الفنانة الفلسطينية ريم بنّا

عبد السلام العطاري

الفنانة الفلسطينية ريم بنّا

في حوار خاص مع "الوقت"

عبد السلام العطاري

 العلاقات الدولية / اتحاد كتّاب الانترنت العرب

[email protected]

- إنَّ ما يجري الآن غزة يمزق الحلم ويجعلنا نتمزق على الدم الفلسطيني المهدور

- الأغنية الملتزمة هي الأغنية التي تُعَبّر عن واقعنا الإنساني, الروحي, الحياتي, والنضالي

من نثار حكايا التاريخ  التي تهف على وجهٍ ملائكيٍ، وصوت كنعانية قديمة، تأتي كظبيةٍ نافرةٍ على تلال مرج ابن عامر، لتصعد أعالي الناصرة البشارة، وتقف كنجم يضيء المرج ليسهر الكرمل الممتد في عمق الأغنية التي لا تصدأ ولا يذبل صوتها، كقنديل الهي في مساء يدور ليسحر الكون بكلمات تعيد التهليلة والتراويد من لُجفها  لينام طفل الحكاية ويحلم أن الأرض ما زلت بكراً والندى الذي يغسل وجه الفجر بطعم سنابل القمح، إذن هي سفيرة الحكاية الفلسطينية موسقتها حباً وإيمانا بأن الـ فلسطين وإن عاثوا بالعتمة أريج القرنفل والسرّيس الزعتر وأجلّوا نعاس الريم في غابتها .. ستبقى الصوت الخارج من جبّ النبي الذي توضأ بظريف الطول والدلعونا وجفرا ، ليبقى عالياً كجليل منتصب وكجبل الزيتون الـ يعانق قبة السماء في قدس ما زال للحمام  مطرحاً يهجع إليه وينام على وقع مآذنها وأجراس كنائسها،

1- تحاولين تحرير الأغنية العربية الفلسطينية من شوائب علقت بها ، وطالما تذكريين وترددين هذه المقولة ،  ماذا تفعل ريم بنّا كي تحررها.

 - هذا هو جزء من رؤيا ربما كنت أهتم بتفاصيلها في الماضي, عندما لم نكن محمّلين بهذا القدر من الهموم التي نعيشها اليوم في ظل الاحتلال وفي ظل الوضع الفلسطيني الداخلي القائم والذي بات مخجلاً للجميع.

في السابق كان اهتمامنا يصب في رفع مستوى الأغنية الفلسطينية والارتقاء بها حتى تصل إلى العالم, بصورة تليق بتراثنا وحضارتنا العريقة وحتى تتميز باللحن والكلمة ترتقي بذوق فني عريق رغم وجود أزمة موسيقية حقيقية في العالم وخاصة في البلاد العربية التي باتت فيها الأغنية لا تحمل معنى ولا لحناً, فقط "صف" أي "كلام" وسرقة الألحان من أغان غير عربية، وهي هجمة مدروسة من قبل الجهات المعنية بإسقاط تاريخ مشرّف بأكمله وشد جيل بأكمله يلهث وراء أغان لا تمت بواقعه ولا بالواقع العام بصلة, بل هو أصلاً لا يمت للفن والإبداع والموسيقى بصلة, إنما محاولة تهجين للأغنية العربية و تراثها.

2- الأصالة والتراث..  زهيرة صبّاغ...توفيق زيّاد ... إميل حبيبي .. محمود درويش...سميح القاسم،  من هؤلاء  في قاموس ريم بنّا .. ؟

إنهم  من أعمدة الأدب الفلسطيني خاصة والعربي عامة, دونهم ستكون الحياة بلا معنى, لا شك أنني فخورة بمكانتهم وعطائهم الذي كان نبراساً لنا, وإيحاء عظيماً لإبداعاتنا... والأصالة والتراث كيان يتطلب منا أن نبقى على تواصل دائم به و ننسج منه ثوبنا الجديد ليعرف العالم أن حضارتنا وتاريخنا على أرضنا هي التي بشرّت بحضارات التاريخ.

