فادحةٌ لبلادِنا،
أمّا جوقة الكروان فقد استطاعتْ إثباتَ حضورِها ووجودِها في السّاحةِ المحلّيّة، رغمَ شُحّ المواردِ المؤسّساتيّةِ الدّاعمة، لكنّها بجهودِها الخاصّةِ ودعْم أعضائِها المؤمنين بدَوْرِها الفنّيّ، لا تزال تصمدُ وتُعاندُ الظّروفَ القاسيةَ مادّيًّا، وخلال مَسيرتِها الفنيّة منذ عام 1996 جابتْ بعروضِها البلادَ، مِنَ النّقب الأصفر جنوبًا حتّى الجليل الأخضر شمالاً، وقد أحيتْ جوقة الكروان وما زالت العشراتِ مِنَ العروض ،التي دُعيَتْ لإحيائِها في المناسباتِ المحلّيّةِ المختلفةِ، منها العروض للمناسباتِ الوطنيّة كيوم الأرض، مؤتمراتُ الأحزابِ العربيّة، أيّام الكتاب العربي، وكذلك الكثير مِن حفلاتِ التّخرّجِ للمدارس الثّانويّة، وذلك لتميّزِ الكروانِ في أداءِ الأغاني الملتزمةِ والوطنيّة، والأغاني الطّربيّةِ والموشّحاتِ الأندلسيّة.
وعلى مستوى مشاريع العروض الكبيرةِ مَحلّيًّا فقد استطاعتْ الكروان أن تقدّم:
عام 1996 العرض التّأسيسيّ الأوّل لجوقة الكروان
عام 1997 العرض الثّاني في عكّا
عام 1998 – المسرحيّة الغنائيّة "وتعود الأحلام"
عام 2002 – العرض الغنائيّ "زهرة المدائن"
عام 2005 – مهرجان الجوقات المدرسيّة (بمبادرة جوقة الكروان)
عام 2006 – عبقٌ مِن روضِ الرّحابنة
وعام 2006 – عرْضٌ غنائيٌّ خاصّ لتأبين فقيد الكروان "حبيب عيسى عوّاد"، الذي افتقدتْهُ الكروان بقذيفةٍ سقطتْ في حيفا، في أحداثِ حرب تموز عام 2006.
أمّا عام 2007 فقد أقامتْ جوقةُ الكروان مهرجان ربيع الغناء للمواهب الشّابّةِ من جميع البلادِ المجاورة، والذي يُدرّبُ ويَرعى المواهبَ الغنائيّةَ موسيقيًّا وأداءً. وفي نفس العام 2007 تبنّتْ جوقة الكروان مشروعَ مهرجان الجوقات، تحت عنوان "يلاّ نغنّي سوا"، تستضيفُ بهِ جوقاتٍ مِن أنحاءِ البلاد، لتوطيدِ العلاقاتِ والتّشجيع والمنافسةِ والاستمراريّة، ليصيرَ المشروعُ نهْجَها السّنويّ.
عام 2008- مهرجان ربيع الغناءِ للمواهب الشّابّة (بمبادرة جوقة الكروان)
عام 2008- مهرجان الجوقات الثاني "يلا نغني سوا 2008"
عام 2009- مهرجان الجوقات الثالث "يلا نغني سوا 2009"
وهذا العام يومَ الأحد 6-6- 2010، الكروان تعرضُ مشروعَها الضّخمَ الغنائيَّ المسرحيّ "اِحكيلي".
هذا على الصّعيدِ المحلّيّ، أمّا على الصّعيدِ الدّوليّ فقد كانَ لجوقةِ الكروان عدّة عروضٍ ومهرجاناتٍ دوليّةٍ خارجَ الوطن:
عام 2002/ تموز 7/ في فنلندا (هلسنكي، كانجاسنييمي)
عام 2002/ آب8/ في الأردن (مهرجان جرش)
عام 2004/ كانون اول 12/ في فنلندا، أستونيا، السويد
عام 2006/ حزيران 6/ في فرنسا (17 مدينة فرنسية)
عام 2009/ شباط 2/ في مالطا
وعام 2009/ تشرين اول 10/ في قبرص
الحديثُ عن جوقةِ الكروان يقودُنا للحديثِ عن المواهب، برأيكم، إلى أيِّ مدى نجحَتِ الكروان في صقل المواهب الشّابّة على الصّعيد الفنّيّ؟
يقولونَ حصاة تدعمُ بنيانًا، وبنيانُ الفنّ ضخمٌ منيفٌ، وجوقةُ الكروان تحاولُ جاهدةً أن ترتقي بالموهوبينَ مِن أعضائِها في سلّمِ الفنّ إلى أعلى مراتب الحِرفيّةِ أداءً، والحمدلله، فقد خرّجتِ الكروان العديدَ مِنَ الأسماءِ اللاّمعةِ الّتي لها حَراكٌ غنائيٌّ على مستوًى فرديّ، بعضهم انطلقوا مستقلّينَ في دربٍ آخرَ بعيدًا عن الكروان، وربّما لا يذكرونَ إعلاميًّا أنّ للكروان أفضالاً عليهم في صقل هُويّتهم الفنّيّة، وهذا بالطبع وجعٌ آخرُ ممّن يتنكّرونَ للكروان، لكنّ الكروان تحملُ رسالتَها الفنّيّة بأمانةٍ، وتستمرُّ إلى الأمام في دعْمِ كلِّ ذي موهبةٍ، ولا تلتفتُ إلى الوراء.
