الدراما البدوية و الهوية العربية

نبيل عواد المزيني

نبيل عواد المزيني

[email protected]

باحث- الولايات المتحدة

ان الدراما البدوية ليست بجديدة علي الشاشة العربية بل هي قديمة جدا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي ، حيث قدم يوسف شعبان والراحلة سلوى سعيد مسلسل وضحى وابن عجلان .

ولقد استطاعت الدراما البدوية  استقطاب قطاعات واسعة من الجمهور وفئات وشرائح غير متوقعة في عصر العولمة ، وهي دراما عربية بامتياز في لهجتها وبيئتها وخبراتها الفنية والإنتاجية . وهذا دليل علي  حنين المواطن العربي الي ماضية العريق ومبادئة الاصيلة والتي كانت وراء ارتقائة لقيادة الامم في وقتا كانت تعيش فية باقي الشعوب في ظلمات الجهل و التخلف , وحسب قول مدير النصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للإنتاج الإعلامي ياسر قبيلات إن الدراما البدوية " بدأت في المدة الأخيرة تأخذ مكانها وتستعيد حضورها ".

إن العودة للفن البدوي عودة للتراث والموروث الشعبي الأصيل الذي افتقدته الأجيال المعاصرة بتأثير التكنولوجيا والأنماط السلوكية المستوردة عبر الدراما الأجنبية التي دأبنا على مشاهدتها من دراما مدبلجة سواء كانت تركية او غربية او حتي عربية اسما وتحمل قيما غريبة عنا و عن ثقافتنا ومورثتنا وتستخدم مصطلحات اجنبية وأزياء و موضات لا تمت لنا ولا لواقعنا الحاضر و لا لماضينا  بصلة لا من قريب ولا من بعيد , وكأنة كتب علينا ان نستورد كل شئ حتي ثقافتنا و افكارنا ونعيش في ثياب غيرنا وياليتهم من اصدقائنا .

والي الذين يقولون ان هذا النوع من الدراما يلبي ذوق فئة محدودة من المشاهدين وينحصر فقط في منطقة الخليج ولا يصلح في مصر نقول لهم , ألا تعلم ان مساحة البادية في مصر اكثر من ثلثي مساحة مصر تقريبا , وسيناء بها اكثر من 15 قبيلة عربية كبيرة , والصحراء الشرقية بها قبائل بدوية , و الصحراء الغربية حتي الحدود مع ليبيا , وصعيد مصر وحتي وادي النيل والدلتا وعلي رأسة محافظة الشرقية , كل هذة مناطق من اصول بدوية وتفهم لغة البادية وتحب القيم العربية الاصيلة ,

وعلي سبيل المثال لا الحصر فقد قامت جريدة اليوم السابع بعمل تحقيق صحفي مع احدي قبائل سيناء العريقة تحت عنوان قبيلة منها 104 صحابيين أجلاء وأثنى عليها النبى «صلى الله عليه وسلم» فى أكثر من موضع , وفي هذا التحقيق احداث تاريخية و دينية وعادات وتقاليد عربية  وبطولات ماضية ومعاصرة تصلح لأن تكون عمل فني يعكس هموم المواطن المصري في هذة الايام وينمي قيمة الانتماء و الولاء بعد ان كادت الدراما الغربية و المتغربة تقضي علي تلك القيم بين الاجيال الجديدة .

كما اذكر هؤلاء بكم الانتاج المصري البدوي العربي من بداية صناعة السينما في مصر وحتي الستينات من الافلام و المسلسلات و الاغاني البدوية التي قدمتها السينيما واتحاد الاذاعة و التليفيزيون وحققت نجاحات كبيرة في فترة  كانت لمصر الصدارة في المجال الثقافي و الاعلامي  , فشعب مصر مازال هو كما كان لم يطرأ علية عنصر دخيل منذ الستينات , فلماذا الان تريدون ان تحرمو المواطن المصري من العودة لجذورة وفصلة عن اصلة وتغريبة عن قومة.

