مشاعر وأحاسيس امرأة عربية
مشاعر وأحاسيس امرأة عربية
د. كمال يونس
قدمت فرقة مسرح فو التونسية على المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية العرض المسرحي هوى وطني، تأليف وتمثيل وإخراج سيدة المسرح التونسي الفنانة رجاء بن عمار ، وهو يعرض لمشاعر وأحاسيس وانفعالات امرأة عربية منذ اليوم الثامن للحرب على العراق ، مرورا بسقوط بغداد ، وأسر فإعدام صدام حسين ، حتى الوضع الراهن من الفرقة والطائفية والتشرذم ، ولما كانت المرأة العربية أصيلة الهوية والانتماء ، فإنها قد تشتت ما بين هموم الأمة من المحيط للخليج ، وهمها الوطني المحلى ، وما يكتنف عالمها من صراع في شتى مناحي الحياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية .، وفى طيات هذا تعرض لأدوات وآليات الحلم والسلطة ، بين حلاوة الحلم الواهم بالقوة ، والإفاقة العنيفة على الهزيمة المروعة وما يصاحبها من صدمات وصفعات .
العرض المسرحي أبرز صراعا فنيا من نوع خاص ، وهو الذي دار بين كاتبة النص حين أطلقت العنان لنفسها لتعبر عما يجول في خاطرها،من خلال يوميات منفصلة الأيام ، متصلة الحدث منذ دخول قوات التحالف العراق ، وما تلاه من أحداث على مدى 80 دقيقة مدة العرض ، الذي ينتمي فنيا للمونودراما ، وهى عرض يؤديه ممثل واحد ، قوامه المونولوجات ( الأحاديث التي تدور في نفس الشخص ، وكأنه يحدث نفسه ، ويعرض لدقائق مشاعر وأحاسيس النفس البشرية ، وردود أفعالها النفسية تجاه ما يدور حولها من أحداث ، وتأثيرها المباشر عليها ، موضحا الصراع الدائر بداخل الشخصية ، ولقد حفل العرض السردي بذروات وأضدادها ، ووقع في شرك المباشرة التي نسجها الواقع ، ووقعت في فخها الكاتبة ، ولكن الحوار به بعض اللمحات الجمالية مثل الحوار بين البقال الليبي والرجل التونسي عن كيفية القبض على صدام، وعدم استخدامه الأسلحة التي أشيع عنه أنه يمتلكها ، وجدال دار أكان عنده أسلحة؟ إذن لماذا لم يستخدمها في قتاله مع قوات الغزو والمحتلين ؟!!، والصدام في العقل بين الحلم ومرارة الواقع، والسخرية لما تروج له وسائل الإعلام العربية والأجنبية .
وهناك صراع الممثلة نادرة الموهبة، طاغية الحضور ، التي استعرضت كوامن طاقاتها الإبداعية ، وموهبتها ومخزونها الفني الرائع ،ما بين رقص وغناء وأداء تمثيلي ، ولكن عاب الأداء بعض المبالغة وخاصة في مشهد التعلق من القدمين، وكانت فيه مخاطرة ، وتزيد إذ كان يمكن استبداله فنيا بأية جمل أدائية، تعبر عن مضمون ومغزى المشهد ، ومابين الحوار باللهجة التونسية المحلية العربية وقد تخللته بعض العبارات الفرنسية والإنجليزية ، إلا أن ذلك يثبت بلا أدنى شك وبكل جلاء تشبثها بهويتها العربية ، رغم الغزو الفكري ، وفترة الانكسار التي تعيشها الأمة ، وهو دليل على عدم ذوبان الهوية في عالم العولمة .