بالنظر إلى مسيرتِكم الفنّيّةِ، كيفَ تقيّمونَ الفنَّ في الوسطِ العربيّ، سواءً داخلَ فلسطين المحتلّة 48، أو في مناطقِ السّلطةِ الفلسطينيّة؟
في الداخل عرب 48، يمكن أن أقولَ أنّ بلادَنا لا زالتْ فنّيًّا بخير، خاصّةً وأنّهُ في أوائلِ الثّمانينات ظهرَ أوّلُ معهدٍ موسيقيٍّ في حيفا، للتثقيفِ الموسيقيِّ الأكاديميّ، وتخريج معلّمينَ مؤهّلينَ للموسيقا، كانوا بمثابةِ رُسُلٍ في معظم مدارس قرانا ومدنِنا، ومنهم مَن أقامَ الجوقات، ومنهم مَن فتحَ معاهدَ لتعليم العزف، ومنهم مَن عملَ على تشجيعِ المواهب الغنائيّةِ وصقلِها، وتوجيهِ وترسيخ الثقافةِ الفنّيّة الجيّدةِ وبنماذج الغناءِ القديم في نفوسِ أجيالِنا الصّاعدة ، ففي السّنواتِ الأخيرةِ ومنذ ما ينيف عن عقدَيْن، تشهدُ بلادُنا حراكًا موسيقيًّا غنائيًّا راقيًا، وموجِّهًا مِن متخصّصينَ وفنّيّين في أغلب الأحيان.
أمّا على صعيد الفنّ في مناطق السّلطةِ الفلسطينيّة، فالجوابُ يكادُ يكونُ صعبًا، بسبب الظّروف الأمنيّة والقطيعة المفروضة على كلا الشّقّيْن، فليستْ هناكَ علاقاتٌ نتبادلُ فيها الخبراتِ والتأثيراتِ والتّجاربِ الفنّيّة، والتّماسُ الفنّيّ معدومٌ تمامًا، فليس لدينا إلاّ ما نقرؤُهُ أو نعاينُهُ عبْر وسائلِ الإعلام بكلّ أسف.
هل نجحتُم في كسْرِ وهدْمِ جدرانِ العزلةِ في محيطِكم العربيّ، أم أنّكم ما زلتم تُعانونَ مِن ضيق المساحاتِ المُتاحةِ لفنّكُم الأصيل؟ وهل لديكم النّوايا للوصولِ بفنِّكُم للعواصمِ العربيّةِ؟
في المحيطِ العربيِّ المحلّيّ القريبِ، نجحْنا وبحمدِ الله في كسْرِ جدرانِ العزلة الى حدٍّ ما، وليسَ هدْمَها بالكلّيِّ طبعًا، لكن في المحيطِ العربيِّ البعيد، للأسف، لم نتمكّنْ بعْدُ والأسبابُ كثيرة، ربّما أهمُّها باعتقادي، هو نظرةُ العالم العربيِّ لفلسطينيّي 48 وتخوّفُهم منّا، لأنّنا نحملُ الهُويّةَ الإسرائيليّة، ويخشَوْنَ مِن معاملتِنا على أنّنا عربٌ أقحاح.
لماذا اختارت الكروان الفنَّ الطربيّ الأصيل، عِلمًا بأنّ الأغاني السّريعةَ تحملُ عنوانَ المرحلة؟
لكلّ مرحلةٍ روّادُها وفرسانُها، والموسيقا العربيّةُ ثقافةٌ غنيّةٌ بالمقاماتِ المتنوّعةِ، والقاماتُ الموسيقيّةُ الكلاسيكيّةُ مِن ملحّنينَ ومُغنّيينَ تداركوا الأمر وأوْلوهُ اهتمامًا وحرصًا، فخاضوا لعبةَ التّنافس والمنافسةِ في الإبداعِ الموسيقيّ والخلق الفنّيَ، وقد نجحوا بتفاوت، لكنّ المرحلةَ الرّاهنةَ في معظمها إلاّ ممّا ندَر، لديها تنافسٌ في الأغاني الهابطة فنّيّا والإنتاجِ التّجاريّ المادّيّ، ومِن ناحيةِ القيمةِ الفنّيّةِ ليسَ لديها أدنى مقوّماتِ الفنّ والإبداع، لذلك، نلجأ إلى تراثِنا الفنّيِّ الموسيقيّ، لنستقي منه ونرتوي، عسى أن يقومَ جيلٌ مثقّفٌ موسيقيًّا قادرٌ على الإبداع والإنتاج، بما يليقُ بالفنّ الرّاقي.
