ملاحظات شرعية على العرس الإسلامي
ملاحظات شرعية
على العرس الإسلامي
نجدت لاطـة
كم تمنيت أن أحضر عرساً إسلامياً لا أتنكد فيه .. وكم تمنيت أن أحضر عرساً إسلامياً حضارياً يليق بعظمة مفاهيم الإسلام .. وكم تمنيت أن أخرج من عرس إسلامي منتشياً ومطروباً .. ولكن ـ للأسف ـ لم يحدث هذا ، وأنا لا أدري متى سيطرب المتديّن ، فإذا كنا لا نطرب في العرس فمتى نطرب ؟
في حين أن عرس غير الملتزمين يطرب أهله وينتشون حتى الثمالة ، بغض النظر عن شـرعية ما يطربهم ، المهم أنهم يطربون ، ونحن ـ الإسلاميين والمتدينين ـ لا نطرب إلا في أدنى مستويات الطرب ، وأحياناً لا نطرب أبداً .
فهل مفاهيم الإسلام لا تسمح للمؤمن أن يطرب في أعلى مستويات الطرب ؟ وهل الطرب خاص بأهل الفسق والمجون ؟
كم يظلم الإسلاميون في هذا الزمان مفاهيم الإسلام .. وكم يقدمون إسلاماً معوجاً ينفّر الناس ويشوّه صورة الإسلام الناصعة .. فأنا الذي أعرفه أن الإسلام علمنا أن نعطي كل ذي حقٍ حقه ، وحق العرس الإسلامي أن يبتهج أهله وفق المباحات التي أباحها الشرع . والأناشيد الغزلية والرقص المتزن والدبكة من الأمور المباحة ، المهم في الأمر أن لا يحدث اختلاط بين الرجال والنساء .
ولكن الذي يحدث أن المنشدين ما زالوا ينشدون الأناشيد الدينية والروحية والمدائح النبوية في الأعراس ، وهذا مما يشوّه مفهوم العرس الإسلامي ، لأن العرس يناسبه الأناشيد الغزلية فقط ، لأن العريس والعروس هما في ليلة دخلة وليس في ليلة القدر ولا في ذكرى المولد النبوي الشريف ، فمن الطبيعي أن يسمعان أناشيد تطرّي نفوسهما .. أناشيد ترفع نسبة العواطف لديهما ، وهل يختلف اثنان في هذا المعنى ؟ المشكلة أن كل الإسلاميين وكل المنشدين لا يفقهون هذا المعنى .. وأنا لا أريد أن أستثني أحداً ، لأن الواقع الذي أراه يقول هكذا . وما زال الكثير منهم يصرّ على إقحام الأناشيد الدينية والمدائح النبوية في العرس الإسلامي . وإذا سألنا هؤلاء المنشدين عن ذلك ، أجابوا بأن الجمهور يريد هكذا .
ويوجد في السيرة النبوية ما يدعو إلى إنشاد الأناشيد الغزلية في الأعراس ، فقد جاء أن عائشة رضي الله عنها زوّجت يتيمة من الأنصار ، وكان عائشة ممن أهداها إلى زوجها ، قالت : فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قلتم يا عائشة ؟ فقالت : سلّمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا . فقال عليه الصلاة والسلام : إن الأنصار قوم فيه غزل .. ألا قلتم يا عائشة :
أتيناكــم أتيناكــم فحيـونا نحييكـم
ولولا الحبة السـمراء ما حللنا بواديكـم
ولولا الذهب الأحمـر ما سمنت عذاريكم
ومعنى البيت الثاني : ولولا عروستكم الجميلة ما جئنا وخطبنا منكم . فالعرس الإسلامي لا ينبغي أن ينشد فيه إلا الأناشيد الغزلية .
والملاحظ أن الأعراس الإسلامية الحالية تطورت قليلاً عن السابق ، فصار الجمهور الإسلامي يرقص ويدبك ، أما في السابق فقد كان الرقص والدبكة عند الإسلاميين من المحرمات التي تكاد تخرج الراقص والدابك من ملة الإسلام .
والرقص والدبكة تحتاجان إلى أناشيد غزلية ، لأن الأناشيد الروحية والمدائح النبوية لا يليق بهما الرقص والدبكة .. والذي يحدث في الواقع ومن خلال رؤيتي للأعراس التي حضرتها في هذا الصيف والتي أحياها جهابذة النشيد الإسلامي أن الجمهور الإسلامي لا ينتبه ـ في الرقص والدبكة ـ إلى المعاني التي ينشدها المنشدون ، وبالإضافة إلى أن المنشدين لا يلقون بالاً إلى هذا الخليط الشائن بين المعاني الدينية وبين الرقص والدبكة . ومثالاً على ذلك فقد حضرت عرساً كان المنشدون ينشدون الأنشودة المشهورة :
صلى الله على محمـد صلى الله عليه وسلم
وكان الجمهور يرقص ويدبك على أنغام هذه الأنشودة .. فهل هذا يليق بمعاني هذه الأنشودة .. ؟ وهل يجوز للمسلم أن يرقص ويدبك على معاني المديح النبوي ؟
ويزداد الطين بلةً وعفونة وقبحاً أن الأناشيد الدينية والمدائح النبوية هي نفسها التي تنشد في أعراس النساء ، وكما نعلم أن النساء شاطرات في الرقص ، ورقصهن ليس كرقص الرجال ، وإذا كنا قد هضمنا وبلعنا رقص الرجال مع المدائح النبوية فإن رقص النساء لا ينهضم ولا ينبلع ولا حتى في شريعة حاخامات بني إسرائيل ، لأن رقص النساء يكون فيه هز الأرداف والصدور .. فهل يجوز للنساء أن تهززن أردافهن وصدورهن على معاني المدائح النبوية ؟ أليس هذا استهزاءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس هذا محظور شرعي خطير ؟
والمشكلة الأخرى أن العرس الإسلامي يحضره أناس غير ملتزمين ونساء غير ملتزمات من أقرباء وقريبات العريس والعروس أو من أصدقائه وصديقاتها أو من جيرانه أو جاراتها .. فيشاهدوا هذه المساخر التي تحدث باسم الإسلام وباسم العرس الإسلامي ، فيحدث عندهم شعور غريب عن عالَم الإسلاميين والمتدينين .. بل ويحدث عندهم نفور من التديّن ، وأظن أنهم يقولون في أنفسهم : إذا كان التديّن هكذا فلا نريده .
فمتى يعي المنشدون والجمهور الإسلامي هذه المعاني ؟ ومتى يتوقفون عن الوقوع في هذه المحظورات الشرعية ؟ المشكلة أني أنصحهم ولكن لا مجيب ولا مستجيب ، أسأل الله لهم الهداية .
ملحوظة : أخبار أعراس النساء وما يحدث فيها أتيت بها من زوجتي .