وأما المخرجة فلقد أبدعت سينوغرافيا العرض ( تصميم مشاهده ) ، موفقة أيما توفيق في ابتكارها للديكور الرمزي الدلالة البسيط التكوين ، عميق التأثير الدرامي ،وهو عبارة عن هرمين رباعيى الأضلاع ، أحدهما قاعدته على أرضية خشبة المسرح في منتصف المسرح تماما ، والأخر قاعدته سقف المسرح لتلتقي قمتا الهرمين في منتصف المسافة بين أرضية وسقف المسرح ، مستخدمة الخيوط البلاستيكية الشفافة البيضاء في تنفيذه ، وجدرانه الأربعة افتراضية بحيث تتيح للجمهور متابعة الحدث، وكأنه يرى ما وراء تلك الجدران بداخل الهرم من أحداث ، فالجدران رمز للحصار النفسي ، وما يغلف المشاعر من عجز وإحباط وبداخل الهرم ،وعلى اليمين منه لوحة بلاستيكية مفرغة مستطيلة بها فراغ مربع ( شاشة تليفزيون ) ونشرات الأخبار ، وما تحاصر به العقل العربي وما تفرغه فيه من كذب وتضليل ، ثم تصدمه بالحقيقة ، أبدعت المخرجة توظيف المختارات الموسيقية ، بدأت العرض بالمقطع الشهير المميز لحكاية ألف ليلة وليلة ، وتخلل العرض مقاطع الأغاني الشجية ، وموسيقى المقاطع التي رقصت عليها رقصا تعبيريا دراميا ، وكان له بعض الأثر في التخفيف من الملل الذي سببه طوال مدة العرض ،ووفقت إلى حد بعيد في استخدام ألوان الملابس والتنكرات بين اللونين الأبيض والأسود ، وإن كان تنكر الخادمة الفلسطينية الجوارب والقدم المتورمة ليس له داع ، وكان يمكن تأدية المشهد والتعبير عن مضمونه باستخدام الرمز والأداء التمثيلي البسيط ، و لكن غلبة اللونين الأسود والأبيض على ألوان السينوغرافيا والجو العام للعرض وضح ورمز للحالة النفسية التي تغلف الحدث وعبقت الجو الدرامي بالأسى والحزن، ساعدها على ذلك حسن توظيف مفردات الإضاءة وتقنياتها ، ما بين المركزة على الممثلة حين تؤدى ، أو بعيدا عن نقطة الأداء ، أو إضاءة مختلطة بالظلال على الوجه لتعبر عن مدى انفعالات الشخصية وما يعتصرها من حزن وضيق ، مع استخدام هائل متقن محترف للغة الظلال بأحجامها المختلفة وتأثيرها الدرامي ، على خلفية المسرح ، أو على جانبيه ، ولكن لم تفلح المخرجة في المحافظة على إيقاع عام سريع للعرض ، فلقد كان سريعا على مستوى المشاهد المنفصلة ، ولكن انتابته الرتابة نظرا لطول العرض 80 دقيقة ، وعدم التركيز على بؤرة بعينها للصراع، بسبب السرد المطول للأحداث التي تلت الغزو ، والشحنة الكبيرة من الا نفعالات التي حفل بها العرض، ليبدو العرض وكأنه تجريب لمسرحة الثرثرة .، فكانت نهاية العرض باهتة جدا .
ومابين صراع الممثلة التي عنيت باستعراض مقدرتها الفنية ، وتنوع فنون أدائها ، والكاتبة بحواراتها الطويلة الممتدة ، والمخرجة المحترفة المعروف عنها انشغالها الدائم بقضايا وطنها ،وهى التي ابتكرت في سينوغرافيا العرض لتحقيق الجو العام للعرض زمانا ومكانا ، حتى تهيئ الجمهور للتفاعل مع العرض ، طال العرض أكثر من اللازم ، وأكثر مما تطيقه المونودراما ( فردية الأداء على الخشبة ) ، ليصاب العرض بالترهل الدرامي ، لدرجة افتقاد التركيز على بؤرة معينة للصراع الدرامي يستطيع الجمهور أن يبقى على تفاعل معها ، ولا يصاب بالملل من أول العرض لأخره.