دفاع عن المطربة نانسي عجرم
وأغنيتها (شخبط شخابيط)
نجدت لاطة
ولا يَجْرِمنّكم شَنآنُ قومٍ
على ألاّ تعدلوا
اِعدِلُوا هو أقربُ للتقوى
لا شك أن القارئ سيستهجن مني أن أدافع عن مطربة لا تعرف من الالتزام شيئاً ، ولكن الهجوم الذي شُنّ على هذه المطربة من قِبل المنشد السعودي صاحب أنشودة ( شخبط شخابيط ) أشد غرابة من مقالي ، فكما يعلم القارئ أن أغنية ( شخبط شخابيط ) هي الوحيدة التي تمّ سرقتها من النشيد الإسلامي بحسب ما أعلم ، ولكن في المقابل تمّ سرقة مئات الألحان من الأغاني من قِبل المنشدين ، ولم يرفع أحد من المطربين دعوى قضائية ضد منشد .
وسمعت أن المنشد السعودي رفع دعوى قضائية ضد المطربة المذكورة ، وأنه سيقاضيها ، وقد فضح الدنيا على هذه السرقة ، وقد تداولت هذه القضية الصحف والمجلات المختلفة ، وكذلك تداولتها المنتديات الإنشادية وكيف أنه ينبغي أن نربح الدعوى ويجب أن تعترف المطربة بجرمها الكبير وأنه ينبغي أن تعتذر عن ذلك ، ويكاد يشعر الواحد أن المطربة سرقت الكعبة المشرفة وليس أنشودة لمنشد سعودي مغمور ، حتى أنا لا أعرف اسمه .
فالواحد منا يقول في نفسه : الله لا يفضح مخلوق ، والله يعين مَن يقع تحت رحمة الملتزمين ، وخصوصاً إذا كان على شاكلة نانسي عجرم ، يعني يحرقونه حرقاً ، بل ( بفحّموه ) يعني يجعلونه فحماً من كثرة الحرق ..
فهل كان من اللائق أن نرفع دعوى قضائية إذا سُرقت من المنشدين أنشودة أو ألبوم من قِبل أحد المطربين أو المطربات ؟ وهل وقفت هذه السرقة على نانسي عجرم فقط ؟ وهل المطربون هم وحدهم الذين يسرقون ؟ أم أن المنشدين لهم تاريخ أسود في سرقة الألحان ؟ وهل يرغب القارئ أن أذكر له أسماء العشرات من المنشدين الذي سرقوا ـ جهاراً نهاراً ـ المئات من ألحان الأغاني ؟ في حين يندر جداً ، بل لا أعلم أحداً من المطربين سبق أن سرق لحن أنشودة .
أنا سأذكر مثلاً واحداً على سرقة المنشدين لألحان الأغاني ، المثل هو أنشودة ( يا طيبة ) ذائعة الصيت .. فهذه الأنشودة أشهر أنشودة في تاريخ النشيد الإسلامي كله ، ويكاد لا يوجد منشد إلا وأنشدها ، وأنا سمعتها كثيراً في المهرجانات الإنشادية من كبار المنشدين ، ووضع كثير من المنشدين كلمات أخرى لنفس اللحن ، فكان هناك ( يا مكة ، يا أقصى ) وكذلك وضعوا لها كلمات إنكليزية وبنفس اللحن ، حتى يُخيل للمرء أن المنشدين عجزوا عن إيجاد لحن يوازي لحن أنشودة ( يا طيبة ) .
ولكن إذا جئنا إلى الحقيقة فسنجد أن لحن أنشودة ( يا طيبة ) مسروق من المطرب السوري ( دياب مشهور ) من أغنيته ( يا بُرداني يا بُردانا ) ، وصحيح أن الجيل الجديد لا يعرف شيئاً عن هذا المطرب ، ولكن هذا المطرب كان له طنة ورنة في أيام السبعينيات .
فأمَا كان الأولى بالمنشد السعودي أن يصفّق للمطربة نانسي عجرم حين قبلت أن تسرق منه أنشودة ، بل ويبارك لها هذه السرقة ، كنوع من ردّ الجميل على سرقة المئات من ألحان الأغاني من قِبل المنشدين ؟
وبصراحة .. لو كنت أنا صاحب الأنشودة المسروقة لقدّمت ألف باقة ورد للمطربة نانسي عجرم ، كعرفان منا ـ نحن المنشدين ـ أن قبلت هذه المطربة أن تسرق أو أن تأخذ هذه الأنشودة منا ، لأنه ـ على الأقل ـ يشعر المنشدون أنه أصبح لديهم شيء يُسرق . لأن نانسي عجرم أشهر مطربة عربية ، وقبل سنتين توّجوها في مهرجان القاهرة الغنائي كأفضل مطربة عربية .
فحين تأتي كبيرة القوم وتسرق أنشودة من المنشدين فينبغي أن نذكر في الوسائل الإعلامية أن هذه الأغنية استعارتها المطربة الفلانية من المنشد الفلاني كنوع من التعاون الفني بين الفنانين .. دون أن نذكر كلمة ( سرقة ) ودون أن نرفع عليها دعوى قضائية ضدها .
وكم أتمنى أن ينهال المطربون والمطربات على ألحان الأناشيد فيسرقون منها ما يشاؤون ، فعلى الأقل سيشعر الناس أنه أصبح المستوى الفني عند المنشدين يوازي المستوى الفني للمطربين . لأنه إذا أصبح عند المنشدين شيء يُسرق فهذا يعني أن المستوى الفني للنشيد ارتفع ، وأصبح الآخرون يُعجَبون به ، لأن كل شيء مسروق يكون ـ بالتأكيد ـ شيئاً ثميناً وله قيمة عالية . وبالتالي ينبغي حينها أن ( نبوس أيدينا وجه وقفا ) كما يقول المثل .
& وفي مقابلة لي مع شيخ المنشدين ( محمد أمين الترمذي ) سألته عن قضية سرقة الألحان ، فقال : في أيام الخمسينيات كان المطربون والمنشدون الدينيون يستعيرون من بعضهم بعض الألحان ، ولا يستهجن ذلك أحد ، لأن الطرفين كانا على مستوى فني واحد. وضرب مثالاً لذلك أغنية ( فوق النخل ) وأنشودة ( فوق الحرم ) وقال بأنه إلى الآن لا يعرف أحد من الذي استعار من الآخر هذه الأغنية أو هذه الأنشودة ..
فقضية سرقة الألحان يجب أن نضع لها حداً عند المنشدين ، فكما أن المنشدين يتضايقون من سرقة ألحانهم ، فكذلك المطربون يتضايقون من سرقة ألحانهم .
على أية حال ، لم أشفِ غليلي في هذا المقال من قضية ( سرقة المنشدين لألحان الأغاني ) لذا سأكتب قريباً جداً مقالاً حول هذا الموضوع ، وسأضع نقاطاً كبيرة على الحروف ، لأنه يجب أن تنتهي سرقة الألحان من حركة النشـيد الإسلامي ، كي يبقى هذا النشيد إسلامياً حقيقةً ، وكي يأكل المنشدون من عرق جبينهم ، لا من عرق غيرهم.