دائرة المصالح المسرحية
دائرة المصالح المسرحية
د. كمال يونس
ظواهر لافتة للنظر عن مجمل ما يقدمه المسرح المصري تدعو للوقوف عندها وتأملها بجدية نظرا لخطورتها على واقع ومستقبل المسرح الفن والرسالة ، أولها: أن لجان المشاهدة العروض المصرية قد اختارت عدة عروض للمشاركة في مهرجان المخرجة المسرحية الذي تبدأ فعالياته يوم 2 أغسطس القادم بالقاهرة ، و بين تلك العروض الشوكة لفرانسواز ساجان ، هموم الآخرين ليورغوس سكوريتس، صورة ماريا لليديا شيرمان ، وذاكرة المياه شيله شتيفنسن ،ثانيها: يقدم مسرح الشباب هذا الموسم العفريت ، ومشعلو الحرائق لماكس فريش ، ثالثها : عن عدم استعانة مخرجي الثقافة الجماهيرية ولا الجامعات ولا الفرق الحرة بدليل النصوص، الذي تطبعه الهيئة ويتضمن أسماء العروض التي وافقت عليها لجان النصوص إلا لندرة من أصحاب الحيثية الوظيفية في الهيئة، وبعض المعارف، ولجوئهم للعروض المترجمة أو المعدة عن نصوص أجنبية، أو وسائط أدبية أخرى وخاصة الترجمات ، رابعها: حوالي الثلث من العروض التي عرضت في المهرجان القومي الثاني للمسرح المصري مترجمة عن أصول أجنبية ، ونسبة أخرى كبيرة لعروض معدة عن وسائط أدبية ، خامسها: معظم ما يقدمه البيت الفني للمسرح المصري يقدم إما عروضا مترجمة أو معدة عن نصوص أجنبية ، وحتى مسرحية إكليل الغار التي فازت بالمركز الأول مع ولد وبنت وحاجات كانت مواضيعهما الأساسية أبعد ما تكون عن الروح المصرية العربية ، وما قدم لمؤلفين مصريين فهو لأصحاب السعادة ذوى الأقلام الضاغطة والتي فشلت بالفعل في استقطاب الجمهور ، نظرا لعدم تمكن أصحابها من فن الكتابة للمسرح ،سادسها : معظم العروض تقدم تأليف وإخراج ، أو إعداد وإخراج ، رؤية وإخراج مخرج العرض ، سابعها : ذلك التهافت العجيب للمجلات المتخصصة بالمسرح في نشر النصوص الأجنبية المترجمة ، أي تحفظ تراث الغير ، أما واقعنا فلا يهمها !!!.
وبلا شك فإن الخاسر هو كتاب المسرح المصريين فلا تقدم أعمالهم في بلادهم ولا تسلط عليهم دائرة الضوء ، في وقت قلت فيه استعانة المسارح في البلاد العربية بأعمال لمؤلفين مصريين ، وحتى ما يقدم في مصر فهو إما للراحلين من العمالقة بنظام الريبورتوار ، أو لراحلين آخرين لم يسلط عليهم الضوء في حياتهم ، وأما الكتاب المعاصرين فقد انكسروا تحت وطأة فساد بين طفح وبرز وكشف عن وجهه القبيح في عمل لجان النصوص ولجان التحكيم والمشاهدة في مهرجانات الدجل المسرحي والخداع وبيع الأوهام، تحت مظلات من إعلام خادع بعيد تماما عن الرصد الصريح والشجاع لتلك الظواهر السلبية ، والأخطر من ذلك ما يتبناه مركز الهناجر ، ومركز الإبداع من طوفان جارف للمسرح التقليدي وهيبة النصوص المسرحية بل والعملية الفنية بأسرها تحت مسميات تأليف جماعي ، وإخراج جماعي ، وتطفو على السطح موضة الاستغناء عن الكلمة في عروض الرقص المسرحي الحديث ، ويسمح لها بالاشتراك بل والفوز بجوائز في المهرجان الأخير ، ومن العجب أن الشباب المهتم بالمسرح قد رسخ في ذهنه أن الشعوذة التي يأتى بها المسرح التجريبي التخريبي هي المسرح فيعلن اعتناقه لفكر التجريب، دون أن تكون لديه الخلفية الفنية والخبرة التي تؤهله للتعامل مع تلك الأنماط، التي تفت في عضد المسرح بمباركة المسؤولين ،ظنا منهم أن ذلك سيمنح الفرصة لعروضهم أن تبرز ويكون لهم مكانا في دائرة ضوء هذا الفن .
