مسابقة (منشد الشارقة)
مسابقة (منشد الشارقة)
إيجابيات كثيرة وسلبيات قليلة
آلاء شحادة
ها قد أطلت علينا مسـابقة ( منشد الشارقة ) مرة ثانية في شهر رمضان ، وعادت وودعتنا ، إلا أنها جاءت هذه المرة بأفضل مما كانت عليه ، فقد تمّ تحاشي الكثير من نقاط الضعف ، وهناك تعديلات وإضافات ـ كمية و نوعية ـ عززت من مكانة المسابقة .
انطلقت هذه المسابقة في عام 2006 ، لتكون أول مسابقة عربية ، بل وعالمية في فن الإنشـاد ، لتشـفي غليلنا عن تقصير إعلامنا العربي في الجانب الفني الهادف . ولاقت المسـابقة إقبالاً كبيراً وترحيباً واسـعاً ، إلا أنها خيّبت بعض الآمال بسـبب نتائجها ، فأكثر المتابعين لم ترضهم هذه النتائج ، إلا أن التجربة الأولى لا بد أن تحمل كثيراً مـن الهفوات والزلات ، ولكن مَن شــاهد ( منشد الشارقة 2 ) لاحظ تفادي ما تمّ الاعتراض عليه ، وإضافة ميزات أخرى أستعرض منها :
1 ـ النسبة المئوية لتصويت الجمهور في العام الأول كانت 50% ، وكان للحكام النصف الآخر من النسبة ، وهذه النسب لا تعطي النتائج الحقيقية ، فتقدير الجمهور لا يوازي بتاتاً تقدير المتخصص في الفن . أما في العام الثاني فقد تمّ تدارك النسبة لتصبح 80% للحكام و20% للجمهور ، وبالتالي كانت النتائج مرضية ومقبولة ولم يتم الاعتراض عليها .
2 ـ الحرص على أن يكون عدد المنشدين المشاركين من كل دولة واحداً فقط ، فعلى سبيل المثال كان اختيار متسابقَين سوريَين في العام الأول سبباً في تقسيم الأصوات بينهما ، ولا ينكر عاقل أن ذلك كان من أسباب تغيّر النتيجة .
3 ـ زيادة عدد الحكام من ثلاثة إلى أربعة ، فبالإضافة لأبي راتب وأبي الجود من سوريا وأحمد بو خاطر من الإمارات تم إضافة سمير البشيري من السعودية ، وهذا يبعد عن الحكام شبهة الانحياز من قبل الجاهلين .
4 ـ زيادة قيمة الجوائز ، وزيادة عدد الفائزين من خمسة إلى ستة ، وهذا يرفع من مكانة هذه المسابقة بلا ريب .
5 ـ إشراك جنسيات جديدة لم تكن في العام السابق ، مثل السودان والصومال ، وهذا يؤدي إلى توسيع نطاق المسابقة ، على أمل أن تشمل ساحة أكبر من العالم بإذن الله تعالى.
6 ـ تغيير موقع المسابقة من قناة القصباء ، لتكون في قاعة المدينة الجامعية ، لأن ارتفاع درجات الحرارة في المناطق المكشوفة كان من أسباب قلة إقبال الجمهور .
6 ـ بالإضافة إلى اليوميات التي كان يقضيها المنشدون في أماكن مختلفة ، والسهرات اليومية أيضاً مع شخصيات مختلفة يتم فيها التناقش حول قضايا متعددة تكشف ثقافات هؤلاء المتسابقين .
وبهذا لا بد من تقديم شكر كبير لجميع القائمين على المسابقة الذين عملوا على تحسين صورة المسابقة ، لتكون أنموذجاً رائداً للمسابقة الإسلامية الراقية . ونحن بانتظار مسابقة ( منشد الشارقة 3 ) والتي وعد القائمون عليها بأنها تختلف عن سابقتَيها .
ولكن لا بأس أن أقدّم بعض الملاحظات التي أخذتها على المسابقة في عامها الثاني ، عسى أن يُستفاد منها في العام القادم ، والملاحظات هي :
1 ـ استقرت المسابقة على نمط واحد خلال السنتَين ، فكانت الأناشيد بدون استخدام الموسيقى وبدون الدف ، وهذا يُضعف من منزلة المسابقة ، لأن هدف المسابقة هو نشر الفن الإنشادي وتوسيع نطاقه ، ليشمل كافة الرؤى المختلفة التي لا تخرج عن الأوجه الشـرعية ، لأن النهج الذي سارت عليه المسابقة لم يؤدِّ ـ بأي شكل من الأشكال ـ الهدف المرجو ، علماً بأن معظم المنشدين أصبحوا يستخدمون الموسيقى .
