حوار مع المطرب الشعبي سمير حسين
إن القدرة على التأثير بالآخرين لا يملكها كل البشر..؟!
سمير حسن |
حسين أحمد |
بدأ سمير حسين مبكراً في العزف على آلة " البزق ", فتكلل مشواره الفني الطويل بإقامة مئات الحفلات, والإعراس الشعبية في مدن الجزيرة السورية , فبات له شهرة واسعة ًفي الوسط الشعبي " الجزراوي" لما قدمه من أغان سماعية وإيقاعية ومواويل ,فادخل البهجة والسرور في نفوس الناس. فكان لنا معه هذا اللقاء الذي أتمنى ان ينال رضى الكل ...
يقول : سمير حسين في هذا الحوار :
- أحس بشعر امرأة من النار يداعب أناملي..!
- حاولت مداعبتها كما يداعب الوالد طفله المدلل ..!
- قلبي ينتظره جسدي يرتعش وبزق قلبي يأن في يدي ..!
- ماذا بإمكاني أن أقدم لعامودا سوى أن أمرغ وجهي بترابها ..!
- لعب الألم دوره ليجمع حبيبين على غفلة من حشرجات الزمن الحرام.!
- هكذا بدأ عشقي للبزق وبدأ هو بدوره يعشقني يبادلني ادوار الهزيمة ..!
- لا اتفق معك في تصنيف موسيقاي على إنها موسيقى خاصة بالإعراس ..!
نص الحوار ......
س1 : من هو سمير حسين الإنسان, وكيف كانت انطلاقته إلى عالم الموسيقى والغناء..؟!
ح- إن كانت تقدر إنسانية المرء بمدى قدرته على البكاء فبإمكاني ملئ فراغات العالم دمعاً ,وان كانت تقاس بمدى التأثير بالموقف فيا لحسرتي ويا لعذابي حين أجد ظلاً تركه صاحبه , حين أرى عصفوراً يطير مرتفعاً بالحيرة باحثاً عن حبة مستحيلة في هذا العراء الوحشي ,قلبي ينتظره جسدي يرتعش وبزق قلبي يأن في يدي والله يا سيدي أن وجدت طفلاً يبكي .
س2 : لماذا اخترت آلة البزق لتكون رفيقة دربك..هل لأنها آلة أكثر شعبية تلائم ألاغاني الراقصة أم لديك أسباب أخرى ..؟
ج- من الحاجة ولدتُ من الألم ,من الغافة ,من البكاء ,أنا معجون بالأس ولدت كآي طفل لا ادري لماذا ..!! كيف ..؟! إلى متى ..؟! والى أين ..؟ محاصراً بالأسئلة في هذه البقعة التائهة كل ما كنت ادري أني أحس برائحة الفراغ بطعم الهواء في فمي , أحس بشعر امرأة من النار يداعب أناملي , أحس بحاجة لشيء ما لم أكن اعلم ما هو هذا الشيء , ما هو شيئا يعنيني على هذه الدوامة وهذا الألم , أدركت منذ نعومة إظفاري قدرة البزق على إطفاء شيء من اللذة على ألمي الكامن في صيرورتي , هذه الآلة التي ولدت معي من عدمي .بداية أخذتُ شكلاً طفولياً يشبه إلى حد ما طفولة عامودا المليئة بالرقع, تجرأت على صنع واحدة مستغلاً بقايا من علبة فارغة وعصى وأوتار .
تحاورنا معاً أنا وآلتي تلك فترة من الزمن إلى حين حصولي على آلة جديدة وذلك من خلال موقف درامي كوميدي لا تسعني هذه الصفحات البائسة لذكر بؤسنا المتجددة .هكذا بدأ عشقي للبزق وبدأ هو بدوره يعشقني يبادلني ادوار الهزيمة كلانا مهزومون في هذا الواقع المنهزم , كلانا نبحث عن ضالته التي خبأها الزمن بين نهديه جنية يحرسها ماردا يدعى القدر ...
