باب مسرحي جديد يفتتح في فلسطين

باب مسرحي جديد يفتتح في فلسطين!!

أسامة مصري- حيفا

*المسرح الخاص، ينتعش ويحقق أكبر نجاح في مسرحية "في باب الحارة"*

*حيفا- "تفانين"- لم يشهد المسرح الفلسطيني ظاهرة مسرحية كالتي نشهدها اليوم في البلاد، مع الصاروخ المسرحي الذي أطلقه المنتج "جوزيف أطرش"، و"أشرف عامر" بالمسرحية الجديدة "في باب الحارة".

المسرح الخاص، أو المسرح التجاري، أو المسرح السياحي كما يحلو للبعض إطلاق مثل هذا الاسم، ليس بجديد على المسرح المحلي الفلسطيني، وخاصة في داخل حدود الـ 48، فقد قامت فرقة مثل "شماس نحاس" وبعدها تطورت لفرقة "شكرا" وحققت نجاحات باهرة، لكن موضوعاتها أو لنقل جرأتها التي استعملتها بإدخال الكلمات التي يعتبرها مجتمعنا "نابية"، والتي يسمعها يوميا ويستعملها، لكنه لا يستسيغها على خشبة المسرح، خاصة أن العديد من قرانا ومدننا العربية الفلسطينية، ما زالت محافظة، بالذات بعد اجتياح الموجة الأصولية.. كل هذا، كان سبب في عدم انتشار التجارب الأولى للمسرح الخاص الذي ذكرناه، والذي يندرج على "المسرح الفقير" من حيث الديكور وضخامة العمل.

الجديد في المسرحية التي نحن بصددها، والتي أطلق عليها أسم "صاروخ مسرحي"، هي أنها حققت المعادلة الصعبة، فبعد انطلاقها بأسبوعين فقط، كان الآلاف من جمهورنا المحلي يشاهدها وما زالت التذاكر تنفذ قبل العرض بأيام، والطلب على العروض مستمر بشكل منقطع النظير، الأمر الذي لم يحدث مع مسرحية عربية محلية من قبل.

وفي هذه المقالة، سنستعرض بعض الأمور التي ساهمت في تحقيق مثل هذا النجاح.  

**الفكرة والمنتج الذكي!!

الفكرة بدأت من مدير شركة الإنتاج "Bee.T.L " جوزيف أطرش، وهو شاب من مدينة عكا، عمل في السابق على إنتاج العديد من المهرجانات والمناسبات الاحتفالية الكبيرة، وحقق في معظمها النجاح، وهو شاب مليء بالطاقة، يجيد التفكير بالمشاريع المضمونة الربح، وله في ذلك تجارب عديدة، يعتبر أن على الفنان أن يبدع بدوره وهو يقوم بتسويقه بالطريقة الأنجع.. مؤخرا أقام شركته الخاصة للإنتاج، وأثناء جلسة في مقهى "فتوش" الفني في حيفا، مع زميله الفنان أيمن نحاس، طرح عليه فكرة إنتاج مسرحية كوميدية تشابه "مدرسة المشاغبين"، إلا أن نحاس، أقترح عليه، بين المزاح والجد، أن ينتجوا مسرحية تستغل الموجة الشعبية العارمة التي حققها مسلسل "باب الحارة" السوري.. فكرة أيمن راقت لجوزيف، رغم أنه ليس من رواد المسلسل ولا يعرف عنه سوى أن الناس تشاهده بشغف وهو ليس واحدا منهم.. وبإلحاح من جوزيف، قام أيمن ببلورة الفكرة، وبدأ يعمل عليها بسرية تامة.. اختار طاقم الممثلين، وطرح أمامهم الفكرة، ومن ثم أقيمت ورشة عمل مسرحية، حيث قام الممثلون بارتجال العديد من الأفكار حول الفكرة الأصلية، وكان أيمن هو البوصلة الموجهة، بحيث يختار الجيد ويحذف السيئ، إلى أن تبلورت المسرحية بشكلها شبه النهائي، وعندها تم استكمال باقي الطاقم التقني، وهكذا بالسرية نفسها إلى أن خرجت المسرحية للنور.