2 ـ الترويج السيء للمسابقة ، فالدعاية لم تصل إلى الآذان ، فلم نسمع بها إلا عن طريق تلفزيون الشارقة أو عن طريق بعض المنتديات الإنشادية ، وكان الأصل أن تتم الدعاية عنها في بعض القنوات الفضائية لا سيما المشهورة منها .
3 ـ لم يكن لبقية الفائزين – غير الستة – النصيب المطلوب من الجوائز سواء المادية أو المعنوية .
4 ـ هذه الملاحظة خاصة بالجمهور ، وهي ظهور نزعة التحيز للدولة التي ينتمي إليها المنشد ، فكان التشجيع بحسب الجنسيات ، لا بحسب الأصوات وجمالها ، والأصل أن ينمّى عند المواطن العربي المسلم الابتعاد عن النزعة العنصرية . وأرجو أن يسمح لي القارئ أن أزيد هذا الأمر وضوحاً ، لأن مشكلة التحيّز للمنشد الفلاني بحسب الجنسية فيها خطأ في التصور في فهم قضية التصويت ، لأن التصويت يعني الانتخاب .
فقد سمعنا أن بعض الصحف الإسلامية كانت تدعو قرّاءها إلى التصويت للمنشد الذي ينتمي إلى الدولة التي تصدر منها الصحيفة ، دون إعطاء أدنى اعتبار للجوانب الفنية . فهذا التحيّز للجنسية لا يختلف أبداً عن التحيّز الذي يحدث في الانتخابات البرلمانية والتي لا تجري وفق اختيار الشخص المناسب والأصلح ، وإنما تجري وفق عنصرية مقيتة للحزب أو للقبيلة .. أي أن هذا الانتخاب بعيد عن الأطر الشرعية التي يجب أن يتحلى بها المواطن حين ينتخِب .
وفي مسابقة ( منشد الشارقة ) حدث الأمر نفسه ، فكان التصويت في كثير من الأحيان بحسب الجنسية وليس بحسب جمال الصوت ، وهذا خطأ كبير ، لأنه لا يحق لأي مصوّت أن يصوّت إلا للمنشد ذي الصوت الأجمل بحسب رأي المصوِّت ، فلا يجوز له أن يصوّت لمنشدٍ ينتمي لبلده لمجرد أنه ينتمي لبلده ، لأن هدف المسابقة هو إبراز المنشد صاحب الصوت الأجمل ، دون إعطاء أي اعتبار لجنسية المنشد .
وإذا كان لأحد أن يعترض على هذا الرأي بزعمه أن الانتخابات البرلمانية تحدث فيها الدعاية للشخص المرشح ، وتقام دعايات كثيرة تدعو المنتخبين لانتخاب الشخص بذاته .. فأقول إن الانتخابات البرلمانية تحدث بين إسلاميين وغير إسلاميين كالعلمانيين والاشتراكيين وغيرهم ، والإسلاميون أو الحزب الإسلامي يدعو المنتخبين لترشيح ممثلهم لأنه سيسعى لتطبيق الإسلام ، أم غير الإسلاميين فهم لا يسعون إلى تطبيق الإسلام . أما في مسابقة ( منشد الشارقة ) فالأمر يختلف تماماً ، لأن جميع المتسابقين يمثّلون النشيد الإسلامي الذي يتفق مع تعاليم الإسلام . لذا ينبغي أن يُترك الأمر للجمهور لينتخب صاحب الصوت الأجمل برأيه ، دون أية دعاية لمنشد بذاته حتى لا يتمّ تضليل الجمهور .
وإذا كان انتخاب العضو في البرلمان لاعتبارات حزبية أو قبلية أوعنصرية هو خيانة عند الله ، فإن التصويت للمنشـد بحسب الجنسية هو أيضاً خيانة عند الله ، وسوف يسأل الله تعالى صاحب التصويت عن هذه الخيانة . لأن فوز المنشد يعني أنه سيحتل مكانة فنية عند الجمهور وفي وسائل الإعلام ، بالإضافة إلى الميزات الكثيرة التي سينالها من إدارة المسابقة كالمبلغ المخصص للفائز ، وتصوير فيديو كليب ، وغير ذلك .
وقد آلمني جداً أن الذي وقع في هذا الخطأ الكبير هو تلك الصحف الإسلامية ، لأن هذه الصحف فيها أناس عقلاء ، وهم من الطبقة المثقفة التي لديها ثقافة شرعية .
نرجو تفادي هذه الأخطاء والسلبيات من قِبل إدارة المسابقة ومن قِبل الجمهور ، وبارك الله بالجميع .