الكاتب المسرحي المصري يقف وحيدا في معركته للبقاء فمنهم من يتجرع الحسرات ، ويعانى الانكسارات ، ومنهم من انصرف عن الكتابة للمسرح إلى الدراما التليفزيونية ، والسينما ، تحت سمع وبصر حركة نقدية تافهة سطحية يبرز فهلوانتها الذين يجمعون بين الفهلوة اللفظية ، وأفعال البهلوانات من الرقص على الحبال ، سلاحهم في هذا هو النفاق والمداهنة والصمت إيثارا للبقاء ، ومن العجب أن معظم من يكتبون عن المسرح في الصحف المصرية قل أو ندر منهم من يدافع عن المسرح بقدر دفاعه عن مصالحه ، وحتى الإعلام المرأى يستطيع أي مسؤول عن المسرح أن يمنع برنامجا فيه كشف للحقائق وكشف للزيف باتصال هاتفي ، ولعل تلك الضجة الإعلامية التي واكبت حفلي الافتتاح والختام لمهرجان المسرح مع حشد نجوم السينما يدلل على الاستخدام الأمثل للإعلام ولبريق النجوم في تغطية المستور ، وكله بيخدع كله ، حتى المبالغة في إعلان النتائج من حصد إحدى المسرحيات لذهبية المهرجان وليس هناك من فضية ولا برونزية ، كذب بين وصريح وخداع للرأي العام ، ومن العجب سخرية بعض من أعضاء المهرجان من نتائجه في جلساته الخاصة ولكن في مواجهة الإعلام فلا يتكلم إلا عن المهرجان وعبقرية منظمه ، حتى نشرة المهرجان تحولت إلى نشكر ونشكر بصورة فجة لا تعرف للحياء سبيلا ، وآه لو تجرأ أحد وهاجم المهرجان وتكلم بصراحة فسيجد الهجوم الضاري عليه من كل حدب وصوب مثلما حدث مع الأستاذ الفنان جلال الشرقاوى حين عبر عن وجهة نظره في المهرجان .
إذن المسرح المصري محاصر بزيف إعلامي ، وتظلله كآبة انصراف الكتاب الجادين عنه ، حيث انكسرت طموحاتهم في ظهور إبداعاتهم للنور أمام الأسوار العالية الصخرية للجان الرفض المسرحي التي تعد خصيصا لرفض نصوصهم في فجاجة وجرأة المستعفي بسلطانه الأرضي الواهي ، والإجابات الرسمية متوافرة وسابقة التجهيز لمن يجرؤ على الشكوى وهى أن نصوصه لا ترقى لتقديمها ، وطبعا لا يملك الوزير الذي أطلق يد مجموعة المماليك الذين يديرون شؤون المسرح المصري، ويقودون سفينته وتاريخه المشرق تحت وطأة الواقع المتردي لواقع المنتج المصري بعروضه التي يوليها الجمهور ظهره ، في ظل من مجاملة الكثير من الأقلام المبتزة ، والنشر عن إيرادات دون ذكر المصروفات ، والحجة المسرح ليس سلعة استهلاكية ، ردودهم متوافرة وحججهم الباطلة آلية محفوظة ، ولكن أمام هذا الانهيار لماذا لا يتكاتف المسرحيون للحفاظ على هذا الفن ، وذلك بتبني كشف النقاب عن أولئك الكتاب الموهوبين، الذين سحلتهم على مر عقود من الزمان تلك القيادات المهترئة الزائفة التي تتصدر رسميا مواقع القيادة في المسرح ، مطلوب تكاتف النقاد والكتاب والإعلاميين للنهوض الفعلي بالمسرح المصري ، وكشف بؤر الفساد والزيف ، أليس هذا أحد أهم أدوار المثقفين ، أم أن التسابق لفتات الموائد صار الشغل الشاغل للبعض.