**أيمن عملة رابحة!!

يعتبر الفنان أيمن نحاس، "عملة رابحة" في عالم تنظيم وإنتاج العروض.. فتاريخه التسويقي للأعمال الفنية معروف، وهو لا يقل ذكاء عن جوزيف الأطرش، خاصة أنه يمتهن فن التمثيل، ويتعاط مع الموسيقى.. وأول عمل تسويقي ناجح له، هو استضافته لفرقة موسيقى الراب في حيفا، قبل سنوات، وقد حقق العرض أرباح خيالية.. بعدها كان من مؤسسي "شماس نحاس" ومن ثم العرض الكبير "شكرا" وجميع هذه العروض الخاصة حققت نجاحات كبيرة جدا.. وها هو اليوم، يقوم بالكتابة والإخراج لأول مرة- والكلام هنا، ليس دقيق، فأعماله السابقة "مثل "شماس نحاس" و"شكرا"، كان له ضلع كبير فيها من حيث الأفكار والإخراج".

**القصة الرابحة والذكية!!

لا ننكر أن أسم "باب الحارة" زاد في الإقبال على المسرحية، ولنقل أنه السبب الرئيسي في هذا الإقبال الجارف.. لكن حنكة أيمن ومن معه من الفنانين، لم تترك للمقولين أن يهاجموهم بأنهم مجرد مستغلين للاسم.. فقد خرجوا بمسرحية محلية مئة بالمائة، ولها مدلولات وإسقاطات على واقع الفلسطينيين داخل حدود الـ 48 وعلى العالم العربي أيضا.. إلى جانب الكوميديا الراقية، والتي هي خبز المسرحيين في جميع أنحاء العالم، ولم تخلو المسرحية من التشويق، بحيث كان الجمهور يضحك ويترقب الأحداث بشغف كبير.

القصة باختصار، إن شاب فلسطيني من مدينة حيفا، يحمل الجواز الإسرائيلي، وهو واحد من الآلاف المعجبين في مسلسل "باب الحارة" يقوم بمشاهدة حلقات المسلسل على جهاز الكمبيوتر النقال، وأثناء ذلك، يشفط الجهاز الشاب، فيجد نفسه داخل المسلسل، بشخصياته الحقيقية.. وينتج عن ذلك مفارقات جميلة ومبنية بشكل ذكي جدا.

**الممثلون- قدها وقدود!! 

لا أعرف كيف تم اختيار الممثلون المشاركون في العمل ولا على أية اعتبارات، لكن ما لمسته من مشاهدتي للمسرحية أكثر من مرة، أن الممثلون كانوا "قدها وقدود" كما يقال في مجتمعنا الفلسطيني.. لعبوا أدوارهم بإتقان جميل، بحيث أن الجمهور صدق اللعبة، واعتبروا أنفسهم هم الذين تم شفطهم إلى المسلسل المذكور، وما كان يحصل مع الشاب الحيفاوي، كان ينعكس على الجمهور بكل كلمة وبكل حركة.. والشخصيات التي تم تقمصها، كانت متقنة من إلى درجة كبيرة من حيث الأداء والماكياج المحترف للماكياجيرة الناجحة "نجدية إبراهيم"، وساعدهم في ذلك الديكور السحري الذي صممه "فراس روبي" بذكاء، وحتى الملابس التي صممها "سالم الأطرش"، أضفت الكثير على المسرحية.

**الجمهور العجيب!!

 قلت في مناسبات عديدة، أن جمهورنا غير مثقف مسرحيا، ولم أتراجع عما قلته، لكن النهضة المسرحية التي تشهدها المناطق الفلسطينية داخل حدود الـ 48، تسير على المقولة اللينينية المعروفة، بأن "التراكم الكمي حتما سيؤدي إلى تغير نوعي".. وهذا ما يحصل عندنا.. وفي هذه المسرحية، شاهدت أناس من بلدي، لم يدخلوا إلى المسرح طوال حياتهم، وكانت هذه المرة الأولى لهم.. لكن بالنتيجة، سيعيدون الكرة، لذلك.. أنا كمسرحي.. أشكر كل من ساهم في جلب مثل هذا الجمهور ولا استثني أحد، من المسوقين إلى بائعين التذاكر بالمقاهي، إلى مصمم الملصق إلى منفذ الديكور، وعلى رأسهم الشابين المنتجين: "جوزيف أطرش" و"أشرف عامر".

**الطاقم المشكور!

المسرحية توليف وإخراج أيمن نحاس، وقام بتأدية الأدوار في المسرحية: ميسرة مصري، عدنان ذياب، حنا شماس، علي علي، عنات حديد، ورنين بشارات.. وضع موسيقى المسرحية: حبيب شحادة حنا، ديكور: فراس روبي، ملابس: سالم أطرش، ماكياج: نجدية إبراهيم، منتج منفذ: جابي طوبي، مساعد مخرج: ناصر حلاحلة، تصميم إضاءة وهندسة صوت: نعمة زكنون- NAIZAK، تصميم ملصق: عبد طميش.