3- " أور سالم" " قُمران" ما الذي دفع ريم بنّا إلى تسمية طفليها بهذه الأسماء... وهل  تغفو أحلامها على تهليلة وترويدة الأغنية الموروثة التي ربما قد نامت عليها ريم في طفولتها؟؟

لي ثلاثة أولاد, ابنتاي: بيلسان وقُمران, وابني أورسالم, دائما كنت أبحث على أسماء غير متداولة وجميلة, هذا كان دافعي الأول, أما بالنسبة لقُمران وأور سالم, الاختيار كان بسبب الظروف الصعبة التي كنا نمر بها كفلسطينيين وخاصة أيام الحصار في العام 2002, في هذه الفترة كنت حاملاً يهما, فوجدت أن هذين الاسمين, سيكون لهم وقعاً قاسياً على نفوس الإسرائيليين, كونهما اسمين لمدينتين كنعانيتين, وأنني بالتأكيد سأكون فخورة بان أكون أماً لأورسالم وهو الاسم الكنعاني القديم لمدينة القدس, وقُمران وبيلسان.

وحيث أني أول فنانة غنت التهاليل الفلسطينية على المسرح- وأنا محظوظة بذلك-  فلا بد أن أطفالي كبرت أحلامهم مع هذه التهليلة التي تتحدث عن اشتياق الأم لأهلها وأشقائها اللاجئين في المنفى, ولا بد أنهم سيحلمون بعودة اللاجئين إلى ديارهم, وسيحلمون بوطن أجمل.

أما أنا, فكنت أحزن عند سماع جدتي الشامية تهلل لي هذه التهليلة, هذا ما قالته لي أمي, ربما لأن صوتها كان يحمل شجناً أكبر لأنها تدرك أنها لن ترى عائلتها أبداً. لقد ورِثتُ الشجن في صوتي من الأم ... شعبي الفلسطيني ومعاناته، والقوة من صموده.

4- مشهد دامي يمزق أحلام كلٍّ من غنيتِ لهم ومن تُغني لهم.. هذي غزة تحرق سفنها، والضفة تلوذ بالعتمة حائرة... وريم تستعد لأغنيات تحرّض على حب فلسطين من نهرها إلى بحرها، كيف كنت وهذه الصورة؟

ألبوم "مواسم البنفسج"-أغاني حب من فلسطين, صدر في شباط العام 2007, أي قبل الأحداث الاخيرة والمؤسفة. هدفي من إصدار البوم يتحدث عن العشق الفلسطيني بكل أشكاله, الحب الإنساني, حب الفلسطيني لأرضه وشوق اللاجئ للعودة, فقط لإظهار الجانب الإنساني للشعب الفلسطيني الذي يحاول العالم أن يتجاهله, ويرانا فقط من خلال نشرات أخبارهم البائسة التي لا تمت للحقيقة بصلة, لأنها تكون وفق مخطط صهيوني – أمريكي.

بالسابق أصدرت ألبومات كثيرة مثل "مرايا الروح" والمرفوع إلى الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية إكراما لنضالهم من أجل الحرية, وألبوم "وحدها بتبقى القدس" المرفوع إلى أمهات الشهداء الفلسطينيات, وألبوم "لم تكن تلك حكايتي" المرفوع إلى الشعب الفلسطيني واللبناني تكريماً لنضالهم.

لا شك أن ما يجري الآن غزة يمزق الحلم ويجعلنا نتمزق على الدم الفلسطيني المهدور, وها نحن ننفذ كل ما كانت تحلم به إسرائيل منذ 60 عام. هل نلطخ تاريخنا المشرف بالبطولات والصمود والمقاومة بمشهد الاقتتال الداخلي  والذي لم نعتده من قبل؟

لم أتخيل يوماً أن نصل إلى حد أن يهجر الفلسطيني أخيه الفلسطيني, أو قتله أو اعتقاله؟

أتمنى أن يكون ذلك مجرد غمامة سوداء عابرة. 

5- في ظل تغريب الأغنية  العربية وها هي الفلسطينية تلحق وتغرق نوعاً ما في  موجة الراب  والهوب هوب، وريم بنّا ، تغني تراويدها وتهليلها  وتذكر رائحة الثوب العتيق المجبول برائحة مرج ابن عامر ..وتلبسه في أمسياتها. كيف استطاعت ريم  أن تجذب الجمهور الذي بات على تلك الألوان... وماذا تعني لك الأغنية الملتزمة .

في الحقيقة أنا لست ضد موسيقى الراب أو الموسيقى الغربية في حال كانت تخدم قضايا الإنسانية وأعتقد أن التحفظ موجود فقط حول الكلمة, لان مستوى كلمات هذه الأغاني ضعيف وخال من العمق في المعنى, ربما يعود ذلك لعدم وجود شعراء أو كاتبي كلمات لهذه النوع من الأغاني الناقدة والمتمردة.