إن السؤال عن سبب اختياري للبزق سؤال عقيم ,فانا وكما تبين من حديثي لم اختر شيئا ,كما ولم يختارني احد هكذا لعبت المصادفة ولعب الألم دوره ليجمع حبيبين على غفلة من حشرجات الزمن الحرام .. البزق وسمير حسين , و مع الأيام أدركت بان هذا المخلوق الذي احمله ويحملني باستطاعته مداعبة أفئدة العالم كيف ما شاء يبكيهم .. ويضحكهم يحملهم ويطير بهم عالياً . ثم يتركهم في الجوء يتجرعون المسافات ,وأدركت قدرته على ترجمة أوجاعهم وهي خير تمثيل لواقع موسيقا منطقتي وبيئتي , ويناسب جملها الموسيقية , واقاعاتها والنتيجة انسجام متناغم في الأداء والصوت والكلمة , يخلقها معشوقي الصغير .. البزق
س3 : بمن تأثرت أكثر....وكيف ..؟
ج- إن القدرة على التأثير بالآخرين لا يملكها كل البشر , بما أن البشرية أسرة وهذا طبعاً من منطلق إنساني , لذا ينبغي على المرء أن يؤثر ويتأثر بغيره بالنسبة لي كانت للمدارس الفنية وصروح العمالقة في بداياتي اكبر تأثير فيّ كأمثال المعلم الأوحد أمير البزق محمد عبد الكريم , الأستاذ سعيد يوسف , محمد شيخو , عبد القدر سليمان, وعازف العود العالمي نصير شمه , والعازف الإيراني الأعظم على ألته ( سيتار ) محمد حسين علي زاده وبالتأكيد بالنسبة لكوني فنان شعبي أقيم الأعراس والاحتفالات فكان للفنان الكردي الكبير سعيد كاباري اكبر اثر على مسيرتي الفنية , ولبيئتي الجزراوية بفصولها وهوائها وأمطارها , وسنوات قحتها اشد التأثير على نفسي كي أكون ما أنا عليه الآن ..
س4 : ما تأثير البيئة " الجزراوية " عليك كفنان ..؟!
ج- أغاني أطفالي موسيقاي عشقي , أحبهم جميعا أراهم يكبرون ,وارى معاناتهم , ولكن لي أغنية عن الغربة اعتقد بأنها تلامس المشكلة الأكبر التي يتعرض لها شبابنا في أصقاع العالم وهي من كلمات سعود ( بافي تاري ) والحاني .
س5 : هل غنى سمير حسين من الحان الآخرين و لمن ..؟
ج- نعم غنيتُ لألحان غيري على رغم من أن السواد الأعظم من أغاني هي من الحاني ,ولكن غنيتُ الحان أخي وصديقي ( بافي تاري ) .
س6 : كيف تختار كلماتك وهل تتعامل مع شاعر محددة أم انك تنتقل من شاعر إلى آخر..؟
ج- اختياري للأغنية بالموضوع المناسب الذي يلائم أوجاع الناس ومشاكلهم وهمومهم ,تعاملت مع الكثير من الشعراء محلياً - مرة أخرى اضطر لذكر اسم أخي سعود ( بافي تاري )و( بافي ارين) وبالطبع ابحث دائماً عن الكلمة المفقودة واغنيها لمن كانت هذا دفعني للبحث عنها في صفحات الماضي , فأخذت من قصيدة لإله الإحساس سيدي " ملاي جزيري" ولحنتها وهي بعنوان ( شوخ أو شنك )
س7 : ما هي هموم وشجون الأغنية الكردية اليوم في " الجزيرة "
ج- ليست هناك هموم مباشرة للأغنية الكردية ,لان هناك الكثير من الفنانين الكرد اليوم يبدعون لتقديم الأغاني الجميلة التي تدخل البهجة إلى النفوس ,والدليل القاطع على قوة الموسيقا الكردية هو تأثير الغير والمجتمعات المجاورة بها واقتباسها من منهل اللحن الكردي ,ولكن عودة مع هموم وشجون هذه الموسيقى فباعتقادي مرة أخرى هو افتقارنا لجهاز إعلامي حقيقي يدافع عنها ويقدمها بصورتها الحقيقية .
