مسلسل ( عياش )

مسلسل ( عياش )

امتياز مع درجة الشرف الأولى

نجدت لاطـة

[email protected]

       لله درّك يا سامر المصري ، لكأنك كنتَ يحيى عياش نفسه ، ما هذه الإجادة المذهلة في تمثيل شخصيته ؟ فالمشاهد لا يكاد يصدق أنك لستَ يحيى عياش ، لقد كنتَ تجسّد شخصيته في كل همسة ونظرة .. في كل حركة وخطوة .. في كل نفَسٍ تنفّسه .

       حقاً إن موهبة التمثيل هبة عظيمة من الله ، يُعيد الإنسان بها سيرة الأبطال والأحداث كما كانت وكما وقعت ، بل وأجمل مما وقعت . لأن التمثيل يضفي على الشخصية الروح التي كانت تتمتع بها تلك الشخصية وما عُرف عنها ، ثم تأتي الموسيقى التصويرية لتُعطي الشخصية والحدث أبعاداً أخرى حتى يُخيل للمشاهد وكأنه ينظر بعينيه وأذنيه ومشاعره وجميع حواسه .

       وأنا أعدّ سامر المصري من اليوم فصاعداً فناناً كبيراً يقف جنباً بجنب مع عمالقة الفنانين السوريين كأيمن زيدان ورشـيد عساف وجمال سليمان وسلوم حداد ..

       ومسلسل ( عياش ) الذي كان من بطولة سامر المصري الذي قام بدور يحيى عياش ، ومن سيناريو داليا جبور ، وإخراج باسل الخطيب .. كان قد عُرض مؤخراً في قناة المنار اللبنانية ، وقد أجاد فيه كل من ساهم فيه .

       ولقد أذهلتني كاتبة السيناريو بشكل كبير ، فهي استطاعت أن تغوص في أعماق نفوس المجاهدين من أهل فلسطين ، وتحكي حياتهم اليومية وعملهم السـري .. ولعل المشاهد شعر بأن كاتبة السيناريو تعرف حق المعرفة أدبيات حياة المجاهدين ، وكأنها كانت واحداً منهم . واستطاعت أن تُقدم لنا يحيى عياش كما هو وكما يحب للمشاهد أن يراه ، بل وأجمل مما يعرف عنه .

       والمشاهد سيعجب مثلي حين يعلم أن الكاتبة مسيحية وليست مسلمة كما سمعت من أحدهم . فقد استطاعت الكاتبة أن تتمثّل المعاني الإسلامية بشكل ممتاز أفضل من كثير من المتديّنين ، بل وأفضل من كثير من الإسلاميين . فهي كانت تحكي على لسان يحيى عياش أو على لسان أحد المجاهدين أن النصر والانتصار أفضل من الاستشهاد . وهذه المعلومة غائبة عن معظم المجاهدين في كل البقاع التي فيها حركات جهادية .. فتجد همّ المجاهد أن يستشهد في سبيل الله ، أما النصر فلا يأخذ من ذهنه الشيء الكثير . وهذه أنانية لا ينتبه إليها كثير من المجاهدين . ومما يُروى أن خالد بين الوليد طلب من عكرمة بن أبي جهل في معركة اليرموك أن يأخذ عدداً من الفرسان الأشداء ويقفوا في إحدى الثغور التي يمكن أن يأتي منها كتائب من الروم للانقضاض على المسلمين من الخلف ، وذهب عكرمة ومعه الفرسان وانتظر فلم يأتِ أحد ، والمعركة محتدمة ، وعكرمة فارس كبير يشتاق إلى القتال والاستشهاد ، لأنه أسلم في عام الفتح ، أي أنه أسلم متأخراً فهو يريد أن يلحق بالصحابة الذين أسلموا في أول الدعوة ، وانتظر عكرمة طويلاً فلم يأتِ أحد ، فجاء إلى خالد بن الوليد وقال له بأنه مشتاق للقتال والاستشهاد ، فقال له خالد : يا عكرمة لئن تنتصر خير لك من أن تنال الشهادة .

       ونجحت الكاتبة في التركيز على موضوع هام جداً في تناولها لشخصية عياش ، وهو الصراع النفسي الذي كان يعيشه يحيى عياش ويعيشه كل فلسطيني مطارد من قبل قوات الاحتلال . فهو من جهة أهله يخشى عليهم تنكيل الجنود الإسرائيليين بهم ولا سيما أن لديه زوجة وولد ، بالإضافة إلى أمه وأبيه . ومن جهة أخرى يرى ضرورة استمرار العمل المسلح ، لأنه اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل ولا تستوعبها أبداً .

       وأنا برأيي أن هذا الموضوع أهم من موضوعات التفجيرات والعمليات الاستشهادية التي اشتهر بها يحيى عياش ، لأن العمليات الاستشهادية معروفة لدى المشاهد وهو مشبع بها وقد رآها كثيراً في برامج الأخبار . أما موضوع الصراع النفسي فهو غائب تماماً عن المشاهدين .

       وموضوع الصراع النفسي هو الذي غرز في نفسية المشاهدين عظمة وبطولة يحيى عياش . ولولا تطرّق الكاتبة لهذا الموضوع لظلّت شخصية عياش كما كنا نعرفها . أما بعد اطلاعنا على حقيقة الصراع النفسي الذي كان يعيشه يحيى عياش فقد كبرت شخصيته حتى أخذت زخم الأسطورة .

       ومن خلال نجاح الفنان سامر المصري في تمثيل دور يحيى عياش ، وتألّق الكاتبة داليا جبور برزت اللمسات السحرية للمخرج الكبير باسل الخطيب صاحب المسلسلات الضخمة ، فكان ـ بحق ـ كاتباً آخر لقصة وسيناريو الملسلسل ، ومخرجاً من الطراز الأول في الوطن العربي .