ولا أجد نفسي مغنية للتراث فقط, و أحاول أن أقدم بعض الأغاني التراثية بقالب جديد, أو تلحين بعض النصوص التراثية الفلسطينية الغير ملحنة بأسلوب ينبع من وحي الموسيقى التراثية ولكن بصورة جديدة, ولي هدف من ذلك, هو الحفاظ على هذه النصوص التي باتت تندثر, وبنفس الوقت جذب المستمعين الشباب لسماع هذه الأغاني والنصوص, لان الألحان والإيقاع فيها قريب من إيقاع عصرنا.

وإصراري الدائم على ارتداء الثوب الفلسطيني على المسارح العالمية يعود إلى إدراكي وإيماني بما يحمله هذا الثوب المطرز من معنى، انه يدل على هويتي,على تراثي وعلى شموخ شعب لا يقهر.

والأغنية الملتزمة هي الأغنية التي تعبر عن واقعنا الإنساني, النفسي, الروحي, الحياتي, النضالي .... الخ. وبما أني أغني عن هذا الواقع وعن عذابات الشعب الفلسطيني وصموده ضد الاحتلال, يجعلني أصنف على انني من الفنانين الملتزمين بقضايا شعبهم.

6-  لاشك أنك تشكلين حالة مميزة وانحاز لها تماماً، ولكن دعيني، أقول من الذي أثر في ريم التي ربما قد تكون نجمة تزاحم مطربات الموضة والفيديو كليب ولماذا هذا اللون تحديداً.

صدقني أنا لا أزاحم أحد, ولا أسعى إلى ما يسعى إليه الفنانين اليوم, لي رسالة واضحة سأناضل دائما من أجلها, صوتي هو سلاحي, وأغانيَ تعني لي شكل من أشكال المقاومة, وأنا لست بنجمة ولا أريد أن أكون نجمة لا يصلها الناس, أنا فنانة فلسطينية, صادقة بالتعبير عن الواقع الحقيقي عبر الموسيقى, الأغاني والصوت, أحاول أن أوصل صوت وصرخة الإنسان الفلسطيني إلى العالم حتى يدرك المعاناة الحقيقية للإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال, ولمناصرة قضيته العادلة والضغط على حكوماته لاتخاذ مواقف حازمة لإنهاء هذه المعاناة.

لم أختر لون موسيقي محدد ولم أفكر في ذلك, الموسيقى والألحان تنبع من الروح والوجدان, إنها مزيج من الروح الواقع.

7-  ريم بنّا  تجولت في غير بلد غربي سواء في أمريكا اللاتينية أو أمريكا الشمالية وأوروبا ولكن لا اعرف سبب قلة حضورك ومشاركاتك العربية ؟؟

يشرفني أن أقف على مسارح الخليج العربي والوطن العربي بشكل عام مغنيةً؛ لتكون كلمتي الفنية الملتزمة ذات المضامين الإنسانية والتي تحمل رسالة شعبي التي تعيش أيضا في عقمها القومي الممتد من المحيط إلى الخليج، وكانت هناك دعوات عدة من جهات عربية مختلفة ولكنها كانت تنتهي عند حدود لا اعرف أسبابها بحيث لا تتم المشاركة ويشرفني أن اغني وان أكون بين شعبي العربي في البحرين الشقيق وفق قاعدة أن فني وكلمتي وأدائي مُلك الناس جميعاً وليس مُلكي الشخصي.

ريم بنّا فنانة وملحنة فلسطينية ملتزمة, من مواليد الناصرة في الجليل. أحبّت الموسيقى والغناء منذ صغرها, حيث كانت تشارك في "مهرجانات يوم الأرض الخالد" والاحتفالات الوطنية وفي المناسبات السياسية وبدأت حياتها الفنية وهي في العاشرة من عمرها.

درست ريم بنّا الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى "GNESINS" في العاصمة الروسية موسكو, وتخصصت في الغناء الحديث وقيادة مجموعات غنائية بإشراف أستاذ الغناء المعروف, الملحن والفنّان  Vladimer Karobka, حيث أنهت ست سنوات أكاديمية وتخرجت بامتياز العام (1991) وفي  ذات العام  تزوجت الفنانة ريم بنّا من الفنان (ليونيد ألكسيينكو) من أوكرانيا, الذي درس معها أيضا موضوع الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في موسكو, حيث عملا سوياً في التلحين والموسيقى, ويعيشان في مدينة الناصرة العربية عاصمة الجليل . شاركت ريم بنّا وليونيد في مهرجانات وأمسيات فلسطينية وعربيّة وعالميّة, حيث مثلت الصوت الفلسطيني والأغنية الفلسطينية في كل هذه المشاركات.