س8 : هل أنت مع تجديد الموسيقى الكردية اليوم.. وكيف ..؟؟
ج- أتابع تطوير الأغنية الكودرية ,ولكن بالمقدار المطلوب ,حيث يقع هذا التطوير في خدمة الجمال والإحساس وليس العكس , وذلك حسب اعتقادي الاتجاه نحو التوزيع الموسيقي ,وقد أبدع شبابنا ,لهم الشكر والتحية في هذا المجال أمثال صديقي شيدا – بلند .. وغيرهم الكثير ..؟
س 9 : متى تكون مهيئاً لتلحين مقطع موسيقي ..؟؟
ج- التلحين : إلهام ووحي .. لا يأتي في أي مكان , ولا ي من كان يخصه الربّ لفئة من البشر ممن يتمتعون بقلب صادق و إنسانية إلى حد لا بعد وهذا في اعتقادي يكون ساعة السحر حيث يكون الجو هادئا نقياً وصافياً من كل شوائب الحياة .
س 10 : ما دور العائلة في تنمية موهبتك وهل ثمة من يشاركك من العائلة في الغناء أو العزف ..؟
ج- بالنسبة للأسرة فقد كانت كأي أسرة كوردية في المنطقة لا تستطيع أن تقدم لي شيء ولكنها إلى حد ما قدمت لي هزائم الله خيراً واخصهم بالذكر أخي (بافي تاري ) حيث قدم لي قصائده وألحانه على طبق من المحبة .
س 11 : من الملاحظ بان معظم أغانيك تندرج ضمن الإيقاعات الراقصة " السريعة " ألا ترى بأن هذه الأغاني لا تصلح ألا للإعراس والحفلات التي تتسم بالصخب والى ما هنالك حبذا أن تحدثنا عن هذا الموضوع ..؟
ج- لا اتفق معك في تصنيف موسيقاي على إنها موسيقى خاصة بالإعراس ,صحيح أني أقيم الحفلات الراقصة وهذا من دواعي سروري وفخري, ولكن لي الكثير من الأغاني السماعية والمواويل , ونحن بحاجة بل بأمس الحاجة إلى الموسيقى الراقصة والقليل من الفرح في خضم هذا الأسى الدامي .
س12 :لقد شاركت مع فرق فلكلورية عديدة ,ماذا قدمت لك هذه التجربة ..؟؟ وهل مازلت تعمل معها ..؟؟
ج- نعم شاركت في الفرق الفلكلورية كعربون محبة وتقديم جزء بسيط من واجبي تجاه أبناء جلدتي والفرق الفلكلورية هي التي أحيت أشيئا بداخلي اسمه : سمير حسين .
س13 : ماذا قدمت كفنان لبلدتك عامودا ..؟0
ج- ماذا بمقدور المرء أن يقدم أو يضيف تفاصيل جديدة لوجه حبيبته سوى يقتل ظلها ويتأمل روعتها . ماذا بإمكاني أن أقدم لعامودا سوى أن أمرغ وجهي بترابها هذا لا يعني بأنها لا تستأهل العطاء والتضحية على العكس هذا يعني كعجزنا عن تقديم شيء لمملكة الفصول سيدة عرش قلبي عامودا فنحن مقصرون .. مقصرون ..؟
س14 : إلى جانب مواهبك المتعددة كمغني وكعازف وكملحن ,فأنت تصنع الآلات الموسيقية كالعود والبزق والطنبور حبذا لو تحدثنا قليلا عن هذه ( الصناعة ) وكيف بدأت العمل بها ..؟؟ وهل لها مردود مادي عليك ..ولمن صنعت من الفنانين الكبار ..