أسماءٌ عديدةٌ مِن مطربينَ ومطرباتٍ مِن الوسطِ الفلسطينيّ داخل أراضي 48 انطلقوا مِنَ الأغنيةِ الوطنيّة، وحقّقوا نجاحاتٍ وشهرةً على مستوى الوطن، هل تعتقدون بأنّ الأغنيةَ الوطنيّةَ تعتبرُ تأشيرةَ دخولٍ لعالم النّجاح والشّهرة، بسببِ الحالةِ الاستثنائيّةِ التي تنطبقُ على الحالةِ الفلسطينيّة، أم برأيكم الفنّ النّاجحُ لا يحتاجُ لتأشيراتٍ أو لعناصرَ مساعدة؟
من خلالِ تجربةِ جوقة الكروان المتواضعةِ، لمستُ أنّ الخارجَ والجالياتِ العربيّةَ نعم تتعاطفُ معنا كفلسطينيّينَ وأصحابِ قضيّة، لكنّها تُقدّرُ الفنّ في جميع مجالاتِهِ الإبداعيّة، مِن أغانٍ وطنيّةٍ وتراثيّةٍ وكلاسيكيّةٍ وموشحاتٍ وحديثة، فالفنُّ الحقيقيُّ هو تأشيرةُ الدّخولِ في أغلبِ الأزمنةِ والأمكنةِ، ويظلُّ راسخًا في الذاكرة، وفي هذا التّقييم موضوعيّةٌ ومصداقيّةٌ نطمحُ في الوصول إليه.
مشاركاتكم على الشّطر الثاني من الوطن قليلة، لماذا لم تتّجه الكروان نحوَ الجمهورِ الفلسطينيّ في الضّفّة الغربيّة، وما مدى التّواصل مع المؤسّسات الثقافيّة والفنيّة في مناطق السّلطةِ الفلسطينيّة؟
قد تكونُ الحقيقةُ موجِعةٌ ومُستغرَبة! لقد توجّهنا من قبل، وعرضْنا مشاريعَنا الفنّيّةَ بكاملِ تفاصيلِها، وبكلِّ أسف، فوجئنا برفضِ توجّهاتِنا لهم، بحُكم أنّهُ يمكنُنا الحصول على الدّعم مِن جهاتٍ إسرائيليّة رغمَ زهدِها الشّحيح كفتاتٍ داعم، فكانتْ المرّةً الأولى مصحوبةً بصدمةٍ وخيبةٍ لم نكن نتوقّعُها من أشقّائِنا الفلسطينيّين في الضّفّة، وقبل أيّام تلقينا نبأ سارًّا من أحدِ الصّناديق الدّاعمة، نأملُ أن يفتحَ لنا بابَ الأملِ بتواصلِ أشقاءِ الشّعب الواحد عمّا قريب، وهذا ما نطمحُ إليه وطنيًّا.
متى سنرى الكروان في رام الله وبيت لحم؟
الجوابُ تجدُهُ لدى المسؤولينَ في رام الله وبيت لحم والضّفّة قاطبة، فنحنُ نمدّ الأيدي جسورًا للتّواصل، بما تمتلكُ أيدينا ونفوسُنا مِن ثقافةٍ موسيقيّةٍ وحضارةٍ عربيّةٍ عريقة، وننتظرُ مِن أشقّائِنا دعْمَ هذا الجسْر وعدم قطعِه كليّا، وذلكَ للحفاظِ على ما تبقّى مِن هُويّةِ بلدِنا ولو معنويّا.
ما هي الأمورُ التي تملِكُها الكروان، والأمور التي تعمل لتحقيقِها؟
الكروان تملكُ الحُبَّ والرّغبةَ الشديدةَ في الحياةِ بسلام، تملكُ أسسَ الفنِّ وتحاولُ أن تساهمَ في تحبيبِها وزرعِها وترسيخِها بنفوس أبناءِ بلدِنا الخصبة، لتنمو وتكبر وتكثر، فكان مشروعُ مهرجان الجوقات (يلا نغني سوا) عام 2008 هو الثاني للكروان ولجوقاتٍ مشاركة، وقد اشتركت فيهِ معنا جوقة مانيفيكات لحراسةِ الأراضي المقدّسةِ من القدس الشّرقيّة، بقيادةِ المايسترو هانية صبارة، ونأملُ أن يجتمعَ الشّعبُ الواحدُ مِن خلال هذه المهرجانات، وندوّلَ مشروعَ مهرجان الجوقات لتتّسعَ الدّائرة، وإضافةً إلى جوقةِ الكروان للكبارِ، فقد أقمنا جوقة كروان للصّغار، كحُلمٍ ونظرةٍ مستقبليّةٍ تفاؤليّةٍ في جيلٍ واعٍ للغةِ الموسيقا.
أمّا الأمورُ التي تعملُ جوقةُ الكروان لتحقيقِها، أن تُثبتَ للعالم أنّ الموسيقا لغةُ تقاربٍ وسلامٍ وحُبٍّ وحضارةٍ وإنسانيّة.
جميل حامد رئيس تحرير الوسط اليوم