إن الدراما البدوية تلبي ذوق المواطن العربي في كل مكان حتي الذين يعيشون في المهجر , وكاتب هذا المقال منهم , و جمهورها يمتد من بلاد الخليج الي بلاد الشام و جزيرة سيناء في مصر و الصحراء الشرقية و محافظة البحر الاحمر , والصحراء الغربية وعلي امتداد الحدود الليبية وصولا الي  سكان الصحراء المغربية  , وهذة كما يتضح هي القاعدة العريضة من جمهور المشاهدين في الوطن العربي ، و غالبية العرب كما هو معروف ينتمون لقبائل بدوية بشكل أو بآخر، وفي النهاية فأن المشاهد العربي هو صاحب قرار الاختيار .

كما إن تدهور الدراما المصرية لا يمكن ان نعزية الي تقدم الدراما البدواية حيث ان الدراما السورية وفي السنوات الماضية تمكنت من ازاحة الدراما المصرية عن مركز الصادارة الذي اعتادت علية وذلك لأنها ابتعدت عن معايشة واقع المواطن المصري خصوصا والعربي عموما بأتخاذها منحي تغريبي بعيد كل البعد عن مبادئنا و معتقداتنا من مصطلحات غربية وازياء واساليب حياة , جعلت المواطن المصري يكرهة حياتة وينظر إلي نفسة والي  شعبة نظرة دونية , مما ساعد علي انتشار الفردية و الانعزالية في الحياة الاجتماعية وأدي ذلك الي ظهور امراض اجتماعية غريبة عن مجتمعاتنا الشرقية كالتحرش الجنسي في وسط القاهرة والذي لاوجود لة في الارياف و البوادي  والاغتصاب واطفال الشوارع وسرقة وتجارة الاعضاء البشرية وارتفاع نسب الطلاق و العنوسة وغيرها من الامراض والاوبئة التي تفتك بالمجتمع المصري وفي طريقها للمجتمعات العربية من خلال الفضائيات الاجنبية و بعض الدراما المصرية الهابطة , والتي ما كان لها ان تظهر لولا تلك الهجمات الاعلامية التغريبية والتي تعمل ليل نهار علي هدم مورثاتنا الشعبية وعاداتنا الشرقية وتقاليدنا الاسلامية واقتلاعنا من هويتنا العربية .

ولذلك فأن الدراما البدوية مطلوبة للمجتمعات العربية وزيادتها لا يمكن اعتباره تيارا جديدا يهدف لتحجيم الدراما المصرية والسورية , فلكل ذوقة والبقاء للاصلح في عالم الثقافة و الفن , والدراما البدوية التي تحمل قيما عربية أصيلة وتؤكد علي هذة القيم وتحاول غرسها في نفوس المشاهدين لهي جديرة بالبقاء والسيطرة علي الشاشات العربية حيث ان العادات والتقاليد العربية لم تندثر، بل ما زالت موجودة في داخلنا و واقعنا، ولكنها متجاهلة من قبل دعاة التغريب و العولمة ،والدراما البدوية بمثابة سلاح في أيدي الشباب و الجيل الجديد لمقاومة تأثير الثقافة الغربية ودعوتهم إلى التمسك بالعادات والأخلاق العربية.

وقد تتجح الدراما العربية البدوية في ما فشلت فية السياسة من ايجاد قواسم مشتركة بين شعوب منطقتنا العربية من قيم ومبادئ عربية اصيلة لازالت موجودة داخلنا رغم كل المحاولات التي بذلت عبر الثلاثين عاما الماضية لتغريبنا عن ثقافتناا وتغيبنا عن وعينا وابعادنا عن مورثتنا وطمس هويتنا العربية حتي يسهل علي كل طامع فينا السيطرة علينا وعلي المنطقة ثقافيا و فكريا قبل ان يسيطر عليها اقتصاديا وعسكريا .