ج- عودة إلى حبيبتي آلتي البزق , فان عشقي قادني لمجازفة جديدة ,حيث انتابني بركان من الجرأة كي ابدأ بصنع الآلات الموسيقية ونفخ الروح فيها , وحاولت مداعبتها كما يداعب الوالد طفله المدلل , وكما يداعب العاشق شعر محبوبته , هكذا بدأت في تغيير مقاسات البزق فأخذت حجماً اصغر من المقاس العالمي حيث كان البزق ( 52) سم قصرته إلى( 48 ) سم والطاسة أو الكود من (30) إلى( 25) سم .
حقيقة ساعدتني هذه الخطوة مادياً ولاسيما بعد اتجاه الكثير من الأسماء في المنطقة اليّ لكي اصنع لهم آلاتهم واستغل هذه المقابلة لأتوجه لهم بالتحية والاحترام ولهم جزيل الشكر .
س 15 : لديك تركة لاباس بها من الأغاني ومن الحفلات أيضا ولكن للأسف لم تحظى بالشهرة كغيرك ..ما سبب ..؟
ج- الشهرة .. الأضواء لا تعنيني .. إني انتمي إلى عتمتي إلى سوادي . ثم ما هو مفهوم الشهرة لديك .... يصنعون لي تمثالا مثلاً.... أم ماذا ..! ثم من الذي يقدر شهرة هذا أو ذاك ,ولكن استطيع أن أقول لك أن هناك عوامل كثيرة تساهم في شهرة أي شخصية في أي مجال قبل كل شيء وسائل أعلام وأنت أدرى مني بقدرة وسائلنا المتواضعة , فانا يا سيدي معتكف عن الشهرة تكفيني فخراً أن باستطاعتي الغناء وشكراً ..
س 16 : متى يحق لنا أن نقول عن هذا الفنان أو ذاك بأنه فاشل ...؟
ج- لا يمكن تصنيف الفنانون على إنهم فاشلين وغير فاشلين ,فكل يقدم حسب مقدرته وما يملكه وما يعرفه عن الفن ليس بمقدوري تحديد معيار للتفريق بين النجاح والفشل ,فكل إنسان يقدم شيئا للفن فهو ناجح وله كل التقدير .
س17 : سؤال أخير ماذا يقول سمير حسين عن جمهوره ,وعن فنه ,وعن شهرته ,وعن آفاقه المستقبلية ,عن طموحاته الموسيقية .لك كامل المساحة لتتحدث فيها عما يجول في خاطرك ..؟؟
أخيراً وليس آخراً شكراً لك أستاذي العزيز على فتح هذا المجال للتعبير عن كلماتي ,وأفكاري ,ومشاعري ,والجمهور هو معيار المحبة والذوق ,وهو بحاجة لتقديم شيء حقيقي يلامس معاناته وبسمته وشيء مطور لا ينسف الجمال بل يخدم الجمال , بحاجة إلى شيء من السرعة في الإيقاعات لان الإيقاع نبض الحياة وتعبير عن قلبها , كما تدعي الرواية , عندما خلق الله الكون سأل الملائكة ماذا ينقص الأرض فأجابت الملائكة بخشوع ربي اعلم ولكن ينقصها الإيقاع فخلق رب الكون قلب الإنسان الصغير ليدق وتكتمل الحياة ..
شكراً وتحية لجمهوري العزيز وأنا على وعدي أن أقدم الأجمل .. لأنهم غايتي وهدفي ومبتغاي الأول والأخير .
ودعني سمير حسين مبتسماً ابتسامة لا نخلو من الظلال .. ظلال خائفة حائرة تبحث عن شيء .. عن البزق ... عن الحب ... عن الأمان ..
* سمير حسين من مواليد 1965 عامودا