الطفل والبحر ودوحة النشيد
الطفل والبحر ودوحة النشيد
د. محمد الهاشمي الحامدي |
|
هل أدلكم على وسيلة فعالة تساعد أبناءكم الصغار على نطق عربية فصيحة سوية وجميلة؟ سواء كنت في عاصمة عربية وتشكو من انشغال الأولاد عن مدارسهم، أو كنت مثلي في عاصمة غربية وتحرص على أن يحافظ أبناؤك على لسانهم العربي، فإن الوسيلة التي اكتشفتها الشهر الماضي ناجعة وممتعة في آن واحد.
عاد الأولاد من المدرسة العربية التي يرتادونها مرة في الأسبوع بلعبة جديدة اشترتها لهم أمهم ليست كسائر اللعب إنه شريط كاسيت عنوانه: "الطفل والبحر" بدا لي أول الأمر تجميعاً لبعض أناشيد الأطفال المترجمة من البيئة الغربية أو من الأجواء الأسطورية القديمة، ولكن إصرار أبنائي على سماع الشريط في السيارة وداخل المنزل وولعهم الشديد بما فيه جعلني أكتشف تحفة فنية رائعة من الدرجة الأولى.
في البداية، حفظ الأولاد مطلع النشيد الأول:
أمام البحر قد وقفا صبي يجمع الصدفا
وحين الموج بلله أحسَّ البرد فارتجفا
ما معنى المطلع إذن؟ وقف الطفل أمام البحر فحيره معناه ولم يفهم موضعه في هذه الطبيعة الساحرة التي تحيط به.
يحار القلب والفكر فمـن سواك يا بحر
جلال، روعة، سرُّ تحير قلب من وصفا
تقوم الأنشودة على حوار جريء ومثير بين الطفل والبحر، الطفل يتأمل روعة البحر ويستنطقه فينطق هذا بجواب جامع صادق:
وقال البحر يـا ولدي سل الأسماك في كبدي
وسل موجي، تجد قلبي بحـب الله قـد هتفا
انتبه، خصص دقيقتين من وقتك لتبسيط المعنى لولدك المستمتع بسلاسة العبارة وجمال الصورة، وروعة اللحن، أو لعلك تعترف مثلي أنك أيضاً بحاجة إلى أن تذكر نفسك بالحقيقة الكبرى المسيرة لهذا الكون وليس ابنك وحده.
هذا الشريط هو الأول في سلسلة تسمى دوحة النشيد، كتب كلمات قصائده الشاعر سليم عبد القادر، ولحنها خالد جنون، وأنتجته مؤسسة سنا للإنتاج والنشر والتوزيع في جدة بالمملكة العربية السعودية، وإنني لأؤكد لقراء هذه الزاوية أن قصائد الشريط كلها من أجمل الشعر وأعذبه وأرفعه، وأن ألحانه أرقى من 90% من الألحان التي تروجها الإذاعات والقنوات الفضائية العربية حالياً، وأنه لو عرض في أوقات الذروة من برامج هذه الهيئات لفاقت شعبيته أشهر مغني هذا الزمان.
لا أعرف اسم الأصوات الفردية التي غنت قصائد الشريط، وكنت أرجو من سنا أن تنوه بهم في الكتيّب الصغير المرفق مع الشريط لكني أتوقع لهم نجاحاً كبيراً في هذا اللون من النشيد الغنائي الهادف إذا استمروا فيه.
إن الأداء يزداد روعة بسلامة النطق التي يتميز بها المغنون، حيث إن كل الحروف تنطق من مخارجها وعلى وجهها الصحيح تماماً.
والآن أصبح بوسع زينب التي لم تبلغ ربيعها الرابع بعد، أن تردد معهم عن ظهر قلب مطلع نشيد الشجرة وواحداً من مقاطعه:
ما أجمل الشجرة خضراء مزدهرة
بثمارهـا جادت ما أكرم الشجرة
إن مـر إنسان في الظهر تعبان
مـدت له ظلاً ورمت له ثمرة
وفي الشريط أغنية ساحرة عن القمر تذكرني بأيام الصبا في ريف تونسي لم يعرف الكهرباء إلا حين دخلت الجامعة:
ما أجمل القمرا في الليل إن ظهرا
متبسماً حلـواً بين النجوم سرى
إنه القمر الذي نشأت معه والأنيس في ليالي الأمل والأحلام.
أولادي يغنونه وإن كانوا لا ينتبهون له في لندن إلا قليلاً، أما أنا فأردد الأبيات مع مغنيها وأستحضر صورها التي عرفت أعواماً طويلة من عمري، لم يعد الشريط خاصاً بالأطفال ولكنه أصبح هدية جميلة للعائلة كلها، أسمع لحوار النجمة والقمر:
قالت له نجمة:
يا صاحب الهمة لم تغلب الظلمة
فأجابها: سنرى
ورمى على الأرض بشعاعه الفضي
ومشى إلى الروض ليصافح البحرا
من نوره الهادي الآسر الشادي
قد أشرق الوادي وبحسنه افتخرا
يسألك ابنك محتاراً: من خلق القمر؟
فيجيبك المنشد بصوته العذب الرخيم:
فتبارك الله
من كان سوّاه
والنور أهداه
كي يسعد البشرا
وفي الشريط روائع لطيفة عن الشمس والنهر والعصفور والنحلة والمطر، كلها رفيعة بميزان الشعر ومتميزة بميزان الموسيقى، وأجد من واجبي أن أهنئ مؤسسة سنا على هذا الإنتاج المتميز الذي كان مصدر متعة كبيرة لعائلة عربية في لندن، ولاشك أنه أمتع كل الذين استمعوا إليه داخل العالم العربي وخارجه.
أهنئ الشاعر سليم عبد القادر وأرجو أن يبدع بالمزيد في هذا الميدان الذي يهذب النفوس ويتسلل إلى شغاف القلوب.
وأهنئ الملحن خالد جنون، وأرجو أن ينوع محاولاته مع الأصوات العاملة معه ويسهم في رد الاعتبار للموسيقى بعد أن تحولت هذه الأيام إلى فوضى ضاربة تضر السمع وتهبط بالذوق السليم.
وأقول لمديري البرامج في كثير من الإذاعات والمحطات العربية، إن من أوكد الواجبات أن يشتروا حقوق بث أغنيات هذا الشريط ليمتعوا بها مستمعيهم في كل مكان.
هذا ما لدي باختصار عن الشريط الأول من دوحة النشيد، وإني لأنتظر بشغف المجموعات القادمة التي أعلنت عنها سنا: إني أحبكم، أقرأ كتاب الله، نشي المستقبل، وسر الحياة.